عرض مشاركة واحدة
  #69  
قديم 28 محرم 1440هـ/8-10-2018م, 10:19 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (235) إلى الآية (237) ]

{وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235) لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236) وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}


قوله تعالى: {وَلَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا عَرَّضْتُمْ بِهِ مِنْ خِطْبَةِ النِّسَاءِ أَوْ أَكْنَنْتُمْ فِي أَنْفُسِكُمْ عَلِمَ اللَّهُ أَنَّكُمْ سَتَذْكُرُونَهُنَّ وَلَكِنْ لَا تُوَاعِدُوهُنَّ سِرًّا إِلَّا أَنْ تَقُولُوا قَوْلًا مَعْرُوفًا وَلَا تَعْزِمُوا عُقْدَةَ النِّكَاحِ حَتَّى يَبْلُغَ الْكِتَابُ أَجَلَهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ يَعْلَمُ مَا فِي أَنْفُسِكُمْ فَاحْذَرُوهُ وَاعْلَمُوا أَنَّ اللَّهَ غَفُورٌ حَلِيمٌ (235)}

قوله تعالى: {لَا جُنَاحَ عَلَيْكُمْ إِنْ طَلَّقْتُمُ النِّسَاءَ مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ أَوْ تَفْرِضُوا لَهُنَّ فَرِيضَةً وَمَتِّعُوهُنَّ عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ مَتَاعًا بِالْمَعْرُوفِ حَقًّا عَلَى الْمُحْسِنِينَ (236)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (على الموسع قدره... (236).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وأبو بكر عن عاصم والحضرمي: (قدره) و(قدره) خفيفتين.
وقرأ الباقون: (قدره) بالتثقيل.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: التثقيل أعلى اللغتين (قدره).
قال: وقال الكسائي: يقرأ بالتخفيف والتثقيل، وكل صواب). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في ضمّ التاء، ودخول الألف وفتحها، وسقوط الألف من قوله [جلّ وعزّ] تمسّوهنّ [البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر:
تمسّوهنّ بغير ألف، حيث كان، وفتح التاء.
وقرأ حمزة والكسائيّ: تماسوهن بألف وضم التاء.
قال أبو علي: حجة من قال تمسّوهنّ قوله [جلّ وعزّ:] ولم يمسسني بشرٌ [آل عمران/ 47] ألا ترى أنه جاء على: فعل دون فاعل، وكذلك قوله [عز اسمه]: لم يطمثهنّ إنسٌ قبلهم ولا جانٌّ [الرحمن/ 74]، وقوله تعالى: فانكحوهنّ بإذن أهلهنّ [النساء/ 25] فهذا كلّه على فعل.
[الحجة للقراء السبعة: 2/336]
والنكاح عبارة عن الوطء، وإن كان قد وقع على العقد:
قال الأعشى:
ومنكوحة غير ممهورة... وأخرى يقال له فادها
وقال آخر:
وبرحرحان غداة كبّل معبد... نكحت نساؤكم بغير مهور
وعلى الوطء يحمله سيبويه ويرويه.
قال سيبويه: قالوا: ضربها الفحل ضراباً كالنكاح، والقياس ضربا، ولا يقولونه، كما لا يقولون: نكحا، وهو القياس. وقالوا: ذقطها ذقطا، كالقرع، وهو النكاح ونحوه من باب المباضعة. وقال في موضع آخر: نكحها نكاحاً وسفدها سفاداً، وقالوا: قرعها قرعاً.
فكما أن هذه الأفعال على فعل دون فاعل، فكذلك ينبغي أن يكون في الموضع المختلف فيه.
فأمّا ما جاء في الظهار من قوله تعالى: من قبل أن يتماسّا [المجادلة/ 4]. فلا دليل فيه على ما في هذه الآية، لأن المماسّة في الظهار محرّم، وقد أخذ على كلّ واحد منهما
[الحجة للقراء السبعة: 2/337]
أن لا يمسّ، فمن ثمّ جاء: من قبل أن يتماسّا.
وحجة من قرأ: ولا تماسوهن أن فاعل وفعل قد يراد بكلّ واحد منهما ما يراد بالآخر، وذلك نحو: طارقت النّعل، وعاقبت اللّصّ، كما أن فعل واستفعل، يراد بكل واحد منهما ما يراد بالآخر، نحو: قرّ واستقرّ، وعلا قرنه واستعلاه، وفي التنزيل وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] وكذلك عجب واستعجب.
واختلفوا في تحريك الدّال وتسكينها من قوله عزّ وجلّ: على الموسع قدره وعلى المقتر قدره.
[البقرة/ 236].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم في رواية أبي بكر: قدره وقدره بإسكان الدال.
وقرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص عن عاصم:
قدره وقدره متحركتين.
قال أبو علي: قال أبو زيد: تقول قدر القوم أمرهم يقدرونه قدراً، وهذا قدر هذا: إذا كان مثله بجزم الدال، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، وقدر الله الرزق يقدره.
وروى السّكّريّ: يقدره قدراً، وقدرت الشيء بالشيء. أقدره قدراً، وقدرت على الأمر أقدر قدرة وقدوراً وقدارة، ونسأل الله خير القدر.
[الحجة للقراء السبعة: 2/338]
وقال أبو الصقر: هذا قدر هذا، واحمل قدر ما تطيق.
وقال أبو الحسن: يقال: القدر والقدر، وهم يختصمون في القدر والقدر قال الشاعر:
ألا يا لقوم للنّوائب والقدر... وللأمر يأتي المرء من حيث لا يدري
وتقول: قدرت عليه الثوب؛ فأنا أقدره قدراً، لم أسمع منه بغير ذلك، وخذ منه بقدر كذا وقدر كذا لغتان، وفي كتاب الله [جلّ وعزّ] فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] وبقدرها.. وعلى الموسع قدره وعلى المقتر قدره وقدره وقال تعالى: وما قدروا اللّه حقّ قدره [الأنعام/ 91]. لو حرّكت كان جائزاً، وكذلك: إنّا كلّ شيءٍ خلقناه بقدرٍ [القمر/ 49] لو خفّفت جاز، إلا أنّ رءوس الآي كلها متحرّكة، فيلزم الفتح لأن ما قبلها مفتوح.
[قال أبو علي]: قد ذكر أبو الحسن فيما حكينا عنه في غير موضع أن القدر والقدر بمعنى، وكذلك فيما حكاه أبو زيد، ألا ترى أنه قال: احمل على دابّتك قدر ما
تطيق.
وهذا قدر هذا: إذا كان مثله.
قال: وقال أبو الصقر. هذا قدر هذا، واحمل على رأسك قدر ما تطيق، فحكى الإسكان والفتح بمعنى.
[الحجة للقراء السبعة: 2/339]
وقوله تعالى: فسالت أوديةٌ بقدرها [الرعد/ 17] اتساع، والمراد في سال الوادي، وجرى النهر: جرى مياهها فحذف المضاف، وكذلك قوله تعالى: بقدرها أي: بقدر مياهها.
ألا ترى أنّ المعنى ليس على أنها سالت بقدر أنفسها؟ لأن أنفسها على حال واحدة، وإنما تكون كثرة المياه وقلّتها وشدة جريها ولينه على قدر قلّة المياه المنزّلة وكثرتها.
والأودية: واحدها واد، وهو جمع نادر في فاعل، ولا نعلم فاعلًا جاء على أفعلة، ويشبه أن يكون ذلك لتعاقب فاعل وفعيل على الشيء الواحد، كعليم وعالم، وشهيد وشاهد، ووليّ ووال، ألا ترى أنهم جمعوا فاعلًا أيضاً على فعلاء في نحو: شاعر وشعراء، وفقيه وفقهاء؟ وجعلوا فاعلًا كفعيل في التكسير؟.
وقالوا: يتيم وأيتام، وأبيل وآبال، وشريف وأشراف، كما قالوا: صاحب وأصحاب وطائر وأطيار؛ فكذلك جمع واد على أودية، واللام من قولهم: واد ياء، ولا يجوز أن يكون غير ياء.
وقالوا: أودى الرجل إذا هلك؛ فهذا كقولهم: سالت نفسه، وفاضت نفسه، في قول من قاله بالضاد، وقالوا: أودى الرجل. وغيره قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/340]
كأنّ عرق أيره إذا ودى... حبل عجوز ضفرت خمس قوى
فأما قوله:
مودون تحمون السبيل السابلا فهو مفعلون: من الأداة الذي يراد به السلاح، وليس من باب واد). [الحجة للقراء السبعة: 2/341]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومتعوهن على الموسع قدره وعلى المقتر قدره}
قرأ ابن عامر وحمزة والكسائيّ وحفص {على الموسع قدره وعلى المقتر قدره} بفتح الدّال
وقرأ الباقون بالسّكون وحجتهم أن القدر مصدر مثل الوسع وفي معناه كقولك قدر فلان ألف درهم أي وسعه
وحجّة من فتح أن القدر أن تقدر الشّيء بالشّيء فيقال ثوبي على قدر ثوبك فكأنّه اسم التّأويل على ذي السعة ما هو قادر عليه من المتاع وعلى ذي الإقتار ما هو قادر عليه من ذلك ويقوّي هذه القراءة قوله {فسالت أودية بقدرها} وكان الفراء يذهب إلى أنّهما بمعنى واحد تقول هذا قدر هذا قدره). [حجة القراءات: 137]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (143- قوله: {تمسوهن} قرأه حمزة والكسائي بضم التاء، وبألف بعد الميم، ويمدان، وقرأ الباقون بفتح التاء، وبغير ألف، حيث وقع.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/297]
144- وحجة من قرأ بألف أنه جعل الفعل لاثنين، لأن كل واحد من الزوجين يمس الآخر بالوطء أو بالمباشرة، فبابه المفاعلة، ويجوز أن يكون «فاعل» كـ «فعل» في هذا فتكون القراءتان بمعنى، والمس من الزوج خاصة؛ لأنه الواطئ والمباشر، كما قالوا: داويت العليل وعاقبت اللص، وجاز أن يقع «فعل» و«فاعل» بمعنى، كما جاء «فعل واستفعل» قالوا: قرأ واستقرأ، وعلا قرنه واستعلاه، وعجبت واستعجبت بمعنى، ويدل على قوة القراءة بالألف أنهم أجمعوا على قوله تعالى: {من قبل أن يتماسا} «المجادلة 3» فوقع الفعل لهما كذلك، هذا لما كان من كل واحد من الزوجين مماسة للآخر عند الوطء حُمل على باب المفاعلة.
145- وحجة من قرأ بغير ألف أن المس هنا يرد به الوطء، أو المباشرة، والواطئ الرجل دون المرأة، فهو فعل واحد، فبابه «فعل» لا «فاعل» وأيضًا فقد أجمعوا على ترك الألف، في قوله تعالى مخبرًا عن قول مريم رضي الله عنها: {ولم يمسسني بشر} «آل عمران 47» ولم يقل: يُماسسني، فدل ذلك على أن الفعل للزوج وحده الواطئ، وهو الاختيار؛ لأن الأكثر عليه من القراء، ولأنه أصح في المعنى المقصود إليه.
146- قوله: «قدَره، وقدْره» قرأهما ابن ذكوان وحفص وحمزة والكسائي بفتح الدال، وأسكنها الباقون وهما لغتان، قال الأخفش: القدْر والقدَر، وهم يختصمون في القدْر والقدَر، ودليل الفتح إجماعهم على الفتح في قوله: {فسالت أودية بقدرها} «الرعد 17» و{إنا كل شيء خلقناه بقدر} «القمر 49» ودليل الإسكان إجماعهم على الإسكان في قوله:
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/298]
{حق قدره} «الأنعام 91» و{لكل شيء قدرا} «الطلاق 3» و{ليلة القدر} «القدر 1» فالقراءتان متساويتان، وقد قيل: إن القدْر، بالإسكان، مصدر مثل الوُسع، والقدر الاسم مثل العدّ والعدد، والمد والمدد، وقيل: إن القدَر، بالفتح هو أن تقدر الشيء فتقول: ثوبي على قدر ثوبك، أي مثله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/299]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (81- {عَلَى الْمُوسِعِ قَدَرُهُ وَعَلَى الْمُقْتِرِ قَدَرُهُ} [آية/ 236]:-
بفتح الدال منهما، قرأها ابن عامر وحمزة والكسائي و- ص- عن عاصم.
وقرأ الباقون {قَدْرُهُ} بإسكان الدال منهما.
[الموضح: 330]
وهما لغتان بمعنى واحدٍ، وفتح الدال أعجب إلى أبي العباس أحمد بن يحيى). [الموضح: 331]

قوله تعالى: {وَإِنْ طَلَّقْتُمُوهُنَّ مِنْ قَبْلِ أَنْ تَمَسُّوهُنَّ وَقَدْ فَرَضْتُمْ لَهُنَّ فَرِيضَةً فَنِصْفُ مَا فَرَضْتُمْ إِلَّا أَنْ يَعْفُونَ أَوْ يَعْفُوَ الَّذِي بِيَدِهِ عُقْدَةُ النِّكَاحِ وَأَنْ تَعْفُوا أَقْرَبُ لِلتَّقْوَى وَلَا تَنْسَوُا الْفَضْلَ بَيْنَكُمْ إِنَّ اللَّهَ بِمَا تَعْمَلُونَ بَصِيرٌ (237)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من قبل أن تمسّوهنّ... (237).
قرأ حمزة والكسائي: (تماسّوهنّ) بضم التاء، وإثبات الألف.
وقرأ الباقون: (تمسّوهنّ) بغير ألف.
وأخبرني المنذري عن أبي العباس أنه قال: من قرأ (تمسوهنً) فهو الاختيار لأنا وجدنا هذا الحرف في غير موضع من الكتاب بغير ألف: (لم يمسسني بشرٌ)، وكل شيء في القرآن من هذا الباب فهو فعل الرجل في
[معاني القراءات وعللها: 1/207]
باب الغشيان. قال: وهو أحبّ إليّ من قراءة من قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) قال: ومن قرأ: (ما لم تماسّوهنّ) اعتد بأن الفعل لهما، وأنهما يلتذّان معًا بالجماع، فهو منهما). [معاني القراءات وعللها: 1/208]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: سكون الواو من المضارع في موضع النصب قليل، وسكون الياء فيه أكثر، وأصل السكون في هذا إنما هو للألف؛ لأنها لا تحرك أبدًا، وذلك كقولك: أريد أن تحيا، وأحب أن تسعى، ثم شُبهت الياء بالألف لقربها، فجاء عنهم مجيئًا كالمستمر، نحو قوله:
كأن أيديهن بالْمَومَاة ... أيدي جَوارٍ بِتْنَ ناعماتِ
[المحتسب: 1/125]
وقال الآخر:
كأن أيديهن بالقاع القَرِق ... أيدي جوار يتعاطين الورِق
وقال الأعشى:
إذا كان هادي الفتى في البلا ... دِ صدرُ القناة أطاع الأميرا
فيمن رواه برفع الصدر.
وقال الآخر:
حُدْبًا حَدابير من الوَخْشَنِّ ... تركنَ راعيهن مثل الشَّنِّ
وقال الآخر:
يا دار هند عفت إلا أثافيها
وقال رؤبة:
سوَّى مساحيهن تقطيط الْحُقَقْ ... تَفْليلُ ما قارعْن من سُمرِ الطُّرَق
وكان أبو العباس يذهب إلى أن إسكان هذه الياء في موضع النصب من أحسن الضرورات؛ وذلك لأن الألف ساكنة في الأحوال كلها، فكذلك جعلت هذه، ثم شبهت الواو في ذلك بالياء، فقال الأخطل:
إذا شئت أن تلهو ببعض حديثها ... رفعن، وأنزلن القطين المولَّدا
[المحتسب: 1/126]
وقال الآخر:
فما سوَّدتني عامر عن وراثة ... أبى الله أن أسمو بأم ولا أب
فعلى ذلك ينبغي أن تحمل قراءة الحسن: [أو يعفُو الذي]، فقال ابن مجاهد: وهذا إنما يكون في الوقف، فأما في الوصل فلا يكون، وقد ذكرنا ما فيه، وعلى كل حال فالفتح أعرب: {أو يعفُوَ الذي} ). [المحتسب: 1/127]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة علي -عليه السلام- وأبي رجاء وجُؤيَّة بن عائذ: [ولا تَنَاسَوُا الفضل بينكم].
قال أبو الفتح: الفرق بين تَنْسَوْا وتَنَاسَوْا أن تنسوا نَهْي عن النسيان على الإطلاق: انْسُوه أو تَنَاسَوه.
فأما تناسوا فإنه نهي عن فعلهم الذي اختاروه، كقولك: قد تغافل وتصامَّ وتناسى: إذا أظهره من فعله، وتعاطاه وتظاهر به، وأما تَفَعَّل فإنه تَعَمُّلُ الأمر وتكلفه، كقوله:
ولن تستطيع الحلم حتى تحلما
أي: حتى تَكَلَّفه.
ومثل الأول قوله:
إذا تخازَرتُ وما بي من خَزَر
فإن قيل: ومَن ذا الذي يتظاهر بنسيان الفضل؟
قيل: معناه -والله أعلم- إنكم إذا استكثرتم من هجر الفضل، وتثاقلتم عنه؛ صرتم كأنكم متعاطون لتركه، متظاهرون بنسيانه. وهذا كقولك للرجل يكثر خَطَؤُه: أنت تتحايد الصواب تَوقِّيَ، عرف به، وأنت معتمِلٌ لما لا يحسن، وإن لم يقصد هو لذلك.
[المحتسب: 1/127]
ويُحسِّن هذه القراءة: أنك إنما تنهى الإنسان عن فعله هو، والتناسي من فعله، فأما النسيان فظاهره أنه من فعل غيره به، فكانه أُنسي فنَسِيَ، قال الله سبحانه: {وَمَا أَنْسَانِيهُ إِلَّا الشَّيْطَانُ}.
وزاد في حسنه شيء آخر؛ وهو أن المأمور هنا جماعة، وتفاعَلَ لائق بالجماعة؛ كتقاطعوا وتواصلوا وتقاربوا وتباعدوا. فأما قوله تعالى: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} فلاقَ به فعل "نسي"؛ لأن المأمور هنا واحد، ولأن العرف والعادة أن الإنسان لا يكاد يُحض على ما هو حلال له؛ بل الغالب المعتاد أن يُكفَّ عما ليس له تناوله، وعليه وضع التكليف لما يُستحق عن الطاعة فيه من الثواب، قال تعالى: {وَلا تَمُدَّنَ عَيْنَيْكَ إِلَى مَا مَتَّعْنَا بِهِ أَزْوَاجًا مِنْهُمْ زَهْرَةَ الْحَيَاةِ}، وقال: {خُذِ الْعَفْوَ وَأْمُرْ بِالْعُرْفِ}، والآي في ذلك كثيرة.
فقوله إذن: {وَلا تَنْسَ نَصِيبَكَ مِنَ الدُّنْيَا} أي: لك فيها حظ وحلال فتناوله، فلا بأس بتناول الحلال.
ولو قيل: "ولا تناس نصيبك" لكان فائدته: لا تُظهر سهوك عنه، وتتظاهر بنسيانك إياه، وذلك إذا ترك الحلال وهو في صورة الساهي عنه لم تكن له في النفوس منزلة الذي يتركه وهو عالم بحِلِّه له، وإباحته إياه، هذا هو العادة والعرف فيما يتعاطاه أهل الدنيا بينهم). [المحتسب: 1/128]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإن طلقتموهن من قبل أن تمسّوهنّ}
قرأ حمزة والكسائيّ {من قبل أن تمسّوهنّ} بضم التّاء وبالألف
[حجة القراءات: 137]
وقرأ الباقون {من قبل أن تمسّوهنّ} بفتح التّاء من مسست امرأتي وهو الجماع وحجتهم أن الرجل هو المنفرد بالمسيس ويقوّي هذه القراءة قوله في قصّة مريم {ولم يمسسني بشر} ولم يقل يماسني وجاء في الحديث أيضا إذا طلق الرجل من قبل أن يمس
وحجّة من قرأ (تماسوهن) أن المسيس وإن كان من الرجل فالمرأة مشاركة فيه وكل ماس شيئا فالممسوس ماس له وكذلك الملاقي ويقوّي هذه القراءة قوله {من قبل أن يتماسا} على إسناد الفعل إليهما). [حجة القراءات: 138]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (80- {مَا لَمْ تَمَسُّوهُنَّ} [آية/ 236 و237]:-
بالألف وضم التاء، قرأها حمزة والكسائي في الحرفين، وكذلك في الأحزاب. ووجه ذلك أن الفعل مبني على المفاعلة؛ لأنه عبارة عن فعل
[الموضح: 329]
يشملهما حكمه، ويوصف كل واحد منهما بأنه قد مس صاحبه، كما يقال: نكح الرجل المرأة ونكحته، وفي المثل: انكحيني وانظري، ثم إن فاعل أيضًا قد جاء بمعنى فعل نحو: عاقبت اللص وطارقت النعل، فيجوز أن يكون هذا منه.
وقرأ الباقون {تَمَسُّوهُنَّ} بفتح التاء من غير ألف في السورتين.
وهو الاختيار؛ لأنه قد جاء في غير هذا الموضع من القرآن بغير ألف نحو {وَلَمْ يُمْسَسْنِي بَشَرٌ} فجاء على فعل دون فاعل). [الموضح: 330] (م)

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس