عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 03:56 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا تَوَجَّهَ تِلْقَاءَ مَدْيَنَ قَالَ عَسَى رَبِّي أَنْ يَهْدِيَنِي سَوَاءَ السَّبِيلِ (22) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ولما توجه تلقاء مدين قال عسى ربي أن يهديني سواء السبيل ولما ورد ماء مدين وجد عليه أمة من الناس يسقون ووجد من دونهم امرأتين تذودان قال ما خطبكما قالتا لا نسقي حتى يصدر الرعاء وأبونا شيخ كبير فسقى لهما ثم تولى إلى الظل فقال رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}
ولما خرج عليه السلام فارا بنفسه منفردا حافيا لا شيء معه; رأى حاله وعدم معرفته بالطريق، وخلوه من الزاد وغيره فأسند أمره إلى الله تبارك وتعالى وقال: {عسى ربي أن يهديني سواء السبيل}، وهذه الأقوال منه تقتضي أنه كان عارفا بالله تعالى، عالما بالحكمة والعلم الذي آتاه الله تعالى. و"توجه": رد وجهه إليها، و"تلقاء" معناه: إلى ناحية، أي إلى الجهة التي يلقى فيها الشيء المذكور، وسواء السبيل معناه: وسطه، وفي هذا الوقت بعث الله الملك المسدد حسب ما ذكرناه قبل، وقال مجاهد: أراد بـ " سواء السبيل " طريق مدين، وقال الحسن: أراد سبيل الهدى.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا أبرع، ونظيره قول الصديق رضي الله تعالى عنه عن النبي صلى الله عليه وسلم: هذا الذي يهدي السبيل الحديث). [المحرر الوجيز: 6/ 582-583]

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا وَرَدَ مَاءَ مَدْيَنَ وَجَدَ عَلَيْهِ أُمَّةً مِنَ النَّاسِ يَسْقُونَ وَوَجَدَ مِنْ دُونِهِمُ امْرَأتَيْنِ تَذُودَانِ قَالَ مَا خَطْبُكُمَا قَالَتَا لَا نَسْقِي حَتَّى يُصْدِرَ الرِّعَاءُ وَأَبُونَا شَيْخٌ كَبِيرٌ (23) فَسَقَى لَهُمَا ثُمَّ تَوَلَّى إِلَى الظِّلِّ فَقَالَ رَبِّ إِنِّي لِمَا أَنْزَلْتَ إِلَيَّ مِنْ خَيْرٍ فَقِيرٌ (24) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (فمشى عليه السلام حتى ورد مدين، أي: بلغها، ووروده الماء معناه: بلوغه; لأنه دخل فيه، ولفظة الورود قد تكون بمعنى الدخول في الشيء، وقد تكون بمعنى الإطلال عليه والبلوغ إليه وإن لم يدخل فيه، فورود موسى هذا الماء كان بالوصول إليه، وهذه الوجوه في اللفظة تتناول في قوله تعالى: {وإن منكم إلا واردها}. ومدين" لا ينصرف; إذ هي بلدة معروفة. و"الأمة": الجمع الكثير، و"يسقون" معناه: ماشيتهم، ومن دونهم معناه: ناحية إلى الجهة التي جاء منها، فوصل إلى الامرأتين قبل وصوله إلى الأمة، وهكذا هما من دونهم بالإضافة إليه، و"تذودان" معناه: تمنعان وتحبسان، ومنه قوله عليه الصلاة والسلام: ألا ليذادن رجال عن حوضي الحديث، وشاهد الشعر في ذلك كثير، وفي بعض المصاحف "امرأتين حابستين تذودان"، واختلف في الذود، فقال ابن عباس -رضي الله عنهما- وغيره: تذودان غنمهما عن الماء خوفا من السقاة الأقوياء، وقال قتادة: تذودان الناس عن غنمهما، فلما رأى موسى عليه السلام المرأتين قال: ما خطبكما؟ أي: ما أمركما وشأنكما؟ وكأن استعمال السؤال بالخطب إنما هو في مصاب أو مضطهد أو من يشفق عليه أو يأتي بمنكر من الأمر، فكأنه بالجملة في شر، فأخبرتاه بخبرهما، وأن أباهما شيخ كبير، فالمعنى أنه لا يستطيع لضعفه أن يباشر أمر غنمهما، وأنهما لضعفهما وقلة طاقتهما لا تقدران على مزاحمة الأقوياء، وأن عادتهما التأني حتى يصدر الرعاء أي الناس- عن الماء ويخلو، وحينئذ تردان. وقالت فرقة: كانت الآبار مكشوفة، وكان زحم الناس يمنعهما، فلما أراد موسى أن يسقي لهما; زحم الناس وغلبهم على الماء حتى سقى، فعن هذا الغلب الذي كان منه، وصفته إحداهما بالقوة. وقالت فرقة: بل كانت آبارهم على أفواهها حجارة كبار، وكان ورود المرأتين يتبع ما في صهاريج الشرب من الفضلات التي تبقى للسقاة، وأن موسى عليه السلام عمد إلى بئر كانت مغطاة والناس يسقون من غيرها، وكان حجرها لا يرفعه إلا سبعة، قاله ابن زيد. وقال ابن جريج: عشرة، وقال ابن عباس رضي الله عنهما: ثلاثون، وقال الزجاج: أربعون، فرفعه موسى عليه السلام وسقى للمرأتين، فعن رفع الصخرة، وصفته بالقوة. وقيل: إن بئرهم كانت واحدة، وأنه رفع عنها الحجر بعد انفصال السقاة; إذ كانت عادة المرأتين شرب الفضلات.
وقرأ الجمهور: "نسقي" بفتح النون، وقرأ طلحة: "نسقي" بضمها، وقرأ أبو عمرو، وابن عامر: "حتى يصدر" بفتح الياء وضم الدال، وهي قراءة الحسن، وأبي جعفر، وقتادة، وقرأ الباقون: "يصدر" بضم الياء وكسر الدال على حذف المفعول، تقديره: مواشيهم، وحذف المفعول كثير في القرآن والكلام، وهي قراءة الأعرج، وطلحة، والأعمش، وابن أبي إسحاق، وعيسى. و"الرعاء" جمع راع.
وتولى موسى عليه السلام إلى ظل سمرة، قاله ابن مسعود، وتعرض لسؤال ما يطعمه بقوله: {رب إني لما أنزلت إلي من خير فقير}، ولم يصرح بسؤال، هكذا روى سائر المفسرين أنه طلب في هذا الكلام ما يأكله، قال ابن عباس رضي الله عنهما: وكان قد بلغ به الجوع، واخضر لونه من أكل البقل، وضعف حتى لصق بطنه بظهره ورؤيت خضرة البقل في بطنه، وإنه لأكرم الخلق يومئذ على الله عز وجل، ويروى أنه لم يصل إلى مدين حتى سقط باطن قدمه، وفي هذا معتبر وحاكم بهوان الدنيا على الله تبارك وتعالى).[المحرر الوجيز: 6/ 583-585]

تفسير قوله تعالى: {فَجَاءَتْهُ إِحْدَاهُمَا تَمْشِي عَلَى اسْتِحْيَاءٍ قَالَتْ إِنَّ أَبِي يَدْعُوكَ لِيَجْزِيَكَ أَجْرَ مَا سَقَيْتَ لَنَا فَلَمَّا جَاءَهُ وَقَصَّ عَلَيْهِ الْقَصَصَ قَالَ لَا تَخَفْ نَجَوْتَ مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (25) قَالَتْ إِحْدَاهُمَا يَا أَبَتِ اسْتَأْجِرْهُ إِنَّ خَيْرَ مَنِ اسْتَأْجَرْتَ الْقَوِيُّ الْأَمِينُ (26) قَالَ إِنِّي أُرِيدُ أَنْ أُنْكِحَكَ إِحْدَى ابْنَتَيَّ هَاتَيْنِ عَلَى أَنْ تَأْجُرَنِي ثَمَانِيَ حِجَجٍ فَإِنْ أَتْمَمْتَ عَشْرًا فَمِنْ عِنْدِكَ وَمَا أُرِيدُ أَنْ أَشُقَّ عَلَيْكَ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّالِحِينَ (27) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فجاءته إحداهما تمشي على استحياء قالت إن أبي يدعوك ليجزيك أجر ما سقيت لنا فلما جاءه وقص عليه القصص قال لا تخف نجوت من القوم الظالمين قالت إحداهما يا أبت استأجره إن خير من استأجرت القوي الأمين قال إني أريد أن أنكحك إحدى ابنتي هاتين على أن تأجرني ثماني حجج فإن أتممت عشرا فمن عندك وما أريد أن أشق عليك ستجدني إن شاء الله من الصالحين}.
في هذا الموضع اختصار يدل عليه الظاهر، قدره ابن إسحاق: فذهبتا إلى أبيهما سريعتين، وكانت عادتهما الإبطاء في السقي، فحدثتاه بما كان من أمر الرجل الذي سقى لهما، فأمر الكبرى من بنتيه -وقيل الصغرى- أن تدعوه له، فجاءت على ما في هذه الآية، وروي أن اسم إحداهما (ليا) والأخرى (شرفا)، وروي أن اسم زوجة نبي الله موسى عليه السلام (صفورة)، وقيل: اسمها (صوريا)، وقال وهب بن منبه: زوجه الكبرى، وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه زوجه الصغرى، وذكره الثعلبي ومكي من طريق أبي ذر رضي الله عنه، وقال النقاش: كانتا توأمين وولدت الأولى قبل الأخرى بنصف نهار.
وقوله: "تمشي" حال من "إحداهما"، وقوله: {على استحياء} أي خفرة قد سترت وجهها بكم درعها، قاله عمر بن الخطاب رضي الله تعالى عنه، وقال عمرو بن ميمون: لم تكن سلفعا من النساء خراجة ولاجة.
واختلف الناس في الرجل الداعي لموسى، من هو؟ فقال الجمهور: هو شعيب عليه السلام، وهما ابنتاه، وقال الحسن: هو ابن أخي شعيب واسمه ثروان، وقال ابن أبي عبيدة: يثرون، وقيل:هو رجل صالح ليس من شعيب بنسب، وقيل: إن المرأتين إنما كان مرسلهما عمهما، وهو كان صاحب الغنم، وهو المزوج، ولكن عبر عن العم بالأب في جميع الأمر إذ هو بمثابته. وروي أن موسى عليه السلام لما جاءته بالرسالة أجاب، فقام يتبعها إلى أبيها، فهبت ريح ضمت قميصها إلى بدنها فوصفت عجيزتها، فتحرج موسى عليه السلام من النظر إليها، فقال لها: ارجعي خلفي وأرشديني الطريق، ففهمت عنه ذلك فوصفته بالأمانة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما.
فوصل موسى عليه السلام إلى داعيه، فقص عليه أمره من أوله إلى آخره، فآنسه بقوله: {لا تخف نجوت من القوم الظالمين}، وكانت مدين خارجة عن مملكة فرعون،
فلما فرغ كلامهما قالت الابنة التي ذهبت عنه: يا أبت استأجره الآية، فلما وصفته بالقوة والأمانة قال لها أبوها: ومن أين عرفت هذا منه؟ فقالت: أما قوته ففي رفع الصخرة، وأما أمانته ففي تحرجه من النظر إلي وقت هبوب الريح، قاله ابن عباس، وقاله ابن زيد وغيرهم.
قال له الأب عند ذلك: إني أريد أن أنكحك الآية، قال ابن عباس: فزوجه التي دعته. و"تأجر" معناه: تثيب، وقال مكي: في هذه الآية خصائص في النكاح، منها أنه لم يعين الزوجة، ولا حد أول الأمد، وجعل المهر إجارة، ودخل ولم ينقد شيئا.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
أما التعيين فيشبه أنه كان في ثاني حال المراوضة، وإنما عرض الأمر مجملا، وعين بعد ذلك، وأما ذكر أول المدة فليس في الآية ما يقتضي إسقاطه، بل هو مسكوت عنه; فإما رسماه وإلا فهو من وقت العقد، وأما النكاح بالإجارة فظاهر من الآية، وهذا أمر قد قرره شرعنا، وجرى به في حديث الذي لم يكن عنده إلا شيء من القرآن، وذهب بعض العلماء إلى أن ذلك خاص، وبعضهم إلى أنه منسوخ، ولم يجوز مالك رحمه الله النكاح بالإجارة، وجوزها ابن حبيب وغيره، إذا كانت الأجرة تصل إلى الزوجة.
قيل: ومن لفظ شعيب عليه السلام حسن في لفظ العقود في النكاح: "أنكحه إياها" أكثر من "أنكحها إياه" وهذا معترض. وجعل شعيب عليه السلام الثمانية الأعوام شرطا ووكل العامين إلى المروءة).[المحرر الوجيز: 6/ 585-587]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ ذَلِكَ بَيْنِي وَبَيْنَكَ أَيَّمَا الْأَجَلَيْنِ قَضَيْتُ فَلَا عُدْوَانَ عَلَيَّ وَاللَّهُ عَلَى مَا نَقُولُ وَكِيلٌ (28) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال ذلك بيني وبينك أيما الأجلين قضيت فلا عدوان علي والله على ما نقول وكيل فلما قضى موسى الأجل وسار بأهله آنس من جانب الطور نارا قال لأهله امكثوا إني آنست نارا لعلي آتيكم منها بخبر أو جذوة من النار لعلكم تصطلون فلما أتاها نودي من شاطئ الواد الأيمن في البقعة المباركة من الشجرة أن يا موسى إني أنا الله رب العالمين وأن ألق عصاك فلما رآها تهتز كأنها جان ولى مدبرا ولم يعقب يا موسى أقبل ولا تخف إنك من الآمنين اسلك يدك في جيبك تخرج بيضاء من غير سوء واضمم إليك جناحك من الرهب فذانك برهانان من ربك إلى فرعون وملئه إنهم كانوا قوما فاسقين}.
لما فرغ كلام شعيب كرره موسى عليه السلام، وكرره معناه على جهة التوثق في أن الشرط إنما وقع في ثمان حجج. و"أيما" استفهام نصب بـ "قضيت"، و"ما" صلة للتأكيد. وقرأ الجمهور: "فلا عدوان" بضم العين، وقرأ أبو حيوة: "فلا عدوان" بكسر العين، والمعنى: لا تبعة علي من قول ولا فعل. و"الوكيل": الشاهد القائم بالأمر.
قال ابن زيد: ولما كمل هذا النكاح بينهما أمر شعيب موسى عليهما السلام أن يسير إلى بيت له فيه عصي، وفيه هذه العصا، فروي أن العصا وثبت إلى موسى فأخذها، وكانت عصا آدم عليه السلام، وكانت من غير ورقة الريحان، فروي أن شعيبا أمره بردها ففعل وذهب يأخذ غيرها فوثبت إليه، وفعل ذلك ثالثة، فلما رأى شعيب ذلك علم أنه مرشح للنبوة فتركها له، وقيل: إنما تركها له لأنه أمر موسى بتركها فأبى موسى عليه السلام ذلك، فقال له شعيب: نمد إليها جميعا فمن طاوعت فهي له، فمد إليها شعيب فثقلت، ومد موسى فخفت ووثبت إليه، فعلما أن هذا من الترشيح، وقال عكرمة: إن عصا موسى إنما رفعها إليه جبريل عليه السلام ليلا عند توجهه إلى مدين).[المحرر الوجيز: 6/ 587-588]

رد مع اقتباس