عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 2 محرم 1440هـ/12-09-2018م, 06:26 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَى أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانًا ربّهم أعلم بهم قال الّذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجدًا (21)}
يقول تعالى: {وكذلك أعثرنا عليهم} أي: أطلعنا عليهم النّاس {ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها}
ذكر غير واحدٍ من السّلف أنّه كان قد حصل لأهل ذلك الزّمان شكٌّ في البعث وفي أمر القيامة. وقال عكرمة: كان منهم طائفةٌ قد قالوا: تبعث الأرواح ولا تبعث الأجساد. فبعث اللّه أهل الكهف حجّةً ودلالةً وآيةً على ذلك.
وذكروا أنّه لمّا أراد أحدهم الخروج ليذهب إلى المدينة، في شراء شيءٍ لهم ليأكلوه، تنكّر وخرج يمشي في غير الجادّة، حتّى انتهى إلى المدينة، وذكروا أنّ اسمها دقسوس وهو يظنّ أنّه قريب العهد بها، وكان النّاس قد تبدّلوا قرنًا بعد قرنٍ، وجيلًا بعد جيلٍ، وأمّةً بعد أمّةٍ، وتغيّرت البلاد ومن عليها، كما قال الشّاعر:
أمّا الدّيار فإنّها كديارهم = وأرى رجال الحي غير رجاله
فجعل لا يرى شيئًا من معالم البلد الّتي يعرفها، ولا يعرف أحدًا من أهلها، لا خواصّها ولا عوامّها، فجعل يتحيّر في نفسه ويقول: لعلّ بي جنونًا أو مسًّا، أو أنا حالمٌ، ويقول: واللّه ما بي شيءٌ من ذلك، وإنّ عهدي بهذه البلدة عشيّة أمسٍ على غير هذه الصّفة. ثمّ قال: إنّ تعجيل الخروج من هاهنا لأولى لي. ثمّ عمد إلى رجلٍ ممّن يبيع الطّعام، فدفع إليه ما معه من النّفقة، وسأله أن يبيعه بها طعامًا. فلمّا رآها ذلك الرّجل أنكرها وأنكر ضربها، فدفعها إلى جاره، وجعلوا يتداولونها بينهم ويقولون: لعلّ هذا قد وجد كنزًا. فسألوه عن أمره، ومن أين له هذه النّفقة؟ لعلّه وجدها من كنزٍ. ومن أنت؟ فجعل يقول: أنا من أهل هذه المدينة وعهدي بها عشيّة أمسٍ وفيها دقيانوس. فنسبوه إلى الجنون، فحملوه إلى وليّ أمرهم، فسأله عن شأنه وعن أمره حتّى أخبرهم بأمره، وهو متحيّرٌ في حاله، وما هو فيه. فلمّا أعلمهم بذلك قاموا معه إلى الكهف: متولّى البلد وأهلها، حتّى انتهى بهم إلى الكهف، فقال: دعوني حتّى أتقدّمكم في الدخول لأعلم أصحابي،
فيقال: إنّهم لا يدرون كيف ذهب فيه، وأخفى اللّه عليهم خبره ويقال: بل دخلوا عليهم، ورأوهم وسلّم عليهم الملك واعتنقهم، وكان مسلمًا فيما قيل، واسمه تيدوسيس ففرحوا به وآنسوه بالكلام، ثمّ ودّعوه وسلّموا عليه، وعادوا إلى مضاجعهم، وتوفّاهم اللّه، عزّ وجلّ، فاللّه أعلم.
قال قتادة: غزا ابن عبّاسٍ مع حبيب بن مسلمة، فمرّوا بكهفٍ في بلاد الرّوم، فرأوا فيه عظامًا، فقال قائلٌ: هذه عظام أهل الكهف؟ فقال ابن عبّاسٍ: لقد بليت عظامهم من أكثر من ثلاثمائة سنةٍ. رواه ابن جريرٍ.
وقوله: {وكذلك أعثرنا عليهم} أي: كما أرقدناهم وأيقظناهم بهيآتهم، أطلعنا عليهم أهل ذلك الزّمان {ليعلموا أنّ وعد اللّه حقٌّ وأنّ السّاعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم} أي: في أمر القيامة، فمن مثبتٍ لها ومن منكرٍ، فجعل اللّه ظهورهم على أصحاب الكهف حجّةً لهم وعليهم {فقالوا ابنوا عليهم بنيانًا ربّهم أعلم بهم} أي: سدّوا عليهم باب كهفهم، وذروهم على حالهم {قال الّذين غلبوا على أمرهم لنتّخذنّ عليهم مسجدًا}
حكى ابن جريرٍ في القائلين ذلك قولين: أحدهما: إنّهم المسلمون منهم. والثّاني: أهل الشّرك منهم، فاللّه أعلم
والظّاهر أنّ الّذين قالوا ذلك هم أصحاب الكلمة والنّفوذ. ولكن هل هم محمودون أم لا؟ فيه نظرٌ؛ لأنّ النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "لعن اللّه اليهود والنّصارى، اتّخذوا قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد" يحذّر ما فعلوا. وقد روّينا عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، رضي اللّه عنه، أنّه لـمّا وجد قبر دانيال في زمانه بالعراق، أمر أن يخفى عن النّاس، وأن تدفن تلك الرّقعة الّتي وجدوها عنده، فيها شيءٌ من الملاحم وغيرها). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 146-147]

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({سيقولون ثلاثةٌ رابعهم كلبهم ويقولون خمسةٌ سادسهم كلبهم رجمًا بالغيب ويقولون سبعةٌ وثامنهم كلبهم قل ربّي أعلم بعدّتهم ما يعلمهم إلّا قليلٌ فلا تمار فيهم إلّا مراءً ظاهرًا ولا تستفت فيهم منهم أحدًا (22)}
يقول تعالى مخبرًا عن اختلاف النّاس في عدّة أصحاب الكهف، فحكى ثلاثة أقوالٍ، فدلّ على أنّه لا قائل برابعٍ، ولما ضعّف القولين الأوّلين بقوله: {رجمًا بالغيب} أي: قولًا بلا علمٍ، كمن يرمي إلى مكانٍ لا يعرفه، فإنّه لا يكاد يصيب، وإن أصاب فبلا قصدٍ، ثمّ حكى الثّالث وسكت عليه أو قرّره بقوله: {وثامنهم كلبهم} فدلّ على صحّته، وأنّه هو الواقع في نفس الأمر.
وقوله: {قل ربّي أعلم بعدّتهم} إرشادٌ إلى أنّ الأحسن في مثل هذا المقام ردّ العلم إلى اللّه تعالى، إذ لا احتياج إلى الخوض في مثل ذلك بلا علمٍ، لكن إذا أطلعنا على أمرٍ قلنا به، وإلّا وقفنا حيث وقفنا.
وقوله: {ما يعلمهم إلا قليلٌ} أي: من النّاس. قال قتادة: قال ابن عبّاسٍ: أنا من القليل الّذي استثنى اللّه، عزّ وجلّ، كانوا سبعةً. وكذا روى ابن جريجٍ، عن عطاءٍ الخراسانيّ عنه أنّه كان يقول: أنا ممّن استثنى اللّه، ويقول: عدّتهم سبعةٌ.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن بشّارٍ حدّثنا عبد الرّحمن، حدّثنا إسرائيل، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {ما يعلمهم إلا قليلٌ} قال: أنا من القليل، كانوا سبعةً.
فهذه أسانيد صحيحةٌ إلى ابن عبّاسٍ: أنّهم كانوا سبعةً، وهو موافقٌ لما قدّمناه.
وقال محمّد بن إسحاق بن يسار عن عبد اللّه بن أبي نجيح، عن مجاهدٍ قال: لقد حدّثت أنّه كان على بعضهم من حداثة سنّه وضح الورق. قال ابن عبّاسٍ: فكانوا كذلك ليلهم ونهارهم في عبادة اللّه، يبكون ويستغيثون باللّه، وكانوا ثمانية نفرٍ: مكسلمينا وكان أكبرهم وهو الّذي كلّم الملك عنهم، ومجسيميلنينا وتمليخا ومرطونس، وكشطونس، وبيرونس، وديموس، ويطونس وقالوش.
هكذا وقع في هذه الرّواية، ويحتمل هذا من كلام ابن إسحاق، ومن بينه وبينه، فإنّ الصّحيح عن ابن عبّاسٍ أنّهم كانوا سبعةً، وهو ظاهر الآية. وقد تقدّم عن شعيبٍ الجبّائيّ أنّ اسم كلبهم حمران، وفي تسميتهم بهذه الأسماء واسم كلبهم نظرٌ في صحّته، واللّه أعلم؛ فإنّ غالب ذلك متلقّى من أهل الكتاب، وقد قال تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراءً ظاهرًا} أي: سهلًا هيّنًا؛ فإنّ الأمر في معرفة ذلك لا يترتّب عليه كبير فائدةٍ {ولا تستفت فيهم منهم أحدًا} أي: فإنّهم لا علم لهم بذلك إلّا ما يقولونه من تلقاء أنفسهم رجمًا بالغيب، أي من غير استنادٍ إلى كلامٍ معصومٍ، وقد جاءك اللّه يا محمّد بالحقّ الّذي لا شكّ فيه ولا مرية، فهو المقدّم الحاكم على كلّ ما تقدّمه من الكتب والأقوال). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 147-148]

رد مع اقتباس