عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 14 ذو القعدة 1439هـ/26-07-2018م, 03:16 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَإِذَا بَدَّلْنَا آَيَةً مَكَانَ آَيَةٍ وَاللَّهُ أَعْلَمُ بِمَا يُنَزِّلُ قَالُوا إِنَّمَا أَنْتَ مُفْتَرٍ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (101)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {وإذا بدلنا آية مكان آية}، كان كفار مكة إذا نسخ الله لفظ آية بلفظ أخرى ومعناها وإن بقي لفظها -لأن هذا كله يقع عليه التبديل- يقولون: لو كان هذا من عند الله لم يتبدل، وإنما هو من افتراء محمد، فهو يرجع من خطأ يبدو له إلى صواب يراه بعد، فأخبر الله تعالى أنه أعلم بما يصلح للعباد برهة من الدهر، ثم
[المحرر الوجيز: 5/407]
ما يصلح لهم بعد ذلك، وأنهم لا يعلمون هذا. وقرأ الجمهور: "ينزل" بفتح النون وشد الزاي، وقرأ أبو عمرو بسكون النون وتخفيف الزاي، وعبر بالأكثر مراعاة لما كان عند قليل منهم من موقف وقلة مبالغة في التكذيب وظن، ويحتمل أن يكون هذا اللفظ قرر على قليل منهم أنهم يعلمون ويكفرون تمردا وعنادا). [المحرر الوجيز: 5/408]

تفسير قوله تعالى: {قُلْ نَزَّلَهُ رُوحُ الْقُدُسِ مِنْ رَبِّكَ بِالْحَقِّ لِيُثَبِّتَ الَّذِينَ آَمَنُوا وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُسْلِمِينَ (102)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وأمر نبيه أن يخبر أن القرآن وناسخه ومنسوخه إنما نزله جبريل عليه السلام، وهو روح القدس، لا خلاف في ذلك، "والقدس": الموضع المطهر، فكأن جبريل أضيف إلى الأمر المطهر بإطلاق، وسمي روحا إما لأنه ذو روح من جملة روح الله الذي بثه في خلقه، وخص هو بهذا الاسم، وإما لأنه يجري من الهدايات والرسالات ومن الملائكة أيضا مجرى الروح من الأجساد لشرفه ومكانته، وقرأ ابن كثير: القدس بسكون الدال، وقرأ الباقون بضمها، وقوله: "بالحق" أي: مع الحق في أوامره ونواهيه وأحكامه ومصالحه وأخباره، ويحتمل أن يكون قوله: "بالحق" بمعنى حقا، ويحتمل أن يريد: بالحق في أن ينزل، وعلى هذا الاحتمال اعتراضات عند أصحاب الكلام على أصول الدين، وباقي الآية بين). [المحرر الوجيز: 5/408]

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ نَعْلَمُ أَنَّهُمْ يَقُولُونَ إِنَّمَا يُعَلِّمُهُ بَشَرٌ لِسَانُ الَّذِي يُلْحِدُونَ إِلَيْهِ أَعْجَمِيٌّ وَهَذَا لِسَانٌ عَرَبِيٌّ مُبِينٌ (103)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ولقد نعلم أنهم يقولون}، قال ابن عباس رضي الله عنهما: كان في مكة غلام أعجمي لبعض قريش يقال له بلعام، فكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يكلمه ويعلمه الإسلام ويرومه عليه، فقالت قريش: هذا يعلم محمدا من جهة الأعاجم، فنزلت الآية بسببه، وقال عكرمة وسفيان: كان اسم الغلام يعيش، وقال عبد الله بن مسلم الحضرمي: كان بمكة غلامان، أحدهما اسمه جبر، والثاني يسار، وكانا يقرآن بالرومية، وكان رسول الله صلى الله عليه وسلم يجلس إليهما، فقالت قريش ذلك، ونزلت الآية، وقال ابن إسحاق: والإشارة إلى جبر، وقال الضحاك: الإشارة إلى سلمان الفارسي، وهذا ضعيف، لأن سلمان إنما أسلم بعد الهجرة بمكة. وقرأت فرقة: "لسان الذي"، وقرأ الحسن البصري: "اللسان الذي" بالتعريف وبغير تنوين في راء "بشر". وقرأ نافع، وابن كثير: "يلحدون" بضم الياء، من "ألحد" إذا مال، وهي قراءة أبي عمرو، وعاصم،
[المحرر الوجيز: 5/408]
وابن عامر، وأبي جعفر بن القعقاع، وقرأ حمزة، والكسائي: "يلحدون" بفتح الياء والحاء، من "لحد"، وهي قراءة عبد الله، وطلحة، وأبي عبد الرحمن، والأعمش، ومجاهد، وهما بمعنى، ومنه قول الشاعر:
قدني من نصر الخبيبين قدي ... ليس أميري بالشحيح الملحد
يريد: المائل عن الجود وحال الرياسة.
وقوله: "أعجمي" إضافة إلى "أعجم"; لأنه كان يقول: "عجمي"، والأعجم: هو الذي لا يتكلم بعربية، وأما العجمي فقد يتكلم بالعربية ونسبته قائمة. وقوله: "وهذا" إشارة إلى القرآن، والتقدير: وهذا سرد لسان، أو نطق لسان، فهو على حذف مضاف، وهذا على أن نجعل اللسان هنا الجارحة، واللسان -في كلام العرب -: اللغة، ويحتمل أن يراد في هذه، واللسان: الخبر، ومنه قول الأعشى:
إني أتتني لسان غير كاذبة.
ومنه قول الآخر:
لسان السوء تهديها إلينا ... وحنت وما حسبتك أن تحينا
[المحرر الوجيز: 5/409]
وحكى الطبري عن سعيد بن المسيب أن الإشارة بقولهم: "بشر" إنما هي إلى كاتب كان يكتب لرسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول له رسول الله صلوات الله وسلامه عليه في أواخر الآيات: " سميع عليم"، فيكتب هو "عزيز حكيم" أو نحو هذا، ثم يشتغل بسماع الوحي فيبدل هو بـ "غفور رحيم" أو نحوه، فقال له عليه الصلاة والسلام في بعض الآيات: هو كما كتبت، ففتن وقال: أنا أعلم محمدا وارتد ولحق بمكة فنزلت الآية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
هذا نصراني أسلم وكتب ثم ارتد ومات فلفظته الأرض، وإلا فهذا القول يضعف; لأن الكاتب المشهور الذي ارتد لهذا السبب ولغيره من نحوه هو عبد الله بن أبي سرح العامري، ولسانه ليس بأعجمي، فتأمل). [المحرر الوجيز: 5/410]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ لَا يَهْدِيهِمُ اللَّهُ وَلَهُمْ عَذَابٌ أَلِيمٌ (104)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {إن الذين لا يؤمنون بآيات الله لا يهديهم الله ولهم عذاب أليم إنما يفتري الكذب الذين لا يؤمنون بآيات الله وأولئك هم الكاذبون من كفر بالله من بعد إيمانه إلا من أكره وقلبه مطمئن بالإيمان ولكن من شرح بالكفر صدرا فعليهم غضب من الله ولهم عذاب عظيم}
المفهوم من الوجود أن الذين لا يهديهم الله لا يؤمنون بآياته، ولكنه قدم في هذا الترتيب وأخر تهمما بتقبيح فعلهم والتشنيع لخطابهم، وذلك كقوله: {فلما زاغوا أزاغ الله قلوبهم}، والمراد ما ذكرناه فكأنه قال: إن الذين لم يؤمنوا لم يهدهم الله). [المحرر الوجيز: 5/410]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّمَا يَفْتَرِي الْكَذِبَ الَّذِينَ لَا يُؤْمِنُونَ بِآَيَاتِ اللَّهِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْكَاذِبُونَ (105)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {إنما يفتري الكذب} بمعنى: إنما يكذب، وهذه مقاومة للذين قالوا لمحمد صلى الله عليه وسلم: "إنما أنت مفتر"، و"إنما" حاصرة أبدا، لكن حصرها يختلف باختلاف المعاني التي تقع فيها، فقد يربط المعنى أن يكون حصرها حقيقيا، كقوله تعالى: {إنما الله إله واحد}، وقد يقتضي المعنى أن يكون حصرها تجوزا ومبالغة، كقولك:
[المحرر الوجيز: 5/410]
"إنما الشجاع عنترة"، وهكذا هي في هذه الآية، قال الزجاج: يفتري هذا الصنف لأنهم إذا رأوا الآيات التي لا يقدر عليها إلا الله، كذبوا بها، فهذا أفحش الكذب. وكرر المعنى في قوله: {وأولئك هم الكاذبون} لفائدة إيقاع الصفة بالكذب عليهم، إذ الصفة بالشيء أبلغ من الخبر به; لأن الصفة تقتضي الدوام أكثر مما يقتضيه الخبر، فبدأ في هذه الآية بالخبر ثم أكد بالصفة، وقد اعترض هذا النظر مكي، وليس اعتراضه بالقوي). [المحرر الوجيز: 5/411]

رد مع اقتباس