عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 13 ذو القعدة 1435هـ/7-09-2014م, 02:58 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {فَأَمَّا الَّذِينَ شَقُوا فَفِي النَّارِ لَهُمْ فِيهَا زَفِيرٌ وَشَهِيقٌ (106)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن تعالى حال الأشقياء وحال السّعداء، فقال:
{فأمّا الّذين شقوا ففي النّار لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ (106) خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد (107)}
يقول تعالى: {لهم فيها زفيرٌ وشهيقٌ} قال ابن عبّاسٍ: الزّفير في الحلق، والشّهيق في الصّدر أي: تنفّسهم زفيرٌ، وأخذهم النّفس شهيقٌ، لما هم فيه من العذاب، عياذًا باللّه من ذلك). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 351]

تفسير قوله تعالى: {خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ إِنَّ رَبَّكَ فَعَّالٌ لِمَا يُرِيدُ (107)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض} قال الإمام أبو جعفر بن جريرٍ: من عادة العرب إذا أرادت أن تصف الشّيء بالدّوام أبدًا قالت: "هذا دائمٌ دوام السّموات والأرض"، وكذلك يقولون: هو باقٍ ما اختلف الليل والنّهار، وما سمّر ابنًا سمير، وما لألأت العفر بأذنابها. يعنون بذلك كلمة: "أبدًا"، فخاطبهم جلّ ثناؤه بما يتعارفونه بينهم، فقال: {خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض}.
قلت: ويحتمل أنّ المراد بما دامت السّموات والأرض: الجنس؛ لأنّه لا بدّ في عالم الآخرة من سمواتٍ وأرضٍ، كما قال تعالى: {يوم تبدّل الأرض غير الأرض والسّماوات} [إبراهيم:48]؛ ولهذا قال الحسن البصريّ في قوله: {ما دامت السّماوات والأرض} قال: تبدّل سماءٌ غير هذه السّماء، وأرضٌ غير هذه الأرض، فما دامت تلك السّماء وتلك الأرض.
وقال ابن أبي حاتمٍ: ذكر عن سفيان بن حسينٍ، عن الحكم، عن مجاهدٍ، عن ابن عبّاسٍ قوله: {ما دامت السّماوات والأرض} قال: لكلّ جنّة سماءٌ وأرضٌ.
وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: ما دامت الأرض أرضًا، والسّماء سماءً.
وقوله: {إلا ما شاء ربّك إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} كقوله تعالى: {النّار مثواكم خالدين فيها إلا ما شاء اللّه إنّ ربّك حكيمٌ عليمٌ} [الأنعام: 128].
وقد اختلف المفسّرون في المراد من هذا الاستثناء، على أقوالٍ كثيرةٍ، حكاها الشّيخ أبو الفرج بن الجوزيّ في كتابه "زاد المسير" وغيره من علماء التّفسير، ونقل كثيرًا منها الإمام أبو جعفر بن جريرٍ، رحمه اللّه، في كتابه واختار هو ما نقله عن خالد بن معدان، والضّحّاك، وقتادة، وأبي سنان، ورواه ابن أبي حاتمٍ عن ابن عبّاسٍ والحسن أيضًا: أنّ الاستثناء عائدٌ على العصاة من أهل التّوحيد، ممّن يخرجهم اللّه من النّار بشفاعة الشافعين، من الملائكة والنبيين والمؤمنين، حين يشفعون في أصحاب الكبائر، ثمّ تأتي رحمة أرحم الرّاحمين، فتخرج من النّار من لم يعمل خيرًا قطّ، وقال يومًا من الدّهر: لا إله إلّا اللّه. كما وردت بذلك الأخبار الصّحيحة المستفيضة عن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم بمضمون ذلك من حديث أنسٍ، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، وأبي هريرة، وغيرهم من الصّحابة، ولا يبقى بعد ذلك في النّار إلّا من وجب عليه الخلود فيها ولا محيد له عنها. وهذا الّذي عليه كثيرٌ من العلماء قديمًا وحديثًا في تفسير هذه الآية الكريمة. وقد روي في تفسيرها عن أمير المؤمنين عمر بن الخطّاب، وابن عبّاسٍ، وابن مسعودٍ، وأبي هريرة، وعبد اللّه بن عمرٍو، وجابرٍ، وأبي سعيدٍ، من الصّحابة. وعن أبي مجلز، والشّعبيّ، وغيرهما من التّابعين. وعن عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم، وإسحاق بن راهويه وغيرهما من الأئمّة -أقوالٌ غريبةٌ. وورد حديثٌ غريبٌ في معجم الطّبرانيّ الكبير، عن أبي أمامة صدىّ بن عجلان الباهليّ، ولكنّ سنده ضعيفٌ، واللّه أعلم.
وقال قتادة: اللّه أعلم بثنياه.
وقال السّدّيّ: هي منسوخةٌ بقوله: {خالدين فيها أبدًا} [النّساء:57] ). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 351-352]

تفسير قوله تعالى: {وَأَمَّا الَّذِينَ سُعِدُوا فَفِي الْجَنَّةِ خَالِدِينَ فِيهَا مَا دَامَتِ السَّمَوَاتُ وَالْأَرْضُ إِلَّا مَا شَاءَ رَبُّكَ عَطَاءً غَيْرَ مَجْذُوذٍ (108)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأمّا الّذين سعدوا ففي الجنّة خالدين فيها ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك عطاءً غير مجذوذٍ (108)}
يقول تعالى: {وأمّا الّذين سعدوا} وهم أتباع الرّسل، {ففي الجنّة} أي: فمأواهم الجنّة، {خالدين فيها} أي: ماكثين مقيمين فيها أبدًا، {ما دامت السّماوات والأرض إلا ما شاء ربّك} معنى الاستثناء هاهنا: أن دوامهم فيما هم فيه من النّعيم، ليس أمرًا واجبًا بذاته، بل هو موكولٌ إلى مشيئة اللّه تعالى، فله المنّة عليهم [دائمًا]، ولهذا يلهمون التّسبيح والتّحميد كما يلهمون النّفس.
وقال الضّحّاك، والحسن البصريّ: هي في حقّ عصاة الموحّدين الّذين كانوا في النّار، ثمّ أخرجوا منها. وعقّب ذلك بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ} أي: غير مقطوعٍ -قاله ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ، وأبو العالية وغير واحدٍ، لئلّا يتوهّم متوهّمٌ بعد ذكره المشيئة أنّ ثمّ انقطاعًا، أو لبسًا، أو شيئًا بل ختم له بالدّوام وعدم الانقطاع. كما بيّن هنا أنّ عذاب أهل النّار في النّار دائمًا مردودٌ إلى مشيئته، وأنّه بعدله وحكمته عذّبهم؛ ولهذا قال: {إنّ ربّك فعّالٌ لما يريد} [هودٍ:107] كما قال {لا يسأل عمّا يفعل وهم يسألون} [الأنبياء:23]، وهنا طيّب القلوب وثبّت المقصود بقوله: {عطاءً غير مجذوذٍ}.
يا أهل الجنّة، خلود فلا موت، ويا أهل النّار، خلودٌ فلا موت.
وفي الصّحيحين أيضًا: "فيقال يا أهل الجنّة، إن لكم أن تعيشوا فلا تموتوا أبدًا، وإنّ لكم أن تشبوا فلا تهرموا أبدا، وإن لكم أن تصحّوا فلا تسقموا أبدًا، وإنّ لكم أن تنعموا فلا تبأسوا أبدا"). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 352-353]


رد مع اقتباس