عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 11:28 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (17) إلى الآية (20) ]

{مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17) صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18) أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19) يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}

قوله تعالى: {مَثَلُهُمْ كَمَثَلِ الَّذِي اسْتَوْقَدَ نَارًا فَلَمَّا أَضَاءَتْ مَا حَوْلَهُ ذَهَبَ اللَّهُ بِنُورِهِمْ وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلُمَاتٍ لَا يُبْصِرُونَ (17)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن وإبي السَّمَّال: {وَتَرَكَهُمْ فِي ظُلْمَاتٍ} ساكنة اللام.
قال أبو الفتح: لك في ظلمات وكسرات ثلاث لغات: إتباع الضم الضم، والكسر الكسر، ومَن استثقل اجتماع الثقيلين فتارة يعدل إلى الفتح في الثاني يقول: ظُلَمَات وكِسَرات، وأخرى يسكن فيقول: ظُلْمَات وكِسْرَات، وكل جائز حسن.
فأما فَعْلة بالفتح فلَا بُدَّ فيه من التثقيل إتباعًا، فتقول: ثَمَرَة وثَمَرَات، قال:
ولما رأونا باديًا رُكَبَاتُنا ... على موطن لا نخلط الجِد بالهزل
وقال النابغة:
وَمَقْعَدُ أيسار على رُكَبَاتهم ... ومربطُ أفراس وناد وملعب
وعليه قراءة أبي جعفر: [من وراء الْحُجَرات].
وقال بشر:
حتى سقيناهم بكأس مرة ... مكروهة حُسَواتها كالعلقم
وقد أسكنوا المفتوح، وهو ضروة، قال لبيد:
رُحلن لشقة ونُصبن نصبا ... لوغْرات الهواجرِ والسَّمُوم
وقال ذو الرمة:
أَبت ذكرٌ عَوَّدْنَ أحشاء قلبه ... خُفُوفًا ورفْضَاتُ الهوى في المفاصل
روينا ذلك كله، وروينا أيضًا أن بعض قيس قال: ثلاث ظَبْيَات، فأسكن موضع العين، وروينا عن أبي زيد أيضًا عنهم: شَرْيَة وشَرْيات وهو الحنظل، والتسكين عندي في هذا أسوغ منه في نحو رفْضات ووغْرات، من قِبَل أن قبل الألف ياء محركة مفتوحًا ما قبلها، وهذا شرط اعتلالها بانقلابها ألفًا، وتحتاج أن تعتذر من ذلك بأن تقول:
لو قلبت ألفًا لوجب حذفها لسكونها وسكون الألف بعدها، وليس في نحو: رفضات ما يوجب الاعتذار من الحركة، وكان رفضات أقرب مأخذًا من ثمرات من قِبَل أن رفضة حدث ومصدر،
[المحتسب: 1/56]
والمصدر قوي الشبه باسم الفاعل الذي هو صفة، والصفة لا تحرَّك في نحو هذا، نحو: صَعْبة وصَعْبات، وخَدْلة وخَدْلات، ويدلك على قوة شبه المصدر بالصفة وقوع كل واحد منهما موقع صاحبه، وذلك نحو قول الله تعالى: {قُلْ أَرَأَيْتُمْ إِنْ أَصْبَحَ مَاؤُكُمْ غَوْرًا} أي: غائرًا، وقولهم: قم قائمًا؛ أي: قيامًا، وعليه قول الفرزدق:
ألم ترني عاهدت ربي وإنني ... لبين رِتاج قائمًا ومقام
على حَلْفَة لا أشتُمُ الدهر مسلمًا ... ولا خارجًا من فيَّ زُورُ كلام
أي: ولا يخرج خروجًا. وعليه أيضًا كسروا المصدر، وهو فَعْلٌ عى ما يكسر عليه فاعل في الوصف وهو فواعل. أنشدنا أبو علي:
وإنك يا عم ابن فارس قُرْزُل ... معيدٌ على قيل الخنا والهواجر
يريد جمع هُجْر، فكأنه كسَّر هاجرًا على هواجر.
وأنشدنا أيضًا:
فليتك حال البحر دونك كله ... وكنت لقى تجري عليه السوائل
يريد السيول جمع سيل، وهو كثير جدًّا، فكذلك سَهُل شيئًا إسكان نحو: رَفْضة ووَغْرة؛ لكونهما حدثين ومصدرين لشبههما بالصفة. ويزيد في أُنْسك تسكن عين ما لامه حرف علة لما تُعقبُ من الاعتذار من تحريك عينه، امتناعهم من تحريك العين في فَعْلَة إذا كانت حرف علة، وذلك نحو: جَوْزَات ولَوْزَات وبَيْضَات، ألا ترى أنه لو حرك فقال: جَوَزَات وبَيَضَات؛ لوجب أن يعتذر من صحة العين مع حركتها وانفتاح ما قبلها بأن يقول: لو أعللتُ لوجب القلب، فأقول: جازات وباضات؛ فيلتبس ذلك بما عينه في الواحد ألف منقلبة نحو: قارة وقارات، وجارة
[المحتسب: 1/57]
وجارات.
وإذا جاز إسكان العين الصحيحة، نحو: تَمْرات وشَعْرات؛ صار المعتل أحرى بالضمة. نعم، وربما جاء الفتح في العين إذا كانت واوًا أو ياء كما قال الهذلي:
أبو بَيَضَات رائحٌ متأَوِّبٌ ... رفيقٌ بمسع الْمَنْكِبَيْنِ سَبُوحُ
وعذره في ذلك: أن هذه الحركة إنما وجبت في الجمع، وقد سبق العلم بكونها في الواحد ساكنة، فصارت الحركة في الجمع عارضة فلم تُحفل، وفي هذا بعد هذا ضعف، ألا ترى أن هذه الألف والتاء تبنى الكلمة عليهما، وليستا في حكم المنفصل؟ يدلك على ذلك صحة الواو في خُطُوات وكُسُوات، ولو كانت الألف والتاء في ذلك في حكم المنفصل لوجب إعلال الواو؛ لأنها لام وقبلها ضمة، كما أنك لو بنيت فُعُلَة على التذكير من غزوت لأعللت اللام فقلت: غُزُية، حتى كأنك نطقت بفُعِل منه فقلت: غُزٍ.
ولو بنيتها على التأنيث لصحت اللام فقلت: غُزُوَة، فعليه قلت: خُطُوات؛ لأنه مبني على التأنيث، ولو كان على التذكير قلت: خُطِيات، كما قلت: غُزٍ في فُعُل من الغزو.
قال أبو علي: يدلك على أن الكلمة مبنية على الألف والتاء اطِّراد إتباع الكسر للكسر في سِدِرات وكِسِرات مع عزة فِعِل في الواحد، وإنما حكى سيبويه منه: إبل لا غير، وهو كما ذَكر، إلا أن مما يؤنس بكون حركة العين غير ملازمة ما رويناه عن قطرب فيما حكاه عن يونس من قوله في جِرْوة: إذا قلت جِرِوات فصحة الواو وهي لام بعد الكسرة تدلك على قلة الاعتداد بها، وعلى ذلك أن يقال: إن هذا شاذ، يدل على شذوذه امتناعهم أن يحركوا عين كُلْية ومُدْية، وأن يقولوا: كُلُيات ومُدُيات؛ لما كان يعقب ذلك من وجوب قلب الياء إلى الواو، فدلنا ذلك على أن نحو جِرِوات شاذ.
وبإزاء هذا أن يقال: هلا قلبوا فقالوا: كُلُوات ومُدُوَات، كما أنهم لو بنوا مثل فُعُلة من قضيت ورميت على التأنيث قلبوا فقالوا: رُمُوَة وقُضُوَة، فهذه أشياء تراها متكافئة أو كذلك، وعلى كل حال فالاختيار خُطْوات بالإسكان، ألا ترى أن الألف والتاء وإن بني الاسم عليهما فإن الجمع على كل حال خارج من الواحد الذي هو الأصل، فمعنى الفرعية موجود في الجمع
[المحتسب: 1/58]
بتلفُّته إلى الواحد، وليست فُعُلَة إذا بنيت على التأنيث مما خرج عن تذكيره فيراعى فيه حكمه، كما رُوعي في الألف والتاء حكم الواحد، فاعرفه فصلًا). [المحتسب: 1/59]

قوله تعالى: {صُمٌّ بُكْمٌ عُمْيٌ فَهُمْ لَا يَرْجِعُونَ (18)}

قوله تعالى: {أَوْ كَصَيِّبٍ مِنَ السَّمَاءِ فِيهِ ظُلُمَاتٌ وَرَعْدٌ وَبَرْقٌ يَجْعَلُونَ أَصَابِعَهُمْ فِي آَذَانِهِمْ مِنَ الصَّوَاعِقِ حَذَرَ الْمَوْتِ وَاللَّهُ مُحِيطٌ بِالْكَافِرِينَ (19)}

قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (21- وقوله {والله محيط بالكافرين}.
قرأ أبو عمرو والكسائي في رواية عمر {الكافرين} بالإمالة في موضع الجر والنصب.
وقرأ الباقون بالتفخيم. فمن فتح فعلى أصل الكلمة، ومن أمال قال: إنما أملت الألف لاجتماع أربع كسرات، كسرة الفاء والراء، والياء تنوب عن كسرتين، فلما اجتمعت في الكلمة أربع كسرات جذبن الألف إليهن بقوتهن فأملنها.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: فإن سأل سائل فقال: هلا أمال {الشاكرين} وقد اجتمعت فيه أربع كسرات؟
فالجواب في ذلك أنهم تركوا إمالة {الشاكرين} لثلاث علل:
إحداهن: أن اللام مدغمة في الشين فكرهوا الإمالة مع التشديد:
والعلة الثانية: أنه قليل الدَّور في القرآن ولم يكثر ككثرة الكافرين.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/75]
فإن سأل سائل عن الكافرين فقال: الإمالة في ألف أو الكاف؟
فالجواب في ذلك: أن الإمالة لا تكون إلا في الألف، وإنما يشم الكاف الكسر لتصح الإمالة، وقد قال قومٌ: إنهما ممالان وذلك خطأ.
والعلة الثالثة: أن الشين والجيم والياء يخرجن من وسط اللسان بينه وبين الحنك، فلما كانت مجاورة الياء كرهوا الإمالة في الشين كما كرهوا في الياء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/76]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله (تعالى): في طغيانهم [البقرة/ 15] وفي آذانهم [البقرة/ 19].
قال أبو عمر الدّوري ونصير بن يوسف النحوي:
[الحجة للقراء السبعة: 1/365]
كان الكسائي يميل الألف في طغيانهم، وفي آذانهم، وقال غيرهما: كان يفتح.
وقال أبو الحارث الليث بن خالد وغيره: كان الكسائي لا يميل هذا وأشباهه. والباقون يفتحون.
قال أبو علي: الطغيان: مصدر طغى، كالكفران والعدوان والرضوان.
وحكى أبو الحسن: طغا يطغو، وقالوا: يطغى في المضارع، وفي التنزيل: ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم [طه/ 81] فألف طغا تكون منقلبة عن الياء، فيمن قال:
طغيت، وعن الواو فيمن قال: طغوت.
وقالوا: طغوت، وقالوا: تطغى، كما قالوا: صغوت تصغى، ومحوت تمحى، ففتحت العين في المضارع للحلقي.
وحكى بعضهم طغيت تطغى، فتطغى على هذا مثل يفرق، لا مثل يصغى، ويجوز على هذا أن تكسر حرف المضارعة منه فتقول: تطغى، وإن جعلته مضارع طغوت أو
[الحجة للقراء السبعة: 1/366]
طغيت لم يجز ذلك فيه.
فأمّا قوله تعالى: فأهلكوا بالطّاغية [الحاقة/ 5] فيحتمل ضربين:
أحدهما أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة، أي:
بطغيانهم.
والآخر أن يكون صفة، أي بالريح الطاغية.
وقوله: كذّبت ثمود بطغواها [الشمس/ 11] فالواو مبدلة من الياء: لأنّه اسم مثل التّقوى والرّعوى والبقوى، لأنّ لغة التنزيل الياء بدلالة الطغيان المذكور فيه في مواضع.
فأما لا تطغوا، فلا دلالة فيها على الياء ولا الواو. وإن جعلت طغوى من لغة من قال: طغوت، كان الواو فيها من نفس الكلمة كالدّعوى والعدوى.
وحجة من أمال الطغيان هي أنّ الألف قد اكتنفها شيئان:
كلّ واحد منهما يجلب الإمالة وهما الياء التي قبلها والكسرة التي بعدها، فإذا كان كلّ واحد منهما على انفراده يوجب الإمالة في نحو السّيال والضّياح. ومررت ببابه، وبداره، فإذا اجتمعا كانا أوجب للإمالة.
[الحجة للقراء السبعة: 1/367]
فإن قلت: إنّ أول الكلمة حرف مستعل مضموم، فكلّ واحد من المستعلي والضم يمنع الإمالة، فهلا منعاها هنا أيضا.
فالقول: إن المستعلي لما جاءت الياء بعده، وتراخى عن الألف بحرفين لم يمنع الإمالة. ألا ترى أنّ قوما أمالوا نحو المناشيط لتراخي المستعلي عن الألف مع أن المستعلي بعد الألف، فإذا تراخى في طغيان عنها بحرفين مع أنّه قبل الألف، كان أجدر بالإمالة، ألا ترى أنّهم قد أمالوا نحو صفاف، وقباب، ولم يميلوا نحو مراض، وفراض، لمّا كان المستعلي متأخرا عن الألف. وقالوا: بطارد [هود/ 29] وبقادر [يس/ 81] لمّا تقدم المستعلي الألف، ولم يميلوا فارق وبارض؟ وأما في (آذانهم) فجازت فيها الإمالة كما جازت في مررت ببابه، لمكان كثرة الإعراب، وهي حسنة جائزة.
والإمالة في طغيانهم أحسن). [الحجة للقراء السبعة: 1/368] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فِي طُغْيَانِهِمْ} [آية/ 15]:
و {آَذَانِهِمْ} [آية/ 19]:-
بالإمالة، قرأها الكسائي وحده.
وإنما أمال {طُغْيانِهِمْ}؛ لأن أَلِفَها قد اكتنفها شيئان، واحد منهما على الانفراد جالب للإمالة، وهما الياء قبلها والكسرة بعدها، فإذا أميلت الكلمة بواحدٍ منها لأن تمال باجتماعهما أولى.
وأما {فِي آذانِهِمْ آَذَانِهِمْ} فإنما أمالها لمكان كسرة الإعراب فيها، كمال يقال: مررت ببابه وداره، والإمالة في الأول أقوى). [الموضح: 249] (م)

قوله تعالى: {يَكَادُ الْبَرْقُ يَخْطَفُ أَبْصَارَهُمْ كُلَّمَا أَضَاءَ لَهُمْ مَشَوْا فِيهِ وَإِذَا أَظْلَمَ عَلَيْهِمْ قَامُوا وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَذَهَبَ بِسَمْعِهِمْ وَأَبْصَارِهِمْ إِنَّ اللَّهَ عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ (20)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (يكاد البرق يخطف أبصارهم).
[معاني القراءات وعللها: 1/141]
اتفق القراء على تخفيف "يخطف)، واختلفوا في سورة الحج، فقرأ نافع: (فتخطفه الطير) - بفتح الخاء وتشديد الطاء - وقرأ الباقون: (فتخطفه) - بالتخفيف وسكون الخاء -.
قال أبو منصور: من قرأ (يخطف " و(فتخطفه) فهو من خطف يخطف خطفًا، وهي لغة العالية التي عليها أكثر القراء.
ومن قرأ (فتخطّفه) - بفتح الخاء وتشديد الطاء - فأصل فيه (فتختطفه)، يقال: خطفت الشيء " واختطفته، إذا اجتذبته بسرعة.
وعلة هذه القراءة إدغام التاء في الطاء، وإلقاء فتحة الطاء على الخاء، وإتباع فتحة الخاء فتحة في الطاء.
وفيها لغة أخرى لم يقرأ بها هؤلاء القراء، وهي: (يخطّف " "فتخطّفه الطير"
روى ذلك عن الحسن أنه قرأ: (يخطّف) - بكسر الخاء والطاء -.
[معاني القراءات وعللها: 1/142]
ومن العرب من يقول: (يخطّف) - بفتح الياء والخاء، وكسر الطاء - ومنهم من يقول: (يخطّف) - بكسر الياء والخاء والطاء -.
وأجودها: (يخطّف)، وبعده: (يخطّف)، فمن قال: (يخطّف) فالأصل (يختطف)، فأدغمت التاء في الطاء، وألقيت على الخاء فتحة التاء.
ومن قال: (يخطّف) كسر الخاء لسكونها وسكون الطاء. وهذا قول الخليل، وزعم الفراء أن الكسر لالتقاء الساكنين ها هنا خطأ، وأنه يلزم من قال هذا أن يقول في "يعضّ ": "يعضّ)، وفي "يمدّ " "يمدّ).
وقال من احتج للخليل: هذا الذي قاله القراء غلط غير لازم، لأنه لو كسر "يعضّ" و"يمدّ" لالتبس ما أصله "يفعل " و"يفعل" بما أصله (يفعل).
وأما: (يختطف) فليس أصله غير هذا، ولا يكون مرة على (يفتعل) ومرة على غير (يفتعل)، فكسر لالتقاء الساكنين في موضع غير ملتبس، وامتنع في الملتبس من الكسر لالتقاء الساكنين، وألزمه حركة الحرف الذي أدغمه لتدل الحركة عليه). [معاني القراءات وعللها: 1/143]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (17- وقوله تعالى: {كلما أضاء لهم مشوا فيه}
قرأ ابن كثير وحده {فيهى} بياء بعد الهاء، وكذلك ما شاكل ذلك نحو عليهى، والباقون باختلاس الحركة في غير ياء، فقراءة ابن كثير الأصل؛ لأن الهاء حرف خفي، فقووها بحركة وحرف، فإذا انفتح ما قبل الهاء أتبعوها ضمةً وواوًا كقوله: {فقدر هو * ثم السبيل يسرهو} فإن سكن ما قبلها فابن كثير يُبقي الواو نحو: {منهو آيات محكمات} {واجتبهوا وهداهو} على أصل الكلمة. ومن حذف الواو والياء قال: كرهت الجمع بين ساكنين وليس بينهما حاجزٌ إلا الهاء، وهي حرف خفي ضعيف، والأصل في الهاء الضم، وإنما تكسر إذا تقدمتها كسرة أو ياء.
قال أبو عبد الله رضي الله عنه: وجدت في القرآن خمسة أحرف، قد ضمت الهاء فيها على الأصل من ذلك: قراءة حمزة {لأهله امكثوا} وقرأ حفص: {بما عاهد عليه الله} {وما أنسنيه إلا الشيطان} وروي أبو قرة عن نافع: {به انظر كيف نصرف الآيات}.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/72]
وأما غير السبعة فمنهم من يضم كل هاء في القرآن، منهم مسلم بن جندب قرأ {لا ريب فيه هدى للمتقين} وقرأ شيبة: {فخسفنا به وبداره الأرض}، فمن ضم فهو الأصل، ومن كسر فلمجاورة كسرة أو ياء، وفي الهاء لغة أخرى، وهو حذف الواو إذا انفتح ما قبلها، ولم يقرأ به أحد، غير أن الشاعر قال:
له زجل كأنه صوت حاد = إذا سمع الوسيقة أو زمير
الوسيقة: الطريدة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/73]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (18- وقوله تعالى: {إن الله على كل شيء قدير}
قرأ حمزة وحده بإشباع الفتحة طلبًا للألف، لأن حمزة يعتبر قراءته بحرف عبد الله، وفي مصحف عبد الله (شاي) ويسكت على الياء أعني حمزة سكتة خفيفة قبل الهمزة، وكذلك يفعل بالأرض والأسماء. وقرأ الباقون: {شيء} على وزن شيع). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/73]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (حدثنا أحمد بن موسى: قال: اتفقوا على يخطف [البقرة/ 20] أنّ طاءه مفتوحة.
واختلفوا في: فتخطفه [الحج/ 31] فقرأ نافع: فتخطفه الطير بفتح التاء والخاء والطاء مشددة.
قال أبو علي: أخبرنا أبو إسحاق إبراهيم بن السري أنّ خطف يخطف أعلى من خطف يخطف.
وقال أبو الحسن: زعم يونس أن خطف يخطف أكثر في كلام العرب، وأنّها قراءة أبي عمرو، قال: وكذلك كان
[الحجة للقراء السبعة: 1/390]
يقرأ: إلّا من خطف الخطفة [الصافات/ 10].
قال: والقراء لم يقرءوا إلا يخطف، وخطف مثل علم قال ولا نعلم أحدا قرأ الأخرى.
فأما قوله تعالى: «فتخطفه الطير» فنذكره في موضعه إن شاء الله.
قوله تعالى: على كلّ شيءٍ قديرٌ [البقرة/ 20].
كان حمزة يسكت على الياء من (شيء) قبل الهمزة سكتة خفيفة، ثم يهمز فيقول: شيء قدير، وكذلك يسكت على اللام من الآخرة [البقرة/ 94] والأرض [البقرة/ 22] والأسماء [البقرة/ 31] وما أشبه ذلك.
وغيره من هؤلاء القراء يصل الياء من (شيء) بالهمز واللام من (الأرض) وأخواتها بالهمز بلا سكتة.
قال أبو علي: الحجة لحمزة في ذلك أنّه أراد بهذه الوقيفة التي وقفها تحقيق الهمزة وتبيينها، فجعل الهمزة بهذه الوقيفة التي وقفها قبلها على صورة لا يجوز فيها معها إلّا التحقيق، لأنّ الهمزة قد صارت بالوقيفة مضارعة للمبتدإ بها، والمبتدأ بها لا يجوز تخفيفها، ألا ترى أنّ أهل التخفيف لا يخفّفونها مبتدأة، فكذلك هذه الوقيفة آذنت بتخفيفها لموافقتها بها صورة ما لا يخفّف من الهمزات.
وقد زادوا مدّ الألف إذا وقعت قبل الهمزة نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 1/391]
أنزل من السّماء ماءً [الحج/ 63] ألا ترى أن المدّ الذي في الألف قبل الهمزة أزيد من المدّ الذي في الألف في نحو قوله تعالى:
وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النحل/ 53] ليكون ذلك أبين للهمزة، فكذلك وقف حمزة هذه الوقيفة الخفيفة ليكون أبين للهمزة كما مدوا جميعا الألف زيادة مدّ ليكون أبين للهمزة.
روى ورش عن نافع أنّه كان يلقي حركة الهمزة على اللام التي قبلها مثل: (الأرض) و (الآخرة) و (الأسماء) ويسقط الهمزة، وكذلك إذا كان الساكن. آخر كلمة والهمزة أول الأخرى ألقى حركتها على الساكن وأسقطها مثل: (قد افلح)، و (من اله)، ونحو ذلك، إلا أن يكون الساكن الأول واوا قبلها ضمة مثل: قالوا أنصتوا [الأحقاف/ 29]، أو ياء قبلها كسرة مثل: في أنفسكم [البقرة/ 235] فإنّه لم يكن يلقي حركة الهمزة عليها، فإذا انفتح ما قبل الواو والياء وهي ساكنة ولقيتها همزة ألقى عليها حركة الهمزة. وأسقط الهمزة مثل: خلوا إلى شياطينهم [البقرة/ 14] ونبأ ابني آدم [المائدة/ 27] وما كان مثله.
قال أبو علي: أما إلقاء نافع حركة الهمزة المتحركة على لام المعرفة في نحو: الأرض، والآخرة، والأسماء، وحذف الهمزة، فذلك قياس مستمر في الهمزة المتحركة إذا خففت،
[الحجة للقراء السبعة: 1/392]
وقبلها ساكن غير الألف، وسواء كان ذلك في كلمة واحدة، كقوله: الخب في السموات [النمل/ 25] أو في كلمتين منفصلتين مثل: (قد افلح)، و (من اله)، فإذا خفّفت الهمزة فحذفت وألقيت حركتها على لام المعرفة الساكنة كان فيها لغتان:
منهم من يحذف همزة الوصل فيقول: لحمر.
ومنهم من لا يحذفها وإن تحرك ما بعدها فيقول: الحمر.
فأما وجه حذف هذه الهمزة في التخفيف، فإنها إذا أريد تخفيفها لم تخل من أن تحذف، أو تجعل بين بين، فلو جعلتها بين بين وقبلها ساكن لم يستقم، كما لا يستقيم أن يجتمع ساكنان، ألا ترى أنهم لم يخففوا الهمزة مبتدأة، وأنهم رفضوا تخفيفها على هذه الحال، كما رفضوا الابتداء بالحرف الساكن؟
فكما كانت في حكم الساكن في الابتداء، كذلك إذا جعلتها بين بين بعد الساكن.
ومما يبين وجوب حذفها أن الحركة في التقدير كأنّها تلي الحرف المتحرك بها والحرف قبلها. يدلّك على ذلك أنّها لا تخلو من أن تكون قبله أو بعده، فلا يجوز أن تكون قبله، لأنّها لو كانت كذلك لكانت الياء من اليسار لا تنقلب واوا، والواو من الوعد لا تنقلب ياء في ميعاد أو موسر، ألا ترى أنّ الميم لا تقلب هذين الحرفين؟ فلما انقلبا علمت أن الموجب لقلبهما ملازمتهما الياء أو الواو.
[الحجة للقراء السبعة: 1/393]
فإذا خففت الهمزة قبل ساكن لم تحذف نحو: رأيته، لأنّ الحركة قد فصلت- وإن أضعف الصوت بها- بين الهمزة المخففة والساكن.
فأمّا ترك نافع أن يلقي حركة الهمزة في التخفيف على الواو إذا انضمّ ما قبلها نحو: قالوا أنصتوا [الأحقاف/ 29] وعلى الياء إذا انكسر ما قبلها نحو: في أنفسكم [البقرة/ 235] فإنّ ذلك لا يمتنع في قياس العربية. وقد قال أهل التخفيف في: اتبعوا أمره: اتبعوا مره، وفي: اتبعي أمره:
اتبعي مره، فلم يفصلوا بين هذا الحرف اللين إذا كانت حركة ما قبله منه، وبينه إذا لم تكن حركة ما قبله منه.
وقد فصل نافع بينهما فخفّف بعد ما لم تكن حركتها منها، نحو: خلو الى [البقرة/ 14] نبأ ابني آدم [المائدة/ 27] فألقى حركة الهمزة من إلى على الواو من (خلوا)، وحركة الهمزة من (نبأ ابني آدم) على ياء التثنية من ابني، وليست حركة ما قبل كل واحد منهما منه، فيجوز أن يكون أراد الأخذ بالأمرين: بالتخفيف، والتحقيق، إلّا أنّه حقق الهمزة بعد الواو والياء إذا كانت حركة ما قبلهما منهما، لأنّه لو خفف ولم يحقق في قوله: (قالوا أنصتوا) لاختل بالتخفيف زيادة المدّ التي في الواو إذا ألقي عليها حركة الهمزة، فأحب أن يسلم المدّ ولا يخلّ به.
[الحجة للقراء السبعة: 1/394]
وخفّف في: (خلوا إلى) و (ابني آدم)، لأنّه لمّا لم تكن حركة ما قبلهما منهما أمن اختلال المدّ بالتخفيف.
فأمّا إلقاء حركة الهمزة على ياء (في) من قوله: في أنفسكم [البقرة/ 235] فلا يمتنع في القياس، وذلك أنّها ليست كالتي في خطيئة، لأنّها من نفس الكلمة، فهو مثل:
يرمي خاه.
فإن قلت: فهل يجوز أن تدغم في المنفصل كما جاز إدغامها في المتصل نحو: فيّ خير فتجيز: فيّدها سوار؟ فالقول أن إدغامها في المنفصل لا ينبغي أن يجوز من حيث جاز في المتصل، ألا ترى أنّك تقول: هذا قاضيّ، ووضعته في فيّ، فتدغم فيما هو غير منفصل، ولا يجوز أن تدغم هذا قاضي ياسر، ولا يغزو واقد، لما يختل من المدّ؟
وعلى هذا لم يجيزوا الإدغام في ظلموا واقدا، واظلمي ياسرا، وكان الإدغام في هذا أبعد لمعاقبة الألف الواو إذا قلت ظلما، فصار بمنزلة ساير وسوير، ولا يكون تخفيف الهمزة بعد في، كما قال أبو عثمان في ميئل: إنه يلزم أن تكون الهمزة فيها بعد الياء على قياس قول الخليل بين بين، وذلك أن الخليل لم يدغم أووم فلما لم يدغمه صار عنده بمنزلة سوير وقوول، والياء في ميئل هي التي لم يدغمها في مثلها ولا في
[الحجة للقراء السبعة: 1/395]
مقاربها، فصار بمنزلة الألف التي لم تدغم في شيء، ولم ينبغ أن تلقى عليها حركة الهمزة كما لم تلق على الألف، فلزم أن تجعل الهمزة بعدها بين بين كما كانت بعد الألف كذلك.
وهذه الياء التي في (في) وإن لم تدغم في المنفصل، كما لم يدغموا: هو يرمي ياسرا، فقد أدغمت في المتصل كما أدغم قاضيّ، فلا يمتنع أن تخفّف الهمزة بعدها. وتلقى حركتها عليها، كما ألقيت على الياء من يقضي وما أشبهه.
وأما تخفيف الهمزة في قوله: شيء، فإنّه يكون بحذفها وإلقاء حركتها على الياء، كما كان في ضوء وسوأة.
ضو وسوة فكذلك تقول: شي.
وقد قال قوم في تخفيف الهمزة في المنفصل نحو: أبو أيوب: أبويّوب فأبدلوا من الهمزة الواو لمّا كان قبلها، وفعلوا ذلك في المنفصل لأمنهم الالتباس بباب قوّة وجوّ. وشبه قوم به المتصل فقالوا: ضوّ وسوّة، وهو ذوّنسه في ذو أنسه.
وقد حكي أن قوما قالوا في الياء: أنا أرميّ باك، في أنا أرمى أباك، فقياس هؤلاء أن يقولوا في تخفيف شيء شيّ، كما قالوا في ضوء: ضوّ، وسوّة، وموّلة.
وقد قال: إن من قال: سوّة قال: سيّ، يريد في نحو
[الحجة للقراء السبعة: 1/396]
قوله: سيء بهم [هود/ 77].
فأمّا ما قاله من نحو: مسوّ فينبغي أن يكون أبدل من الهمزة الواو، وأدغم الواو التي هي عين فيها، لأن المبقّى عنده عين الفعل، وواو مفعول محذوفة.
وقياس قول أبي الحسن في مسوء بالتخفيف القياسيّ:
مسوّ، كما يقول في مقروءة: مقروّة، وفي قول سيبويه مسو، ومقرو، لأنّ الواو العين وليست المدة التي في مثل الهدوء، فتقول في تخفيفه الهدوّ. وإنّما مسوّ الذي ذكره على قوله سوّة كما قالوا في المنفصل: أوّنت فهذا التخفيف على القولين جميعا.
فأمّا القياس فعلى ما أعلمتك في القولين.
فأمّا قولهم: الكمأة والمرأة، فقياسهما الكمة والمرة، وقد قالوا: الكماة والمراة. والقول في وجه ذلك أنّ الذي قال:
الكماة، قدر أن حركة الكاف على الميم، كما أنّ الذي قال:
مؤسى، قدرها على الواو، فلذلك استجاز همزها، فإذا قدرها عليها صارت الميم في تقدير الحركة، والهمزة بعدها مفتوحة، فكان ينبغي أن يجعلها بين بين ولا يقلبها ألفا، إلّا أنّه استجاز
[الحجة للقراء السبعة: 1/397]
القلب لأنّهم قد قالوا في الكلام: منساة فقلبوا.
وجاء في الشعر:
لا هناك المرتع ونحوه، وإن شئت قلت: إنّه قدر الحركة التي على الهمزة على العين، فلمّا انفتحت العين صارت الهمزة في تقدير السكون، فلمّا خففتها قلبتها ألفا كالتي في راس وفاس. والوجه الأول أقيس، لأنّ الحركة التي بعد الكاف في الكمأة أقرب إلى الميم من التي على الهمزة، ألا ترى أن الهمزة تحجز بينها وبين الميم، فحركة الكاف أقرب إليها.
وهذا الوجه أيضا لا يمتنع، لأنّ الحركة والحرف كأنّهما معا لقرب ما بينهما، وإن كان في الحقيقة أحدهما يلي الآخر بلا كبير فصل.
ذكر اختلافهم في إمالة الألف التي تليها الراء
قال أحمد بن موسى: كان نافع لا يميل الألف التي تأتي
[الحجة للقراء السبعة: 1/398]
بعدها راء مكسورة، مثل: من النّار ومن قرارٍ والأبرار والأشرار ودار البوار والأبصار، وبقنطارٍ وبدينارٍ وديارهم وعلى آثارهم بل كان في ذلك كلّه بين الفتح والكسر وهو إلى الفتح أقرب.
وكان ابن كثير وابن عامر وعاصم يفتحون ذلك كلّه.
قال أبو علي: قد تقدم ذكر وجه قولهم في ترك الإمالة.
وقول أحمد في حكايته عن نافع: لا يميل الألف التي تأتي بعدها راء مكسورة، يريد به - إن شاء الله- لا يميل الفتحة نحو الكسرة إمالة شديدة فتميل الألف نحو الياء كثيرا، ولكن لا يشبع إمالة الفتحة نحو الكسرة فيخف لذلك إجناح الألف وإضجاعها، لأنّ أحمد قد قال بعد: كان في ذلك كلّه بين الفتح والكسر، وهو إلى الفتح أقرب، وإذا زال عن الفتح الخالص فهو إمالة، وإن كان بعض الإمالة أزيد من بعض.
ووجه حسن إمالة الألف إذا كان بعدها راء مكسورة. أنّ الراء حرف فيه تكرير، وذلك يتبين فيها إذا وقف عليها، فكأنّ الكسر متكرر وإذا تكرر الكسر ازدادت الإمالة حسنا، ليتجانس الصوت، فكما أنّها إذا انضمت أو انفتحت منعت الإمالة، لأنّ كلّ واحد من الحرفين المضموم والمفتوح كأنّه
[الحجة للقراء السبعة: 1/399]
متكرر، والفتح والضمّ يمنعان الإمالة، كذلك إذا تكرر الكسر جلبها، كما أنّه إذا انضمّ أو انفتح منعها كما يمنعها الحرف المستعلي في نحو: طالب، وظالم، وناقد، ونافق.
قال أحمد: وأمّا الكسائي فروى عنه أبو الحارث أنّه لم يمل من ذلك شيئا، إلّا إذا تكررت الراء في موضع الخفض مثل: (الأشرار)، و (الأبرار)، و (من قرار).
وكان أبو عمر الدّوري يروي عنه أنّه كان يميل كل ألف بعدها راء مكسورة.
قال أبو علي: ما رواه عن الكسائي في إمالة مثل الأبرار والأشرار ونحو ذلك مما تكرر فيه الراء مستقيم في قياس العربية ظاهر الوجه، وذلك أنّ الراء المكسورة إذا غلبت المستعلي في نحو: قارب وطارد، فجازت الإمالة مع المستعلي لمكانها، فأن تغلب الراء المفتوحة في نحو: من الأشرار، أولى، لأنّ الرّاء لا استعلاء فيها.
ورواية أبي عمر الدّوري أنّه كان يميل كلّ ألف بعدها راء مكسورة أقيس، لأنّ الإمالة إنّما يجلبها ويحسنها التكرر الذي كأنّه في الراء، فإذا كان كذلك فسواء كانت قبل الألف التي تميلها الراء راء أو غيرها.
قال أحمد: وأمّا حمزة فكان لا يميل من ذلك شيئا إلّا قوله: (الأشرار) و (القرار) و (ذات قرار) و (القهار)
[الحجة للقراء السبعة: 1/400]
و (البوار). وكل ذلك بين الكسر والتفخيم. ذكر ذلك خلف وأبو هشام عن سليم عنه في هذين الحرفين.
قال أبو علي: ما رواه من تخصيص حمزة بإمالة الأشرار والقرار والحروف الأخر دون ما عداها من الكلم مما كان في قياسها وعلى صورتها- فالقياس في ذلك وفي غيرها واحد، ولعله تبع في ذلك أثرا ترك القياس إليه، أو أحبّ أن يأخذ بالوجهين، وكره أن يرفض أحدهما، ويستعمل الآخر مع أن كل واحد مثل الآخر في الحسن والكثرة.
قال أحمد: وكان أبو عمرو يميل كل ألف بعدها راء في موضع اللام من الفعل وهي مكسورة والكلمة في موضع خفض إلا في أحرف يسيرة، مثل قوله تعالى: والجار ذي القربى [النساء/ 36] و (جبارين)؛ فإنّه كان لا يميل في هذين الحرفين إلا ما رواه عنه عبيد الله بن معاذ بن معاذ عن أبيه عن أبي عمرو (والجار ذي القربى والجار) ممالة.
فإذا كانت الراء في موضع العين كعين فاعل لم يمل ألف
[الحجة للقراء السبعة: 1/401]
فاعل كقوله: باردٌ وشرابٌ [ص/ 42] والبارئ المصوّر [الحشر/ 24] وبارئكم [البقرة/ 54] ومن كلّ شيطانٍ ماردٍ [الصافات/ 7] وما كان مثل ذلك.
وروى عنه محبوب بن الحسن وعباس والأصمعي بخارجين [البقرة/ 167] ممالة ولم يروها غيرهم، وهذا خلاف ما عليه العامة من أصحابه مع فتح الإمالة لاستعلاء الخاء.
على أنّه قد روى اليزيدي عنه: كالفخّار [الرحمن/ 14] ممالة، وقرأ بقنطارٍ [آل عمران/ 75].
قال أبو علي: أما ما روي عن أبي عمرو من إمالته كل ألف بعدها راء في موضع اللام فقد تقدم القول في حسن الإمالة في ذلك.
وأمّا ما روي عنه من أنّه إذا كانت الراء في موضع العين كعين فاعل لم يمل ألف فاعل كقوله: باردٌ وشرابٌ والبارئ المصوّر، وبارئكم، ومن كلّ شيطانٍ ماردٍ، ونحوه، فلعله تبع في ذلك أثرا، وذلك أن الإمالة في ألف فاعل إذا كانت الراء عينا أقوى من الإمالة في الألف إذا كانت الراء لاما، لأنّ الكسرة في العين لازمة غير مفارقة، وكسرة اللام قد تنتقل عنها للرفع والنصب، وبحسب لزوم ما يوجب الإمالة تحسن الإمالة، ولا يكون غير اللازم كاللازم، ألا ترى أنّه قد يكون من الأشياء أشياء لا تلزم فلا يعتد بها لانتفاء لزومها.
[الحجة للقراء السبعة: 1/402]
وأمّا ما رواه عنه محبوب وعباس والأصمعي في قوله: (بخارجين من النّار) فإمالته حسنة لمكان كسرة الراء. فأمّا الحرف المستعلي في قوله: (بخارجين) فلا يمنع الإمالة، وإمالته أقوى في قياس العربية من إمالة (بقنطار) لما أعلمتك من لزوم الراء الكسرة، وليست في قوله بقنطار، ولا قوله (كالفخّار) كذلك.
قال سيبويه: مما تغلب فيه الراء قولك: قارب، وغارم، وطارد، وكذلك جميع المستعلية إذا كانت الراء مكسورة بعد الألف التي تليها وذلك أنّ الراء لما كانت تقوى على كسر الألف في فعال في الجر، وفعال لما ذكرنا من التضعيف قويت على هذه الإمالة.
وإنّما قويت عليها لأنّك تضع لسانك في موضع استعلاء ثم ينحدر فصارت المستعلية هاهنا وجواز الإمالة فيها بمنزلتها في صفاف وقفاف.
ولو قلت: ناقة فارق، وإبل مفاريق، لم تمل الألف هاهنا مع المستعلي لأنّه عكس ما تقدّم، ألا ترى أنّك لو أملت فارقا لانحدرت بالإمالة ثم أصعدت بالمستعلي؟ فالإصعاد بعد الانحدار يثقل ولا يثقل الانحدار بعد الاستعلاء، فلذلك
[الحجة للقراء السبعة: 1/403]
أملت طاردا، وقاربا، وغارما، ولم تمل فارقا، والذين يميلون قاربا يفخمون الألف في قادر، لأن الراء بعدت.
وزعم أنّ قوما يقولون: مررت بقادر فيميلون للراء. قال:
وسمعنا من نثق به من العرب يقول:
عسى الله يغني عن بلاد ابن قادر قال: وكان عبد الله بن كثير وابن عامر وعاصم يفتحون الياء في هذا الباب كلّه: فأحياكم [البقرة/ 28]، وأحيا [النجم/ 44] ونموت ونحيا، ويحيى من حيّ عن بيّنةٍ [الأنفال/ 42]، فأحيا به الأرض بعد موتها [النحل/ 65]، وهو الّذي أحياكم [الحج/ 66]، وما كان مثله.
قال أبو علي: قد مضى ذكر الحجة لمن لم يمل هذه الألفات.
قال: وكان نافع يقرأ ذلك كلّه بين الإمالة والتفخيم.
قال أبو علي: قد مضى ذكر الحجة في ذلك.
قال: وكان أبو عمرو لا يميل من ذلك إلا ما كان في رءوس الآي إذا كانت السورة أواخر آياتها الياء، مثل: أمات وأحيا فإنّه كان يلفظ بهذه الحروف في هذه المواضع بين
[الحجة للقراء السبعة: 1/404]
الإمالة والتفخيم، ويفتح سائر ذلك.
قال أبو علي: قد تقدّم ذكر الحجة لذلك، وهو أن أواخر الآي موضع وقوف، والوقف رأيناه قد أوجب إعلالا في الموقوف عليه، وتغييرا عمّا عليه في الوصل. ألا ترى أنّهم قد أبدلوا من النون الساكنة الألف في الاسم والفعل، وأبدلوا من التاء الهاء في نحو: رحمة، ومن الألف الياء أو الواو في نحو: أفعى وأفعو، وزادوا فيه في نحو: هذا فرجّ وهو يجعلّ، ونقصوا منه في نحو:
............... وبعـ ..... ـض القوم يخلق ثمّ لا يفر
فكما غيّر موضع الوقف بهذا النحو من التغيير، كذلك غيرت الألف بأن نحي بها نحو الياء، وكان ذلك حسنا إذ أبدلوا من الألف الياء في الوقف في نحو قوله: أفعى، فكذلك قربوا الألف منها، فليست الإمالة هاهنا لتدل على انقلاب الألف عن الياء، ولكن لتقرب من الياء التي أبدلت من الألف للوقف، ولهذا أمال قوم من العرب نحو: لم يضربها، فإذا أدرج قال: لم يضربها زيد.
[الحجة للقراء السبعة: 1/405]
قال: وكان حمزة لا يميل من ذلك إلّا الفعل الذي في أوله الواو، مثل: نموت ونحيا وأمات وأحيا ويحيى من حيّ ولا يحيى. كان يميل هذه الحروف أشد من إمالة أبي عمرو ونافع.
قال أبو علي: يشبه أن يكون بالغ في إجناح الألف ليقربها من الياء، إذ كانوا قد أبدلوا من الألف الياء في نحو أفعى في الوقف، فبالغ في الإجناح، ليقربها من الياء التي أبدلوها من الألف في الوقف.
قال: وكان الكسائي يميل ذلك كلّه، كان قبل الفعل واو أو فاء، أو لم يكن قبله ذلك، مثل: أحياكم وما أشبهه.
قال أبو علي: قد مضى ذكر الحجة لذلك، وما ذهب إليه الكسائي من ترك الفصل بين الفعل الذي قبله واو أو فاء، وبين ما ليس قبله من ذلك شيء- هو الوجه في قياس العربية.
اختلفوا في الهاء من قوله تعالى: (فهو) (وهي)
إذا كان قبلها لام، أو واو، أو ثم، أو فاء. فقرأ ابن كثير، وعاصم، وابن عامر، وحمزة: وهو، وفهو، ولهو، وثم هو، فهي، وهي. يثقّل ذلك كلّه في جميع القرآن.
وقرأ الكسائي بتخفيف ذلك كلّه وتسكين الهاء.
وكان أبو عمرو يضم الهاء في قوله: ثمّ هو في سورة
[الحجة للقراء السبعة: 1/406]
القصص [آية/ 61] ويسكنها في كل القرآن.
واختلف عن نافع، فروي عنه التثقيل، وروي عنه التخفيف.
قال أبو علي: من قال: وهو، فهو، ولهو، وثم هو- فوجهه ظاهر، وذلك أن الهاء كانت متحركة قبل دخول هذه الحروف عليها، فدخلت هذه الحروف، ولم تتغير عما كانت عليه من قبل، كما لم تتغير سائر الحروف سوى ألف الوصل عما كان عليه في الابتداء به والاستئناف له.
ومثل الهاء في هو وهي في تغييره في الوصل عما كان عليه في الابتداء به- لام الأمر في نحو: وليطّوّفوا [الحج/ 29].
وأما تسكين أبي عمرو هذه الهاء مع الواو، والفاء، واللام، فلأن هذه الكلم لمّا كنّ على حرف واحد أشبهت في حال دخولها الكلمة ما كان من نفسها، وذلك لأنّها لم تنفصل منها لكونها على حرف واحد كما لم تنفصل الباء من سبع وغيره منه- خفّف الهاء منها كما خفّفت العينات من سبع وعضد ونحوهما، ولم يستقم عنده أن يجعل ثمّ
بمنزلة الفاء وما كان على حرف، لأنّه قد يجوز أن تنفصل منها وتنفرد عنها، وليست الواو والفاء ونحوهما كذلك، فمن ثم قال: ثمّ هو.
وقد جعلوا في غير هذا ما كان من الحروف على حرف
[الحجة للقراء السبعة: 1/407]
واحد إذا اتصل بكلمة بمنزلة ما هو منها، فاستجازوا في ذلك ما استجازوا في الحرف الذي هو منها، وذلك قولهم: لعمري، ورعملي، فقلبوه كما قلبوا مسائية وقسيّا، ونحو ذلك. وكذلك قول من قال: كائن أبدل الألف من الياء كما أبدلها من طائي ونحو ذلك.
وقرأ الكسائي بتخفيف ذلك كلّه، ولم يفصل كما فصل أبو عمرو، كأنّه جعل الميم المتحركة من ثم هو بمنزلة الواو، فخفف الهاء معها كما خففها مع الواو.
ومثل تخفيف فهو ولهو لتنزيلهم ذلك منزلة ما ذكرناه قولهم: «أراك منتفخا» لما كان «تفخا» مثل كتف خفف، فكذلك فهو.
ومثله قول العجاج:
فبات منتصبا وما تكردسا فيمن رواه هكذا.
ومثل ذلك قول من قرأ: ويخش اللّه ويتّقه [النور/ 52]
[الحجة للقراء السبعة: 1/408]
لمّا كان (تقه) مثل كتف.
ومثل ذلك ما حكاه الخليل من قولهم: انطلق، لما كان (طلق) من انطلق مثل: كتف، أسكن ثم حرّك لالتقاء الساكنين.
ومثل ذلك ما أنشده الخليل:
ألا ربّ مولود وليس له أب... وذي ولد لم يلده أبوان
فهذه الأشياء متصلة، وقوله: وهو، وفهو، ولهو، في حكمها، وليس كذلك (ثم هو)، ألا ترى أن ثم منفصل من هو لإمكان الوقوف عليها وإفرادها مما بعدها، وليست الكلم التي على حرف واحد كذلك، وقد يستخف في المنفصلة أشياء لا تستخف في المتصلة وما في حكمها، فكذلك يحتمل (ثم هو) للانفصال، ولا يكون وهو وفهو ونحو ذلك مثلها، لكونها في حكم الاتصال.
وللكسائي أن يقول: إن ثم مثل الفاء، والواو، واللام، في أنهن لسن من الكلمة كما أن ثم ليس منها، وقد جعلوا المنفصل بمنزلة المتصل في أشياء. ألا ترى أنّهم أدغموا نحو:
يد داود، وجعل لك، كما أدغموا: ردّ وغلّ.
[الحجة للقراء السبعة: 1/409]
وقالوا: لم يضربها ملق، فامتنعوا من الإمالة لمكان المستعلي وإن كان منفصلا، كما امتنعوا من إمالة نافق ونحوه من المتصلة.
ومما يقوي قوله في ذلك أنّه قد جاء من هذا النحو في المنفصل أشياء أجريت مجرى المتصل مثل قوله:
فاليوم أشرب غير مستحقب ف «رب غ» مثل: سبع، وقد أسكن.
وأنشد أبو زيد:
قالت سليمى اشتر لنا سويقا وقول أبي عمرو أرجح عندنا.
فإن قلت: فلم لا تجعل قوله «اشتر لنا سويقا» على أنّه أجرى الوصل مجرى الوقف، كما فعلوا ذلك في: سبسبّا وعيهلّا ونحو ذلك مما قد أجري الوصل فيه مجرى الوقف؟
فالقول إنّ ذلك، وإن أمكن أن يقال، فما ذكرناه أولى، لأنّا رأيناهم قد أجروا المنفصل مجرى المتصل في الكلام كقولهم: «عبشمس»، فأجروه وإن كان منفصلا مجرى المتصل، فكذلك يحمل قوله: «اشتر لنا سويقا» على ذلك، لا على
[الحجة للقراء السبعة: 1/410]
مذهب الضرورة إذا أمكن توجيهه على غيرها). [الحجة للقراء السبعة: 1/411]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك ما حكاه الفراء عن بعض القراء فيما ذكر ابن مجاهد [يَخَطَّف] بنصب الياء والخاء والتشديد. قال ابن مجاهد: ولم يُرْوَ لنا عن أحد.
قال أبو الفتح: أصله يَخْتَطف، فآثر إدغام التاء في الطاء؛ لأنهما من مخرج واحد، ولأن التاء مهموسة والطاء مجهورة، والمجهور أقوى صوتًا من المهموس، ومتى كان الإدغام يُقوِّي الحرف المدغم حسن ذلك؛ وعلته أن الحرف إذا أدغم خفي فضعف، فإذا أدغم في حرف أقوى منه استحال لفظ المدغم إلى لفظ المدغم فيه فقوي لقوته، فكان في ذلك تدارك وتلاف لما جُني علي الحرف المدغم؛ فأَسكن التاءَ لإدغامها والخاءُ قبلها ساكنة، فنقلت الحركة إليها، وقلبت التاء طاء وأدغمت في الطاء؛ فصارت [يَخَطَّف].
ومنهم من إذا أسكن التاء ليدغمها كسر الخاء لالتقاء الساكنين، فاستغنى بحركتها عن نقل الحركة إليها، فيقول: يَخِطِّف.
ومنهم من يكسر حرف المضارعة إتباعًا لكسرة فاء الفعل ما بعده فيقول: يِخِطِّف، وأنا إِخِطِّف، وأنشدو لأبي النجم:
تدافُعَ الشِّيبِ ولم تِقِتِّل
أراد تقتتل، فأسكن التاء الأولى للإدغام، وحرك القاف لالتقاء الساكنين بالكسر فصار تَقتِّل، ثم أتبع أول الحرف ثانيه فصار تِقِتِّل.
وعلى هذا قالوا في ماضيه: خِطَّف، وأصلها اختطف، فأسكن التاء للإدغام فانكسرت الخاء لسكونها وسكون التاء، فحذف همزة الوصل لتحرك الخاء بعدها، وأُدغمت التاء في الطاء فصار [خِطَّف].
[المحتسب: 1/59]
ومنهم من يتبع الطاء كسرة الخاء فيقول: خِطِّف، وأنشدونا:
لا حِطِّب القومَ ولا القومَ سقى
أراد: احتطب على ما مضى.
وحكى أبو الحسن عنهم: فِتِّحوا الأبواب؛ أي: افتتحوا، على ما تقدم.
وكذلك الكلم في قوله: يَهَدِّي ويَهِدِّي ويِهِدِّي، وجاء المعذِّورن والْمُعِذِّرون والْمُعُذِّورن، ومُرَدِّفين ومُرِدِّفين ومُرُدِّفين، تُتْبِع الضم الضم، كما أتبعت الكسر الكسر. وأصله كله: المعتذرون ومرتدفون، وهو باب منقاد، وهذه طريقه.
ومن بعد فيسأل فيقال: ما مثال [يَخَطِّف]؟
قيل: إن أردت الأصل فيفتعِل؛ أي: يختطف، وإن أردت اللفظ ففيه الصنعة وعليه المسألة، فوزنه: يَفَطْعِل، وذلك أن التاء في يفتعل زائدة، فكما أنها لو ظهرت لكانت زائدة فكذلك إذا أَبدلت فالبدل منها زائد؛ لأن البدل من الزائد زائد، ألا ترى أن الطاء من "اصطبر" بدل من التاء في "اصتبر" الذي هو افتعل؟ فكما أن التاء زائدة فكذلك ما هو بدل منها -وهو
[المحتسب: 1/60]
الطاء- زائد، فوزن اصطبر على أصله: افتعل، وعلى لفظه: افطعل، فكذلك وزن [يَخَطِّف] من الفعل على لفظه: يَفَطْعِل، فإذا ثبت ذلك -وقد ثبت بحمد الله- فوزن خِطِّف: فِطْعِل، ووزن تِقِتِّل: تِفِعْتِل، ووزن مُرُدِّفين: مُفُدْعِلِين؛ لأن الدال فيه بدل من التاء الزائدة، فهي زائدة من هذا الوجه، كما كانت الطاء في خِطِّف زائدة من هذا الوجه.
وكذلك لو قائل: ما مثل "ازَّيَّنَتْ" على أصله؟
قلت: تفعَّلت؛ أي: تزينت، وعلى لفظه: ازْفَعَّلَت.
وكذلك قالوا: {اطَّيَّرْنَا} ووزنه: اطْفَعَّلْنا، وكذلك قول العجلي:
من عبس الصيف قرون الإِجَّل
يريد الإِيَّل، فإن اعتقدت أنه فِعْوَل أو فِعْيَل في الأصل فوزنه بعد البدل: فِعْجَل؛ لأن الجيم على هذا بدل من واو فِعْوَل أو ياء فِعْيَل، وهما زائدتان، فهي زائدة، فاعرف ذلك وقسه.
قال ابن مجاهد: وحكى الفراء أن بعض أهل المدينة يسكن الخاء والطاء ويشدد فيجمع بين ساكنين.
قال ابن مجاهد: ولا نعلم أن هذه القراءة رُويت عن أهل المدينة.
قال أبو الفتح: هذا الذي يجيزه الفراء من اجتماع ساكنين في نحو هذا لا يثبته أصحابنا؛
[المحتسب: 1/61]
وإنما هو اختلاس وإخفاء عليهم فيرون أنه إدغام، وإنما هو إخفاء للحركة وإضعاف للصوت، وهذا كما يُروى في قوله:
ومَسحِه مُرُّ عُقاب كاسِرِ
أن الحاء مدغمة في الهاء، ويا ليت شعري كيف يجوز لذي نظر أو من يُخْلِد ألى أدني تفكير أن يدَّعِي أن هنا إدغامًا، أو أن تجمع بين ساكنين، وقد قابل به جزء التفعيل، وإذا وقع التحاكم إلى بديهة الحس؛ فقد سقطت كلفة إتعاب النفس، ألا ترى أن وزن قوله: "ومسحهِي" مفاعلن، فالحاء مقابَل بها عين "علن"، والعين أول الوتد، وهي كما ترى وتعلم محركة، أفيقابَل في الوزن الساكن بالمتحريك؟ وإذا أفضى الأمر في السفور إلى هاهنا حَسَر شبهة اللبس والعناء، وقد قلنا في كتابنا الموسوم "بسر الصناعة" في هذا ما فيه كفاية وغناء.
قال ابن مجاهد: وقد رُوي عن مجاهد والحسن [يَخْطِف]، ولم يبلغنا أن أحدًا قرأ [خَطَف] بفتح الطاء، فيُقرأ هذا الحرف يَخْطِف، وأحسب أن هذا غلط ممن رواه.
قال أبو الفتح: قد قلنا في كتابنا الموسوم "بالمنصف" وهو شرح تصريف عثمان في نحو هذا من قوله:
وما كل مبتاع ولو سَلْفَ صَفْقُه ... يراجع ما قد فاته بِرِداد
فإذا تأملته أغنى عن إعادته إن شاء الله، وجملته: أن يكون استُغني بِخَطِف عن خَطَف في الماضي، وجاء المضارع عليه كما أن قوله: "سَلْف" يكون مُسَكَّنًا من "سَلِف" وإن لم يستعمل؛ استغناء بسلَف عنه، وقد شرحناه هناك فتركناه هنا). [المحتسب: 1/62]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (10- {عَلَى كُلِّ شَيْءٍ قَدِيرٌ} [آية/ 20]:-
كان حمزة يسكت على الياء من «شيء» سكتةً خفيفةً، ثم يتلفظ بالهمزة، وكذلك يفعل في كل همزة قبلها ساكن، سواء كانا من كلمةٍ واحدةٍ أو كلمتين، كان يسكت على الساكن قليلاً ثم يهمز نحو «الأرض» «الآخرة» {قَدْ أَفْلَحَ} {هَلْ أتى} {سُورَةٌ أَنْزَلْناهَا}.
وإنما أراد بهذه السكتة تحقيق الهمزة وتبيينها؛ لأنه إذا وقف عليها وقيفة صارت الهمزة بحيث لا يكون فيها إلا التحقيق؛ لأنها تصير كالمبتدإ بها، والهمزة إذا ابتدئ بها لا يجوز فيها إلا التحقيق؛ لأن تخفيف الهمزة تقريب لها من الساكن، وإذا لم يجز الابتداء بالساكن لم يجز الابتداء بما يقرب من الساكن.
وروى ش- عن نافع أنه كان يلقي حركة الهمزة على الساكن الذي
[الموضح: 261]
قبلها، ويسقط الهمزة نحو: ألرض، ألاخرة.
وكذلك إذا كان الساكن آخر كلمةٍ، والهمزة أول كلمةٍ أخرى نحو {قَدَ فْلَح} و{مَن لهُ} إلا أن يكون الساكن واوًا قبلها ضمةٌ أو ياءً قبلها كسرة نحو: {قَالوُا أَنْصِتُوا} و{في أَنْفُسِكُمْ}.
القياس في تخفيف الهمزة المتحركة إذا كان قبلها ساكن غير الألف أن تحول حركتها على الساكن قبلها فتسقط الهمزة نحو: {يُخْرِجُ الخَبَ}.
ولا يختلف الحكم بأن يكون ذلك من كلمةٍ واحدةٍ أو كلمتين نحو {قَدَ افْلَحَ}.
وإنما لم يجز ش- هذا الحكم عليها إذا كان الساكن الذي قبلها واوًا قبلها ضمة، أو ياء قبلها كسرة؛ لأنه لو نقل حركة الهمزة إليهما لاختل المد الذي فيهما، فأراد أن يسلم المد ولا يلحقه اختلال.
ومما يدل على قصده لذلك أنه نقل حركة الهمزة إلى الواو في قوله تعالى {خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ} لما لم يكن مد، وكذلك قوله {نَبَأَ ابْنَيْ آَدَمَ}.
وإذا فعل هذا النقل الذي ذكرنا، ثم ابتدأ بالكلمة التي فيها لام التعريف، ففيها مذهبان:-
أحدهما: أن يحذف ألف الوصل فيقول لحمر، لرض، لاخرة؛ لأن ألف الوصل إنما جيء بها ليتوصل بها إلى النطق بالساكن الذي هو لام المعرفة،
[الموضح: 262]
فإذا تحركت فأية حاجة إلى ألف الوصل؟.
والثاني: أن لا يحذف ألف الوصل، فيقال: ألحمر، ألرض، ألاخرة؛ لأن حركة لام المعرفة منقولة إليها عن الهمزة المحذوفة، والهمزة في حكم الثبات، فكذلك اللام في حكم السكون، فحركتها إذن غير لازمة، وما لا يلزم لا يعتد به). [الموضح: 263]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس