عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 27 جمادى الأولى 1435هـ/28-03-2014م, 06:41 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {مثلهم كمثل الّذي استوقد ناراً فلمّا أضاءت ما حوله ذهب اللّه بنورهم وتركهم في ظلماتٍ لا يبصرون (17) صمٌّ بكمٌ عميٌ فهم لا يرجعون (18)}
«المثل والمثل والمثيل» واحد، معناه الشبه، هكذا نص أهل اللغة والمتماثلان المتشابهان، وقد يكون مثل الشيء جرما مثله، وقد يكون ما تعقل النفس وتتوهمه من الشيء مثلا له، فقوله تعالى: {مثلهم كمثل} معناه: أن الذي يتحصل في نفس الناظر في أمرهم كمثل الذي يتحصل في نفس الناظر في أمر المستوقد، وبهذا يزول الإشكال الذي في تفسير قوله تعالى: {مثل الجنّة} [الرعد: 35، محمد: 15] وفي تفسير قوله تعالى: {ليس كمثله شيءٌ} [الشورى: 11]؛ لأن ما يتحصل للعقل من وحدانيته وأزليته ونفي ما لا يجوز عليه ليس يماثله فيه شيء، وذلك المتحصل هو المثل الأعلى الذي في قوله عز وجل: {وللّه المثل الأعلى} [النحل: 6]. وقد جاء في تفسيره أنه لا إله إلا الله ففسر بجهة الوحدانية.
وقوله: مثلهم رفع بالابتداء والخبر في الكاف، وهي على هذا اسم كما هي في قول الأعشى:

أتنتهون ولا ينهى ذوي شطط ....... كالطعن يذهب فيه الزيت والفتل

ويجوز أن يكون الخبر محذوفا تقديره مثلهم مستقر كمثل، فالكاف على هذا حرف، ولا يجوز ذلك في بيت الأعشى لأن المحذوف فاعل تقديره شيء كالطعن، والفاعل لا يجوز حذفه عند جمهور البصريين، ويجوز حذف خبر الابتداء إذا كان الكلام دالا عليه، وجوز الأخفش حذف الفاعل، وأن يكون الكاف في بيت الأعشى حرفا ووحد الذي لأنه لم يقصد تشبيه الجماعة بالجماعة، وإنما المقصد أن كل واحد من المنافقين فعله كفعل المستوقد، والّذي أيضا ليس بإشارة إلى واحد ولا بد، بل إلى هذا الفعل: وقع من واحد أو من جماعة.
قال النحويون: الذي اسم مبهم يقع للواحد والجميع. واستوقد قيل معناه أوقد، فذلك بمنزلة عجب واستعجب بمعنى.
قال أبو علي: وبمنزلة هزىء واستهزأ وسخر واستسخر، وقر واستقر وعلا قرنه واستعلاه، وقد جاء استفعل بمعنى أفعل أجاب واستجاب ومنه قول الشاعر [كعب بن سعد الغنوي]:

وداع دعا يا من يجيب إلى الندى ....... فلم يستجبه عند ذاك مجيب

وأخلف لأهل واستخلف إذا جلب لهم الماء، ومنه قول الشاعر:

ومستخلفات من بلاد تنوفة ....... لمصفرة الأشداق حمر الحواصل

ومنه قول الآخر:
... ... ... ... ....... سقاها فروّاها من الماء مخلف

ومنه أوقد واستوقد قاله أبو زيد، وقيل استوقد يراد به طلب من غيره أن يوقد له على المشهور من باب استفعل، وذلك يقتضي حاجته إلى النار، فانطفاؤها مع حاجته إليها أنكى له. واختلف في أضاءت فقيل يتعدى لأنه نقل بالهمزة من ضاء، ومنه قول العباس بن عبد المطلب في النبي صلى الله عليه وسلم:

وأنت لما ولدت أشرقت ال ....... أرض وضاءت بنورك الطرق

وعلى هذا، ف (ما) في قوله: ما حوله مفعولة، وقيل (أضاءت) لا تتعدى، لأنه يقال ضاء وأضاء بمعنى، ف (ما) زائدة، وحوله ظرف. واختلف المتأولون في فعل المنافقين الذي يشبه فعل (الذي استوقد نارا).
فقالت طائفة: هي فيمن آمن ثم كفر بالنفاق، فإيمانه بمنزلة النار إذا أضاءت، وكفره بعد بمنزلة انطفائها وذهاب النور.
وقال الحسن بن أبي الحسن وغيره: «إن ما يظهر المنافق في الدنيا من الإيمان فيحقن به دمه ويحرز ماله ويناكح ويخالط كالنار التي أضاءت ما حوله، فإذا مات صار إلى العذاب الأليم، فذلك بمنزلة انطفائها وبقائه في الظلمات».
وقالت فرقة: إن إقبال المنافقين إلى المسلمين وكلامهم معهم كالنار وانصرافهم إلى مردتهم وارتكاسهم عندهم كذهابها.
وقالت فرقة: إن المنافقين كانوا عند رسول الله صلى الله عليه وسلم والمؤمنين في منزلة بما أظهروه، فلما فضحهم الله وأعلم بنفاقهم سقطت المنزلة، فكان ذلك كله بمنزلة النار وانطفائها.
وقالت فرقة منهم قتادة: نطقهم بــ «لا إله إلا الله» والقرآن كإضاءة النار، واعتقادهم الكفر بقلوبهم كانطفائها.
قال جمهور النحاة: جواب «لما» ذهب، ويعود الضمير من «نورهم» في هذا القول على (الذي)، ويصح شبه الآية بقول الشاعر: [الأشهب بن رميلة]:

وإنّ الذي حانت بفلج دماؤهم ....... هم القوم كلّ القوم يا أمّ خالد

وعلى هذا القول يتم تمثيل المنافق بالمستوقد، لأن بقاء المستوقد في ظلمات لا يبصر كبقاء المنافق على الاختلاف المتقدم.
وقال قوم: جواب «لما» مضمر، وهو طفئت، والضمير في «نورهم» على هذا للمنافقين والإخبار بهذا هو عن حال تكون في الآخرة وهو قوله تعالى: {فضرب بينهم بسورٍ له بابٌ} [الحديد: 13].
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا القول غير قوي، وقرأ الحسن بن أبي الحسن وأبو السمال «في ظلمات» بسكون اللام، وقرأ قوم «ظلمات» بفتح اللام.
قال أبو الفتح: في ظلمات وكسرات ثلاث لغات: اتباع الضم الضم والكسر الكسر أو التخفيف بأن يعدل إلى الفتح في الثاني أو التخفيف بأن يسكن الثاني، وكل ذلك جائز حسن، فأما فعلة بالفتح فلا بد فيه من التثقيل اتباعا فتقول ثمرة وثمرات). [المحرر الوجيز: 1/ 132-136]

تفسير قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (والأصم الذي لا يسمع، والأبكم الذي لا ينطق ولا يفهم، فإذا فهم فهو الأخرس، وقيل الأبكم والأخرس واحد، ووصفهم بهذه الصفات إذ أعمالهم من الخطأ وقلة الإجابة كأعمال من هذه صفته، وصم رفع على خبر ابتداء فإما أن يكون ذلك على تقدير تكرار أولئك، وإما على إضمار هم.
وقرأ عبد الله بن مسعود وحفصة أم المؤمنين رضي الله عنهما. «صما، بكما، عميا» بالنصب، ونصبه على الحال من الضمير في مهتدين، وقيل هو نصب على الذم، وفيه ضعف، وأما من جعل الضمير في «نورهم» للمنافقين لا للمستوقدين فنصب هذه الصفات على قوله على الحال من الضمير في تركهم.
قال بعض المفسرين قوله تعالى: {فهم لا يرجعون} إخبار منه تعالى أنهم لا يؤمنون بوجه.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وإنما كان يصح هذا إن لو كانت الآية في معينين، وقال غيره: معناه فهم لا يرجعون ما داموا على الحال التي وصفهم بها، وهذا هو الصحيح، لأن الآية لم تعين، وكلهم معرض للرجوع مدعو إليه). [المحرر الوجيز: 1/ 136]

تفسير قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {أو كصيّبٍ من السّماء فيه ظلماتٌ ورعدٌ وبرقٌ يجعلون أصابعهم في آذانهم من الصّواعق حذر الموت واللّه محيطٌ بالكافرين (19) يكاد البرق يخطف أبصارهم كلّما أضاء لهم مشوا فيه وإذا أظلم عليهم قاموا ولو شاء اللّه لذهب بسمعهم وأبصارهم إنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ (20)}
{أو} للتخيير، معناه مثلوهم بهذا أو بهذا، لا على الاقتصار على أحد الأمرين، وقوله: أو كصيّبٍ معطوف على كمثل الّذي. وقال الطبري: أو بمعنى الواو.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذه عجمة، والصيب المطر من صاب يصوب إذا انحط من علو إلى سفل، ومنه قول علقمة بن عبدة:

كأنهم: صابت عليهم سحابة ....... صواعقها لطيرهنّ دبيب

وقول الآخر:

فلست لإنسيّ ولكن لملأك ....... تنّزل من جوّ السماء يصوب

وأصل صيّب صيوب اجتمعت الواو والياء وسبقت إحداهما بالسكون فقلبت الواو ياء وأدغمت، كما فعل في سيّد وميّت.
وقال بعض الكوفيين: أصل صيّب صويب على مثال فعيل وكان يلزمه أن لا يعل كما لم يعل طويل، فبهذا يضعف هذا القول.
وقوله تعالى: {ظلماتٌ} بالجمع، إشارة إلى ظلمة الليل وظلمة الدجن ومن حيث تتراكب وتتزايد جمعت، وكون الدجن مظلما هول وغم للنفس، بخلاف السحاب والمطر إذا انجلى دجنه، فإنه سارّ جميل، ومنه قول قيس بن الخطيم:

فما روضة من رياض القطا ...... كأنّ المصابيح حوذانها
بأحسن منها ولا مزنة ...... دلوح تكشّف أدجانها

واختلف العلماء في الرعد: فقال ابن عباس ومجاهد وشهر بن حوشب وغيرهم: هو ملك يزجر السحاب بهذا الصوت المسموع كلما خالفت سحابة صاح بها، فإذا اشتد غضبه طار النار من فيه، فهي الصّواعق، واسم هذا الملك الرعد، وقيل الرعد ملك، وهذا الصوت تسبيحه، وقيل الرعد اسم الصوت المسموع، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وهذا هو المعلوم في لغة العرب، وقد قال لبيد في جاهليته:

فجعني الرعد والصواعق بال ...... فارس يوم الكريهة النجد

وروي عن ابن عباس أنه قال: «الرعد ريح تختنق بين السحاب فتصوت ذلك الصوت».
وقيل: «الرعد اصطكاك أجرام السحاب». وأكثر العلماء على أن الرعد ملك، وذلك صوته يسبح ويزجر السحاب.
واختلفوا في البرق: فقال علي بن أبي طالب: «هو مخراق حديد بيد الملك يسوق به السحاب».
وقال ابن عباس: «هو سوط نور بيد الملك يزجي به السحاب».
وروي عن ابن عباس رضي الله عنه أن البرق ملك يتراءى، وقال قوم: «البرق ماء»، وهذا قول ضعيف.
والصاعقة: قال الخليل: «هي الواقعة الشديدة من صوت الرعد يكون معها أحيانا نار، يقال إنها من المخراق الذي بيد الملك، وقيل في قطعة النار إنها ماء يخرج من فم الملك عند غضبه».
وحكى الخليل عن قوم من العرب «الساعقة» بالسين.
وقال النقاش: «يقال صاعقة وصعقة وصاقعة بمعنى واحد».
وقرأ الحسن بن أبي الحسن «من الصواقع» بتقديم القاف. قال أبو عمرو: «وهي لغة تميم».
وقرأ الضحاك بن مزاحم «حذار الموت» بكسر الحاء وبألف. واختلف المتأولون في المقصد بهذا المثل وكيف تترتب أحوال المنافقين الموازنة لما في المثل من الظلمات والرعد والبرق والصواعق.
فقال جمهور المفسرين: «مثل الله تعالى القرآن بالصيب لما فيه من الإشكال عليهم. والعمى: هو الظلمات، وما فيه من الوعيد والزجر هو الرعد، وما فيه من النور والحجج الباهرة التي تكاد أن تبهرهم هو البرق وتخوفهم وروعهم وحذرهم هو جعل أصابعهم في آذانهم، وفضح نفاقهم، واشتهار كفرهم، وتكاليف الشرع التي يكرهونها من الجهاد والزكاة ونحوه هي الصواعق».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا كله صحيح بين.
وروي عن ابن مسعود أنه قال: «إن رجلين من المنافقين هربا من النبي صلى الله عليه وسلم إلى المشركين فأصابهما هذا المطر الذي ذكر الله وأيقنا بالهلاك، فقالا: ليتنا أصبحنا فنأتي محمدا ونضع أيدينا في يده، فأصبحا وأتياه وحسن إسلامهما، فضرب الله ما نزل بهما مثلا للمنافقين».
وقال أيضا ابن مسعود: «إن المنافقين في مجلس رسول الله صلى الله عليه وسلم كانوا يجعلون أصابعهم في آذانهم لئلا يسمعوا القرآن، فضرب الله المثل لهم».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: وهذا وفاق لقول الجمهور الذي ذكرناه.
وقال قوم: «الرعد والبرق هما بمثابة زجر القرآن ووعيده».
و{محيطٌ بالكافرين} معناه: بعقابه وأخذه، يقال أحاط السلطان بفلان إذا أخذه أخذا حاصرا من كل جهة، ومنه قوله تعالى: {وأحيط بثمره} [الكهف: 42] ففي الكلام حذف مضاف). [المحرر الوجيز: 1/ 136-140]

تفسير قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (ويكاد فعل ينفي المعنى مع إيجابه ويوجبه مع النفي، فهنا لم يخطف البرق الأبصار، والخطف الانتزاع بسرعة.
واختلفت القراءة في هذه اللفظة فقرأ جمهور الناس: «يخطف أبصارهم» بفتح الياء والطاء وسكون الخاء، على قولهم في الماضي خطف بكسر الطاء وهي أفصح لغات العرب، وهي القرشية.
وقرأ علي بن الحسين ويحيى بن وثاب: «يخطف» بفتح الياء وسكون الخاء وكسر الطاء على قول بعض العرب في الماضي «خطف» بفتح الطاء، ونسب المهدوي هذه القراءة إلى الحسن وأبي رجاء، وذلك وهم.
وقرأ الحسن وأبو رجاء وعاصم الجحدري وقتادة: «يخطّف» بفتح الياء وكسر الخاء والطاء وتشديد الطاء، وهذه أصلها «يختطف» أدغمت التاء في الطاء وكسرت الخاء لالتقاء الساكنين.
وحكى ابن مجاهد قراءة لم ينسبها إلى أحد «يخطّف» بفتح الياء والخاء وتشديد الطاء المكسورة.
قال أبو الفتح: «أصلها يختطف نقلت حركة التاء إلى الخاء وأدغمت التاء في الطاء».
وحكى أبو عمرو الداني عن الحسن أيضا، أنه قرأ «يخطّف» بفتح الياء والخاء والطاء وشدها.
وروي أيضا عن الحسن والأعمش «يخطّف» بكسر الثلاثة وشد الطاء منها. وهذه أيضا أصلها يختطف أدغم وكسرت الخاء للالتقاء وكسرت الياء اتباعا.
وقال عبد الوارث: «رأيتها في مصحف أبي بن كعب «يتخطّف» بالتاء بين الياء والخاء».
وقال الفراء: «قرأ بعض أهل المدينة بفتح الياء وسكون الخاء وشد الطاء مكسورة».
قال أبو الفتح: «إنما هو اختلاس وإخفاء فيلطف عندهم فيرون أنه إدغام، وذلك لا يجوز».
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: لأنه جمع بين ساكنين دون عذر.
وحكى الفراء قراءة عن بعض الناس بضم الياء وفتح الخاء وشد الطاء مكسورة.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله: كأنه تشديد مبالغة لا تشديد تعدية.
ومعنى: {يكاد البرق يخطف أبصارهم} تكاد حجج القرآن وبراهينه وآياته الساطعة تبهرهم، ومن جعل البرق في المثل الزجر والوعيد قال يكاد ذلك يصيبهم.
وكلّما ظرف، والعامل فيه مشوا وهو أيضا جواب كلّما، وأضاء صلة ما، ومن جعل أضاء يتعدى قدر له مفعولا، ومن جعله بمنزلة ضاء استغنى عن ذلك.
وقرأ ابن أبي عبلة: «أضا لهم» بغير همز، وهي لغة.
وفي مصحف أبي بن كعب: «مروا فيه».
وفي قراءة ابن مسعود «مضوا فيه».
وقرأ الضحاك: «وإذا أظلم» بضم الهمزة وكسر اللام، وقاموا معناه ثبتوا، لأنهم كانوا قياما، ومنه قول الأعرابي:
«وقد أقام الدهر صعري بعد أن أقمت صعره»
يريد أثبت الدهر.
ومعنى الآية فيما روي عن ابن عباس وغيره: كلما سمع المنافقون القرآن وظهرت لهم الحجج أنسوا ومشوا معه، فإذا نزل من القرآن ما يعمون فيه ويضلون به أو يكلفونه قاموا أي ثبتوا على نفاقهم.
وروي عن ابن مسعود أن معنى الآية: كلما صلحت أحوالهم في زروعهم ومواشيهم وتوالت عليهم النعم قالوا دين محمد دين مبارك. وإذا نزلت بهم مصيبة أو أصابتهم شدة سخطوه وثبتوا في نفاقهم.
وقال قوم: معنى الآية: كلما خفي عليكم نفاقهم وظهر لكم منهم الإيمان مشوا فيه، فإذا افتضحوا عندكم قاموا، ووحد السمع لأنه مصدر يقع للواحد والجمع.
وحكى النقاش أن من العلماء من قرأ بأسماعهم.
وقرأ إبراهيم بن أبي عبلة: «ولو شاء الله لأذهب أسماعهم وأبصارهم» وخص الأسماع والأبصار لتقدم ذكرها في الآية. ويشبه هذا المعنى في حال المنافقين أن الله لو شاء لأوقع بهم ما يتخوفونه من الزجر والوعيد أو لفضحهم عند المؤمنين وسلط المؤمنين عليهم، وبكل مذهب من هذين قال قوم.
وقوله تعالى: {على كلّ شيءٍ} لفظه العموم ومعناه عند المتكلمين على كل شيء يجوز وصفه تعالى بالقدرة عليه و{قديرٌ} بمعنى قادر، وفيه مبالغة، وخص هنا صفته التي هي القدرة بالذكر لأنه قد تقدم ذكر فعل مضمنه الوعيد والإخافة، فكان ذكر القدرة مناسبا لذلك). [المحرر الوجيز: 1/ 140-142]


رد مع اقتباس