عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 11:49 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَيَسْأَلُونَكَ عَنْ ذِي الْقَرْنَيْنِ ۖ قُلْ سَأَتْلُو عَلَيْكُمْ مِنْهُ ذِكْرًا (83)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {ويسألونك عن ذي القرنين قل سأتلو عليكم منه ذكرا إنا مكنا له في الأرض وآتيناه من كل شيء سببا فأتبع سببا حتى إذا بلغ مغرب الشمس وجدها تغرب في عين حمئة ووجد عندها قوما قلنا يا ذا القرنين إما أن تعذب وإما أن تتخذ فيهم حسنا}
اختلف فيمن سأله عن هذه القصة، فقيل: سألته طائفة من أهل الكتاب، وروى في ذلك عقبة بن عامر حديثا ذكره الطبري، وقيل: إنما سألته قريش حين دلتها اليهود على سؤاله عن الروح والرجل الطواف وفتية ذهبوا في الدهر ليقع امتحانه بذلك.
وذو القرنين هو الإسكندر اليوناني المقدوني، وقد تشدد قافه فيقال: المقدوني، وذكر ابن إسحاق في كتاب الطبري أنه يوناني، وقال وهب بن منبه: هو رومي، وذكر الطبري حديثا عن النبي صلى الله عليه وسلم أن ذا القرنين شاب من الروم، وهو حديث واهي السند، عن شيخين من تجيب.
واختلف الناس في وجه تسميته بذي القرنين، فأحسن الأقوال أنه كان ذا ضفيرتين من شعر هما قرناه، فسمي بهما، ذكره المهدوي وغيره، والضفائر قرون الرأس، ومنه قول الشاعر:
فلثمت فاها آخذا بقرونها ... شرب النزيف لبرد ماء الحشرج
ومنه الحديث في غسل بنت النبي صلى الله عليه وسلم، قالت أم عطية: "فضفرنا رأسها ثلاثة
[المحرر الوجيز: 5/652]
قرون"، وكثيرا تجيء تسمية النواصي قرونا.
وروي أنه كان في أول ملكه يرى في نومه أنه يتناول الشمس ويمسك قرنين لها بيديه، فقص ذلك، ففسر أنه سيغلب على ما ذرت عليه وسمي ذا القرنين، وقالت فرقة: سمي ذا القرنين لأنه بلغ المغرب والمشرق، فكأنه حاز قرني الدنيا، وقالت فرقة: إنه بلغ مطلع الشمس كشف بالرؤية قرنيها فسمي بذلك، أو قرني الشيطان بها، وقال وهب بن منبه: سمي بذلك لأن جنبتي رأسه كانتا من نحاس، وقال وهب بن منبه أيضا: كان له قرنان تحت عمامته.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا كله بعيد، وقال علي بن أبي طالب رضي الله عنه: إنما سمي ذا القرنين لأنه ضرب على قرن رأسه فمات، ثم حيي، ثم ضرب على قرن رأسه الآخر فمات، فسمي بذلك لأنه جرح على قرني رأسه جرحين عظيمين في يومين عظيمين من أيام حربه، فسمي بذلك.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذا قريب). [المحرر الوجيز: 5/653]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّا مَكَّنَّا لَهُ فِي الْأَرْضِ وَآتَيْنَاهُ مِنْ كُلِّ شَيْءٍ سَبَبًا (84)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (والتمكين له في الأرض أنه ملك الدنيا ودانت له الملوك كلها، فروي أن جميع ملوك الدنيا أربعة: مؤمنان وكافران، فالمؤمنان سليمان بن داود عليه السلام، والإسكندر، والكافران نمروذ وبختنصر. وقوله تعالى: {وآتيناه من كل شيء سببا} معناه: علما في كل أمر، وأقيسة يتوصل بها إلى معرفة الأشياء. وقوله: " كل شيء " عموم معناه الخصوص في كل ما يمكن أن يعلمه ويحتاج إليه، وثم لا محالة أشياء لم يؤت منها سببا يعلمها به.
[المحرر الوجيز: 5/653]
واختلف في ذي القرنين، فقيل: هو نبي، وهذا ضعيف، وقيل: هو ملك -بفتح اللام-، وروي عن عمر بن الخطاب رضي الله عنه أنه سمع رجلا يدعو آخر: يا ذا القرنين، فقال: أما كفاكم أن تسميتم بأسماء الأنبياء حتى تسميتم بأسماء الملائكة؟ وروي عن النبي صلى الله عليه وسلم أنه سئل عنه فقال: "ملك مسح الأرض من تحتها بالأسباب"، وقيل: هو عبد ملك -بكسر اللام- صالح نصح لله فأيده، قاله علي بن أبي طالب رضي الله عنه، وقال: "فيكم اليوم مثله"، وعنى بذلك نفسه، والله أعلم). [المحرر الوجيز: 5/654]

تفسير قوله تعالى: {فَأَتْبَعَ سَبَبًا (85)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فأتبع سببا} الآية. قرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو: "فاتبع سببا" بشد التاء، وقرأ عاصم، وابن عامر، وحمزة، والكسائي: "فأتبع سببا" بسكون التاء، على وزن أفعل، قال بعض اللغويين: هما بمعنى واحد، وكذلك "تبع"، وقالت فرقة: "أتبع" بقطع الألف عبارة عن المجد المسرع الحثيث الطلب، و"اتبع" إنما يتضمن معنى الاقتفاء دون هذه القرائن، قاله أبو زيد وغيره.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واستقرأ هذا القائل هذه المقالة من القرآن، كقوله عز وجل: {فأتبعه شهاب ثاقب}، وكقوله تعالى: {فأتبعهم فرعون وجنوده}، وكقوله تعالى: {فأتبعه الشيطان}، وهذا قول حكاه النقاش عن يونس بن حبيب، وإذا تأملت "اتبع" بشد التاء لم يرتبط لك هذا المعنى ولا بد. و"السبب" في هذه الآية: الطريق المسلوكة؛ لأنها سبب الوصول إلى المقصد). [المحرر الوجيز: 5/654]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَغْرِبَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَغْرُبُ فِي عَيْنٍ حَمِئَةٍ وَوَجَدَ عِنْدَهَا قَوْمًا ۗ قُلْنَا يَا ذَا الْقَرْنَيْنِ إِمَّا أَنْ تُعَذِّبَ وَإِمَّا أَنْ تَتَّخِذَ فِيهِمْ حُسْنًا (86)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وأبو عمرو، وحفص عن عاصم: "في عين حمئة"، على وزن فعلة، أي: ذات حماة، وقرأ عاصم -في رواية أبي بكر -، والباقون: "في عين حامية"، أي حارة، وقد اختلف في قراءة ذلك معاوية وابن عباس، فقال ابن عباس رضي الله عنهما "حمئة"، وقال معاوية: "حامية"، فبعثا إلى كعب الأحبار ليخبرهم
[المحرر الوجيز: 5/654]
بالأمر كيف هو في التوراة، فقال لهما: أما العربية فأنتما أعلم بها مني، ولكني أجد في التوراة أنها تغرب في عين ثأط، والثأط: الطين، فلما انفصلا قال رجل لابن عباس رضي الله عنهما: لوددت أبا العباس فكنت أنجدك بشعر تبع الذي يقول فيه في ذكر ذي القرنين:
قد كان ذو القرنين جدي مسلما ... ملكا تدين له الملوك ويحشد
بلغ المشارق والمغارب يبتغي ... أسباب أمر من حكيم مرشد
فرأى مغيب الشمس عند غروبها ... في عين ذي خلب وثأط حرمد
فالخلب: الطين، والثأط: الحمأة، والحرمد: الأسود، ومن قرأ: "حامية" وجهها إلى الحرارة، وروي عن عبد الله بن عمر رضي الله عنه أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس وهي تغيب فقال: "في نار الله الحامية، لولا ما يزعها من الله لأحرقت ما على الأرض". وروى أبو ذر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم نظر إلى الشمس عند غروبها فقال: "أتدري أين تغرب يا أبا ذر؟ قلت: لا، قال: إنها تغرب في عين حامية"، فهذا يدل على أن العين هنالك حارة، و"حامية" هي قراءة طلحة بن عبد الله، وعمرو بن العاص، وابنه، وابن عمر، وذهب الطبري إلى الجمع بين الأمرين فقال: يحتمل أن تكون العين حارة ذات حمأة، فكل قراءة وصف بصفة من أحوالها، وذهب بعض البغداديين إلى أن "في" بمنزلة "عند"، كأنها مسامته من الأرض فيما يرى الرائي لعين حمئة. وقال بعضهم: قوله: في عين إنما المراد أن ذا القرنين كان فيها، أي: هي آخر الأرض.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وظاهر هذه الأقوال محتمل، والله أعلم. قال أبو حاتم: وقد يمكن أن تكون "حامئة" مهموزة، بمعنى: ذات حمأة، فتكون القراءتان بمعنى واحد. واستدل بعض
[المحرر الوجيز: 5/655]
الناس على أن ذا القرنين نبي بقوله تعالى: {قلنا يا ذا القرنين}، ومن قال إنه ليس بنبي، قال: كانت هذه المقالة من الله بإلهام.
وقوله تعالى: {إما أن تعذب} معناه: بالقتل على الكفر، وإما أن تتخذ فيهم حسنا بالحمل على الإيمان واتباع الهدى، فكأنه قيل له: هذه لا تعطها إلا إحدى خطتين: إما أن تكفر فتعذبها، وإما أن تؤمن فتحسن إليها. وذهب الطبري إلى أن "اتخاذ الحسن" هو الأسر مع كفرهم، فالمعنى -على هذا- أنهم كفروا ولا بد، فخيره الله تعالى بين قتلهم أو أسرهم.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويحتمل أن يكون "الاتخاذ" ضرب الجزية. ولكن تقسيم ذي القرنين بعد هذا الأمر إلى كفر أو إيمان يرد هذا القول بعض الرد، فتأمله). [المحرر الوجيز: 5/656]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ أَمَّا مَنْ ظَلَمَ فَسَوْفَ نُعَذِّبُهُ ثُمَّ يُرَدُّ إِلَىٰ رَبِّهِ فَيُعَذِّبُهُ عَذَابًا نُكْرًا (87)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال أما من ظلم فسوف نعذبه ثم يرد إلى ربه فيعذبه عذابا نكرا وأما من آمن وعمل صالحا فله جزاء الحسنى وسنقول له من أمرنا يسرا ثم أتبع سببا حتى إذا بلغ مطلع الشمس وجدها تطلع على قوم لم نجعل لهم من دونها سترا كذلك وقد أحطنا بما لديه خبرا}
"ظلم" في هذه الآية بمعنى: كفر، ثم توعد الكافرين بتعذيبه إياهم قبل عذاب الله، وعقب لهم بذكر عذاب الله لأن تعذيب ذي القرنين هو اللاحق عندهم، المحبوس لهم، الأقرب نكاية. فلما جاء وعد المؤمنين قدم تنعيم الله تعالى الذي هو الأحق عن المؤمنين، والآخر بإزائه حقير، ثم عقب أخيرا بذكر إحسانه في قول اليسر، وجعله قولا إذ الأفعال كلها خلق الله تعالى، فكأنه سلمها ولم يراع تكسبه.
وقرأت فرقة: "نكرا" بضم الكاف، وقرأت فرقة: "نكرا" بسكون الكاف، ومعناه: المنكر الذي تنكره الأوهام لعظمه وتستهويه). [المحرر الوجيز: 5/656]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا مَنْ آمَنَ وَعَمِلَ صَالِحًا فَلَهُ جَزَاءً الْحُسْنَىٰ ۖ وَسَنَقُولُ لَهُ مِنْ أَمْرِنَا يُسْرًا (88)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ ابن كثير، ونافع، وعاصم -في رواية أبي بكر - وأبو عمرو، وابن عامر: "جزاء الحسنى" بإضافة الجزاء إلى الحسنى، وذلك يحتمل معنيين: أحدهما أن يريد بـ "الحسنى" الجنة، والجنة هي الجزاء، فأضاف
[المحرر الوجيز: 5/656]
ذلك، كما قال: ولدار الآخرة والآخرة هي الدار، والثاني أن يريد بـ "الحسنى" أعمالهم الصالحة في إيمانهم، فوعدهم بجزاء الأعمال الصالحة. وقرأ حمزة، الكسائي، وحفص عن عاصم: "جزاء الحسنى" بنصب "الجزاء" على المصدر في موضع الحال. و"الحسنى" ابتداء، وخبره في المجرور، ويراد بها الجنة، وقرأ عبد الله بن أبي إسحاق: "جزاء" بالرفع والتنوين "الحسنى"، وقرأ ابن عباس رضي الله عنهما، ومسروق: "جزاء" بالنصب بغير تنوين "الحسنى" بالإضافة. قال المهدوي: ويجوز حذف النون لالتقاء الساكنين، ووعدهم بذلك بأنه ييسر عليهم أمور دنياهم. وقرأ ابن القعقاع: "يسرا" بضم السين). [المحرر الوجيز: 5/657]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ أَتْبَعَ سَبَبًا (89)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {ثم أتبع سببا}، المعنى: ثم سلك ذو القرنين الطرق المؤدية إلى مقصده، فهي سبب الوصول، فكان ذو القرنين -على ما وقع في كتب التاريخ- يدوس الأرض بالجيوش الثقال، والسيرة الحميدة، والإعداد الموفى، والحزم المستيقظ المتقد، والتأييد المتواصل، وتقوى الله عز وجل، فما لقي أمة ولا مر بمدينة إلا دانت له ودخلت في طاعته، وكل من عارضه وتوقف عن أمره جعله عظة وآية لغيره، وله في هذا المعنى أخبار كثيرة، وغرائب كرهت التطويل بها لأنها علم تاريخ). [المحرر الوجيز: 5/657]

تفسير قوله تعالى: {حَتَّىٰ إِذَا بَلَغَ مَطْلِعَ الشَّمْسِ وَجَدَهَا تَطْلُعُ عَلَىٰ قَوْمٍ لَمْ نَجْعَلْ لَهُمْ مِنْ دُونِهَا سِتْرًا (90)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ الجمهور "مطلع" بكسر اللام، وقرأ الحسن بخلاف-، وابن كثير، وأهل مكة: "مطلع" بفتح اللام.
و "القوم": الزنج، قاله قتادة، وهم الهنود وما وراءهم.
وقال الناس في قوله: {لم نجعل لهم من دونها سترا} معناه: إنهم ليس لهم بنيان، إذ لا تحمل أرضهم البناء، وإنما يدخلون من حر الشمس في أسراب، وقيل: يدخلون في ماء البحر، قاله الحسن، وقتادة، وابن جريج. وكثر النقاش وغيره في هذا المعنى، والظاهر من الألفاظ أنها عبارة بليغة عن قرب الشمس منهم، وفعلها بقدرة الله تبارك وتعالى فيهم، ونيلها منهم، ولو كان لهم أسراب تغني لكان سترا كثيفا، وإنما هم في
[المحرر الوجيز: 5/657]
قبضة القدرة سواء كان لهم أسراب أو دور أو لم يكن، ألا ترى أن الستر عندنا بحق إنما هو من السحاب والغمام وبرد الهواء، ولو سلط الله علينا الشمس لأحرقتنا، فسبحان المنفرد بالقدرة التامة). [المحرر الوجيز: 5/658]

تفسير قوله تعالى: {كَذَٰلِكَ وَقَدْ أَحَطْنَا بِمَا لَدَيْهِ خُبْرًا (91)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله: "كذلك" معناه: فعل معهم كفعله مع الأولين أهل المغرب، فأوجز بقوله: "كذلك". ثم أخبر الله تعالى عن إحاطته بجميع ما لدى ذي القرنين، وما تصرف من أفعاله، ويحتمل أن يكون "كذلك" استئناف قول، ولا يكون راجعا على الطائفة الأولى، فتأمله، والأول أصوب). [المحرر الوجيز: 5/658]

رد مع اقتباس