عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 25 ربيع الثاني 1434هـ/7-03-2013م, 11:10 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي جمهرة تفاسير السلف


جمهرة تفاسير السلف

تفسير قوله تعالى: (يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا اتَّقُوا اللَّهَ حَقَّ تُقَاتِهِ وَلَا تَمُوتُنَّ إِلَّا وَأَنْتُمْ مُسْلِمُونَ (102) )


قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (أخبرنا شعبة، عن زبيدٍ، عن مرة، قال: قال عبد الله: إذا كان العبد في صلاته فإنه يقرع باب الملك، وأنه من يدأب قرع باب الملك يوشك أن يفتح له.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله: فضل صلاة الليل على صلاة النهار كفضل صدقة السر على العلانية.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله في هذه الآية: {اتقوا الله حق تقاته}[سورة آل عمران، الآية: 102] أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.
- قال: وقال مرة: قال عبد الله في هذه الآية: {وآتى المال على حبه} [سورة البقرة: الآية: 177]. وأنت حريص شحيح، تأمل الغنى، وتخشى الفقر). [الزهد لابن المبارك: 2/ 12-14]
قال عبد الله بن المبارك بن واضح المروزي (ت: 181هـ): (- أخبرنا مسعر، قال: حدثني معن وعون، أو أحدهما، أن رجلًا أتى عبد الله ابن مسعودٍ، فقال: اعهد إلي؟ فقال: إذا سمعت الله يقول: {يا أيها الذين آمنوا} فارعها سمعك، فإنها خيرٌ يأمر به، أو شرٌّ ينهى عنه). [الزهد لابن المبارك: 2/ 18]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وأخبرنا سفيان الثّوريّ، عن زبيدٍ الإياميّ، عن مرة بن شراحيل
[الجامع في علوم القرآن: 1/121]
الهمدانيّ قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يقول: {اتقوا الله حق تقاته}، قال: فحقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى). [الجامع في علوم القرآن: 1/122]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني جرير بن حازم أن زبيد الإياميّ حدّثه عن مرّة بن شراحيل قال: قال ابن مسعودٍ: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته}، وحقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر). [الجامع في علوم القرآن: 2/85]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني بكر بن مضر قال: خرج يهودي مرة هو وابنه، فإذا بنفرٍ من الأنصار من الأوس والخزرج جلوسا، فقال أحد اليهوديين لصاحبه: ألا أتلو لك بين هؤلاء، قال: بلى، قال: فوقف عليهم
[الجامع في علوم القرآن: 2/167]
فأنشد شعرا من قول أحد الفريقين في الحرب الذي كان بينهم؛ فقال بعضهم: ونحن، والله، أيضا قلنا يوما كذا وكذا وكذا وكذا، فلم يزل ذلك حتى تواثبوا؛ فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظهم وكلمهم، ونزل القرآن: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، الآية كلها). [الجامع في علوم القرآن: 2/168]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته قال يطاع فلا يعصى ثم نسخها فاتقوا الله ما استطعتم). [تفسير عبد الرزاق: 1/128]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا الثوري عن زبيد عن مرة عن عبد الله في قوله تعالى اتقوا الله حق تقاته قال يطاع فلا يعصى ويشكر فلا يكفر ويذكر فلا ينسى). [تفسير عبد الرزاق: 1/129]
قال أبو حذيفة موسى بن مسعود النهدي (ت:220هـ): (حدّثنا أبو حذيفة ثنا سفيان [الثوري] عن زبيدٍ الإياميّ عن مرّة الهمدانيّ قال: سألت عبد اللّه في قوله جل وعز: {يا أيها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: حق تقاته أن يطاع فلا يعصى وأن يشكر فلا يكفر وأن يذكر فلا ينسى [الآية: 102]). [تفسير الثوري: 79]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبد الله بن إدريس، عن ليثٍ، عن زبيد بن الحارث، عن مرّة بن شراحيل، قال: قال عبد الله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} وحقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر، وإيتاء المال على حبّه أن تؤتيه وأنت صحيحٌ شحيحٌ تأمل العيش وتخاف الفقر، وفضل صلاة اللّيل على صلاة النّهار كفضل صدقة السّرّ على صدقة العلانية). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 170]
قال أبو بكرٍ عبدُ الله بنُ محمدٍ ابنُ أبي شيبةَ العبسيُّ (ت: 235هـ): (حدّثنا عبدة بن سليمان، عن الأعمش، عن خيثمة، قال: ما تقرؤون في القرآن: {يا أيّها الّذين آمنوا} فإنّ موضعه في التّوراة: يا أيّها المساكين). [مصنف ابن أبي شيبة: 19/ 318]
قالَ أَحْمَدُ بْنُ شُعَيْبٍ النَّسَائِيُّ (ت: 303هـ): (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته}

- أخبرنا بشر بن خالدٍ، حدّثنا غندرٌ، عن شعبة، عن سليمان، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: قال رسول الله صلّى الله عليه وسلّم: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا الله حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] لو أنّ قطرةً من الزّقّوم قطرت على الأرض لأمرّت على أهل الأرض معيشتهم، فكيف من هو طعامه أو ليس له طعامٌ غيره "). [السنن الكبرى للنسائي: 10/48]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: يا معشر من صدق اللّه ورسوله {اتّقوا اللّه} خافوا اللّه وراقبوه بطاعته، واجتناب معاصيه {حقّ تقاته} حقّ خوفه، وهو أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى. {ولا تموتنّ} أيّها المؤمنون باللّه ورسوله، {إلاّ وأنتم مسلمون} لربّكم مذعنون له بالطّاعة، مخلصون له الألوهيّة والعبادة.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا محمّد بن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا سفيان، وحدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا الثّوريّ، عن زبيدٍ، عن مرّة، عن عبد اللّه: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر
- حدّثنا ابن بشّارٍ، قال: حدّثنا عبد الرّحمن، قال: حدّثنا شعبة، عن زبيدٍ، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه مثله.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا محمّد بن جعفرٍ، قال: حدّثنا شعبة، عن زبيدٍ، عن مرّة الهمدانيّ، عن عبد اللّه مثله.
- حدّثنا أبو كريبٍ وأبو السّائب، قالا: حدّثنا ابن إدريس، قال: سمعت ليثًا، عن زبيدٍ عن مرّة بن شراحيل البكيلى، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا جريرٌ، عن زبيدٍ، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا مسعرٌ، عن زبيدٍ، عن مرّة، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: أخبرنا هشيمٌ، عن المسعوديّ، عن زبيدٍ الأياميّ، عن مرّة، عن عبد اللّه، مثله.
- حدّثنا ابن حميدٍ قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن زبيدٍ، عن مرّة، عن عبد اللّه مثله.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا يحيى عن سفيان، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن عمرو بن ميمونٍ، نحوه.
- حدّثنا ابن المثنّى، قال: حدّثنا يحيى بن سعيدٍ، قال: حدّثنا شعبة، قال: حدّثنا عمرو بن مرّة، عن الرّبيع بن خثيمٍ، قال: أن يطاع فلا يعصى، ويشكر فلا يكفر، ويذكر فلا ينسى
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا أبو داود، قال: حدّثنا شعبة، عن عمرو بن مرّة، قال: سمعت مرّة الهمدانيّ يحدّث عن الرّبيع بن خثيمٍ في قول اللّه عزّ وجلّ: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} فذكر نحوه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن طاووسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} أن يطاع فلا يعصى.
- حدّثنا محمّد بن سنانٍ، قال: حدّثنا أبو بكرٍ الحنفيّ، قال: حدّثنا عبّادٌ، عن الحسن، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: حقّ تقاته أن يطاع فلا يعصى.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: ثمّ تقدّم إليهم، يعني إلى المؤمنين من الأنصار، فقال: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} أمّا حقّ تقاته: يطاع فلا يعصى، ويذكر فلا ينسى، ويشكر فلا يكفر.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا حجّاج بن المنهال، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} أن يطاع فلا يعصى قال: {ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}
وقال آخرون: بل تأويل ذلك.كما: حدّثني به المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: حقّ تقاته أن يجاهدوا في اللّه حقّ جهاده، ولا يأخذهم في اللّه لومة لائمٍ، ويقوموا للّه بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
ثمّ اختلف أهل التّأويل في هذه الآية، هل هي منسوخةٌ أم لا؟ فقال بعضهم: هي محكمةٌ غير منسوخةٍ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ، قوله: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} إنّها لم تنسخ، ولكن حقّ تقاته أن تجاهد في اللّه حقّ جهاده ثمّ ذكر تأويله الّذي ذكرناه عنه آنفًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن قيس بن سعدٍ، عن طاووسٍ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا {" فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون}.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: قال طاووسٌ، قوله: {ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} يقول: إن لم تتّقوه فلا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون
وقال آخرون: هي منسوخةٌ، نسخها قوله: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم}.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} ثمّ أنزل التّخفيف واليسر، وعاد بعائدته ورحمته على ما يعلم من ضعف خلقه فقال: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} [التغابن] فجاءت هذه الآية فيها تخفيفٌ وعافيةٌ ويسرٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحجّاج بن المنهال الأنماطيّ، قال: حدّثنا همّامٌ، عن قتادة: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} قال: نسختها هذه الآية الّتي في التّغابن {فاتّقوا اللّه ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا} وعليها بايع رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على السّمع والطّاعة فيما استطاعوا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قال: لمّا نزلت: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} ثمّ نزل بعدها: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} فنسخت هذه الآية الّتي في آل عمران.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} فلم يطق النّاس هذا، فنسخه اللّه عنهم فقال: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم}.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} قال: جاء أمرٌ شديدٌ، قالوا: ومن يعرف قدر هذا أو يبلغه؟ فلمّا عرف أنّه قد اشتدّ ذلك عليهم، نسخها عنهم، وجاء بهذه الأخرى فقال: {فاتّقوا اللّه ما استطعتم} فنسخها.
وأمّا قوله: {ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} فإنّ تأويله.
- كما: حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن طاووسٍ: {ولا تموتنّ إلاّ وأنتم مسلمون} قال: على الإسلام وعلى حرمة الإسلام). [جامع البيان: 5/636-643]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون (102)
قوله تعالى: يا أيّها الّذين آمنوا
قد تقدّم تفسيره.
قوله تعالى: اتّقوا اللّه حق تقاته
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، ثنا عارمٌ، ثنا حمّادٌ، ثنا أيّوب، عن عكرمة، إنّ هذه الآية نزلت في الأوس والخزرج وكان بينهم قتالٌ يوم بعاثٍ قبيل مخرج النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حق تقاته.
- حدّثنا أحمد بن سنانٍ، ثنا عبد الرّحمن، عن سفيان وشعبة، عن زبيدٍ الياميّ عن مرّة ، عن عبد اللّه اتّقوا اللّه حقّ تقاته قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يذكر فلا ينسى، وأن يشكر فلا يكفر. قال: أبو محمّدٍ: وروي عن مرّة الهمدانيّ والرّبيع بن خثيمٍ، وعمرو بن ميمونٍ، والحسن، وطاوسٍ، وقتادة، وإبراهيم النّخعيّ وأبي سنان، والسّدّيّ نحو ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عبد اللّه بن أيّوب المخرّميّ، ثنا بكر بن بكّارٍ، ثنا شعبة عن عطاءٍ الواسطيّ، عن أنسٍ قال: لا يتّق اللّه العبد حقّ تقاته، حتّى يحزن من لسانه.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ في قول اللّه تعالى: اتّقوا اللّه حقّ تقاته فإنّها لم تنسخ ولكن حقّ تقاته أن يجاهد في سبيل اللّه حقّ جهاده، ولا يأخذهم في اللّه لومة لائمٍ، ويقوموا بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأبنائهم.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا يحيى بن عبد اللّه بن بكيرٍ، حدّثني عبد اللّه بن لهيعة، حدّثني عطاء بن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ في قول اللّه تعالى: اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون قال: لمّا نزلت هذه الآية اشتدّ على القوم العمل، فقاموا حتّى ورمت عراقيبهم وتقرّحت جباههم، فأنزل اللّه تخفيفاً على المسلمين: فاتّقوا اللّه ما استطعتم فنسخت الآية الأولى وروي عن زيد بن أسلم نحو هذا التّفسير
وروي عن أبي العالية وقتادة ومقاتل بن حيّان، والرّبيع بن أنسٍ، والسّدّيّ إنّها نسختها فاتّقوا اللّه ما استطعتم
قوله تعالى: ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون
- حدّثنا أبو سعيد بن يحيى بن سعيدٍ القطّان، ثنا عثمان يعني: ابن عمر، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا أيّها النّاس اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون فلو أنّ قطرةً من الزّقّوم قطرت لأفسدت على أهل الدّنيا دنياهم فكيف من ليس له طعامٌ إلا الزّقّوم.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة ثنا شبلٌ، عن قيس بن سعدٍ، عن طاوسٍ يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته وهو أن يطاع فلا يعصى، فإن لم تفعلوا ولن تستطيعوا، ف لا تموتنّ إلا وأنتم مسلمون قال: على الإسلام وعلى حرمة الإسلام). [تفسير القرآن العظيم: 2/721-723]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثنا أبو العبّاس محمّد بن يعقوب، ثنا إبراهيم بن مرزوقٍ، ثنا أبو داود، ووهب بن جريرٍ، قالا: ثنا شعبة، وأخبرنا عبد الرّحمن بن الحسن القاضي، بهمدان، ثنا إبراهيم بن الحسين، ثنا آدم بن أبي إياسٍ، ثنا شعبة، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ رضي اللّه عنهما أنّ رسول اللّه صلّى الله عليه وسلّم تلا هذه الآية {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته ولا تموتنّ إلّا وأنتم مسلمون} [آل عمران: 102] قال: «والّذي نفسي بيده لو أنّ قطرةً من الزّقّوم قطرت في بحار الأرض لفسدت» وفي حديث وهب بن جريرٍ: «لأمرّت على أهل الدّنيا معايشهم فكيف بمن تكون طعامه؟» هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/322]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (حدّثني عليّ بن حمشاذ العدل، ثنا محمّد بن سليمان بن الحارث، ثنا عبيد اللّه بن موسى، وأبو نعيمٍ قالا: ثنا مسعرٌ، عن زبيدٍ، عن مرّة بن شراحيل، عن عبد اللّه بن مسعودٍ رضي اللّه عنه، في قول اللّه عزّ وجلّ " {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102] قال: أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى «هذا حديثٌ صحيحٌ على شرط الشّيخين ولم يخرجاه» ). [المستدرك: 2/323]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {يا أيّها الّذين آمنوا اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102].
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله تعالى: {اتّقوا اللّه حقّ تقاته} [آل عمران: 102]. قال: أن يطاع فلا يعصى، وأن يشكر فلا يكفر، وأن يذكر فلا ينسى.
رواه الطّبرانيّ بإسنادين، رجال أحدهما رجال الصّحيح، والآخر ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 102.
أخرج ابن المبارك في الزهد وعبد الرزاق والفريابي، وعبد بن حميد، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في الناسخ والطبراني والحاكم وصححه، وابن مردويه عن ابن مسعود في قوله {اتقوا الله حق تقاته} قال: أن يطاع فلا
يعصى ويذكر فلا ينسى ويشكر فلا يكفر، واخرج الحكم وصححه، وابن مردويه من وجه آخر عن ابن مسعود قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {اتقوا الله حق تقاته} أن يطاع فلا يعصى ويذكر فلا ينسى.
وأخرج عبد بن حميد عن عكرمة {اتقوا الله حق تقاته} قال: أن يطاع فلا يعصى وأن يذكر فلا ينسى، قال عكرمة: قال ابن عباس: فشق ذلك على المسلمين فأنزل الله بعد ذلك (فاتقوا الله ما استطعتم) (التغابن الآية 16).
وأخرج ابن مردويه عن ابن عباس في قوله {اتقوا الله حق تقاته} أن يطاع فلا يعصى، فلم يستطيعوا قال الله (فاتقوا الله ما استطعتم).
وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: لما نزلت هذه الآية اشتد على القوم العمل فقاموا حتى ورمت عراقيبهم وتقرحت جباههم فأنزل الله تخفيفا على المسلمين (فاتقوا الله ما استطعتم) فنسخت الآية الأولى.
وأخرج ابن مردويه عن ابن مسعود {اتقوا الله حق تقاته} قال: نسختها (فاتقوا الله ما استطعتم).
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم والنحاس في ناسخه من طريق علي عن ابن عباس في قوله {اتقوا الله حق تقاته} قال: لم تنسخ ولكن {حق تقاته} أن يجاهدوا في الله حق جهاده ولا تأخذهم في الله لومة لائم ويقوموا لله بالقسط ولو على أنفسهم وآبائهم وأمهاتهم.
وأخرج ابن جرير عن الربيع بن أنس قال: لما نزلت {اتقوا الله حق تقاته} ثم نزل بعدها (فاتقوا الله ما استطعتم) نسخت هذه الآية التي في آل عمران.
وأخرج عبد الرزاق، وعبد بن حميد وأبو داود في ناسخه، وابن جرير عن قتادة في قوله {اتقوا الله حق تقاته} قال: نسختها الآية التي في التغابن (فاتقوا الله ما استطعتم واسمعوا وأطيعوا) وعليها بايع رسول الله صلى الله عليه وسلم على السمع والطاعة فيما استطاعوا، واخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن عكرمة في قوله {اتقوا الله حق تقاته} قال: نزلت هذه الآية في الأوس والخزرج وكان بينهم قتال يوم بعاث قبيل مقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم فأصلح بينهم فأنزل الله هذه الآيات.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: لا يتقي الله العبد حق تقاته حتى يخزن من لسانه.
وأخرج الطيالسي وأحمد والترمذي وصححاه والنسائي، وابن ماجة، وابن المنذر، وابن أبي حاتم، وابن حبان والطبراني والحاكم وصححه والبيهقي في البعث عن ابن عباس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون} ولو أن قطرة من الزقوم قطرت لأمرت على أهل الأرض عيشهم فكيف ممن ليس له طعام إلا الزقوم.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم، عن طاووس {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته} وهو أن يطاع فلا يعصى فإن لم تفعلوا ولم تستطيعوا {فلا تموتن إلا وأنتم مسلمون} قال: على الإسلام وعلى حرمة الإسلام.
وأخرج الخطيب عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: لا يتقي الله عبد {حق تقاته} حتى يعلم أن ما أصابه لم يكن ليخطئه وما أخطأه لم يكن ليصيبه). [الدر المنثور: 3/705-709]

تفسير قوله تعالى: (وَاعْتَصِمُوا بِحَبْلِ اللَّهِ جَمِيعًا وَلَا تَفَرَّقُوا وَاذْكُرُوا نِعْمَةَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ إِذْ كُنْتُمْ أَعْدَاءً فَأَلَّفَ بَيْنَ قُلُوبِكُمْ فَأَصْبَحْتُمْ بِنِعْمَتِهِ إِخْوَانًا وَكُنْتُمْ عَلَى شَفَا حُفْرَةٍ مِنَ النَّارِ فَأَنْقَذَكُمْ مِنْهَا كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمْ آَيَاتِهِ لَعَلَّكُمْ تَهْتَدُونَ (103) )
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (حدثني بكر بن مضر قال: خرج يهودي مرة هو وابنه، فإذا بنفرٍ من الأنصار من الأوس والخزرج جلوسا، فقال أحد اليهوديين لصاحبه: ألا أتلو لك بين هؤلاء، قال: بلى، قال: فوقف عليهم
[الجامع في علوم القرآن: 2/167]
فأنشد شعرا من قول أحد الفريقين في الحرب الذي كان بينهم؛ فقال بعضهم: ونحن، والله، أيضا قلنا يوما كذا وكذا وكذا وكذا، فلم يزل ذلك حتى تواثبوا؛ فخرج عليهم رسول الله صلى الله عليه وسلم فوعظهم وكلمهم، ونزل القرآن: {يا أيها الذين آمنوا اتقوا الله حق تقاته ولا تموتن إلا وأنتم مسلمون (102) واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، الآية كلها). [الجامع في علوم القرآن: 2/168] (م)
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن قتادة في قوله تعالى واعتصموا بحبل الله قال بعهد الله وبأمره). [تفسير عبد الرزاق: 1/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن أيوب عن عكرمة قال لقي النبي ستة نفر من الأنصار فآمنوا به وصدقوه وأراد أن يذهب معهم فقالوا يا رسول الله إن بين قومنا حربا وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد فواعدوه من العام المقبل وقالوا نذهب يا رسول الله لعل الله يصلح تلك الحرب قال ففعلوا فأصلح الله تلك الحرب وكانوا يرون أنها لا تصلح أبدا وهو يوم بعاث فلقوه من العام المقبل سبعين رجلا قد آمنوا به فأخذ منهم النقباء اثني عشر رجلا فذلك حين يقول الله عز و جل واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم). [تفسير عبد الرزاق: 1/129]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (أنا معمر عن حرام بن عثمان عن ابن جابر عن جابر بن عبد الله قال النقباء كلهم من الأنصار سعد بن عبادة والمنذر بن عمرو وهو
[تفسير عبد الرزاق: 1/129]
من بني ساعدة وسعد بن خيمثة من بني عمرو بن عوف وسعد بن ربيع وأسعد ابن زرارة من بني النجار وأسيد بن حضير من بني عبد الأشهل وعبادة بت الصامت وعبد الله بن رواحة وأبو الهيثم بن التيهان وعبد الله بن عمرو أبو جابر بن عبد الله من بني سلمة والبراء بن معرور من بني سلمة ورافع بن ملك الزرقي). [تفسير عبد الرزاق: 1/130]
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {واعتصموا بحبل الله جميعًا ولا تفرّقوا} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن جامع بن أبي راشدٍ، عن أبي وائل، عن عبد اللّه - في قوله: {واعتصموا بحبل الله جميعًا} -، قال: حبل الله: القرآن.
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا هشيمٌ، قال: نا العوّام، عن الشّعبي، عن ابن مسعودٍ قال: حبل اللّه: هو الجماعة). ). [سنن سعيد بن منصور: 3/1083-1084]
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : ( {شفا حفرةٍ} [آل عمران: 103] : مثل شفا الرّكيّة، وهو حرفها). [صحيح البخاري: 6/33]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (والجرف الّذي أضيف إليه شفا في الآية الأخرى غير شفا هنا وقد قال أبو عبيدة في قوله تعالى شفا حفرةٍ شفا جرفٍ وهو يقتضي التّسوية بينهما في الإضافة وإلّا فمدلول جرفٍ غير مدلول حفرةٍ فإنّ لفظ شفا يضاف إلى أعلى الشّيء ومنه قوله شفا جرفٍ وإلى أسفل الشّيء ومنه شفا حفرةٍ ويطلق شفا أيضًا على القليل تقول ما بقي منه شيءٌ غير شفا أي غير قليلٍ ويستعمل في القرب ومنه أشفى على كذا أي قرب منه). [فتح الباري: 8/208]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (شفا حفرةٍ مثل شفا الرّكيّة وهو حرفها
أشار به إلى ما في قوله تعالى: {وكنتم على شفا حفرة من النّار فأنقذكم منها} (آل عمران: 103) . قال الزّمخشريّ: معناه. وكنتم مشفين على أن تقعوا في نار جهنّم لما كنتم عليه من الكفر فأنقذكم منها بالإسلام قوله: (مثل شفا الرّكية) بفتح الرّاء وكسر الكاف وتشديد الياء آخر الحروف. وهي البئر، والشفا، بفتح الشين المعجمة وتخفيف الفاء الحرف وهو معنى قوله: (وهو حرفها) ، بفتح الحاء المهملة وسكون الرّاء، وهكذا رواية الأكثرين، وفي رواية النّسفيّ بضم الجيم والرّاء). [عمدة القاري: 18/136]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله تعالى: {وكنتم على} ({شفا حفرة}) {من النار} [آل عمران: 103] هو (مثل شفا الركية) بفتح الراء وكسر الكاف وتشديد التحتية آخره هاء أي البئر (وهو حرفها) وشفا بفتح الشين مقصورًا وهو من ذوات الواو يثنى بالواو نحو شفوان ويكتب بالألف ويجمع على إشفاء، والمعنى كنتم مشفين على الوقوع في نار جهنم لكفركم فأنقذكم الله تعالى منها بالإسلام). [إرشاد الساري: 7/49]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون}
يعني بذلك جلّ ثناؤه: وتعلّقوا بأسباب اللّه جميعًا. يريد بذلك تعالى ذكره: وتمسّكوا بدين اللّه الّذي أمركم به، وعهده الّذي عهده إليكم في كتابه إليكم من الألفة والاجتماع على كلمة الحقّ والتّسليم لأمر اللّه.
وقد دلّلنا فيما مضى قبل على معنى الاعتصام وأمّا الحبل، فإنّه السّبب الّذي يوصل به إلى البغية والحاجة، ولذلك سمّي الأمان حبلاً، لأنّه سببٌ يوصل به إلى زوال الخوف والنّجاة من الجزع والذّعر، ومنه قول أعشى بني ثعلبة:
وإذا تجوّزها حبال قبيلةٍ = أخذت من الأخرى إليك حبالها
ومنه قول اللّه عزّ وجلّ: {إلاّ بحبلٍ من اللّه وحبلٍ من النّاس}.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يعقوب بن إبراهيم، قال: حدّثنا هشيمٌ، قال: أخبرنا العوّام، عن الشّعبيّ، عن عبد اللّه بن مسعودٍ، أنّه قال في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: الجماعة.
- حدّثنا المثنّى، قال: حدّثنا عمرو بن عونٍ، قال: حدّثنا هشيمٌ، عن العوّام، عن الشّعبيّ عن عبد اللّه في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: حبل اللّه: الجماعة.
وقال آخرون: عنى بذلك القرآن، والعهد الّذي عهد فيه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} حبل اللّه المتين الّذي أمر أن يعتصم به: هذا القرآن.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن قتادة في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: بعهد اللّه وأمره.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن منصورٍ، عن شقيقٍ، عن عبد اللّه، قال: إنّ الصّراط محتضرٌ تحضره الشّياطين، ينادون: يا عبد اللّه هلمّ هذا الطّريق ليصدّوا عن سبيل اللّه، فاعتصموا بحبل اللّه، فإنّ حبل اللّه هو كتاب اللّه.
- حدّثنا محمّدٌ، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، عن أسباطٍ، عن السّدّيّ: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} أمّا حبل اللّه: فكتاب اللّه.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {بحبل اللّه} بعهد اللّه.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ: {بحبل اللّه} قال: العهد.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا وكيعٌ، عن الأعمش، عن أبي وائلٍ، عن عبد اللّه: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: حبل اللّه القرآن.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا أبو زهيرٍ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: القرآن.
- حدّثنا سعيد بن يحيى، قال: حدّثنا أسباط بن محمّدٍ، عن عبد الملك بن أبي سليمان العرزميّ، عن عطيه عن أبي سعيدٍ الخدريّ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: كتاب اللّه، هو حبل اللّه الممدود من السّماء إلى الأرض
وقال آخرون: بل ذلك هو إخلاص التّوحيد للّه.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية، في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} يقول: اعتصموا بالإخلاص للّه وحده.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} قال: الحبل: الإسلام، وقرأ {ولا تفرّقوا}). [جامع البيان: 5/643-646]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولا تفرّقوا}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: {ولا تفرّقوا} ولا تتفرّقوا عن دين اللّه وعهده الّذي عهد إليكم في كتابه من الائتلاف والاجتماع على طاعته وطاعة رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم والانتهاء إلى أمره.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة: {ولا تفرّقوا واذكروا نعمة اللّه عليكم} أنّ اللّه عزّ وجلّ قد كره لكم الفرقة وقدّم إليكم فيها، وحذّركموها، ونهاكم عنها، ورضي لكم السّمع والطّاعة والألفة والجماعة، فارضوا لأنفسكم ما رضي اللّه لكم إن استطعتم، ولا قوّة إلاّ باللّه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية: {ولا تفرّقوا} لا تعادوا عليه، يقول: على الإخلاص للّه، وكونوا عليه إخوانًا.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ أنّ الأوزاعيّ، حدّثه أنّ يزيد الرّقاشيّ حدّثه أنّه، سمع أنس بن مالكٍ، قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: إنّ بني إسرائيل افترقت على إحدى وسبعين فرقةً، وإنّ أمّتي ستفترق على اثنين وسبعين فرقةً كلّهم في النّار إلاّ واحدةً، قال: فقيل: يا رسول اللّه، وما هذه الواحدة؟ قال: فقبض يده وقال: الجماعة {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرّقوا}.
- حدّثني عبد الكريم بن أبي عميرٍ، قال: حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، قال: سمعت الأوزاعيّ يحدّث عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، نحوه.
- حدّثنا أبو كريبٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن ابن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن ثابت بن قطبة المزّنيّ، عن عبد اللّه، أنّه قال: يا أيّها النّاس عليكم بالطّاعة والجماعة فإنّهما حبل اللّه الّذي أمر به، وإنّ ما تكرهون في الجماعة والطّاعة هو خيرٌ ممّا تستحبّون في الفرقة
- حدّثنا عبد الحميد بن بيانٍ السّكّريّ، قال: أخبرنا محمّد بن يزيد، عن إسماعيل بن أبي خالدٍ، عن الشّعبيّ، عن ثابت بن قطبة، قال: سمعت ابن مسعودٍ وهو يخطب، وهو يقول: يا أيّها النّاس، ثمّ ذكر نحوه.
- حدّثنا إسماعيل بن حفصٍ الآمليّ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن نميرٍ أبو هشامٍ، قال: حدّثنا مجالد بن سعيدٍ، عن عامرٍ، عن ثابت بن قطبة المزّنيّ، قال: قال عبد اللّه: عليكم بالطّاعة والجماعة، فإنّها حبل اللّه الّذي أمر به ثمّ ذكر نحوه). [جامع البيان: 5/647-649]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا}
يعني بقوله جلّ ثناؤه: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} واذكروا ما أنعم اللّه به عليكم من الألفة والاجتماع على الإسلام.
واختلف أهل العربيّة في قوله: {إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم} فقال بعض نحويّي البصرة في ذلك: انقطع الكلام عند قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم}، ثمّ فسّر بقوله: {فألّف بين قلوبكم} وأخبر بالّذي كانوا فيه قبل التّأليف، كما تقول: أمسك الحائط أن يميل.
وقال بعض نحويّي الكوفة: قوله {إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم} تابع قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} غير منقطعةٍ منها.
والصّواب من القول في ذلك عندي أنّ قوله: {إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم} متّصلٌ بقوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم} غير منقطعٍ عنه.
وتأويل ذلك: واذكروا أيّها المؤمنون نعمة اللّه عليكم الّتي أنعم بها عليكم حين كنتم أعداءً: أي بشرككم، بقتل بعضكم بعضًا، عصبيّةً في غير طاعة اللّه ولا طاعة رسوله، فألّف اللّه بالإسلام بين قلوبكم، فجعل بعضكم لبعضٍ إخوانًا بعد إذ كنتم أعداءً تتواصلون بألفة الإسلام واجتماع كلمتكم عليه.
- كما: حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم} كنتم تذابحون فيها، يأكل شديدكم ضعيفكم حتّى جاء اللّه بالإسلام، فآخى به بينكم، وألّف به بينكم، أما واللّه الّذي لا إله إلاّ هو، إنّ الألفة لرحمةٌ، وإنّ الفرقة لعذابٌ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا ابن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، في قوله: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً} يقتل بعضكم بعضًا، ويأكل شديدكم ضعيفكم حتّى جاء اللّه بالإسلام، فألّف به بينكم، وجمع جمعكم عليه، وجعلكم عليه إخوانًا.
فالنّعمة الّتي أنعم اللّه على الأنصار الّتي أمرهم تعالى ذكره في هذه الآية أن يذكروها هي ألفة الإسلام واجتماع كلمتهم عليها، والعداوة الّتي كانت بينهم، الّتي قال اللّه عزّ وجلّ: {إذ كنتم أعداءً} فإنّها عداوة الحروب الّتي كانت بين الحيّين من الأوس والخزرج في الجاهليّة قبل الإسلام، يزعم العلماء بأيّام العرب، أنّها تطاولت بينهم عشرين ومائة سنةٍ.
- كما: حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنةٍ، حتّى قام الإسلام وهم على ذلك، فكانت حربهم بينهم وهم أخوانٌ لأبٍ وأمٍّ، فلم يسمع بقومٍ كان بينهم من العداوة والحرب ما كان بينهم، ثمّ إنّ اللّه عزّ وجلّ أطفأ ذلك بالإسلام، وألّف بينهم برسوله محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم.
فذكّرهم جلّ ثناؤه إذ وعظهم عظيم ما كانوا فيه في جاهليّتهم من البلاء والشّقاء بمعاداة بعضهم بعضًا وقتل بعضهم بعضًا، وخوف بعضهم من بعضٍ، وما صاروا إليه بالإسلام واتّباع الرّسول صلّى اللّه عليه وسلّم والإيمان به، وبما جاء به من الائتلاف والاجتماع، وأمن بعضهم من بعضٍ، ومصير بعضهم لبعضٍ إخوانًا.
- وكان سبب ذلك.ما حدّثنا به ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثني ابن إسحاق، قال: حدّثنا عاصم بن عمر بن قتادة المدنيّ، عن أشياخٍ، من قومه، قالوا: قدم سويد بن صامتٍ أخو بني عمرو بن عوفٍ مكّة حاجًّا أو معتمرًا. قال: وكان سويدٌ إنّما يسمّيه قومه فيهم الكامل لجلده وشعره ونسبه وشرفه، قال: فتصدّى له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حين سمع به، فدعاه إلى اللّه عزّ وجلّ وإلى الإسلام، قال: فقال له سويدٌ: فلعلّ الّذي معك مثل الّذي معي، قال: فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: وما الّذي معك؟ قال مجلّة لقمان يعني حكمة لقمان فقال له رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: اعرضها عليّ فعرضها عليه، فقال: إنّ هذا الكلام حسنٌ، معي أفضل من هذا قرآنٌ أنزله اللّه عليّ هدًى ونورٌ، قال: فتلا عليه رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم القرآن ودعاه إلى الإسلام، فلم يبعد منه، وقال: إنّ هذا القول حسنٌ ثمّ انصرف عنه، وقدم المدينة، فلم يلبث أن قتلته الخزرج، فإن كان قومه ليقولون: قد قتل وهو مسلمٌ، وكان قتله قبل يوم بعاثٍ.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن محمّد بن إسحاق، قال: حدّثني الحصين بن عبد الرّحمن بن عمرو بن سعد بن معاذٍ أحد بني عبد الأشهل أنّ محمود بن لبيدٍ أحد بني عبد الأشهل، قال: لمّا قدم أبو الحيسر أنس بن رافعٍ مكّة، ومعه فتيةٌ من بني عبد الأشهل فيهم إياس بن معاذٍ، يلتمسون الحلف من قريشٍ على قومٍ من الخزرج، سمع بهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فأتاهم فجلس إليهم، فقال: هل لكم إلى خيرٍ ممّا جئتم له؟ قالوا: وما ذاك؟ قال: أنا رسول اللّه بعثني إلى العباد أدعوهم إلى اللّه أن يعبدوا اللّه ولا يشركوا به شيئًا، وأنزل عليّ الكتاب، ثمّ ذكر لهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، فقال إياس بن معاذٍ، وكان غلامًا حدثًا: أي قوم، هذا واللّه خيرٌ ممّا جئتم له، قال: فأخذ أبو الحيسر أنس بن رافعٍ حفنةً من البطحاء فضرب بها وجه إياس بن معاذٍ، وقال: دعنا منك، فلعمري لقد جئنا لغير هذا، قال: فصمت إياس بن معاذٍ، وقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عنهم، وانصرفوا إلى المدينة، وكانت وقعة بعاثٍ بين الأوس والخزرج، قال: ثمّ لم يلبث إياس بن معاذٍ أن هلك قال: فلمّا أراد اللّه إظهار دينه، وإعزاز نبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم، وإنجاز موعده له، خرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الموسم الّذي لقي فيه النّفر من الأنصار فعرض نفسه على قبائل العرب كما كان يصنع في كلّ موسمٍ، فبينا هو عند العقبة، إذ لقي رهطًا من الخزرج أراد اللّه لهم خيرًا، قال ابن حميدٍ: قال سلمة: قال محمّد بن إسحاق: فحدّثني عمر بن قتادة عن أشياء من قومه، قالوا: لمّا لقيهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال لهم: من أنتم؟ قالوا: نفرٌ من الخزرج، قال: وأمن موالي يهود؟ قالوا: نعم، قال: أفلا تجلسون حتّى أكلّمكم؟ قالوا: بلى، قال: فجلسوا معه، فدعاهم إلى اللّه وعرض عليهم الإسلام، وتلا عليهم القرآن، قال: وكان ممّا صنع اللّه لهم به في الإسلام أن يهود كانوا معهم ببلادهم، وكانوا أهل كتابٍ وعلمٍ، وكانوا أهل شركٍ أصحاب أوثانٍ، وكانوا قد عزوهم ببلادهم، فكانوا إذا كان بينهم شيءٌ، قالوا لهم: إنّ نبيًّا الآن مبعوثٌ قد أظلّ زمانه نتّبعه ونقتلكم معه قتل عاد وإرمٍ، فلمّا كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أولئك النّفر، ودعاهم إلى اللّه عزّ وجلّ، قال بعضهم لبعضٍ: يا قوم تعلمون واللّه إنّه للنّبيّ الّذي توعدكم به يهود، فلا يسبقنّكم إليه، فأجابوه فيما دعاهم إليه بأن صدّقوه، وقبلوا منه ما عرض عليهم من الإسلام، وقالوا له: إنّا قد تركنا قومنا، ولا قوم بينهم من العداوة والشّرّ ما بينهم، وعسى أن يجمعهم اللّه بك، وسنقدم عليهم، فندعوهم إلى أمرك، ونعرض عليهم الّذي أجبناك إليه من هذا الدّين، فإن يجمعهم اللّه عليه، فلا رجل أعزّ منك ثمّ انصرفوا عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، راجعين إلى بلادهم، قد آمنوا وصدّقوا، وهم فيما ذكر لي ستّة نفرٍ، قال: فلمّا قدموا المدينة على قومهم، ذكروا لهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، ودعوهم إلى الإسلام، حتّى فشا فيهم، فلم يبق دارٌ من دور الأنصار إلاّ وفيها ذكرٌ من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم حتّى إذا كان العام المقبل، وافى الموسم من الأنصار اثنا عشر رجلاً، فلقوه بالعقبة، وهي العقبة الأولى، فبايعوا رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على بيعة النّساء، وذلك قبل أن تفترض عليهم الحرب.
- حدّثنا الحسن بن يحيى، قال: أخبرنا عبد الرّزّاق، قال: أخبرنا معمرٌ، عن أيّوب، عن عكرمة، أنّه لقي النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ستّة نفرٍ من الأنصار، فآمنوا به وصدّقوه، فأراد أن يذهب معهم، فقالوا: يا رسول اللّه، إنّ بين قومنا حربًا، وإنّا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيّأ الّذي تريد، فوعدوه العام المقبل، وقالوا: يا رسول اللّه نذهب، فلعلّ اللّه أن يصلح تلك الحرب، قال: فذهبوا ففعلوا، فأصلح اللّه عزّ وجلّ تلك الحرب، وكانوا يرون أنّها لا تصلح؛ وهو يوم بعاثٍ فلقوه من العام المقبل سبعون رجلاً قد آمنوا، فأخذ عليهم النّقباء اثني عشر رجلا نقيبًا، فذلك حين يقول: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم}.
- حدّثني محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: أمّا: {إذ كنتم أعداءً} ففي حربٍ سمير {فألّف بين قلوبكم} بالإسلام.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثنا أبو سفيان، عن معمرٍ، عن أيّوب، عن عكرمة، بنحوه، وزاد فيه: فلمّا كان من أمر عائشة ما كان، فتثاور الحيّان، فقال بعضهم لبعضٍ: موعدكم الحرّة فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية: {واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا} الآية، فأتاهم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فلم يزل يتلوها عليهم حتّى اعتنق بعضهم بعضًا، وحتّى إنّ لهم لخنينًا، يعني البكاء وسميرٌ الّذي زعم السّدّيّ أنّ قوله {إذ كنتم أعداءً} عنى به حربه، هو سمير بن زيد بن مالكٍ أحد بني عمرو بن عوفٍ الّذي ذكره مالك بن العجلان في قوله:
إنّ سميرًا أرى عشيرته = قد حدبوا دونه وقد أنفوا.
إن يكن الظّنّ صادقي ببني النّ جّار لم يطعموا الّذي علفوا
وقد ذكر علماء الأنصار أنّ مبدأ العداوة الّتي هيّجت الحروب الّتي كانت بين قبيلتيها الأوس والخزرج وأوّلها كان بسبب قتل مولًى لمالك بن العجلان الخزرجيّ، يقال له: الحرّ بن سميرٍ، من مزينة، وكان حليفًا لمالك بن العجلان، ثمّ اتّصلت تلك العداوة بينهم إلى أن أطفأها اللّه بنبيّه محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، فذلك معنى قول السّدّيّ: حرب بن سميرٍ.
وأمّا قوله: {فأصبحتم بنعمته إخوانًا} فإنّه يعني: فأصبحتم بتأليف اللّه عزّ وجلّ بينكم بالإسلام وكلمة الحقّ والتّعاون على نصرة أهل الإيمان، والتّآزر على من خالفكم من أهل الكفر إخوانًا متصادقين لا ضغائن بينكم، ولا تحاسد.
- كما: حدّثني بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأصبحتم بنعمته إخوانًا}، وذكر لنا أنّ رجلاً، قال لابن مسعودٍ: كيف أصبحتم؟ قال: أصبحنا بنعمة اللّه إخوانًا). [جامع البيان: 5/649-657]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها}
يعني بقوله جلّ ثناؤه {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار} وكنتم يا معشر المؤمنين من الأوس والخزرج على حرف حفرةٍ من النّار، وإنّما ذلك مثل لكفرهم الّذي كانوا عليه قبل أن يهديهم اللّه للإسلام، يقول تعالى ذكره: وكنتم على طرفٍ جهنّم بكفركم الّذي كنتم عليه، قبل أن ينعم اللّه عليكم بالإسلام، فتصيروا بائتلافكم عليه إخوانًا، ليس بينكم وبين الوقوع فيها إلاّ أن تموتوا على ذلك من كفركم، فتكونوا من الخالدين فيها، فأنقذكم اللّه منها بالإيمان الّذي هداكم له،
وشفا الحفرة: طرفها وحرفها مثل شفا الرّكيّة والبئر، ومنه قول الرّاجز:
نحن حفرنا للحجيج سجلة = نابتةً فوق شفاها بقلة
يعني فوق حرفها، يقال: هذا شفا هذه الرّكيّة مقصورٌ، وهما شفواها.
وقال: {فأنقذكم منها} يعني فأنقذكم من الحفرة، فردّ الخبر إلى الحفرة، وقد ابتدأ الخبر عن الشّفا، لأنّ الشّفا من الحفرة، فجاز ذلك، إذ كان الخبر عن الشّفا على السّبيل الّتي ذكرها في هذه الآية خبرًا عن الحفرة، كما قال جرير بن عطيّة:
رأت مرّ السّنين أخذن منّي = كما أخذ السّرار من الهلال
فذكر مرّ السّنين، ثمّ رجع إلى الخبر عن السّنين. وكما قال العجّاج:
طول اللّيالي أسرعت في نقضي = طوين طولي وطوين عرضي
وقد بيّنت العلّة الّتي من أجلها قيل ذلك كذلك فيما مضى قبل.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك من التّأويل، قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته} كان هذا الحيّ من العرب أذلّ النّاس ذلًّا، وأشقاه عيشًا، وأبينه ضلالةً، وأعراه جلودًا، وأجوعه بطونًا، مكعومين على رأس حجرٍ بين الأسدين: فارس، والرّوم، لا واللّه ما في بلادهم يومئذٍ من شيءٍ يحسدون عليه، من عاش منهم عاش شقيًّا ومن مات ردّي في النّار، يؤكلون ولا يأكلون، واللّه ما نعلم قبيلاً يومئذٍ من حاضر الأرض، كانوا فيها أصغر حظًّا وأدقّ فيها شأنًا منهم، حتّى جاء اللّه عزّ وجلّ بالإسلام فورّثكم به الكتاب، وأحلّ لكم به دار الجهاد، ووضع لكم به من الرّزق، وجعلكم به ملوكًا على رقاب النّاس، وبالإسلام أعطى اللّه ما رأيتم، فاشكروا نعمه، فإنّ ربّكم منعمٌ يحبّ الشّاكرين، وإنّ أهل الشّكر في مزيد اللّه، فتعالى ربّنا وتبارك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا إسحاق، قال: حدّثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع بن أنسٍ، قوله: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار} يقول: كنتم على الكفر باللّه، {فأنقذكم منها} من ذلك، وهداكم إلى الإسلام.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها} بمحمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: كنتم على طرف النّار من مات منكم أوبق في النّار، فبعث اللّه محمّدًا صلّى اللّه عليه وسلّم، فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
- حدّثنا محمّد بن الحسين، قال: حدّثنا أحمد بن المفضّل، قال: حدّثنا حسن بن حيٍّ: {وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها} قال: عصبيّةٌ). [جامع البيان: 5/657-660]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون}
يعني جلّ ثناؤه بقوله: كذلك كما بيّن لكم ربّكم في هذه الآيات أيّها المؤمنون من الأوس والخزرج، من غلّ اليهود، الّذي يضمرونه لكم، وغشّهم لكم، وأمره إيّاكم بما أمركم به فيها، ونهيه لكم عمّا نهاكم عنه، والحالّ الّتي كنتم عليها في جاهليّتكم، والّتي صرتم إليها في إسلامكم، يعرّفكم في كلّ ذلك مواقع نعمه قبلكم، وصنائعه لديكم، فكذلك يبيّن سائر حججه لكم في تنزيله، وعلى لسان رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم. {لعلّكم تهتدون} يعني: لتهتدوا إلى سبيل الرّشاد، وتسلكوها فلا تضلّوا عنها). [جامع البيان: 5/660]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (واعتصموا بحبل اللّه جميعًا ولا تفرّقوا واذكروا نعمة اللّه عليكم إذ كنتم أعداءً فألّف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانًا وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها كذلك يبيّن اللّه لكم آياته لعلّكم تهتدون (103)
قوله تعالى: واعتصموا بحبل الله جميعا
[الوجه الأول]
- حدّثنا الحسن بن عرفة، ثنا يحيى بن اليمان، عن حمزة الزّيّات، عن سعدٍ الطّائيّ، عن ابن أخي الحارث الأعور، عن الحارث، عن عليٍّ قال: سمعت رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقول: كتاب اللّه: هو حبل اللّه المتين
الوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن الأوزاعيّ، عن يزيد الرّقاشيّ، عن أنس بن مالكٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم:
افترقت بنوا إسرائيل على إحدى وسبعين فرقةً، وإنّ أمّتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقةً كلّهم في النّار إلا واحدةً قالوا: يا رسول اللّه: ومن هذه الواحدة؟ قال:
الجماعة. قال: فقبض يده ثمّ قال: واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا
- حدّثنا عليّ بن إبراهيم الواسطيّ، ثنا يزيد بن هارون، عن إسماعيل، عن الشّعبيّ، عن ثابت بن (قطبة) قال: سمعت عبد اللّه بن مسعودٍ يخطب وهو يقول يا أيّها النّاس عليكم بالطّاعة والجماعة، فإنّهما حبل اللّه الذي أمر به.
الوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا أبو سلمة، ثنا مباركٌ يعني ابن فضالة، عن الحسن في قول اللّه عزّ وجلّ واعتصموا بحبل اللّه جميعاً قال: بطاعته.
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه عن أبي العالية في قوله: واعتصموا بحبل اللّه جميعاً يقول: اعتصموا بالإخلاص للّه وحده.
والوجه الخامس:
- حدّثنا الحسن بن أبي الرّبيع، أنبأ عبد الرّزّاق ، عن معمرٍ، عن قتادة واعتصموا بحبل اللّه جميعاً قال: بعهد اللّه وبأمره.
قوله تعالى: ولا تفرّقوا
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عليٍّ الصّيرفيّ، حدّثني عبد ربّه بن بارقٍ الحنفيّ وأثنى عليه خيراً، حدّثني سماك بن الوليد الحنفيّ أنّه لقي ابن عبّاسٍ بالمدينة فقال:
ما يقول في سلطانٍ علينا يظلمونا ويشتمونا ويعتدون علينا في صدقاتنا ألا نمنعهم؟
قال: لا، أعطهم يا حنفيّ، فإنّ أباك أهذب الشّفتين منتفش المنخرين، يعني: زنجي، وأعطه صدقتك، فلنعم القلوص قلوصٌ يؤمر الرّجل بين عرسه ووطبه، يعني زوجته وقربة اللّبن، ثمّ أخذ ذراعيّ فغمزها وقال: يا حنفيّ: الجماعة، الجماعة، إنّما هلكت الأمم الخالية بتفرّقها، أما سمعت قول اللّه عزّ وجلّ: واعتصموا بحبل اللّه جميعاً ولا تفرّقوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية في قول اللّه تعالى: ولا تفرّقوا يقول: لا تعادوا عليه يقول: على الإخلاص، وكونوا عليه إخواناً.
قوله تعالى: واذكروا نعمت اللّه عليكم
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: نعمت الله يقول: عافية الله.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ في قوله: واذكروا نعمت اللّه عليكم قال: النّعم آلاء اللّه.
قوله تعالى: إذ كنتم أعداء
[الوجه الأول]
- قرأت على محمّد بن الفضل بن موسى، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن أنبأ محمّد بن مزاحمٍ عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء في الجاهليّة.
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع قوله: إذ كنتم أعداءً يقتل بعضكم بعضاً، ويأكل شديدكم ضعيفكم حتّى جاء اللّه بالإسلام فألّف به بينكم.
الوجه الثّاني:
- أخبرنا عليّ بن المبارك فيما كتب إليّ، ثنا زيد بن المبارك، ثنا ابن ثورٍ، عن ابن جريح إذ كنتم أعداءً قال: ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة رضي اللّه عنها.
قوله تعالى: فألّف بين قلوبكم
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ الأوديّ، ثنا أحمد بن المفضّل، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ قوله: واذكروا نعمت الله عليكم إذ كنتم أعداء فألّف بين قلوبكم بالإسلام. وروي عن مجاهدٍ ومقاتل بن حيّان والرّبيع بن أنسٍ نحو ذلك.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو معمرٍ عبد الله بن عمرو بن أبي الحجّاج المنقريّ، ثنا عبد الوارث، ثنا عليّ بن زيدٍ، عن أنس بن مالكٍ قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: يا معشر الأنصار بم تمنّون عليّ؟ أليس جئتكم ضلال فهداكم اللّه بي؟
وجئتكم أعداءً فألّف اللّه بين قلوبكم؟ قالوا: بلى يا رسول اللّه.
قوله تعالى: فأصبحتم بنعمته إخواناً
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليّ بن الحسن ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان فأصبحتم بنعمته برحمته يعني: الإسلام إخواناً، والمؤمنون إخوةٌ.
قوله تعالى: وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار
- حدّثنا أحمد بن عثمان بن حكيمٍ، ثنا أحمد بن مفضّلٍ، ثنا أسباطٌ عن السّدّيّ قوله: وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم يقول: كنتم على طرف النّار، من مات منكم وقع في النّار.
قوله تعالى: فأنقذكم منها
- وبه عن السّدّيّ فأنقذكم منها قال: فبعث اللّه محمّداً صلّى اللّه عليه وسلّم، فأستنقذكم به من تلك الحفرة.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ، عن مقاتل بن حيّان قوله: وكنتم على شفا حفرةٍ من النّار فأنقذكم منها قال: أنقذكم اللّه من الشّرك إلى الإيمان.
قوله تعالى: كذلك يبيّن اللّه لكم آياته
- حدّثنا أبو بكر بن أبي موسى، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، ثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: كذلك يعني هكذا
- حدّثنا أبو زرعة ثنا، يحيى بن بكيرٍ، حدّثني ابن لهيعة، حدّثني عطاء ابن دينارٍ، عن سعيد بن جبيرٍ قول اللّه تعالى: لكم آياته يعني ما بيّن في هذه الآية.
قوله تعالى: لعلّكم تهتدون
- حدّثنا موسى بن أبي موسى الأنصاريّ، ثنا هارون بن حاتمٍ، ثنا عبد الرّحمن بن أبي حمّادٍ، عن أسباطٍ عن السّدّيّ، عن أبي مالكٍ قوله: لعلّ أي:
كي). [تفسير القرآن العظيم: 2/723-726]
قال عليُّ بنُ أبي بكرٍ بن سُليمَان الهَيْثَميُّ (ت: 807هـ) : (قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} [آل عمران: 103].
- عن عبد اللّه بن مسعودٍ في قوله تعالى: {واعتصموا بحبل اللّه جميعًا} [آل عمران: 103] قال: القرآن.
- وفي روايةٍ: قال: حبل اللّه: الجماعة. ورجال الأوّل رجال الصّحيح، والثّاني منقطع الإسناد.
- وعن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: إنّ هذا الصّراط محتضرٌ تحضره الشّياطين، يقولون: يا عباد اللّه، هذا الطّريق واعتصموا بحبل اللّه، قال الصّراط المستقيم كتاب اللّه.
رواه الطّبرانيّ عن شيخه عبد اللّه بن محمّد بن سعيد بن أبي مريم وهو ضعيفٌ). [مجمع الزوائد: 6/326]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآية 103.
أخرج سعيد بن منصور، وابن أبي شيبة، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني بسند صحيح عن ابن مسعود في قول الله {واعتصموا بحبل الله} قال: حبل الله القرآن.
وأخرج الفريابي، وعبد بن حميد، وابن الضريس، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف والطبراني، وابن مردويه والبيهقي في الشعب عن ابن مسعود قال: إن هذا الصراط محتضر تحضره الشياطين ينادون يا عبد الله هلم هذا هو الطريق ليصدوا عن سبيل الله فاعتصموا بحبل الله فإن حبل الله القرآن.
وأخرج ابن أبي شيبة، وابن جرير عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: كتاب الله هو حبل الله الممدود من السماء إلى الأرض.
وأخرج ابن أبي شيبة عن أبي شريح الخزاعي قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إن هذا القرآن سبب، طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به فإنكم لن تضلوا بعده أبدا.
وأخرج ابن أبي شيبة والطبراني عن زيد بن أرقم قال: خطبنا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال: إني تارك فيكم كتاب الله هو حبل الله من اتبعه كان على الهدى ومن تركه كان على الضلالة.
وأخرج أحمد عن زيد بن ثابت قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني تارك فيكم خليفتين: كتاب الله عز وجل حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
وأخرج الطبراني عن زيد بن أرقم قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: إني لكم فرط وإنكم واردون علي الحوض فانظروا كيف تخلفوني في الثقلين قيل: وما الثقلان يا رسول الله قال: الأكبر كتاب الله عز وجل، سبب طرفه بيد الله وطرفه بأيديكم فتمسكوا به لن تزالوا ولا تضلوا والأصغر عترتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض وسألت لهما ذاك ربي فلا تقدموهما لتهلكوا ولا تعلموهما فإنهما أعلم منكم.
وأخرج ابن سعد وأحمد والطبراني عن أبي سعيد الخدري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: أيها الناس إني تارك فيكم ما إن أخذتم به لن تضلوا بعدي أمرين أحدهما أكبر من الآخر كتاب الله حبل ممدود ما بين السماء والأرض وعترتي أهل بيتي وإنهما لن يتفرقا حتى يردا علي الحوض.
وأخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر والطبراني من طريق الشعبي عن ابن مسعود {واعتصموا بحبل الله جميعا} قال: حبل الله الجماعة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق الشعبي عن ثابت بن فطنة المزني قال: سمعت ابن مسعود يخطب وهو يقول: أيها الناس عليكم بالطاعة والجماعة فإنهما حبل الله الذي أمر به.
وأخرج ابن أبي حاتم عن سماك بن الوليد الحنفي أنه لقي ابن عباس فقال: ما تقول في سلاطين علينا يظلموننا ويشتموننا ويعتدون علينا في صدقاتنا ألا
نمنعهم قال: لا أعطهم الجماعة الجماعة إنما هلكت الأمم الخالية بتفرقها أما سمعت قول الله {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}.
وأخرج ابن ماجة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة، قالوا: يا رسول ومن هذه الواحدة قال: الجماعة، ثم قال {واعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا}، (في الكتاب الحديث مكرر).
وأخرج ابن ماجة، وابن جرير، وابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: افترقت بنو إسرائيل على إحدى وسبعين فرقة وإن أمتي ستفترق على اثنتين وسبعين فرقة كلهم في النار إلا واحدة قالوا: يا رسول الله ومن هذه الواحدة قال: الجماعة ثم قال {واعتصموا بحبل الله جميعا}.
وأخرج مسلم والبيهقي عن أبي هريرة أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: إن الله يرضى لكم ثلاثا ويسخط لكم ثلاثا: يرضى لكم أن تعبدوه ولا تشركوا به شيئا وأن تعتصموا بحبل الله جميعا ولا تفرقوا وأن تناصحوا من ولاه الله أمركم، ويسخط لكم: قيل وقال وكثرة السؤال وإضاعة المال، واخرج أحمد وأبو داود عن معاوية بن أبي سفيان: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم
قال: إن أهل الكتابين افترقوا في دينهم على اثنتين وسبعين ملة وإن هذه الأمة ستفترق على ثلاث وسبعين ملة - يعني الأهواء - كلها في النار إلا واحدة، وهي الجماعة.
وأخرج الحاكم وصححه عن ابن عمر أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: من خرج من الجماعة قيد شبر فقد خلع ربقة الإسلام عن عنقه حتى يراجعه ومن مات وليس عليه إمام جماعة فإن موتته ميتة جاهلية.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن أبي العالية {واعتصموا بحبل الله} قال: بالإخلاص لله وحده {ولا تفرقوا} يقول: لا تعادوا عليه - يقول على الإخلاص - وكونوا عليه إخوانا.
وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن {واعتصموا بحبل الله} قال: بطاعته.
وأخرج عن قتادة {واعتصموا بحبل الله} قال: بعهد الله وبأمره.
وأخرج ابن جرير عن ابن زيد {واعتصموا بحبل الله} قال: الإسلام.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن الربيع في قوله {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء} يقتل بعضكم بعضا ويأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام فألف به بينكم وجمع جمعكم عليه وجعلكم عليه إخوانا.
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن عكرمة قال: لقي النّبيّ صلى الله عليه وسلم نفرا من الأنصار فآمنوا به وصدقوا وأراد أن يذهب معهم فقالوا: يا رسول الله إن بين قومنا حربا وإنا نخاف إن جئت على حالك هذه أن لا يتهيأ الذي تريد، فوادوه العام المقبل فقالوا: نذهب برسول الله صلى الله عليه وسلم فلعل الله أن يصلح تلك الحرب، وكانوا يرون أنها لا تصلح - وهي يوم بعاث - فلقوه من العام المقبل سبعين رجلا قد آمنوا به فأخذ منهم النقباء اثني عشر رجلا، فذلك حين يقول {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} وفي لفظ لإبن جرير فلما كان من أمر عائشة ما كان فتشاور الحيان قال بعضهم لبعض: موعدكم الحرة فخرجوا إليها، فنزلت هذه الآية {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم} الآية.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي جريج في قوله {إذ كنتم أعداء} قال: ما كان بين الأوس والخزرج في شأن عائشة.
وأخرج ابن جرير عن ابن إسحاق قال: كانت الحرب بين الأوس والخزرج عشرين ومائة سنة حتى قام الإسلام فأطفأ الله ذلك وألف بينهم.
وأخرج ابن المنذر عن مقاتل بن حيان قال: بلغني أن هذه الآية أنزلت في قبيلتين من قبائل الأنصار في رجلين، أحدهما من الخزرج والآخر من الأوس اقتتلوا في الجاهلية زمانا طويلا فقدم النّبيّ صلى الله عليه وسلم المدينة فأصلح بينهم فجرى الحديث بينهما في المجلس فتفاخروا واستبوا حتى أشرع بعضهم الرماح إلى بعض.
وأخرج ابن المنذر عن قتادة {واذكروا نعمة الله عليكم إذ كنتم أعداء فألف بين قلوبكم فأصبحتم بنعمته إخوانا} إذ كنتم تذابحون فيها يأكل شديدكم ضعيفكم حتى جاء الله بالإسلام فآخى به بينكم وألف به بينكم، أما والله الذي لا إله إلا هو إن الألفة لرحمة وإن الفرقة لعذاب ذكر لنا أن نبي الله صلى الله عليه وسلم كان يقول: والذي نفس محمد بيده لا يتواد رجلان في الإسلام فيفرق بينهما من أول ذنب يحدثه أحدهما وان أرادهما المحدث
وأخرج ابن أبي حاتم عن أنس قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: يا معشر الأنصار بم تمنون علي أليس جئتكم ضلالا فهداكم الله بي وجئتكم أعداء فألف الله بين قلوبكم بي قالوا: بلى يا رسول الله.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن السدي في قوله {وكنتم على شفا حفرة من النار} يقول كنتم على طرف النار من مات منكم وقع في النار، فبعث الله محمدا صلى الله عليه وسلم فاستنقذكم به من تلك الحفرة.
وأخرج عبد بن حميد عن ابن عباس أنه قرأ {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} قال: أنقذنا منها فأرجو أن لا يعيدنا فيها.
وأخرج الطستي عن ابن عباس أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل {وكنتم على شفا حفرة من النار فأنقذكم منها} قال: أنقذكم الله بمحمد صلى الله عليه وسلم، قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم، أما سمعت عباس بن مرداس وهو يقول: يكب على شفا الأذقان كبا * كما زلق التحتم عن جفاف). [الدر المنثور: 3/709-716]

تفسير قوله تعالى: (وَلْتَكُنْ مِنْكُمْ أُمَّةٌ يَدْعُونَ إِلَى الْخَيْرِ وَيَأْمُرُونَ بِالْمَعْرُوفِ وَيَنْهَوْنَ عَنِ الْمُنْكَرِ وَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ (104) )
قالَ سعيدُ بنُ منصورٍ بن شعبة الخراسانيُّ: (ت:227هـ): ( [قوله تعالى: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون} ]
- حدّثنا سعيدٌ، قال: نا سفيان، عن عمرٍو، سمع ابن الزّبير يقول: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ويستعينون باللّه على ما أصابهم، فلا أدري أكانت قراءته، أو فسّر؟). [سنن سعيد بن منصور: 3/1084]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون}.
يعني بذلك جلّ ثناؤه: {ولتكن منكم} أيّها المؤمنون، {أمّةٌ} يقول: جماعةٌ {يدعون} النّاس {إلى الخير} يعني إلى الإسلام وشرائعه الّتي شرّعها اللّه لعباده، {ويأمرون بالمعروف} يقول: يأمرون النّاس باتّباع محمّدٍ صلّى اللّه عليه وسلّم، ودينه الّذي جاء به من عند اللّه، {وينهون عن المنكر} يعني وينهون عن الكفر باللّه، والتّكذيب بمحمّدٍ، وبما جاء به من عند اللّه بجهادهم بالأيدي والجوارح، حتّى ينقادوا لكم بالطّاعة.
وقوله: {وأولئك هم المفلحون} يعني المنجّحين عند اللّه، الباقين في جنّاته ونعيمه.
وقد دلّلنا فيما مضى على معنى الإفلاح في غير هذا الموضع بما أغنى عن إعادته هاهنا.
- حدّثنا أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا عيسى بن عمر القارئ، عن أبي عونٍ الثّقفيّ، أنّه سمع صبيحًا، قال: سمعت عثمان، يقرأ: ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون اللّه على ما أصابهم
- حدّثني أحمد بن حازمٍ، قال: حدّثنا أبو نعيمٍ، قال: حدّثنا ابن عيينة، عن عمرو بن دينارٍ، قال: سمعت ابن الزّبير، يقرأ، فذكر مثل قراءة عثمان الّتي ذكرناها قبل سواءً.
- حدّثنا يحيى بن أبي طالبٍ، قال: أخبرنا يزيد، قال: أخبرنا جويبرٌ، عن الضّحّاك: {ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} قال: هم خاصّة أصحاب رسول اللّه، وهم خاصّة الرّواة). [جامع البيان: 5/660-662]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): (ولتكن منكم أمّةٌ يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون (104)
قوله تعالى: ولتكن منكم
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّانٍ قوله: ولتكن منكم أمّةٌ يقول: ليكن منكم قوم يعني: واحد أو اثنين أو ثلاث نفرٍ فما فوق ذلك.
قوله تعالى: أمّةٌ
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: أمّةٌ يقول: إماماً يقتدى به كما قال لإبراهيم كان أمّةً قانتاً يقول: إماماً مطيعاً لربّه يقتدى به.
قوله تعالى: يدعون إلى الخير
- وبه عن مقاتل بن حيّان قوله: يدعون إلى الخير قال: إلى الإسلام.
قوله تعالى: ويأمرون بالمعروف
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: كلّ آيةٍ يذكرها اللّه في القرآن، فذكر الأمر بالمعروف، فالأمر بالمعروف أنّهم دعوا إلى اللّه وحده وعبادته لا شريك له، دعاءً من الشّرك إلى الإسلام.
- قرأت على محمّد بن الفضل، ثنا محمّد بن عليٍّ، ثنا محمّد بن مزاحمٍ، عن بكير بن معروفٍ عن مقاتل بن حيّان قوله: ويأمرون بالمعروف يأمرون بطاعة ربّهم.
قوله تعالى: وينهون عن المنكر وأولئك هم المفلحون
[الوجه الأول]
- حدّثنا أبي، أحمد بن عبد الرّحمن، ثنا عبد اللّه بن أبي جعفرٍ، عن أبيه، عن الرّبيع، عن أبي العالية قال: كلّ آيةٍ ذكر اللّه في القرآن، فذكر النّهي عن المنكر، النّهي عن عبادة الأوثان والشّيطان.
والوجه الثّاني:
- قرأت على محمّدٍ، ثنا محمّدٌ، ثنا بكيرٌ عن مقاتلٍ قوله: وينهون عن المنكر وينهون عن معصيته يعني: معصية ربّهم.
- حدّثنا محمّد بن يحيى، أنبأ أبو غسّان، ثنا سلمة ثنا محمّد بن إسحاق قال: فيما حدّثني محمّد بن أبي محمّدٍ عن عكرمة، أو سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ وأولئك هم المفلحون أي الّذين أدركوا ما طلبوا، ونجوا من شرّ ما منه هربوا). [تفسير القرآن العظيم: 2/726-727]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (الآيتان 104 - 105.
أخرج سعيد بن منصور، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن الأنباري في المصاحف عن عمرو بن دينار أنه سمع ابن الزبير يقرأ {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر} ويستعينون بالله على ما أصابهم، فما أدري أكانت قراءته أو فسر.
وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن أبي داود في المصاحف، وابن الأنباري عن عثمان أنه قرأ ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير ويأمرون بالمعروف وينهون عن المنكر ويستعينون الله على ما أصابهم وأولئك هم المفلحون.
وأخرج ابن مردويه عن أبي جعفر الباقر قال: قرأ رسول الله صلى الله عليه وسلم {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} ثم قال: الخير اتباع القرآن وسنتي.
وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي العالية قال: كل آية ذكرها الله في القرآن في الأمر بالمعروف فهو الإسلام والنهي عن المنكر فهو عبادة الشيطان.
وأخرج ابن أبي حاتم عن مقاتل بن حيان في قوله {ولتكن منكم أمة} يقول: ليكن منكم قوم، يعني واحدا أو اثنين أو ثلاثة نفر فما فوق ذلك أمة يقول: إماما يقتدى به يدعون إلى الخير قال: إلى الخير قال: إلى الإسلام ويأمرون بالمعروف بطاعة ربهم وينهون عن المنكر عن معصية ربهم
وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن الضحاك {ولتكن منكم أمة يدعون إلى الخير} قال: هم أصحاب رسول الله صلى الله عليه وسلم خاصة، وهم الرواة.
وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم من طريق علي عن ابن عباس في قوله {ولا تكونوا كالذين تفرقوا واختلفوا} قال: أمر الله المؤمنين بالجماعة ونهاهم عن الإختلاف والفرقة وأخبرهم إنما هلك من كان قبلكم بالمراء والخصومات في دين الله). [الدر المنثور: 3/716-721]


رد مع اقتباس