عرض مشاركة واحدة
  #4  
قديم 13 ذو القعدة 1431هـ/20-10-2010م, 09:58 PM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي [الآيات من 15 إلى 23]

{لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15) فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17) وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18) فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ (19) وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21) قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكٍ وَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22) وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ كَانَ لِسَبَإٍ فِي مَسْكَنِهِمْ آَيَةٌ جَنَّتَانِ عَنْ يَمِينٍ وَشِمَالٍ كُلُوا مِنْ رِزْقِ رَبِّكُمْ وَاشْكُرُوا لَهُ بَلْدَةٌ طَيِّبَةٌ وَرَبٌّ غَفُورٌ (15)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم} [سبأ: 15] كانوا باليمن، وهي في تفسير الحسن وقتادة أرضٌ.
وقال الحسن: لقد تبيّن لأهل سبإٍ كقوله: {واسأل القرية} [يوسف: 82]، أي: أهل القرية.
- وحدّثني ابن لهيعة، عن عبد اللّه بن هبيرة، عن علقمة بن وعلة أنّه سمع ابن عبّاسٍ يقول: سئل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم عن سبإٍ أرضٌ، أم امرأةٌ، أم رجلٌ؟ فقال: " بل هو رجلٌ ولد عشرةً، فباليمن منهم ستّةٌ، وبالشّام أربعةٌ، فأمّا اليمانيّون: فمذحجٌ، وحمير، وكندة، وأنمارٌ، والأزد والأشعريّون، وأمّا الشّاميّون: فلخمٌ، وجذامٌ، وعاملة، وغسّان ".
قال: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ} [سبأ: 15] ثمّ أخبر بتلك الآية فقال: {جنّتان} [سبأ: 15] وتفسير الحسن: فيها تقديمٌ: لقد كان لسبإٍ في مساكنهم جنّتان فوصفهما ثمّ قال: {آيةٌ}.
[تفسير القرآن العظيم: 2/752]
قوله عزّ وجلّ: {عن يمينٍ وشمالٍ} [سبأ: 15] جنّةٌ عن يمينٍ وجنّةٌ عن شمالٍ.
{كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ} [سبأ: 15]، أي: هذه بلدةٌ طيّبةٌ.
{وربٌّ غفورٌ} [سبأ: 15] لمن آمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/753]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقرأ قوله: {لقد كان لسبإٍ في مسكنهم...}

يحيى : {في مسكنهم}, وهي لغة يمانيّة فصيحة, وقرأ حمزة : {في مسكنهم}, وقراءة العوامّ : ({مساكنهم}: يريدون: منازلهم, وكلّ صواب.
والفراء يقرأ قراءة يحيى.
وقوله: {آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ} : والمعنى: عن أيمانهم وشمائلهم, والجنتان مرفوعتان , لأنهما تفسير للآية, ولو كان أحد الحرفين منصوباً بكان , لكان صواباً.
وقوله: {واشكروا له}: انقطع ها هنا الكلام , {بلدةٌ طيّبةٌ} : هذه بلدة طيّبة ليست بسبخة.). [معاني القرآن: 2/357-358]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ لقد كان لسبأٍ في مساكنهم }: ينون " سبأ " بعضهم , لأنه يجعله اسم أبٍ , ويهمزه، وبعضهم لا ينون فيه , يجعله اسم أرض.). [مجاز القرآن: 2/146]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({لقد كان لسبإٍ في مسكنهم آيةٌ جنّتان عن يمينٍ وشمالٍ كلوا من رّزق ربّكم واشكروا له بلدةٌ طيّبةٌ وربٌّ غفورٌ}
وقال: {بلدةٌ طيّبةٌ} : أي : على هذه بلدةٌ طيّبةٌ.). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ:{لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان عن يمين وشمال كلوا من رزق ربّكم واشكروا له بلدة طيّبة وربّ غفور (15)}
ويقرأ { مسكنهم }: بفتح الكاف وكسرها، ويقرأ : مساكنهم , ويقرأ : لسبأ - بالفتح وترك الصرف - , ولسبأ. فمن فتح وترك الصرف , فلأنه جعل سبأ اسم قبيلة، ومن صرف وكسر ونوّن , جعل سبأ اسما للرجل , واسما للحيّ , وكل جائز حسن.
{آية جنّتان}:{آية}: رفع اسم كان، و{جنّتان}: رفع على نوعين، على أنه بدل من آية , وعلى إضمار كأنّه لما قيل آية، قيل الآية : جنّتان، والجنتان : البستانان.
فكان لهم بستانان، بستان يمنة، وبستان يسرة.
{كلوا من رزق ربّكم واشكروا له}
المعنى قيل لهم: كلوا من رزق ربّكم , واشكروا له.
وقوله عزّ وجلّ: {بلدة طيّبة}:على معنى : هذه بلدة طيبة, {وربّ غفور}:على معنى : واللّه ربّ غفور.). [معاني القرآن: 4/248]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {لقد كان لسبأ في مسكنهم آية جنتان عن يمين وشمال}
يروى : أن سبأ : اسم رجل , فيكون على هذا اسما للقبيلة فيمن لم يصرف , وقيل :هو اسم موضع .
ثم قال تعالى: {جنتان عن يمين وشمال}
أي: جنة عن اليمين , وجنة عن اليسار , وقوله جل وعز: {بلدة طيبة ورب غفور}
والمعنى : هذه بلدة طيبة , والله رب غفور.). [معاني القرآن: 5/405-406]

تفسير قوله تعالى: {فَأَعْرَضُوا فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمْ سَيْلَ الْعَرِمِ وَبَدَّلْنَاهُمْ بِجَنَّتَيْهِمْ جَنَّتَيْنِ ذَوَاتَيْ أُكُلٍ خَمْطٍ وَأَثْلٍ وَشَيْءٍ مِنْ سِدْرٍ قَلِيلٍ (16) }
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): ({فأعرضوا} [سبأ: 16] عمّا جاءت به الرّسل.
{فأرسلنا عليهم سيل العرم} [سبأ: 16]
حدّثني شريكٌ، عن أبي إسحاق الهمدانيّ، عن عمرو بن شرحبيل قال: والعرم بلسان العرب: المسنّاة.
قال يحيى: هذا الّذي يسمّونه الجسر يحبس به الماء، وكان سدًّا قد جعل في موضع الوادي تجتمع فيه المياه.
وذكروا أنّه إنّما نقبه دابّةٌ يقال له الخلد، ليس له عينان، له نابان يحفر بهما الأرض.
وفي تفسير مجاهدٍ أنّ ذلك السّيل الّذي أرسل عليهم من العرم كان ماءً أحمر أتى اللّه به من حيث شاء هو شقّ السّدّ وهدمه، وحفر بطن الوادي عن الجنّتين، فارتفعتا وغار عنهما الماء فيبستا.
وفي تفسير عمّارٍ، عن أبي هلالٍ الرّاسبيّ، عن قتادة أنّه كان لهم وادٍ
[تفسير القرآن العظيم: 2/753]
يمتلئ كلّ عامٍ لسقي جنّاتهم فلمّا أعرضوا أرسل اللّه عليهم دابّةً يقال لها الجرذ، فحفر السّدّ فسال الماء، فغرقت جنّاتهم وأراضيهم.
قال عزّ وجلّ: {وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكلٍ} [سبأ: 16] والأكل الثّمرة.
{ذواتي أكلٍ خمطٍ} [سبأ: 16] المعلّى، عن أبي يحيى، عن مجاهدٍ، قال: والخمط هو الأراك، وأكله البرير.
قال: {وأثلٍ وشيءٍ من سدرٍ قليلٍ {16}} [سبأ: 16] ). [تفسير القرآن العظيم: 2/754]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {سيل العرم...}

كانت مسنّاة : كانت تحبس الماء على ثلاثة أبواب منها، فيسقون من ذلك الماء من الباب الأول، ثم الثاني، ثم الآخر، فلا ينفد حتى يثوب الماء من السّنة المقبلة, وكانوا أنعم قوم عيشاً, فلمّا أعرضوا , وجحدوا الرسل , بثق الله عليهم المسنّاة، فغرّقت أرضهم , ودفن بيوتهم الرمل، ومزّقوا كل ممزّقٍ، حتى صاروا مثلا عند العرب, والعرب تقول: تفرقوا أيادي سبا , وأيدي سباً .
قال الشاعر:
عيناً ترى النّاس إليها نيسبا = من صادرٍ وواردٍ أيدي سبا
يتركون همزها لكثرة ما جرى على ألسنتهم , ويجرون سبا، ولا يجرون: من لم يجر ذهب إلى البدلة, ومن أجرى جعل سبا رجلاً , أو جبلاً، ويهمز. وهو في القراءة كثير بالهمز , لا أعلم أحداً ترك همزه, أنشدني:
الواردون وتيم في ذرى سبأ = قد عضّ أعناقهم جلد الجواميس
وقوله: {ذواتي أكلٍ} : يثقّل الأكل, وخفّفه بعض أهل الحجاز, وقد يقرأ بالإضافة , وغير الإضافة.
فأمّا الأعمش وعاصم بن أبي النجود فثقّلا ولم يضيفا فنوّنا.
وذكروا في التفسير : أنه البرير , وهو ثمر الأراك, وأمّا الأثل فهو الذي يعرف، شبيه بالطرفاء، إلا أنه أعظم طولاً.
وقوله: {وشيءٍ مّن سدرٍ قليلٍ}
قال الفراء: ذكروا أنه السّمر , واحدته : سمرة.). [معاني القرآن: 2/358-359]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({سيل العرم }: واحدها عرمة , وهو بناء مثل المشار : يحبس به الماء ببناء, فيشرف به على الماء في وسط الأرض , ويترك فيه سبيل للسفينة , فتلك العرمات , واحدها عرمة , والمسار بلسان العجم , قال الأعشى:
وفي ذاك للمؤتسى إسوةٌ= ومأرب قفًّى عليها العرم
رخامٌ بناه لهم حميرٌ= إذا جاش دفّاعه لم يرم
أي: حبسه , وقال آخر:
من سبأ الحاضرين مأرب إذ= يبنون من دون سيله العرما.
{ أكلٍ خمطٍ }: والخمط كل شجرة ذي شوك , والأكل : هو الجنني.). [مجاز القرآن: 2/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({سيل العرم}: واحدها عرمة وهي السكر للأرض المرتفعة حتى يعلوها الماء. وهي المسناة.
{الأكل}: كل ما اجتنى.
{الخمط}: كل شجرة ذات شوكة). [غريب القرآن وتفسيره: 307]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ({ العرم}: المسناة, واحدها: عرمة , قال الشاعر:
من سبأ الحاضرين مأرب، إذ = يبنون من دون سيله العرما
{الأكل}: الثمر.
{الخمط}: شجر العضاه, وهي: كل شجرة ذات شوك.
وقال قتادة: الخمط: الأراك، وبريره: أكله.
و{الأثل}: شبيه بالطرفاء ، إلا أنه أعظم منها.). [تفسير غريب القرآن: 355-356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم وبدّلناهم بجنّتيهم جنّتين ذواتي أكل خمط وأثل وشيء من سدر قليل (16)}: المعنى: أعرضوا عن أمر الله.
{فأرسلنا عليهم سيل العرم}: والعرم فيه أقوال , قال أبو عبيدة : جمع عرمة، وهي السّكر , والمسنّاة .
وقيل : العرم: اسم الوادي، وقيل : العرم : ههنا : اسم الجرذ الذي ثقب السّكر عليهم، وهو الذي يقال ل: ه الخلد.
وقيل: العرم : المطر الشديد، وكانوا في نعمة , وكانت لهم جنان يمنة ويسرة، وكانت المرأة تخرج على رأسها الزّبيل , فتعمل بيديها , وتسير بين ذلك الشجر , فيسقط في زبيلها ما تحتاج إليه من ثمار ذلك الشجر، فلم يشكروا, فبعث اللّه عليهم جرذا، وكان لهم سكر فيه أبواب، يفتحون ما يحتاجون إليه من الماء، فثقب ذلك الجرذ حتى نقب عليهم , فغرّق تينك الجنتين.
{وبدّلناهم بجنّتيهم}:آي : بهاتين الجنتين الموصوفتين.
{جنّتين ذواتي أكل خمط}:وأكل خمط الضمّ والإسكان في الكاف جائزان، ويقرأ : ذواتي أكل خمط , وذواتي أكل خمط.
ومعنى خمط: يقال الكل نبت قد أخذ طعما من مرارة حتى لا يمكن أكله خمط.
وفي كتاب الخليل : الخمط شجر الأراك , وقد جاء في التفسير : أن الخمط الأراك , وأكله ثمره.
قال الله عزّ وجلّ: {تؤتي أكلها كلّ حين}.). [معاني القرآن: 4/248-249]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (ثم قال جل وعز: {فأعرضوا فأرسلنا عليهم سيل العرم}
أي: فأعرضوا عن أمر الله جل وعز , وشكره , فأرسلنا عليهم سيل العرم.
قال عطاء : (العرم : اسم الوادي).
وقيل : هو الجرذ الذي أرسل عليهم .
روى علي بن أبي طلحة , عن ابن عباس : (العرم : الشديد).
وقيل : هو المطر العرم , أي : الشديد.
وقال قتادة : (أرسل الله عليهم جرذا , فهدم عرمهم , يريد بالعرم : السكر , قال : فغرق جناتهم , وخرب أرضهم عقوبة لهم).
وهذا أعرف ما قيل في معنى : العرم .
يقال للسكر : عرمة , وجمعه عرم , سمي بذلك لشدته , ومنه قيل فلان عارم , قال الشاعر:
= إذ يبنون من دون سيله العرما =
وقوله جل وعز: {وبدلناهم بجنتيهم جنتين ذواتى أكل خمط}
الأكل : الثمر
قال أبو مالك , ومجاهد , وقتادة , والضحاك : (الخمط : الأراك) , وكذا قال الخليل .
قال أبو عبيدة : الخمط : كل شجرة فيها مرارة : ذات شوك .
وقال القتبي في أدب الكاتب يقال : للحامضة : خمطة , ويقال الخمطة التي أخذت شيئا من الريح , وأنشد:
عقار كماء النيء ليست بخمطة = ولا خلة يكوي الشروب شهابها.). [معاني القرآن: 5/406-409]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَرِمِ}: المسناة، واحدها عرمة.
{والأُكُل}: الثمر.
{والخمط}: شجر العضاة، وهي : ذات الشوكة. وقيل: هو الأراك شبيه بالطرفاء.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {الْعَرِمِ}: الوادي , {الخَمْطٍ}: شجر فيه الشوك , {الأُكُلٍ}: كل ما اجتنى.). [العمدة في غريب القرآن: 246]
تفسير قوله تعالى: {ذَلِكَ جَزَيْنَاهُمْ بِمَا كَفَرُوا وَهَلْ نُجَازِي إِلَّا الْكَفُورَ (17)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي} [سبأ: 17]، أي: يعاقب.
{إلا الكفور} [سبأ: 17] تفسير مجاهدٍ أنّهم لمّا أعرضوا عمّا جاءت به الرّسل، ابتلاهم اللّه فغيّر ما بهم ثمّ أهلكهم اللّه بعد ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 2/754]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وهل نجازي إلاّ الكفور...}

هكذا قرأه يحيى , وأبو عبد الرحمن أيضاً, والعوامّ: {وهل يجازى إلاّ الكفور}
وقوله: {ذلك جزيناهم} , موضع (ذلك) نصب بـ : {جزيناهم}.
يقول القائل: كيف خصّ الكفور بالمجازاة , والمجازاة للكافر وللمسلم , وكلّ واحد؟ .
فيقال: إن جازيناه بمنزلة كافأناه، والسّيئة للكافر بمثلها، وأمّا المؤمن فيجزى لأنه يزاد , ويتفضّل عليه , ولا يجازى.
وقد يقال: جازيت : في معنى جزيت، إلا أنّ المعنى في أبين الكلام على ما وصفت لك؛ ألا ترى أنه قد قال: {ذلك جزيناهم}, ولم يقل {جازيناهم} , وقد سمعت جازيت في معنى جزيت , وهي مثل عاقبت , وعقبت، الفعل : منك وحدك, وبناؤهايعني: فاعلت على أن تفعل , ويفعل بك.). [معاني القرآن: 2/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وهل نجازي إلّا الكفور} قال طاوس: يجازي , ولا يغفر له، والمؤمن لا يناقش الحساب.). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ( {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلّا الكفور (17)}
" ذلك " في موضع نصب، المعنى : جزيناهم ذلك بكفرهم.
{وهل نجازي إلّا الكفور}:وتقرأ : وهل يجازى، ويجوز: وهل يجازي إلّا الكفور، وهذا مما يسال عنه.
يقال: اللّه عز وجل يجازي الكفور , وغير الكفور.
والمعنى: في هذه الآية أن المؤمن تكفر عنه السيئات، والكافر يحبط عمله , فيجازى بكل سوء يعمله , قال اللّه عز وجل:{الّذين كفروا وصدّوا عن سبيل
اللّه أضلّ أعمالهم}
وقال: {ذلك بأنّهم اتّبعوا ما أسخط اللّه وكرهوا رضوانه فأحبط أعمالهم (28)}: فأعلم جلّ وعزّ أنه يحبط عمل الكافر، وأعلمنا أن الحسنات يذهبن السيئات، وأن المؤمن تكفر عنه سيّئاته حسناته.). [معاني القرآن: 4/249-250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ذلك جزيناهم بما كفروا وهل نجازي إلا الكفور}
قال طاووس : هو المناقشة في الحساب , (( من نوقش عذب .)).
قال أبو جعفر : ويبين لك صحة هذا ما رواه أيوب , عن ابن أبي مليكة , عن عائشة : أن النبي صلى الله عليه وسلم قال : ((من حوسب عذب .))
قالت : قلت : فإن الله يقول :{فأما من أوتي كتابه بيمينه فسوف يحاسب حسابا يسيراً.}
فقال: (( إنما ذاك العرض , ولكن من نوقش الحساب عذب.)).
قال أبو جعفر : المعنى : أن المؤمن يكفر عنه سيئاته , والكافر يحبط عمله , ويجازى , كما قال جل وعز: {أضل أعمالهم} .). [معاني القرآن: 5/409-410]

تفسير قوله تعالى:{وَجَعَلْنَا بَيْنَهُمْ وَبَيْنَ الْقُرَى الَّتِي بَارَكْنَا فِيهَا قُرًى ظَاهِرَةً وَقَدَّرْنَا فِيهَا السَّيْرَ سِيرُوا فِيهَا لَيَالِيَ وَأَيَّامًا آَمِنِينَ (18)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وجعلنا بينهم وبين القرى} [سبأ: 18] رجع إلى قصّة ما كانوا فيه من حسن عيشهم قبل أن يهلكهم، فقال: {وجعلنا بينهم} [سبأ: 18]، أي: وكنّا {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها} [سبأ: 18]، يعني: أرض الشّام.
{قرًى ظاهرةً} [سبأ: 18]، أي: متّصلةً ينظر بعضها إلى بعضٍ.
{وقدّرنا فيها السّير} [سبأ: 18] يصبحون في منزلٍ وقريةٍ وماءٍ، ويمسون في
[تفسير القرآن العظيم: 2/754]
منزلٍ وقريةٍ وماءٍ في تفسير الحسن.
وفي تفسير الكلبيّ: {وقدّرنا فيها السّير} [سبأ: 18] المقيل والمبيت {سيروا فيها ليالي وأيّامًا آمنين} [سبأ: 18] وكانوا يسيرون مسيرة أربعة أشهرٍ في أمانٍ لا يحرّك بعضهم بعضًا ولو لقي الرّجل قاتل أبيه لم يحرّكه.
أبو سهلٍ، عن أبي هلالٍ، عن قتادة، قال: وكانت المرأة تمشي ومكتلها على رأسها، وهي تغزل بيديها، وإنّ مكتلها ليمتلئ من الثّمار من غير أن تجنيه). [تفسير القرآن العظيم: 2/755]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وقدّرنا فيها السّير...}

جعل ما بين القرية إلى القري: ة نصف يومٍ، فذلك : تقديره للسير.).[معاني القرآن: 2/359]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {وقدّرنا فيها السّير}: أي: جعلنا ما بين القرية , والقرية مقدارا واحدا). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله تعالى: {وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرى ظاهرة وقدّرنا فيها السّير سيروا فيها ليالي وأيّاما آمنين (18)}
هذا عطف على قوله: {لقد كان لسبإ في مسكنهم آية جنّتان}
{وجعلنا بينهم وبين القرى الّتي باركنا فيها قرى ظاهرة}: فكانوا لا يحتاجون من وادي سبأ إلى الشام إلى زاد.
وقيل : القرى التي باركنا فيها بيت المقدس، وقيل : أيضا الشام, فكانت القرى إلى كل هذه المواضع من وادي سبأ متصلة.
{وقدّرنا فيها السّير}: جعلنا مسيرهم بمقدار , حيث أرادوا أن يقيموا حلّوا بقرية آمنين). [معاني القرآن: 4/250]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وجعلنا بينهم وبين القرى التي باركنا فيها قرى ظاهرة}
قال الحسن : بين اليمن والشام , قال: القرى التي باركنا فيها : الشام .
قال قتادة: قرى ظاهرة على الطريق متصلة.
وقال مجاهد : يردون كل يوم على ماء , ثم قال جل وعز: {وقدرنا فيها السير سيروا فيها ليالي وأياما آمنين}
قال قتادة : يغدون, ويقيلون في قرية, ويروحون ويبيتون في قرية , يسيرون غير خائفين , ولا جياع , ولا ظماء , وإن كانت المرأة لتمر , وعلى رأسها مكتلها , فلا ترجع إلا وهو ملآن ثمرا من غير اجتناء , قال : فبطروا النعمة : فقالوا : ربنا باعد بين أسفارنا.). [معاني القرآن: 5/411]

تفسير قوله تعالى: {فَقَالُوا رَبَّنَا بَاعِدْ بَيْنَ أَسْفَارِنَا وَظَلَمُوا أَنْفُسَهُمْ فَجَعَلْنَاهُمْ أَحَادِيثَ وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ(19)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا} [سبأ: 19] تفسير الحسن: إنّهم ملّوا النّعمة كما ملّت بنو إسرائيل المنّ والسّلوى.
وفي تفسير الكلبيّ: إنّهم قالوا لرسلهم حين ابتلوا حين كذّبوهم: قد كنّا نأتي عليكم وأرضنا عامرةٌ، خير أرضٍ، فكيف اليوم وأرضنا خرابٌ.
وبعضهم يقرأها: ربّنا باعد، وبعضهم يقرأها: بعّد وبعضهم يقرأها: بعد قال اللّه: {وظلموا أنفسهم} [سبأ: 19] بشركهم.
{فجعلناهم أحاديث} [سبأ: 19] لمن بعدهم.
{ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} [سبأ: 19] بدّدنا عظامهم وأوصالهم فأكلهم التّراب.
{إنّ في ذلك}، أي: في إهلاك القرية، ومن فيها من أهلها.
[تفسير القرآن العظيم: 2/755]
{لآياتٍ لكلّ صبّارٍ} [سبأ: 19] على أمر اللّه.
{شكورٍ} لنعمة اللّه وهو المؤمن). [تفسير القرآن العظيم: 2/756]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ربّنا باعد بين أسفارنا...}: قراءة العوامّ.

وتقرأ على الخبر : {ربّنا بعّد بين أسفارنا} , و{باعد} , وتقرأ على الدعاء : {ربّنا بعّد} , وتقرأ : {ربّنا بعد بين أسفارنا} : تكون {بين} في موضع رفعٍ, وهي منصوبة, فمن رفعها جعلها بمنزلة قوله: {لقد تقطّع بينكم} .). [معاني القرآن: 2/359-360]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ ربّنا باعد بين أسفارنا}, مجازه : مجاز الدّعاء , وقرأه قوم:{ربنا بّعّد بين أسفارنا}, {ومزّقناهم كلّ ممّزّقٍ}: أي : قطعناهم , وفرقناهم.). [مجاز القرآن: 2/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {فجعلناهم أحاديث}: أي عظة , ومعتبراً, {ومزّقناهم كلّ ممزّقٍ} : أي: فرقناهم في كل وجه, ولذلك , قالت العرب للقوم إذا أخذوا في وجوه مختلفة: تفرقوا أيدي سبأ, «وأيدي»: بمعنى: مذاهب وطرق.). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (وقولهم: وأين قوله: {أَلَمْ تَرَ أَنَّ الْفُلْكَ تَجْرِي فِي الْبَحْرِ بِنِعْمَةِ اللَّهِ لِيُرِيَكُمْ مِنْ آَيَاتِهِ} من قوله: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}.
ولم يرد الله في هذا الموضع معنى الصبر والشكر خاصة، وإنما أراد: إن في ذلك لآيات لكل مؤمن. والصبر والشكر أفضل ما في المؤمن من خلال الخير، فذكره الله عز وجل في هذا الموضع بأفضل صفاته.
وقال في موضع آخر: {إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَةً لِلْمُؤْمِنِينَ}.
وفي موضع آخر: {لِقَوْمٍ يَتَفَكَّرُونَ} و{لِقَوْمٍ يَعْقِلُونَ} و{إِنَّمَا يَتَذَكَّرُ أُولُو الْأَلْبَابِ} يعني: المؤمنين.
ومثله قوله تعالى في قصة سبإ: {وَمَزَّقْنَاهُمْ كُلَّ مُمَزَّقٍ إِنَّ فِي ذَلِكَ لَآَيَاتٍ لِكُلِّ صَبَّارٍ شَكُورٍ}. وهذا كما تقول: أن في ذلك لآية لكل موحّد مصلّ، ولكلّ فاصل تقيّ. وإنما تريد المسلمين). [تأويل مشكل القرآن: 75] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): ( {فقالوا ربّنا باعد بين أسفارنا وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث ومزّقناهم كلّ ممزّق إنّ في ذلك لآيات لكلّ صبّار شكور (19)}
{ربّنا بعّد بين أسفارنا}:ويقرأ : {ربّنا باعد بين أسفارنا}, ويقرأ :{ ربّنا بعّد بين أسفارنا} ويقرأ ربنا بالنصب, بعد بين أسفارنا , برفع بين , ويقرأ: بين أسفارنا، ويقرأ: ربّنا باعد بين أسفارنا.
{وظلموا أنفسهم)}:فمن قرأ : بعد بين أسفارنا , برفع بين، فالمعنى : بعد ما يتصل بسفرنا.
ومن قرأ : بعد بين أسفارنا , فالمعنى : بعد ما بين أسفارنا، وبعد سيرنا بين أسفارنا، ومن قرأ : باعد , فعلى وجه المسألة، ويكون المعنى : أنهم سئموا الرّاحة , وبطروا النعمة، كما قال قوم موسى: {ادع لنا ربّك يخرج لنا ممّا تنبت الأرض }, إلى قوله: {الذي هو أدنى بالّذي هو خير.}

{ومزّقناهم كلّ ممزّق}: أي : فرقناهم في البلاد ؛ لأنهم لما أذهب الله بجنتيهم , وغرق مكانهم , تبدّدوا في البلاد , فصارت العرب تتمثل بهم في الفرقة , فتقول: تفرقوا أيدي سبأ، وأيادي سبأ , قال الشاعر:
= من صادر أو وارد أيدي سبا=
وقال كثير:
أيادي سبا يا عز ما كنت بعدكم= فلم يحل للعينين بعدك منظر.). [معاني القرآن: 4/251]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (قال الله جل وعز: {وظلموا أنفسهم فجعلناهم أحاديث}
وقرأ عبد الله بن عباس , وابن الحنفية : {ربنا باعد بين أسفارنا} , قال ابن عباس : (شكوا ربهم جل وعز) .
وقرأ يحيى بن يعمر , وعيسى : {ربنا بعد بين أسفارنا }.
وقرأ سعيد بن أبي الحسن أخو الحسين :{ربنا بعد بين أسفارنا }
والقراءة الأولى أبين , وأهل التفسير : يقولون بطروا النعمة , وأخبر الله جل وعز أنه عاقبهم على ذلك إلا أنه يجوز أن يكونوا .
قالوا : هذا بعدما باعد الله جل وعز بين أسفارهم , أو يكونوا لبطرهم , استبعدوا القريب.
وكانت العرب تضرب بهم المثل , فتقول تفرقوا أيدي سبأ , وأيادي سبأ , أي : مذاهب سبأ , وطرقها.). [معاني القرآن: 5/412]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({وَمَزَّقْنَاهُمْ}: فرقناهم.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]


تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه} [سبأ: 20]، يعني: جميع المشركين.
{فاتّبعوه إلا فريقًا من المؤمنين} [سبأ: 20] وذلك أنّه كان يطيف بجسد آدم قبل أن ينفخ فيه الرّوح، فلمّا رأوه أجوف عرف أنّه لا يتمالك، ثمّ وسوس بعد إلى آدم، فأكل من الشّجرة، فقال في نفسه: إنّ نسل هذا سيكون مثله في الضّعف، فلذلك قال: {لأحتنكنّ ذرّيّته إلا قليلا} [الإسراء: 62] وقال: {فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين} [ص: 82] قال: {ولا تجد أكثرهم شاكرين} [الأعراف: 17] وأشباه ذلك.
وبعضهم يقول: إنّ إبليس قال: خلقت من نارٍ، وخلق آدم من طينٍ، والنّار تأكل الطّين، فلذلك ظنّ أنّه سيضلّ عامّتهم.
وحدّثني سليمان بن أرقم، عن الحسن أنّه كان يقرأ هذا الحرف ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه، أي: ولقد صدق عليهم ظنّ إبليس فيها تقديمٌ، ثمّ قال: ظنّ ظنّه ولم يقل ذلك بعلمٍ، يقول: فصدق ظنّه فيهم.
قرّة بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن القاسم: ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه.
وكان مجاهدٌ يقرأها: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه} [سبأ: 20] يقول: صدّق إبليس ظنّه فيهم حيث جاء أمرهم على ما ظنّ). [تفسير القرآن العظيم: 2/756]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه...}

نصبت الظن , بوقوع التصديق عليه, ومعناه أنه قال : {فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين إلاّ عبادك منهم المخلصين}, قال الله : صدّق عليهم ظنّه لأنه إنما قاله بظنّ لا بعلمٍ.

وتقرأ : {ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه} , نصبت الظن على قوله: ولقد صدق عليهم في ظنّه.
ولو قلت: ولقد صدق عليه إبليس ظنّه , ترفع إبليس والظنّ , كان صواباً على التكرير: صدق عليهم ظنّه، كما قال : {يسألونك عن الشهر الحرام قتالٍ فيه} : يريد: عن قتالٍ فيه، وكما قال {ثمّ عموا وصمّوا كثيرٌ منهم} , ولو قرأ قارئ :ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه : يريد: صدقه ظنّه عليهم , كما تقول صدقك ظنّك الظنّ يخطئ ويصيب.). [معاني القرآن: 2/360]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه }: مخفف , ومثقل , ومجازه : أنه وجد ظنه بهم صادقاً.). [مجاز القرآن: 2/147]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ) : ( {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه}: وذلك أنه قال: لأضلنهم , ولأغوينهم , ولأمنينهم, ولآمرنهم بكذا، فلما اتبعوه وأطاعوه, صدق ما ظنه، أي: فيهم, وقد فسرت هذا في كتاب «المشكل»). [تفسير غريب القرآن: 356]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : ({ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه فاتّبعوه إلّا فريقا من المؤمنين (20)}
{ولقد صدق عليهم إبليس ظنّه}: ويقرأ : {ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه}:برفع إبليس , ونصب الظن.
وصدقه في ظنه : أنه ظن بهم إذا أغواهم : اتبعوه , فوجدهم كذلك , فقال:
{فبعزّتك لأغوينّهم أجمعين (82) إلّا عبادك منهم المخلصين}:فمن قال :{صدّق} نصب الظن لأنه مفعول به، ومن خفّف فقال: " صدق " نصب الظنّ مصدرا .
على معنى : صدق عليهم إبليس ظنّا ظنّه، وصدق في ظنه.
وفيها وجهان آخران: أحدهما :{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه}: ظنه بدل من إبليس، كما قال تعالى: {يسألونك عن الشهر الحرام قتال فيه.}
ويجوز :{ولقد صدّق عليهم إبليس ظنّه}, على معنى : صدق ظن إبليس باتباعهم إيّاه , وقد قرئ بهما.). [معاني القرآن: 4/251-452]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولقد صدق عليهم إبليس ظنه} : وهي قراءة الهجهاج , ويجوز :{ولقد صدق عليهم إبليس ظنه في ظنه }.
روى عن ابن عباس أنه قال: (قال إبليس : خلقت من نار , وخلق آدم صلى الله عليه من طين ضعيفا , لأحتنكن ذريته إلا قليلاً).
ويروى : أنه قال : قد أعويت آدم على موضعه وعلمه , فأنا على ولده أقدر , فصدق ظنه.
ويبين هذا قوله تعالى: {ثم لآتينهم من بين أيديهم ومن خلفهم وعن أيمانهم وعن شمائلهم ولا تجد أكثرهم شاكرين}
وقوله جل وعز: {لأغوينهم أجمعين إلا عبادك منهم المخلصين}: فإنما قال : هذا ظنا , فصدق ظن.ه
ومن قرأ : صدق : صير الظن مفعولا
ومن رفع الظن , ونصب إبليس أراد: ولقد صدق ظن إبليس حين اتبعوه.). [معاني القرآن: 5/413-414]


تفسير قوله تعالى: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ وَرَبُّكَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ حَفِيظٌ (21)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قال: {وما كان له عليهم من سلطانٍ} [سبأ: 21] كقوله: {فإنّكم} [الصافات: 161]، أي: يا بني إبليس {فإنّكم وما تعبدون {161} ما أنتم عليه بفاتنين {162}} [الصافات: 161-162] لستم بمضلّي أحدٍ {إلا من هو صال الجحيم} [الصافات: 163].
قال يحيى: حدّثني به أبو الأشهب، عن الحسن.
قال: {إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة} [سبأ: 21] وهذا علم الفعال.
{ممّن هو منها} [سبأ: 21] من الآخرة.
{في شكٍّ} [سبأ: 21] وإنّما جحد المشركون الآخرة ظنًّا منهم، وذلك منهم على الشّكّ.
قال: {وربّك على كلّ شيءٍ حفيظٌ} [سبأ: 21] حتّى يجازيهم في الآخرة). [تفسير القرآن العظيم: 2/757]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {وما كان له عليهم مّن سلطانٍ...}

يضلّهم به حجّة، إلاّ أنّا سلّطناه عليهم , لنعلم من يؤمن بالآخرة.

فإن قال قائل: إنّ الله يعلم أمرهم بتسليط إبليس , وبغير تسليطه.
قلت: مثل هذا كثير في القرآن, قال الله : {ولنبلونّكم حتّى نعلم المجاهدين منكم والصّابرين}, وهو يعلم المجاهد, والصّابر بغير ابتلاء، ففيه وجهان: أحدهما : أنّ العرب تشترط للجاهل إذا كلّمته بشبه هذا شرطاً تسنده إلى أنفسها , وهي عالمة؛ ومخرج الكلام كأنه لمن لا يعلم. , من ذلك أن يقول القائل: النّار تحرق الحطب فيقول الجاهل: بل الحطب يحرق النار.
ويقول العالم: سنأتي بحطب , ونارٍ لنعلم أيّهما يأكل صاحبه , فهذا وجه بيّن.
والوجه الآخر : أن تقول : {لنبلونّكم حتّى نعلم} معناه: حتى نعلم عنكم , فكأن الفعل لهم في الأصل, ومثله مما يدلّك عليه قوله: {وهو الذي يبدأ الخلق ثمّ يعيده هو أهون عليه}: عندكم يا كفرة؛ ولم يقل: {عندكم}: يعني: وليس في القرآن: {عندكم}, وذلك معناه, ومثله قوله: {ذق إنّك أنت العزيز الكريم} , عند نفسك إذ كنت تقوله في دنياك., ومثله ما قال الله لعيسى: {أأنت قلت للنّاس}: وهو يعلم ما يقول وما يجيبه به؛ فردّ عليه عيسى , وهو يعلم أن الله لا يحتاج إلى إجابته, فكما صلح أن يسأل عمّا يعلم , ويلتمس من عبده ونبيّه الجواب , فكذلك يشرط من فعل نفسه ما يعلم، حتى كأنه عند الجاهل لا يعلم.). [معاني القرآن: 2/361]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({ إلاّ لنعلم من يؤمن بالآخرة }: مجازه: إلاّ لنميز.). [مجاز القرآن: 2/147]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({وما كان له عليهم مّن سلطان إلاّ لنعلم من يؤمن بالآخرة ممّن هو منها في شكٍّ وربّك على كلّ شيءٍ حفيظٌ}
وقال: {إلاّ لنعلم}: على البدل , كأنه قال: ما كان ذلك الابتلاء إلاّ لنعلم.). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ( {وَلَقَدْ صَدَّقَ عَلَيْهِمْ إِبْلِيسُ ظَنَّهُ فَاتَّبَعُوهُ إِلَّا فَرِيقًا مِنَ الْمُؤْمِنِينَ (20) وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا لِنَعْلَمَ مَنْ يُؤْمِنُ بِالْآَخِرَةِ مِمَّنْ هُوَ مِنْهَا فِي شَكٍّ}.
تأويله: أن إبليس لما سأل الله تبارك وتعالى النّظرة فأنظره قال: لأغوينّهم ولأضلّنّهم ولأمنّينّهم ولآمرنّهم فليبتّكنّ آذان الأنعام ولآمرنّهم فليغيّرنّ خلق الله ولأتّخذنّ منهم نصيبا مفروضا وليس هو في وقت هذه المقالة مستيقنا أنّ ما قدّره الله فيهم يتمّ، وإنما قاله ظانا، فلما اتبعوه وأطاعوه، صدق ما ظنّه عليهم أي فيهم، ثم قال الله: وما كان تسليطنا إيّاه إلا لنعلم من يؤمن، أي المؤمنين من الشاكين.
وعلم الله تعالى نوعان:
أحدهما: علم ما يكون من إيمان المؤمنين، وكفر الكافرين، وذنوب العاصين، وطاعات المطيعين قبل أن تكون.
وهذا علم لا تجب به حجة ولا تقع عليه مثوبة ولا عقوبة.
والآخر: علم هذه الأمور ظاهرة موجودة فيحق القول ويقع بوقوعها الجزاء.
فأراد جل وعز: ما سلطناه عليهم إلا لنعلم إيمان المؤمنين ظاهرا موجودا، وكفر الكافرين ظاهرا موجودا.
وكذلك قوله سبحانه: {أَمْ حَسِبْتُمْ أَنْ تَدْخُلُوا الْجَنَّةَ وَلَمَّا يَعْلَمِ اللَّهُ الَّذِينَ جَاهَدُوا مِنْكُمْ وَيَعْلَمَ الصَّابِرِينَ}، أي يعلم جهاده وصبره موجودا يجب له به الثواب). [تأويل مشكل القرآن: 311-312] (م)
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): (السلطان: الملك والقهر، قال الله تعالى: {وَمَا كَانَ لِي عَلَيْكُمْ مِنْ سُلْطَانٍ إِلَّا أَنْ دَعَوْتُكُمْ فَاسْتَجَبْتُمْ لِي} . وقال: {وَمَا كَانَ لَهُ عَلَيْهِمْ مِنْ سُلْطَانٍ}). [تأويل مشكل القرآن: 504] (م)
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ)


: (وقوله جلّ وعزّ: {وما كان له عليهم من سلطان إلّا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممّن هو منها في شكّ وربّك على كلّ شيء حفيظ (21)}



أي: ما كان له عليهم من حجة , كما قال: {إنّ عبادي ليس لك عليهم سلطان}
{إلّا لنعلم من يؤمن بالآخرة ممّن هو منها في شك}:أي: إلا لنعلم ذلك علم وقوعه منهم، وهو الذي يجازون عليه, واللّه يعلم الغيب , ويعلم من يؤمن ممن يكفر قبل أن يؤمن المؤمن , ويكفر الكافر , ولكن ذلك لا يوجب ثوابا ولا عقابا، إنما يثابون ويعاقبون بما كانوا عاملين.). [معاني القرآن: 4/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما كان له عليهم من سلطان}: أي : من حجة إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة , أي: ما امتحناهم به إلا لنعلم من يؤمن بالآخرة علم شهادة , فأما علم الغيب , فالله جل وعز عالم به قبل أن يكون.). [معاني القرآن: 5/414]

تفسير قوله تعالى: {قُلِ ادْعُوا الَّذِينَ زَعَمْتُمْ مِنْ دُونِ اللَّهِ لَا يَمْلِكُونَ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ فِي السَّمَاوَاتِ وَلَا فِي الْأَرْضِ وَمَا لَهُمْ فِيهِمَا مِنْ شِرْكوَمَا لَهُ مِنْهُمْ مِنْ ظَهِيرٍ (22)}ٍ
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دون اللّه} [سبأ: 22] يعني أوثانهم، زعمتم أنّهم آلهةٌ.
{لا يملكون} [سبأ: 22] لا تملك تلك الآلهة.
{مثقال ذرّةٍ} [سبأ: 22] وزن ذرّةٍ.
{في السّموات ولا في الأرض وما لهم فيهما} [سبأ: 22] في السّموات والأرض.
{من شركٍ} [سبأ: 22] ما خلقوا شيئًا ممّا فيهما، وما خلقهما وما فيهما إلا اللّه.
{وما له منهم} [سبأ: 22]، أي: وما للّه منهم من أوثانهم.
{من ظهيرٍ} [سبأ: 22] من عوينٍ). [تفسير القرآن العظيم: 2/757]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ)
: ( { من ظهيرٍ }: أي: من معين.).
[مجاز القرآن: 2/147]

قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله: {قل ادعوا الّذين زعمتم من دون اللّه لا يملكون مثقال ذرّة في السّماوات ولا في الأرض وما لهم فيهما من شرك وما له منهم من ظهير (22)}

يعني : أن الذين يزعمون أنهم شركاء الله من الملائكة , وغيرهم , لا شرك لهم , ولا معين للّه عزّ وجلّ فيما خلق.). [معاني القرآن: 4/252]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {وما له منهم من ظهير}
قال أبو عبيدة : من ظهير , أي: من معين.). [معاني القرآن: 5/415]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ) : ({من ظهير}: أي: معين). [ياقوتة الصراط: 415]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ( {ظَهِيرٍ}: معين.). [العمدة في غريب القرآن: 247]


تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْفَعُ الشَّفَاعَةُ عِنْدَهُ إِلَّا لِمَنْ أَذِنَ لَهُ حَتَّى إِذَا فُزِّعَ عَنْ قُلُوبِهِمْ قَالُوا مَاذَا قَالَ رَبُّكُمْ قَالُوا الْحَقَّ وَهُوَ الْعَلِيُّ الْكَبِيرُ (23)}
قال يَحيى بن سلاَّم بن أبي ثعلبة البصري (ت: 200هـ): (قوله عزّ وجلّ: {ولا تنفع الشّفاعة عنده} [سبأ: 23] عند اللّه.
{إلا لمن أذن له} [سبأ: 23] لا يشفع الشّافعون إلا للمؤمن، تشفع
[تفسير القرآن العظيم: 2/757]
الملائكة والنّبيّون والمؤمنون، ليس، يعني: أنّهم يشفعون للمشركين، فلا يشفّعون.
وحديث الحسن بن دينارٍ، عن الحسن، قال: أهل الكبائر لا شفاعة لهم، قال: {ولا يشفعون إلا لمن ارتضى} [الأنبياء: 28].
وقال: {ولا يملك الّذين يدعون من دونه الشّفاعة إلا من شهد بالحقّ وهم يعلمون} [الزخرف: 86] وقلوبهم مخلصةٌ بشهادة لا إله إلا اللّه، يعلمون أنّها الحقّ، وقال: {فما تنفعهم شفاعة الشّافعين} [المدثر: 48]، أي: أنّ الشّافعين لا يشفعون لهم، إنّما يشفعون للمؤمنين.
قوله عزّ وجلّ: {حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العليّ} [سبأ: 23] لا أعلى منه.
{الكبير} لا أكبر منه.
قرّة بن خالدٍ، عن عبد اللّه بن القاسم مولى أبي بكرٍ الصّدّيق أنّه كان يقرأها {حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العليّ الكبير} [سبأ: 23] إنّ أهل السّموات لم يسمعوا الوحي فيما بين عيسى إلى أن بعث اللّه محمّدًا، فلمّا بعث اللّه جبريل بالوحي إلى محمّدٍ سمع أهل السّموات صوت الوحي مثل جرّ السّلاسل على الصّخور أو الصّفا، فصعق أهل السّموات مخافة أن تكون السّاعة، فلمّا فرغ من الوحي، وانحدر جبريل جعل كلّما مرّ بأهل سماءٍ فزّع عن قلوبهم، فسأل بعضهم بعضًا، فسأل أهل كلّ سماءٍ الّذي فوقهم إذا جلّي عن قلوبهم: {ماذا قال ربّكم} [سبأ: 23] فيقولون: {الحقّ}، أي: هو الحقّ {وهو العليّ} [سبأ: 23]، أي: لا أعلى منه {الكبير} [سبأ: 23] لا أكبر منه.
[تفسير القرآن العظيم: 2/758]
حمّادٌ، عن عاصم بن بهدلة، عن أبي وائلٍ، عن مسروقٍ أنّه كان يقرأها حتّى إذا فزع عن قلوبهم.
حمّادٌ، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبيرٍ مثله.
محمّد بن معبدٍ، عن سليمان التّيميّ قال: يسمعون مثل جرّ السّلاسل على الصّخور أو الصّفا.
وحدّثني أبو أميّة، عن حميد بن هلالٍ، عن أبي الضّيف عن كعبٍ قال: إنّ أقرب الملائكة إلى اللّه إسرافيل، فإذا أراد اللّه أمرًا أن يوحيه جاء اللّوح حتّى يصفّق جبهته، فيرفع رأسه، فينظر فإذا الأمر مكتوبٌ، فينادي جبريل فيلبّيه فيقول: أمرت بكذا، أمرت بكذا، فلا يهبط جبريل من سماءٍ إلى سماءٍ إلا فزع أهلها مخافة السّاعة حتّى يقول جبريل: الحقّ من عند الحقّ، فيهبط على النّبيّ عليه السّلام فيوحي إليه.
قرّة بن خالدٍ، والحسن بن دينارٍ، ويزيد بن إبراهيم، عن الحسن أنّه كان يقرأها: حتّى إذا فزع عن قلوبهم إذا تجلّى عن قلوبهم في حديث يزيد بن إبراهيم.
وقال ابن مجاهدٍ، عن أبيه: {حتّى إذا فزّع
[تفسير القرآن العظيم: 2/759]
عن قلوبهم} [سبأ: 23] كشف عنهم الغطاء يوم القيامة.
وحدّثني المعلّى، عن أبي يحيى القتّات، عن مجاهدٍ: {حتّى إذا فزّع عن قلوبهم} [سبأ: 23] قال: حتّى إذا رأوا الحقّ لم ينفعهم). [تفسير القرآن العظيم: 2/760]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ: (ت: 207هـ)
: (وقوله: {إلاّ لمن أذن له...}

أي : لا ينفع شفاعة ملكٍ مقرّبٍ , ولا نبيّ حتى يؤذن له في الشفاعة, ويقال: حتى يؤذن له فيمن يشفع، فتكون (من) للمشفوع له.

وقوله: {حتّى إذا فزّع} : قراءة الأعمش, وعاصم بن أبي النجود , وأبي عبد الرحمن السّلميّ , وأهل المدينة.
وقراءة الحسن البصري: {فرّغ}, وقراءة مجاهد : {حتّى إذا فزّع)}, يجعل الفعل لله .
وأما قول الحسن : فمعناه حتى إذا كشف الفزع عن قولبهم , وفرّغت منه, فهذا وجه.
ومن قال : {فزّع }, أو:{ فزّع }, فمعناه أيضاً: كشف عنه الفزع , (عن) تدلّ على ذلك , كما تقول: قد جلّي عنك الفزع.
والعرب تقول للرجل: إنه لمغلّب , وهو غالب، ومغلّب , وهو مغلوب.
فمن قال: مغّلب للمغلوب , يقول: هو أبداً مغلوب, ومن قال: مغلّب ,, وهو غالب, أراد قول الناس: هو مغلّب.
والمفزّع يكون جباناً , وشجاعاً , فمن جعله شجاعاً , قال: بمثله تنزل الأفزاع, ومن جعله جباناً , فهو بيّن, أراد: يفزع من كلّ شيء.
وقوله: {قالوا الحقّ} : فالمعنى في ذلك أنه كان بين نبيّنا , وبين عيسى صلى الله عليهما وسلم فترة، فلمّا نزل جبريل على محمدٍ عليهما السّلام بالوحي , ظنّ أهل السموات أنه قيام السّاعة, فقال بعضهم: {ماذا قال ربّكم}: فلم يدروا، ولكنهم قالوا: قال الحقّ. ولو قرئ {الحقّ} بالرفع أي هو الحقّ كان صواباً, ومن نصب أوقع عليه القول: قالوا : قال الحقّ.). [معاني القرآن: 2/361-362]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ({حتّى إذا فزّع عن قلوبهم }: أي:أذهب عن قلوبهم.
{ قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ }: منصوب لأنه مختصر , كأنه: قالوا: قال ربنا الحق، وقد رفعه لبيد , ولا أظنه إلا احتياجاً إلى القافبة , قال:
ألا تسألان المرء ماذا يحاول= أنحبٌ فيقضي أم ضلالٌ وباطل.).[مجاز القرآن: 2/148]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ) : ({ولا تنفع الشّفاعة عنده إلاّ لمن أذن له حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العليّ الكبير}
وقال: {لمن أذن له} ؛ لأن في المعنى لا يشفع إلا لمن له أذن له.
وقال: {قالوا الحقّ}: إن شئت رفعت , وإن شئت نصبته.). [معاني القرآن: 3/33]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ) : ({فزع عن قلوبهم}: قال نفس عنها ورفة وجلي، ومن قرأها بالراء والغين فمعناه أخرج ما فيها من خوف ففرعت منه). [غريب القرآن وتفسيره: 307-308]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({حتّى إذا فزّع عن قلوبهم}: خفف عنها الفزع, ومن قرأ: {فزع } : أراد منها الفزع.). [تفسير غريب القرآن: 356-357]


قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ) : (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنفع الشّفاعة عنده إلّا لمن أذن له حتّى إذا فزّع عن قلوبهم قالوا ماذا قال ربّكم قالوا الحقّ وهو العليّ الكبير (23)}
{أذن له}: بضم الهمزة , وفتحها، ويكون المعنى : لمن أذن له.
أي، لمن أذن الله له أن يشفع، ويجوز إلا لمن أذن أن يشفع له , فيكون " من " للشافعين، ويجوز أن يكون للمشفوع لهم, والأجود أن يكون للشافعين، لقوله: {حتّى إذا فزّع عن قلوبهم}.

لأن الذين فزع عن قلوبهم ههنا الملائكة، وتقرأ :{حتى إذا فزّع عن قلوبهم } - بفتح الفاء - , وقرأ الحسن: {حتّى إذا فرغ عن قلوبهم} - بالراء غير المعجمة وبالغين المعجمة - , ومعنى : {فزع }: كشف الفزع عن قلوبهم , و{فزّع عن قلوبهم }: كشف الله الفزع عن قلوبهم، وقراءة الحسن: فرّغ , ترجع إلى هذا المعنى ؛ لأنهما فرغت من الفزع.
وتفسير هذا أن جبريل عليه السلام كان لما نزل إلى محمد - صلى الله عليه وسلم - بالوحي , ظنت الملائكة أنه نزل لشيء من أمر الساعة , فتفزعت لذلك، فلما انكشف عنها الفزع: {قالوا ماذا قال ربّكم}.: فسألت : لأي شيء ينزل جبريل؟, {قالوا الحقّ}:أي : قالوا : قال الحق.
ولو قرئت:{ قالوا الحقّ }: لكان وجها, يكون المعنى : قالوا هو الحق.). [معاني القرآن: 4/253]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ) : (وقوله جل وعز: {ولا تنفع الشفاعة عنده إلا لمن أذن له}
يجوز أن يكون المعنى : إلا لمن أذن له أن يشفع , وأن يكون للمشفوع.
والأول أبين : لقوله تعالى: {حتى إذا فزع عن قلوبهم}
وقرأ ابن عباس : حتى إذا فزع عن قلوبهم , أي: فزع الله عز وجل عن قلوبهم , يقال: فزعته : أزلت عنه الفزع.
والمعروف من قراءة الحسن:{حتى إذا فرغ عن قلوبهم }:أي: فرغ منها الفزع
قال عكرمة : سمعت أبا هريرة يقول: إن النبي صلى الله عليه وسلم قال:(( إذا قضى الله الأمر في السماء ضربت الملائكة بأجنحتها , خضعاناً لله جل وعز , فيسمع كالسلسلة على الصفوان , فيقولون : ماذا قال ربكم ؟.
فيقال: للذي قال الحق , وهو العلي الكبير )), وذكر الحديث.
وقال عبد الله بن مسعود : (( تسمع الملائكة في السماء للوحي صوتا كصوت الفولاذ على الصفا , فيخرون على جباههم , فإذا جلي عنهم , قالوا للرسل: ماذا قال ربكم ؟.
فيقولون: الحق , الحق .)).
وقال قتادة: لما كانت الفترة بين عيسى ومحمد صلى الله عليهما وسلم , فنزل الوحي خرت الملائكة سجدا , {حتى إذا فزع عن قلوبهم }, أي : جلي.
قالوا : {ماذا قال ربكم قالوا الحق}. ). [معاني القرآن: 5/415-417]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فُزِّعَ عَن قُلُوبِهِمْ}: أي: خفف عنها الفزع.). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 196]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({فُزِّعَ}: نفس.). [العمدة في غريب القرآن: 247]


رد مع اقتباس