عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 17 ذو القعدة 1439هـ/29-07-2018م, 04:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَهَلْ أَتَاكَ حَدِيثُ مُوسَى (9)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وهل أتاك حديث موسى إذ رأى نارا فقال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بقبس أو أجد على النار هدى فلما أتاها نودي يا موسى إني أنا ربك فاخلع نعليك إنك بالواد المقدس طوى وأنا اخترتك فاستمع لما يوحى إنني أنا الله لا إله إلا أنا فاعبدني وأقم الصلاة لذكري}
هذا الاستفهام هو توقيف مضمنه تنبيه النفس إلى ما يورد عليها، وهذا كما تبدأ
[المحرر الوجيز: 6/80]
الرجل إذا أردت إخباره بأمر غريب فتقول: أعلمت كذا وكذا؟ ثم تبدأ تخبره). [المحرر الوجيز: 6/81]

تفسير قوله تعالى: {إِذْ رَأَى نَارًا فَقَالَ لِأَهْلِهِ امْكُثُوا إِنِّي آَنَسْتُ نَارًا لَعَلِّي آَتِيكُمْ مِنْهَا بِقَبَسٍ أَوْ أَجِدُ عَلَى النَّارِ هُدًى (10)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والعامل في "إذ" ما تضمنه قوله سبحانه: {حديث موسى} من معنى الفعل، وتقديره: وهل أتاك ما فعل موسى إذ رأى نارا، ونحو.
هذا، وكان من قصة موسى عليه السلام أنه رحل من مدين بأهله بنت شعيب وهو يريد أرض مصر، وقد طالت مدة جنايته هنالك، فرجا خفاء أمره، وكان - فيما يزعمون - رجلا غيورا، فكان يسير الليل بأهله ولا يسير النهار مخافة كشفة الناس، فضل عن طريقه في ليلة مظلمة ندية، ويروى أنه فقد الماء فلم يدر أين يطلبه، فبينما هو كذلك - وقد قدح زنده فلم يور شيئا - إذ رأى نارا، فقال لأهله: امكثوا، أي أقيموا، وذهب هو إلى النار فإذا هي مضطرمة في شجرة خضراء يانعة، قيل: كانت من عناب، وقيل: من عوسج، وقيل: من عليقة، فلما دنا منها تباعدت منه ومشت، فإذا رجع عنها اتبعته، فلما رأى ذلك أيقن أن هذا أمر من أمور الله تعالى الخارقة للعادة، ونودي وانقضى أمره في تلك الليلة، هذا قول الجمهور، وهو الحق، وحكى النقاش عن ابن عباس أنه أقام في ذلك الأمر حولا، ومكث أهله، قالوا: وهذا أمر غير صحيح عن ابن عباس رضي الله عنهما وضعيف في نفسه.
و "آنست" معناه: أحسست، ومنه قول الحارث بن حلزة:
آنست نبأة وأفزعها القنـ ناص عصرا وقد دنا الإمساء
والنار على البعد لا تحس إلا بالبصر، ولذلك فسر بعضهم اللفظ بـ "رأيت"، و"آنس" أعم من رأى لأنك تقول: آنست من فلان خيرا أو شرا. و"القبس": الجذوة من النار على رأس العود أو القصبة أو نحوه، و"الهدى" أراد الطريق، أي: لعلي أجد ذا هدى مرشدا لي أو دليلا وإن لم يكن فخبرا، و"الهدى" يعم هذا كله، وإنما رجا موسى عليه السلام هدى نازلته فصادف الهدى على الإطلاق.
[المحرر الوجيز: 6/81]
وفي ذكر قصة موسى عليه السلام بأسرها في هذه السورة تسلية للنبي صلى الله عليه وسلم عما لقي في تبليغه من المشقات وكفر الناس، فإنما هي له على جهة التمثيل في أمره، وروي عن نافع وحمزة "فقال لأهله امكثوا" بضم الهاء، وكذلك في القصص، وكسر الباقون الهاء فيهما). [المحرر الوجيز: 6/82]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَتَاهَا نُودِيَ يَا مُوسَى (11)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فلما أتاها}، الضمير عائد على النار، وقوله: {نودي} كناية عن تكليم الله له، وفي "نودي" ضمير يقوم مقام الفاعل، وإن شئت جعلته موسى إذ قد جرى ذكره). [المحرر الوجيز: 6/82]

تفسير قوله تعالى: {إِنِّي أَنَا رَبُّكَ فَاخْلَعْ نَعْلَيْكَ إِنَّكَ بِالْوَادِ الْمُقَدَّسِ طُوًى (12)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ نافع، وعاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "إني" بكسر الألف على الابتداء، وقرأ ابن كثير، وأبو عمرو: "أني" بفتح الألف على معنى: لأجل أني أنا ربك فاخلع نعليك. و"نودي" قد توصل بحرف الجر، وأنشد أبو علي:
ناديت باسم ربيعة بن مكدم ... إن المنوه باسمه الموثوق
واختلف المتأولون في السبب الذي من أجله أمر بخلع النعلين - فقالت فرقة: كانتا من جلد حمار ميت، فأمر بطرح النجاسة، وقالت فرقة: بل كانت نعلاه من جلد بقرة ذكي، ولكن أمر بخلعها لينال بركة الوادي المقدس وتمس قدماه تربة الوادي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وتحتمل الآية معنى آخر هو الأليق بها عندي، وذلك أن الله تعالى أمره أن يتواضع لعظيم الحال التي حصل فيها، والعرف عند الملوك أن تخلع النعلان ويبلغ الإنسان إلى غاية تواضعه، فكأن موسى عليه السلام أمر بذلك على هذا الوجه، ولا تبالي كانت نعلاه من ميتة أو غيرها.
[المحرر الوجيز: 6/82]
و المقدس معناه: المطهر، وطوى معناه: مرتين مرتين، فقالت فرقة: معناه: قدس مرتين، وقالت فرقة: معناه: طويته أنت، أي سرت به، أي طويت لك الأرض مرتين من ظنك. وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "طوى" بالتنوين على أنه اسم المكان، وقرأ نافع، وابن عامر، وأبو عمرو: "طوى" على أنه اسم البقعة، بدون تنوين، وقرأ هؤلاء كلهم بضم الطاء، وقرأ أبو زيد عن أبي عمرو بكسر الطاء، وقرأت فرقة: "طاوي"، قالت فرقة: هو اسم الوادي، و"طوى" على التأويل الأول بمنزلة قولهم ثنى وثنى، أي: مثنيا). [المحرر الوجيز: 6/83]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنَا اخْتَرْتُكَ فَاسْتَمِعْ لِمَا يُوحَى (13)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ السبعة غير حمزة: "وأنا اخترتك"، ويؤيد هذه القراءة تناسبها مع قوله تعالى: {أنا ربك}، وفي مصحف أبي بن كعب: "وإني اخترتك"، وقرأ حمزة وحده: "وأنا اخترناك" بالجمع وفتح الهمزة وشد النون، والآية على هذا بمنزلة قوله تعالى: {سبحان الذي أسرى بعبده ليلا}، ثم قال: {وآتينا موسى الكتاب}، فخرج من إفراد إلى جمع، وقرأت فرقة: "وإنا اخترناك" بكسر الألف، وحدثني أبي رحمه الله يقول: سمعت أبا الفضل الجوهري يقول: لما قيل لموسى عليه السلام "استمع لما يوحى" وقف على حجر، واستند إلى حجر، ووضع يمينه على شماله، وألقى ذقنه على صدره، ووقف يستمع، وكان كل لباسه صوفا، وقرأت فرقة: "بالواد المقدس طاوي"). [المحرر الوجيز: 6/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّنِي أَنَا اللَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا أَنَا فَاعْبُدْنِي وَأَقِمِ الصَّلَاةَ لِذِكْرِي (14)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وأقم الصلاة لذكري} يحتمل أن يريد: لتذكيري فيها، أو يريد: لأذكرك في عليين بها، فالمصدر - على هذا - يحتمل الإضافة إلى الفاعل أو إلى المفعول، واللام لام السبب. وقالت فرقة: قوله: "لذكري" أي عند ذكري، أي إذا ذكرتني وأمري لك بها، فاللام - على هذا - بمنزلتها في قوله تعالى: {أقم الصلاة لدلوك الشمس} وقرأت فرقة: "للذكرى"، وقرأت فرقة: "لذكرى" بغير تعريف، وقرأت فرقة: "للذكر"). [المحرر الوجيز: 6/83]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ السَّاعَةَ آَتِيَةٌ أَكَادُ أُخْفِيهَا لِتُجْزَى كُلُّ نَفْسٍ بِمَا تَسْعَى (15)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الساعة آتية أكاد أخفيها لتجزى كل نفس بما تسعى فلا يصدنك عنها من لا يؤمن بها واتبع هواه فتردى وما تلك بيمينك يا موسى قال هي عصاي أتوكأ عليها وأهش بها على غنمي ولي فيها مآرب أخرى}
في قوله تعالى: {إن الساعة آتية} تحذير ووعيد، أي: اعبدني فإن عقابي وثوابي بالمرصاد، و"الساعة" في هذه الآية: القيامة، بلا خلاف.
وقرأ ابن كثير، والحسن، وعاصم: "أكاد أخفيها" بفتح الهمزة، بمعنى،: أظهرها، أي أنها من صحة وقوعها وتيقن كونه تكاد تظهر، لكن تنحجب إلى الأجل المعلوم، والعرب تقول: "أخفيت الشيء" بمعنى: أظهرته، ومنه قول امرئ القيس:
خفاهن من أنفاقهن كأنما خفاهن ودق من عشي مجلب
ومنه قوله أيضا:
فإن تدفنوا الداء لا نخفه ... وإن تبعثوا الحرب لا نقعد
[المحرر الوجيز: 6/84]
قال أبو علي: المعنى: أزيل خفاءها وهو ما تلف به القربة ونحوها.
وقرأ الجمهور: "أكاد أخفيها" بضم الهمزة، واختلف المتأولون في معنى الآية فقالت فرقة: معناه أظهرها، و"أخفيت" من الأضداد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول مختل.
وقالت فرقة: معناه أكاد أخفيها من نفسي، على معنى العبارة عن شدة غموضها على المخلوقين، وقالت فرقة: إن الساعة آتية أكاد وتم الكلام، بمعنى: أكاد أنفذها لقربها وصحة وقوعها، ثم استأنف الإخبار بأنه يخفيها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قول قلق.
وقالت فرقة: "أكاد" زائدة لا دخول لها في المعنى، بل تضمنت الآية الإخبار بأن الساعة آتية، وأن الله يخفي وقت إتيانها عن الناس.
[المحرر الوجيز: 6/85]
وقالت فرقة: "أكاد" بمعنى: أريد، فالمعنى: أريد إخفاءها عنكم لتجزى كل نفس بما تسعى، واستشهد قائل هذه المقالة بقول الشاعر:
كادت وكدت وتلك خير إرادة ... ... .....
وقد تقدم هذا المعنى.
وقالت فرقة: "أكاد" على بابها، بمعنى أنها لمقاربة ما لم يقع، لكن الكلام جار على استعارة العرب ومجازها، فلما كانت الآية عبارة عن شدة خفاء أمر القيامة ووقتها، وكان القطع بإتيانها مع جهل الوقت أهيب على النفوس، بالغ قوله تعالى في إعتام وقتها فقال: {أكاد أخفيها} حتى لا تظهر البتة، ولكن ذلك لا يقع، ولا بد من ظهورها.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
فهذا تلخيص هذا المعنى الذي أشار إليه بعض المفسرين، وهو الأقوى عندي. وروى بعض القائلين بأن المعنى: "أكاد أخفيها من نفسي" ما في القول من القلق، فقالوا: معنى "من نفسي": من تلقائي ومن عندي.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا رفض للمعنى الأول ورجوع إلى هذا القول الذي اخترناه أخيرا، فتأمله.
واللام في قوله تعالى: "لتجزى" متعلقة بقوله: "آتية"، وهكذا بترتيب الوعيد، و"تسعى" معناه: تكتسب وتجترح). [المحرر الوجيز: 6/86]

تفسير قوله تعالى: {فَلَا يَصُدَّنَّكَ عَنْهَا مَنْ لَا يُؤْمِنُ بِهَا وَاتَّبَعَ هَوَاهُ فَتَرْدَى (16)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والضمير في قوله تعالى: {فلا يصدنك عنها}، عائد على "الساعة"، يريد: الإيمان بالساعة، فأوقع الضمير عليها، ويحتمل أن يعود على الصلاة، وقالت فرقة: على "لا إله إلا الله".
[المحرر الوجيز: 6/86]
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا متجه، والأولان أبين وجها.
وقوله تعالى: "فتردى" معناه: تهلك، والردى: الهلاك، ومنه قول دريد بن الصمة:
تنادوا فقالوا أردت الخيل فارسا ... فقلت: أعبد الله ذلكم الردي؟
وهذا الخطاب كله لموسى عليه السلام، وكذلك ما بعده، وقال النقاش: الخطاب في قوله: {فلا يصدنك عنها} لمحمد صلى الله عليه وسلم، وهذا بعيد، وفي مصحف عبد الله بن مسعود رضي الله عنه: "أكاد أخفيها من نفسي"، وعلى هذه القراءة تركب ذلك القول المتقدم). [المحرر الوجيز: 6/87]

رد مع اقتباس