عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 11:59 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَحَاجَّهُ قَوْمُهُ قَالَ أَتُحَاجُّونِّي فِي اللَّهِ وَقَدْ هَدَانِ وَلَا أَخَافُ مَا تُشْرِكُونَ بِهِ إِلَّا أَنْ يَشَاءَ رَبِّي شَيْئًا وَسِعَ رَبِّي كُلَّ شَيْءٍ عِلْمًا أَفَلَا تَتَذَكَّرُونَ (80) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وممّا يؤيّد أنّه كان في هذا المقام مناظرًا لقومه فيما كانوا فيه من الشّرك لا ناظرًا قوله تعالى: {وحاجّه قومه قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربّي شيئًا وسع ربّي كلّ شيءٍ علمًا أفلا تتذكّرون (80) وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون (81) الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون (82) وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ (83)}
يقول تعالى: وجادله قومه فيما ذهب إليه من التّوحيد، وناظروه بشبه من القول، قال: {قال أتحاجّونّي في اللّه وقد هدان} أي: تجادلونني في أمر اللّه وأنّه لا إله إلّا هو، وقد بصّرني وهداني إلى الحقّ وأنا على بيّنةٍ منه؟ فكيف ألتفت إلى أقوالكم الفاسدة وشبهكم الباطلة؟!
وقوله: {ولا أخاف ما تشركون به إلا أن يشاء ربّي شيئًا} أي: ومن الدّليل على بطلان قولكم فيما ذهبتم إليه أنّ هذه الآلهة الّتي تعبدونها لا تؤثّر شيئًا، وأنا لا أخافها، ولا أباليها، فإن كان لها صنعٌ، فكيدوني بها [جميعًا] ولا تنظرون، بل عاجلوني بذلك.
وقوله: {إلا أن يشاء ربّي شيئًا} استثناءٌ منقطعٌ. أي لا يضرّ ولا ينفع إلّا اللّه، عزّ وجلّ.
{وسع ربّي كلّ شيءٍ علمًا} أي: أحاط علمه بجميع الأشياء، فلا تخفى عليه خافيةٌ.
{أفلا تتذكّرون} أي: فيما بيّنته لكم فتعتبرون أنّ هذه الآلهة باطلةٌ، فتزجروا عن عبادتها؟ وهذه الحجّة نظير ما احتجّ به نبيّ اللّه هودٌ، عليه السّلام، على قومه عادٍ، فيما قصّ عنهم في كتابه، حيث يقول: {قالوا يا هود ما جئتنا ببيّنةٍ وما نحن بتاركي آلهتنا عن قولك وما نحن لك بمؤمنين * إن نقول إلا اعتراك بعض آلهتنا بسوءٍ قال إنّي أشهد اللّه واشهدوا أنّي بريءٌ ممّا تشركون * من دونه فكيدوني جميعًا ثمّ لا تنظرون * إنّي توكّلت على اللّه ربّي وربّكم ما من دابّةٍ إلا هو آخذٌ بناصيتها [إنّ ربّي على صراطٍ مستقيمٍ]} [هودٍ: 53 -56] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 293-294]

تفسير قوله تعالى: {وَكَيْفَ أَخَافُ مَا أَشْرَكْتُمْ وَلَا تَخَافُونَ أَنَّكُمْ أَشْرَكْتُمْ بِاللَّهِ مَا لَمْ يُنَزِّلْ بِهِ عَلَيْكُمْ سُلْطَانًا فَأَيُّ الْفَرِيقَيْنِ أَحَقُّ بِالْأَمْنِ إِنْ كُنْتُمْ تَعْلَمُونَ (81) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وكيف أخاف ما أشركتم} أي: كيف أخاف من هذه الأصنام الّتي تعبدون من دون اللّه: {ولا تخافون أنّكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانًا}؟ قال ابن عبّاسٍ وغير واحدٍ من السّلف: أي حجّةٌ وهذا كما قال تعالى: {أم لهم شركاء شرعوا لهم من الدّين ما لم يأذن به اللّه} [الشّورى: 21] وقال: {إن هي إلا أسماءٌ سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطانٍ} [النّجم: 23].
وقوله: {فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن إن كنتم تعلمون} أي: فأيّ الطّائفتين أصوب؟ الّذي عبد من بيده الضّرّ والنّفع، أو الّذي عبد من لا يضرّ ولا ينفع بلا دليلٍ، أيّهما أحقّ بالأمن من عذاب اللّه يوم القيامة؟). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 294]

تفسير قوله تعالى: {الَّذِينَ آَمَنُوا وَلَمْ يَلْبِسُوا إِيمَانَهُمْ بِظُلْمٍ أُولَئِكَ لَهُمُ الْأَمْنُ وَهُمْ مُهْتَدُونَ (82) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} أي: هؤلاء الّذين أخلصوا العبادة للّه وحده لا شريك، له، ولم يشركوا به شيئًا هم الآمنون يوم القيامة، المهتدون في الدّنيا والآخرة.
قال البخاريّ: حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، حدّثنا ابن أبي عديّ، عن شعبة، عن سليمان، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: لمّا نزلت: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} قال أصحابه: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ فنزلت: {إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ} [لقمان: 13]
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: لمّا نزلت هذه الآية: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} شقّ ذلك على النّاس وقالوا: يا رسول اللّه، فأيّنا لا يظلم نفسه؟ قال: «إنّه ليس الّذي تعنون! ألم تسمعوا ما قال العبد الصّالح: {يا بنيّ لا تشرك باللّه إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ} إنّما هو الشّرك»
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، حدّثنا وكيعٌ وابن إدريس، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: لمّا نزلت: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} شقّ ذلك على أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، قالوا: وأيّنا لم يظلم نفسه؟ فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «ليس كما تظنّون، إنّما قال [لقمان] لابنه: {يا بنيّ لا تشرك باللّه إنّ الشّرك لظلمٌ عظيمٌ}»
وحدّثنا عمر بن شبّة النّمريّ، حدّثنا أبو أحمد، حدّثنا سفيان، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في قوله: {ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} قال: «بشركٍ».
قال: وروي عن أبي بكرٍ الصّدّيق، وعمر، وأبيّ بن كعبٍ، وسلمان، وحذيفة، وابن عبّاسٍ، وابن عمر، وعمرو بن شرحبيل، وأبي عبد الرّحمن السّلمي، ومجاهدٍ، وعكرمة، والنّخعي، والضّحّاك، وقتادة، والسّدّي نحو ذلك.
وقال ابن مردويه: حدّثنا الشّافعيّ، حدّثنا محمّد بن شدّاد المسمعيّ، حدّثنا أبو عاصمٍ، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن الأعمش، عن إبراهيم، عن علقمة، عن عبد اللّه قال: لمّا نزلت: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ}، قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «قيل لي: أنت منهم»
وقال الإمام أحمد: حدّثنا إسحاق بن يوسف، حدّثنا أبو جناب، عن زاذان، عن جرير بن عبد اللّه قال: خرجنا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: فلمّا برزنا من المدينة، إذا راكبٌ يوضع نحونا، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كأنّ هذا الرّاكب إيّاكم يريد". فانتهى إلينا الرّجل، فسلّم فرددنا عليه فقال له النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أين أقبلت؟» قال: من أهلي وولدي وعشيرتي. قال: «فأين تريد؟»، قال: أريد رسول اللّه. قال: «فقد أصبته». قال: يا رسول اللّه، علّمني ما الإيمان؟ قال: «تشهد أن لا إله إلّا اللّه، وأنّ محمّدًا رسول اللّه، وتقيم الصّلاة، وتؤتي الزّكاة، وتصوم رمضان، وتحجّ البيت». قال: قد أقررت. قال: ثمّ إن بعيره دخلت يده في جحر جرذان، فهوى بعيره وهوى الرّجل، فوقع على هامته فمات، فقال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: «عليّ بالرّجل». فوثب إليه عمّار بن ياسرٍ وحذيفة بن اليمان فأقعداه، فقالا يا رسول اللّه، قبض الرّجل! قال: فأعرض عنهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ثم قال لهما رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أما رأيتما إعراضي عن الرّجل، فإنّي رأيت ملكين يدسّان في فيه من ثمار الجنّة، فعلمت أنّه مات جائعًا»، ثمّ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «هذا من الّذين قال اللّه، عزّ وجلّ: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ} ثمّ قال: دونكم أخاكم». قال: فاحتملناه إلى الماء فغسّلناه وحنّطناه وكفّنّاه، وحملناه إلى القبر، فجاء رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى جلس على شفير القبر فقال: "الحدوا ولا تشقّوا، فإنّ اللّحد لنا والشّقّ لغيرنا"
ثمّ رواه أحمد عن أسود بن عامرٍ، عن عبد الحميد بن جعفرٍ الفرّاء، عن ثابتٍ، عن زاذان، عن جرير بن عبد اللّه، فذكر نحوه، وقال فيه: "هذا ممّن عمل قليلًا وأجر كثيرًا"
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يوسف بن موسى القطّان، حدّثنا مهران بن أبي عمر، حدّثنا عليّ بن عبد الأعلى عن أبيه، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ قال: كنّا مع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في مسيرٍ ساره، إذ عرض له أعرابيٌّ فقال: يا رسول اللّه، والذي بعثك بالحقّ، لقد خرجت من بلادي وتلادي ومالي لأهتدي بهداك، وآخذ من قولك، وما بلغتك حتّى ما لي طعامٌ إلّا من خضر الأرض، فاعرض عليّ. فعرض عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقبل فازدحمنا حوله، فدخل خفّ بكره في بيت جرذان، فتردّى الأعرابيّ، فانكسرت عنقه، فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «صدق والّذي بعثني بالحقّ، لقد خرج من بلاده وتلاده وماله ليهتدي بهداي ويأخذ من قولي، وما بلغني حتّى ما له طعامٌ إلّا من خضر الأرض، أسمعتم بالّذي عمل قليلًا وأجر كثيرًا هذا منهم! أسمعتم بالّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون؟ فإنّ هذا منهم» [وروى ابن مردويه من حديث محمد ابن معلّى -وكان نزل الرّيّ -حدّثنا زياد بن خيثمة عن أبي داود عن عبد اللّه بن عمر قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «من أعطي فشكر ومنع فصبر وظلم فاستغفر وظلم فغفر» وسكت، قالوا: يا رسول اللّه ما له؟ قال : {أولئك لهم الأمن وهم مهتدون}] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 294-297]

تفسير قوله تعالى: {وَتِلْكَ حُجَّتُنَا آَتَيْنَاهَا إِبْرَاهِيمَ عَلَى قَوْمِهِ نَرْفَعُ دَرَجَاتٍ مَنْ نَشَاءُ إِنَّ رَبَّكَ حَكِيمٌ عَلِيمٌ (83) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه} أي: وجّهنا حجّته على قومه.
قال مجاهدٌ وغيره: يعني بذلك قوله: {وكيف أخاف ما أشركتم ولا تخافون أنّكم أشركتم باللّه ما لم ينزل به عليكم سلطانًا فأيّ الفريقين أحقّ بالأمن [إن كنتم تعلمون]} وقد صدّقه اللّه، وحكم له بالأمن والهداية فقال: {الّذين آمنوا ولم يلبسوا إيمانهم بظلمٍ أولئك لهم الأمن وهم مهتدون} ثمّ قال بعد ذلك كلّه: {وتلك حجّتنا آتيناها إبراهيم على قومه نرفع درجاتٍ من نشاء}
قرئ بالإضافة وبلا إضافةٍ، كما في سورة يوسف، وكلاهما قريبٌ في المعنى.
وقوله: {إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} أي: حكيمٌ في أفعاله وأقواله {عليمٌ} أي: بمن يهديه ومن يضلّه، وإن قامت عليه الحجج والبراهين، كما قال: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون * ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97]؛ ولهذا قال هاهنا: {إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 297]


رد مع اقتباس