الموضوع: المهيمن
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 25 شعبان 1438هـ/21-05-2017م, 12:44 PM
جمهرة علوم العقيدة جمهرة علوم العقيدة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: May 2017
المشاركات: 1,193
افتراضي


شرح أبي القاسم الزجاجي (ت:337هـ)



قال أبو القاسم عبد الرحمن بن إسحاق الزجاجي (ت: 337هـ): (المهيمن
فسر المهيمن على وجهين: قيل: المهيمن: الشاهد، قال الله عز وجل: {وأنزلنا إليك الكتاب بالحق مصدقًا لما بين يديه من الكتاب ومهيمنًا عليه} أي: شاهدًا عليه. كذلك روي عن ابن عباس وروي عنه من وجه آخر أنه قال: المهيمن: الأمين فكأنه قال: مصدقًا لما بين يديه من الكتاب وأمينًا عليه، والتفسيران متقاربان.
ويذهب أهل اللغة إلى أن المهيمن: الأمين وأنه اسم مبني من الأمين وأصله «مؤيمن» بمنزلة مبيطر من بيطار. قال النابغة:
شك الفريصة بالمدري فانفذها = شك المبيطر إذ يشفي من العضد
وقد يقال للمبيطر: «بيطر» كقول الطرماح:
.............. = كنزع البيطر الثقف رهص الكوادن
فالبيطر والمبيطر والبيطار بمعنى واحد. ومما جاء على هذا الوزن مهيمن ومبيطر ومسيطر ومبيقر. قالوا: فكأن أصله «مؤيمن» فأبدلت الهمزة هاء لأن الهمزة والهاء لقرب مخرجيهما قد تبدل إحداهما من الآخرى. قالوا «في أرقت الماء» «هرقت الماء» و«ماء مهراق». يقال: «أرقت الماء» وهو الأصل، و«هرقته» و«أهرقته» ثلاث لغات حكاها سيبويه وغيره. وهو «ماء مراق» بحذف الهمزة و«مهراق» بإسكان الهاء و«مهراق» بفتح الهاء تجعل مكان الهمزة وتفتح كما كانت مفتوحة، وأنشدوا:
ما بال عينك منها الماء مهراق = سحا فلا غارب منها ولا راق
وأنشدني أبو عبد الله الكرماني في «اهرقت» لبعضهم يصف بكرة أسقى بها الماء:
وجارية ليست من الأنس تشتهي = ولا الجن قد باشرتها ومعي ذهني
وأدخلت فيها قيد شبر موتر = فصاحت ولا والله قد وجدت تزني
فلما دنت أهراقة الماء أنصتت = فكفكفت عن فعلي وفي النفس أن أثني
وقالوا: إياك، وهياك، وأيهات، وهيهات، وابرية، وهبرية للحزاز في الرأس، وأنشد الأخفش:
فهياك والأمر الذي إن توسعت = موارده ضاقت عليك مصادره
وكل هذا الأصل فيه الهمزة، والهاء بدل منها فكذلك في «مهيمن» الهاء بدل من الهمزة. وقد بدأت الهمزة هاء في قولنا «ماه» للماء المشروب وأصله «موه» فانقلبت الواو ألفًا لتحركها وانفتاح ما قبلها فصار «ماه» كما ترى، ثم ابدلت الهاء همزة فقيل: «ماء» والدليل على ذلك قولهم في الجمع «أمواه» وفي التصغير «مويه»، قال الشاعر:
سقى الله أمواهًا عرفت مكانها = جرابًا وملكومًا وبذر والغمرا
فأما «مياه» فانقلبت الواو فيه لسكونها وانكسار ما قبلها كما انقلبت [في] ميزان، وميعاد، وميقات وقد مضى شرح مثل هذا. وأنشد ابن الأعرابي لنافع بن لقيط الفقعسي:
وردت مياهًا ملحة فكرهتها = بنفسي أهلي الأولون وماليا
فسبيل إبدال الهاء في «مهيمن» من الهمزة سبيل إبدال الهمزة في «ماء» من الهاء.
وحدثنا إبراهيم الصائغ قال: حدثني عبد الله بن مسلم بن قتيبة قال: حدثني يزيد بن عمرو الغنوي قال: حدثني زكريا بن يحيى الكوفي قال: حدثنا عم أبي زحر بن حصين عن جده حميد بن منهب قال: سمعت جدي خريم بن أوس بن حارثة يقول: هاجرت إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم المدينة منصرفه من تبوك فسمعت العباس بن عبد المطلب يقول: يا رسول الله إني أريد أن امتدحك. فقال: قل: لا يفضض الله فاك فقال العباس:
من قبلها طبت في الظلال وفي = مستودع حيث يخصف الورق
ثم هبطت البلاد لا بشر = أنت ولا مضغة ولا علق
بل نطفة تركب السفين = وقد ألجم نسرًا وأهله الغرق
تنقل من صالب إلى رحم = إذا مضى عالم بدا طبق
حتى احتوى بيتك المهيمن من = خندف علياء تحتها النطق
وأنت لما ولدت أشرقت الأر = ض وضاءت بنورك الأفق
فنحن في ذلك الضياء وفي النـ = ور وسبل الرشاد نخترق
قوله: «لا يفضض الله فاك قال: لا يسقط ثغرك، وهو من الفض وهو الكسر، ومنه يقال: «فضضت جموع القوم»: إذا فرقتها، وقوله عز وجل: {لانفضوا من حولك} أي تفرقوا. ومن قال: «لا يفضض فاك» بضم الياء فقد أخطأ إنما هو «يفضض» بفتح الياء من فض يفض وتقديره: «لا يفضض الله أسنان فيك» فأقيم المضاف إليه مقام المضاف. وقد يجوز أن يقام الفم مقام الأسنان لما كان محتويًا عليها والعرب تفعل ذلك اتساعًا، فتقول: «سقط فم فلان فلم تبق له حاكة» إذا سقطت أسنانه. وروي عن محمد بن عبد الله بن عروة أنه قال: أقحمت السنة نابغة بني جعدة فدخل علي بن الزبير في المسجد الحرام فأنشده:
حكيت لنا الصديق لما وليتنا = وعثمان والفاروق فارتاح معدم
وسويت بين الناس في الحق فاستووا = فعاد صباحًا حالك اللون مظلم
أتاك أبو ليلى يجوب به الدجى = دجى الليل جواب الفلاة عثمثم
لتجبر منه جابرًا ذعذعت به = صروف الليالي والزمان المصمصم
فقال له ابن الزبير: هون عليك أبا ليلى فإن الشعر أهون وسائلك عندنا أما صنوة مالنا فلآل الزبير وأما عفوه فإن بني أسد تشغله عنك وتبرأ، ولكن لك في مال الله حقان، حق برؤيتك رسول الله صلى الله عليه وسلم، وحق بشركتك أهل الإسلام في فيئهم. ثم أخذ بيده فدخل به دار النعم فأعطاه قلائص سبعًا وجملاً رحيلاً وأوقر له الركاب برًا وتمرًا وثيابًا، فجعل النابغة يستعجل فيأكل الحب صرفًا. فقال ابن الزبير: ويح أبي ليلى لقد بلغ به الجهد، فلما قضى نهمته قال: أشهد لسمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول: «ما وليت قريش فعدلت، واسترحمت فرحمت، وحدثت فصدقت، ووعدت خيرًا فأنجزت. فأنا والنبيون فراط القاصفين». قال: يقال لا تقصفوا علينا: أي لا تجتمعوا، وقيل: القاصف: المتأخر وهو أشبه بالمعنى لأن أصل القصف: الكسر فكأنه المنكسر عن الجماعة، المتأخر عنها. وإنما ذكرنا هذا الخبر بخبره الذي روي أنه أتى النبي صلى الله عليه وسلم أعني النابغة الجعدي فأنشده شعره الذي يقول فيه:
أتيت رسول الله إذ جاء بالهدى = ويتلو كتابًا كالمجرة نيرا
فلما بلغ قوله:
علونا العباد عفة وتكرما = وإنا لنرجو فوق ذلك مظهرا
غضب رسول الله صلى الله عليه وسلم وقال: أين المظهر يا أبا ليلى؟ فقال: إلى الجنة يا رسول الله فقال: أجل إن شاء الله. ثم قال: أنشدني، قال: فأنشدته:
ولا خير في حلم إذا لم تكن له = بوادر تحمي صفوه أن يكدرا
ولا خير في جهل إذا لم يكن له = حليم إذا ما أورد الأمر أصدرا
فقال: «أجدت لا يفضض الله فاك» قال: فنظرت إليه وكأن فاه البرد المنهمل ما سقطت له سن، ولا انغلت ترف غروبه، ترف: تبرق نعمة ونضارة والغروب: جمع غرب وهو حد الأسنان، وحد كل شيء: غربه، هاذ مع كبر سنه وبقائه إلى أيام ابن الزبير على ما ذكرت لك في الخبر المتقدم، وكان من المعمرين، يقول علماء العرب: إنه عاش مائة وثمانين سنة. واستشهدوا على ذلك بقوله:
لبست أناسًا فأفنيتهم = وأفنيت بعد أناس أناسا
ثلاثة أهلين أفنيتهم = وكان الإله هو المستآسا
أي: المعتاض، والأوس: العوض، والأوس: العطية، وفي غير هذا، الأوس: اسم من أسماء الذئب ومنه قوله:
فلأحشونك مشقصًا = أوسًا أويس من الهبالة
[الهبالة]: نعجة.
ويروى: فلأحشأنك.
ونرجع إلى تمام تفسير أبيات العباس، وقوله: «من قبلها طبت في الظلال»: يعني ظلال الجنة. يريد أنه كان طيبًا في صلب آدم في الجنة قبل أن يهبط إلى الأرض. والظلال: جمع ظل وإنما يراد بظل الجنة ظل شجرها، والجنة كلها ظل لا شمس فيها قال الله تعالى عز وجل: {وظل ممدود}. وقوله: «حيث يخصف الورق»: يعني في الجنة حيث خصف آدم وحواء عليهم السلام من ورق الجنة. وقالوا في قوله: {يخصفان عليهما من ورق الجنة} أي: يخصفان الورق بعضه إلى بعض. والخصف: ضم الشيء إلى الشيء وتشبيكه معه وإلصاقه به، ومنه قيل: «خصفت نعلي»، وقيل لصانعها «خصاف»، ولا شفاه: مخف. وقوله: «ثم هبطت البلاد لا بشر أنت»: يعني هبوط آدم إلى الأرض لأنه كان في صلبه إذ ذاك وهو لا بشر، ولا لحم، ولا دم: يريد أنه كان بعد نطفة لم ينتقل في هذا المراتب التي ينتقل فيها الجنين، ألا تراه قال: «بل نطفة تركب السفين» يريد: ركوب نوح عليه السلام السفينة في وقت الطوفان وهو صلبه. ونسرًا: أحد الأصنام التي كان يعبدها قوم نوح، وقد ذكر في التنزيل. والصالب: الصلب وفيه لغة أخرى الصلب بفتح الصاد واللام فهذه ثلاثة لغات فيه، صلب وصالب وصلب، قال العجاج:
في صلب مثل العنان المؤدم =
والطبق: القرن من الناس، وكذلك الطبقة، وإنما سموا بذلك لأنهم طبق للأرض. ومثله قول امرئ القيس في وصف المطر:
ديمة هطلاء فيها وطف = طبق الأرض تحرى وتدر
أي: هي طبق للأرض. وقد روي «طبق الأرض» بالنصب بإلقاء الفعل عليه وهو «تحرى» والرفع أجود وأبلغ في الوصف وعليه أكثر العلماء. فأما قول الله تبارك وتعالى: {لتركبن طبقًا عن طبق} ففسروه: حالاً بعد حال، فقال كعب بن زهير:
كذلك المرء إن ينسأ له أجل = يركب به طبق من بعده طبق
أي: ينتقل من حال الشباب إلى الهرم. والنطق: جمع نطاق وهو ما انتطقت به المرأة أي: شدته في وسطها، أو انتطق به الرجل، ومنه سميت المنطقة، وضرب هذا مثلاً له صلى الله عليه وسلم لارتفاعه وتوسطه في عشيرته وعزه.
وقوله: «حتى احتوى بيتك المهيمن من خندف علياء»: أي احتوى بتيك عليا من المجد والشرف، وبيته يعني: أصله ومنبته والبيت في كلام العرب قد يستعمل مكان القبيلة والعترة، وبيت الرجل في غير هذا: أهله، قال الشاعر:
مالي إذا أنزعها صبيت = أكبر قد غالني أم بيت
وقوله: «وضاءت بنورك الأفق»: يقال ضاء الشيء وأضاء لغتان). [اشتقاق أسماء الله: 227-237]


رد مع اقتباس