عرض مشاركة واحدة
  #28  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 03:44 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب أقسام العلل
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب أقسام العلل
1- اعلم أن العلل التي توجب الإمالة ثلاث: وهي الكسرة وما أميل ليدل على أصله، والإمالة للإمالة، فنبدأ بذكر ما أميل لكسرة، ثم نتبعه ما أميل ليدل بالإمالة على أصله ثم نتبعه ما أميل لإمالة بعده، وهذا أقلها تصرفًا.
الأول: ما أميل لكسرة، فمن ذلك الكسرة تقع بعد الألف على راء، والكسرة إعراب نحو: «النار، والنهار» وشبهه، فما بعد الألف راء مكسورة أماله أبو عمرو وأبو عمر الدوري إلا أن أبا عمرو استثنى «الجار» في الموضعين في النساء، ففتحهما، وأمالهما أبو عمر الدوري وحده كذلك... وقرأه ورش بين اللفظين، وفتحه الباقون، وعلة من أماله أنه لما وقعت الكسرة بعد الألف قرب الألف نحو الياء، لتقرب من لفظ الكسر، لأن الياء من الكسر، ولم
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/170]
يمكن ذلك حتى قربت الفتحة التي قبل الألف نحو الكسر، فحسن ذلك ليعمل اللسان عملًا واحدًا مستفلًا، فذلك أخف من أن يعمل متصعدًا بالفتحة والألف، ثم يهبط مستفلًا بكسرة الراء، وهو مع الراء أحسن؛ لأن الكسرة عليها قوية، كأنها كسرتان، فقويت الإمالة لذلك مع الراء لأنها حرف تكرير، الحركة عليها مقام حركتين، وعلة من قرأه بين اللفظين أنه توسط الأمر، فلم يمل؛ لئلا يخرج الحرف عن أصله، ولم يفتح لقوة الكسرة في الراء، فقرأ ذلك بين اللفظين، أي بين الفتح والإمالة، وعلة من فتح أنه أتى به على الأصل، ولم يستثقل التسفل بعد التصعد، وإنما الذي يثقل في اللفظ هو مثل التصعد بعد التسفل نحو إمالة «زاغ».
2- ومن هذا الفصل ما تفرد بإمالته أبو عمرو الدوري عن الكسائي، وليست الكسرة فيه إعرابًا على الراء، بل هي بناء وذلك قوله: {من أنصاري} في «آل عمران 52» وفي «الصف 14» و{جبارين} في الموضعين «المائدة 22، الشعراء 130» ومما لا راء فيه: {آذانهم} «البقرة 19»، و{آذاننا} «فصلت 5» و{طغيانهم} «البقرة 15»، ومما فيه أيضًا راء: {سارعوا} آل «عمران 133» و{نسارع} «المؤمنون 56»، و{يسارعون} «آل عمران 114»، و{بارئكم} «البقرة 54»، و{البارئ} «الحشر 24»، {الجوار} في ثلاثة مواضع، أمال ذلك كله لوقوع الكسرة على الراء بعد الألف زائدة، وأجرى كسرة البناء مجرى كسرة الإعراب، والإمالة مع كسرة البناء أقوى، لأنها كسرة لازمة لا تتغير، وكسرة الإعراب لا تلزم، إلا في حالة الخفض، فهي أضعف. وأمال «آذانهم وآذاننا، وطغيانهم» للكسرة أيضًا. فهو، في هذا كله، يميل
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/171]
الألف نحو الياء للكسرة التي بعدها، ويميل الفتحة التي قبلها نحو الكسرة، ليعمل اللسان عملًا واحدًا، على نحو ما ذكرنا أولًا.
3- ومما أميل للكسرة أيضًا ما تفرد به هشام، من إمالته الخمسة المواضع: وذلك «مشارب، وآنية، وعابد، وعابدون» في {قل يا أيها الكافرون} خاصة في ثلاثة مواضع فيها، أمال الألف للكسرة التي بعد ذلك، وقوي ذلك لأن الكسرة بناء لازمة لا تتغير.
4- ومن ذلك ما تفرد به ابن ذكوان من إمالة «المحراب» إذا كان مخفوضًا، وذلك في آل عمران ومريم، أمالهما للكسرة التي بعد الألف، وهو ضعيف من وجهين: أحدهما أن الراء إذا انفتحت قبل الألف تمنع الإمالة، والثاني أن الكسرة إعراب غير لازمة، لكن تتقوى إمالة «المحراب» قليلًا للكسرة التي على الميم، وللكسرة على الباء، وكلاهما يوجب الإمالة، فلما اجتمعا قويت الإمالة بعض القوة.
5- ومن ذلك ما تكررت فيه الراء، نحو: «الأشرار، والأبرار» إذا كان محفوضًا، قرأه الكسائي وأبو عمرو بالإمالة، للكسرة التي بعد الألف، وقوي ذلك لأن الكسرة على الراء أقوى منها على غيرها، للتكرير الذي في الراء، وانفتاح الراء قبل الألف يضعف الإمالة فيه، لكن لما أوجبت إمالة الألف أن يُنحى بفتحة الراء إلى الكسر، حسن قليلًا الإمالة فيه، وقرأ ورش
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/172]
وحمزة بين اللفظين، وفتح الباقون على الأصل، والعلة فيه ما ذكرنا من إمالة «النار والقرآن».
6- ومن ذلك «الكافرين» إذا كان بالياء، أماله أبو عمرو الدوري والكسائي وقرأه ورش بين اللفظين، وعلة إمالة للكسر الذي وقع بعد الألف، وحسن ذلك لإتيان الراء بعد الفاء المكسورة مكسورة، وبعدها ياء، والياء من الكسرة، فتوالت الكسرات، فحسنت إمالته وقويت، وكذلك علة قراءته بين اللفظين على التوسط والفتح، وهو الأصل.
7- ومن ذلك إمالة حمزة والكسائي {أو كلاهما} أمالاه للكسرة التي على الكاف، ولم يعتد باللام؛ لأن الحرف الواحد، لا يمنع، ولا يحجز، وقد أمالت العرب الألف للكسرة التي قبلها، وقد حال بينهما حرفان نحو قولهم: «لن تضربها، وتريد أن تنزعها» فأمالوا الكسرة ولم يعتدوا بالهاء لخفائها ولا بالباء ولا بالعين، لأنه حرف واحد، فكأنهم قالوا: لن تضربا وتريد أن تنزعا، فالهاء لغو وحرف لا يحجز.
8- ومن ذلك ما تفرد بإمالته حمزة من قوله تعالى: {أنا آتيك به} «النمل 39» أمال الألف، على أنها ألف فاعل، وأمال الهمزة لكسرة التاء في الموضعين في النمل ليعمل اللسان عملًا واحدًا في المستفل، وقد روي
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/173]
عن خلاد الفتح فيه، ومثله إمالة خلف العين من «ضعافا» في النساء لكسرة الضاد، وعن خلاد الفتح، والإمالة، ومثله ما روي عن أبي عمرو من إمالة «الناس» إذا كان مخفوضًا، لكن بالفتح قرأت له فيه، والإمالة فيه مشهورة مستعملة.
9- ومن هذا الفصل ما تفرد بإمالته حمزة في عينات الأفعال وذلك نحو: «زاد، وجاء، وشاء، وخاب، وطاب، وضاق، وضاقت، وحاق، وخافت، وخاف» حيث وقع ذلك، ونحو: «زاغ، وزاغوا» وهذين الموضعين من «زاغ» خاصة، أمال حمزة الألف من ذلك كله نحو الياء، والفتحة التي قبلها نحو الكسرة في جميعها، ووافقه ابن ذكوان في «جاء، وشاء» حيث وقعا، وعلى إمالة «زاد» في أول سورة البقرة خاصة.
10- وعلة الإمالة في ذلك أنه أمال، ليدل على أن الحرف منها ينكسر، عند الإخبار في قولك: «جئت، وشئت، وخفت، وزغت، وطبت، وضقت، وخبت، وخفت» فدل بالإمالة على أن الأول مكسور منها عند الإخبار، فعملت الكسرة المقدرة، فأميلت الألف لها.
11- قال أبو محمد: وهذه الأفعال يفضل بعضها بعضًا في قوة الإمالة فيها، فأقواها في الإمالة «جاء، وشاء» وذلك أن فيها أربع علل تقوى الإمالة
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/174]
بها: احداها أن الأول ينكسر عند الإخبار، في قولك: «جئت، وشئت» والثانية أن الألف، التي هي عين الفعل الممالة، أصلها الياء فيهما، والثالثة أن الهمزة في آخرها تشبه الألف، لأنها أختها في قرب المخرج، وفي أنها تبدل من الهمزة كثيرًا، فصار كأن في آخرها ألفًا، فقويت الإمالة لذلك، والرابعة أن العين في المستقبل كما أميل «خاف» لكسر الخاء في الإخبار، فهي إمالة لشيء مقدر في الكلام فيهما، وفي إمالة «شاء» مزية في القوة على إمالة «جاء» لأن مستقبل «شاء» جاء على مثال مستقبل «فعل» بكسر العين؛ لأنه جاء على «يفعل» بفتح العين لأجل الهمزة، وأصل عينه الكسرة، كما كان في «يجيء» فكأن العين من «شاء» يشبه العين من «خاف» التي أصل عينها الكسر، فقويت الإمالة في «شاء» لاجتماع خمس علل، فيها تقوى الإمالة، ولذلك خصهما ابن ذكوان بالإمالة دون غيرهما، فأما إمالته «زاد» في أول سورة البقرة دون غيرها فللجمع بين اللغتين، مع نقله ذلك عن أئمته، ثم يلي إمالة «شاء، وجاء» في القوة باقي الأفعال المذكورة إلا «خاف» فهي دون أخواتها في قوة الإمالة، لما نذكره لك، وذلك أن «طاب، وخاب، وضاق، وزاغ، وحاق، وزاد» أميلت لعلل ثلاث: أحدها أن أوائلها تنكسر عند الإخبار عن المتكلم في قولك، «زدت، وخبت، وطبت، وضقت، وزغت» والثانية أن عيناتها كلها أصلها الياء، والثالثة أن العين في المستقبل في جميعها مكسورة، فقويت الإمالة فيها؛ لاجتماع هذه العلل الثلاث، ثم دون ذلك في قوة الإمالة «خاف» لأنها أميلت لعلتين: احداهما أن الأول منهما ينكسر في الإخبار في قولك: خفت، والثانية أن عين الفعل منها أصله الكسر، فأميلت لعلتين فقط، فافهم هذه الرتب،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/175]
وابن عليها، وقد يأتي من الإمالة ما تتبع فيه الرواية، ولا تقوى فيه علة، فقد أمال حمزة «ضاقت» في الموضعين كما أمال «ضاق»، وفتح «زاغت» في الموضعين، ولم يمل كما أمال «زاغ» فهذا للجمع بين اللغتين ولاتباع الرواية.
14- فإن قيل: فلم ترك القراء إمالة «ساء، وباء» ونحوه؟
فالجواب أن هذا وشبهه لا علة فيه توجب الإمالة؛ لأن عينه في الماضي مفتوحة، وفي المستقبل مضمومة، ولأن عينه أصله الواو، فلا علة فيه للإمالة، فأتى بالفتح على الأصل، وأيضًا فإن الأول منهما لا ينكسر في الإخبار، كما ينكسر في جميع الأفعال المذكورة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/176]


رد مع اقتباس