عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 20 جمادى الآخرة 1435هـ/20-04-2014م, 03:54 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَأَقْسَمُوا بِاللَّهِ جَهْدَ أَيْمَانِهِمْ لَئِنْ جَاءَتْهُمْ آَيَةٌ لَيُؤْمِنُنَّ بِهَا قُلْ إِنَّمَا الْآَيَاتُ عِنْدَ اللَّهِ وَمَا يُشْعِرُكُمْ أَنَّهَا إِذَا جَاءَتْ لَا يُؤْمِنُونَ (109) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وأقسموا باللّه جهد أيمانهم لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها قل إنّما الآيات عند اللّه وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون (109) ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ ونذرهم في طغيانهم يعمهون (110)}
يقول تعالى إخبارًا عن المشركين: إنّهم أقسموا باللّه جهد أيمانهم، أي: حلفوا أيمانًا مؤكّدةً {لئن جاءتهم آيةٌ} أي: معجزةٌ وخارقٌ، {ليؤمننّ بها} أي: ليصدّقنّها، {قل إنّما الآيات عند اللّه} أي: قل يا محمّد لهؤلاء الّذين يسألونك الآيات تعنّتًا وكفرًا وعنادًا، لا على سبيل الهدى والاسترشاد: إنّما مرجع هذه الآيات إلى اللّه، إن شاء أجابكم، وإن شاء ترككم، كما قال، قال ابن جريرٍ:
حدّثنا هنّاد حدّثنا يونس بن بكير، حدّثنا أبو معشر، عن محمّد بن كعبٍ القرظي قال: كلّم رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قريشًا، فقالوا: يا محمّد، تخبرنا أنّ موسى كان معه عصًا يضرب بها الحجر فانفجرت منه اثنتا عشرة عينًا، وتخبرنا أنّ عيسى كان يحيي الموتى، وتخبرنا أنّ ثمود كانت لهم ناقةٌ، فأتنا من الآيات حتّى نصدّقك. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: «أي شيءٍ تحبّون أن آتيكم به؟ ». قالوا: تجعل لنا الصّفا ذهبًا. فقال لهم: «فإن فعلت تصدّقوني؟». قالوا: نعم، واللّه لئن فعلت لنتّبعك أجمعين. فقام رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يدعو، فجاءه جبريل، عليه السّلام، فقال له: «لك ما شئت، إن شئت أصبح الصّفا ذهبًا، ولئن أرسل آيةً فلم يصدّقوا عند ذلك ليعذّبنّهم، وإن شئت فاتركهم حتّى يتوب تائبهم. فقال رسول اللّه [صلّى اللّه عليه وسلّم]:« بل يتوب تائبهم». فأنزل اللّه: {وأقسموا باللّه} إلى قوله [تعالى]: {يجهلون}
وهذا مرسلٌ وله شواهد من وجوهٍ أخر. وقال اللّه تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون [وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها وما نرسل بالآيات إلا تخويفًا]} [الإسراء: 59].
وقوله تعالى: {وما يشعركم أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} قيل: المخاطب ب {وما يشعركم} المشركون، وإليه ذهب مجاهدٌ كأنّه يقول لهم: وما يدريكم بصدقكم في هذه الأيمان الّتي تقسمون بها. وعلى هذا فالقراءة: "إنّها إذا جاءت لا يؤمنون" بكسر "إنّها" على استئناف الخبر عنهم بنفي الإيمان عند مجيء الآيات الّتي طلبوها، وقراءة بعضهم: "أنّها إذا جاءت لا تؤمنون" بالتّاء المثنّاة من فوق.
وقيل: المخاطب بقوله: {وما يشعركم} المؤمنون، أي: وما يدريكم أيّها المؤمنون، وعلى هذا فيجوز في {أنّها} الكسر كالأوّل والفتح على أنّه معمول يشعركم. وعلى هذا فتكون "لا" في قوله: {أنّها إذا جاءت لا يؤمنون} صلةً كما في قوله: {ما منعك ألا تسجد إذ أمرتك} [الأعراف: 12]، وقوله: {وحرامٌ على قريةٍ أهلكناها أنّهم لا يرجعون} [الأنبياء: 95]. أي: ما منعك أن تسجد إذ أمرتك وحرامٌ أنّهم يرجعون. وتقديره في هذه الآية: وما يدريكم -أيّها المؤمنون الّذين تودّون لهم ذلك حرصًا على إيمانهم -أنّها إذا جاءتهم الآيات يؤمنون
وقال بعضهم: "أنّها" بمعنى لعلّها.
قال ابن جريرٍ: وذكروا أنّ ذلك كذلك في قراءة أبيّ بن كعبٍ. قال: وقد ذكر عن العرب سماعًا: "اذهب إلى السّوق أنّك تشتري لي شيئًا" بمعنى: لعلّك تشتري.
قال: وقد قيل: إنّ قول عديّ بن زيدٍ العبّاديّ من هذا:
أعاذل ما يدريك أنّ منيّتي ....... إلى ساعةٍ في اليوم أو في ضحى الغد
وقد اختار هذا القول ابن جريرٍ وذكر عليه شواهد من أشعار العرب واللّه [تعالى] أعلم). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 316-317]

تفسير قوله تعالى: {وَنُقَلِّبُ أَفْئِدَتَهُمْ وَأَبْصَارَهُمْ كَمَا لَمْ يُؤْمِنُوا بِهِ أَوَّلَ مَرَّةٍ وَنَذَرُهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (110) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} قال العوفي عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: لمّا جحد المشركون ما أنزل اللّه لم تثبت قلوبهم على شيءٍ وردّت عن كلّ أمرٍ.
وقال مجاهدٌ: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم [كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ]} ونحول بينهم وبين الإيمان ولو جاءتهم كلّ آيةٍ، فلا يؤمنون، كما حلنا بينهم وبين الإيمان أوّل مرّةٍ.
وكذا قال عكرمة وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال ابن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: أخبر اللّه ما العباد قائلون قبل أن يقولوه وعملهم قبل أن يعملوه. قال: {ولا ينبّئك مثل خبيرٍ} [فاطر: 14]، [وقال]
{أن تقول نفسٌ يا حسرتا على ما فرّطت في جنب اللّه [وإن كنت لمن السّاخرين. أو تقول لو أنّ اللّه هداني لكنت من المتّقين. أو تقول حين ترى العذاب] لو أنّ لي كرّةً فأكون من المحسنين} [الزّمر: 56 -58] فأخبر سبحانه أنّهم لو ردّوا لم يقدروا على الهدى، وقال: {ولو ردّوا لعادوا لما نهوا عنه وإنّهم لكاذبون} [الأنعام: 28]، وقال: {ونقلّب أفئدتهم وأبصارهم كما لم يؤمنوا به أوّل مرّةٍ} قال: لو ردّوا إلى الدّنيا لحيل بينهم وبين الهدى، كما حلنا بينهم وبينه أوّل مرّةٍ وهم في الدّنيا. وقوله: {ونذرهم} أي: نتركهم {في طغيانهم} قال ابن عبّاسٍ والسّدّي: في كفرهم. وقال أبو العالية والرّبيع بن أنسٍ وقتادة: في ضلالهم.
{يعمهون} قال الأعمش: يلعبون. وقال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية، والرّبيع، وأبو مالكٍ، وغيره: في كفرهم يترددون). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 317]

تفسير قوله تعالى: {وَلَوْ أَنَّنَا نَزَّلْنَا إِلَيْهِمُ الْمَلَائِكَةَ وَكَلَّمَهُمُ الْمَوْتَى وَحَشَرْنَا عَلَيْهِمْ كُلَّ شَيْءٍ قُبُلًا مَا كَانُوا لِيُؤْمِنُوا إِلَّا أَنْ يَشَاءَ اللَّهُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ يَجْهَلُونَ (111) }

قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {ولو أنّنا نزلنا إليهم الملائكة وكلّمهم الموتى وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه ولكنّ أكثرهم يجهلون (111)}
يقول تعالى: ولو أنّنا أجبنا سؤال هؤلاء الّذين أقسموا باللّه جهد أيمانهم {لئن جاءتهم آيةٌ ليؤمننّ بها} فنزّلنا عليهم الملائكة، أي: تخبرهم بالرّسالة من اللّه بتصديق الرّسل، كما سألوا فقالوا: {أو تأتي باللّه والملائكة قبيلا}[الإسراء: 92]{قالوا لن نؤمن حتّى نؤتى مثل ما أوتي رسل اللّه} [الأنعام: 124]، {وقال الّذين لا يرجون لقاءنا لولا أنزل علينا الملائكة أو نرى ربّنا لقد استكبروا في أنفسهم وعتوا عتوًّا كبيرًا} [الفرقان: 21].
{وكلّمهم الموتى} أي: فأخبروهم بصدق ما جاءتهم به الرّسل، {وحشرنا عليهم كلّ شيءٍ قبلا} -قرأ بعضهم: "قبلا" بكسر القاف وفتح الباء، من المقابلة، والمعاينة. وقرأ آخرون [وقبلا] بضمّهما قيل: معناه من المقابلة والمعاينة أيضًا، كما رواه عليّ بن أبي طلحة، والعوفيّ، عن ابن عباس. وبه قال قتادة، وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم.
وقال مجاهدٌ: {قبلا} أفواجًا، قبيلًا قبيلًا أي: تعرض عليهم كلّ أمّةٍ بعد أمة فتخبرهم بصدق الرسل فيما جاؤوهم به {ما كانوا ليؤمنوا إلا أن يشاء اللّه} أي: إنّ الهداية إليه، لا إليهم. بل يهدي من يشاء ويضلّ من يشاء، وهو الفعّال لما يريد، ولا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون، لعلمه وحكمته، وسلطانه وقهره وغلبته. وهذه الآية كقوله تعالى: {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون. ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97] ). [تفسير القرآن العظيم: 3/ 318]


رد مع اقتباس