عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 09:18 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَاتْلُ مَا أُوحِيَ إِلَيْكَ مِنْ كِتَابِ رَبِّكَ ۖ لَا مُبَدِّلَ لِكَلِمَاتِهِ وَلَنْ تَجِدَ مِنْ دُونِهِ مُلْتَحَدًا (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {واتل ما أوحي إليك} الآية. من قرأ: "ولا تشرك" بالنهي عطف قوله: "واتل" عليه، ومن قرأ: "ولا يشرك" جعل هذا أمرا بدئ به كلام آخر ليس من
[المحرر الوجيز: 5/595]
الأول، وكأن هذه الآية في معنى العتاب للنبي صلي الله عليه وسلم، عقب العتاب الذي كان على تركه الاستثناء، كأنه يقول: هذه أجوبة الأسئلة، فاتل وحي الله إليك، أي: اتبع في أعمالك، وقيل: اسرد بتلاوتك ما أوحي إليك من كتاب ربك، لا نقص في قوله، ولا مبدل لكلماته، وليس لك سواه جانب تميل إليه وتستند.
و "الملتحد": الجانب الذي يمال إليه، ومنه اللحد، كأنه الميل في أحد شقي القبر، ومنه: الإلحاد في الحق، وهو الميل عن الحق، ولا يفسد قوله: {لا مبدل لكلماته} أمر النسخ; لأن المعنى إما أن يكون: لا مبدل سواه فتبقى الكلمات على الإطلاق، وإما أن يكون أراد من "الكلمات" الخبر ونحوه مما لا يدخله النسخ، والإجماع أن الذي لا يتبدل هو الكلام القائم بالذات الذي بحسبه يجري القدر، فأما الكتب المنزلة فمذهب ابن عباس رضي الله عنهما أنها لا تبدل إلا بالتأويل، ومن العلماء من يقول: إن بني إسرائيل بدلوا ألفاظ التوراة). [المحرر الوجيز: 5/596]

تفسير قوله تعالى: {وَاصْبِرْ نَفْسَكَ مَعَ الَّذِينَ يَدْعُونَ رَبَّهُمْ بِالْغَدَاةِ وَالْعَشِيِّ يُرِيدُونَ وَجْهَهُ ۖ وَلَا تَعْدُ عَيْنَاكَ عَنْهُمْ تُرِيدُ زِينَةَ الْحَيَاةِ الدُّنْيَا ۖ وَلَا تُطِعْ مَنْ أَغْفَلْنَا قَلْبَهُ عَنْ ذِكْرِنَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ وَكَانَ أَمْرُهُ فُرُطًا (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {واصبر نفسك مع الذين يدعون ربهم بالغداة والعشي يريدون وجهه ولا تعد عيناك عنهم تريد زينة الحياة الدنيا ولا تطع من أغفلنا قلبه عن ذكرنا واتبع هواه وكان أمره فرطا وقل الحق من ربكم فمن شاء فليؤمن ومن شاء فليكفر إنا أعتدنا للظالمين نارا أحاط بهم سرادقها وإن يستغيثوا يغاثوا بماء كالمهل يشوي الوجوه بئس الشراب وساءت مرتفقا}
سبب هذه الآية أن عظماء الكفار قيل: من أهل مكة، وقيل عيينة بن حصن وأصحابه، والأول أصوب لأن السورة مكية، قالوا لرسول الله صلى الله عليه وسلم: لو أبعدت هؤلاء عن نفسك لجالسناك وصحبناك، يريدون: عمار بن ياسر، وصهيب بن سنان، وسلمان الفارسي، وعبد الله بن مسعود، وغيرهم من الفقراء كبلال ونحوه، وقالوا: إن ريح جبابهم تؤذينا، فنزلت الآية بسبب ذلك، وروي أن رسول الله صلى الله عليه وسلم خرج إليهم، وجلس بينهم وقال: "الحمد لله الذي جعل من أمتي من أمرت أن أصبر نفسي معه"،
[المحرر الوجيز: 5/596]
وروي أنه قال لهم: "مرحبا بالذين عاتبني فيهم ربي"، وروى سلمان أن المؤلفة قلوبهم، عيينة بن حصن، والأقرع، وذويهم قالوا ما ذكر فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فالآية -على هذا- مدنية، ويشبه أن تكون الآية مكية، وفعل المؤلفة فعل قريش فرد عليهم بالآية.
و"اصبر" معناه: احبس، ومنه المصبورة التي جاء فيها الحديث "نهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن صبر الحيوان"، أي: حبسه للرمي ونحوه.
وقرأ الجمهور "بالغداة"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما "بالغدوة"، وهي قراءة نصر بن عاصم، ومالك بن دينار، وأبي عبد الرحمن، والحسن، وهي في الخط على القراءتين بالواو، فمن يقرأها "بالغداة" فيكتبها كما تكتب "الصلاة والزكوة"، وفي قراءة من قرأ: "بالغدوة" ضعف; لأن "غدوة" اسم معرف فحقه ألا تدخل عليه الألف واللام، ووجه القراءة بذلك أنهم ألحقوها ضربا من التنكير; إذ قالوا: "جئت غدوة"، يريدون: من الغدوات، فحسن دخول الألف واللام، كقولهم: الفينة، وفينة اسم معرف.
[المحرر الوجيز: 5/597]
والإشارة لقوله تعالى: {يدعون ربهم بالغداة والعشي} إلى الصلوات الخمس، قاله ابن عمر، ومجاهد، وإبراهيم. وقال قتادة: المراد صلاة الفجر وصلاة العصر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويدخل في الآية من يدعو في غير صلاة، ومن يجتمع لمذاكرة علم. وقد روى عبد الله بن عمر، عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه قال: "لذكر الله بالغداة والعشي أفضل من حطم السيوف في سبيل الله، ومن إعطاء المال سحا".
وقرأ أبو عبد الرحمن: "بالغدو" دون هاء، وقرأ ابن أبي عبلة: "بالغدوات والعشيات" على الجمع.
وقوله تعالى: {ولا تعد عيناك عنهم}، أي: لا تتجاوز عنهم إلى أبناء الدنيا والملابس من الكفار. وقرأ الحسن: "ولا تعد" بضم التاء وفتح العين وشد الدال المكسورة، أي: لا تجاوزها أنت عنهم، وروي عنه: "ولا تعد" بضم التاء وسكون العين، وقوله: {من أغفلنا}، قيل: إنه أراد بذلك معينا وهو عيينة بن حصن، والأقرع، قاله خباب، وقيل: إنما أراد من هذه صفته، وإنما المراد أولا كفار قريش لأن الآية مكية. وقرأ الجمهور: "أغفلنا قلبه" بنصب الباء، على معنى: جعلناه غافلا، وقرأ عمرو بن فائد، وموسى الأسواري: "أغفلنا قلبه"، على معنى: أهمل ذكرنا وتركه، قال ابن جني المعنى: من ظننا غافلين عنه، وذكر أبو عمرو الداني: إنها قراءة عمرو بن عبيد.
و "الفرط" يحتمل أن يكون بمعنى التفريط والتضييع، أي أمره الذي يجب أن يلتزم، ويحتمل أن يكون بمعنى الإفراط والإسراف، أي أمره وهواه الذي هو بسبيله، وقد فسر المتأولون بالعبارتين، أعني التضييع والإسراف، وعبر عنه خباب بالهلاك، وداود بالندامة، وابن زيد بالخلاف للحق، وهذا كله تفسير بالمعنى). [المحرر الوجيز: 5/598]

رد مع اقتباس