عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 18 جمادى الأولى 1434هـ/29-03-2013م, 12:47 PM
أم القاسم أم القاسم غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Jul 2010
المشاركات: 1,449
افتراضي

جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (إِنَّ الَّذِينَ كَفَرُوا يُنَادَوْنَ لَمَقْتُ اللَّهِ أَكْبَرُ مِنْ مَقْتِكُمْ أَنْفُسَكُمْ إِذْ تُدْعَوْنَ إِلَى الْإِيمَانِ فَتَكْفُرُونَ (10) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الحكم بن أبي عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أو ذكر لي: أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} [سورة غافر:49 - 50] فسألوا يومًا واحدًا يخفف عنهم فيه العذاب، فرد عليهم: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} فردت عليهم الخزنة: {قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكًا وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: {يا مالك ليقض علينا ربك}[سورة الزخرف:77] قال: سألوا الموت، فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إنكم ماكثون}، فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قاله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [سورة إبراهيم: 21- 22]، أي من منجى، قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} يقول: بمغن عنكم شيئًا {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالتهم مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [سورة غافر: 10-12] إلى قوله: {فهل إلى خروج من سبيل} قال: فرد عليهم: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} قال فهذه واحدة، قال: فنودوا الثانية: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون}[سورة السجدة: 12] قال: فرد عليهم {ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعًا فلم يختلف منهم أحدٌ {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا}، يقول: بما تركتم أن تعملوا لي ليومكم هذا، {إنا نسيناكم} إنا تركناكم، {وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} هذه اثنتان، قال: فنادوا الثالثة {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [سورة إبراهيم: 45- 46] فرد عليهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، قال: هذه الثالثة، قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل} [سورة فاطر: 37] قال: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: { ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} [سورة المؤمنون: 105-108]، قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {غلبت علينا شقوتنا} أي الكتاب الذي كتب علينا، {وكنا قومًا ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}فقال عند ذلك: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعض، فأطبقت عليهم.
قال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [سورة المرسلات: 35- 36] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 590-592]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم قال يقول لمقت الله إياكم في الدنيا حين دعيتم إلى الإيمان فلم تؤمنوا أكبر من مقتكم أنفسكم حين رأيتم العذاب). [تفسير عبد الرزاق: 2/179]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {إنّ الّذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون (10) قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ}.
يقول تعالى ذكره: إنّ الّذين كفروا باللّه ينادون في النّار يوم القيامة إذ دخلوها، فمقتوا بدخولهموها أنفسهم حين عاينوا ما أعدّ اللّه لهم فيها من أنواع العذاب، فيقال لهم: لمقت اللّه إيّاكم أيّها القوم في الدّنيا، إذ تدعون فيها للإيمان باللّه فتكفرون، أكبر من مقتكم اليوم أنفسكم لما حلّ بكم من سخط اللّه عليكم.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، وحدّثني الحارث، قال: حدّثنا الحسن، قال: حدّثنا ورقاء، جميعًا عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قوله: {لمقت اللّه أكبر} قال: مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم، ومقت اللّه إيّاهم في الدّنيا إذ يدعون إلى الإيمان فيكفرون أكبر.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {إنّ الّذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم} أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون يقول: لمقت اللّه أهل الضّلالة حين عرض عليهم الإيمان في الدّنيا، فتركوه، وأبوا أن يقبلوا، أكبر ممّا مقتوا أنفسهم، حين عاينوا عذاب اللّه يوم القيامة.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {إنّ الّذين كفروا ينادون لمقت اللّه أكبر من مقتكم أنفسكم} في النّار {إذ تدعون إلى الإيمان} في الدّنيا {فتكفرون}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ينادون لمقت اللّه} الآية، قال: لمّا دخلوا النّار مقتوا أنفسهم في معاصي اللّه الّتي ارتكبوها، فنودوا: إنّ مقت اللّه إيّاكم حين دعاكم إلى الإسلام أشدّ من مقتكم أنفسكم اليوم حين دخلتم النّار.
واختلف أهل العربيّة في وجه دخول هذه اللاّم في قوله: {لمقت اللّه أكبر} فقال بعض أهل العربيّة من أهل البصرة: هي لام الابتداء، كأن ينادون يقال لهم؛ لأنّ النّداء قولٌ. قال: ومثله في الإعراب يقال: لزيدٌ أفضل من عمرٍو.
وقال بعض نحويّي الكوفة: المعنى فيه: ينادون إنّ مقت اللّه إيّاكم، ولكنّ اللاّم تكفي من أن تقول في الكلام: ناديت أنّ زيدًا قائمٌ، قال: ومثله قوله: {ثمّ بدا لهم من بعد ما رأوا الآيات ليسجننّه حتّى حينٍ} اللاّم بمنزلة (إن) في كلّ كلامٍ ضارع القول مثل ينادون ويخبرون، وأشباه ذلك.
وقال آخر غيره منهم: هذه لام اليمين، تدخل مع الحكاية، وما ضارع الحكاية لتدلّ على أنّ ما بعدها ائتنافٌ، قال: ولا يجوز في جوابات الإيمان أن تقوم مقام اليمين، لأنّ اللاّم - كانت معها النّون أولم تكن - اكتفي بها من اليمين، لأنّها لا تقع إلاّ معها.
وأولى الأقوال في ذلك بالصّواب قول من قال: دخلت لتؤذن أنّ ما بعدها ائتنافٌ، وأنّها لام اليمين). [جامع البيان: 20/287-290]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد في قوله عز وجل لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم قال مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم الخبيثة فقال الله لهم لمقت الله إياكم في الدنيا حين تدعون إلى الإيمان فتكفرون أكبر من مقتكم أنفسكم اليوم). [تفسير مجاهد: 564]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 10.
أخرج عبد بن حميد عن الحسن رضي الله عنه في قوله {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} قال: إذا كان يوم القيامة فرأوا ما صاروا إليه مقتوا أنفسهم فقيل لهم {لمقت الله} إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أنفسكم} اليوم). [الدر المنثور: 13/22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن الحسن قال: مقتوا أنفسهم لما دخل المؤمنون الجنة وأدخلوا النار فأكلوا أناملهم من المقت قال: ينادون في النار {لمقت الله} إياكم في الدنيا إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون {أكبر من مقتكم أنفسكم} في النار). [الدر المنثور: 13/22]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن مجاهد في قوله {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} الآية قال: مقتوا أنفسهم حين رأوا أعمالهم ومقت الله إياهم في الدنيا إذ يدعون إلى الايمان فيكفرون أكبر). [الدر المنثور: 13/22-23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة في قوله: (لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم) الآية . يقول: لمقت الله أهل الضلالة حين يعرض عليهم الإيمان في الدنيا فتركوه وأبو أن يقبلوا أكبر مما مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن زر الهمداني رضي الله عنه في قوله {إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} قال: هذا شيء يقال لهم يوم القيامة حين مقتوا أنفسهم فيقال لهم {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} قال: مقتوا أنفسهم حين عاينوا عذاب الله يوم القيامة حين مقتوا أنفسهم الآن حين علمتم أنكم من أصحاب النار). [الدر المنثور: 13/23]

تفسير قوله تعالى: (قَالُوا رَبَّنَا أَمَتَّنَا اثْنَتَيْنِ وَأَحْيَيْتَنَا اثْنَتَيْنِ فَاعْتَرَفْنَا بِذُنُوبِنَا فَهَلْ إِلَى خُرُوجٍ مِنْ سَبِيلٍ (11) )
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر مر بالكلبي رجل فقال له أرأيت قوله أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين قال قد عرفت حين تذهب إنما كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم). [تفسير عبد الرزاق: 2/179]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (وقوله: {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قد أتينا عليه في سورة البقرة، فأغنى ذلك عن إعادته في هذا الموضع، ولكنّا نذكر بعض ما قال بعضهم فيه:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: كانوا أمواتًا في أصلاب آبائهم، فأحياهم اللّه في الدّنيا، ثمّ أماتهم الموتة الّتي لا بدّ منها، ثمّ أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان.
- وحدّثت عن الحسين، قال: سمعت أبا معاذٍ، يقول: أخبرنا عبيدٌ، قال: سمعت الضّحّاك، يقول في قوله: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} هو قول اللّه {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: هو كقوله {كيف تكفرون باللّه وكنتم أمواتًا} الآية.
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه، في قوله: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: هي كالّتي في البقرة {وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم}.
- حدّثني أبو حصينٍ عبد اللّه بن أحمد بن يونس، قال: حدّثنا عبثرٌ، قال: حدّثنا حصينٌ، عن أبي مالكٍ، في هذه الآية {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: خلقتنا ولم نكن شيئًا ثمّ أمتّنا، ثمّ أحييتنا.
- حدّثني يعقوب، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن حصينٍ، عن أبي مالكٍ، في قوله: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: كانوا أمواتًا فأحياهم اللّه، ثمّ أماتهم، ثمّ أحياهم.
- وقال آخرون فيه ما: حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قوله: {أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: أميتوا في الدّنيا، ثمّ أحيوا في قبورهم، فسئلوا أو خوطبوا، ثمّ أميتوا في قبورهم، ثمّ أحيوا في الآخرة.
- وقال آخرون في ذلك ما: حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: خلقهم من ظهر آدم حين أخذ عليهم الميثاق، وقرأ {وإذ أخذ ربّك من بني آدم من ظهورهم ذرّيّتهم} فقرأ حتّى بلغ {المبطلون} قال: فنسّاهم الفعل، وأخذ عليهم الميثاق، قال: وانتزع ضلعًا من أضلاع آدم القصرى، فخلق منه حوّاء، ذكره عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، قال: وذلك قول اللّه: {يا أيّها النّاس اتّقوا ربّكم الّذي خلقكم من نفسٍ واحدةٍ وخلق منها زوجها وبثّ منهما رجالاً كثيرًا ونساءً} قال: بثّ منهما بعد ذلك في الأرحام خلقًا كثيرًا، وقرأ: {يخلقكم في بطون أمّهاتكم خلقًا من بعد خلقٍ} قال: خلقًا بعد ذلك، قال: فلمّا أخذ عليهم الميثاق أماتهم ثمّ خلقهم في الأرحام، ثمّ أماتهم، ثمّ أحياهم يوم القيامة، فذلك قول اللّه: {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين فاعترفنا بذنوبنا} وقرأ قول اللّه: {وأخذنا منهم ميثاقًا غليظًا} قال: يومئذٍ، وقرأ قول اللّه: {واذكروا نعمة اللّه عليكم وميثاقه الّذي واثقكم به إذ قلتم سمعنا وأطعنا}.
وقوله: {فاعترفنا بذنوبنا} يقول: فأقررنا بما عملنا من الذّنوب في الدّنيا {فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ} يقول: فهل إلى خروجٍ من النّار لنا سبيلٌ، لنرجع إلى الدّنيا، فنعمل غير الّذي كنّا نعمل فيها.
- كما حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، {فهل إلى خروجٍ من سبيلٍ} فهل إلى كرّةٍ إلى الدّنيا). [جامع البيان: 20/290-293]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرنا أبو عبد اللّه محمّد بن عبد اللّه الزّاهد، ثنا أحمد بن مهران، ثنا عبيد اللّه بن موسى، أنبأ إسرائيل، أنبأ أبو إسحاق، عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، في قوله عزّ وجلّ {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] قال: " هي مثل الّتي في البقرة {كنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} [البقرة: 28] «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرّجاه»). [المستدرك: 2/475]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {قالوا ربّنا أمتّنا اثنتين} [غافر: 11].
- عن ابن مسعودٍ في قوله - تعالى - {ربّنا أمتّنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} [غافر: 11] قال: هي مثل الّتي في سورة البقرة {وكنتم أمواتًا فأحياكم ثمّ يميتكم ثمّ يحييكم ثمّ إليه ترجعون} [البقرة: 28].
رواه الطّبرانيّ عن عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 7/102]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيات 11 - 13
أخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والطبراني والحاكم وصححه عن ابن مسعود رضي الله عنه في قوله {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: هي مثل التي في البقرة (كنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم) (البقرة الآية 28) كانوا أموتا في أصلاب آبائهم ثم أخرجهم فأحياهم ثم يميتهم ثم يحييهم بعد الموت). [الدر المنثور: 13/23]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، وابن مردويه عن ابن عباس رضي الله عنهما في قوله: {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: كنتم أمواتا قبل أن يخلقكم فهذه ميتة ثم أحياكم فهذه حياة ثم يميتكم فترجعون إلى القبور فهذه ميتة أخرى ثم يبعثكم يوم القيامة فهذه حياة فهما ميتتان وحياتان، فهو كقوله (كيف تكفرون بالله وكنتم أمواتا فأحياكم ثم يميتكم ثم يحييكم ثم إليه ترجعون) (البقرة الآية 28) ). [الدر المنثور: 13/23-24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد عن أبي مالك رضي الله عنه قال: كانوا أمواتا فأحياهم الله تعالى فأماتهم ثم يحييهم الله تعالى يوم القيامة). [الدر المنثور: 13/24]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر عن قتادة رضي الله عنه في قوله {أمتنا اثنتين وأحييتنا اثنتين} قال: كانوا أمواتا في أصلاب آبائهم فأحياهم الله تعالى في الدنيا ثم أماتهم الموتة التي لا بد منها ثم أحياهم للبعث يوم القيامة، فهما حياتان وموتتان {فاعترفنا بذنوبنا فهل إلى خروج من سبيل} فهل إلى كرة إلى الدنيا من سبيل). [الدر المنثور: 13/24]

تفسير قوله تعالى: (ذَلِكُمْ بِأَنَّهُ إِذَا دُعِيَ اللَّهُ وَحْدَهُ كَفَرْتُمْ وَإِنْ يُشْرَكْ بِهِ تُؤْمِنُوا فَالْحُكْمُ لِلَّهِ الْعَلِيِّ الْكَبِيرِ (12) )
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا الحكم بن أبي عمر بن أبي ليلى أحد بني عامر، قال: سمعت محمد بن كعب القرظي يقول: بلغني أو ذكر لي: أن أهل النار استغاثوا بالخزنة، فقال الله: {وقال الذين في النار لخزنة جهنم ادعوا ربكم يخفف عنا يومًا من العذاب} [سورة غافر:49 - 50] فسألوا يومًا واحدًا يخفف عنهم فيه العذاب، فرد عليهم: {أولم تك تأتيكم رسلكم بالبينات قالوا بلى} فردت عليهم الخزنة: {قالوا فادعوا وما دعاء الكافرين إلا في ضلال} قال: فلما يئسوا مما عند الخزنة نادوا مالكًا وهو عليهم وله مجلس في وسطها، وجسور تمر عليها ملائكة العذاب فهو يرى أقصاها كما يرى أدناها، فقالوا: {يا مالك ليقض علينا ربك}[سورة الزخرف:77] قال: سألوا الموت، فسكت عنهم لا يجيبهم ثمانين سنة، قال: والسنة ستون وثلاثمائة يوم، والشهر ثلاثون يومًا، واليوم كألف سنة مما تعدون، ثم لحظ إليهم بعد الثمانين فقال: {إنكم ماكثون}، فلما سمعوا منه ما سمعوا وأيسوا مما قاله، قال بعضهم لبعض: يا هؤلاء، قد نزل بكم من البلاء والعذاب ما قد ترون، فهلم فلنصبر، فلعل الصبر ينفعنا كما صبر أهل الدنيا على طاعة الله فنفعهم الصبر إذ صبروا، فأجمعوا رأيهم على الصبر، قال: فصبروا فطال صبرهم، ثم جزعوا فنادوا: {سواء علينا أجزعنا أم صبرنا ما لنا من محيص} [سورة إبراهيم: 21- 22]، أي من منجى، قال: فقام إبليس عند ذلك فقال: {إن الله وعدكم وعد الحق ووعدتكم فأخلفتكم} إلى قوله: {ما أنا بمصرخكم وما أنتم بمصرخي} يقول: بمغن عنكم شيئًا {وما أنتم بمصرخي إني كفرت بما أشركتمون من قبل} قال: فلما سمعوا مقالتهم مقتوا أنفسهم، قال: فنودوا: {لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم} [سورة غافر: 10-12] إلى قوله: {فهل إلى خروج من سبيل} قال: فرد عليهم: {ذلكم بأنه إذا دعي الله وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم لله العلي الكبير} قال فهذه واحدة، قال: فنودوا الثانية: {ربنا أبصرنا وسمعنا فارجعنا نعمل صالحًا إنا موقنون} [سورة السجدة: 12] قال: فرد عليهم {ولو شئنا لآتينا كل نفسٍ هداها} يقول: لو شئت لهديت الناس جميعًا فلم يختلف منهم أحدٌ {ولكن حق القول مني لأملأن جهنم من الجنة والناس أجمعين فذوقوا بما نسيتم لقاء يومكم هذا}، يقول: بما تركتم أن تعملوا لي ليومكم هذا، {إنا نسيناكم} إنا تركناكم، {وذوقوا عذاب الخلد بما كنتم تعملون} هذه اثنتان، قال: فنادوا الثالثة {ربنا أخرنا إلى أجل قريب نجب دعوتك ونتبع الرسل} [سورة إبراهيم: 45- 46] فرد عليهم: {أولم تكونوا أقسمتم من قبل ما لكم من زوال وسكنتم في مساكن الذين ظلموا أنفسهم وتبين لكم كيف فعلنا بهم وضربنا لكم الأمثال وقد مكروا مكرهم وعند الله مكرهم وإن كان مكرهم لتزول منه الجبال}، قال: هذه الثالثة، قال: ثم نادوا الرابعة: {ربنا أخرجنا نعمل صالحًا غير الذي كنا نعمل} [سورة فاطر: 37] قال: {أولم نعمركم ما يتذكر فيه من تذكر وجاءكم النذير فذوقوا فما للظالمين من نصير} ثم مكث عنهم ما شاء الله، ثم ناداهم: { ألم تكن ءاياتي تتلى عليكم فكنتم بها تكذبون} [سورة المؤمنون: 105-108]، قال: فلما سمعوا صوته قالوا: الآن يرحمنا، فقالوا عند ذلك: {غلبت علينا شقوتنا} أي الكتاب الذي كتب علينا، {وكنا قومًا ضالين ربنا أخرجنا منها فإن عدنا فإنا ظالمون}فقال عند ذلك: {اخسئوا فيها ولا تكلمون} فانقطع عند ذلك الدعاء والرجاء منهم، وأقبل بعضهم على بعض ينبح بعضهم في وجه بعض، فأطبقت عليهم.
قال: فحدثني الأزهر بن أبي الأزهر أنه ذكر له أن ذلك قوله: {هذا يوم لا ينطقون * ولا يؤذن لهم فيعتذرون} [سورة المرسلات: 35- 36] ). [الزهد لابن المبارك: 2/ 590-592](م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله فالحكم لله العلي الكبير قال: قالت الحروراء لا حكم إلا لله فقال علي كلمة حق غذي بها الباطل). [تفسير عبد الرزاق: 2/179]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال قتادة والله لقد استحل بها الفرج الحرام والمال الحرام والدم الحرام وعصي بها الرحمن). [تفسير عبد الرزاق: 2/179]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ذلكم بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم وإن يشرك به تؤمنوا فالحكم للّه العليّ الكبير}.
وفي هذا الكلام متروكٌ استغنى بدلالة الظّاهر من ذكره عليه؛ وهو: فأجيبوا أن لا سبيل إلى ذلك هذا الّذي لكم من العذاب أيّها الكافرون {بأنّه إذا دعي اللّه وحده كفرتم} فأنكرتم أن تكون الألوهة له خالصةً، وقلتم {أجعل الآلهة إلهًا واحدًا}.
{وإنّ يشرك به تؤمنوا} يقول: وإن يجعل للّه شريكٌ تصدّقوا من جعل ذلك له {فالحكم للّه العليّ الكبير} يقول: فالقضاء للّه العليّ على كلّ شيءٍ، الكبير الّذي كلّ شيءٍ دونه متصاغرٌ له اليوم). [جامع البيان: 20/293]


رد مع اقتباس