الموضوع: في
عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 22 ذو الحجة 1438هـ/13-09-2017م, 07:49 PM
جمهرة علوم اللغة جمهرة علوم اللغة غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Apr 2017
المشاركات: 2,897
افتراضي


باب الفاء المركبة
باب في
قال أحمد بن عبد النور المالقي (ت: 702هـ):(باب الفاء المركبة
اعلم أن الفاء لم تأت مركبة مع غيرها من الحروف إلا مع الياء خاصة في بابها.
[باب في]
اعلم أن «في» حرفٌ جارٌ لما بعده ومعناها الوعاء حقيقةً أو مجازًا فالحقيقة نحو: جعلت المتاع في الوعاء، ومنه قوله تعالى: {أُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ}، والمجاز كقولك: دخلتُ في الأمر وتكلمتُ في شأن حاجتك. ومنه قوله تعالى: {ادْخُلُوا فِي السِّلْمِ كَافَّةً}، وقوله تعالى: {وَلَتَنَازَعْتُمْ فِي الْأَمْرِ} فهذا حقيقةُ أمرها، ثم تجيءُ بمعنى حروفٍ أُخر، إذا حققت رجع معناها إليها، كما ذكر في غير موضع من هذا الكتاب.
فمن ذلك مجيئها بمعنى «إلى» كقولك: رددتُ يدي في في، قال الله تعالى: {فَرَدُّوا أَيْدِيَهُمْ فِي أَفْوَاهِهِمْ} أي: إلى أفواههم، لأن «رد» يتعدى بـ إلى كقوله تعالى: {إِنَّا رَادُّوهُ إِلَيْكِ}، لكن إذا تحققت هذا فالمعنى أنهم إذا ردوا أيديهم إلى أفواههم فقد أدخلوها فيها.
ومن ذلك مجيئها بمعنى «على» كقوله: علقته في جذع، أي: على جذع، ومنه قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}، وقول الشاعر:
وهم صلبوا العبدي في جذع نخلةٍ = .... .... .... ....
وقول الآخر:
بطلٌ كأن ثيابه في سرحةٍ = يُحذى نعال السبت ليس بتوأم
وقالوا: أدخلت الخاتم في إصبعي، قال بعضهم: المعنى في ذلك كله: «على» وكل هذه المواضع إذا تأولتها وجدت فيها معنى «في» الذي هو الوعاء، ألا ترى أن معنى {فِي جُذُوعِ النَّخْلِ} [الوعاء] وإن كان فيها العلو، فالجذع وعاءُ للمصلوب، لأنه لابد له من الحلول في جزءٍ منه، ولا يلزم في الوعاء أن يكون خاويًا من كل جهة، ألا ترى أن قوله تعالى: {فَامْشُوا فِي مَنَاكِبِهَا}، إنها لا تحوي الماشين، وإنما يحلون في جزءٍ منها، وكذلك في البيت بعد الآية:
وأما قوله في البيت الآخر: «في سرحةٍ» فإن السرحة موضعٌ للثياب لأن المعنى بها الجسدُ بالثياب، وإن حلت عليها، فلابد من استقرارها، ولا يلزم أيضًا الشمول كما تقدم.
وأما قولهم: «أدخلت الخاتم في إصبعي» فهو من المقلوب لأن المراد: أدخلتُ إصبعي في الخاتم، فـ «في» باقية على موضوعها من الوعاء، والقلب
في كلام العرب على معنى المجاز كثيرٌ، كقولهم في معنى ما نحن بسبيله: «أدخلت القلنسوة في رأسي»، أي: رأسي في القلنسوة، وقالوا في غيره: «كسر الزجاج الحجر»، أي: كسر الحجر الزجاج، و«خرق الثوب المسمار»، أي: خرق المسمار الثوب، وقول الشاعر:
مثل القنافذ هداجون قد بلغت = نجران أو بلغت سؤاتهم هجرُ
أي: بلغت سوءاتهم هجرًا، وهو بابٌ من أبواب المجاز.
ومن ذلك مجيئها بمعنى الباء نحو قول الشاعر:
وخضخضن فينا البحر حتى قطعنه = .... .... .... ....
وقول الآخر:
نلوذ في أم لنا ما تغتصب = .... .... .... ....
قال بعضهم: أراد الأول: خضخضن بنا البحر، والثاني: بأم لنا، وهذا أيضًا متأول بإضمارٍ بعد «في»، أي: وخضخضن في جوارنا أو في
قطعنا، ويكون تقديره في البيت الآخر: نلوذ في أمر أم لنا أو شأنٍ، فحذفها المضاف وأقاما المضاف إليه مُقامه، وتبقى «في» على بابها من الوعاء المجازي.
ومن ذلك أيضًا مجيئها بمعنى «من» كقوله
وهل يعمن من كان أحدث عهده = ثلاثين شهرًا في ثلاثة أحوال
قال بعضهم: أراد من ثلاثة أحوال، وهذا أيضًا وإن كانت فيه بمعنى «من» فإن «من» للتبعيض، وبعض الشيء داخلٌ في كله فهي بمعنى الوعاء المجازي.
ومن ذلك مجيئها بمعنى «مع» كقول الشاعر:
.... .... .... .... = من ساكن المُزن يجري في الغرانيق
قال بعضهم: أراد مع الغرانيق، وهي طير الماء، وهذا أيضًا وإن كانت فيه بمعنى «مع» فإنها راجعةٌ إلى بابها من الوعاء المجازي لأن الماء وإن كان جاريًا مع الغرانيق فهو في جملتها في الجري، وكلما يردُ عليك من وضعها مكان غيرها فإلى معناها يرجع فتأمله تجده إن شاء الله). [رصف المباني:387 - 391]


رد مع اقتباس