عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 13 محرم 1440هـ/23-09-2018م, 01:09 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {بَلْ قَالُوا أَضْغَاثُ أَحْلَامٍ بَلِ افْتَرَاهُ بَلْ هُوَ شَاعِرٌ فَلْيَأْتِنَا بِآَيَةٍ كَمَا أُرْسِلَ الْأَوَّلُونَ (5) مَا آَمَنَتْ قَبْلَهُمْ مِنْ قَرْيَةٍ أَهْلَكْنَاهَا أَفَهُمْ يُؤْمِنُونَ (6)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {بل قالوا أضغاث أحلامٍ بل افتراه} هذا إخبارٌ عن تعنّت الكفّار وإلحادهم، واختلافهم فيما يصفون به القرآن، وحيرتهم فيه، وضلالهم عنه. فتارةً يجعلونه سحرًا، وتارةً يجعلونه شعرًا، وتارةً يجعلونه أضغاث أحلامٍ، وتارةً يجعلونه مفترًى، كما قال: {انظر كيف ضربوا لك الأمثال فضلّوا فلا يستطيعون سبيلا} [الإسراء: 48، والفرقان: 9].
وقوله: {فليأتنا بآيةٍ كما أرسل الأوّلون}: يعنون ناقة صالحٍ، وآيات موسى وعيسى. وقد قال اللّه تعالى: {وما منعنا أن نرسل بالآيات إلا أن كذّب بها الأوّلون وآتينا ثمود النّاقة مبصرةً فظلموا بها} [الآية] [الإسراء: 59]؛ ولهذا قال تعالى: {ما آمنت قبلهم من قريةٍ أهلكناها أفهم يؤمنون} أي: ما آتينا قريةً من القرى الّذين بعث فيهم الرّسل آيةً على يدي نبيّها فآمنوا بها، بل كذّبوا، فأهلكناهم بذلك، أفهؤلاء يؤمنون بالآيات لو رأوها دون أولئك؟ كلّا بل {إنّ الّذين حقّت عليهم كلمة ربّك لا يؤمنون ولو جاءتهم كلّ آيةٍ حتّى يروا العذاب الأليم} [يونس: 96، 97].
هذا كلّه، وقد شاهدوا من الآيات الباهرات، والحجج القاطعات، والدّلائل البيّنات، على يدي رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ما هو أظهر وأجلى، وأبهر وأقطع وأقهر، ممّا شوهد مع غيره من الأنبياء، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين.
قال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: ذكر عن زيد بن الحباب، حدّثنا ابن لهيعة، حدّثنا الحارث بن زيدٍ الحضرميّ، عن عليّ بن رباحٍ اللّخميّ، حدّثني من شهد عبادة بن الصّامت، يقول: كنّا في المسجد ومعنا أبو بكرٍ الصّدّيق، رضي اللّه عنه، يقرئ بعضنا بعضًا القرآن، فجاء عبد اللّه بن أبي بن سلول، ومعه نمرقة وزربيّة، فوضع واتّكأ، وكان صبيحًا فصيحًا جدلًا فقال: يا أبا بكرٍ، قل لمحمّدٍ يأتينا بآيةٍ كما جاء الأوّلون؟ جاء موسى بالألواح، وجاء داود بالزّبور، وجاء صالحٌ بالنّاقة، وجاء عيسى بالإنجيل وبالمائدة. فبكى أبو بكرٍ، رضي اللّه عنه، فخرج رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقال أبو بكرٍ: قوموا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نستغيث به من هذا المنافق. فقال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّه لا يقام لي، إنّما يقام للّه عزّ وجلّ". فقلنا: يا رسول اللّه، إنّا لقينا من هذا المنافق. فقال:"إنّ جبريل قال لي: اخرج فأخبر بنعم اللّه الّتي أنعم بها عليك، وفضيلته الّتي فضّلت بها، فبشّرني أنّي بعثت إلى الأحمر والأسود، وأمرني أن أنذر الجنّ، وآتاني كتابه وأنا أمّيٌّ، وغفر ذنبي ما تقدّم وما تأخّر، وذكر اسمي في الأذان وأيّدني بالملائكة، وآتاني النّصر، وجعل الرّعب أمامي، وآتاني الكوثر، وجعل حوضي من أعظم الحياض يوم القيامة، ووعدني المقام المحمود والنّاس مهطعون مقنعو رءوسهم، وجعلني في أوّل زمرةٍ تخرج من النّاس، وأدخل في شفاعتي سبعين ألفًا من أمّتي الجنّة بغير حسابٍ وآتاني السّلطان والملك، وجعلني في أعلى غرفةٍ في الجنّة في جنّات النّعيم، فليس فوقي أحدٌ إلّا الملائكة الّذين يحملون العرش، وأحلّ لي الغنائم، ولم تحلّ لأحدٍ كان قبلنا". وهذا الحديث غريبٌ جدًّا). [تفسير ابن كثير: 5/ 332-333]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا أَرْسَلْنَا قَبْلَكَ إِلَّا رِجَالًا نُوحِي إِلَيْهِمْ فَاسْأَلُوا أَهْلَ الذِّكْرِ إِنْ كُنْتُمْ لَا تَعْلَمُونَ (7)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ( {وما أرسلنا قبلك إلّا رجالًا نوحي إليهم فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون (7) وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام وما كانوا خالدين (8) ثمّ صدقناهم الوعد فأنجيناهم ومن نشاء وأهلكنا المسرفين (9) }
يقول تعالى رادّا على من أنكر بعثة الرّسل من البشر: {وما أرسلنا قبلك إلا رجالا يوحى إليهم} أي: جميع الرّسل الّذين تقدّموا كانوا رجالًا من البشر، لم يكن فيهم أحدٌ من الملائكة، كما قال في الآية الأخرى: {وما أرسلنا من قبلك إلا رجالا يوحى إليهم من أهل القرى} [يوسف: 109]، وقال تعالى: {قل ما كنت بدعًا من الرّسل} [الأحقاف:9]، وقال تعالى حكايةً عمّن تقدّم من الأمم أنّهم أنكروا ذلك فقالوا: {أبشرٌ يهدوننا} [التّغابن:6]؛ ولهذا قال تعالى: {فاسألوا أهل الذّكر إن كنتم لا تعلمون} أي: اسألوا أهل العلم من الأمم كاليهود والنّصارى وسائر الطّوائف: هل كان الرّسل الّذين أتوهم بشرًا أو ملائكةً؟ إنّما كانوا بشرًا، وذلك من تمام نعم اللّه على خلقه؛ إذ بعث فيهم رسلًا منهم يتمكّنون من تناول البلاغ منهم والأخذ عنهم). [تفسير ابن كثير: 5/ 333-334]

تفسير قوله تعالى: {وَمَا جَعَلْنَاهُمْ جَسَدًا لَا يَأْكُلُونَ الطَّعَامَ وَمَا كَانُوا خَالِدِينَ (8)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وما جعلناهم جسدًا لا يأكلون الطّعام} أي: بل قد كانوا أجسادًا يأكلون الطّعام، كما قال تعالى: {وما أرسلنا قبلك من المرسلين إلا إنّهم ليأكلون الطّعام ويمشون في الأسواق} [الفرقان:20] أي: قد كانوا بشرًا من البشر، يأكلون ويشربون مثل النّاس، ويدخلون الأسواق للتّكسّب والتّجارة، وليس ذلك بضارٍّ لهم ولا ناقصٍ منهم شيئًا، كما توهّمه المشركون في قولهم: {مال هذا الرّسول يأكل الطّعام ويمشي في الأسواق لولا أنزل إليه ملكٌ فيكون معه نذيرًا أو يلقى إليه كنز أو تكون له جنّةٌ يأكل منها وقال الظّالمون إن تتّبعون إلا رجلا مسحورًا} [الفرقان: 7، 8].
وقوله: {وما كانوا خالدين} أي: في الدّنيا، بل كانوا يعيشون ثمّ يموتون، {وما جعلنا لبشرٍ من قبلك الخلد} [الأنبياء:34]، وخاصّتهم أنّهم يوحى إليهم من اللّه عزّ وجلّ، تنزّل عليهم الملائكة عن اللّه بما يحكم في خلقه ممّا يأمر به وينهى عنه). [تفسير ابن كثير: 5/ 334]

تفسير قوله تعالى: {ثُمَّ صَدَقْنَاهُمُ الْوَعْدَ فَأَنْجَيْنَاهُمْ وَمَنْ نَشَاءُ وَأَهْلَكْنَا الْمُسْرِفِينَ (9)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {ثمّ صدقناهم الوعد} أي: الّذي وعدهم ربّهم: "ليهلكنّ الظّالمين"، صدقهم اللّه وعده ففعل ذلك؛ ولهذا قال: {فأنجيناهم ومن نشاء} أي: أتباعهم من المؤمنين، {وأهلكنا المسرفين} أي: المكذّبين بما جاءت الرّسل به). [تفسير ابن كثير: 5/ 334]

تفسير قوله تعالى: {لَقَدْ أَنْزَلْنَا إِلَيْكُمْ كِتَابًا فِيهِ ذِكْرُكُمْ أَفَلَا تَعْقِلُونَ (10)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم أفلا تعقلون (10) وكم قصمنا من قريةٍ كانت ظالمةً وأنشأنا بعدها قومًا آخرين (11) فلمّا أحسّوا بأسنا إذا هم منها يركضون (12) لا تركضوا وارجعوا إلى ما أترفتم فيه ومساكنكم لعلّكم تسألون (13) قالوا يا ويلنا إنّا كنّا ظالمين (14) فما زالت تلك دعواهم حتّى جعلناهم حصيدًا خامدين (15)}
يقول تعالى منبّهًا على شرف القرآن، ومحرّضًا لهم على معرفة قدره: {لقد أنزلنا إليكم كتابًا فيه ذكركم} قال ابن عبّاسٍ: شرفكم.
وقال مجاهدٌ: حديثكم. وقال الحسن: دينكم.
{وإنّه لذكرٌ لك ولقومك وسوف تسألون} [الزّخرف: 44]).[تفسير ابن كثير: 5/ 334-335]

رد مع اقتباس