الموضوع: رب
عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 20 ذو الحجة 1438هـ/11-09-2017م, 11:17 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب: "رُبَّ" وأحكامها

قال أبو الحسن علي بن محمد الهروي النحوي (ت: 415هـ): (باب: "رُبَّ" وأحكامها
اعلم أن "رب" حرف خافضٌ، وهي مبنية على الفتح، ولها عشرة أحكامٍ.
فمن أحكامها: أنها للتقليل.
ومن أحكامها: أن لها صدر الكلام بمنزلة
"ما" النافية، و"إن" المؤكدة و"ألف" الاستفهام في أن لها صدور الكلام فتقول: «"رب" رجلٍ جاءني» ولا تقول: «جاءني "رُب" رجلٍ».
ومن أحكامها: أنها تدخل على الاسم دون الفعل، تقول: «
"رب" رجلٍ» ولا تقول: «"رب" يقوم».
ومن أحكامها: أنها تدخل على الاسم النكرة دون المعرفة، تقول: «
"رب" رجلٍ لقيته» ولا تقول: «"رب" زيدٍ لقيته»، وتقول: «"رب" رجلٍ وأخيه منطلقين»، ولا تقول: «"رب" رجلٍ وزيدٍ منطلقين» وإنما جاز في الأول لأن «وأخيه» في موضع نكرة، لأن المعنى: وأخٍ له.
ومن أحكامها: أنه لابد للنكرة التي تدخل عليها من صفةٍ من صفات النكرة، إما اسمق وإما فعلٌ وإما ظرفٌ وإما جملة، ولا يجوز أن تقول: «
"رب" رجلٍ» وتسكت حتى تقول: «"رب" رجلٍ صالحٍ»، أو «"رب" رجلٍ يقول ذاك»، أو «"رب" رجلٍ عندك»، أو «"رب" رجلٍ أبوه عالمٌ».
وأما قول الشاعر:
إن يقتلوك فإن قتلك لم يكن .... عارًا عليك، ورب قتلٍ عار
فإنما أراد: "رب" قتلٍ هو عارٌ، فحذف المبتدأ من الجملة التي هي من صفة معمول "رب".
ومن أحكامها: أنها تأتي لما مضى، وللحال دون الاستقبال، تقول: «
"رب" رجلٍ قام» و«يقوم»، ولا تقول: «"رب" رجلٍ سيقوم» و«ليقومن غدًا»، إلا أن تريد: "رب" رجلٍ يوصف بهذا، كما تقول: «"رب" رجلٍ مسيءٍ اليوم ومحسنٍ غدًا»، أي: يوصف بهذا.
ومن أحكامها: أنها تدخل على المضمر قبل الذكر على شرط التفسير، وتنصب ما بعد ذلك المضمر على التفسير، كقولهم: «
"ربه" رجلًا جاءني» فـ «رجلًا» فسر "الهاء"، ومعنى «"ربه" رجلًا»: "رب" رجل، وليست "الهاء" بضمير شيء جرى ذكره، ولو كانت ضمير شيء جرى ذكره لصارت معرفةٍ، ولم يجز أن تلي "رب"، لأنه لا يليها إلا النكرة، ولكنها ضمير مبهم قبل الذكر على شريطة التفسير فأشبهت بإبهامها النكرات، لأنك إذا قلت: "ربه" احتاج إلى أن تفسره بغيره، فضارع النكرات، إذا كان لا يخص، كما أن النكرة لا تخص.
وهذا الضمير عند البصريين لا يثنى ولا يجمع ولا يؤنث لأنه ضمير مبهم مجهول يعتمد فيه على التفسير، فيغني عن تثنيته وجمعه، تقول: «
"ربه" رجلًا قد رأيت»، و«"ربه" رجلين»، و«"ربه" رجالًا»، و«"ربه" امرأة»، و«"ربه" نساءً».
وقد أجاز الكوفيون التثنية والجمع والتأنيث.
ومن أحكامها: أنها تزاد فيها
"تاء" التأنيث فيقال: "ربت"، كما تزاد في "ثم" فيقال: "ثمت"، وفي "لا" فيقال: "لات"، وفي "حين" فيقال: "تحين"، وفي "الآن" فيقال: "تالآن" قال الشاعر في زيادتها في "رب" أنشده أبو زيد هو ابن ضمرة النهشلي:
ماوي بل ربتما غارةٍ .... شعواء كاللدغة بالميسم
وأنشد أيضًا:
يا صاحبًا ربت إنسان حسن .... يسأل عنك اليوم أو تسأل عن
وقال ابن أحمر:
وربت سائل عني حفي .... أعارت عينه أم لم تعارا
وقوله: «أم لم تعارا» أراد: تعارن، فقلب "النون" الخفيفة "ألفاً" في الوقف، وكسر "التاء" من «تعارا» طلبًا لكسرة "العين" من «فعل» أراد وزن الفعل الماضي من فعل يفعل.
ولشرح هذا بابٌ قد أحكمناه في كتاب «الذخائر»، وقال الأعشى في زيادتها في
"ثم":
ثمت لا تجزونني عند ذاكم .... ولكن سيجزيني الإله فيعقبا
وقال آخر:
ولقد أمر على اللئيم يسبني .... فمررت ثمت قلت: لا يعنيني
وقال أبو وجزة في زيادتها في "حين":
العاطفون تحين ما من عاطفٍ .... والمطعمون زمان ما من مطعمٍ
وفي القرآن: {ولات حين مناص}، أي: ليس "حين" مهربٍ، يقال: «ناص ينوص مناصًا» إذا هرب، وجاء في الحديث: «اذهب بهذا تالآن معك» يريد الآن.
وفي
"التاء" في قوله: {ولات حين مناص} اختلاف، هل هي متصلة "بحاء" "حين" أم منقطعة عنها، وقد بينَّا ذلك في كتاب «الوقف».
ومن أحكامها أنها تثقل وتخفف.
قال أبو كبير في تخفيضها:
أزهير إن يشب القذال فإنني .... رب هيضلٍ لجب لففت بهيضل
«الهيضل»: جمع هيضلة، وهي الجماعة، و«اللجب»: الكثير الأصوات، «لففت» أي: خلطت، يقال: «لففت القوم بالقوم» إذا خلطتهم بهم، وقرأ بعض القراء: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}، بالتخفيف والأصل فيها التشديد ثم تخفف.
ومن أحكامها أنها توصل بـ
"ما" فتبطل "ما" عملها، ويستأنف الكلام بعدها وتدخل على المعرفة وعلى الفعل من أجل "ما"، كقولك: «"ربما" قام زيدٌ» و«"ربما" زيد قام»، و«"ربما" الرجل قام»، و«"ربما" فعلت كذا».
قال الشاعر: جذيمة الأبرش:
ربما أوفيت في علمٍ .... يرفعن ثوبي شمالات
وقال أبو داود:
ربما الجامل المؤبل فيهم .... وعناجيج بينهن المهار
ولما كانت "رب" إنما تأتي لما مضى، فذلك "ربما" لما وقع بعدها الفعل كان حقه أن يكون ماضيًا، وقال النحويون في قوله عز وجل: {ربما يود الذين كفروا لو كانوا مسلمين}: إن "رب" إنما دخلت على الفعل المستقبل لصدق الوعد، فكأنه قد كان، لأن القرآن نزل وعده ووعيده وسائر ما فيه حقًا لا مكذوبة له، فجرى الكلام فيما لم يكن منه كمجراه في الكائن، ألا ترى قوله عز وجل: {ولو ترى إذ فزعوا فلا فوت}، {ولو ترى إذ المجرمون ناكسوا رؤوسهم}، {ولو ترى إذ الظالمون موقوفون عند ربهم}، أنه لم يكن، وجاء في اللفظ كأنه قد كان لصدقه في المعنى، وهو كائنٌ لا محالة). [الأزهية: 259 - 266]


رد مع اقتباس