عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 16 ذو القعدة 1439هـ/28-07-2018م, 08:57 AM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَكَذَٰلِكَ أَعْثَرْنَا عَلَيْهِمْ لِيَعْلَمُوا أَنَّ وَعْدَ اللَّهِ حَقٌّ وَأَنَّ السَّاعَةَ لَا رَيْبَ فِيهَا إِذْ يَتَنَازَعُونَ بَيْنَهُمْ أَمْرَهُمْ ۖ فَقَالُوا ابْنُوا عَلَيْهِمْ بُنْيَانًا ۖ رَبُّهُمْ أَعْلَمُ بِهِمْ ۚ قَالَ الَّذِينَ غَلَبُوا عَلَىٰ أَمْرِهِمْ لَنَتَّخِذَنَّ عَلَيْهِمْ مَسْجِدًا (21)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وكذلك أعثرنا عليهم ليعلموا أن وعد الله حق وأن الساعة لا ريب فيها إذ يتنازعون بينهم أمرهم فقالوا ابنوا عليهم بنيانا ربهم أعلم بهم قال الذين غلبوا على أمرهم لنتخذن عليهم مسجدا}
الإشارة بـ "ذلك" في قوله تعالى: "وكذلك" إلى بعثهم ليتساءلوا، أي: كما بعثناهم أعثرنا عليهم.
و "أعثر" تعدية "عثر" بالهمزة، وأصل العثار في القدم، فلما كان العاثر في الشيء مشبها له شبه به، من شبه العلم بشيء عن له وثار بعد خفائه، والضمير في "ليعلموا" يحتمل أن يعود على الأمة المسلمة الذين بعث أهل الكهف على عهدهم، وإلى هذا ذهب الطبري، وذلك أنهم -فيما روي- دخلتهم حينئذ فتنة في أمر الحشر وبعث الأجساد من القبور، فشك في ذلك بعض الناس واستبعدوه، وقالوا: إنما تحشر الأرواح، فشق ذلك على ملكهم وبقي حيران لا يدري كيف يبين أمره لهم حتى لبس المسوح وقعد على الرماد، وتضرع إلى الله في حجة وبيان، فأعثر الله على أهل الكهف، فلما بعثهم الله، وتبين الناس أمرهم سر الملك، ورجع من كان شك في بعث الأجسام إلى اليقين به، وإلى هذا وقعت الإشارة بقوله: {إذ يتنازعون بينهم أمرهم} على هذا التأويل. ويحتمل أن يعمل في "إذ" -على هذا التأويل-، "أعثرنا"، ويحتمل أن يعمل فيه "ليعلموا".
والضمير في قوله: "ليعلموا" يحتمل أن يعود على أصحاب الكهف، أي: يجعل الله تعالى أمرهم آية لهم دالة على بعث الأجساد من القبور. وقوله: {إذ يتنازعون} -على هذا التأويل- ابتداء خبر عن القوم الذين بعثوا على عهدهم، والعامل
[المحرر الوجيز: 5/586]
في "إذ" فعل مضمر تقديره: واذكر، ويحتمل أن يعمل فيه: "فقالوا"، ويكون المعنى:فقالوا إذ يتنازعون: ابنوا عليهم، والتنازع -على هذا التأويل- إنما هو في أمر البناء والمسجد لا في أمر القيامة. و"الريب": الشك، والمعنى أن الساعة في نفسها وحقيقتها لا شك فيها، وإن كان الشك قد وقع لناس فذلك لا يلحقها منه شيء، وقد قيل: إن التنازع إنما هو في أن اطلعوا عليهم فقال بعضهم: أموات، وقال بعضهم: أحياء، وروي أن بعض القوم ذهب إلى طمس الكهف عليهم، وتركهم فيه مغيبين، فقالت الطائفة الغالبة على الأمر: لنتخذن عليهم مسجدا، فاتخذوه، وقال قتادة: "الذين غلبوا هم الولاة". وقرأ الحسن، وعيسى الثقفي: "غلبوا" بضم الغين وكسر اللام، والمعنى: إن الطائفة التي دعت إلى البنيان إنها كانت أرادت بناء بيعة أو مصنع لكفرهم، فمانعهم المؤمنون، وقالوا: لنتخذن عليهم مسجدا. وروي عن عبيد بن عمير أن الله تعالى عمى على الناس حينئذ أمرهم وحجبهم عنهم، فلذلك دعا إلى بناء البنيان ليكون معلما لهم). [المحرر الوجيز: 5/587]

تفسير قوله تعالى: {سَيَقُولُونَ ثَلَاثَةٌ رَابِعُهُمْ كَلْبُهُمْ وَيَقُولُونَ خَمْسَةٌ سَادِسُهُمْ كَلْبُهُمْ رَجْمًا بِالْغَيْبِ ۖ وَيَقُولُونَ سَبْعَةٌ وَثَامِنُهُمْ كَلْبُهُمْ ۚ قُلْ رَبِّي أَعْلَمُ بِعِدَّتِهِمْ مَا يَعْلَمُهُمْ إِلَّا قَلِيلٌ ۗ فَلَا تُمَارِ فِيهِمْ إِلَّا مِرَاءً ظَاهِرًا وَلَا تَسْتَفْتِ فِيهِمْ مِنْهُمْ أَحَدًا (22)}
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {سيقولون ثلاثة رابعهم كلبهم ويقولون خمسة سادسهم كلبهم رجما بالغيب ويقولون سبعة وثامنهم كلبهم قل ربي أعلم بعدتهم ما يعلمهم إلا قليل فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا ولا تستفت فيهم منهم أحدا ولا تقولن لشيء إني فاعل ذلك غدا إلا أن يشاء الله واذكر ربك إذا نسيت وقل عسى أن يهديني ربي لأقرب من هذا رشدا}
الضمير في قوله تعالى: "سيقولون" يراد به أهل التوراة من معاصري محمد صلى الله عليه وسلم، وذلك أنهم اختلفوا في عدد أهل الكهف هذا الاختلاف المنصوص.
وقرأ الجمهور: "ثلاثة"، وقرأ ابن محيصن: "ثلاث" بإدغام التاء في الثاء، وقرأ شبل عن ابن كثير: "خمسة" بفتح الميم اتباعا لعشرة، وقرأ ابن محيصن: (خمسة) بكسر الخاء والميم.
وقوله تعالى: {رجما بالغيب} معناه: ظنا، وهو مستعار من الرجم، كأن الإنسان
[المحرر الوجيز: 5/587]
يرمي الموضع المشكل المجهول عنده بظنه المرة بعد المرة، يرجمه به عسى أن يصيب، ومن هذا: الترجمان، وترجمة الكتاب، ومنه قول زهير:
وما الحرب إلا ما علمتم وذقتم ... وما هو عنها بالحديث المرجم
والواو في قوله تعالى: {وثامنهم كلبهم} طريق النحويين فيها أنها واو عطف دخلت في آخر إخبار عن عددهم، لتفصل أمرهم، وتدل على أن هذا نهاية ما قيل، ولو سقطت لصح الكلام، [ولو كانت فيما قبل من قوله: "رابعهم" و"سادسهم" لصح الكلام]، وتقول فرقة منها ابن خالويه: هي واو الثمانية، وذكر ذلك الثعلبي عن أبي بكر بن عياش، أن قريشا كانت تقول في عددها: ستة، سبعة، وثمانية، تسعة، فتدخل الواو في الثمانية.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وقد تقدم شرحها، وهي في القرآن في قوله تعالى: {الآمرون بالمعروف والناهون عن المنكر}، وقوله: {وفتحت أبوابها}، وأما قوله تعالى: {ثيبات وأبكارا}، وقوله: {سبع ليال وثمانية أيام} فتوهم في هذين الموضعين أنها واو الثمانية وليست بها، بل هي لازمة لا يستغني الكلام عنها.
[المحرر الوجيز: 5/588]
وقد أمر الله تعالى نبيه صلي الله عليه وسلم في هذه أن يرد علم عدتهم إليه عز وجل، ثم أخبر أن عالم ذلك من البشر قليل، والمراد به قوم من أهل الكتاب، وكان ابن عباس رضي الله عنهما يقول: "أنا من ذلك القليل، وكانوا سبعة وثامنهم كلبهم".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ويستدل على هذا من الآية، فإن القرآن لما حكى قول من قال ثلاثة وخمسة قرن بالقول أنه رجم بالغيب، فقدح ذلك فيهما، ثم حكى هذه المقالة ولم يقدح فيها بشيء، بل تركها مسجلة، وأيضا فيقوي ذلك على القول بأنها واو الثمانية لأنها إنما تكون حيث عدد الثمانية صحيح.
وقوله تعالى: {فلا تمار فيهم إلا مراء ظاهرا} معناه على بعض الأقوال، أي: بظاهر ما أوحيناه إليك وهو رد علم عدتهم إلى الله تبارك وتعالى، وقيل: معنى الظاهر أن يقول: ليس كما تقولون، ونحو هذا، ولا يحتج هو على أمر مقدر في ذلك، فإن ذلك يكون مراء في باطن من الأمر، وقال التبريزي: "ظاهرا" معناه: ذاهبا، وأنشد:
وتلك شكاة ظاهر عنك عارها.
ولم يبح له في هذه الآية أن يماري، ولكن قوله: {إلا مراء} استعارة، من حيث يماريه أهل الكتاب سميت مراجعته لهم مراء، ثم قيد بأنه ظاهر ففارق المراء الحقيقي المذموم. و"المراء" مشتق من المرية، وهو الشك، فكأنه المشاككة. والضمير في قوله تعالى: "فيهم" عائد على أهل الكهف، وفي قوله سبحانه: "منهم" عائد على أهل الكتاب المعاصرين. وقوله: {فلا تمار فيهم} يعني: في عدتهم، وحذفت العدة لدلالة ظاهر القول عليها). [المحرر الوجيز: 5/589]

رد مع اقتباس