عرض مشاركة واحدة
  #36  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:52 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب أحكام الراءات وعللها
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب أحكام الراءات وعللها
1- اعلم أن الراءات أصلها التغليظ والتفخيم ما لم تنكسر الراء، فإن انكسرت غلبت الكسرة عليها، فخرجت عن التفخيم إلى الترقيق وذلك نحو: «مررت بساتر وغافر» وشبهه، والدليل على أن أصلها التغليظ أن كل راء غير مكسورة فتغليظها جائز، وليس كل راء يجوز فيها الترقيق، ألا ترى أنك لو قلت: «رغدا، ورقد»، ونحوه بالترقيق لغيرت لفظ الراء إلى نحو الإمالة، وهذا لا يُمال، ولا علة فيه توجب الإمالة فيه.
2- واعلم أن الترقيق في الراء إمالة نحو الكسر، لكنها إمالة ضعيفة لانفرادها في حرف واحد، لأن الإمالة القوية ما كانت في حرفين، وأقوى منهما ما كان في ثلاثة أحرف أو أربعة. وقد مضى بيان ذلك وعلته.
3- واعلم أن الراء، التي يجوز تغليظها وترقيقها، تكون ساكنة ومفتوحة ومضمومة، فأما الراء الساكنة فحرف ضعيف لسكونه، فهو يدبره ما قبله مرة وما بعده مرة لضعفه في نفسه، فإذا كان قبله كسرة لازمة، غير عارضة، رققت الراء لقربها من الكسرة التي قبلها، وإذا كان بعدها ياء رققت، لقربها من الياء التي بعدها، وذلك في الكسر نحو: «من فرعون، وأنذرهم» وفي الياء نحو: «مريم، وقرية» فإن انكسر ما قبلها وأتت الياء بعدها فذلك أقوى في ترقيقها، نحو: «مرية» فهذا حكمها ما لم يأت بعدها حرف من حروف
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/209]
الاستعلاء، فإن أتى بعدها حرف من ذلك غلب على الراء التغليظ للحرف المستعلي، الذي بعدها، نحو «فرقة، وإرصادًا» وشبهه إلا أن تكون حركة الحرف كسرًا فتضعف عن تغليظ الياء، فترقق للكسرة التي قبلها وبعدها، وذلك نحو قوله: {كل فرق} «الشعراء 63»، فأما قوله تعالى: {بين المرء وقلبه} «الأنفال 24» و{بين المرء وزوجه} «البقرة 102» فالأشهر عن ورش الترقيق لقوة الهمزة وكسرتها، فصارت الكسرة كالياء في «مريم» ويلزم من رقق أن يرقق في «كرسيه» والرواية التغليظ فيه؛ لأن كسرة الهمزة أقوى من كسرة السين، وهذا الذي ذكرنا في الساكنة إجماع من القراء عليه، إلا «المر» في الموضعين، فكلهم غلظه إلا ورشًا، وعن ورش التغليظ مثلهم فيه، فأما الراء المفتوحة والمضمومة فكل القراء على تغليظها، إلا ما يمال، فهو على ما تقدم من الأصول، غير أن ورشًا قرأ على أصول في المفتوحة والمضمومة أنا أذكرها.
4- فمن ذلك أن يكون ما قبلها ياء ساكنة، أو كسرة لازمة، غير عارضة، أو يكون قبلها ساكن غير الياء، قبله كسرة، وليس بعد الراء حرف استعلاء، فورش وحده يرقق الراء إذا كانت على هذه الشروط، نحو: «خبير، وقدير، ويصرون، وذكر الله، وذكر من معي، وميراث، والخيرات، وإكراه» ونحوه، فإن انفتح ما قبلها أو انضم، أو أتى بعدهما حرف استعلاء
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/210]
غلظ ورش الراء كجماعة القراء، نحو: «سراط، وفراق، وفراغ، واليسر، وضرب الله، وحصرت صدورهم» وشبهه، لا يعتد بالساكن حائلًا قبل حرف الاستعلاء فإن وقف على {حصرت} رقق الراء لزوال حرف الاستعلاء الذي أوجب التغليظ في الراء، ولزوم الكسرة قبل الراء.
فإن وقع قبل الراء كسرة عارضة أو على حرف زائد لم يعتد بها، نحو: «لربهم، وبرازقين» كأن الحرف لم يذكر، وكأنه ابتدأ براء، لا شيء قبلها يوجب ترقيقها، وكذلك إن كانت الكسرة عارضة على حرف، ليس من الكلمة، نحو قراءته: «بعاد إرم» الراء مغلظة، لأن الكسرة التي على التنوين عارضة، إنما هي كسرة الهمزة ألقيت على التنوين، فإن ابتدأ بـ «إرم» غلظ الراء، لأن الكسرة عنده عارضة، إنما تثبت في الابتداء لا غير، وكذلك الراء الساكنة، إذا كانت الكسرة التي قبلها عارضة، أو من كلمة أخرى، لم تعمل في الراء، وكانت الراء مغلظة نحو: {يا بني اركب} الراء مغلظة؛ لأن الكسرة التي قبلها في كلمة أخرى، فإن ابتدأت بـ «اركب» غلظت الراء أيضًا، لأن الابتداء عارض، وألف الوصل غير لازمة، فضعت كسرتها، فلم تعمل في الراء، فبقيت مغلظة على أصلها، وقد خرجت عن هذه الأصول أشياء، نقلت بالوجهين بالترقيق والتغليظ، وأشياء مغلظة، وقبلها ما يوجب ترقيقها، لكنها أتت بالتغليظ على الأصل.
5- من ذلك «عشرون، وكبر، وعمران، وإبراهيم، وإسرائيل، ووزرك، ووزر أخرى، وذكرك، وفنظرة، وإصرهم، وحذركم، ولعبرة، وعبرة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/211]
وكبره، ومصر» وعلل ذلك أن أكثر هذه الكسرات على حروف الحلق، وما قرب منها، وحروف الحلق بعيدة من الراء، فكأن الكسرة بعدت من الراء، على قدر بعد الحرف، الذي الكسرة عليه، من الراء في المخرج والصفة، فبعد عملها في الراء وقوي التغليظ فيها، ألا ترى أن «عشرون» لما كانت الكسرة بعيدة من الراء، لكونها على حرف حلق، وطالت الكلمة، وقويت الشين في الإحالة بين الراء والكسرة بالتفشي الذي فيها، لم يُعتد بالكسرة، فلغظ الراء، لأنه الأصل، ولأن المضمومة لا تحسن الإمالة فيها ألبتة، فضعفت كونها مرققة فغلظت.
وأن «كبرا» لما كانت الكسرة على حرف قريب من القاف، والقاف قريبة من حروف الحلق، وبعيدة عن الراء، بعدت الكسرة من الراء لذلك، وحال بينهما حرف قوي، وهو الباء، فكأن الفتح هو الأصل، ولم يعتد بالكسرة، وغلظ الراء.
وأن «عمران» لما كانت الكسرة على العين [وهي] من حروف الحلق، وحال بينها وبين الراء الميم، وفيها غنة، قوي الحائل، وبعد من بين الراء والكسرة لقوة الحائل، وبعده من الراء، ولبعد الحرف الذي عليه الكسرة من مخرج الراء، فكأن الكسرة بعدت من الراء لبعد الحرف منها، وزاده قوة لكون الألف بعد الراء، والألف من الفتحة، ففوت الألف فتحة الراء، وضعف الترقيق، فغلظت.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/212]
وإن «إبراهيم، وإسرائيل» لما كانت الكسرة على همزة، وهي من حروف الحلق بعدت الكسرة من الراء، لكونها على حرف بعيد من المخرج من الراء، فبعدت الراء، وقوي الحائل، وطال الاسم، وقوي الراء في الفتح الألف التي بعدها في الاسمين، فضعف الترقيق، فغلظتا.
وإن «وزرك، ووزر أخرى» لما كان الحائل حرفًا قويًا من حروف الصفير قوي في الإحالة بين الكسرة والراء، فضعف الترقيق، فغلظت الراء لأنه أصلها.
وإن «فنظرة» لما حال بين الكسرة والراء حرف من حروف الإطباق والاستعلاء قوي ذلك في الإحالة والحجز بين الكسرة والراء، فضعف الترقيق، فغلظت الراء؛ لأنه أصلها، وكذلك العلة في «إصرهم، ومصر» وإن «حذركم، ولعبرة، وكبرة» لما كانت الكسرة على حرف من حروف الحلق، والكاف تقرب من الحلق بعدت الكسرة من الراء كبعد مخرج حروف الحلق منها وأيضًا فقد حال بين الراء والكسرة حرف قوي، وهو الياء والذال، فضعف الترقيق، وقوي التغليظ؛ لأنه الأصل، والأصل أبدًا أقوى من الفرع، وعلى ذلك يُعلل ما روي عن ورش من تغليظ «إجرامي، وحيران، وعشيرتكم» في براءة، و«صهرا» في الفرقان، وبالوجهين قرأت في هذه الأربعة مواضع.
6- وعلة التغليظ ما ذكرنا من أنه الأصل، ولعبد الكسرة عن الراء في «إجرامي» لكونها على حرف من حروف الحلق، فبعدت الكسرة لبعد حرف الحلق عن الراء، ولكون الساكن من حروف الحلق، وكون الكسرة على حرف بعيد من الراء، وهو الصاد من «صهرا»، فأما «حيران، وعشيرتكم» فالترقيق والتغليظ فيهما متساوٍ في العلة، لأن الياء قريبة من الراء، ولم يحل بين الراء والياء حائل، فكلا الوجهين قوي في النظر والقياس، والتغليظ هو الأصل، وبالوجهين قرأت فيهما.
فأما ما ذكرنا من الراء المفتوحة المنونة في «فعيل» فالأشهر عن ورش فيها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/213]
الترقيق في الوصل والوقف، لأن الياء لازمة قبل الراء في الوجهين جميعًا، وليس للتنوين في التغيظ عمل، وقد روي التفخيم فيها في «الرجال» خاصة، وهو مذهب أبي الطيب، ولا حجة له في ذلك غير الرواية، فإن كان فخم في الوصل لأجل التنوين، ورقق في الوقف لذهاب التنوين، فيلزمه تفخيم «قمطريرا، وخضرا» ونحوه في الوصل لأنه منون، وهو لا يفعل ذلك، فليس فيه غير الرواية، والترقيق هو الصواب لورش، والتفخيم هو الأصل، وعليه كل القراء، وهو الاختيار في الراءات كلها لأنه الأصل، ولإجماع القراء، ولأنه أفخم من التلاوة، إلا ما كان يُمال، فله أصله وروايته على ما قدمنا ن الراء همزة ممالة، فيمال ما بعدها نحو: «رأى، ورآك» وشبهه وقد قدمنا علة ذلك والاختلاف فيه.
7- ومما خرج عن الأصول الراء المفتوحة، يكون قبلها ساكن غير ياء في حال النصب، وهو منونة، وذلك نحو: «ذكرا، وسترا، ومصرا» الرواية فيه عن ورش بالتغليظ كجماعة القراء، وعلته في ذلك ما تقدم ذكره من كون الحائل من قرب الحلق، وكونه من حروف الصفير، وكونه من حروف الإطباق والصفير،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/214]
فقوي الحائل لذلك، فغلظت الراء، ولم تعمل الكسرة في الراء لضعفها وبعدها، وقوة الحائل.
8- ومما خرج عن هذه الأصول ما تكررت فيه الراء، والثانية مفتوحة أو مضمومة، وقبل الراء الأولى كسرة، أو ساكن قبله كسرة، فغلظه ورش كسائر القراء، وذلك نحو: «مدرارا، وفرارا، والقرار» وعلة ذلك أن الراء الثانية، لما كانت مفتوحة وهي حرف تكرير، كانت الفتحة عليها مقام مفتحتين، فقويت الفتحة في الراء الأولى لقوتها أيضًا في التكرير، وزادها قوة قوة الفتحة في الراء الثانية، والألف التي بينهما من الفتحة، فكأنه اجتمع خمس فتحات، والتغليظ مع الفتح يكون، فقوي التغليظ لذلك، وضعفت الكسرات التي قبل الراء لتكرير الفتحات بعدها، فكان التغليظ في الراء أقوى وأولى لذلك، وإذ هو الأصل وعليه كل القراء، فأما قوله تعالى: {بشرر} فإن ورشًا تفرد فيه بترقيق الراء الأولى، وعلى ذلك أن الراء الأولى، لما أتى بعدها راء مكسورة وهي حرف تكرير، والكسرة عليها مقام كسرتين ولم يحل بينهما حائل، قويت الكسرة فعملت في الراء الأولى، فقربت فتحة الأولى إلى الترقيق، الذي هو بين اللفظين، ليقرب من كسرة الراء الثانية، فيعمل اللسان عملًا، يقرب بعضه من بعض. فأما الراء الثانية فلا اختلاف في ترقيقها، لأنها مكسورة، ولأنها إذا كان يرقق من أجلها ما قبلها فهي أولى بالترقيق، وأحرى أن لا تكون غير مرققة، وترقيقها إجماع من القراء، وعلة ذلك أن التفخيم ضرب من إشباع الفتح، فلو فخمت المكسورة لأدخلت فيها طرفًا من الفتح، وهذا لا يتمكن، ولا يقدر عليه، ولا هو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/215]
من كلام العرب، لا يكون فتح في كسر في شيء من الكلام، وقد كنا ألفنا كتابًا مفردًا في الراءات وعللها، فلذلك اقتصرنا في هذا الكتاب، على ما ذكرنا، ففيه كفاية من ذلك عن غيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/216]


رد مع اقتباس