عرض مشاركة واحدة
  #21  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 10:41 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة آل عمران
[من الآية (64) إلى الآية (68) ]

{قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64) يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65) هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66) مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67) إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}

قوله تعالى: {قُلْ يَا أَهْلَ الْكِتَابِ تَعَالَوْا إِلَى كَلِمَةٍ سَوَاءٍ بَيْنَنَا وَبَيْنَكُمْ أَلَّا نَعْبُدَ إِلَّا اللَّهَ وَلَا نُشْرِكَ بِهِ شَيْئًا وَلَا يَتَّخِذَ بَعْضُنَا بَعْضًا أَرْبَابًا مِنْ دُونِ اللَّهِ فَإِنْ تَوَلَّوْا فَقُولُوا اشْهَدُوا بِأَنَّا مُسْلِمُونَ (64)}
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (إِلَى كَلِمَةٍ) بإِسكان اللام وفتح الكاف أبان بن تغلب، وبكسر الكاف وإسكان اللام، الباقون بفتح الكاف وكسر اللام، وهو الاختيار لأنه أشهر). [الكامل في القراءات العشر: 516]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {قل يا أهل الكتاب تعالوا إلى كلمة سواء بيننا وبينكم إلا نعبد إلا الله ولا نشرك به شيئا ولا يتخذ بعضنا بعضا أربابا من دون الله فإن تولوا فقولوا أشهدوا بأنا مسلمون 64}
{تعالوا}
- القراءة بفتح اللام تعالوا، ولم يأت في هذا الموضع خلاف كالمتقدم في الآية/61، ولو كان يجوز القياس في القراءة لكانت هذه مثل تلك بفتح اللام وضمها، ولكن القراءة مبنية على السماع وليس للقياس فيها حظ.
- لبعد كتابة الكلمات السابقة وجدت في الشوارد: وقرأ نبيح والجراح وأبو واقد «تعالوا إلى كلمة سواء» كذا بضم اللام.
{إلى كلمة}
- قراءة الجماعة "كلمة" بفتح الكاف وكسر اللام.
- وعن أبي السؤال قراءتان:
1- كلمة: بكسر الكاف وسكون اللام، مثل سدرة.
2- كلمة: بفتح الكاف وسكون اللام، مثل ضربة
وذهبوا في القراءة الأولى إلى أنها من نقل كسرة الكلام إلى الكاف للتخفيف.
[معجم القراءات: 1/512]
{إلى كلمة سواء}
- قرأ الجمهور سواء بالجر على الصفة لما قبلها.
- وقرا الحسن سواء بالنصب. وخرجه الحوفي والزمخشري على أنه مصدر.
قال الزمخشري: بمعني استوت استواء فيكون سواء بمعنى استواء، ويجوز أن ينتصب على الحال من كلمة، وإن كان ذو الحال نكرة، فقد أجازه سيبويه وقاسه.
- وقرأ عبد الله بن مسعود إلى كلمة عدل، ومعناها معنى قراءة الجماعة.
{ولا يتخذ بعضنا}
- قرأ بعضهم ولا نتخذ بعضنا بالنون ونصب «بعضا به».
{فإن تولوا}
- قرئ فإن تولو بضم التاء واللام أي حملهم الشيطان على التولي). [معجم القراءات: 1/513]

قوله تعالى: {يَا أَهْلَ الْكِتَابِ لِمَ تُحَاجُّونَ فِي إِبْرَاهِيمَ وَمَا أُنْزِلَتِ التَّوْرَاةُ وَالْإِنْجِيلُ إِلَّا مِنْ بَعْدِهِ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (65)}
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (أَنزَلتُ) بفتح الهمزة وضم التاء (التَّوْرَاةَ وَالْإِنْجِيلَ) منصوبان وهو الاختيار كقراءة اليماني وغيره إذ المنزل على الحقيقة هو اللَّه تبارك وتعالى، الباقون على ما لم يسم فاعله). [الكامل في القراءات العشر: 516]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {يا أهل الكتاب لم تحاجون في إبراهيم وما أنزلت التوراة والإنجيل إلا من بعده أفلا تعقلون 65}
{لم}
- وقف يعقوب، والبزي بخلاف عنه بهاء الكست "لمه".
{التوراة}
- تقدمت الإمالة فيه في الآية /3 من هذه السورة.
{الإنجيل}
- تقدمت قراءة الحسن الأنجيل، بفتح الهمزة في الآية/3 من هذه السورة). [معجم القراءات: 1/513]

قوله تعالى: {هَا أَنْتُمْ هَؤُلَاءِ حَاجَجْتُمْ فِيمَا لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ فَلِمَ تُحَاجُّونَ فِيمَا لَيْسَ لَكُمْ بِهِ عِلْمٌ وَاللَّهُ يَعْلَمُ وَأَنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (66)}
قال أبو بكر أحمد بن موسى ابن مجاهد التميمي البغدادي (ت: 324هـ): (18 - وَاخْتلفُوا فِي الْمَدّ والهمز وَتَركه فِي قَوْله {هَا أَنْتُم هَؤُلَاءِ} 66
فَقَرَأَ ابْن كثير (هأنتم) لَا يمدها ويهمز الْألف من أَنْتُم
وقرأت أَنا على قنبل عَن ابْن كثير (هأنتم) بِهَذَا اللَّفْظ على وزن هعنتم
وَقَرَأَ نَافِع وَأَبُو عَمْرو (هانتم) غير مَهْمُوز ممدودا استفهاما
وروى عَليّ بن نصر عَن أبي عَمْرو استفهاما مخففا بِلَا همز
وَقَالَ أَحْمد بن صَالح عَن ورش وقالون عَن نَافِع ممدودا غير مَهْمُوز
وَقَرَأَ عَاصِم وَابْن عَامر وَحَمْزَة وَالْكسَائِيّ (هأنتم) ممدودا مهموزا
وَلم يَخْتَلِفُوا فِي مد {هَؤُلَاءِ} و{أولاء}). [السبعة في القراءات: 207]
قال أبو بكر أحمد بن الحسين ابن مهران الأصبهاني (ت: 381هـ): ({هاانتم} بغير همزة مدني
[الغاية في القراءات العشر: 212]
وأبو عمرو وقالون ويعقوب أقل مدا). [الغاية في القراءات العشر: 213]
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ( (هانتم)، [66، 119]: ممدود بلا همز مدني، وأبو عمرو، بخلاف عنهما.
بوزن «هعنتم» قنبل إلا ابن الصلت والربعي والهاشمي، وورش طريق الأسدي.
بغير مد ولا همز اليزيدي طريق أبي عبد الرحمن وأبي حمدون طريق البلخي، والأزرق طريق الطائي، وقالون طريق الشذائي وابن دیزیل، وإسماعيل طريق البلخي، والحلواني طريق النقاش). [المنتهى: 2/630] (م)
قال أبو الفضل محمد بن جعفر الخزاعي الجرجاني (ت: 408هـ): ({هؤلاء} [66، 119]: حجازي غير سالم وورش، وبصري غير أيوب لا يمدون «ها»، ولم يختلفوا في مد «أولآء» حيث وقع.
[المنتهى: 2/630]
(هو لا): بغير همز الحريري). [المنتهى: 2/631] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (قرأ قنبل (هأنتم) بالهمز من غير مد مثل (هعنتم) وقرأ نافع وأبو عمرو بالمد
[التبصرة: 179]
من غير همز، وقرأ الباقون بالمد والهمز غير أن مد البزي دون غيره، وذلك حيث وقع). [التبصرة: 180]
قال أبو عمرو عثمان بن سعيد الداني (ت: 444هـ): (نافع، وأبو عمرو: {ها آنتم} (66)، حيث وقع: بالمد، من غير همز.
وورش: أقل مدا.
وقنبل: بالهمز، من غير ألف بعد الهاء.
والباقون: بالمد والهمز.
والبزي: يقصر المد، على أصله.
* قال أبو عمرو:
فالهاء على مذهب أبي عمرو، وقالون، وهشام، يحتمل أن تكون للتنبيه، وأن تكون مبدلة من همزة. وعلى مذهب قنبل، وورش: لا تكون إلا مبدلة لا غير. وعلى مذهب الكوفيين، والبزي، وابن ذكوان: لا تكون إلا للتنبيه فقط.
فمن جعلها للتنبيه، وميز بين المنفصل والمتصل في حروف المد لم يزد في تمكين الألف، سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها.
ومن جعلها مبدلة، وكان ممن يفصل بالألف، زاد في التمكين، سواء أيضًا حقق الهمزة أو لينها.
وهذا كله مبني على أصولهم، ومحصل من مذاهبهم). [التيسير في القراءات السبع: 252]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ) :(نافع وأبو عمرو وأبو جعفر (ها أنتم). حيث وقع بالمدّ من غير همز، وورش أقل مدا، وقنبل بالهمز من غير ألف بعد الهاء، والباقون بالمدّ والهمز، والبزي بقصر المدّ على أصله. قال أبو عمرو: فالهاء على مذهب أبي عمرو وقالون وهشام يحتمل أن تكون للتّنبيه وأن تكون مبدلة من همزة وعلى مذهب قنبل وورش لا تكون إلّا مبدلة لا
[تحبير التيسير: 323]
غير، وعلى مذهب الكوفيّين والبزي وابن ذكوان لا تكون إلّا للتّنبيه فقط فمن جعلها للتّنبيه وميز بين المنفصل والمتصل في [حروف] المدّ لم يزد في تمكين الألف سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها، ومن جعله مبدلة وكان ممّن يفصل بالألف زاد في التّمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها، وهذا كله مبنيّ على أصولهم ومحصل من مذاهبهم). [تحبير التيسير: 324]
قال أحمد بن علي بن خلف ابن الباذش الأنصاري (ت: 540هـ): ([66]- {هَا أَنْتُمْ} بالمد بلا همز: نافع وأبو عمرو5.
وبوزن "هَعَنْتُمْ": قنبل. الباقون بالمد والهمز.
[الإقناع: 2/620]
و"ها" في {هَا أَنْتُمْ} للتنبيه على كل قراءة، لا بدل من حرف الاستفهام). [الإقناع: 2/621]
قال القاسم بن فيرُّه بن خلف الشاطبي (ت: 590هـ): (559 - وَلاَ أَلِفٌ فِي هَا هَأَنْتُمْ زَكاَ جَناً = وَسَهِّلْ أَخاَ حَمْدٍ وَكَمْ مُبْدِلٍ جَلاَ
560 - وَفي هَائِهِ التَّنْبِيهُ مِنْ ثَابِتٍ هُدىً = وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ زَانَ جَمَّلاَ
561 - وَيَحْتَمِلُ الْوَجْهَيْنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَكَمْ = وَجِيهٍ بِهِ الْوَجْهَيْنِ لِلْكُلِّ حَمَّلاَ
562 - وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَباً = وَذُو الْبَدَلِ الْوَجْهاَنِ عَنْهُ مُسَهِّلا). [الشاطبية: 45]
- قال علم الدين علي بن محمد السخاوي (ت: 643هـ): ([559] ولا ألفٌ في هاهأنتم (ز)كا (جـ)نًا = وسهل (أ)خا (حـ)مدٍ وكم مبدلٍ (جـ)لا
ترجمة {هأنتم}، يصعب على المصنفين ضبطها، فتنتشر عليهم العبارة فيها. وقد أتقنها في القصيد مع الإيجاز.
وفي ما كتب لي على القصيد عند فراغي منها وبعد عرضها عليه، إشارة إلى حسن عبارته في هذا الموضع، لأنه ذكر قصيده وأثنى عليها في ذلك الكلام الذي أملاه فقال: تارة تسهل عبارة طالما شغل الأفكار عبورها، كالكلام في {ءامنتم} و{هأنتم} ونحوهما، مما انقاد بعد الشماس غميصاؤها وعبورها.
وليس بعد هاء (هأنتم) ألف في قراءة قنبل ولا في قراءة ورش.
وعن ورش في الهمزة بعدها مذهبان:
من أهل الأداء من سهلها له بين بين، وهو أقوى في العربية، وإليه ذهب الأئمة في مصنفاتهم كأبي يعقوب وعبد الصمد وداود وقالوا: يسهلها على مذاق الهمزة.
وكذلك يسهلها قالون وأبو عمرو، إلا أنهما يأتيان بألف قبل الهمزة.
[فتح الوصيد: 2/783]
فلذلك أفرد ورشًا عنهما في حذف الألف، وأدخله معهما في التسهيل فقال: (وسهل أخا حمدٍ)؛ ثم قال: (وكم مبدل جلا).
وذهب إلى أن ورشًا يبدل الهمزة ألفًا، جماعة من أهل الأداء، ودونه الأئمة في كتبهم أيضًا، وقالوا: أبدلها ألفا خالصة، وأشبع مدها لوقوع النون الساكنة بعدها؛ ثم قال:
[560] وفي هائه التنبيه (مـ)ن (ثـ)ابتٍ (هـ)دى = وإبداله من همزةٍ (ز)ان (جـ)ملا
اعلم أن الهمزة تبدل هاء، وذلك كثير في كلامهم؛ يقولون في إياك: هياك، وفي أرقت: هرقت.
وأتی صواحبها فقلن هذا الذي = منح المودة غيرنا وجفانا
ثم اعلم أن (ها) التي للتنبيه، تدخل على (ذا) و(ذان) و (أولاء). فإذا صحبها الضمير المنفصل، فمن العرب من يأتي به بعد وهو الأصل فيقول: هذا أنا، وهذا أنت، وهذا هو، وهذان أنتما، وهذان هما، وهؤلاء نحن، وهؤلاء
[فتح الوصيد: 2/784]
أنتم، وهؤلاء هم؛ ومنهم من يقدم الضمير على (ذا) وأخواته فيقول: ها أنذا، وها أنتما ذان، وها أنتم أولاء.
ومن العرب من يدخل هاء التنبيه على المضمر والمبهم معًا، فيقول: ها أنت هذا، وها أنتما هذان، وها أنتم هؤلاء.
فقراءة ابن ذكوان والبزي والكوفيين، تقتضي أن تكون (ها) للتنبيه، لأنهم ليس من مذهبهم أن يفصلوا بين الهمز بألف وقد مدوا ها أنتم. فما هي إلا ألف (ها) مدت لهمزة أنتم.
وقراءة قنبل وورش تقتضي أن تكون الماء مبدلة من همزة.
أما قنبل فقد قرأ بهمزة بعد الماء. ولو كانت التي للتنبيه، لأتى بألفٍ، وقرأها كما يقرأ (هؤلاء).
فإن قيل: فلعله حذف ألف (ها)!
قيل: هذا من الحروف التي لا يحذف منها.
فإن قيل: فما باله حقق الهمزة ومن مذهبه التسهيل كما في {ءانذرتهم}.
قيل: أغناه عن ذلك إبدال الأولى هاء.
وأما ورش، فالدليل على أنها على مقتضى قراءته مبدلة من همزة، أنه سهلها.
ولو كانت (ها) التي للتنبيه، لم يقتض ذلك التسهيل، كما لم يقتضه في (هؤلاء).
وأيضًا، فإن الإصبهاني روي عن أصحابه عنه تحقيق الهمزة بعد الهاء من غير ألف بينهما كقراءة قنبل. فلو كانت للتنبيه، لأتى بألف بعدها.
[فتح الوصيد: 2/785]
[561] ويحتمل الوجهين عن غيرهم وكم = وجيهٍ به الوجهين للكل حملا
(عن غيرهم)، وهم قالون وأبو عمرو وهشام.
تحتمل قراءتهم أن تكون الماء فيها مبدلة من همزة، لأنهم يفصلون بين الهمزتين بألف، وأن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على (أنتم)، فلما اتصلت بها وصارت لشدة الاتصال كأنها من نفس الكلمة، صارت الهمزة في حكم المتوسطة، فخففها قالون وأبو عمرو؛ لأن تخفيف الهمزة المبتدأة ضعيف، وتخفيف المتوسطة قوي كما سبق.
ولهذا المعني بعينه، خُففت الهمزة الداخلة عليها همزة الاستفهام.
فإن قيل: تخفيف الهمزة تقريبٌ من الساكن، فكيف يصح ذلك بعد الألف؟
قيل: إذا جاز أن يقع الساكن بعد الألف في نحو: دابة، فالهمزة المخففة أولى.
وقوله: (وكم وجيه به)، أي بالهاء، (حمل) الوجهين للجميع؛ أي جعله محملا للوجهين لجميع القراء.
والأول هو الأحسن. فيجوز هذا في مذهب ورش وقنبل، أن تكون (ها) التي للتنبيه دخلت على أنتم، وحذفت ألفها لكثرة الاستعمال.
وعلى قول من أبدل الهمزة لورش ألفًا، اجتمع ألفان فحذفت إحداهما.
وكذلك جوز أن تكون على قراءة ابن ذكوان والبزي والكوفيين مبدلةً من همزة ويكون الأصل: أأنتم.
إلا أنهم فصلوا بينهما بألف على لغة من قال: أأنت أم أم سالم.
[فتح الوصيد: 2/786]
وهؤلاء وإن لم يكن من مذهبهم أن يفصلوا بين الهمزتين، ولكن يحتمل أن يكون جمعًا بين اللغتين كما فعل هشام في الهمزتين المفتوحة والمكسورة في المواضع السبعة المذكورة.
[562] ويقصر في التنبيه ذو القصر مذهبًا = وذو البدل الوجهان عنه مسهلًا
(ويقصر في التنبيه) المذكور. وهو لابن ذكوان والكوفيين والبزي. (ذو القصر مذهبًا)، يعني البزي. وكذلك في قراءة قالون وأبي عمرو.
ويحتمل أن يكون للتنبيه، فيقصر على مذهبهما في قصر المنفصل.
(وذو البدل الوجهان عنه مسهلا)، يعني ورشًا؛ لأن ذا البدل المسهل لا تجده إلا ورشًا، لأنه قد قال: إن إبداله من همزة لـ (زان جمل)، وقنبل لا يسهل الهمزة هاهنا، فيبقى ورش، وله وجهان كما سبق.
فعلی قول من يسهل بين بين، يأتي بماء بعدها همزة مسهلة.
وعلى قول من يسهل بالبدل له، يأتي بهاء بعدها مدة مطولة لأجل الساكن بعدها.
وأراد بقوله: (مسهلًا)، مذهبي ورش: البدل، وبين بين.
ومقصوده بذلك أن يفصله من قنبل.
فإن قيل: هذه الهمزة قد تغيرت في مذهب قالون والدوري بالتسهيل، فإذا قدرتم لهما التنبيه في (ها)، فينبغي أن لا تمدوا لتغير الهمزة. وعلى تقدير
[فتح الوصيد: 2/787]
أنها مبدلة من همزة فينبغي أن لا يمد من مد، لأن الفصل، لكراهة اجتماع المثلين، وقد زال ذلك بالبدل!
قيل له: التسهيل عارض، والتحقيق مراد؛ فلا يمنع العارض ما ثبت بالأصالة، والبدل قد يكون في حكم ما أبدل منه، وقد قال الأخفش: لو سميت بأصيلال، لم تصرفه، لأن النون منوية مرادة، واللام في حكمها). [فتح الوصيد: 2/788]
- قال محمد بن أحمد الموصلي (شعلة) (ت: 656هـ): ( [559] ولا ألف في ها هأنتم زكا جنا = وسهل أخا حمد وكم مبدل جلا
ح: (لا): بمعنى (ليس)، (ألفٌ): اسمها، (في ها هأنتم): خبرها، (زكا): خبر آخر، (جنى): تمييز، (أخا حمدٍ): حال، أو منادى حذف منه
[كنز المعاني: 2/108]
حرف النداء، (كم): خبرية مرفوعة المحل على الابتداء، (مبدلٍ): جُرَّ على تمييز (كم)، (جلا): خبر.
ص: يعني: قرأ قنبل وورش (هأنتم) أين جاء في القرآن بغير ألف على وزن: (فعلتم)، والباقون على وزن: (فاعلتم).
ثم نافع وأبو عمرو يسهلان الهمزة، وعن ورش جاء الإبدال أيضًا، والباقون، يحققون الهمزة.
فحصل لقنبل: تحقيق الهمزة بلا ألف، ولقالون وأبي عمرو تسهيل الهمزة مع الألف، ولورش وجهان: التسهيل بغير ألف، وإبدال الهمزة ألفًا خالصة، فيلزم المد لسكون النون بعدها.
فيبقى الكوفيون وابن عامر والبزي بالألف والهمزة، وقد تقدم وجها ورش على الاطراد في قوله:
وقل ألفًا عن أهل مصر تبدلت = لورشٍ وفي بغداد يُروى مسهلا
ثم طفق يبين منشأ الخلاف وأصول قراءاتهم فقال:
[560] وفي هائه التنبيه من ثابت هدى = وإبداله من همزة زان جملا
ح: (التنبيه): مبتدأ، (من ثابتٍ): متعلق به، (هدى): تمييز، (في
[كنز المعاني: 2/109]
هائه: خبر، والضمير: لـ (هأنتم)، و (إباله): مبتدأ، (من همزة): متعلق به، (زان): خبر، (جملا): عطف بغير الواو، أو خبر بعد خبر.
ص: يعني على قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي يكون (ها) في: {هاأنتم} [66] للتنبيه دخلت على الضمير؛ لأنهم ليس من مذهبهم المد بين الهمزتين، وقد مدوا بعد الهاء، فيدل على أنها للتنبيه.
وعلى قراءة ورش وقنبل يكون بدلًا من همزة الاستفهام، كما أبدلوا من (أراق): (هراق)، و (إياك): (هياك)، والدليل على أن أصل الهاء همزة: أنهما ما مدا بعد الهاء، ولو كانت للتنبيه لأتيا بألف (ها) .
وإنما لم يسهل قنبل الثانية لأنه لما أبدل الأولى هاءً لم يجتمع همزتان، وسهل ورش اعتبارًا بالأصل.
[561] ويحتمل الوجهين عن غيرهم وكم = وجيه به الوجهين للكل حملا
ب: (حمل): من التحميل.
ح: الضمير في (غيرهم): لمن تقدم، الهاء في (به): للهاء، والباء: زائدة، (الوجهين): مفعول (حملا)، وفاعله: ضمير (الوجيه)، تقديره: كم وجيه حمل في الهاء الوجهين للقراء السبعة.
ص: يعني: يحتمل الهاء على قراءة غير من تقدم وهم: أبو عمرو
[كنز المعاني: 2/110]
وقالون وهشام أن يكون بدلًا من همزة، وأن يكون هاء التنبيه لأنهم من مذهبهم المد بين الهمزتين من كلمة، والألف هنا في قراءتهم ثابتة.
وقد سهل قالون وأبو عمرو على مذهبهما في مثله، فيحتمل أن يكون أصلها همزة، أو هاء التنبيه والألف الثابتة ألف (ها)، وتسهيل أبي عمرو وقالون على خلاف أصلهما في الهمزة الواحدة للجمع بين اللغتين، أو اتباع المنقول.
ثم قال: وكم وجيهٍ، أي: كثير من القراء ممن له وجاهة وشهرة ذكر الوجهين المذكورين لجميع القراء السبعة، فالوجهان: لأبي عمرو وقالون وهشام على ما ذكر.
واحتمال التنبيه في قراءة ورش وقنبل أن يقال: حذفت ألفها تخفيفًا، أو لالتقاء الساكنين في وجه الإبدال لورش.
واحتمال البدل في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي أن يقال: إنهم مدوا بين الهمزة المبدلة والهمزة الثانية على خلاف أصلهم اتباعًا للمنقول.
[562] ويقصر في التنبيه ذو القصر مذهبا = وذو البدل الوجهان عنه مسهلا
ح: (ذو القصر): فاعل (يقصر)، (مذهبا): مصدر مؤكد، (ذو البدل):
[كنز المعاني: 2/111]
مبتدأ، (الوجهان): مبتدأ ثانٍ، (عنه): خبر، (مسهلا): حال.
ص: يعني إذا قلنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل؛ لأن {ها} كلمة و{أنتم} كلمة أخرى، فيقصر من مذهبه القصر في المنفصل، وهو: البزي والسوسي بلا خلاف، وقالون والدوري بخلاف، لقوله:
فإن ينفصل فالقصر بادره طالبًا = بخلفهما يرويك درا ومخضلا
ويمد الباقون سوى قنبل وورش، إذ لا ألف في قرائتهما، ويعلم من قوله: (ويقصر) أن القصر والمد لا يكونان إلا على تقدير وجود الالف.
ثم قال: (وذو البدل الوجهان)، يعني: من ذكرنا أن الهاء عنده بدل من الهمزة، وهو: قنبل وورش، وكذلك أبو عمرو وقالون وهشام، إذ يحتمل عندهم البدل أيضًا، فمن مذهبه التسهيل من هؤلاء يجوز عنده الوجهان المد والقصر، ولا يكونان إلا للدوري وقالون على وجه، بخلاف السوسي، لأن مذهبه القصر، وقنبل وورش إذ لا ألف في قراءتهما، فلا
[كنز المعاني: 2/112]
مد، وهشام ليس بمسهل، فله المد قولًا واحدًا.
والعلة: أن الألف بعده همز مغير، فيجوز القصر والمد كما ذكر.
ويجوز أن يكون المراد بـ (ذي البدل) ورشًا؛ لأنه على وجه يبدل الهمز ألفًا كما قال:
.............. = .............. وكم مبدلٍ جلا
فيجوز عنده القصر إذ أخذ له بالتسهيل، والمد إذا أخذ له البدل لالتقاء الساكنين). [كنز المعاني: 2/113]
- قال أبو شامة عبد الرحمن بن إسماعيل الدمشقي (ت: 665هـ): (557- وَلا أَلِفٌ فِي هَا هَأَنْتُمْ "زَ"كا "جَـ"ـنًا،.. وَسَهِّلْ "أَ"خا "حَـ"ـمْدٍ وَكَمْ مُبْدِلٍ "جَـ"ـلا
هذا من جملة المواضع التي الحكم فيها عام ولم يبينه بل أطلقه، فيوهم إطلاقه أنه مختص بسورته فقط، وصاحب التيسير وغيره قالوا: حيث وقع واستعمل الناظم لا بمعنى: ليس فارتفع "ألف" بعدها، وقوله: في ها "هأنتم" أي لا ألف في لفظ ها من: "هأنتم".
ويشكل على هذا التأويل أنه لفظ بـ: "هأنتم" بغير ألف وجوابه أنه أراد في
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/22]
لفظ "ها" من "ها" أنتم الذي صار لفظه بعد حذف الألف منه: "هأنتم"، وحذف هذا المقدر كله للعلم به فهو قريب من قوله:
وفي بلد ميت مع الميت خففوا
أي: خففوا المثقل حتى صار على هذا اللفظ، وكذا قوله: قل: سارعوا لا واو
وقل: قال موسى، واحذف الواو
أي: احذفها من: {وَقَالَ الَّذِي}.
صار بعد الحذف قال: ويجوز أن يكون أراد في ها "ها أنتم" وقصر الممدود؛ أي: الألف بعدها هاء "ها أنتم"، ووجه التجوز في التعبير عن ذلك بحرف في أن الألف لما كانت عقيب الهاء تجوز؛ لشدة القرب بأن جعلها فيها قريبا من قوله تعالى: {وَلَأُصَلِّبَنَّكُمْ فِي جُذُوعِ النَّخْلِ}،
وهذا الوجه أوفق للفظة "أنتم" بغير ألف، ولو قال: و"ها أنتم" اقصر حيث جاء زكا، جنا
لخلص الكلام من هذا التكلف في تأويله وجنا في موضع نصب على التمييز وأخا حمد حال أو منادى على حذف حرف النداء.
ومعنى البيت من جهة القراءة أن الألف في قراءة قنبل، وورش محذوف والباقون أثبتوا الألف إلا أن نافعا وأبا عمرو سهلا الهمزة؛ أي: جعلاها بين بين، فهي في قراءة أبي عمرو وقالون واقعة مسهلة بعد الألف وفي قراءة ورش مسهلة بعد الهاء؛ إذ الألف في قراءته والهمزة المفتوحة بعد الألف كالمفتوحة بعد مفتوح قياس تسهيلهما أن تجعلا بين بين وجماعة من أهل
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/23]
الأداء، وشيوخ الإقراء أبدلوها له ألفا، وهذان الوجهان لورش هما كما سبق له في باب الهمزتين من كلمة في قوله: عن الهمزة الثانية:
وقل ألفا عن أهل مصر تبدلت،.. لورش وفي بغداد يروى مسهلا
وقراءة قنبل على نحو: فعلتم نحو هزمتم وهشمتم، وكذا يكن وزن قراءة ورش على وجه التسهيل؛ لأن الهمزة المسهلة بزنة المحققة فيما يرجع إلى الوزن ووزن قراءة الباقين فاعلتم نحو قاتلتم وضاربتم، إلا أن غير قالون وأبي عمرو وهم الكوفيون وابن عامر والبزي حققوا الهمزة، ثم أخذ يبين هذه الكلمة ويشرحها على ما تقرر من أصولهم وفي عبارة صاحب التيسير عن قراءة نافع وأبي عمرو إشكال فإنه قال: نافع وأبو عمرو "وها أنتم" حيث وقع بالمد من غير همز، وكذا قال شيخه أبو الحسن بن غلبون، ومكي وكأنهم يعنون من غير همز محقق، بل هو مسهل بين بين، وكذلك شرحه أبو علي الفارسي -رحمه الله- وصرح مكي في الكشف قال: وبين بين أنوى في العربية في ذلك كله لورش ثم قال الداني: وورش أقل مدا، وهذا هو الوجه الثاني له الذي أبدل فيه الهمزة ألفا، قال المهدوي: أبدلها ورش ألفا وحذف إحدى الألفين؛ لالتقاء الساكنين وقال صاحب الروضة: قرأ أهل المدينة وأبو عمرو "هأنتم" بتليين الهمزة والباقون بتحقيقها، وكلهم أثبتوا ألفا قبل الهمزة إلا ابن مجاهد عن قنبل؛ فإنه حذفها، وكان نافع في غير رواية ورش أقصرهم مدا، وفي كتاب أبي عبيد قرأ أهل المدينة وأبو عمرو "هأنتم" غير ممدودة ولا مهموزة في جميع القرآن، وكان حمزة والكسائي يقرآنها بالمد والهمز معا، قال: وكذلك نقرؤها بالإشباع والتحقيق، قلت: وهذا خلاف ما نقله الجماعة من المد لأبي عمرو وقالون والله أعلم.
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/24]
558- وَفي هَائِهِ التَّنْبِيهُ "مِـ"ـنْ "ثَـ"ـابِتٍ "هُـ"ـدًى،.. وَإِبْدَالُهُ مِنْ هَمْزَةٍ "زَ"انَ "جَـ"ـمَّلا
يعني الهاء من "ها أنتم" فيها معنى التنبيه في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي؛ لأن لفظ ها من حروف التنبيه، وهو يدخل على أسماء الإشارة، وعلى الضمائر فيكون داخلا هنا على الضمير الذي هو: أنتم كما تقول: ها أنتم فعلت كذا، ودل على أنها للتنبيه في قراءة هؤلاء كونهم مدوا بعد الهاء وليس من مذهبهم المد بين الهمزتين بخلاف غيرهم، وقوله: من ثابت متعلق بالتنبيه، وهدى تمييز مثل زكا جنا؛ أي: ثابت هداه يعني المتكلم بها أنتم وهو الله جل وعز، ثم قال: وإبداله؛ أي: إبدال الهاء من همزة زان، وجمل فجملا معطوف على زان بإسقاط حرف العطف، ويجوز أن يكون خبرا بعد خبر؛ أي: الهاء في "ها أنتم" على قراءة قنبل وورش تكون بدلا من همزة الاستفهام، والأصل: أأنتم؛ لأنهما مما مدا بعد الهاء ولو كانت للتنبيه لأتوا بألف ها، والهاء تبدل من الهمز في مواضع كثيرة فيجوز أن يكون هذا منها وإنما لم يسهل قنبل الثانية؛ لأنه قد أبدل الأولى هاء فلم تجتمع همزتان، وسهل ورش اعتبارا بالأصل أو كما سهل البزي في: {لأَعْنَتَكُمْ} وقفا ووصلا وهو كما يفعل حمزة فيهما في الوقف على وجه وكل ذلك جمع بين اللغات:
559- وَيَحْتَمِلُ الوَجْهَيْنِ عَنْ غَيْرِهِمْ وَكَمْ،.. وَجِيهٍ بِهِ الوَجْهَيْنِ لِلكُلِّ حَمَّلا
أي ويحتمل الهاء في قراءة غير من تقدم وهم أبو عمرو وقالون وهشام: أن تكون بدلا من همزة؛ لأن من مذهب هؤلاء الثلاثة المد بين الهمزتين من كلمة كما سبق في بابه والألف هنا في قراءتهم ثابتة، ومن مذهب أبي
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/25]
عمرو وقالون التسهيل في مثل هذا، وقد سهلا فكان من هذا الباب بدليل التسهيل والمد، ويحتمل أن تكون ها التي للتنبيه والألف الثانية هي ألف ها، وإنما سهل أبو عمرو وقالون الهمز على خلاف أصلهما جمعا بين اللغتين كما فعل البزي في "لأعنتكم"، ثم ذكر أن جماعة من القراء من له وجاهة، وقول مقبول حمل الهاء على الوجهين لجميع القراء السبعة، فالهاء في به للهاء والباء زائدة، وهذه الطريقة غير مذكورة في التيسير، ولكن قد ذكرها جماعة مثل مكي والمهدوي وأبي علي الفارسي، وإن كانت هذه الطريقة ظاهرة في بعض القراءات أكثر من بعض، وقد تقرر الوجهان في مذهب الغير على ما ذكر، وأما احتمال التنبيه في قراءة ورش وقنبل فوجهه أن يقال حذفت ألف ها؛ تخفيفا ولالتقاء الساكنين في قول من أبدل لورش، وأما احتمال البدل في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي فلا مانع منه إلا كونهم مدوا بين الهمزتين، وهذا لا يضر جمعا بين اللغتين؛ لأن الهمزة الأولى مقدرة منونة، وأريد بالمد الإشارة إلى ذلك، والذي استحسنه الجماعة أن تكون الهاء للتنبيه في قراءة هؤلاء، قال المهدوي: إذ ليس أحد من القراء يدخل بين الهمزتين المفتوحتين من كلمة ألفا مع التحقيق فيقدر له هذا التقدير، قال مكي: وهذا أولى بقراءة البزي، وعلى ذلك تحمل قراءة الكوفيين وابن عامر إلا هشاما؛ فإنه قد يدخل بين الهمزتين ألفا في غير هذا، فيجوز أن يحمل هذا على أصله في غيره، قلت: الأولى في هذه الكلمة على جميع وجوه القراءات فيها أن تكون ها للتنبيه؛ لأنا إن جعلنا الهاء بدلا من همزة كانت تلك الهمزة همزة استفهام، و"ها أنتم" أينما جاءت في القرآن العزيز إنما هي للخبر لا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/26]
للاستفهام ولا مانع من ذلك إلا تسهيل من سهل وحذف من حذف، أما التسهيل فقد سبق تشبيهه بقوله: {لأَعْنَتَكُمْ} وشبهه، وأما الحذف فنقول: ها مثل أما كلاهما حرف تنبيه، وقد ثبت جواز حذف ألف أما، فكذا حذف ألف ها، وذاك قولهم: أم والله لأفعلن وقد حمل البصريون قولهم: {هَلُمَّ} على أن أصله ها لم، ثم حذفت ألفها، فكذا: "ها أنتم".
560- وَيَقْصُرُ فِي التنْبِيهِ ذُو الْقَصْرِ مَذْهَبًا،.. وَذُو الْبَدَلِ الوَجْهانِ عَنْهُ مُسَهِّلا
ذكر في هذا البيت تفريع ما يقتضيه الخلاف في البيت السابق على التقديرين: من أن الهاء للتنبيه أو بدل من همزة، ونبه بقوله: ويقصر على أن كلامه في من في قراءته ألف، فخرج من ذلك قنبل وورش؛ إذ لا ألف في قراءتهما والقصر والمد لا يكونان إلا في حرف من حروف المد فقال: إذا حكمنا بأن الهاء للتنبيه صار المد في ذلك على قراءة من أثبت الألف من قبيل المنفصل مثل: "وما لنا أن لا".
وذلك أن ها كلمة وأنتم كلمة أخرى فيقصر من مذهبه القصر ويمد من مذهبه المد فخرج من هذا أن للبزي والسوسي القصر ولقالون والدوري خلاف تقدم، لكن على رواية المد لهما يتجه ههنا خلاف آخر مأخوذ من قوله:
وإن حرف مد قبل همز مغير البيت
قد تقدم شرحه، والباقون على المد فقوله: وذو البدل يعني من ذكرنا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/27]
أن الهاء في مذهبه بدل من الهمزة عنه وجهان في حال تسهيله فلا يكون ذلك إلا في مذهب الدوري وقالون على رواية أما السوسي فإنه من ذوي القصر مذهبا، وأما ورش فلا ألف في قراءته فلا مد، وعلى الوجه الآخر الذي أبدل فيه الهمزة ألفا: مده بمقدار نطقه بألف نحو قال وباع لا زيادة عليه بقي من ذوي البدل هشام فله المد قولا واحدا؛ لأنه ليس بمسهل وكل هذا تفريع على أن "ها" للتنبيه لأصحاب البدل وغيرهم أما إذا قلنا إن الهاء بدل من الهمزة فالكل مستوون في المد بمقدار ألف كما يقرءون: {أَأَنْذَرْتَهُمْ}.
وكما يقولون: قال وباع؛ لأنها ألف بين همزتين فليس هذا من المد المنفصل ولا المتصل، وقول الناظم وذو البدل وإن كان يعني به بدل الهاء من الهمز فلم يقل ذلك ليبني الخلاف على البدل؛ ذ لا مناسبة في ذلك، وإنما ذكره تعريفا لمن عنه الوجهان لا شرطا، فقال من ذكرنا: إن الهاء مبدلة من همزة في مذهبه إذا فرعنا على أنها أيضا في حقه للتنبيه هل يكون له مد نظر، إن كان مسهلا فوجهان؛ لأن الألف حرف مد قبل همز مغير وإن كان محققا مد بلا خلاف وهو هشام، هذا قياس مذهبهم وما يقتضيه النظم والمعنى فلا تختلف القراءة بالمد والقصر إلا على قولنا إن ها للتنبيه فما فرع الناظم إلا على هذا القول، ولم يفرع على قول البدل لوجهين؛ أحدهما: أن كون ها للتنبيه هو الأصح على ما اخترناه في شرح البيت السابق، الثاني: أنه ترك التفريع على ذلك لظهوره؛ لأنه لا يقتضي تفاوتا في المد للجميع؛ لأن التقدير تقدير: أنهم أدخلوا ألفا بين همزتين بعضهم جرى على أصله وبعضهم خالف في ذلك أصله وإدخال ألف بين همزتين لا يختلف في النطق بها كما سبق تقريره.
وذكر بعض من شرح: أن إدخال الألف بين الهمزتين يقتضي أن الأمر يصير من قبيل المتصل كأن الألف من نفس الكلمة فعلى هذا القول أيضا
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/28]
يستوون في المد، ولا يجئ القصر إلا على قولنا: إن حرف المد الذي قبل الهمز المغير لا يمد إلا أن هذا القول عندي غلط، فإن من يقول بمد الألف بعد إدخالها بين الهمزتين يكون بقدر ألفين وأكثر، والمنقول أنهم يدخلون بينهما ألفا للفصل فلا حاجة إلى زيادة المد بل يقتصر على مقدار النطق بألف على حدها في نحو: قال وباع، وذكر الشيخ في شرحه أن قوله: وذو البدل يعني ورشا الوجهان عنه يعني المد والقصر في حال كونه مسهلا، ويعني بالتسهيل مذهبيه، وهما إبدال الهمز وبين بين فالمد على قول البدل والقصر على بين بين ولم يرد بمسهلا حالة بين بين فقط؛ فإنه لا يتجه له فيها إلا القصر وقد تقدم في الأصول أن التسهيل يطلق على كل تغيير للهمز، وإنما ذكر مسهلا؛ ليفصل ورشا من قنبل؛ لأن كليهما ذو بدل:؛ أي: الهاء بدل من همزة عندهما إلا أن قنبلا لا يمد لإسقاطه الألف وورش بمد؛ لأجل الألف المبدلة من الهمزة، فمده هو الإتيان بالألف المبدلة لا أمر زائد على ذلك هذا شرح ما ذكره في الشرح، وهو معلوم مما تقدم فلم تكن حاجة إلى ذكره وقال لي الشيخ أبو عمرو -رحمه الله- يعني بقوله: وذو البدل أبا عمرو وقالون؛ لأنهما هما اللذان من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين، وجاء عنهما هنا خلاف لأجل أن الهمزة الأولى مبدلة والثانية مسهلة فلم يستصعب الجمع بينهما فلا حاجة إلى طول المد، واحترز بقوله: مسهلا من هشام فإنه أيضا من ذوي البدل ولا حاجة إلى ذكر قنبل وورش؛ إذ لا ألف في قراءتهما، قلت: وهذا مشكل فإنه يقتضي أن الألف في قراءتهما على وجه وليس الأمر كذلك؛ فإنهما يثبتان الألف، وأهل علم القراءات عبروا عن هذه الألف لهما بأنها مدهما الذي ثبت لهما في باب الهمزتين من كلمة، وقال صاحب التيسير من جعلها للتنبيه وميز بين المنفصل، والمتصل في حروف المد لم يزد
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/29]
في تمكين الألف سواء حقق الهمزة بعدها أو سهلها، ومن جعلها مبدلة، وكان ممن يفصل بالألف زاد في التمكين سواء أيضا حقق الهمزة أو لينها وقال ابن غلبون في التذكرة اعلم أن أبا عمرو ورجال نافع يتفاضلون في المد في-هاأنتم-إذا جعلوا الهاء بدلا من همزة الاستفهام على ما بيناه في تفاضلهم في: "ءأنذرتهم".
ونحوه: يريد أن من أدخل الألف أطول مدا مثل قالون، ومن لم يدخل فلا مد أو له مد قصير كقراءة ورش ثم قال: فأما إذا جعلت الهاء للتنبيه فإنهم يستوون في المد في "ها أنتم"؛ لأنه ليس أحد منهم يدخل بين الألف، وبين الهمزة الملينة التي بعد "ها" ألفا كما فعل ذلك من فعله منهم في قوله: "أأندرتهم"، ونحوه: وكذا الباقون ممن عدا قنبلا يتفاضلون في المد هاهنا على ما بيناه من تفاضلهم في المد في حرف اللين الواقع قبل الهمزة في باب المد والقصر فيما كان من كلمة أو كلمتين على الوجهين من جعل الهاء بدلا من همزة الاستفهام أو للتنبيه قلت معنى عبارتهما أن الاختلاف في إدخال الألف إنما يأتي على قولنا: إنها بدل من الهمزة أما إذا كانت للتنبيه فلم يجتمع همزتان لا لفظا ولا تقديرا، فلا سبيل إلى القول بإدخال الألف، فاستووا في لفظ المد من هذه الجهة لكنهم يتفاضلون فيه على ما سبق ذكره في باب المد والقصر، ويعتبر الخلاف المستفاد من قوله:
وإن حرف مد قبل همز مغير
[إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/30]
ونظير إتيان الناظم بقوله: وذو البدل تعريفا لا شرطا قول العلماء مثل ذلك في معنى الحديث الصحيح أن امرأة كانت تستعير المتاع وتجحده، فقطع النبي -صلى الله عليه وسلم- يدها، قالوا: ذكر استعارة المتاع وجحده إنما كان تعريفا لا سببا للقطع، والسبب سرقة لم تُذكر للعلم بها، وكان الغرض تعريف المرأة التي قطعت يدها، فعرفت بما كانت مشهورة به والله أعلم). [إبراز المعاني من حرز الأماني: 3/31]
- قال عبد الفتاح بن عبد الغني بن محمد القاضي (ت: 1403هـ): (559 - ولا ألف في ها هأنتم زكا جنا ... وسهّل أخا حمد وكم مبدل جلا
قرأ قنبل وورش ها أَنْتُمْ* حيث وقع في القرآن الكريم بلا ألف قبل الهمزة، فتعيين للباقين القراءة بألف بين الهاء والهمزة. وقرأ نافع وأبو عمرو بتسهيل الهمزة بين بين أي بينها وبين الألف، وكثير من أهل الأداء روى عن ورش إبدالها ألفا مع المد المشبع للساكنين.
والخلاصة: أن قنبلا يقرأ بحذف الألف وتحقيق الهمزة، وأن قالون وأبا عمرو يقرءان بإثبات الألف وتسهيل الهمزة، وأن ورشا يقرأ بحذف الألف وله في الهمزة وجهان: تسهيلها بين بين، وإبدالها ألفا مع إشباع المد لأجل الساكنين. وقرأ الباقون وهم البزي وابن عامر والكوفيون بإثبات الألف وتحقيق الهمزة، وهذا من جملة المواضع التي يكون الحكم فيها عامّا، ولم يأت الناظم بما يدل على العموم بل أطلق الحكم فيها فأوهم إطلاقه أن الحكم خاص بهذه السورة وليست الحقيقة كذلك بل
[الوافي في شرح الشاطبية: 235]
هذا الحكم ثابت في لفظ ها أَنْتُمْ* في جميع مواضعه.
560 - وفي هائه التّنبيه من ثابت هدى ... وإبداله من همزة زان جمّلا
561 - ويحتمل الوجهين عن غيرهم وكم ... وجيه به الوجهين للكلّ حمّلا
562 - ويقصر في التّنبيه ذو القصر مذهبا ... وذو البدل الوجهان عنه مسهّلا
المعنى: أن ها من ها أَنْتُمْ* حرف فيه معنى التنبيه في قراءة ابن ذكوان والكوفيين والبزي، وحرف التنبيه يدخل على أسماء الإشارة وعلى الضمائر ودخل هنا على الضمير الذي هو أنتم، والذي دلنا على أنها للتنبيه عند هؤلاء وليست بدلا من الهمزة:
أنهم أثبتوا الألف بعد الهاء وهم لا يدخلون ألفا بين الهمزتين، وأما في قراءة قنبل وورش فالهاء بدل من همزة الاستفهام، والأصل (ء أنتم) إذ ليس من مذهبهما إدخال ألف بين الهمزتين أيضا ولا ألف عندهما هنا فلم تكن للتنبيه، وإنما لم يسهل قنبل الثانية؛ لأنه قد أبدل الأولى هاء فلم تجتمع في الكلمة همزتان، وأما ورش فسهلها نظرا للأصل.
وأما في قراءة قالون وأبي عمرو وهشام؛ فيحتمل أن تكون ها للتنبيه عندهم وسهل الهمزة قالون وأبو عمرو وعلى خلاف مذهبهما، كما سهل البزي همزة لَأَعْنَتَكُمْ ويحتمل أن تكون الهاء عند هؤلاء بدلا من الهمزة؛ لأن مذهبهم إدخال ألف الفصل بين الهمزتين من كلمة مع تسهيل الثانية وهم يكتبون الألف هنا ويسهلون الهمزة، فكان ذلك دليلا على أن الهاء عندهم مبدلة من الهمزة، ثم إن جماعة من علماء القراءة من ذوي الرأي المسموع والقول المقبول ذكروا احتمال الوجهين للقراء السبعة ولكن العلامة محرر الفن ابن الجزري رد هذا القول واعتمد القول الأول وهو أن ها للتنبيه عند الكوفيين والبزي وابن ذكوان، ومبدلة من الهمزة عند ورش وقنبل، ومحتملة لهذين الوجهين عند قالون والبصري وهشام. ومعنى قوله (ويقصر في التنبيه ذو القصر إلخ) أننا إذا قلنا: إن ها للتنبيه يصير المد في ذلك عند من يثبتون الألف من قبيل المنفصل فيقصره من مذهبه القصر، ويوسطه من مذهبه التوسط، ويمده من مذهبه المد ومذاهب القراء في المنفصل معلومة. وقوله (وذو البدل الوجهان عنه مسهلا) قال الإمام
[الوافي في شرح الشاطبية: 236]
السخاوي في شرحه وهو تلميذ الإمام الشاطبي: أراد بذي البدل ورشا، لأن ذا البدل المسهل لا يكون إلا ورشا وأما قنبل- وإن كان مذهبه البدل- فإنه لا يسهل.
والمراد بالتسهيل: مطلق التغيير الشامل للإبدال وبين بين فورش وهو ذو البدل له الوجهان المد المشبع على الإبدال والقصر على التسهيل، والله أعلم). [الوافي في شرح الشاطبية: 237]
قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): (وَتَقَدَّمَ اخْتِلَافُهُمْ فِي هَا أَنْتُمْ مِنْ بَابِ الْهَمْزِ الْمُفْرَدِ). [النشر في القراءات العشر: 2/240]
- قال محمد بن محمد بن محمد بن علي ابن الجزري (ت: 833هـ): ({ها أنتم} [66] ذكر في الهمز المفرد). [تقريب النشر في القراءات العشر: 483]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (وأما "هأنتم" فالقراء فيها على أربع مراتب:
الأولى: لقالون وأبي عمرو بألف بعد الهاء وهمزة مسهلة بين بين مع المد والقصر وكذا قرأ أبو جعفر إلا أنه مع القصر قولا واحدا؛ لأنه لا يمد المنفصل.
[إتحاف فضلاء البشر: 1/480]
الثانية: للأزرق بهمزة مسهلة كذلك من غير ألف بوزن هعنتم وله وجه آخر وهو إبدال الهمزة ألفا بعد الهاء مع المد للساكنين، ويوافقنا في هذين الشاطبي، وللأزرق ثالث من طرق الكتاب وهو إثبات الألف كقالون، إلا أنه مع المد المشبع وله القصر في هذا الوجه لتغير الهمزة بالتسهيل، وأما الأصبهاني فله وجهان: الأول مثل: هعنتم كالأول للأزرق، والثاني: إثبات الألف كقالون مع المد والقصر والكل مع التسهيل.
الثالثة: تحقيق الهمزة مع حذف الألف على وزن فعلتم لقنبل من طريق ابن محاهد، الرابعة بهمزة محققة وألف بعد الهاء لقنبل من طريق ابن شنبوذ والبزي وابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف، وهم على مراتبهم في المنفصل مع المد والقصر، وهذا الوجه لقنبل ليس من طريق الشاطبية، ويتحصل من جمع "هأنتم مع هؤلاء" لقالون ومن معه ثلاثة أوجه، قصرهما ثم قصر هأنتم مع مد هؤلاء لتغير الهمزة في الأول، ثم مدهما على إجراء المسهلة مجرى المحققة، واعلم أن ما ذكر هو المقروء به فقط من طرق هذا الكتاب كالنشر، ومن جملة طرقهما طرق الشاطبية، وأما ما زاده الشاطبي رحمه الله تعالى بناء على احتمال أن الهاء مبدلة من همزة لابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي من جواز القصر؛ لأن الألف حينئذ للفصل فيصير عنده في هأنتم هؤلاء لمن ذكر القصر في هأنتم مع المد على مراتبهم في هؤلاء، ثم المد فيهما كذلك فتعقبه في النشر بأنه مصادم للأصول مخالف للأداء "ويوقف" لحمزة على هأنتم بالتحقيق والتسهيل بين بين مع المد
[إتحاف فضلاء البشر: 1/481]
والقصر؛ لأنه متوسط بزائد وهي هنا مبتدأ وهؤلاء خبره وجملة حاججتم مستأنفة مبينة للجملة قبلها أي: أنتم هؤلاء الحمقى، وبيان حماقتكم أنكم إلخ). [إتحاف فضلاء البشر: 1/482]
قال أحمد بن محمد بن البناء الدمياطي (ت: 1117هـ): (ووقف البزي ويعقوب بخلف عنهما على "فلم" بهاء السكت). [إتحاف فضلاء البشر: 1/482]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {ها أنتم هؤلاء} [66] قرأ قالون والبصري بألف بعد الهاء، وتسهيل الهمزة مع المد والقصر، وورش بتسهيل الهمزة، من غير ألف، وله أيضًا إبدالها ألفًا محضة، فتجتمع مع النون وهي ساكنة فيمد طويلاً.
والبزي والشامي والكوفيون بألف بعد الهاء، وهمزة محققة بعد الألف، وهم في المد على أصولهم.
وقنبل بغير ألف، وهمزة محققة مثل {سألتم} [البقرة: 61] كالوجه الأول عن ورش، إلا أنه يسهل.
ثم إن العلماء خاضوا في توجيه هذه القراءات، فمنهم من يقول: يحتمل لجميعهم أن الهاء هاء تنبيه، كهاء {هذا} [البقرة: 25] و{هؤلاء} دخلت على (أنتم).
[غيث النفع: 474]
ويحتمل أنها مبدلة من همزة الاستفهام الداخلة على (أنتم) لأن العرب كثيرًا ما يبدلون من الهمزة هاءًا، نحو (هردت) في (أردت) و(هياك) في (إياك) و(هرقت) في (أرقت).
ومنهم من يقول: هي عند البزي وابن ذكوان والكوفيين للتنبيه، وعند قنبل وورش مبدلة، وعند قالون وهشام والبصري تحتمل الوجهين.
وجرى عمل المتأخرين على اقتران توجيهها بقراءتها ولهذا تعسرت الآية وتخلطت قراءتها على كثير من الطلبة، وهذا التوجيه قال المحقق: «تمحل وتعسف لا طائل تحته ولا فائدة منه» انتهى.
لا سيما على الطريقة الأولى، فإن تعسفها ومصادمتها للأصول لا يخفى، والعجب لهم كيف قرنوا توجيه هذه الآية بقراءتها، وما الفرق بينها وبين سائر الآيات.
فإن ادعوا عسرها دون غيرها قلنا ممنوع، بل مماثلها كثير، بل ثم ما هو أعسر منها، والعمدة على ثبوت القراءة لا على توجيهها.
ولا شك أن قراءات هذه الآية ثابتة بالتواتر، فيجب علينا قبولها، عرفنا توجيهها أم لا، فمن فتح الله له باب توجيه معرفتها، فهو زيادة علم، ومن لم يفتح الله له فلا يمنعه ذلك من قراءتها.
ونحن نذكر كيفية قراءتها على نحو سهل يسير، مع بيان توجيهها، تبعًا لهم، لكن على الطريقة الثانية، لأنها أقرب للصواب، إلا ما ذكروه لهشام من أنها مبدلة، فهو مشكل.
فنقول والله الموفق: الوقف في هذه الآية على {علم} الأول كاف، وعلى الثاني أكفى، وعلى {تعلمون} تام، ولا تختلف قراءتها باختلاف الوقف عليها.
[غيث النفع: 475]
فتبدأ لقالون بإثبات الألف بعد الهاء، وتسهيل الهمزة، وإسكان ميم الجمع، مع قصر (ها) {هؤلاء} ومده.
فالأول على أنها مبدلة، وهو الأحسن، والألف فاصلة، أو أنها للتنبيه، وقصرنا المنفصل حكمًا أو لتغير الهمزة على قاعدة: وإن حرف مد قبل همز مغير إلخ.
والثاني على أنها مبدلة، فهما بابان، فلا تركيب، أو أن (ها) للتنبيه، وقصر لتغير الهمزة، وهذان وجهان.
الثالث مدهما على أن (ها) للتنبيه، ولم يعتبر الفصل ولا التغير، ولا يجوز قصر {هؤلاء} مع مد {هاانتم} لما يلزم عليه من اعتبار المغير وعدم اعتبار المحقق، يندرج معه في الثلاثة البصري، السوسي في الأول، والدوري في الجميع.
ويأتي على كل من الاحتمالين سؤال، فيقال على الأول: أصل قالون والبصري في اجتماع الهمزتين تغير القانية نحو {ءأنذرتهم} [البقرة: 6] فلم غيرا هنا الهمزتين؟ قلنا: مبالغة في التخفيف.
وعلى الثانية: أصلهما إذا دخل هاء التنبيه تحقيقها نحو {هؤلاء} قلنا سهلا {هاانتم} دون غيره كــ {هؤلاء} تنبيهًا على جواز تسهيل المتوسط، وأنه قوى كثير، وجمعًا بين اللغتين، وهذا كله مع ثبوت الرواية، ثم تعطفه بصلة الميم مع الأوجه الثلاثة.
ثم تأتي بورش بالتسهيل بلا إدخال، وإبدالها إلفًا مع المد الطويل، وهي عنده مبدلة من الهمزة، وجرى على أصله في الهمزتين، نحو {ءأنذرتهم} إلا أنه زاد تغير الأولى مبالغة في التخفيف.
ثم البزي بالتحقيق والإدخال، وهو عنده هاء التنبيه، وجرى على أصله من عدم اعتبار المنفصل.
[غيث النفع: 476]
ثم قنبل بالتحقيق بلا إدخال، وهي عنده مبدلة، وخرج عن أصله من تخفيف ثاني الهمزتين استغناء بتخفيف الأولى.
ثم هشام بالمد والتحقيق على أن (ها) للتنبيه، ولهذا حقق الهمزة بعدها، كهمزة {هؤلاء} ويندرج معه ابن ذكوان وعاصم وعلي، ثم حمزة، وهي عنده هاء تنبيه، وجروا على أصولهم فيه.
ومن المعلوم أن مد {هؤلاء} منفصلاً ومتصلاً تابع في المد {هاأنتم} إلا مد المتصل لمن قصر {هاأنتم} هذا الذي يقتضيه كلام المحق قومن تبعه.
والذي يؤخذ من الشاطبية وشراحها وقرأت به على شيخنا رحمه الله، وذكره شيخه في مسائله أن لهشام ومن دخل معه وحمزة وجهًا آخر وهو التحقيق مع إثبات ألف، على أنها مبدلة.
وجرى فيها هشام على أحد وجهيه في الهمزتين اكتفاءً بتخفيف الأولى، والباقون جروا على أصولهم من تحقيق الثانية، وفصلوا بألف جمعًا بين اللغتين، وعليه فكلهم يندرج مع هشام في قصر {هاأنتم} ويتخلف حمزة في مد {هؤلاء} فتعطفه ب عده، ثم تأتي به في {هاأنتم} وما بعده.
والصواب والله أعلم هو الأول، وهو الذي ثبت عليه أمرنا في الإقراء، والعجب من شيخنا وشيخه رحمهما الله عمدتهما في تحقيق المسائل والخروج من عهدتها نقلاً وفيهم كلام المحقق، وخالفاه في هذه المسألة، وأعجب من ذلك تقديمهما ما أنكره المحقق حال الأداء، كما قرأته كذلك على شيخنا، وذكره كذلك شيخه في مسائله مع نقله إنكار المحقق له). [غيث النفع: 477]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م): ( {ها أنتم هؤلاء حاججتم فيما لكم به علم فلم تحاجون فيما ليس لكم به علم والله يعلم وأنتم لا تعلمون 66}
{ها أنتم}
- قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة والكسائي ويعقوب وخلف وقنبل وابن شنبوذ "هاأنتم" بألف بعد الهاء، وبعدها همزة محققة.
- وقرأ نافع وقالون وأبو عمرو وأبو جعفر وابن محيصن هاانتم بألف بعد الهاء، وهمزة سهلة بين بين مع المد والقصر.
- وقرأ أبو عمرو والأزرق بهمزة مسهلة من غير ألف مثل «هعنتم».
- وللأزرق وجه آخر، وهو إبدال الهمزة ألفا بعد الهاء مع المد للساكنين، وهي قراءة ورش أيضا.
- وللأزرق وجه ثالث، وهو إثبات الألف كقالون إلا أنه مع المد المشبع، وله القصر في هذا الوجه.
- وللأصبهاني وجهان: الأول: مثل هعنتم، كالأزرق وأبي عمرو
والثاني: إثبات الألف كقالون مع المد والقصر.
- وقرأ قنبل من طريق مجاهد وابن كثير، وأبو عون ويعقوب "هأنتم" بتحقيق الهمزة مع حذف الألف على وزن فعلتم، وهي رواية
[معجم القراءات: 1/514]
لورش عن نافع.
ووقف حمزة على هاأنتم:
1. بالتحقيق
2. بالتسهيل بين بين، مع المد والقصر.
{هؤلاء}
- قرأ بالمد من غير همز الجريري عن يعقوب، وبتخفيف الهمزة العمري لأبي جعفر.
{فلم}
- قراءة الجماعة في الوقف بميم ساكنة فلم، وهي رواية عن البزي.
- وقرأ يعقوب والبزي بخلاف عنه في الوقف بهاء السكت فلمه). [معجم القراءات: 1/515]

قوله تعالى: {مَا كَانَ إِبْرَاهِيمُ يَهُودِيًّا وَلَا نَصْرَانِيًّا وَلَكِنْ كَانَ حَنِيفًا مُسْلِمًا وَمَا كَانَ مِنَ الْمُشْرِكِينَ (67)}
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {إبراهيم} [67] كل ما في هذه السورة من لفظ {إبراهيم} وافق هشام فيه غيره). [غيث النفع: 478]

قوله تعالى: {إِنَّ أَوْلَى النَّاسِ بِإِبْرَاهِيمَ لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ وَهَذَا النَّبِيُّ وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَاللَّهُ وَلِيُّ الْمُؤْمِنِينَ (68)}
قال أبو القاسم يوسف بن علي بن جبارة الهذلي المغربي (ت: 465هـ): ( (وَهَذَا النَّبِيُّ) نصب أبو السَّمَّال، الباقون رفع وهو الاختيار معطوف على قوله: (لَلَّذِينَ اتَّبَعُوهُ) ). [الكامل في القراءات العشر: 516]
قال علي بن محمد الصفاقسي (ت: 1118هـ): ( {النبيء} [68] لا يخفى). [غيث النفع: 478]
قال د. عبد اللطيف الخطيب (م):
( {إن أولى الناس بإبراهيم للذين اتبعوا وهذا النبي والذين أمنوا والله ولي المؤمنين 68}
{أولى}
- قرأه بالإمالة حمزة والكسائي، والأعشى عن أبي بكر عن عاصم، وخلف.
- وبالفتح والتقليل الأزرق وورش.
{الناس}
- تقدمت الإمالة فيه: أنظر الآيات/58، 94، 96 من سورة البقرة.
{وهذا النبي}
- قراءة الجماعة وهذا النبي بالرفع على أنه خبر إن، وذهب بعضهم إلى أنه مبتدأ، والخبر: المتبعون له على التقدير.
[معجم القراءات: 1/515]
- وقراءة نافع وهذا النبي بالهمز حيث ورد.
- وقرأ أبو السمال وهذا النبي بالنصب، عطفا على الهاء في اتبعوه.
- وقرئ «وهذا النبي» بالجر، ووجه على أنه عطف على إبراهيم، أي: إن أولى الناس بإبراهيم وبهذا النبي للذين اتبعوه.
{المؤمنين}
- تقدمت القراءة فيه بإبدال الهمزة واوا، انظر الآية/223 من سورة البقرة). [معجم القراءات: 1/516]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس