عرض مشاركة واحدة
  #29  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 03:06 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (97) إلى الآية (100) ]


{قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97) مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98) وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99) أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}


قوله تعالى: {قُلْ مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِجِبْرِيلَ فَإِنَّهُ نَزَّلَهُ عَلَى قَلْبِكَ بِإِذْنِ اللَّهِ مُصَدِّقًا لِمَا بَيْنَ يَدَيْهِ وَهُدًى وَبُشْرَى لِلْمُؤْمِنِينَ (97)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (من كان عدوًّا لجبريل.. (97).
قرأ ابن كثير: (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء بغير همز، و(ميكائيل) مهموزا ممدودا.
وروى شبل: (ميكائل) مقصورا مهموزا.
[معاني القراءات وعللها: 1/167]
مثل نافع، وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء.
وقرأ حمزة والكسائي (جبرئيل) مثل (جبرعيل).
وقرأ أبو بكر: (وجبرئل، مثل (جبرعل).
وقرأ الباقون (جبريل)، بغير همز، إلا أن ابن كثير فتح الجيم، وكسرها الباقون.
قرأ أبو عمرو وحفص (ميكال) بغير ياء، وقرأ نافع بالهمز (ميكائل)، الباقون (ميكائيل) بياء بعد همزة). [معاني القراءات وعللها: 1/168]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (56- قوله: {جبريل} قرأه ابن كثير بفتح الجيم، وبياء بعد الراء، مع كسرها من غير همز، ومثله أبو بكر، غير أنه همز همزة مكسورة بعد الراء، وفتح الراء، ومثله حمزة والكسائي، غير أنهما زادا ياء بعد الهمزة، وقرأ الباقون
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/254]
«جبريل» بكسر الجيم والراء، وبياء بعد الراء من غير همز، وهذه كلها لغات فيه، و«جبريل» اسم أعجمي، فمن كسر الجيم أتى به على مثال كلام العرب، فهو كـ «قنديل ومنديل» ومن فتح أتى به على خلاف كلام العرب، ليعلم أنه ليس من كلام العرب، وأنه أعجمي، وكذلك فعل من همز، ومن أثبت ياء بعد الهمزة أتى به على خلاف كلام العرب، ليُعلم أنه أعجمي، ليس من أبنية كلام العرب، وفيه لغات غير هذا). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292]

قوله تعالى: {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلَائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ فَإِنَّ اللَّهَ عَدُوٌّ لِلْكَافِرِينَ (98)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: جبريل وميكال [البقرة/ 98] في كسر الجيم وفتحها، والهمز وتركه. والهمز في ميكائيل، والياء بعد الهمز من (جبرئيل وميكائيل).
فقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الراء من غير همز، و (ميكائيل) مهموز في وزن ميكاعيل بعد الألف همزة، وياء بعد الهمزة. وروى محمد بن صالح البزّي عن شبل بن عباد عن عبد الله بن كثير: (جبريل) بلا همز و (ميكائل) مهموز مقصور. وكذلك روى محمد بن سعدان عن عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن عبد الله بن كثير (ميكائل) مهموز مقصور بزنة ميكاعل مثل نافع.
وحدّثني الحسين بن بشر الصوفيّ عن روح بن عبد المؤمن عن محمّد بن صالح عن شبل عن ابن كثير قال:
رأيت النبيّ صلّى الله عليه وسلّم في المنام وهو يقرأ: جبريل وميكال فلا أقرأهما أبدا إلا هكذا.
وقرأ نافع: (جبريل) بكسر الجيم والراء من غير همز (وميكائل) بهمزة بعد ألف وقبل اللام، ليس بعدها ياء، في وزن ميكاعل.
وقرأ أبو عمرو: (جبريل وميكال) بغير همز. وكذلك روى حفص عن عاصم. وقرأ ابن عامر: (جبريل) مثل أبي عمرو (وميكائيل) بهمز بين الألف والياء ممدودة.
[الحجة للقراء السبعة: 2/163]
وقرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر وحماد بن سلمة عن عاصم (جبرئل) بفتح الجيم والراء، وهمزة بين اللام والراء غير ممدودة في وزن: جبرعل، خفيفة اللام و (ميكائيل) في رواية يحيى بهمزة بعدها ياء.
وقال الكسائيّ وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عنه. وأبان عن عاصم: (جبرئيل وميكائيل) مثل حمزة، وكذلك روى أبان بن يزيد العطار عن عاصم، وحسين الجعفيّ عن أبي بكر عن عاصم.
وروى (ميكائل) مهموزة مقصورة في وزن ميكاعل مثل نافع.
وروى محمّد بن سعدان عن محمّد بن المنذر عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عنه مثل حمزة.
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) و (ميكائيل) ممدودتين مهموزتين.
قال أبو علي: روينا عن أبي الحسن من طريق أبي عبد الله اليزيدي عن عمّه عنه أنه قال: في (جبريل) ستّ لغات: (جبرائيل، وجبرئيل، وجبرال، وجبريل، وجبرال، وجبريل) وهذه أسماء معرّبة، فإذا أتي بها على ما في أبنية العرب مثله، كان أذهب في باب التعريب.
يقوّي ذلك تغييرهم للحروف المفردة التي ليست من
[الحجة للقراء السبعة: 2/164]
حروفهم، كتغييرهم الحرف الذي بين الفاء والباء في قلبهم إياه إلى الباء المحضة، أو الفاء المحضة، كقولهم: البرند والفرند، وكذلك تغييرهم الحركة التي ليست في كلامهم كالحركة التي في قول العجم: «زور وآشوب» يخلّصونها ضمّة، فكما غيّروا الحروف والحركات إلى ما في كلامهم، فكذلك القياس في أبنية هذه الكلم، إلا أنّهم قد تركوا أشياء من العجمية على أبنية العجم التي ليست من أبنية العرب.
كالآجرّ، والإبريسم، والفرند، وليس في كلام العرب على هذه الأبنية، فكذلك قول من قال: (جبريل) إذا كسر الجيم كان على لفظ (قنديل، وبرطيل) وإذا فتحها فليس لهذا البناء مثل في كلام العرب، فيكون هذا من باب الآجرّ، والفرند، ونحو ذلك من المعرّب الذي لم يجيء له مثل في كلامهم. فكلا المذهبين حسن لاستعمال العرب لهما جميعا، وإن كان الموافق لأبنيتهم أذهب في باب التعريب. وكذلك القول في (ميكال وميكائيل) وميكال: بزنة قنطار وسرداح و (ميكائيل) خارج عن أبنية كلام العرب.
فأمّا القول في زنة (ميكال) فلا يخلو من أن يكون فيعالا أو مفعالا أو فعلالا. فلا يجوز أن يكون فيعالا، لأن هذا بناء يختصّ به المصدر كالقيتال، والحيقال، وليس هذا
[الحجة للقراء السبعة: 2/165]
الاسم بمصدر، ولا يجوز أن يكون مفعالا، فيكون من أكل أو وكل، لأنّ الهمزة المحذوفة من ميكائيل محتسب بها في البناء، فإذا ثبت ذلك صارت الكلمة من الأربعة، وبنات الأربعة لا تلحقها الزيادة من أوائلها، إلا الأسماء الجارية على أفعالها، وليس هذا على ذلك الحدّ. فإذا لم يكن كذلك، ثبت أن الميم أصل كما كانت الهمزة في إبراهيم ونحوه أصلا ليست بزيادة.
ولا يجوز أيضا أن يكون فعلالا، لأنّ الهمزة المحذوفة من البناء مقدرة فيه. ونظير ذلك في حذف الهمزة منه والاعتداد بها، مع الحذف [في البناء] قولهم: سواية، إنما هي سوائية: كالكراهية، وكذلك الهمزة المحذوفة من أشياء- على قول أبي الحسن- مقدّرة في البناء فكذلك الهمزة في ميكائيل.
فإن قلت: فلم لا تجعلها بمنزلة التي في حطائط وجرائض ؟
فإن ذلك لا يجوز، لأن الدّلالة لم تقم على زيادتها كما قامت في قولهم: جرواض. فهو إذن بمنزلة التي في برائل، وكذلك (جبريل) الهمزة التي تحذف منها ينبغي أن
[الحجة للقراء السبعة: 2/166]
يقدّر حذفها للتخفيف وحذفها للتخفيف لا يوجب إسقاطها من أصل البناء، كما لم يجز إسقاطها في سواية من أصل البناء، وإذا كان كذلك كانت الكلمة من بنات الخمسة.
وهذا التقدير يقوّي قول من قرأ: (جبريل وميكائيل) بالهمز لأنّه يقول: إن الذي قرأ: (جبريل) وإن كان في اللفظ مثل: برطيل، فتلك الهمزة عنده مقدرة. وإذا كانت مقدرة في المعنى، فهي مثل ما ثبت في اللفظ.
فأمّا (إسرافيل) فالهمزة فيه أصل، لأن الكلمة من بنات الأربعة، كما كانت الميم من ميكائيل كذلك.
فإسرافيل من الخمسة كما كان جبرئيل كذلك. والقول في همزة إسرافيل وإسماعيل وإبراهيم مثل القول في همزة إسرافيل في أنها من نفس الكلمة، والكلمة بها من بنات الخمسة. وقد جاء في أشعارهم الأمران: ما هو على لفظ التعريب، وما هو خارج عن ذلك قال:
عبدوا الصّليب وكذّبوا بمحمّد... وبجبرئيل وكذّبوا ميكالا
وقال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/167]
وجبريل رسول الله منّا... وروح القدس ليس له كفاء
وقال:
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة... يد الدّهر إلا جبرئيل أمامها
وقال كعب بن مالك:
ويوم بدر لقيناهم لنا مدد... فيه لدى النّصر ميكال وجبريل
وأما ما روي عن أبي عمرو من أنّه كان يخفف (جبريل) أو (ميكال) ويهمز (إسرائيل)، فما أراه إلا لقلّة مجيء (إسرال) بلا همز وكثرة مجيء (جبريل وميكال) في كلامهم والقياس فيهما واحد، وقد جاء في شعر أميّة (إسرال) قال:
لا أرى من يعيشني في حياتي... غير نفسي إلا بني إسرال
[الحجة للقراء السبعة: 2/168]
وليس قول من قال: إنّ (إيل، وإل) اسم الله، وأضيف ما قبلهما إليهما، كما يقال: عبد الله- بمستقيم من وجهين: أحدهما: أنّ (إيل، وإل) لا يعرفان في أسماء الله سبحانه في اللغة العربية، والآخر أنّه لو كان كذلك لم يتصرّف آخر الاسم في وجوه العربيّة، ولكان الآخر مجرورا، كما أنّ آخر عبد الله كذلك، ولو كان مضافا لوقع التعريب عليه على حدّ ما وقع في غيره من الأسماء المضاف إليها). [الحجة للقراء السبعة: 2/169]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يعمر: [جَبرَئِلّ] مشددة اللام، بوزن جبرَعِل، وعنه أيضًا وعن فياض بن غزوان: [جَبْرَائيل] بوزن جَبْرَاعيل، بهمزة بعد الألف، وبهذا الوزن من غير همز بياءين عن الأعمش، و[مِيكاييل] من غير همز أيضًا ممدود، وقرأ [مِيكَئِلَ] بوزن ميكعل ابن هرمز الأعرج وابن محيصن.
قال أبو الفتح: أما على الجملة فقد ذكرنا في كتابنا هذا وفي غيره من كتبنا: أن العرب إذا نطقت بالأعجمي خلَّطت فيه، وأنشدنا في ذلك ما أنشدَناه أبو علي من قول الراجز:
هل تعرف الدار لأم الخزرج ... منها فظَلْت اليومَ كالمزَرَّج
يريد: الذي شرب الزَّرجون وهي الخمر، وأنه كان قياسه المزرجن؛ من حيث كانت النون في الزرجون أصلية. نعم، وذكرنا أنهم قد يحرفون ما هو من كلامهم، فكيف ما هو من كلام غيرهم؟ إلا أن جبرَئِل قد قيل فيه: إن معناه عبد الله؛ وذلك أن الجبر بمنزلة الرجل، والرجل عبد الله، ولم يسمع الجبر بمعنى الرجل إلا في شعر ابن أحمر، وهو قوله:
اشرب براووق حُبيت به ... وانْعم صباحًا أيها الجبر
قالوا: وإلٌّ بالنبطية: اسم الله تعالى، ومن ألفاظهم في ذلك أن يقولوا: كورِيال، الكاف بين القاف والكاف، فغالب هذا أن تكون هذه اللغات كلها في هذا الاسم إنما يراد بها جبريال الذي هو كوريال، ثم لحقها من التحريف على طول الاستعمال ما أصارها إلى هذا التفاوت، وإن كانت على كل أحوالها متجاذبة يتشبث بعضها ببعض.
[المحتسب: 1/97]
واستدل أبو الحسن على زيادة الهمزة في [جَبْرَئيل] بقراءة مَن قرأ {جبْريل} ونحوه، وهذا كالتعسف من أبي لحسن لما قدمناه من التخليط في الأعجمي، ويلزم فيه زيادة النون في زرجون؛ لقوله: كالمزرج، والقول ما قدمناه.
وأما [جَبْرايِيل ومِيكاييل] بباءين بعد الألف والمد فيقْوَى في نفسي أنها همزة مخففة وهي مكسورة، فخفيت وقربت من الياء فعبر القراء عنها بالياء، كما ترى في قوله عز وجل: [آلاء] عند تخفيف الهمز "آلاي" بالياء؛ وسبب ذلك ما ذكرناه من خفاء الهمزة المكسورة وقربها بذلك من لفظ الياء، كما قالوا في "شهر رمضان" في إدغام أبي عمرو: إن الراء من شهر مدغمة في راء رمضان، وهيهات ذلك مذهبًا، وعز مطلبًا، حتى كأنا لم نعلم أن الهاء في شهر ساكنة، وإذا أُدغمت الراء في راء رمضان التقى ساكنان ليس الأول منهما حرف مد كشبابَّة ودابَّة، ولا يكون ذلك إلا أن تنقل حركة الراء الأولى إلى الهاء قبلها، ولو فُعل ذلك لوجب أن يقال: شَهُرّ رمضان بضم الهاء، وليس أحد من القراء يدَّعي هذا فيه: مَن أدغم ومَن لم يدغم.
وأيضًا، فإنه إذا كان هذا النقل فإنما يكون في المتصل، نحو: يستعدّ ويردّ ويفرّ، فأما في المنفصل فإن ذلك لن يجيء في شيء منه إلا في حرف واحد شاذ اجتمع فيه شيئان، كل واحد منهما يحتمل التغيير له:
أحدهما: كونه علمًا، والأعلام فيما يكثر فيه ما لا يكون في غيره، نحو: معديكرب ومَوْهَب وتَهْلَل وحَيْوَة.
والآخر: كثرة استعماله، وهم لما كثر استعماله أشد تغييرًا، وذلك الحرف قولهم في عبد شمس: هذه عَبُشَمسَ بفتح السين، وأنت لا تقول في نحو هذا قوم موسى: هذا قَوْمُّوسى؛ لما ذكرناه من أن المنفصل في هذا النحو لم تنقله العرب كما نقلت المتصل.
فعلى هذا ينبغي أن نوجه قولهم في [جَبْرايِيل وميكاييل] ببياءين والمد؛ وذلك لأن المد إنما كان فيه لبقاء نية الهمزة المخففة ولفظه فيه، هذا هو القول؛ كقولهم بالمد، وإن كانت الألف والياء بعدها أتَمَّ صوتًا وأبعد ندى منها وبعدها غيرها من الحروف الصحاح، نحو: غرابيل وسرابيل وسراحين وميادين، وقد يجوز من بعد هذا أن تكون ياء صريحة من حيث كان الأعجمي يُتلَعَّبُ فيه بالحروف تَلَعُّبًا، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/98] (م)
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({من كان عدوا لله وملائكته ورسله وجبريل وميكال فإن الله عدو للكافرين}
[حجة القراءات: 106]
قرأ نافع وابن عامر وأبو عمرو وحفض {وجبريل} بكسر الجيم والرّاء جعلوا جبريل اسما واحدًا على وزن قطمير وحجتهم قول الشّاعر
وجبريل رسول الله فينا ... ورورح القدس ليس له كفاء
وقرأ حمزة والكسائيّ (جبرئيل) بفتح الجيم والرّاء مهموزا قال الشّاعر
شهدنا فما تلقى لنا من كتيبة ... مدى الدّهر إلّا جبرئيل أمامها
وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال: إنّما جبرئيل وميكائيل كقولك عبد الله وعبد الرّحمن جبر هو العبد وإيل هو الله فأضيف جبر إليه وبني فقيل جبرئيل
وقرأ ابن كثير (جبريل) بفتح الجيم وكسر الرّاء مثل سمويل وهو اسم طائر قال عبد الله بن كثير رأيت رسول الله صلى الله عليه في المنام فأقرأني جبريل فأنا لا أقرأ إلّا كذلك
وقرأ يحيى عن أبي بكر (جبرئل) على وزن جبرعل وهذه لغة تميم وقيس
[حجة القراءات: 107]
وقرأ أبوعمرو وحفص {وميكال} بغير همز على وزن سربال وحجتهما قول من مدح النّبي صلى الله عليه
ويوم بدر لقيناكم لنا مدد ... فيه مع النّصر ميكال وجبريل
وقرأ نافع (ميكائل) بهمزة مختلسة ليس بعدها ياء كأنّه كسرة الإشباع
وقرأ الباقون (ميكائيل) ممدودا وحجتهم ما روي عن النّبي صلى الله عليه أنه قال في صاحب الصّور
جبرئيل عن يمينه وميكائيل عن يساره قال الكسائي قوله جبرئيل وميكائيل وإبراهيم فإنّها أسماء أعجميّة لم تكن العرب تعرفها فلمّا جاءتها أعربتها فلفظت بها بألفاظ مختلفة). [حجة القراءات: 108]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (57- قوله: {ميكال} قرأه أبو عمرو وحفص «ميكال» على وزن «مفعال» ومثلهما نافع، غير أنه زاد همزة مكسورة بين الألف واللام، ومثله قرأ الباقون، غير أنهم زادوا ياء بعد الهمزة، وهذه القراءات لغات في هذا الاسم، وهو اسم أعجمي، غير أن من قرأه، على وزن «مفعال» أتى به على وزن أبنية العرب، فهو مثل «مفتاح»، ومن قرأه بغير ذلك أتى به على غير أبنية العرب، ليُعلم أنه أعجمي، خارج عن أبنية العرب، وقولنا في قراءة أبي عمرو وحفص أنه «مفعال» تمثيل؛ لأنه ليس بقوي، وإلا فلا يجوز أن يكون «مفعالًا»؛ لأنه رباعي إذ الهمزة المحذوفة يعتد بها، وبنات الأربعة لا يلحقها الزيادة في أولها، إلا في الأشياء الجارية على أفعالها، نحو: «مكرم، ومحسن» وليس «ميكال» من هذا الصنف، ولا يجوز أن يكون «فيعالا» لأن هذا الوزن قد اختصت به المصادر نحو: «القيتال، والحيقال»، وليس «ميكال» بمصدر،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/255]
ولا يجوز أن يكون «فعلالا» لأن الهمزة مقدرة فيه، فإنما هو اسم أعجمي كـ «إبراهيم، وإسماعيل»). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/256]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (36- {جِبْرِيلَ} [آية/ 97 و98]:-
بكسر الجيم والراء غير مهموز، قرأها نافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب و- ص- عن عاصم.
اعلم أن الأحسن عندهم في بناء الاسم الأعجمي ما وافق أبنيتهم؛ لأنه يكون حينئذٍ أذهب في باب التعريب، فجبريل بوزن قنديل وشمليل.
وروى ياش- عن عاصم (جَبْرَئِلَ) بفتح الجيم والراء وبالهمز على وزن: جبرعل، وهذا أيضًا موافق لبناء قهبلس وجحمرش.
وقرأ حمزة والكسائي (جَبْرَئِيل) بفتح الجيم والراء وبهمزةٍ بعدها ياء على
[الموضح: 291]
وزن: جبرعيل، وهذا قد وافق قولهم: دردبيس وقمطرير، وهذه لغة مشهورة في هذا الاسم.
وقرأ ابن كثير (جَبريل) بفتح الجيم وكسر الراء غير مهموز، وهو مثال خارجٌ عن أبنية العرب وأمثلتهم، فهو يجري مجرى الابريسم والفرند والآجر ونحو ذلك مما تمحض في وزن الأعجمي ولم يوافق شيئًا من أبنيتهم، وقد تكلموا على ما نقل إليهم ولم يتصرفوا فيه). [الموضح: 292] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (37- {وَمِيكّالَ} [آية/ 98]:-
غير مهموز، قرأها أبو عمرو ويعقوب و- ص- عن عاصم، وهو أكثر ارتضاءً عندهم؛ لأنه على وزن: فعلال من أبنيتهم كسرداح وقنطار وشملال.
وقرأ نافع (مِيكَائِل) ممدود بهمزة ليست بعدها ياء بوزن: ميكاعل.
وقرأ ابن كثير وابن عامر وحمزة والكسائي و- ياش- عن عاصم {ميكائيل}
[الموضح: 292]
بياء بعد الهمزة بوزن: ميكاعيل.
وهذان المثالان لا نظير لهما في أمثلة العرب، فهما أقعد في العجمة، والاسم الأعجمي إذا تكلمت به العرب أجرت عليه أحكام الأعراب، فصار مثل العربي في كثير من الأشياء وإن لم يوافق أمثلتهم فميكائيل، كميكاعيل أكثر في كلامهم وأشهر). [الموضح: 293]

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكَ آَيَاتٍ بَيِّنَاتٍ وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ (99)}

قوله تعالى: {أَوَكُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ بَلْ أَكْثَرُهُمْ لَا يُؤْمِنُونَ (100)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه ابن مجاهد عن رَوْح عن أبي السمال أنه قرأ: [أَوْ كُلَّمَا عَهِدُوا] ساكنة الواو.
قال أبو الفتح: لا يجوز أن يكون سكون الواو في "أو" هذه على أنه في الأصل حرف عطف كقراءة الكافة: {أوَكلما}؛ من قِبَل أن واو العطف لم تُسكن في موضع علمناه، وإنما يسكن بعدها مما يُخلَط معها فيكونان كالحرف الواحد، نحو قول الله تعالى: [وَهْوَ اللَّه]، وقوله سبحانه: [وَهْوَ وَلِيُّهُم] بسكون الهاء، فأما واو العطف فلا تسكن من موضعين:
أحدهما: أنها في أول الكلمة، والساكن لا يبتدأ به.
والآخر: أنها هنا وإن اعتمدت على همزة الاستفهام قبلها فإنها مفتوحة، والمفتوح لا يسكن استخفافًا إنما ذلك في المضموم والمكسور نحو: كرْم زيد وعلْم الله، وقد مضى ذكر ذلك، فإذا كان كذلك كانت "أو" هذه حرفًا واحدًا، إلا أن معناها معنى بل للترك والتحول بمنزلة أم المنقطعة، نحو قول العرب: إنها لأبل أم شاء؛ فكأنه قال: بل أهي شاء؟ فكذلك معنى "أو" هاهنا، حتى كأنه قال: "وَمَا يَكْفُرُ بِهَا إِلَّا الْفَاسِقُونَ بل كُلَّمَا عَاهَدُوا عَهْدًا نَبَذَهُ فَرِيقٌ مِنْهُمْ"، يؤكد ذلك قوله تعالى من بعده: {بَلْ أَكْثَرُهُمْ لا يُؤْمِنُون}، فكأنه قال: "بل كلما عاهدوا عهدًا.... بل أكثرهم لا يؤمنون".
و"أو" هذه التي بمعنى أم المنقطعة -وكلتاهما بمعنى بل- موجودة في الكلام كثيرًا، يقول الرجل لمن يتهدده: والله لأفعلن بك كذا، فيقول له صاحبه: أَوْ يُحسن الله رأيك، أو يغير الله ما في نفسك؛ معناه: بل يحسن الله رأيك، بل يغير الله ما في نفسك، وإلى نحو هذا ذهب الفراء في قول ذي الرمة:
بدت مثلَ فرنِ الشمس في رَونَقِ الضُّحى ... وصورتِها أو أنت في العين أملحُ
[المحتسب: 1/99]
قال: معناه بل أنت في العين أملح، وكذلك قال في قوله الله تعالى: {وَأَرْسَلْنَاهُ إِلَى مِائَةِ أَلْفٍ أَوْ يَزِيدُونَ} قال: معناه بل يزيدون، وإن كان مذهبنا نحن في هذا غير هذا؛ فإن هذا طريق مذهوب فيه على هذا الوجه.
وقراءته هنا: [عَهِدُوا عَهْدًا] كأنه أشبه بجريان المصدر على فعله؛ لأن عهِدت عهدًا أشبه في العادة من عاهدت عهدًا، ومن ذلك الحديث المأثور: "مَن وعد وعدًا فكأنما عَهِدَ عهدًا"، وقراءة الكافة: {عاهَدُ واعَهْدا} على معنى أعطَوا عهدًا، فعهدًا على مذهب الجماعة كأنه مفعول به.
وعلى قراءة أبي السمال هو منصوب نصب المصدر، وقد يجوز أن ينتصب على قراءة الكافة على المصدر؛ إلا أنه مصدر محذوف الزيادة؛ أي: معاهدة أو عِهاداً؛ كقاتلت مقاتلة وقتالًا، إلا أنه جاء على حذف الزيادة كقوله:
عمرَكِ الله ساعةً حدِّثِينَا ... ودَعِينَا من قولِ مَن يؤذينا
إنما هو: عمَّرتُكِ الله تعميرًا -دعاء لها- فحذفت زيادة التاء والياء، وعليه: جاء زيد وحده؛ أي: أُوحِدَ بهذه الحال إيحادًا، ومررت به وحده؛ أي: أَوحدته بمروري إيحادًا.
وقد يمكن أن يكون وحده مصدر هو يَحِد وحدًا فهو واحد، والمصدر على حذف زيادته كثير جدًّا، إلا أنه ليس منه قولهم: سلمت عليه سلامًا وإن كان في معنى تسليمًا؛ من قِبَل أنه لو أريد مجيئه على حذف الزيادة لما أُقِرَّ عليه شيء من الزيادة، وفيه ألف سلام زائدة، ومثله: كملته كلامًا، والسلام والكلام ليسا على حذف الزيادة؛ لكنهما اسمان على فَعال بمعنى المصدر، فاعرف ذلك). [المحتسب: 1/100]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس