عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 09:20 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

تفسير سورة الكهف
[ من الآية (1) إلى الآية (5) ]

{الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1) قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2) مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3) وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4) مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}

قوله تعالى: {الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَنْزَلَ عَلَىٰ عَبْدِهِ الْكِتَابَ وَلَمْ يَجْعَلْ لَهُ عِوَجًا (1)}
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (3- قوله: {عوجا} وقوله: {من مرقدنا} «يس 52» كان حفص يقف على {عوجا} وقفة خفيفة في وصله، وكذلك كان يقف على {مرقدنا} في يس، وعلى {من} من قوله: {من راق} «القيامة 27» وعلى {بل} من قوله: {بل ران} «المطففين 14» وحجته في ذلك أنه اختار للقارئ أن يبين بوقفه على {عوجا} أنه وقف تام، فإنما «قيما» ليس بتابع في إعرابه لـ {عوجا} إنما هو منصوب بإضمار فعل تقديره: أنزله قيما، وكذلك وقف على {مرقدنا} ليبين أن هذا ليس بصفة لـ «المرقد» وأنه مبتدأ، وليبين أنه ليس من قول الكفار، وأنه من قول الملائكة مستأنف، وقيل: هو من قول المؤمنين للكفار، وكذلك وقف على {من} في: {من راق}، وعلى {بل} في {بل ران} ليبين إظهار اللام والنون، لأنهما ينقلبان في الوصل راء، فتصير مدغمة في الراء بعدها، ويذهب لفظ اللام
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/55]
والنون، وقرأ الباقون ذلك كله بغير وقف مروي عنهم، وحجتهم في ذلك أنه كلام متصل في الخط، وأن الإدغام فرع، فلا كراهية فيه، ولو لزم الوقف على اللام والنون ليظهر للزم ذلك في كل مدغم، ولو اختار متعقب الوقف على {عوجا} وعلى {مرقدنا} لجميع القراء لكان ذلك حسنا؛ لأنه يفرق بالوقف بين معنيين، فهو تمام مختار الوقف عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/56]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {عِوَجا * قَيِّمًا} [آية/ 1 و2]:
روى ص- عن عاصم سكتة خفيفة على قوله {عِوَجا}، ولا ينونها.
والوجه أنه أراد أن يُبين أن {قيّما} ليس بتابع لعوجٍ من حيث المعنى، وأن الكلام على التقديم والتأخير، كأنه قال أنزل على عبده الكتاب قيمًا ولم يجعل له عوجًا، فلهذا سكت على قوله {عِوَجا} ليتبين انفصاله عما بعده، ثم قال {قيّمًا} فجعله حالًا من {الكِتَابَ}، ونصب {عوجًا} على أنه مفعول {يَجْعَلْ}.
وقرأ الباقون و-ياش- عن عاصم {عِوَجًا قيّمًا} بالوصل والتنوين.
والوجه أنه هو القياس في نحو هذا؛ لأن الكلمة معربةٌ منصرفةٌ لا ألف ولام فيه، فالأصل أن تكون منونةً حال الدرج). [الموضح: 772]

قوله تعالى: {قَيِّمًا لِيُنْذِرَ بَأْسًا شَدِيدًا مِنْ لَدُنْهُ وَيُبَشِّرَ الْمُؤْمِنِينَ الَّذِينَ يَعْمَلُونَ الصَّالِحَاتِ أَنَّ لَهُمْ أَجْرًا حَسَنًا (2)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قوله جلّ وعزّ: (من لّدنه ويبشّر المؤمنين)
قرأ عاصم في رواية يحيى عن أبي بكر عنه (من لدنهي) بفتح اللام، وإشمام الدال الضم، وكسر النون والهاء، ما روى هذا غير يحيى عن أبي بكر عن عاصم وقرأ الباقون (من لّدنه) بفتح اللام، وضم الدال، وتسكين النون، وضم الهاء.
قال أبو منصور: الذي روي عن عاصم - رواية يحيى - لغة، وروى أبو زيد وعن الكلابيين أجمعين هذا (من لدنه) ضموا الدال، وفتحوا اللام، وكسروا النون.
قال أبو منصور: والقراءة المختارة (من لدنه)، وعليها القراءة). [معاني القراءات وعللها: 2/105]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {من لدنه ويبشر} [2].
قرأ عاصم وحده في رواية أبي بكر {لدنهى} بإسكان الدال وإشمام الضم، وكسر النون والهاء وإيصالها بياء.
وقرأ الباقون {لدنه} بضم الدال وجزم النون وضم الهاء من غير واو، إلا ابن كثير فإنه كان يصل الهاء بالواو {من لدنهو} وذلك أن «لدن» معناه «عند» وهو اسم غير متمكن، قال الله تعالى: {من لدن حكيم خبير} فالنون ساكنة في كل، والهاء إذا أتت بعد حرف ساكن لم يجز فيها إلا الضم نحو منه، والأصل منهو ولدنهو كقراءة ابن كثير غير أنهم حذفوا الواو اختصارًا.
وأما قراءة عاصم فإنه أسكن الدال استثقالاً للضمة كما يقال: في كرم زيد كرم زيد، فلما أسكن الدال التقى ساكنان النون والدال، وكسروا النون لالتقاء الساكنين، وكسروا الهاء لمجاورة حرف مكسور، ووصلها بياء كما يقال: مررت بهو يا فتى.
وما أعلم أن أحدًا احتج لهذه القراءة، فاعرفه فإنه حسن. ولو فتح النون لالتقاء الساكنين لجاز بعد أن أسكن الدال كما قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/386]
عجبت لمولود وليس له أب = ومن ولد لم يلده أبوان
يعني: آدم وعيسى عليهما السلام.
وإنما ذكرت هذا الحرف لئلا يتوهم متوهم أن عاصما كسر النون علامة للجر، لأن «لدن» لا يعرب. و{من لدنه} في صلة قوله: {الحمد لله الذي أنزل على عبده الكتاب ولم يجعل له عوجا * قيما لينذر بأسا شديدا} أي: لينذركم بالبأس كما قال تعالى: {إنما ذلكم الشيطان يخوف أولياءه} أي: يخوفكم بأوليائه. و{شديدًا}: نعت للبأس. {من لدنه}: أي: من عنده، و{يبشر المؤمنين} نصب بلام «كي» نسق على «لينذر»). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/387]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (قرأ عاصم في رواية أبي بكر (من لدنه) [الكهف/ 2] بفتح اللام وإشمام الدّال الضّمّة، وكسر النون والهاء، ولم يقرأ بذلك غيره، ووصل الهاء بياء في الوصل.
وقرأ الباقون من لدنه بفتح اللام وضمّ الدال وتسكين النون وضمّ الهاء من غير بلوغ واو، حفص عن عاصم مثلهم.
في لدن ثلاث لغات: لدن مثل سبع، وتخفّف الدال، فإذا خفّفت كان على ضربين: أحدهما أن تحذف الضمّة من الدال، وتنقل إلى اللام فيقال: لدن، مثل: عضد، وفي كلا الوجهين يجتمع في الكلمة ساكنان: الدال المنقول عنها الحركة والمحذوفة منها.
[الحجة للقراء السبعة: 5/124]
ويلحق الكلمة حذف النون، فإن حذفت أمكن أن يقدّر حذف النون منها، وقد أسكنت، وأن يقدّر الحذف منها غير مسكّن الأوسط، فإذا قدّر حذفها وقد أسكنت وردّ فيها النون بعد الحذف، جاز أن تحرّك بالفتح فيقال: لدن. قال سيبويه: شبّهوه بالخفيفة مع الفعل ففتحوها كفتحهم لام الفعل مع الخفيفة. وقال أبو زيد: جئت فلانا لدن غدوة، ففتحوا الدال، ويجوز أن تحرّك بالكسر في نحو (من لدنك)، و (لدنه) لأن من الساكنين ما إذا التقيا ما يحرّك أحدهما بالكسر كما يحرّك بالفتح، وربما تعاقب الأمران على الكلمة الواحدة، فأما حذف النون في قوله:
من لدشولا...
فينبغي أن يكون أجري في الحذف، ولم يلتق مع ساكن آخر مجراه في حذفهم لها لالتقاء الساكنين، وذلك أنه في قولهم: من لد الصلاة، حذفت لالتقاء الساكنين من حيث كثر، كما حذفت من الأسماء الأعلام نحو: زيد بن فلان. واستجازوا حذفها كما استجازوه في نحو:
ولك اسقني...
[الحجة للقراء السبعة: 5/125]
وكما حذفوها من عمرو العلى ونحو ذلك، والدليل على أنه حذف كما كان حذف لالتقاء الساكنين أنه لا يخلو من أن يكون الحذف على ما كان عليه لالتقاء الساكنين، أو على حدّ الحذف في دد، وددن، فلا يجوز أن يكون على حدّ دد، وددن لأنه لو كان كذلك لوجب أن يسكن للبناء كما أنك لما حذفت النون من المعرب الذي هو لام في ددن أجريت على العين ما كان يجري على اللام من الإعراب، وكذلك لد لو كان الحذف فيه على حدّ الحذف في ددن لوجب أن تسكن الدّال من لد بعد حذف النون، ألا ترى أنهم قالوا: لهي أبوك، فبنوا الاسم لما تضمّن معنى لام المعرفة، وحرك بالفتح لالتقاء الساكنين، ثم لمّا حذفوا الياء التي في موضع اللام قالوا: له أبوك، فبنوه على السكون، فكذلك الحذف في لدن لو كان على حدّ الحذف في لهي، والنون في ددن لوجب أن تسكن الدال في لد ولا تحرك، فبقاؤها على الحركة دلالة على أن حذفها ليس على حدّ الحذف في ددن، ولهي أبوك، ولكن حذفت كما كانت حذفت لالتقاء الساكنين لأن الحذف لالتقاء الساكنين كأنه في تقديره الثبات، كما أن
[الحجة للقراء السبعة: 5/126]
التحريك لهما في تقدير السكون، فالذي قال: «من لد شولا... »
إنما استعمل المحذوف لالتقاء الساكنين بالدلالة التي ذكرنا، وأنشد أبو زيد:
لد غدوة حتّى أغاث شريدهم... جوّ العشارة فالعيون فزنقب
فالدّال متحرّكة بالضم فمن قال: لدن غدوة، على ما حكاه أبو زيد وسيبويه شبّهها بالخفيفة مع الفعل كما شبّهها مع التنوين في قوله:
لدن غدوة، وإنّما شبّهوه بالزيادة في الموضعين جميعا أعني: لدن، لدن، لأنه لم يكن حقّها أن تحذف النون منها لمشابهتها الحروف وهذا الحذف إنما يكون في الأسماء المتمكنة فلما أشبهت الحروف لم يلزم الحذف فيها فاستنكروه وجعلوا النون بمنزلة الزائد في لدن، وفي لدن غدوة، وكذلك قد يستقيم أن تقول في الذي قال «لد شولا» أنه تركها على الضمة لأنه قدر أن تلك زائدة، وأنشد عن خالد بن كلثوم:
من عن لدن قرّعت نفس الصّلاة إلى... أن ولّت الشمس في علّي وفي نهل
وقد أضيفت فيه إلى الفعل، ويمكن أن تكون إضافتها إلى الفعل
[الحجة للقراء السبعة: 5/127]
كإضافة حيث إليه لأنها في الإيهام مثلها في الإبهام، وكإضافة ذي إلى تسلم. وريث إلى الفعل في مواضع، ويمكن أن يكون المعنى: لدن أن قرّعت، فحذف أن، ويقوي ذلك ثباتها في قول الأعشى:
أراني لدن أن غاب أهلي كأنما... يراني فيكم طالب الضيم أرنبا
وقد جاءت أيضا مضافة إلى الفعل في قول بعض عبد القيس:
وإنّ لكيزا لم تكن ربّ عكّة... لدن صرّحت حجّاجهم فتفرّقوا
وجاء مضافا إلى الفعل في غير هذه المواضع.
فأما ما روي عن عاصم من قراءته: (من لدنه) [الكهف/ 2] فالكسرة ليست فيه بجرّ إنما هي كسرة لالتقاء الساكنين وذاك أن الدال أسكنت كما أسكنت في سبع، والنون ساكنة، فلما التقيا كسرت الثاني منهما. فإن قلت: فكيف حركت الأول من الساكنين فيمن قال: لدن، وحرك في قراءة عاصم الثاني منهما، قيل: حرّك الأولان لدن لأنه نزّل أن النون ليست من نفس الكلمة، كما نزّل في لدن غدوة كذلك، وليس يخرج الكلمة هذا التنزيل فيها من أن تكون النون من أصلها، بدلالة ردّها في المضمر نحو: من لدنك، ومن لدنه ومن لدنّي، ولدني، حكاه أبو زيد، والساكنان، إذا التقيا في كلمة حرّك الثاني منهما، فكذلك حرك الثاني في لدنه، وليس يخرج ما عرّض من
[الحجة للقراء السبعة: 5/128]
شبه النّون بالزيادة عن أن يكون من نفس الكلمة، وأن يراعي فيها الأصل، ألا ترى أن نحو الترامي والتعادي روعي فيه التفاعل فصرف كما صرف، ولم يجعل بمنزلة جواري وحضاجر، وكذلك قولهم:
المريض عدته، روعي فيه التعدي الذي في الفعل في الأصل، وكذلك هذه النون جعلت في التحريك لالتقاء الساكنين بمنزلة قوله:
انطلق، و:
لم يلده...
لمّا أسكن اللامان من الكلمتين حرّك الآخر منهما لالتقاء الساكنين، فكذلك في قوله: من لدنه، حرك الثاني من الساكنين لما أسكن الحرف الذي قبل النون.
وأما إشمام الضم الدال في قراءة عاصم في قوله: (من لدنه) فليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمّة، ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين، وقولهم: قيل، أشمّت الكسرة فيها الضمّة، لتدلّ أن الأصل فيها التحريك بالضم وإن كان إشمام عاصم ليس في حركة خرجت إلى اللفظ، وإنّما هو تهيئة العضو لإخراج الضمة، ولو كانت مثل الحركة في تغزين لم يلتق ساكنان ولم تكسر النون لاجتماعهما، ولكن يجتمعان في أن أصل الحرف التحريك بالضم وإن اختلفا في أنّ الحركة في تغزين قد خرجت إلى اللفظ، ولم تخرج في قوله: (من
[الحجة للقراء السبعة: 5/129]
لدنه) وأمّا وصله الهاء بياء في الوصل فحسن، ألا ترى أنك لو قلت: بابه وبعبده، فلم توصل الهاء بياء لم يحسن، ولكان ذلك مما يجوز في الشعر كقوله:
له زجل كأنّه صوت حاد وأما قراءة الباقين من لدنه فعلى أصل الكلمة، والنون في موضع جرّ وضم الهاء من غير بلوغ ياء حسن، لسكون ما قبل الهاء، فلو بلغوا به الياء لم يجز لأن هذا ليس من المواضع التي تلحق هاء الضمير فيه الياء لأنه لا ياء قبلها، ولا كسرة ولكن لو بلغوا بها الواو فقال: (من لدنهو)، لم يكن يحسن الضم بلا واو، لأن الهاء خفية فإذا سكن ما قبلها وما بعدها أشبه التقاء الساكنين، ولو كان ما قبل الهاء حرف لين كان أقبح، وأما الجار في قوله: من لدنه فيحتمل ضربين، أحدهما: أن يكون متعلقا بشديد، والآخر: أن يكون صفة للنكرة وفيها ذكر الموصوف). [الحجة للقراء السبعة: 5/130]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({قيمًا لينذر بأسا شديدا من لدنه}
قرأ أبو بكر (من لدنهي) بإسكان الدّال وإشمام الضّم وكسر والنّون والهاء ووصل الهاء بالياء الأصل لدن بضم الدّال ثمّ إنّه أسكن الدّال استثقالا للضمة كما تقول عضد فلمّا أسكن الدّال التقى ساكنان النّون والدّال فكسر النّون لالتقاء الساكنين وكسر الهاء لمجاورة حرف مكسور ووصلها بياء كما تقول مررت به ي يا فتى وأما إشمام الضمة في الدّال ف ليعلم أن الأصل كان في الكلمة الضمة ومثل ذلك قيل وجيء فاعرفه فإنّه حسن
وقرأ الباقون {من لدنه} بضم الدّال وسكون النّون وضم الهاء على أصل الكلمة كقوله {من لدن حكيم عليم} ). [حجة القراءات: 412]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {من لدنه} قرأ أبو بكر بإسكان الدال، ويشمها الضم، ويكسر النون والهاء، وقرأ الباقون بضم الدال، وإسكان النون، وضم الهاء.
وحجة من أسكن الدال أنها لغة للعرب يسكنون الدال، ومنهم من ينقل حركة الدال إلى اللام فيقولون «لدن» فيجتمع ساكنان الدال والنون، فيكسر النون فيقول: «لدن غدوة» وبعضهم يحرك الدال لالتقاء الساكنين مع فتح اللام فيقول: «لدن» فيتبع الفتح الفتح، فأما الإشمام فإنه أشم الدال الضم، ليدل بذلك على أن أصلها الضم، والإشمام في هذا بغير صوت يُسمع، إنما هو ضم الشفتين لا غير كالإشمام في الوقف على: زيد وعمرو، المرفوعين، فكل إشمام في حرف ساكن لا يُسمع، إنما هو ضم الشفتين لا غير، وكل إشمام في متحرك يُسمع كالإشمام في: قيل وحيل وسيء، وقد مضى الكلام على هذا في بابه، فأما كسر النون فإنه لما أسكن الدال كسر النون، لالتقاء الساكنين، فلما انكسرت النون كسرت الهاء لملاصقتها الكسرة، كما تكسر في «به» وصاحبيه، ووصلت بياء على الأصل، إذ ليس قبل الهاء ساكن.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/54]
2- وحجة من ضم الدال أنه أتى بها على الأصل، وأسكن النون على الأصل؛ إذ لا ضرورة تدعو إلى حركتها، وفي «لدن» لغات غير ما ذكرنا، وهي ظرف غير متمكن بمعنى «عند» وهو مبني على أصل البناء، وهو السكون كـ «كم، ومذ، وإذ» ). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/55]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {مِنْ لَدُنْه} [آية/ 2]:
قرأ عاصم ياش- {من لَدْنِهِي} يسكن الدال ثم يشمها الضم، ويكسر النون، ويصل الهاء بياء إذا وصل.
والوجه أن أصله لَدُنْ مثل سَبُع، فأسكن الدال كما يسكن الباء في سبع، والنون بعدها ساكنة، فالتقى ساكنان، فحُرّك الثاني منهما بالكسر.
وأما إشمام الدال الضمة فليعلم أنها كانت مضمومةً.
وأما إلحاق الياء بالهاء في لدنهي فلكسرة ما قبل الهاء، كما تقول مررت بهي، ولا يحسن ترك هذه الياء في هذه الصورة إلا في ضرورة الشعر.
وقرأ الباقون و-ص- عن عاصم {مِنْ لَدُنْهُ} مضمومة الدال، ساكنة النون، مضمومة الهاء غير مشبعةٍ.
والوجه أنه على أصل الكلمة؛ لأن الكلمة لدن مثل سبع، وإنما ضمت الهاء من غير واو بعدها لسكون ما قبل الهاء، كما تقول اضربه، فتضم الهاء ضمة غير مشبعة لسكون ما قبل الهاء.
وقرأ ابن كثير {لَدُنْهُو} فوصل الهاء بواو، وهي مثل قراءة ص- إلا في إلحاق الواو.
والوجه في إلحاق الواو انه على الأصل؛ لأن الأصل في هاء ضمير الواحد أن يكون بعدها واوٌ، إلا أنه إذا سكن ما قبل الهاء، فإنهم يحذفون الواو التي بعد الهاء؛ لأن الهاء حرفٌ خفي وليس بحاجز حصين، فيكون الساكن كأنه
[الموضح: 773]
التقى مع الواو الساكنة، وهو يجانبون التقاء الساكنين، فكذلك ما يقرب منه، إلا أن ابن كثير قد أجرى الهاء على الأصل وعد الهاء حاجزًا حصينًا). [الموضح: 774]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (3- {وَيَبْشُرَ الْمُؤْمِنِينَ} [آية/ 2] بفتح الياء وضم الشين مخففة:
قرأها حمزة والكسائي.
وقرأ الباقون {وَيُبَشِّرَ} بضم الياء وفتح الباء وكسر الشين وتشديدها.
وقد سبق القول في هذه الكلمة فيما تقدم). [الموضح: 774]

قوله تعالى: {مَاكِثِينَ فِيهِ أَبَدًا (3)}

قوله تعالى: {وَيُنْذِرَ الَّذِينَ قَالُوا اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا (4)}

قوله تعالى: {مَا لَهُمْ بِهِ مِنْ عِلْمٍ وَلَا لِآبَائِهِمْ كَبُرَتْ كَلِمَةً تَخْرُجُ مِنْ أَفْوَاهِهِمْ إِنْ يَقُولُونَ إِلَّا كَذِبًا (5)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (قرأ [كَبُرَتْ كَلِمَةٌ] رفعا يحيى بن يعمر والحسن وابن محيصن وابن أبي إسحاق والثقفي والأعرج -بخلاف- وعمرو بن عبيد.
قال أبو الفتح: أخلص الفعل "لكَلِمَةٍ" هذه الظاهرة، فرفعها، وسَمَّى قولهم: {اتَّخَذَ اللَّهُ وَلَدًا}، - كما سمَّوا القصيدة وإن كانت مائة بيت -"كلمةً". وهذا كوضعهم الاسم الواحد على جنسه، كقولهم: أهلك الناسَ الدرهمُ والدينارُ، وذهب الناسُ بالشاة والبعير.
ولله فصاحة الحجاج، وكثرة قوله على منبره: يأيها الرجل، وكلكم ذلك الرجل! ألا تراه لما أشفق أن يظن به أنه يريد رجلا واحدا بعينه قال: وكلكم ذلك الرجل؟). [المحتسب: 2/24]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس