عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 ذو القعدة 1439هـ/6-08-2018م, 11:09 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُوا لَا تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ بُيُوتِكُمْ حَتَّىٰ تَسْتَأْنِسُوا وَتُسَلِّمُوا عَلَىٰ أَهْلِهَا ۚ ذَٰلِكُمْ خَيْرٌ لَكُمْ لَعَلَّكُمْ تَذَكَّرُونَ (27)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {يا أيها الذين آمنوا لا تدخلوا بيوتا غير بيوتكم حتى تستأنسوا وتسلموا على أهلها ذلكم خير لكم لعلكم تذكرون فإن لم تجدوا فيها أحدا فلا تدخلوها حتى يؤذن لكم وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم والله بما تعملون عليم}
سبب هذه الآية فيما ذكر الطبري عن عدي بن ثابت أن امرأة من الأنصار قالت: يا رسول الله، إني أكون في منزلي على الحال التي لا أحب أن يراني أحد عليها والد ولا ولد، وإنه لا يزال يدخل علي رجل من أهلي وأنا على تلك الحال، فنزلت هذه الآية، ثم هي عامة في الأمة غابر الدهر من حيث هذه النازلة تختص بكل أحد في نفسه، وبيت الإنسان هو البيت الذي لا أحد معه فيه، أو البيت الذي فيه زوجته وأمته، وما عدا هذا فهو غير بيته، قال ابن مسعود رضي الله عنه وغيره: ينبغي للإنسان ألا يدخل البيت الذي فيه أمه إلا بعد الاستئناس. وروي في ذلك عن النبي صلى الله عليه وسلم أن رجلا قال: يا رسول الله، استأذن على أمي؟ قال: نعم. قال: إنما هي أمي ولا خادم لها غيري، قال: أتحب أن تراها عريانة؟ قال: لا، قال: فاستأذن عليها، وكذلك كل
[المحرر الوجيز: 6/367]
ذات محرم منه لأنه لا ينبغي أن يراهن عاريات، وقالت زينب امرأة ابن مسعود: كان ابن مسعود إذا جاء بيته تنحنح مخافة أن يهجم على ما يكره.
و "تستأنسوا" معناه: تستعملوا، أي: تستعلموا من في البيت وتستبصروا، تقول: آنست إذا علمت عن حس وإذا أبصرت، ومنه قوله تعالى: {آنستم منهم رشدا فادفعوا}، وقوله: " آنست نارا "، ومنه قول حسان بن ثابت:
انظر خليلي بباب جلق هل تؤنس دون البلقاء من أحد
وقول الحارث:
آنست نبأة .... البيت
ووزن آنس: أفعل، واستأنس وزنه: استفعل، فكأن المعنى في "تستأنسون": تطلبون ما يؤنسكم ويؤنس أهل البيت منكم، وإذا طلب الإنسان أن يعلم أمر البيت الذي يريد دخوله فذلك يكون بالاستئذان على من فيه، أو بأن يتنحنح ويشعر بنفسه بأي وجه أمكنه، ويتأنى قدر ما يتحفظ، ويدخل إثر ذلك.
[المحرر الوجيز: 6/368]
وذهب الطبري في "تستأنسوا" إلى أنه بمعنى: حتى تؤنسوا أهل البيت من أنفسكم بالتنحنح والاستئذان ونحوه، وتؤنسوا أنفسكم بأن تعلموا أن قد شهر بكم. وتصريف الفعل يأبى أن يكون من آنس.
وذكر الطبري عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه كان يقرأ: "حتى تستأذنوا وتسلموا"، وهي قراءة أبي بن كعب، وحكاها أبو حاتم "حتى تسلموا وتستأذنوا"، قال ابن عباس: "تستأنسوا" خطأ أو وهم من الكتاب.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
مصاحف الإسلام كلها قد ثبت فيها "تستأنسوا"، وصح الإجماع فيها من لدن مدة عثمان رضي الله عنه، فهي التي لا يجوز خلافها، والقراءة "يستأذنوا" ضعيفة، وإطلاق الخطأ والوهم على الكتاب في لفظ أجمع الصحابة عليه قول لا يصح عن ابن عباس رضي الله عنهما، والأشبه أن يقع "تستأذنوا" على التفسير، وظاهر ما حكى الطبري أنها قراءة، ولكن قد روي عن ابن عباس رضي الله تعالى عنهما أنه قال: "تستأنسوا" بمعنى: تستأذنوا، ومما ينفي هذا القول عن ابن عباس رضي الله عنهما أن "تستأنسوا" متمكنة في المعنى، بينة الوجه في كلام العرب، وقد قال عمر رضي الله عنه للنبي عليه السلام: أستأنس يا رسول الله؟ وعمر واقف على باب الغرفة ... الحديث المشهور، وذلك يقتضي أنه طلب الأنس به صلى الله عليه وسلم، فكيف يخطئ ابن عباس رضي الله
[المحرر الوجيز: 6/369]
عنهما أصحاب الرسول صلوات الله وسلامه عليه في مثل هذا؟
وحكى الطبري أيضا بسند عن ابن جريج، عن ابن عباس، وعكرمة، والحسن بن أبي الحسن أنهم قالوا: نسخ واستثني من هذه الآية الأولى قوله تعالى: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة}، وهذا أيضا لا يترتب فيه نسخ ولا استثناء؛ لأن الآية الأولى في البيوت المسكونة والمقصورة، والآية الثانية في المباحة، وكأن من ذهب إلى الاستثناء رأى الأولى عامة.
وصورة الاستئذان أن يقول الرجل: السلام عليكم، أدخل؟ فإن أذن له دخل، وإن أمر بالرجوع انصرف، وإن سكت عنه استأذن ثلاثا ثم ينصرف بعد الثلاث، فأما ثبوت ما ذكرته من صورة الاستئذان فروى الطبري أن رجلا جاء إلى بيت النبي صلى الله عليه وسلم فقال: ألج؟ أو أنلج؟ فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم لأمة له يقال لها روضة: "قولي لهذا: يقول: السلام عليكم، أدخل؟"، فسمعه الرجل فقالها، فقال له النبي صلى الله عليه وسلم: "ادخل". وروي أن ابن عمر رضي الله عنهما آذته الرمضاء يوما فأتى فسطاط امرأة من قريش، فقال: السلام عليكم، أدخل؟ فقالت المرأة: ادخل بسلام، فأعاد فأعادت، فقال لها: قولي: ادخل، فقالت ذلك فدخل، فكأنه توقف لما قالت: بسلام؛ لاحتمال اللفظ أن تريد: ادخل بسلامك لا بشخصك. ثم لكل قوم في الاستئذان عرفهم في العبارة. وأما ثبوت الرجوع بعد الاستئذان ثلاثا فلحديث أبي موسى الأشعري الذي استعمله مع عمر رضي الله عنه، وشهد به لأبي موسى أبو سعيد الخدري، ثم أبي بن كعب.. الحديث المشهور، وقال عطاء بن أبي رباح: الاستئذان واجب على كل محتلم، وسيأتي ذكر
[المحرر الوجيز: 6/370]
هذا. وروى أبو هريرة رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: رسول الرجل إذنه، أي: إذا أرسل في أحد فقد أذن له في الدخول. وقوله: {ذلكم خير لكم} تم الكلام عنده، وقوله: {لعلكم تذكرون} معناه: فعلنا ذلك بكم ونبهناكم لعلكم). [المحرر الوجيز: 6/371]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ لَمْ تَجِدُوا فِيهَا أَحَدًا فَلَا تَدْخُلُوهَا حَتَّىٰ يُؤْذَنَ لَكُمْ ۖ وَإِنْ قِيلَ لَكُمُ ارْجِعُوا فَارْجِعُوا ۖ هُوَ أَزْكَىٰ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ بِمَا تَعْمَلُونَ عَلِيمٌ (28)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله: {فإن لم تجدوا فيها} للبيوت التي هي بيوت الغير، وحكى الطبري عن مجاهد أنه قال: معنى قوله: {فإن لم تجدوا فيها أحدا}: إن لم يكن لكم فيها متاع، وضعف الطبري هذا التأويل، وكذلك هو في غاية الضعف، وكأن مجاهدا رأى أن البيوت غير المسكونة إنما تدخل دون إذن إذا كان فيها للداخل متاع، ورأى لفظة "المتاع" متاع البيت الذي هو البسط والثياب، وهذا كله ضعيف.
وأسند الطبري عن قتادة أنه قال: قال رجل من المهاجرين: لقد طلبت عمري كله هذه الآية فما أدركتها، أن أستأذن على بعض إخواني فيقول لي: ارجع، فأرجع وأنا مغتبط لقوله تعالى: {وإن قيل لكم ارجعوا فارجعوا هو أزكى لكم}.
وقوله تعالى: {والله بما تعملون عليم} توعد لأهل التجسس على البيوت وطلب الدخول على غفلة للمعاصي والنظر إلى ما لا يحل، ولغيرهم مما يقع في محظور). [المحرر الوجيز: 6/371]

تفسير قوله تعالى: {لَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَنْ تَدْخُلُوا بُيُوتًا غَيْرَ مَسْكُونَةٍ فِيهَا مَتَاعٌ لَكُمْ ۚ وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تُبْدُونَ وَمَا تَكْتُمُونَ (29)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ليس عليكم جناح أن تدخلوا بيوتا غير مسكونة فيها متاع لكم والله يعلم ما تبدون وما تكتمون}
روي أن بعض الناس لما نزلت آية الاستئذان تعمق في الأمر، فكان لا يأتي موضعا خربا ولا مسكونا إلا سلم واستأذن، فنزلت هذه الآية، أباح الله تعالى فيها رفع الاستئذان في كل بيت لا يسكنه أحد؛ لأن العلة إنما هي في الاستئذان خوف الكشفة على الحرمات، فإذا زالت العلة زال الحكم.
ومثل أهل التأويل من هذه البيوت أمثلة، فقال محمد بن الحنفية، وقتادة، ومجاهد: هي الفنادق التي في طرق المسافرين، قال مجاهد: لا يسكنها أحد، بل هي
[المحرر الوجيز: 6/371]
موقوفة ليأوي إليها كل ابن سبيل، وفيها متاع لهم، أي استمتاع بمنفعتها، ومثل عطاء في بيوت غير مسكونة بالخرب التي يدخلها الإنسان للبول والغائط، ففي هذا أيضا متاع، وقال ابن زيد والشعبي: هي حوانيت القيساريات والسوق، وقال الشعبي: لأنهم جاؤوا ببيوعهم فجعلوها فيها وقالوا للناس: هلم، وهذا قول غلط قائله، وذلك أن بيوت القيسارية محظورة بأموال الناس، غير مباحة لكل من أراد دخولها بإجماع، ولا يدخلها إلا من أذن له بها، بل إن أربابها موكلون بدفع الناس عنها. وقال محمد بن الحنفية أيضا: أراد تعالى دور مكة، وهذا على القول بأنها غير متملكة، وأن الناس شركاء فيها، وأن مكة أخذت عنوة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا هو في هذه المسألة القول الضعيف، يرده قوله عليه الصلاة والسلام: وهل ترك لنا عقيل منزلا، وقوله: من دخل دار أبي سفيان ومن دخل داره، وغير ذلك من وجوه النظر.
وباقي الآية بين، ظاهره التوعد). [المحرر الوجيز: 6/372]


رد مع اقتباس