الموضوع: مَا
عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 24 ذو الحجة 1438هـ/15-09-2017م, 08:40 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي



باب "الميم" المركبة

باب "ما"

قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ): (باب "الميم" المركبة اعلم أن "الميم" تتركب مع غيرها من الحروف، مع "الألف": "ما"، ومع "الذال": "مُذ"، ومع "النون" مكسورةً: "مِنْ"، ومضمومة: "مُنْ"، ومع "النون" و"الذال": "منذ"، ومع "العين": "مع"، فتلك ستةُ أحرف.

باب "ما"
اعلم أن "ما" في كلام العرب لفظ مشترك يقع تارة اسمًا وتارة حرفًا، وذلك بحسب عود الضمير عليه وعدم عوده وقرينة الكلام، وحظنا من القسمين الحرفية، وهي التي يكون معناها في غيرها ولها في الكلام ثلاثة مواضع:
الموضع الأول: أن تكون حرف نفي، وتنقسم لهذا المعنى قسمين: قسمٌ يدخل على المبتدأ والخبر، وقسمٌ لا يدخل عليهما.
فالقسم الذي يدخل على المبتدأ والخبر للعرب فيها مذهبان: مذهب أهل الحجاز ونجد أن يجروها مجرى ليس، فيرفعون بها المبتدأ اسمًا لها وينصبون خبره خبرًا لها، فيقولون:
"ما" زيدٌ قائمًا، و"ما" عبدُ الله راكبًا، وذلك تشبيهًا لها بليس، إذ هي للنفي مثلها، وداخلةٌ على المبتدأ والخبر مثلها ونفي الحال، وزاد بعضهم: وتدخل "الباء" في الخبر كما تدخل في خبر "ليس"، فتقول: "ما" زيدٌ بقائمٍ، كما تقول: "ليس" زيد بقائم.
إلا أنهم لا يعملونها عملها إلا بثلاثة شروطٍ:
الأول
: ألا يدخل على الخبر
"إلا" فيصيرُ موجبًا فينقض التشبيه من جهة النفي إذا دخلت، فيرتفع ما بعدها على الابتداء والخبر.
الثاني: ألا يتقدم الخبر على الاسم، فإن تقدم ارتفع ما بعدها بالابتداء والخبر لأنها حرفٌ ضعيفٌ لا يقوى قوة
"ليس"، إذ هي فعلٌ على ما ذكر في بابها، وعمل "ما" بحق الشبه كما ذُكر.
الثالث: ألا تدخل عليها
"إن" الزائدة لشبهها بالنافية، فكأنه دخل نفيٌ على نفيٍ فصار إيجابًا، فتقول: "ما" زيدٌ إلا قائمٌ، و"ما" قائمٌ إلا أنت، و"ما" "إن" زيدٌ قائمٌ، قال الله تعالى: {مَا هَذَا بَشَرًا}، فهذا اجتمعت فيه الشروط، وقال تعالى: {مَا أَنْتُمْ إِلَّا بَشَرٌ مِثْلُنَا}، وقال الشاعر:
فما إن طبنا جُبنٌ ولكن ..... منايانا ودولةُ آخرينا
فأما قول الشاعر:
وما الدهر إلا منجنونًا بأهله ..... وما صاحبُ الحاجات إلا مُعذبا
فنصب الخبر، و"إلا" داخلة عليه فيتخرج على أن يكون «منجنونًا» مصدرًا مشبهًا كأنه قال: يدور دورانًا مثل دوران منجنون، فحذف الفعل والمصدر والصفة ومُضافها، وأقيم المضاف إليه مقام الصدر الأول، كما قال الشاعر:
وهو امرؤ القيس:
إذا التفت نحوي تضوع ريحها ..... نسيم الصبا جاءت بريًّا القرنفل
أي تضوعًا مثل تضوع نسيم، فحذف ما قبل «نسيم» وأقامه مقام المصدر الأول، فاعلمه، ويكون «مُعذبًا» مصدرًا معناه: تعذيبًا، أي: يُعذب تعذيبًا، كما قالوا: "ما" أنت "إلا" سيرًا، أي تسيرُ سيرًا، ومعذَّب كـ : مُمزَّق في قوله تعالى: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ}.
وأما قول الآخر:
فأصبحوا قد أعاد الله نعمتهم ..... إذ هم قريشٌ وإذ ما مثلهم بشرُ
فنصب «مثلا» وهو خبرٌ مقدم، فيتخرجُ على أنه لحق {مِثْلَ مَا أَنَّكُمْ تَنْطِقُونَ}، على قراءة من فتح «مثلا»، قال الشاعر:
تتداعى منخراه بدمٍ ..... مثل ما أثمر حُماضُ الجبل
وقيل: إن البيت للفرزدق وهو تميمي، فلما صار إلى الحجاز سمع عربه ينصبون خبر "ما" مع التأخير فظن أن مذهبهم مع التقديم ذلك، فنطق به على لغتهم فغلط، وهذا فاسدٌ من وجهين:
أحدهما: أن العربي إذا تكلم على لغة قومه فلابد أن يأتي بها كما يأتون، ولا يخرج عن لغتهم إلى الفساد.
والوجه الآخر: أن العربي لا يقيسُ تأخيرًا على تقديمٍ ولا يتفقه، وإنما ذلك حظ النحوي وإنما ينطق العربي بلغته الطبيعية، وإنما يسمعُ ولا يقول شيئًا لا يقوله قومه وأهل لغته، ولا غير أهل لغته، فيلتحن، وإنما اللحن في حقنا خاصة.
ومذهب بني تميمٍ وغير أهل الحجاز ونجد أن يرفعوا بعدها المبتدأ والخبر على الأصل وهو القياس، ولا يُراعون تشبيهًا، وإنما ذلك لعدم اختصاصها بالأسماء والأفعال، وما لا يختص بل يدخل على النوعين لا عمل له بحكم الأصل، وهذا أصلٌ يجب اتباعه في باب عمل الحروف وعدم عملها فإنه ينتفع به في العربية، فاعلمه.
والقسم الذي لا تدخل عليهما هي الداخلة على الفعل الماضي والمضارع، فإذا دخلت على الماضي تركته على معناه من المضي، وإذا دخلت على المضارع خلَّصته للحال فتقول:
"ما" قام زيدٌ، و"ما" يقومُ زيدٌ، فإن قلت: «"ما" يقوم زيدٌ غدًا» فالحكم لـ «غدًا» في التخليص للمستقبل، فإذا لم يدخل عليه «غدًا» ولا غيرها من المخلصات للاستقبال فحينئذ تكون مخلصةً للحال، وهذا بحكم الاستقراء، قال الله تعالى: {وَمَا كَانُوا مُؤْمِنِينَ}، وقال تعالى: {وَمَا يَعْلَمُ جُنُودَ رَبِّكَ إِلَّا هُوَ}، ولا عمل لها في الفعل لعدم اختصاصها به، فاعلمه.

الموضع الثاني: أن تكون مصدرية، ومعنى ذلك أنها تُصير الفعل الذي بعدها في تأويل المصدر وموضعه، وتدخل على الجملة الفعلية غالبًا كقولك: أعجبني "ما" صنعت، وعملت "ما" عملت، وعجبتُ "مما" فعلت أو تفعلُ، أي: صنعك وعملك و"من" فعلك، قال الله تعالى: {وَاللَّهُ يَعْلَمُ مَا تَصْنَعُونَ}، و{وَاللَّهُ عَلِيمٌ بِمَا يَفْعَلُونَ} و{لَا أَعْبُدُ مَا تَعْبُدُونَ}، وهو كثيرٌ، وقد يجوز بعدها الجملة الاسمية قليلًا، قال الشاعر:
أعلاقةً أم الوليد بعدما ..... أفنانُ رأسك كالثغام المُخلس
واعلم أنه قد يتسامح في المصدرية فتعرب ظرفًا لإقامتها مقام الظرف، نحو قولك: «لا أكلمك "ما" طلعت الشمس و"ما" غاب القمر، و"ما" قام الليل والنهار»، قال الله تعالى: {مَا كَانُوا يَسْتَطِيعُونَ السَّمْعَ وَمَا كَانُوا يُبْصِرُونَ}، أي: مدة استطاعتهم السمع ومدة كونهم مبصرين.
وإذا أُضيفت
"كل" إليها أُعربت ظرفًا بإعرابها نحو قولك: «لا أكلمك "كلما" طلعت الشمس و"كلما" غاب القمر»، قال الله تعالى: {كُلَّمَا أَوْقَدُوا نَارًا لِلْحَرْبِ أَطْفَأَهَا اللَّهُ}، وقال الشاعر:
بأضيع من عينيك للدمع كُلما ..... توهمت ربعًا أو تذكرت منزلا
واعلم أنه لا يجوز [تقديم] شيء من صلة هذه المصدرية – ظرفية كانت أو غير ظرفية – عليها، ولا يفصلُ بينها وبينها، ولا بين أبعاضها بأجنبي، لأن معها كالكلمة الواحدة، والكلمة الواحدة لا يقدم بعض حروفها على بعض ولا يفصل بما ليس منها.
و
"ما" هذه عند البصريين حرفٌ، لأنها لا يعود عليها ضميرٌ من صلتها، وبهذا يُفرق بين حرف الموصولات واسمها وبعض الكوفيين والأخفش يجعلها إذا كانت مصدرية اسمًا، ويعيد عليها من صلتها ضمير المصدر إن كان الفعل غير متعدٍ، وكذلك إن كان الفعل متعديًّا، فإن قلت: «أعجبني "ما" صنعت»، فتقديره عندهم: "ما" صنعته، "فالهاء" تعود على "ما" التقدير عندهم: الصنع الذي صنعته، وهذا تكلفٌ لا ضرورة تدعو إليه، وإن كان يمكن أن يقال به إن كان ضميرُ المصدر بارزًا نحو قوله:
هذا سُراقةُ للقرآن يدرسه..... .... .... .... ....
أي: يدرس الدرس، وأما إذا لم يكن في اللفظ ضميرٌ فلا حاجة تدعو إلى تقديره، إذ الفائدة تحصل دونه، فاعلمه.

الموضع الثالث: أن تكون زائدةً، وأنواعها في هذا الموضع تتشعبُ، لكن تنحصر في أربعة أقسام: قسمٌ يكونُ دخولها كخروجها، وقسمٌ يلزم في اللفظ، وقسمٌ تكفُّ عن عمل ما تدخل معه، وقسم توطئ لدخول ما تتصل به للدخول على ما لم يكن له دخولٌ عليه.
القسم الأول: أن تقع بعد "إذا" الظرفية، جائزةً قياسًا نحو: "إذا" "ما" قمت أكرمتك، و"إذا" "ما" جلست أجلس، قال الشاعر:
إذا ما أتيت الحارثيات فانعني ..... لهن وخبرهن ألا تلاقيا
وقال آخر:
إذا ما بكى من خلفها انحرفت له ..... بشق، وشق عندنا لم يحول
أي: "إذا" أتيت، و"إذا" بكى، وبعد "إن" الشرطية جائزة أيضًا قياسًا نحو: «"إما" تقومن "فإني" أقوم»، قال الله تعالى: {فَإِمَّا تَثْقَفَنَّهُمْ فِي الْحَرْبِ فَشَرِّدْ بِهِمْ مَنْ خَلْفَهُمْ}، وقال الشاعر:
فإما تريني ولي لمةٌ ..... فإن الحوادث أودى بها
أي: "فإن" تثقفنهم، و"إن" تريني. وبعد "الكاف" في نحو: فعلتُ "كما" فعلك و"كما" زيدٍ، أي: كفعلك وكزيدٍ، وبعد "كي" الناصبة في نحو قول الشاعر:
أردت لكيما أن تطير بقربتي ..... فتتركها شنَّا ببيداء بلقع
أي: "لكي" تطير، و"ما" و"أن" زائدتان، وبعد "ليت" إذا كانت عاملةً نحو قوله:
ألا ليتما هذا الحمام لنا ..... .... .... .... ....
وبعد "رب" في نحو قوله:
ربما ضربةٍ بسيفٍ صقيل ..... بين بصرى وطعنةٍ نجلاء
أي: "رب" ضربةٍ، وبين الجار والمجرور في نحو قوله تعالى: {فَبِمَا رَحْمَةٍ مِنَ اللَّهِ لِنْتَ لَهُمْ}، و{فَبِمَا نَقْضِهِمْ مِيثَاقَهُمْ} أي: فبرحمةٍ وبنقضهم، ففي هذه الموضع يجوز دخولها بالقياس لكثرة وجودها فيها زائدة لمعنى التوكيد، ما عداه فموقوفٌ على السماع، كقوله:
أيا طعنة ما شيخٍ ..... كبيرٍ يفنٍ بالي
القسم الثاني اللازم للكلمة: نحو قولهم: ضربته ضربًا "ما" ودققته دقًا "ما"، وقولهم: افعل ذلك أمرًا "ما"، أي: أول كل شيءٍ، على أن بعضهم قد زعم أن "ما" في هذا الموضع اسمٌ في معنى الصفة للتعظيم والتكثير، والصحيح أنها حرفٌ يفيد التوكيد كما تفيد "النون" في نحو: لتضربن ولتكرمن، وتقدير الحرف مكان الاسم لا يخرجه بمجرد التقدير إلى الاسمية، وقد مضى الكلام في هذا.
وهذا النوع من الزيادة اللازمة الذكر لتصلاح اللفظ، إذ هي زائدةٌ في الأصل على الكلمة، وأفادت فيها معها معنى يزولُ بزوالها، فهي
"كالألف" و"اللام" في "الذي" و"التي" و"اللات" و"العزى" و"الآن"، لأن تلك الأسماء معارفُ لغيرها وإنما لزم اللفظة لتصلاحها، ولمعنى آخر ليس هذ موضع ذكره.
القسم الثالث: المغيرة بالكف عن العمل، وتُسمى «الكافة» وهي اللاحقة لـ «
"إن" و"أن" و"كأن" و"ليت" و"لعل" و"رب" و"بين"»، هذه الحروف كلها أصلها العمل فيما بعدها كما ذكر في أبوابها ويُذكر، فإذا دخلت "ما" عليها إذ ذاك كفتها عن العمل من نصبٍ ورفعٍ وخفضٍ فارتفع على الابتداء والخبر فتقول: "إنما" زيدٌ قائمٌ، وعلمتُ "أنما" عمرو منطلق، و"كأنما" أخوك شاخصٌ، و"ليتما" بكرٌ قادمٌ، و"لكنما" أخوك ذاهبٌ، و"لعلما" عبد الله راكبٌ، و"ربما" الرجل ذاهبٌ، و"بينما" عبد الله قائمٌ أقبل عمروٌ، قال الله تعالى: {إِنَّمَا اللَّهُ إِلَهٌ وَاحِدٌ}، وقال تعالى: {اعْلَمُوا أَنَّمَا الْحَيَاةُ الدُّنْيَا لَعِبٌ وَلَهْوٌ}، وقال الشاعر:
وكأنما بدر وصيل كتيفةٍ ..... وكأنما من عاقلٍ أرمام
وقال آخر:
ربما الطاعن المؤثل فيهم ..... .... .... .... ....
وقال آخر:
ألا ليتما هذا الحمامُ لنا ..... .... .... .... ....
برفع الحمام، وقال الآخر:
وبينما المرء في الأحياء مُغتبطٌ ..... إذ هو في الرمس تعفوه الأعاصير
القسم الرابع: الموطئة: وهي الداخلة على "إن" و"أن" و"كأن" و"لكن" و"لعل" و"رُب" المذكورات، إذا دخل شيءٌ من ذلك على الفعل لأنه عاملٌ في الأسماء كما ذكر، فإذا دخلت "ما" المذكورة وطأت ما تدخل عليه من ذلك للدخول على الفعل، فلذلك قيل لها موطئة، وبعضهم يقول: مهيئة، لأنها أيضًا تهيئُ ذلك للدخول على ما لم تكن تدخل عليه قبلها، فتقول: "إنما" يقوم زيدٌ، وعلمت "أنما" يقومُ زيدٌ، و"كأنما" يقوم زيدٌ، و"لكنما" يقوم زيدٌ، و"لعلما" يقوم زيدٌ، و"ربما" يقوم زيد، قال الله تعالى: {إِنَّمَا يَخْشَى اللَّهَ مِنْ عِبَادِهِ الْعُلَمَاءُ}، وقال: {إِنَّمَا يَأْتِيكُمْ بِهِ اللَّهُ إِنْ شَاءَ}، وقال: {كَأَنَّمَا يَصَّعَّدُ فِي السَّمَاءِ}، وقال الشاعر:
ولكنما أسعى لمجدٍ مؤثلٍ ..... وقد يدرك المجد المؤثل أمثالي
وقال آخر:
أعد نظرًا يا عبد قيسٍ لعلما ..... أضاءت لك النار الحمار المقيدا
وقال تعالى: {رُبَمَا يَوَدُّ الَّذِينَ كَفَرُوا لَوْ كَانُوا مُسْلِمِينَ} ). [رصف المباني:310 - 319]


رد مع اقتباس