عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 15 محرم 1440هـ/25-09-2018م, 03:05 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {تَبَارَكَ الَّذِي جَعَلَ فِي السَّمَاءِ بُرُوجًا وَجَعَلَ فِيهَا سِرَاجًا وَقَمَرًا مُنِيرًا (61) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا وجعل فيها سراجًا وقمرًا منيرًا (61) وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا (62)}.
يقول تعالى ممجّدًا نفسه، ومعظّمًا على جميل ما خلق في السّماء من البروج -وهي الكواكب العظام- في قول مجاهدٍ، وسعيد بن جبير، وأبي صالحٍ، والحسن، وقتادة.
وقيل: هي قصورٌ في السّماء للحرس، يروى هذا عن عليٍّ، وابن عبّاسٍ، ومحمّد بن كعبٍ، وإبراهيم النّخعيّ، وسليمان بن مهران الأعمش. وهو روايةٌ عن أبي صالحٍ أيضًا، والقول الأوّل أظهر. اللّهمّ إلّا أن يكون الكواكب العظام هي قصورٌ للحرس، فيجتمع القولان، كما قال تعالى: {ولقد زيّنّا السّماء الدّنيا بمصابيح وجعلناها رجومًا للشّياطين} [الملك: 5]؛ ولهذا قال: {تبارك الّذي جعل في السّماء بروجًا وجعل فيها سراجًا} وهي الشّمس المنيرة، الّتي هي كالسّراج في الوجود، كما قال: {وجعلنا سراجًا وهّاجًا} [النّبأ: 13].
{وقمرًا منيرًا} أي: مضيئًا مشرقًا بنورٍ آخر ونوعٍ وفنٍّ آخر، غير نور الشّمس، كما قال: {هو الّذي جعل الشّمس ضياءً والقمر نورًا} [يونس: 5]، وقال مخبرًا عن نوحٍ، عليه السّلام، أنّه قال لقومه: {ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سماواتٍ طباقًا وجعل القمر فيهنّ نورًا وجعل الشّمس سراجًا} [نوح: 15 -16]).[تفسير ابن كثير: 6/ 120]

تفسير قوله تعالى: {وَهُوَ الَّذِي جَعَلَ اللَّيْلَ وَالنَّهَارَ خِلْفَةً لِمَنْ أَرَادَ أَنْ يَذَّكَّرَ أَوْ أَرَادَ شُكُورًا (62) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) :(ثمّ قال: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً} أي: يخلف كلّ واحدٍ منهما الآخر، يتعاقبان لا يفتران. إذا ذهب هذا جاء هذا، وإذا جاء هذا ذهب ذاك، كما قال: {وسخّر لكم الشّمس والقمر دائبين وسخّر لكم اللّيل والنّهار} [إبراهيم: 33]، وقال {يغشي اللّيل النّهار يطلبه حثيثًا والشّمس والقمر والنّجوم مسخّراتٍ بأمره} [الأعراف: 54] وقال: {لا الشّمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا اللّيل سابق النّهار وكلٌّ في فلكٍ يسبحون} [يس: 40].
وقوله: {لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا} أي: جعلهما يتعاقبان، توقيتًا لعبادة عباده له، فمن فاته عملٌ في اللّيل استدركه في النّهار، ومن فاته عملٌ في النّهار استدركه في اللّيل. وقد جاء في الحديث الصّحيح: "إنّ اللّه تعالى يبسط يده باللّيل ليتوب مسيء النّهار، ويبسط يده بالنّهار ليتوب مسيء اللّيل".
قال أبو داود الطّيالسيّ: حدّثنا أبو حرّة عن الحسن: أنّ عمر بن الخطّاب أطال صلاة الضّحى، فقيل له: صنعت اليوم شيئًا لم تكن تصنعه؟ فقال: إنّه بقي عليّ من وردي شيءٌ، فأحببت أن أتمّه -أو قال: أقضيه -وتلا هذه الآية: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً [لمن أراد أن يذّكّر أو أراد شكورًا]} .
وقال عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ [قوله: {وهو الّذي جعل اللّيل والنّهار خلفةً}] يقول: من فاته شيءٌ من اللّيل أن يعمله، أدركه بالنّهار، أو من النّهار أدركه باللّيل. وكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ. والحسن.
وقال مجاهدٌ، وقتادة: {خلفة} أي: مختلفين، هذا بسواده، وهذا بضيائه). [تفسير ابن كثير: 6/ 121]

تفسير قوله تعالى: {وَعِبَادُ الرَّحْمَنِ الَّذِينَ يَمْشُونَ عَلَى الْأَرْضِ هَوْنًا وَإِذَا خَاطَبَهُمُ الْجَاهِلُونَ قَالُوا سَلَامًا (63) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا (63) والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا (64) والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غرامًا (65) إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا (66) والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا (67)}.
هذه صفات عباد اللّه المؤمنين {الّذين يمشون على الأرض هونًا} أي: بسكينةٍ ووقارٍ من غير جبرية ولا استكبارٍ، كما قال: {ولا تمش في الأرض مرحًا إنّك لن تخرق الأرض ولن تبلغ الجبال طولا} [الإسراء: 37]. فأمّا هؤلاء فإنّهم يمشون من غير استكبارٍ ولا مرح، ولا أشر ولا بطر،
وليس المراد أنّهم يمشون كالمرضى من التّصانع تصنّعًا ورياءً، فقد كان سيّد ولد آدم صلّى اللّه عليه وسلّم إذا مشى كأنّما ينحطّ من صبب، وكأنّما الأرض تطوى له. وقد كره بعض السّلف المشي بتضعّفٍ وتصنّعٍ، حتّى روي عن عمر أنّه رأى شابًّا يمشي رويدًا، فقال: ما بالك؟ أأنت مريضٌ؟ قال: لا يا أمير المؤمنين. فعلاه بالدّرّة، وأمره أن يمشي بقوّةٍ. وإنّما المراد بالهون هاهنا السّكينة والوقار، كما قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إذا أتيتم الصّلاة فلا تأتوها وأنتم تسعون، وأتوها وعليكم السّكينة، فما أدركتم فصلّوا، وما فاتكم فأتمّوا".
وقال عبد اللّه بن المبارك، عن معمر، عن يحيى بن المختار، عن الحسن البصريّ في قوله: {وعباد الرّحمن الّذين يمشون على الأرض هونًا} قال: إنّ المؤمنين قومٌ ذلل، ذلّت منهم -واللّه -الأسماع والأبصار والجوارح، حتّى تحسبهم مرضى وما بالقوم من مرضٍ، وإنّهم لأصحّاء، ولكنّهم دخلهم من الخوف ما لم يدخل غيرهم، ومنعهم من الدّنيا علمهم بالآخرة، فقالوا: الحمد للّه الّذي أذهب عنّا الحزن. أما واللّه ما أحزنهم حزن النّاس، ولا تعاظم في نفوسهم شيءٌ طلبوا به الجنّة، أبكاهم الخوف من النّار، وإنّه من لم يتعزّ بعزاء اللّه تقطّع نفسه على الدّنيا حسراتٍ، ومن لم ير للّه نعمةً إلّا في مطعمٍ أو في مشربٍ، فقد قلّ علمه وحضر عذابه.
وقوله: {وإذا خاطبهم الجاهلون قالوا سلامًا} أي: إذا سفه عليهم الجهّال بالسّيّئ، لم يقابلوهم عليه بمثله، بل يعفون ويصفحون، ولا يقولون إلّا خيرًا، كما كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم لا تزيده شدّة الجهل عليه إلّا حلمًا، وكما قال تعالى: {وإذا سمعوا اللّغو أعرضوا عنه وقالوا لنا أعمالنا ولكم أعمالكم سلامٌ عليكم لا نبتغي الجاهلين} [القصص: 55].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا أسود بن عامرٍ، حدّثنا أبو بكرٍ، عن الأعمش، عن أبي خالدٍ الوالبيّ، عن النّعمان بن مقرّن المزني قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم [وسبّ رجلٌ رجلًا عنده، قال: فجعل الرّجل المسبوب يقول: عليك السّلام. قال: فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "أما] إنّ ملكًا بينكما يذبّ عنك، كلّما شتمك هذا قال له: بل أنت وأنت أحقّ به. وإذا قال له: عليك السّلام، قال: لا بل عليك، وأنت أحقّ به. " إسناده حسنٌ، ولم يخرجوه.
وقال مجاهدٌ: {قالوا سلامًا} يعني: قالوا: سدادًا.
وقال سعيد بن جبيرٍ: ردّوا معروفًا من القول.
وقال الحسن البصريّ: {قالوا [سلامًا}، قال: حلماء لا يجهلون]، وإن جهل عليهم حلموا. يصاحبون عباد اللّه نهارهم بما تسمعون، ثمّ ذكر أن ليلهم خير ليل).[تفسير ابن كثير: 6/ 121-122]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ يَبِيتُونَ لِرَبِّهِمْ سُجَّدًا وَقِيَامًا (64) وَالَّذِينَ يَقُولُونَ رَبَّنَا اصْرِفْ عَنَّا عَذَابَ جَهَنَّمَ إِنَّ عَذَابَهَا كَانَ غَرَامًا (65) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين يبيتون لربّهم سجّدًا وقيامًا} أي: في عبادته وطاعته، كما قال تعالى: {كانوا قليلا من اللّيل ما يهجعون وبالأسحار هم يستغفرون} [الذّاريات: 17 -18]، وقال {تتجافى جنوبهم عن المضاجع يدعون ربّهم خوفًا وطمعًا وممّا رزقناهم ينفقون} [السّجدة: 16] وقال {أمّن هو قانتٌ آناء اللّيل ساجدًا وقائمًا يحذر الآخرة ويرجو رحمة ربّه} الآية [الزّمر: 9] ولهذا قال: {والّذين يقولون ربّنا اصرف عنّا عذاب جهنّم إنّ عذابها كان غرامًا} أي: ملازمًا دائمًا، كما قال الشّاعر:
إن يعذّب يكن غرامًا، وإن يعـ = ط جزيلا فإنّه لا يبالي...
ولهذا قال الحسن في قوله: {إنّ عذابها كان غرامًا}: كلّ شيءٍ يصيب ابن آدم ويزول عنه فليس بغرام، وإنما الغرام اللازم ما دامت السموات والأرض. وكذا قال سليمان التّيميّ.
وقال محمّد بن كعبٍ [القرظيّ]: {إنّ عذابها كان غرامًا} يعني: ما نعموا في الدّنيا؛ إنّ اللّه سأل الكفّار عن النّعمة فلم يردّوها إليه، فأغرمهم فأدخلهم النّار). [تفسير ابن كثير: 6/ 123]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهَا سَاءَتْ مُسْتَقَرًّا وَمُقَامًا (66) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا} أي: بئس المنزل منظرًا، وبئس المقيل مقامًا.
[و] قال ابن أبي حاتمٍ عند قوله: {إنّها ساءت مستقرًّا ومقامًا}: حدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبو الأحوص عن الأعمش، عن مالك بن الحارث قال: إذا طرح الرّجل في النّار هوى فيها، فإذا انتهى إلى بعض أبوابها قيل له: مكانك حتّى تتحف، قال: فيسقى كأسًا من سمّ الأساود والعقارب، قال: فيميّز الجلد على حدةٍ، والشّعر على حدةٍ، والعصب على حدةٍ، والعروق على حدةٍ.
وقال أيضًا: حدّثنا أبي، حدّثنا الحسن بن الرّبيع، حدّثنا أبو الأحوص، عن الأعمش، عن مجاهدٍ، عن عبيد بن عميرٍ قال: إنّ في النّار لجبابًا فيها حيّاتٌ أمثال البخت، وعقارب أمثال البغال الدّلم، فإذا قذف بهم في النّار خرجت إليهم من أوطانها فأخذت بشفاههم وأبشارهم وأشعارهم، فكشطت لحومهم إلى أقدامهم، فإذا وجدت حرّ النّار رجعت.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا الحسن بن موسى، حدّثنا سلّامٌ -يعني ابن مسكينٍ -عن أبي ظلالٍ، عن أنس بن مالكٍ -رضي اللّه عنه -عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "إنّ عبدًا في جهنّم لينادي ألف سنةٍ: يا حنّان، يا منّان. فيقول اللّه لجبريل: اذهب فآتني بعبدي هذا. فينطلق جبريل فيجد أهل النّار منكبين يبكون، فيرجع إلى ربّه عزّ وجلّ فيخبره، فيقول اللّه عزّ وجلّ: آتني به فإنّه في مكان كذا وكذا. فيجيء به فيوقفه على ربّه عزّ وجلّ، فيقول له: يا عبدي، كيف وجدت مكانك ومقيلك؟ فيقول: يا ربّ شرّ مكانٍ، شرّ مقيلٍ. فيقول: ردّوا عبدي. فيقول: يا ربّ، ما كنت أرجو إذ أخرجتني منها أن تردّني فيها! فيقول: دعوا عبدي). [تفسير ابن كثير: 6/ 123]

تفسير قوله تعالى: {وَالَّذِينَ إِذَا أَنْفَقُوا لَمْ يُسْرِفُوا وَلَمْ يَقْتُرُوا وَكَانَ بَيْنَ ذَلِكَ قَوَامًا (67) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {والّذين إذا أنفقوا لم يسرفوا ولم يقتروا وكان بين ذلك قوامًا} أي: ليسوا بمبذّرين في إنفاقهم فيصرفون فوق الحاجة، ولا بخلاء على أهليهم فيقصّرون في حقّهم فلا يكفونهم، بل عدلا خيارًا، وخير الأمور أوسطها، لا هذا ولا هذا، {وكان بين ذلك قوامًا}، كما قال: {ولا تجعل يدك مغلولةً إلى عنقك ولا تبسطها كلّ البسط فتقعد ملومًا محسورًا} [الإسراء: 29].
وقال الإمام أحمد: حدّثنا عصام بن خالدٍ، حدّثني أبو بكر بن عبد اللّه بن أبي مريم الغسّانيّ، عن ضمرة، عن أبي الدّرداء، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "من فقه الرّجل رفقه في معيشته". ولم يخرجوه.
وقال [الإمام] أحمد أيضًا: حدّثنا أبو عبيدة الحدّاد، حدّثنا سكين بن عبد العزيز العبدي، حدّثنا إبراهيم الهجري عن أبي الأحوص، عن عبد اللّه بن مسعودٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "ما عال من اقتصد". ولم يخرجوه.
وقال الحافظ أبو بكرٍ البزّار: حدّثنا أحمد بن يحيى، حدّثنا إبراهيم بن محمّد بن ميمونٍ حدّثنا سعيد بن حكيمٍ، عن مسلم بن حبيبٍ، عن بلالٍ -يعني العبسيّ -عن حذيفة قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم "ما أحسن القصد في الغنى، وأحسن القصد في الفقر، وأحسن القصد في العبادة" ثمّ قال: لا نعرفه يروى إلّا من حديث حذيفة رضي اللّه عنه.
وقال إياس بن معاوية: ما جاوزت به أمر اللّه فهو سرفٌ.
وقال غيره: السّرف النّفقة في معصية اللّه.
وقال الحسن البصريّ: ليس النّفقة في سبيل اللّه سرفًا [واللّه أعلم] ). [تفسير ابن كثير: 6/ 123-124]

رد مع اقتباس