عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:20 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذِ اعْتَزَلْتُمُوهُمْ وَمَا يَعْبُدُونَ إِلَّا اللَّهَ فَأْوُوا إِلَى الْكَهْفِ يَنْشُرْ لَكُمْ رَبُّكُمْ مِنْ رَحْمَتِهِ وَيُهَيِّئْ لَكُمْ مِنْ أَمْرِكُمْ مِرفَقًا (16)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(فلمّا وقع عزمهم على الذّهاب والهرب من قومهم، واختار اللّه تعالى لهم ذلك، وأخبر عنهم بذلك في قوله: {وإذ اعتزلتموهم وما يعبدون إلا اللّه} أي: وإذا فارقتموهم وخالفتموهم بأديانكم في عبادتهم غير اللّه، ففارقوهم أيضًا بأبدانكم {فأووا إلى الكهف ينشر لكم ربّكم من رحمته} أي: يبسط عليكم رحمةً يستركم بها من قومكم {ويهيّئ لكم من أمركم} [أي] الّذي أنتم فيه، {مرفقًا} أي: أمرًا ترتفقون به.
فعند ذلك خرجوا هرابًا إلى الكهف، فأووا إليه، ففقدهم قومهم من بين أظهرهم، وتطلّبهم الملك فيقال: إنّه لم يظفر بهم، وعمّى اللّه عليه خبرهم. كما فعل بنبيّه [محمّدٍ] صلّى اللّه عليه وسلّم وصاحبه الصّدّيق، حين لجأ إلى غار ثورٍ، وجاء المشركون من قريشٍ في الطّلب، فلم يهتدوا إليه مع أنّهم يمرّون عليه، وعندها قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم حين رأى جزع الصّدّيق في قوله: يا رسول اللّه، لو أنّ أحدهم نظر إلى موضع قدميه لأبصرنا، فقال: "يا أبا بكرٍ، ما ظنّك باثنين اللّه ثالثهما؟ "، وقد قال تعالى: {إلا تنصروه فقد نصره اللّه إذ أخرجه الّذين كفروا ثاني اثنين إذ هما في الغار إذ يقول لصاحبه لا تحزن إنّ اللّه معنا فأنزل اللّه سكينته عليه وأيّده بجنودٍ لم تروها وجعل كلمة الّذين كفروا السّفلى وكلمة اللّه هي العليا واللّه عزيزٌ حكيمٌ} [التّوبة:40] فقصّة هذا الغار أشرف وأجلّ وأعظم وأعجب من قصّة أصحاب الكهف،
وقد قيل: إنّ قومهم ظفروا بهم، وقفوا على باب الغار الّذي دخلوه، فقالوا: ما كنّا نريد منهم من العقوبة أكثر ممّا فعلوا بأنفسهم. فأمر الملك بردم بابه عليهم ليهلكوا مكانهم ففعل [لهم] ذلك. وفي هذا نظرٌ، واللّه أعلم؛ فإنّ اللّه تعالى قد أخبر أنّ الشّمس تدخل عليهم في الكهف بكرةً وعشيّةً، كما قال تعالى: {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا (17) }). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 142]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَى الشَّمْسَ إِذَا طَلَعَتْ تَزَاوَرُ عَنْ كَهْفِهِمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَإِذَا غَرَبَتْ تَقْرِضُهُمْ ذَاتَ الشِّمَالِ وَهُمْ فِي فَجْوَةٍ مِنْهُ ذَلِكَ مِنْ آَيَاتِ اللَّهِ مَنْ يَهْدِ اللَّهُ فَهُوَ الْمُهْتَدِ وَمَنْ يُضْلِلْ فَلَنْ تَجِدَ لَهُ وَلِيًّا مُرْشِدًا (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه ذلك من آيات اللّه من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا (17)}
هذا دليلٌ على أنّ باب هذا الكهف من نحو الشّمال؛ لأنّه تعالى أخبر أنّ الشّمس إذا دخلته عند طلوعها تزاور عنه {ذات اليمين} أي: يتقلّص الفيء يمنةً كما قال ابن عبّاسٍ، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة: {تزاور} أي: تميل؛ وذلك أنّها كلّما ارتفعت في الأفق تقلّص شعاعها بارتفاعها حتّى لا يبقى منه شيءٌ عند الزّوال في مثل ذلك المكان؛ ولهذا قال: {وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال} أي: تدخل إلى غارهم من شمال بابه، وهو من ناحية المشرق، فدلّ على صحّة ما قلناه،
وهذا بيّنٌ لمن تأمّله وكان له علمٌ بمعرفة الهيئة، وسير الشّمس والقمر والكواكب، وبيانه أنّه لو كان باب الغار من ناحية الشّرق لما دخل إليه منها شيءٌ عند الغروب، ولو كان من ناحية القبلة لما دخل منها شيءٌ عند الطّلوع ولا عند الغروب، ولا تزاور الفيء يمينًا ولا شمالًا ولو كان من جهة الغرب لما دخلته وقت الطّلوع، بل بعد الزّوال ولم تزل فيه إلى الغروب. فتعيّن ما ذكرناه وللّه الحمد.
وقال ابن عبّاسٍ ومجاهدٌ وقتادة: {تقرضهم} تتركهم.
وقد أخبر اللّه تعالى بذلك وأراد منّا فهمه وتدبّره، ولم يخبرنا بمكان هذا الكهف في أيّ البلاد من الأرض؛ إذ لا فائدةٌ لنا فيه ولا قصدٌ شرعيٌّ. وقد تكلّف بعض المفسّرين فذكروا فيه أقوالًا فتقدّم عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: [هو] قريبٌ من أيلة. وقال ابن إسحاق: هو عند نينوى. وقيل: ببلاد الرّوم. وقيل: ببلاد البلقاء. واللّه أعلم بأيّ بلاد اللّه هو. ولو كان لنا فيه مصلحةٌ دينيّةٌ لأرشدنا اللّه ورسوله إليه فقد قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما تركت شيئًا يقرّبكم إلى [الجنّة] ويباعدكم من النّار، إلّا وقد أعلمتكم به". فأعلمنا تعالى بصفته، ولم يعلمنا بمكانه، فقال {وترى الشّمس إذا طلعت تزاور عن كهفهم} قال مالكٌ، عن زيد بن أسلم: تميل {ذات اليمين وإذا غربت تقرضهم ذات الشّمال وهم في فجوةٍ منه} أي: في متّسعٍ منه داخلًا بحيث لا تمسّهم؛ إذ لو أصابتهم لأحرقت أبدانهم وثيابهم قاله ابن عبّاسٍ.
{ذلك من آيات اللّه} حيث أرشدهم تعالى إلى هذا الغار الّذي جعلهم فيه أحياءً، والشّمس والرّيح تدخل عليهم فيه لتبقى أبدانهم؛ ولهذا قال: {ذلك من آيات اللّه}
ثمّ قال: {من يهد اللّه فهو المهتد ومن يضلل فلن تجد له وليًّا مرشدًا} أي: هو الّذي أرشد هؤلاء الفتية إلى الهداية من بين قومهم، فإنّه من هداه اللّه اهتدى، ومن أضلّه فلا هادي له). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 142-143]

تفسير قوله تعالى: {وَتَحْسَبُهُمْ أَيْقَاظًا وَهُمْ رُقُودٌ وَنُقَلِّبُهُمْ ذَاتَ الْيَمِينِ وَذَاتَ الشِّمَالِ وَكَلْبُهُمْ بَاسِطٌ ذِرَاعَيْهِ بِالْوَصِيدِ لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ لَوَلَّيْتَ مِنْهُمْ فِرَارًا وَلَمُلِئْتَ مِنْهُمْ رُعْبًا (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا (18)}
ذكر بعض أهل العلم أنّهم لـمّا ضرب اللّه على آذانهم بالنّوم، لم تنطبق أعينهم؛ لئلّا يسرع إليها البلى، فإذا بقيت ظاهرةً للهواء كان أبقى لها؛ ولهذا قال تعالى: {وتحسبهم أيقاظًا وهم رقودٌ} وقد ذكر عن الذّئب أنّه ينام فيطبق عينًا ويفتح عينًا، ثمّ يفتح هذه ويطبق هذه وهو راقد، كما قال الشاعر
ينام بإحدى مقلتيه ويتّقي = بأخرى الرّزايا فهو يقظان نائم
وقوله تعالى: {ونقلّبهم ذات اليمين وذات الشّمال} قال بعض السّلف: يقلّبون في العام مرّتين. قال ابن عبّاسٍ: لو لم يقلّبوا لأكلتهم الأرض.
وقوله: {وكلبهم باسطٌ ذراعيه بالوصيد} قال ابن عبّاسٍ، وقتادة ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ الوصيد: الفناء.
وقال ابن عبّاسٍ: بالباب. وقيل: بالصّعيد، وهو التّراب. والصّحيح أنّه بالفناء، وهو الباب، ومنه قوله تعالى: {إنّها عليهم مؤصدةٌ} [الهمزة: 8] أي: مطبقةٌ مغلقةٌ. ويقال: "وصيد" و "أصيدٌ".
ربض كلبهم على الباب كما جرت به عادة الكلاب.
قال ابن جريجٍ يحرس عليهم الباب. وهذا من سجيّته وطبيعته، حيث يربض ببابهم كأنّه يحرسهم، وكان جلوسه خارج الباب؛ لأنّ الملائكة لا تدخل بيتًا فيه كلبٌ -كما ورد في الصّحيح -ولا صورةٌ ولا جنب ولا كافرٌ، كما ورد به الحديث الحسن وشملت كلبهم بركتهم، فأصابه ما أصابهم من النّوم على تلك الحال. وهذا فائدة صحبة الأخيار؛ فإنّه صار لهذا الكلب ذكرٌ وخبرٌ وشأنٌ.
وقد قيل: إنّه كان كلب صيدٍ لأحدهم، وهو الأشبه. وقيل: كان كلب طبّاخ الملك، وقد كان وافقهم على الدّين فصحبه كلبه فاللّه أعلم.
وقد روى الحافظ ابن عساكر في ترجمة "همّام بن الوليد الدّمشقيّ": حدّثنا صدقة بن عمر الغسّاني، حدّثنا عبّادٌ المنقري، سمعت الحسن البصريّ، رحمه اللّه، يقول: كان اسم كبش إبراهيم: جريرٌ واسم هدهد سليمان: عنقز، واسم كلب أصحاب الكهف: قطميرٌ، واسم عجل بني إسرائيل الّذي عبدوه: بهموت. وهبط آدم، عليه السّلام، بالهند، وحوّاء بجدّة، وإبليس بدست بيسان، والحيّة بأصبهان
وقد تقدّم عن شعيبٍ الجبّائيّ أنّه سمّاه: حمران.
واختلفوا في لونه على أقوالٍ لا حاصل لها، ولا طائل تحتها ولا دليل عليها، ولا حاجة إليها، بل هي ممّا ينهى عنه، فإنّ مستندها رجمٌ بالغيب.
وقوله تعالى: {لو اطّلعت عليهم لولّيت منهم فرارًا ولملئت منهم رعبًا} أي: أنّه تعالى ألقى عليهم المهابة بحيث لا يقع نظر أحدٍ عليهم إلّا هابهم؛ لما ألبسوا من المهابة والذّعر، لئلّا يدنو منهم أحدٌ ولا تمسّهم يد لامسٍ، حتّى يبلغ الكتاب أجله، وتنقضي رقدتهم الّتي شاء تبارك وتعالى فيهم، لما له في ذلك من الحجّة والحكمة البالغة، والرّحمة الواسعة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 143-145]

رد مع اقتباس