الموضوع: ماذا
عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:57 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


شرح أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ)

(فصل في "ما" "ذا")

قال أحمد بن فارس الشدياق (ت: 1305هـ): ( (فصل في "ما" "ذا")
اعلم أن "ما" "ذا" تأتي في العربية على أوجه:
أحدها: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" إشارة نحو: "ما" "ذا" التواني، و"ما" "ذا" الوقوف.
والثاني: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" موصولة، كقول لبيد رضي الله عنه:
ألا تسألان المرء ما ذا يحاول ..... انجب فيقضي أم ضلال وباطل
"فما" مبتدأ و"ذا" موصولة؛ بدليل افتقارها للجملة بعدها، وهو أرجح الوجهين في: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} "فيمن" رفع العفو، أي: الذي ينفقونه العفو، ومن قرأ بالنصب، فالمعنى: ينفقون العفو.
الثالث: أن يكون "ماذا" كله استفهامًا على التركيب، كقولك: "لماذا" جئت، وقوله:
يا خزر تغلب ما ذا بال نسوتكم ..... لا يستفقن إلى الديرين تحنانا
قوله: خزر، جمع أخزر، وهو الضيق "العين"، وتغلب: قبيلة من النصارى على النصرانية، والبال: الحال، يقال: "ما" بالك، أي: "ما" حالك، ويستفقن من استفاق من سكره بمعنى: أفاق، أي صحا، والديرين تثنية دير، وهو متعبد الرهبان والتحنان الشوق.
الرابع: أن يكون
"ما" "ذا" كله اسم جنس بمعنى: شيء، أو موصولًا بمعنى "الذي"، على خلاف في تخريج قول الشاعر:
دعي ماذا علمت سأتقيه ..... ولكن بالمغيب نبئيني
فالجمهور على أن "ماذا" كله مفعول دعي، وخالفهم ابن عصفور، فقال: لا يكون "ماذا" مفعولًا لدعى؛ لأن الاستفهام له الصدر، ولا لعلمت لأنه لم يرد أن يستفهم عن معلومها "ما" هو، بل "ما" استفهام مبتدأ و"ذا" موصول خبر، وعلمت صلته، وعلق دعي عن العمل بالاستفهام.
الخامس: أن تكون
"ما" زائدة و"ذا" للإشارة.
السادس: أن تكون
"ما" استفهامًا و"ذا" زائدة، أجازه جماعة منهم ابن مالك في نحو: "ماذا" صنعت، وعلى هذا التقدير ينبغي وجوب حذف "الألف" في نحو: "لم" "ذا" جئت، والتحقيق أن الأسماء لا تزاد.

"متى": على خمسة أوجه:
أحدها: أن تكون اسم استفهام، نحو: {متى نصر الله}.
والثاني: أن تكون اسم شرط كقوله:
أنا ابن جلا وطلاع الثنايا ..... متى أضع العمامة تعرفونني
والثالث: أن تكون حرفًا بمعنى: "من" أوفى، وذلك في لغة هذيل، يقولون: أخرجها "متى" كمه، أي: "منه"، وقال ساعدة: أخيل برقا "متى" حاب له زجل، أي: "من" سحاب حاب، أي: ثقيل المشي له تصويت. واختلف في قول بعضهم وضعته "متى" كمي، فقال ابن سيدة بمعنى "في"، وقال غيره بمعنى وسط، وكذا اختلفوا في قول أبي ذؤيب يصف السحاب:
شربن بماء البحر ثم ترفعت ..... متى لجج خضر لهن نئيج
فقيل بمعنى "من"، وقال ابن سيدة بمعنى وسط.

"مذ": ومنذ لهما ثلاث حالات.
إحداها: أن يليهما اسم مجرور، فقيل: هما اسمان مضافان، والصحيح أنهما حرفا جر بمعنى: "من"، إن كان الزمن ماضيًا، وبمعنى: "في"، إن كان حاضرًا، وبمعنى: "من" و"إلى" جميعًا، إن كان معدودًا، أعني: إن دلا على مدة لها ابتداء وانتهاء نحو: "ما" رأيته "مذ" يوم الخميس، أو "مذ" يومنا، أو عامنا، أو "منذ" ثلاثة أيام.
وأكثر العرب على وجوب جرهما للحاضرة، وعلى ترجيح جر "منذ" للماضي على رفعه، وترجيح رفع "مذ" الماضي على جره، ومن الكثير في "منذ" قوله:
قفا نبك من ذكرى حبيب وعرفان ..... وربع عفت آثاره منذ أزمان
ومن القليل في "مذ" أقوين "مذ" حجح و"مذ" دهر.
والحالة الثانية: أن يليهما اسم مرفوع نحو:
"مذ" يوم الخميس، و"منذ" يومان، فمعنى ما لقيته "مذ" يومان بيني، وبين لقائه يومان، وفيه تعسف.
وقال الكوفيون:
"مذ" كان يومان، واختاره السهيلي وابن مالك، وقال بعض الكوفيين: خبر لمحذوف، أي: ما رأيته من الزمان الذي هو يومان، بناء على أن "منذ" مركبة من كلمتين، "من" و"ذو" الطائية.
والحالة الثالثة: أن تليهما الجملة الفعلية أو الاسمية، كقوله: ما زال
"مذ" عقدت يداه إزاره.
وقوله: وما زلت أبغي المال
"مذ" أنا يافع.
والمشهور أنهما حينئذ ظرفان مضافان، فقيل: إلى الجملة، وقيل: إلى زمن مضاف إلى الجملة، وقيل: مبتدآن، وأصل
"مذ": "منذ"؛ بدليل رجوعهم إلى ضم "ذال"، "مذ" عند ملاقاة الساكن نحو: "مذ" اليوم، ولولا أن الأصل الضم لكسروا، ولأن بعضهم يقول: "مذ" زمن طويل، فيضم مع عدم الساكن.
وقال ابن ملكون: هما أصلان، وقال المالقي: إذا كانت
"مذ" اسمًا فأصله "منذ"، أو حرفًا فهي أصل.

"مع": اسم بدليل التنوين في قولك: "معًا"، ودخول الجار في حكاية سيبويه: ذهبت "من" "معه"، أي: "من" "عنده"، وقراءة بعضهم: {هذا ذكر من معي}، وتسكين "عينه" لغة غنم وربيعة لا ضرورة، خلافًا لسيبويه، وعلى هذه اللغة يجوز كسرها قبل سكون ما بعدها، نحو: "مع" الرجل، ويسكنونها أيضًا قبل حركة نحو: "معك"، واسميتها حينئذٍ باقية، وقول النحاس: إنها حينئذٍ حرف بالإجماع مردود، وتستعمل مضافة، فتكون ظرفًا، ولها حينئذٍ ثلاثة معان:
أحدها: موضع الاجتماع، فتكون ظرف مكان، تقول: جلست "مع" زيد، أي: "في" مكان الاجتماع بزيد، أي: "في" مكان اجتمعت "فيه" "مع" زيد.
والثاني: أن تكون ظرف زمان نحو: جئتك
"مع" العصر، أي: وقت العصر.
والثالث: مرادفة "عند"، وعليه القراءة، وحكاية سيبويه السابقتان، وقد جاءت مفردة فتنون على الحالية، وجاءت ظرفًا مخبرًا به في قوله:
أفيقوا بني حرب وأهواؤنا معًا،
أي: أفيقوا في حال اجتماع أهوائنا قبل أن تتفرق.
وقيل: هي حال، والخبر محذوف، وهي في الإفراد بمعنى جميعًا، وتستعمل للجماعة كما تستعمل للاثنين، كقوله: إذا حنت الأولى سجعن لها "معًا". وقالت الخنساء:
وافني رجالي فبادوا معًا ..... فأصبح قلبي بهم مستفزا
قال أبو البقاء: وتأتي "مع" بمعنى "بعد"، نحو: {ودخل معه السجن فتيان}، وبمعنى "عند"، نحو: {مصدقًا لما معكم}، وبمعنى "سوى"، نحو {أأله مع الله}، وبمعنى العلم نحو: {وهو معهم إذ يبيتون}، وبمعنى المتابعة نحو: {طائفة من الذين معك}.

"من": حرف جر تأتي على خمسة عشر وجهًا.
أحدها: ابتداء الغاية، وهو الغالب عليها، نحو: سرت "من" البصرة، وقال الكوفيون والأخفش والمبرد وابن درستويه: إنها تأتي أيضًا في الزمان؛ بدليل: {من أول يوم}، وفي الحديث: «فمطرنا من الجمعة إلى الجمعة»، وقال النابغة:
تخيرن من أزمان يوم حليمة ..... إلى اليوم قد جرين كل التجارب
الضمير في تخيرنا راجع إلى السيوف، وقيل: التقدير "من" مضى أزمان و"من" تأسيس أول يوم.
الثاني: التبعيض، نحو: {منهم من كلم الله} وعلامتها إمكان سد بعض مسدها، كقراءة ابن مسعود: {حتى تنفقوا بعض ما تحبون}.
الثالث: بيان الجنس، وكثيرًا ما تقع بعد
"ما" و"مهما" لإفراط إبهامهما نحو: {ما يفتح الله للناس من رحمة فلا ممسك لها}، {مهما تأتنا به من آية}، و"من" وقوعها "بعد" غيرهما: {يحلون فيها من أسوار من ذهب ويلبسون ثيابًا خضرًا من سندس واستبرق}، الشاهد في غير الأولى، فإن تلك للابتداء، وقيل: زائدة ، وأنكر قوم مجيئها للبيان.
الرابع: التعليل، نحو: {مما خطيئاتهم أغرقوا}، وكقول الفرزدق: يغضي حياء ويغضي
"من" مهابته.
الخامس: البدل، نحو: {أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخر}، ونحو: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا}، ولا ينفع ذا الجد
"منك" الجد، أي: لا ينفع ذا الحظ حظه من الدنيا بذلك، وأنكر قوم مجيء "من" للبدل، فقالوا: لتقدير: أرضيتم بالحياة بدلًا "من" الآخرة، فالمفيد للبدلية متعلقها المحذوف، وأما هي فللابتداء، وكذا الباقي.
ومن البدل أيضًا قولهم: خذ هذا
"من" دون هذا، أي: اجعله عوضًا "منه"، والأرجح أنه للمقابلة، ومنه: {أتأتون الرجال شهوة من دون النساء}.
السادس: مرادفة
"عن"، نحو: {يا ويلنا قد كنا في غفلة من هذا}، وقيل: هي للابتداء، وزعم ابن مالك أن "من" في قولك: زيد أفضل "من" عمر، وللمجاوزة فتكون بمعنى "عن"، وكأنه قيل: جاوز زيد عمرًا في الفضل، قال: وهو أولى من قول سيبويه وغيره: إنها لابتداء الارتفاع في نحو: أفضل "منه"، وابتداء الانحطاط في نحو: شر "منه"، وقد يقال: إنها لو كانت للمجاوزة لصح في موضعها "عن".
قال أبو البقاء في الكليات: دخول
"من" التفضيلية في غير المفضل عليه شائع في كلام المولدين، ومنه أظهر "من" أن يخفى، يعني: "من" أمر ذي خفاء.
السابع: مرادفة "الباء" نحو: {ينظرون من طرف خفي}، قال يونس: والظاهر أنها للابتداء.
الثامن: مرادفة "في"، نحو: {إذا نودي للصلاة من يوم الجمعة}.
التاسع: مرادفة "عند"، نحو: {لن تغني عنهم أموالهم ولا أولادهم من الله شيئًا}، قاله أبو عبيدة، وقد مضى أنها في ذلك للبدل.
العاشر: مرادفة "ربما"، وذلك إذا اتصلت "بما"، كقوله: وإنا لما نضرب الكبش ضربة. قاله السيرافي وغيره، وخرجوا عليه قول سيبويه، واعلم أنها مما يحذفون كذا.
الحادي عشر: مرادفة "على"، نحو: {ونصرناه من القوم}، وقيل: "على" التضمين، أي: منعناه
"منهم" بالنصر.
الثاني عشر: الفصل، وهي الداخلة على أحد المتضادين نحو: {والله يعلم المفسد من المصلح}، قاله ابن مالك، وفيه نظر.
الثالث عشر: الغاية، قال سيبويه: تقول: رأيته من ذلك الموضع فجعلته غاية لرؤيتك، أي: محلًا للابتداء والانتهاء.
الرابع عشر: التنصيص على العموم، وهي الزائدة في نحو: ما جاءني
"من" رجل، فإنه قبل دخولها يحتمل نفي الجنس ونفي الوحدة، ولهذا يصح: بل رجلان، ويمتنع ذلك بعد دخول "من".
الخامس عشر: توكيد العموم في نحو: ما جاءني
"من" أحد، أو "من" ديار، فإن أحدًا وديارًا صيغتا عموم.
وشرط زيادتها في النوعين تقدم نفي أو نهي أو استفهام "بهل"، نحو: {وما تسقط من ورقة إلا يعلمها}، ولا يقم
"من" أحد، {فارجع البصر هل ترى من فطور}، وزاد الفارسي تقدم الشرط عليها، كقوله:
ومهما تكن عند امرئ من خليقة ..... وإن خالها تخفى على الناس تعلم
وسيأتي في "مهما".
والثاني: تنكير مجرورها.
والثالث: كونه فاعلًا أو مفعولًا به نحو: {وما كان معه من إله}، {ما اتخذ الله من ولد}، ولم يشترط الأخفش النفي والنهي، واستدل بنحو: {ولقد جاءك من نبأ المرسلين}، {يغفر لكم من ذنوبكم}، {يحلون فيها من أسوار من ذهب}، {نكفر عنكم من سيئاتكم}، ولم يشترط الكوفيون الأول، واستدلوا بقولهم: قد كان
"من" مطر، ويقول عمرو بن أبي ربيعة:
وينمي لها حبها عندنا ..... فما قال من كاشح لم يضر
وخرج الكسائي على زيادتها: «إن من أشد الناس عذابًا يوم القيامة المصورون»، وابن جني قراءة بعضهم: {لما أتيناكم من كتاب وحكمة} بتشديد "لما"، وجوز الزمخشري زيادتها مع المعرفة، وقال الفارسي في: {وننزل من السماء من جبال فيها من برد}، يجوز كون "من"، و"من" الأخيرتين زائدتين.

"من": على خمسة أوجه:
أحدها: أن تكون شرطية جازمة، نحو: {من يعمل سوءً يجز به}.
والثاني: أن تكون استفهامية نحو: {من بعثنا من مرقدنا}، وإذا قيل:
"من" يفعل هذا إلا زيد فهي "من" الاستفهامية، أشربت معنى النفي، ومنه: {ومن يغفر الذنوب إلا الله}، وإذا قيل: "من" ذا لقيت، "فمن" مبتدأ، و"ذا" خبر موصول، والعائد محذوف، أي: أي شخص الذي لقيته، ويجوز على قول الكوفيين في زيادة الأسماء أن تكون "ذا" زائدة، و"من" مفعولًا، أي: لقيت أي شخص.
قال أبو البقاء:
"من" لي بكذا، أي: "من" يتكفل لي به.
والثالث: أن تكون نكرة موصوفة، ولهذا دخلت عليها
"رب" في نحو قوله:
رب من أنضجت غيظًا قلبه ..... قد تمنى لي موتًا لم يطع
وقد وصفت بالنكرة في قولهم: مررت "بمن"، معجب لك.
والرابع: أن تكون اسمًا موصولًا، نحو: {ولله يسجد من في السموات}.
والخامس: أن تكون مثل
"ما" لما يعقل، نحو: {ومنهم من يمشي على بطنه}، وزعم الكسائي أنها ترد زائدة مثل "ما"، وذلك سهل على قاعدة الكوفيين في أن الأسماء تزاد، وأنشدوا عليه قول حسان:
فكفى بنا فضلًا على من غيرنا ..... حب النبي محمد إيانا
ويروى برفع غيرنا، فيحتمل أن "من" موصول، والتقدير: "من" هو غيرنا.

(تنبيه): إن قلت: "من" يكرمني أكرمه، فإن قدرت "من" شرطية جزمت الفعلين، أو موصولة رفعتهما، أو استفهامية رفعت الأول وجزمت الثاني؛ لأنه جواب بغير "الفاء"، وإذا قلت: "من" زارني زرته، لا تحسن الاستفهامية ويحسن ما عداها.

"مهما": كلمة تستعمل للشرط والجزاء لما لا يعقل، وهي لعود الضمير إليها في: {مهما تأتنا به من آية لتسحرنا بها}.
وقال الزمخشري وغيره: عاد عليها في الآية ضمير بها إلى آية، وزعم السهيلي أنها تأتي حرفًا وهي بسيطة لا مركبة من "مه" و"ما" الشرطية، ولا من "ما" الشرطية و"ما" الزائدة، وذكر جماعة منهم ابن مالك أنها تأتي للاستفهام، واستدلوا عليه بقوله:
مهما لي الليلة مهما ليه ..... أودى بنعلي وسرباليه
أي: أي شيء ثبت لي الليلة، وشدد الزمخشري الإنكار على من يستعملها بمعنى "متى"، فيقول: "مهما" جئتني أعطيتك). [غنية الطالب: 248 - 255]


رد مع اقتباس