عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 07:36 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {لِكُلِّ أُمَّةٍ جَعَلْنَا مَنْسَكًا هُمْ نَاسِكُوهُ فَلَا يُنَازِعُنَّكَ فِي الْأَمْرِ وَادْعُ إِلَى رَبِّكَ إِنَّكَ لَعَلَى هُدًى مُسْتَقِيمٍ (67)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا هم ناسكوه فلا ينازعنّك في الأمر وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدًى مستقيمٍ (67) وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون (68) اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون (69)}.
يخبر تعالى أنّه جعل لكلّ قومٍ منسكًا.
قال ابن جريرٍ: يعني: لكلّ أمّة نبيٍّ منسكًا. قال: وأصل المنسك في كلام العرب: هو الموضع الّذي يعتاده الإنسان، ويتردّد إليه، إمّا لخيرٍ أو شرٍّ. قال: ولهذا سمّيت مناسك الحجّ بذلك، لترداد النّاس إليها وعكوفهم عليها.
فإن كان كما قال من أنّ المراد: {لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا} فيكون المراد بقوله: {فلا ينازعنّك في الأمر} أي: هؤلاء المشركون. وإن كان المراد: "لكلّ أمّةٍ جعلنا منسكًا جعلًا قدريًّا -كما قال: {ولكلٍّ وجهةٌ هو مولّيها} [البقرة: 148] ولهذا قال هاهنا: {هم ناسكوه} أي: فاعلوه-فالضّمير هاهنا عائدٌ على هؤلاء الّذين لهم مناسك وطرائق، أي: هؤلاء إنّما يفعلون هذا عن قدر اللّه وإرادته، فلا تتأثّر بمنازعتهم لك، ولا يصرفك ذلك عمّا أنت عليه من الحقّ؛ ولهذا قال: {وادع إلى ربّك إنّك لعلى هدًى مستقيمٍ} أي: طريقٍ واضحٍ مستقيمٍ موصلٍ إلى المقصود.
وهذه كقوله: {ولا يصدّنّك عن آيات اللّه بعد إذ أنزلت إليك وادع إلى ربّك} [القصص: 87]).[تفسير ابن كثير: 5/ 451]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنْ جَادَلُوكَ فَقُلِ اللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا تَعْمَلُونَ (68) اللَّهُ يَحْكُمُ بَيْنَكُمْ يَوْمَ الْقِيَامَةِ فِيمَا كُنْتُمْ فِيهِ تَخْتَلِفُونَ (69)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإن جادلوك فقل اللّه أعلم بما تعملون}، كقوله: {وإن كذّبوك فقل لي عملي ولكم عملكم أنتم بريئون ممّا أعمل وأنا بريءٌ ممّا تعملون} [يونس: 41].
وقوله: {اللّه أعلم بما تعملون} تهديدٌ شديدٌ، ووعيدٌ أكيدٌ، كقوله: {هو أعلم بما تفيضون فيه كفى به شهيدًا بيني وبينكم} [الأحقاف: 8]؛ ولهذا قال: {اللّه يحكم بينكم يوم القيامة فيما كنتم فيه تختلفون}
وهذه كقوله: {فلذلك فادع واستقم كما أمرت ولا تتّبع أهواءهم وقل آمنت بما أنزل اللّه من كتابٍ وأمرت لأعدل بينكم اللّه ربّنا وربّكم لنا أعمالنا ولكم أعمالكم لا حجّة بيننا وبينكم اللّه يجمع بيننا وإليه المصير} [الشّورى: 15]). [تفسير ابن كثير: 5/ 452]

تفسير قوله تعالى: {أَلَمْ تَعْلَمْ أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي السَّمَاءِ وَالْأَرْضِ إِنَّ ذَلِكَ فِي كِتَابٍ إِنَّ ذَلِكَ عَلَى اللَّهِ يَسِيرٌ (70) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ألم تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السّماء والأرض إنّ ذلك في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ (70)}.
يخبر تعالى عن كمال علمه بخلقه، وأنّه محيط بما في السموات وما في الأرض، فلا يعزب عنه مثقال ذرّةٍ في الأرض ولا في السّماء، ولا أصغر من ذلك ولا أكبر، وأنّه تعالى علم الكائنات كلّها قبل وجودها، وكتب ذلك في كتابه اللّوح المحفوظ، كما ثبت في صحيح مسلمٍ، عن عبد اللّه بن عمرٍو قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه قدّر مقادير الخلائق قبل خلق السّموات والأرض بخمسين ألف سنةٍ، وكان عرشه على الماء".
وفي السّنن، من حديث جماعةٍ من الصّحابة؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "أوّل ما خلق اللّه القلم، قال له: اكتب، قال: وما أكتب؟ قال: اكتب ما هو كائنٌ. فجرى القلم بما هو كائنٌ إلى يوم القيامة".
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو زرعة، حدّثنا ابن بكير، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، حدّثني سعيد بن جبير قال: قال ابن عبّاسٍ: خلق اللّه اللّوح المحفوظ مسيرة مائة عامٍ، وقال للقلم قبل أن يخلق الخلق -وهو على العرش تبارك وتعالى-: اكتب. قال القلم: وما أكتب؟ قال: علمي في خلقي إلى يوم تقوم السّاعة. فجرى القلم بما هو كائنٌ في علم اللّه إلى يوم القيامة. فذلك قوله تعالى للنّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: {ألم تعلم أنّ اللّه يعلم ما في السّماء والأرض}
وهذا من تمام علمه تعالى أنّه علم الأشياء قبل كونها، وقدّرها وكتبها أيضًا، فما العباد عاملون قد علمه تعالى قبل ذلك، على الوجه الّذي يفعلونه، فيعلم قبل الخلق أنّ هذا يطيع باختياره، وهذا يعصي باختياره، وكتب ذلك عنده، وأحاط بكلّ شيءٍ علمًا، وهو سهلٌ عليه، يسيرٌ لديه؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ ذلك في كتابٍ إنّ ذلك على اللّه يسيرٌ} ). [تفسير ابن كثير: 5/ 452]

رد مع اقتباس