عرض مشاركة واحدة
  #84  
قديم 1 صفر 1440هـ/11-10-2018م, 07:59 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[ الآية (282) ]

{ يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آَمَنُوا إِذَا تَدَايَنْتُمْ بِدَيْنٍ إِلَى أَجَلٍ مُسَمًّى فَاكْتُبُوهُ وَلْيَكْتُبْ بَيْنَكُمْ كَاتِبٌ بِالْعَدْلِ وَلَا يَأْبَ كَاتِبٌ أَنْ يَكْتُبَ كَمَا عَلَّمَهُ اللَّهُ فَلْيَكْتُبْ وَلْيُمْلِلِ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ وَلْيَتَّقِ اللَّهَ رَبَّهُ وَلَا يَبْخَسْ مِنْهُ شَيْئًا فَإِنْ كَانَ الَّذِي عَلَيْهِ الْحَقُّ سَفِيهًا أَوْ ضَعِيفًا أَوْ لَا يَسْتَطِيعُ أَنْ يُمِلَّ هُوَ فَلْيُمْلِلْ وَلِيُّهُ بِالْعَدْلِ وَاسْتَشْهِدُوا شَهِيدَيْنِ مِنْ رِجَالِكُمْ فَإِنْ لَمْ يَكُونَا رَجُلَيْنِ فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ مِمَّنْ تَرْضَوْنَ مِنَ الشُّهَدَاءِ أَنْ تَضِلَّ إِحْدَاهُمَا فَتُذَكِّرَ إِحْدَاهُمَا الْأُخْرَى وَلَا يَأْبَ الشُّهَدَاءُ إِذَا مَا دُعُوا وَلَا تَسْأَمُوا أَنْ تَكْتُبُوهُ صَغِيرًا أَوْ كَبِيرًا إِلَى أَجَلِهِ ذَلِكُمْ أَقْسَطُ عِنْدَ اللَّهِ وَأَقْوَمُ لِلشَّهَادَةِ وَأَدْنَى أَلَّا تَرْتَابُوا إِلَّا أَنْ تَكُونَ تِجَارَةً حَاضِرَةً تُدِيرُونَهَا بَيْنَكُمْ فَلَيْسَ عَلَيْكُمْ جُنَاحٌ أَلَّا تَكْتُبُوهَا وَأَشْهِدُوا إِذَا تَبَايَعْتُمْ وَلَا يُضَارَّ كَاتِبٌ وَلَا شَهِيدٌ وَإِنْ تَفْعَلُوا فَإِنَّهُ فُسُوقٌ بِكُمْ وَاتَّقُوا اللَّهَ وَيُعَلِّمُكُمُ اللَّهُ وَاللَّهُ بِكُلِّ شَيْءٍ عَلِيمٌ (282)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (أن تضلّ إحداهما... (282).
قرأ حمزة: (إن تضلّ) بكسر الألف على محض الشرط، (فتذكّر) بتشديد الكاف وضم الراء، والفاء جواب الشرط.
وفتح الباقون الألف من (أن تضلّ) والراء من (فتذكّر).
وأسكن الذال من قوله: (فتذكر) ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب، وخفضوا الكاف.
وقرأ الباقون: (فتذكّر).
وأذكرت وذكّرت واحد.
قال أبو منصور: من قرأ (أن تضلّ) المعنى: أن تنسى إحداهما
[معاني القراءات وعللها: 1/234]
فتذكرها الذاكرة.
وقوله: (فتذكّر) رفع مع كسر (إن) لا غير، وهي قراءة حمزة.
ومن قرأ (إن تضل إحداهما فتذكر) فالمعنى: لأن تذكر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكر إحداهما الأخرى.
وقال سيبويه: لم جاز (أن تضل) وإنما أعدّ هذا للإذكار؟
فالجواب: أن الإذكار لما كان سببه الإضلال جاز (أن تضلّ)؛ لأن الإضلال هو السبب الذي أوجب الإذكار.
قال: ومثله في الكلام: أعددت هذا أن يميل الحائط فأدعمه، وإنما أعددته للدغم لا للميل، ولكن الميل ذكر لأنه سبب الدعم، كما ذكر الإضلال لأنه سبب الإذكار، وهذا بيّن إن شاء الله.
وقوله جلّ وعزّ: (إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً... (282).
قرأ عاصم وحده: (تجارةً حاضرةً) نصبا.
وقرأ الباقون: (تجارةٌ حاضرةٌ) رفعا.
قال أبو منصور: من نصب (تجارةً حاضرةً) فالمعنى: إلا أن تكون المداينة تجارةً حاضرةً.
ومن رفع (تجارةٌ حاضرةٌ) جعل (كان) مكتفية بالاسم دون
[معاني القراءات وعللها: 1/235]
الخبر، وذلك كثير.
و (حاضرة) من نعت (تجارة)، وذلك جائز في كلام العرب). [معاني القراءات وعللها: 1/236]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (45- قوله تعالى: {أن تضل إحداهما فتذكر} [282]
قرأ حمزة وحده {إن تضل} بالكسر {فتذكر} بالرفع والتشديد.
وقرأ الباقون (أن تضل) بالفتح {فتذكر} بالنصب والتشديد غير أن ابن كثير وأبا عمرو خففاه، فمن فتح نصب (تضل) بـ «أن» ونسق عليه {فتذكر} ومن قرأ بالتخفيف فيكون: أذكرت وذكرت بمعنى، مثل كرمت وأكرمت.
وأما حمزة فإنه جعل «إن» حرف الشرط «وتضل» جم بالشرط، «وتذكر» فعل مستقبل). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/104]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (46- وقوله تعالى: {إلا أن تكون تجارة حاضرة} [282]
قرأ عاصم {تجارة حاضرة} بالنصب.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/104]
وقرأ الباقون بالرفع، فمن قرأ بالرفع ففيه جوابان:
أحدهما: أن يجعل (التجارة) اسمًا لكان {تديرونها} الخبر وتلخيصه: تجارة حاضرة مدارة بينكم.
والاختيار أن تجعل «كان» بمعنى حدث ووقع، ولا خبر له. ومن قرأ بالنصب ولا وجه له أضمر اسم «كان»، فأما قوله: {إلا أن تكون تجارة عن تراض منكم} في (النساء) فالنصب جيد، قد قرأ به أهل الكوفة؛ لأن ذكر المال قد تقدم في قوله: {ولا تأكلوا أموالكم} إلا أن تكون الأموال تجارة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/105]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في كسر الألف وفتحها من قوله تعالى: أن تضلّ إحداهما [البقرة/ 282] ورفع الراء ونصبها من فتذكّر إحداهما الأخرى [البقرة/ 282].
فقرأ حمزة وحده: أن تضلّ بكسر الألف فتذكّر بالتشديد والرفع وكسر إن.
[الحجة للقراء السبعة: 2/418]
وقرأها الباقون: أن تضلّ إحداهما فتذكّر نصبا، غير أنّ ابن كثير وأبا عمرو خفّفا الكاف وشدّدها الباقون.
قال أبو علي: قوله تعالى: أن تضلّ إحداهما فتذكّر إحداهما الأخرى لا يكون متعلقا بقوله: واستشهدوا شهيدين من رجالكم [البقرة/ 282] ألا ترى أنّك لو قلت: استشهدوا شهيدين من رجالكم أن تضلّ إحداهما؛ لم يسغ، ولكن تتعلق أن بفعل مضمر دلّ عليه هذا الكلام، وذلك أنّ قوله: فإن لم يكونا رجلين، فرجل وامرأتان يدلّ على قولك:
فاستشهدوا رجلا وامرأتين؛ فتعلّق أن إنّما هو بهذا الفعل المدلول عليه من حيث ذكرنا.
وقال أبو الحسن في قوله تعالى: فرجلٌ وامرأتان [البقرة/ 282] التقدير: فليكن رجل وامرأتان، وهذا قول حسن، وذاك أنّه لما كان قوله: أن تضلّ إحداهما لا بدّ من أن يتعلق بفعل، وليس في قوله: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء، شيء يتعلق به أن جعل المضمر فعلا ترتفع النكرة به، ويتعلق به المصدر، وكان هذا أولى من تقدير إضمار المبتدأ الذي هو: ممن يشهد رجل وامرأتان. لأنّ المصدر الذي هو أن تضلّ إحداهما لا يجوز أن يتعلق به لفصل الخبر بين الفعل والمصدر. فإن قلت: من أيّ الضربين تكون كان المضمرة في قوله، هل تحتمل أن تكون الناصبة للخبر أو تكون التامّة؟. فالقول في ذلك: أن كلّ واحد منهما يجوز أن يقدّر
[الحجة للقراء السبعة: 2/419]
إضماره. فإذا أضمرت التي تقتضي الخبر، كان تقدير إضمار الخبر: فليكن ممّن تشهدون رجل وامرأتان، وإنّما جاز إضمار هذه، وإن كان قد قال: لا يجوز: عبد الله المقتول، وأنت تريد:
«كن عبد الله المقتول»،
لأنّ ذكرها قد تقدّم، فتكون هذه إذا أضمرتها لتقدّم الذكر بمنزلة المظهرة، ألا ترى أنّه لا يجوز العطف على عاملين، ولمّا تقدّم ذكر كلّ في قوله:
أكلّ امرئ تحسبين امرأ كان كلّ بمنزلة ما قد ذكر في قوله:
ونار توقّد بالليل نارا وكذلك جاز إضمار «كان» المقتضية للخبر بعد إن في
[الحجة للقراء السبعة: 2/420]
قوله: إن خنجرا فخنجر، لما كان الحرف يقتضيها، ويجوز أن تضمر التامة التي بمعنى الحدوث والوقوع، لأنّك إذا أضمرتها أضمرت شيئا واحدا، وإذا أضمرت الأخرى احتجت أن تضمر شيئين، وكلّما قلّ الإضمار كان أسهل. وأيّهما أضمرت فلا بدّ من تقدير حذف المضاف وإقامة المضاف إليه مقامه.
المعنى: فلتحدث شهادة رجل وامرأتين، أو تقع، أو نحو ذلك، ألا ترى أنّه ليس المعنى: فليحدث رجل وامرأتان، ولكن لتحدث شهادتهما، أو تقع، أو تكن شهادة رجل وامرأتين مما تشهدون، ويجوز أن تتعلق «أن» في قوله تعالى: أن تضلّ إحداهما [البقرة/ 282] بشيء ثالث؛ وهو أن تضمر خبر المبتدأ الذي هو: فرجل وامرأتان يشهدون، فيكون يشهدون خبر المبتدأ. ويكون العامل في أن وموضع إضماره فيمن فتح الهمزة من أن تضلّ: ما قبل أن.
وفيمن كسر إن بعد انقضاء الشرط بجزائه. فقد جاز في: أن تضلّ أن يتعلق بأحد ثلاثة أشياء:
[الحجة للقراء السبعة: 2/421]
أحدها: المضمر الذي يدلّ عليه قوله: واستشهدوا شهيدين.
والثاني: الفعل الذي هو: (فليشهد رجل وامرأتان).
والثالث: الفعل الذي هو خبر المبتدأ.
وأمّا إحدى: فمؤنث الواحد، والواحد الذي مؤنّثه إحدى، إنّما هو اسم وليس بوصف؛ ولذلك جاء إحدى على بناء لا يكون للصّفات أبدا، كما كان الذي هو مذكّرة كذلك.
وقال أحمد بن يحيى: قالوا: هو إحدى الإحد، وأحد الأحدين، وواحد الآحاد، وأنشد:
عدّوني الثّعلب فيما عدّدوا... حتى استثاروا بي إحدى الإحد
ليثا هزبرا ذا سلاح معتدي قال أحمد: إحدى الإحد: كما تقول: واحد لا مثل له، وقالوا: الإحد، كما تقول: الكسر، جعلوا الألف بمنزلة التاء، كما جعلوها مثلها، في الكبرى، والكبر، والعليا، والعلى، فكما جعلوا هذه: كظلمة وظلم، جعلوا الأول بمنزلة كسر وسدر، وكما جعلوا المقصورة بمنزلة التاء، كذلك جعلوا
[الحجة للقراء السبعة: 2/422]
الممدودة بمنزلتها في قولهم: قاصعاء وقواصع، ودامّاء ودوامّ.
وحكى أحمد بن يحيى: أن الواحد والوحد والأحد، بمعنى وقد شرحنا ذلك في المسائل.
فأمّا بدل الهمزة من الواو إذا كانت مكسورة، فإنّ أبا عمر يزعم أنّ ذلك لا يجاوز به المسموع، وغيره يذهب إلى أن بدل الهمزة منها، مطرد كاطراد البدل من المضمومة.
والقول في أنّه ينبغي أن يكون مطّردا أنّ الكسرة بمنزلة الياء، ولا تخلو الحركة في الحرف المتحرك من أن تكون مقدرة قبله أو بعده، فإن كانت قبله، فالواو إذا وقعت قبلها الياء أعلّت، وكذلك إذا وقعت بعدها، فإذا كان كذلك اعتلّت الواو مع الكسرة كما اعتلت مع الياء، ألا ترى أنّها إذا تحركت بالفتح لم تعتل، كما لا تعتلّ الواو إذا كانت قبلها ألف نحو: عوان وطوال؟. فإن قلت:
[فإذا وجب القلب من حيث ذكرت] فهلّا أبدلت غير أوّل مكسورة كما اعتلت الواو بالياء إذا كانت قبلها أو بعدها!.
قيل: هذا لا يلزم وذلك أن القلب في المكسورة كالقلب في المضمومة، ألا ترى أنّ الضمّة مع الواو كالواوين.
كما أنّ الكسرة مع الواو كالياء والواو؟ فكما تعلّ الواو مع الياء،
[الحجة للقراء السبعة: 2/423]
كذلك أعلّت مع الكسرة، كما أنّ الواو لمّا اعتلّت مع الواو كذلك أعلّت مع الضمة، ولم يجب من هذا أن تعلّ الواوان غير أول في نحو: أحوويّ، ولوويّ، فكذلك لم يلزم أن تعلّ الواو مع الكسرة غير أوّل، ألا ترى أنّ مواقع الإبدال ينبغي أن تعتبر كما أن مواقع الزيادة ينبغي أن تعتبر؟ فكما أن الحرف إذا كثرت زيادته في موضع، واستمر، لم يلزم أن تجعل في غير ذلك الموضع، كذلك لا يلزم إذا استمرّ إبداله في موضع أن يبدل في غير ذلك الموضع. ومن ثمّ جعل أبو عثمان دلامصا من غير دليص، لأن الميم لم تزد هنا، وإن كانت زيادتها قد استمرت أولا.
وأمّا قوله تعالى: أن تضلّ إحداهما [البقرة/ 282] فقال أبو عبيدة: أن تضلّ إحداهما أي تنسى، قال تعالى: قال فعلتها إذاً وأنا من الضّالّين [الشعراء/ 20] أي نسيت، أي:
ضللت وجه الأمر. وقال أبو زيد: ضللت الطريق والدار أضلّه ضلالا، وأضللت الفرس والناقة والشيء إضلالا، وكلّ ما ضلّ عنك فذهب.
[الحجة للقراء السبعة: 2/424]
قال: وإذا كان الحيوان مقيما فهو بمنزلة ما لا يبرح نحو:
الدار، والطريق، فهو كقولك: ضللته ضلالة. وقال أبو الحسن: تقول: ضللت دار فلان، وقال الفرزدق:
ولقد ضللت أباك تدعو دارما... كضلال ملتمس طريق وبار
وفي كتاب الله تعالى: في كتابٍ لا يضلّ ربّي ولا ينسى [طه/ 52] أي: لا يضلّ الكتاب عن ربّي. وأمّا موضع أن فنصب وتعلّقه إنّما هو بأحد الأشياء التي تقدّم ذكرها.
والمعنى: استشهدوا رجلين أو رجلا وامرأتين لأن تضلّ إحداهما فتذكّر. فإن قيل: فإنّ الشهادة لم توقع للضلال الذي هو النسيان إنّما وقعت للذكر والحفظ. فالقول في ذلك أنّ سيبويه قد قال: أمر بالإشهاد لأن تذكّر إحداهما الأخرى، ومن أجل أن تذكّر إحداهما الأخرى. قال: فإن قال إنسان: كيف جاز أن يقول: «أن تضلّ إحداهما» ولم يعدّ هذا للضلال والالتباس ؟ فإنّما ذكر «أن تضلّ» لأنّه سبب للإذكار كما
[الحجة للقراء السبعة: 2/425]
تقول: أعددته أن يميل الحائط، فأدعمه، وهو لا يطلب بذلك ميلان الحائط، ولكنّه أخبر بعلة الدعم وسببه. انتهى كلام سيبويه.
[قال أبو علي] وقوله: فتذكّر: معطوف على الفعل المنصوب بأن، فأمّا قوله: ممّن ترضون من الشّهداء فالظرف وصف للأسماء المنكورة، وفيه ذكرها.
وأمّا وجه قراءة حمزة: أن تضلّ إحداهما بكسر الألف، فإنّه جعل إن للجزاء، والفاء في قوله: فتذكّر: جواب الجزاء، ومواضع الشرط وجزائه رفع بكونهما وصفا للمنكورين وهما المرأتان في قوله: فرجلٌ وامرأتان وقوله: فرجلٌ وامرأتان:
خبر مبتدأ محذوف تقديره: فمن يشهد رجل وامرأتان. ويجوز أن يكون «رجل» مرتفعا بالابتداء، والمرأتان معطوفتان عليه وخبر الابتداء محذوف تقديره: فرجل وامرأتان يشهدون.
وقوله: ممّن ترضون من الشّهداء فيه ذكر يعود إلى الموصوفين الذين هم: «فرجل وامرأتان»، ولا يجوز أن يكون فيه ذكر لشهيدين المتقدم ذكرهما، لاختلاف إعراب الموصوفين، ألا ترى أنّ شهيدين منصوبان، ورجل وامرأتان إعرابهما الرفع،
[الحجة للقراء السبعة: 2/426]
فإذا كان كذلك علمت أنّ الوصف الّذي هو ظرف إنّما هو وصف لقوله: «فرجل وامرأتان» دون من تقدّم ذكرهما من الشهيدين.
والشرط وجزاؤه وصف للمرأتين؛ لأنّ الشرط وجزاءه جملة يوصف بها كما يوصل بها في نحو قوله تعالى: الّذين إن مكّنّاهم في الأرض أقاموا الصّلاة [الحج/ 41] واللّام التي هي لام في قوله: أن تضلّ فيمن جعل إن جزاء في موضع جزم، وإنّما حرّكت بالفتح لالتقاء الساكنين، ولو كسرت للكسرة التي قبلها لكان جائزا في القياس.
وأمّا قوله تعالى: فتذكّر إحداهما الأخرى فقياس قول سيبويه في قوله: ومن عاد فينتقم اللّه منه [المائدة/ 95] والآي التي تلاها معها أن يكون بعد الفاء في: فتذكّر إحداهما مبتدأ محذوف ولو أظهرته لكان فيما تذكّر إحداهما الأخرى، فالذكر العائد إلى المبتدأ المحذوف الضمير في قوله:
«إحداهما».
وأمّا قوله: فتذكر، فإنّ الذّكر على ضربين:
ذكر هو خلاف النسيان.
وذكر، هو قول.
[الحجة للقراء السبعة: 2/427]
فممّا هو خلاف النسيان قوله: فإنّي نسيت الحوت وما أنسانيه إلّا الشّيطان أن أذكره [الكهف/ 63].
وقال: نسيا حوتهما [الكهف/ 61] فأسند النسيان إليهما، والناسي فتى موسى، فيجوز أن يكون المعنى؛ نسي أحدهما، فحذف المضاف، وقد تقدم ذكر شيء من هذا النحو.
والذكر الذي هو قول يستعمل على ضربين: قول لا ثلب فيه للمذكور، والآخر يراد به ثلب المذكور. فمن الأول قوله:
فاذكروا اللّه كذكركم آباءكم [البقرة/ 200]، وقوله:
فاذكروا اللّه عند المشعر الحرام واذكروه كما هداكم [البقرة/ 198] واذكروا اللّه في أيّامٍ معدوداتٍ [البقرة/ 203] ولا تأكلوا ممّا لم يذكر اسم اللّه عليه [الأنعام/ 121].
ومن الذّكر الّذي يراد به الثلب، قوله: قالوا سمعنا فتًى يذكرهم يقال له إبراهيم [الأنبياء/ 60]، فهذا الذكر يشبه أن يكون من جنس ما واجههم به في قوله تعالى: قال أفتعبدون من دون اللّه ما لا ينفعكم شيئاً ولا يضرّكم أفٍّ لكم ولما تعبدون من دون اللّه [الأنبياء/ 67]. ومن ذلك قول الشاعر:
بذكركم منّا عديّ بن حاتم... لعمري لقد جئتم حبولا ومأثما
[الحجة للقراء السبعة: 2/428]
وقالوا في مصدر ذكرته، ذكرى قال:
هبّت شمالا فذكرى ما ذكرتكم... عند الصفاة الّتي شرقيّ حورانا
وقال:
صحا قلبه عن سكره وتأمّلا... وكان بذكرى أمّ عمرو موكّلا
فمن قدّر في «ذكرى» التنوين، نصب الاسم بعده، ومن لم يقدر فيه التنوين جر الاسم، وأضاف المصدر إلى المفعول به.
قال سيبويه: قالوا ذكرته ذكرا كحفظته حفظا، وقالوا: ذكرا كما قالوا: شربا.
فأمّا قوله: قد أنزل اللّه إليكم ذكراً رسولًا [الطلاق/ 10] فإنّ قوله: ذكرا، يحتمل أمرين: أحدهما: أن تقدّر حذف المضاف إلى الذكر، والآخر أن لا تقدر ذلك، فإن قدرت
حذف المضاف، كان إظهاره: قد أنزل الله إليكم ذا ذكر، والذكر يحتمل تأويلين: أحدهما: ذا شرف وصيت كما قال:
[الحجة للقراء السبعة: 2/429]
وإنّه لذكرٌ لك ولقومك [الزخرف/ 44] فسّر أنّه شرف لهم، والآخر ذا قرآن، وقد سمّي القرآن ذكرا في قوله تعالى:
وأنزلنا إليك الذّكر لتبيّن للنّاس ما نزّل إليهم [النحل/ 44] فإذا قدرت حذف المضاف كان المعنى في أنزل: الإحداث والإنشاء، كما قال: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ [الزمر/ 6] وأنزلنا الحديد فيه بأسٌ شديدٌ [الحديد/ 25] يبيّن أنّه الإنشاء والإحداث. قوله: وهو الّذي أنشأ جنّاتٍ معروشاتٍ [الأنعام/ 141] ثم قال بعد: ثمانية أزواجٍ [الأنعام/ 143] فحمل الأزواج على الإنشاء كما حمله على الإنزال في قوله تعالى: وأنزل لكم من الأنعام ثمانية أزواجٍ، [الزمر/ 6] وقال: قد أنزل اللّه إليكم [الطلاق/ 10] فوصل الفعل مرّة باللّام ومرّة بإلى كما قال: وأوحى ربّك إلى النّحل [النحل/ 68] وفي أخرى: بأنّ ربّك أوحى لها [الزلزلة/ 5] وقال: وإنّك لتهدي إلى صراطٍ مستقيمٍ صراط اللّه [الشورى/ 52] و (الحمد لله الّذي هدانا لهذا) [الأعراف/ 43] فإنّ لم تقدّر حذف المضاف، كان المعنى:
قد أنزل الله إليكم ذكرا رسولا فيكون: رسولا معمول المصدر، والتقدير: أن ذكر رسولا أي: ذكر رسولا لأن يتبعوه، فيهتدوا بالاقتداء به، والانتهاء إلى أمره، وذلك نحو قوله: الّذين يتّبعون الرّسول النّبيّ الأمّيّ [الأعراف/ 157] إلى قوله أولئك هم المفلحون [الأعراف/ 157] ومثل ذلك
[الحجة للقراء السبعة: 2/430]
في إعمال المصدر قوله تعالى: ما لا يملك لهم رزقاً من السّماوات والأرض شيئاً [النحل/ 73] فشيئاً مفعول المصدر، والذكر: كتاب الله الذي ذكره في قوله سبحانه:
ولقد كتبنا في الزّبور من بعد الذّكر أنّ الأرض [الأنبياء/ 105] وفي قوله: يمحوا اللّه ما يشاء ويثبت وعنده أمّ الكتاب [الرعد/ 39] فأمّا قول الشاعر:
يذكّر نيك حنين العجول... ونوح الحمامة تدعو هديلًا
[الحجة للقراء السبعة: 2/431]
فإنّ ذكرت فعل يتعدى إلى مفعول واحد، فإذا ضعّفت منه العين أو نقلته بالهمزة تعدّى إلى مفعول آخر، وذلك نحو فرّحته وأفرحته، وغرّمته وأغرمته.
فمن قال: فتذكّر إحداهما الأخرى كان ممن جعل التعدية بالتضعيف، ومن قال: فتذكّر إحداهما كان ممن نقل بالهمزة وكلاهما سائغ.
ومن حجة من قال: فتذكّر قوله تعالى: وذكّر فإنّ الذّكرى تنفع المؤمنين [الذاريات/ 55] فهذا مضارعه ينبغي أن يكون يذكّر.
وقول ابن كثير وأبي عمرو مثل أغرمته وأفرحته، وقول الباقين على غرّمته وفرّحته. والمفعول الثاني من قوله سبحانه:
فتذكّر إحداهما الأخرى محذوف. المعنى: فتذكر إحداهما الأخرى الشهادة التي احتملتاها.
وروي عن سفيان بن عيينة في قوله: فتذكّر إحداهما الأخرى، أي: تجعلها ذكراً، وأحسب أنّ أحداً من أهل
[الحجة للقراء السبعة: 2/432]
التأويل، لم يذهب إلى ذلك غيره، وليس هو في المعنى بالقوي، ألا ترى أنّهنّ لو بلغن ما بلغن ولم يكن معهنّ رجل لم تجز شهادتهنّ حتى يكون معهنّ رجل. فإذا كان الأمر على هذا لم يذكّرها. والحاجة في إنفاذ الشهادة إلى الرجل قائمة.
ومما يبعّد قوله: أن تضلّ إحداهما، والضلال قد فسّره أبو عبيدة: بالنسيان، فالذي ينبغي أن يعادله ما هو مقابل للنسيان من التذكير.
فأمّا من ذهب في قوله: أن تضلّ إحداهما وقوله: إنّ الجزاء فيه مقدّم، أصله التأخير، فلمّا تقدّم اتّصل بأوّل الكلام، ففتحت أن؛ فإنّ هذه دعوى لا دلالة عليها، والقياس على ما عليه كلامهم يفسدها، ألا ترى أنّا نجد الحرف العامل
[الحجة للقراء السبعة: 2/433]
إذا تغيرت حركته لم يوجب ذلك تغييراً في عمله ولا معناه؟.
وذلك فيمن فتح اللّام الجارة مع المظهر فقال: لزيد ضربت، وضربت لزيد، روى أبو الحسن فتح هذه اللّام عن يونس، وعن أبي عبيدة وعن خلف الأحمر، وزعم أنّه سمع هو ذلك من العرب، قال: وعلى ذلك أنشدوا:
تواعدني ربيعة كلّ يوم... لأهلكها وأقتني الدّجاجا
فكما أنّ هذه اللّام لما فتحت لم يتغيّر من عملها ومعناها شيء عمّا كان عليه في الكسر، كذلك أن الجزاء لو فتحت لم يجب على قياس اللّام أن يتغيّر له معنى ولا عمل. ومما يبعّد ذلك: أنّ الحروف العاملة إذا تقدمت كانت مثلها إذا تأخّرت، لا تتغيّر بالتقدّم عمّا كانت عليه في التأخّر. ألا ترى أنّ من قال: بزيد مررت، وإلى عمرو ذهبت. فقدّم الحرف كان تقديمه مثل تأخيره، لا يغيّر التّقديم شيئاً كان عليه في التأخير؟ وممّا يبعّد ذلك قولهم: ربّ غارة، وربّت غارة، وربّتما غارة، وربّ هيضل، فكما لم يختلف في التخفيف عن
[الحجة للقراء السبعة: 2/434]
حال التثقيل، ولحاق حرف التأنيث به، وكذلك ثمّ وثمّت، كذلك ينبغي أن لا يتغير أن، بل أن أجدر أن لا تتغيّر لأنّ التغيير بالحركة أيسر من التغيير بحذف حرف وزيادة آخر، وكذلك الحذف من «إنّ، وكأنّ» لم يغيرهما عن عملهما، ولا يلزم من حيث تغيّرت، إنّ المكسورة بالحذف فدخلت على الفعل أن تتغير بإبدال حركة وتغييرها لأنّ الحذف والتغيير في إنّ أكثر.
وممّا يبعّد ذلك أنّ الحرف قد أبدل منه غيره، وهو مع الإبدال، يعمل عمله غير مبدل، وذلك نحو بدل الواو من الباء في: «والله» وبدل التاء من الواو في تاللّه، فإذا كانت هذه الحروف مع التغيير الحادث فيها من الحذف منها، والتغيير باختلاف حركاتها ليست تزول عمّا كانت عليه من العمل والمعنى؛ فأن لا تتغير أن بكسر الهمزة منها أجدر.
ومما يفسد ذلك إبدالهم الألف من نون إذن ألا ترى أنّها إذا أبدلت كان عملها ومعناها على ما كان قبل الإبدال؟، وإبدال الحرف أكثر من تغيير الحركة، فلو كان لما ذكره مجاز أو مساغ، لكان ذلك في هذه الحروف المغيرة أيضاً، فإن لم يكن ذلك فيها مع ما ذكرنا من ضروب التغيير اللّاحق لها ما يبيّن أنّ ما ذهب إليه يفسده ما عليه مقاييس كلامهم، وما كان من هذا الضرب من الدعاوى التي يفسدها ردّها إلى ما ذكرناه ساقط.
[الحجة للقراء السبعة: 2/435]
واختلفوا في قوله تعالى: تجارةً حاضرةً [البقرة/ 282] في رفعها ونصبها.
فقرأ عاصم وحده تجارةً نصباً. وقرأ الباقون: بالرفع.
[قال أبو بكر]: وأشكّ في ابن عامر.
قال أبو علي: كان كلمة استعملت على أنحاء:
أحدها: أن تكون بمنزلة حدث، ووقع، وذلك قولك: قد كان الأمر، أي وقع وحدث، والآخر: أن تخلع منه معنى الحدوث فتبقى الكلمة مجردة للزّمان، فتلزمها الخبر المنصوب.
ونظير خلعهم معنى الحدث من كان وأخواتها، خلعهم معنى الاسم من التاء والكاف اللتين للخطاب في قولهم: أنت وذلك، والنّجاءك، وذلك قولك: كان زيد ذاهباً. والثالث:
أن تكون بمعنى صار.
أنشد أحمد بن يحيى:
بتيهاء قفر والمطيّ كأنها قطا الحزن قد كانت فراخا بيوضها
[الحجة للقراء السبعة: 2/436]
أي: صارت، فيجوز أن يكون من هذا قوله تعالى:
كيف نكلّم من كان في المهد صبيًّا [مريم/ 29]، أي صار في المهد.
والرابع: أن تكون زيادة، وذلك: قولهم: ما كان أحسن زيداً، المعنى فيه: ما أحسن زيداً، وأنشد لبعض البغداديين:
سراة بني أبي بكر تساموا... على كان المسوّمة الجياد
[الحجة للقراء السبعة: 2/437]
في أخرى: العراب.
فأمّا موضع أن في قوله: إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً تديرونها بينكم [البقرة/ 282] فنصب، المعنى: ولا تسأموا كتابته إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم.
أي: يداً بيد لا أجل فيه، فلا يحتاج في تبايع ذلك إلى التّوثّق باكتتاب الكتاب، ولا ارتهان الرهن، لوقوع التقابض في المجلس، ومثل موضع «أن» هذه في النصب موضع التي في قوله: إلّا أن تكون تجارةً عن تراضٍ منكم [البقرة/ 282] فالعامل في قوله: «أن» تكون من قوله: إلّا أن تكون تجارة عن تراض منكم، قوله عزّ وجلّ: لا تأكلوا أموالكم بينكم بالباطل [النساء/ 29] بتوسّط إلّا، وكلا الاستثناءين منقطع.
وزعم سيبويه: أنّه قد نصب في القراءة تجارةً عن تراضٍ منكم.
[الحجة للقراء السبعة: 2/438]
فأمّا حجة من رفع: فإنّه جعل كان بمعنى وقع وحدث كأنّه: إلّا أن تقع تجارة حاضرة، ومثل ذلك في الرفع قوله:
وإن كان ذو عسرةٍ فنظرةٌ [البقرة/ 280] المعنى فيه على الرفع وذلك أنه لو نصب، فقيل: وإن كان ذا عسرة لكان المعنى: وإن كان المستربي ذا عسرة فنظرة، فتكون النظرة مقصورة عليه وليس الأمر كذلك لأنّ المستربي، وغيره، إذا كان ذا عسرة فله النظرة. ألا ترى أنّ المستربي والمشتري وسائر من لزمه حقّ إذا كان معسراً فله النظرة إلى الميسرة؟ فكذلك المعنى في قوله: إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً، إلّا أن تقع تجارة حاضرة في هذه الأشياء التي اقتصّت، وأمر فيها بالتوثقة بالشهادة
والارتهان، فلا جناح، في ترك ذلك فيه لأن ما يخاف في بيع النّساء، والتأجيل يؤمن في البيع يداً بيد.
ومما جاء فيه كان بمعنى وقع قول أوس:
هجاؤك إلّا أنّ ما كان قد مضى * عليّ كأثواب الحرام المهينم ومن ذلك قول الشاعر:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي... إذا كان يوم ذو كواكب أشنعا
[الحجة للقراء السبعة: 2/439]
فهذا أيضاً من باب وقع ولا يكون (أشنع) خبراً لأنّك لو جعلته خبراً لم تستفد به إلّا ما استفدت بما تقدّم، فلم يجيء الخبر هكذا كما جاء الحال في نحو قوله.
كفى بالنأي من أسماء كافي وأمّا وجه قول من نصب فقال: إلّا أن تكون تجارةً حاضرةً، فالذي في الكلام الذي تقدّمه مما يظن أنّه يكون اسم كان ما دلّ عليه: تداينتم، من قوله إذا تداينتم بدينٍ، والحقّ من قوله: فإن كان الّذي عليه الحقّ سفيهاً أو ضعيفاً فلا يجوز أن يكون التداين اسم كان، لأنّ حكم، الاسم أن يكون الخبر في المعنى، والتداين حقّ في ذمّة المستدين، للمدين المطالبة به، فإذا كان ذلك لم يكن اسم
[الحجة للقراء السبعة: 2/440]
كان، لأنّ التداين معنى، والمنتصب يراد به العين، ومن حيث لم يجز أن يكون التداين اسم كان، لم يجز أن يكون الحقّ اسمها، لأنّ الحقّ يراد به الدين في قوله: فإن كان الّذي عليه الحقّ فكما لم يجز أن يكون التداين اسمها، كذلك لا يجوز [أن يكون] هذا في الحقّ، فإذا لم يجز ذلك لم يخل اسم كان من أحد شيئين:
أحدهما أنّ هذه الأشياء التي اقتصّت من الإشهاد والارتهان قد علم في فحواها التبايع؛ فأضمر التبايع لدلالة الحال عليه، كما أضمر لدلالة الحال فيما حكاه من قوله: إذا كان غدا فأتني، أو يكون أضمر التجارة، كأنّه: إلّا أن تكون التجارة تجارة حاضرة. ومثل ذلك قول الشاعر:
فدى لبني ذهل بن شيبان ناقتي... إذا كان يوماً ذا كواكب أشنعا
أي: إذا كان اليوم يوماً، فأمّا التجارة فهي تقليب الأموال وتصريفها لطلب النماء بذلك، وهو اسم حدث واشتقّ التاجر منه إلّا أنّ المراد به في الآية العين، ولا يخلو وقوع اسم الحدث على هذا المعنى الذي وصفناه من أحد ثلاثة أشياء:
إمّا أن يكون المراد: إلّا أن يقع ذو تجارة أي: متاع ذو تجارة.
والآخر: أن يراد بالتجارة: المتّجر فيه الذي هو: عين،
[الحجة للقراء السبعة: 2/441]
فيكون كقوله: هذا الدرهم ضرب الأمير، وهذا الثوب نسج اليمن، أي مضروبه ومنسوجه، وكذلك ليبلونّكم اللّه بشيءٍ من الصّيد [المائدة/ 94] أي المصيد.
ألا ترى أن الأيدي والرماح إنّما تنالان الأعيان.
والثالث: أن يوصف بالمصدر فيراد به العين كما يقال: عدل، ورضى، يراد به عادل ومرضيّ، وعلى هذا قالوا: عدلة، لما جعلوه الشيء بعينه. وليس هذا كالوجه الذي قبله لأنّ ذاك مصدر يراد به المفعول، وليس هذا مقصوراً على المفعول، فالمراد بالمصدر الذي هو تجارة: العروض وغيرها مما يتقابض، يبيّن ذلك وصفها بالحضور وبالإدارة بيننا، وهذا من أوصاف الأعيان، والاسم المشتق من هذا الحدث يجري مجرى الصفات الغالبة؛ ولذلك كسّر تكسيرها في قولهم: تاجر وتجار، كما قالوا: صاحب وصحاب، وراع ورعاء، قال الشاعر:
كأنّ على فيها عقاراً مدامة... سلافة راح عتّقتها تجارها). [الحجة للقراء السبعة: 2/442]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما رواه مَتُّ بن عبد الرحمن قال: كان أهل مكة يقرءون: [وامرأْتَان] بسكون الهمزة.
قال أبو الفتح: وجه ذلك -والله أعلم- أنهم كانوا يخففون الهمزة فيضعفون حركتها على المعتاد من أمرها، فتقرب من الساكن.
ويدل على أن الهمزة المحركة إذا خففت في نحو هذا قريبة من الساكن، امتناعُ العرب من أن تبتدئ بها مخففة كما تمتنع من الابتداء بالساكن، فلما صارت إلى قولك: [وامراتان] بالَغوا في ذلك فأبدلوها ألفًا؛ فصارت: [وامراتان] بألف ساكنة، كما قال:
يقولون جهلًا ليس للشيخ عَيِّل ... لعمري لقد أعيلت وانَ رَقُوب
يريد: وأنا، فخفف الهمزة فصار "وان"، ثم تجاوز ذلك إلى البدل فأخلصها في اللفظ ألفًا فقال: وان، فكذلك لما أبدل من همزة "وامرأتان" ألفًا فصار تقديره: "وامراتان"، ثم أبدل الهمزة من الألف وإن كانت ساكنة على ما قدمنا ذكره فيما قبل، وعليه قراءة ابن كثير: [وكَشفَتْ عن سأْقَيْها]، ومنه: البأز والخأتم والعألم وتَأْبَلْتُ القدر، ونحو ذلك مما قدمنا ذكره، هذا طريق الصنعة فيه والتأتي له.
فأما أن يقدِّر به مقدِّرٌ على أنه أسكن الهمزة المتحركة اعتباطًا ألبتة هكذا فلا؛ لأنه لا نظير له، ألا ترى أن ما قبل تاء التأنيث لا يكون أبدًا إلا مفتوحًا، نحو: جوزة ورطبة، إلا أن تكون الألف المدة نحو: قتادة وقطاة؟ فأما الهمزة فحرف صحيح حامل للحركة؛ فتجب فتحته ألبتة.
[المحتسب: 1/147]
فإن قلت: أسكن الهمزة تشبيهًا لها بالألف من حيث تساوتا في الجهر، وفي الزيادة، وفي البدل، وفي الحرف، وفي قرب المخرج، وفي الخفاء -فقولٌ ما، غير أنه مخشوب لا صنعة فيه، ولا يكاد يُقنع بمثله). [المحتسب: 1/148]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة عمرو بن عبيد وأبي جعفر يزيد بن القعقاع: [ولا يُضارّْ] بتشديد الراء وتسكينها.
قال أبو الفتح: أما تشديد الراء فلا سؤال فيه؛ لأنه يريد يضارَِر، بفتح الراء الأولى أو بكسرها، وكلاهما قد قرئ به؛ أعني: الفتح في الراء الأولى والكسر، والإدغام لغة تميم، والإظهار لغة الحجازيين على ما مضى؛ لكن تسكين الراء مع التشديد فيه نظر.
وطريقه: أنه أَجرى الوصل مجرى الوقف، كقوله: سَبْسَبًّا
[المحتسب: 1/148]
وكلْكَلَّا، وقد ذكرنا هذا الوصل على نية الوقف فيما مضى، وقد كنا ذكرنا فيما قبل ما يُروى عن الأعرج عن أبي جعفر من تسكين الراء على أنها مخففة، وأيًّا كان ففيه ما مضى.
وقراءة ابن محيصن: [ولا يضارُّ] رفع، قال ابن مجاهد: لا أدري ما هي؟
وهذا الذي أنكره ابن مجاهد معروف؛ وذلك على أن تجعل "لا" نفيًا؛ أي: وليس ينبغي أن يضار، كقوله:
على الحكم المأتي يومًا إذا قضى ... قضيتَه ألا يجور ويقصِدُ
فرفع "ويقصد " على أنه أراد: وينبغي له أن يقصد، فرفع يقصد كما يرتفع ينبغي. فكذا هذا؛ أي: وينبغي ألا يضار. وإن شئت كان لفظ الخبر على معنى النهي حتى كأنه قال: ولا يضارِرْ، كقولهم في الدعاء: يرحمه الله؛ أي: ليرحمه الله، ويغفرُ الله لك؛ أي: ليغفر الله لك، ولا يرحمُ الله قاتلك، فرُفع على لفظ الخبر وأنت تريد: لا يرحمْه الله جزمًا، فتأتي بلفظ الخبر وأنت تريد معنى الأمر والنهي على ما ذكرنا). [المحتسب: 1/149]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فإن لم يكونا رجلين فرجل وامرأتان ممّن ترضون من الشّهداء أن تضل إحداهما فتذكر إحداهما الأخرى}
قرأ ابن كثير وأبو عمرو {من الشّهداء أن تضل} بفتح أن فتذكر بإسكان الذّال وفتح الرّاء
[حجة القراءات: 149]
وقرأ حمزة {أن تضل} بكسر {إن} فتذكر بتشديد الكاف ورفع
وقرأ الباقون {أن تضل} بفتح {إن} {فتذكر} بالتّشديد ونصب الرّاء
فمن فتح فلأن المعنى عند الفراء لئلّا تضل إحداهما فتذكرها الأخرى
وقال سيبويهٍ إنّما فتح أن لأنّه أمر بالشّهادة المعنى استشهدوا امرأتين لأن تذكر إحداهما الأخرى من أجل أن تذكر فإن قال قائل كيف جاز أن تقول تضل ولم يعد هذا للإضلال فالجواب أنه إنّما ذكر {أن تضل} لأنّه سبب الإذكار كما يقول الرجل أعددت الخشب أن يميل الحائط فأدعمه وهو لا يطلب إعداده ذلك لميلان الحائط ولكنه أخبر بالشّيء الّذي الدعم بسببه
وأما حمزة فإنّه جعل {إن} حرف شرط وتضل جزم بالشّرط والأصل إن تضلل فلمّا أدغمت اللّام في اللّام فتحت لإلتقاء الساكنين كقوله {من يرتد منكم عن دينه} والفاء جواب الشّرط وتذكر فعل مستقبل لأن ما بعد فاء الشّرط يكون الفعل فيه مستأنفا كقوله ومن عاد فينتقم الله منه
وحجّة من قرأ {فتذكر} بالتّخفيف حكاها الأصمعي عن أبي
[حجة القراءات: 150]
عمرو قال أبو عمرو إذا شهدت المرأة على شهادة ثمّ جاءت الأخرى فشهدت معها أذكرتها أي جعلتها ذكرا لأنّهما تقومان يعني صارت المرأتان كذكر وكذا روي عن أبي عينيّة
وحجّة أخرى وهي أنّك تقول أذكرت النّاسي الشّيء حتّى ذكره وأذكرتك ما قد نسيت ولا تقول ذكرته وإنّما تقول ذكرته في الموعظة قال الله تعالى {وذكر فإن الذكرى تنفع المؤمنين} وقال {وذكرهم بأيام الله}
وحجّة التّشديد أنّهما لغتان وتأويله فجعل الله المرأتين بإزاء رجل لضعفهما وضعف عقولهم ولمزية الرّجال على النّساء وفضل رأيهم إن لم يكن الشّاهدان رجلين فرجل وامرأتان فمتى نسيت إحداهما ذكرتها الأخرى تقول تذكري يوم شهدنا في موضع كذا وكذا فجعل بدل رجل امرأتين). [حجة القراءات: 151]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({إلّا أن تكون تجارة حاضرة تديرونها بينكم فليس عليكم جناح ألا تكتبوها}
قرأ عاصم إلّا {أن تكون تجارة} بالنّصب المعنى إلّا أن تكون المداينة تجارة حاضرة والمعاملة تجارة حاضرة
وقرأ الباقون بالرّفع المعنى إلّا أن تقع تجارة حاضرة كقوله قبلها وإن كان ذو عسرة أي وقع ذو عسرة). [حجة القراءات: 151]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (205- قوله: {أن تضل} قرأه حمزة بكسر الهمزة، وفتح الباقون.
206- ووجه القراءة بالكسر أنها «إن» التي للشرط، و«فتذكر» جواب الشرط، مرفوع في هذه القراءة؛ لأنه بالفاء، فالفاء جواب الشرط وما بعدها مستأنف، فلذلك رفع، والشرط جوابه في موضع رفع وصف للرجل والمرأتين وخبر، فـ {رجل وامرأتان} محذوف، والتقدير: فرجل وامرأتان ممن ترضون من الشهداء يشهدون، و{ممن ترضون من الشهداء} صفة أيضًا لـ {رجل وامرأتان}.
207- ووجه القراءة بالفتح أن «أن» بالفتح في موضع نصب على حذف اللام تقديره: لئلا تضل احداهما، أي تنسى، وقيل: المعنى: لا تضل، كما قال: {فالتقطه آل فرعون ليكون لهم عدوًا وحزنا} «القصص 8» لم يلتقطوه ليكون لهم عدوًا، لكن لما آل الأمر إلى ذلك في حال من التقطه، ليكون لهم عدوًا، فأخبر بما آل أمرهم إليه، كذلك هذا لم يؤمن بشهادة امرأتين عوضًا من رجل، لضلال الذي هو النسيان، لكن لما آل الأمر إلى النسيان صار الأمر، كأنهم أمروا بشهادة امرأتين عوضًا من رجل للنسيان، فيكون «فتذكر» معطوفًا على «تضل» تقديره فرجل وامرأتان يشهدون أن تضل احداهما وأن تذكر احداهما، كأنه بين علة كون امرأتين مقام رجل أي ذلك إنما فعل لتذكر احداهما الأخرى عند النسيان.
208- قوله: {فتذكر} قرأه ابن كثير وأبو عمرو بالتخفيف، وشدد الباقون، وكلهم نصب إلا حمزة فإنه رفع، على ما ذكرنا من الرفع في جواب الشرط
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/320]
مع الفاء، وقد قال الفراء: إن من خفف فهو من الذكر الذي هو ضد الأنثى، والمعنى: إن المرأة الثانية إذا شهدت مع الأولى ذكرتها، أي جعلتها كالذكر، أي: كالرجل الذي لا يحتاج إلى غيره في الشهادة.
209- ووجه القراءة بالتشديد أنه عدى الفعل إلى مفعولين بالتشديد، فالأول «الأخرى» والثاني محذوف، تقديره: «فتذكر احداهما الأخرى الشهادة» والتذكير يحتاج إلى مذكر ومذكر به، وقد أجمعوا على التشديد في قوله: {وذكر فإن الذكرى} «الذاريات 55» وهو كثير.
210- وحجة من خفف أنه عدى الفعل بالهمز، والهمز كالتشديد في التعدي، تقول: ذكرته كذا، وأذكرته كذا، فالمفعول الثاني أيضًا محذوف، كالأول فالقراءتان بمعنى، إلا أن التشديد معه معنى التكثير، على معنى تذكير بعد تذكير، ويحتمل أن يكون في المعنى كأذكرته، فالقراءتان متعادلتان، ومن نصب «فتذكر» فعلى العطف على «أن تضل» ومن رفع فعلى القطع بعد الفاء.
211- قوله: {تجارة حاضرة} قرأ ذلك عاصم بالنصب، وقرأهما الباقون بالرفع.
212- وحجة من نصب أنه أضمر في «تكون» اسمها، ونصب «تجارة» على خبر «يكون»، و«حاضرة» نعت لـ «تجارة» والتقدير: إلا أن تكون التجارة تجارة، وإلا أن تكون المبايعات تجارة، ولا أن يكون المضمر التداين والدين، لتقدم ذكره، ولا أن يكون الحق لتقدم ذكره؛ لأن ذلك غير التجارة، ولأن التجارة تقليب الأموال في البيع والشراء للنماء، وهو غير الدّين وغير التداين، وغير الحق والخبر في كان هو الاسم، وحسن إضمار التبايع، لأنه تقليب الأموال للنماء، فهو التجارة في المعنى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/321]
213- وحجة من رفع أنه جعل «كان» بمعنى «وقع وحدث» تامة، لا تحتاج إلى خبر، بمنزلة: {وإن كان ذو عسرة} الذي هو عام في كل معسر، وبهذا العموم أجمع على الرفع، إذ لو نصب «ذا» على خبر «كان» لصار الكلام مخصوصًا لصنف بعينه، غير عام في جميع المعسرين؛ لأنه يصير التقدير، لو نصب «ذا» وإن كان المشتري ذا عسرة فنظرة، فتكون النظرة مقصورة عليه، وقد يجوز أن يكون التقدير: وإن كان المداين ذا عسرة، فيكون عامة فيمن عليه دين، وهو معسر، والرفع على كل حال أعم، لأنه يعم من عليه دين، من قرض أو من شراء، وغير ذلك). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/322]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (108- {أَنْ تَضِلَّ} [آية/ 282]:-
بكسر الألف، قرأها حمزة وحده، على أنه جعل إن للشرط، و{تضلّ} مجزوم بالشرط، وفتحة لامه هي لالتقاء الساكنين؛ لأنها أخف الحركات، وجعل الفاء في قوله {فَتُذَكِّرَ} جواب الشرط، والشرط وجوابه جميعًا موضوعهما رفع على هذا؛ لأنهما وصف للمرأتين في قوله تعالى {فَرَجُلٌ وَامْرَأَتَانِ}.
[الموضح: 352]
وقرأ الباقون {أَنْ تَضِلَّ} بفتح الألف، على إضمار اللام، والتقدير: لأن تضل إحداهما فتذكر، فتضل ههنا منصوب بأن، وقوله {تُذَكّرَ} عطف على {أنْ تُضِلّ} وحقيقة معنى لام العلة إنما هو في التذكير لا في الضلال؛ لأن الضلال هو سبب الإذكار، والمعنى لأجل أنها إذا نسيت إحداهما الشهادة ذكرتها الأخرى، والضلال ههنا النسيان). [الموضح: 353]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (109- {فَتُذَكِّرَ} [آية/ 282]:-
بتشديد الكاف ورفع الراء، قرأها حمزة وحده، وذلك لأنه قرأ {إنْ تَضِلّ} بالكسر، على الشرط، وجعل {فَتُذَكّرُ} جوابه، فيكون مرفوعًا، كما تقول: إن تضرب زيدًا فيضربك، بالرفع، أي فهو يضربك، فيكون موضع الفاء وما دخل عليه جزمًا، والتقدير: إن تضل تذكر.
وقرأ نافع وابن عامر وعاصم والكسائي بتشديد الكاف ونصب الراء، على أنه معطوف على {تَضِلَّ} المنصوب بأن.
وذكر في هاتين القراءتين معدى بالتضعيف، وهو أكثر من المنقول بالهمزة في هذه الكلمة، يقال ذكر فلان الشيء فذكرته إياه، بالتشديد.
وقرأ ابن كثير وأبو عمرو ويعقوب {فَتُذْكِرَ} بتخفيف الكاف وفتح الراء، جعلوه منقولاً بالهمزة، وهو شائع كثير، يقال ذكر الشيء فأذكرته أنا وذكرته
[الموضح: 353]
كما تقول: أغرمته وغرمته، وأفرحته وفرحته، وذهب بعض أهل التفسير إلى أن المعنى في {تُذَكِّر} المشدد بجعل إحداهما الأخرى مذكرًا، أي تلحقها بالرجال في الشهادة). [الموضح: 354]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (110- {تِجَارَةً حَاضِرَةً} [آية/ 282]:-
بالنصب فيهما، قرأها عاصم وحده، وذلك أنه جعل كان ناقصة، وأضمر الاسم وهو التبايع أو التجارة، كأنه قال: إلا أن يكون التبايع تجارة أو التجارة تجارة حاضرة.
وقرأ الباقون {تِجارَةٌ حاضِرَةٌ} بالرفع فيهما، لأنهم جعلوا كان بمعنى وقع فهي تامة، ويرتفع ما بعدها بفعلها، والتقدير: إلا أن تقع تجارة، ومثله {وإنْ كانَ ذُو عُسْرَةٍ} ). [الموضح: 354]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس