عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 9 جمادى الأولى 1434هـ/20-03-2013م, 03:33 PM
الصورة الرمزية إشراق المطيري
إشراق المطيري إشراق المطيري غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jun 2010
المشاركات: 885
افتراضي

التفسير اللغوي
تفسير قوله تعالى: {يَسْأَلُونَكَ عَنِ الْخَمْرِ وَالْمَيْسِرِ قُلْ فِيهِمَا إِثْمٌ كَبِيرٌ وَمَنَافِعُ لِلنَّاسِ وَإِثْمُهُمَا أَكْبَرُ مِنْ نَفْعِهِمَا وَيَسْأَلُونَكَ مَاذَا يُنْفِقُونَ قُلِ الْعَفْوَ كَذَلِكَ يُبَيِّنُ اللَّهُ لَكُمُ الْآَيَاتِ لَعَلَّكُمْ تَتَفَكَّرُونَ (219)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (قوله: {قل العفو...}
وجه الكلام فيه النصب، يريد: قل ينفقون العفو. وهو فضل المال [قد] نسخته الزكاة [تقول: قد عفا]). [معاني القرآن: 1/141]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {الميسر} القمار.
{قل العفو}أي: الطاقة التي تطيقها والقصد، تقول: خذ ما عفا لك، أي: ما صفا لك). [مجاز القرآن: 1/73]
قالَ الأَخْفَشُ سَعِيدُ بْنُ مَسْعَدَةَ الْبَلْخِيُّ (ت: 215هـ): ({يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثمٌ كبيرٌ ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نّفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
قال: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} إذا جعلت {ماذا} بمنزلة (ما).
وإن جعلت {ماذا} بمنزلة "الذي" قلت: {قل العفو} والأولى منصوبة وهذا مرفوعة كأنه قال: {ما الذي ينفقون} فقال: "الذي ينفقون العفو".
وإذا نصبت فكأنه قال: "ما ينفقون" فقال: "ينفقون العفو" لأن (ما) إذا لم تجعل بمنزلة "الذي" فـ"العفو" منصوب بـ"ينفقون".
وإن جعلت بمنزلة "الذي" فهو مرفوع بخبر الابتداء كما قال: {مّاذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} جعل {مّاذا} بمنزلة "الذي"
وقال: {ماذا أنزل ربّكم قالوا خيراً} جعل {ماذا} بمنزلة "ما".
وقد يكون إذا جعلها بمنزلة "ما" وحدها الرفع على المعنى. لأنه لو قيل له: "ما صنعت"؟ فقال: "خيرٌ"، أي: الذي صنعت خيرٌ، لم يكن به بأس. ولو نصبت إذا جعلت "ذا" بمنزلة "الذي" كان أيضاً جيدا لأنه لو قيل لك: "ما الذي صنعت" فقلت: "خيراً" أي: صنعت خيراً. كان صوابا. قال الشاعر:

دعي ماذا علمت سأتّقيه = ولكن بالمغيّب نبئّيني
جعل "ما" و"ذا" بمنزلة "ما" وحدها، ولا يجوز أن يكون "ذا" بمنزلة "الذي" في هذا البيت لأنك لو قلت: "دعي ما الذي علمت" لم يكن كلاما.
وقال أهل التأويل في قوله: {ماذا أنزل ربّكم قالوا أساطير الأوّلين} لأن الكفار جحدوا أن يكون ربهم أنزل شيئا فقالوا لهم: "ما تقولون أنتم أساطير الأوّلين" أي: "الذي تقولون أنتم أساطير الأولين" ليس على "أنزل ربّنا أساطير الأولين". وهذا المعنى فيما نرى والله أعلم - كما قال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم).
[معاني القرآن: 1/139-140]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (الأعمش {فيهما إثم كثير}.
[معاني القرآن لقطرب: 269]
وقراءة الحسن وأبي جعفر وشيبة ونافع {فيهما إثم كبير}.
الحسن وأبو عمرو {ماذا ينفقون قل العفو} بالرفع؛ كأنه قال: الذي ينفقون العفو.
الأعرج {العفو} بالنصب على: ينفقون العفو، يعمل الفعل، وكل حسن). [معاني القرآن لقطرب: 270]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قول الله عز وجل {يسألونك عن الخمر والميسر} وسنذكر ما في هذا اللفظ في موضعه، إن شاء الله.
فأما معنى الميسر عندهم:
فإن الرجل كان يقوم، فيقول: أين أيسار الجزور، كقول الرجل: يسروا ثمن الجزور؛ فيقوم الرهط ما كانوا، فيشترون الجزور بينهم، ثم يجعلون لكل رجل منهم سهمًا، ثم يقترعون عليها بسهامهم، فمن خرج سهمه برئ من ثمنها، وأخذ نصيبه؛ ثم يبقى على آخرهم ثمن الجزور، ولا يذوق من لحم الجزور شيئًا؛ هذا قول ابن عباس رحمه الله.
[معاني القرآن لقطرب: 358]
والقول الآخر: الميسر القمار عند الجزور بالقداح، إذا أجالوها.
وقال في فعله: يسرت الجزور يسارة، ويسر الرجل ييسر يسرًا، وهو رجل يسر: إذا كان له نصيب في القداح، والبرم: الذي لا نصيب له.
وقال علقمة بن عبدة:
لو ييسرون بخير قد يسرت به = وكل ما يسر الأقوام مغروم
وقال المسيب بن علس:
هم الياسرون فلا ضارب = يلاقي قداحهم الدهر زورا
وتفسير الميسر أن العرب كانت تجزئ الجزور عشرة أجزاء:
الكتفان كل واحد منهما جزء، والزور جزء، وأبناء ملاط - وهما العضدان - كل واحد منهما جزء؛ وابن مخدش - وهو الكاهل - وهو جزء، والملحاء جزء - وهي ما بين السنام إلى العجز -، والعجز جزء، والفخذان كل واحد منهما جزء، إلا خرز العنق والطفاطف ترد على الفخذين حتى يكونا جزأين؛ والرأس والفراسن للجزار؛ فإذا جاءهم القدار - وهو الجزار، قال الشاعر:
.............. = ضرب القدار نقيعة القدام
نحر الجزور، ثم نادى في الحي: أين أيسار الحي؟ وهم الرجال؛ فإذا جاءوه نحر جزوره، ثم جزأها على وضم أعشارًا؛ فإن استوت فسبيل ذلك، وإن فضل منهما عظم، وقد استوت فذلك العظم يقال له: الريم.
فإذا جزأ تلك الأجزاء العشرة المسماة فيرد عليها ما بقي من الجنبين والسنام والكبد وجميع ما يبقى سوى الأعضاء العشرة؛ فيوزع ذلك على الأجزاء العشرة؛ فإن بقي عظم أو لحم بعد استواء العشرة الجزاء قيل لذلك الباقي: ريم.
فإن أخذ آخذ العظم الذي هو ريم رجل من الأيسار سب به؛ وإلا فهو للجزار؛ فإن أبا الجزار قبوله، فهو للأوباد؛ أوباد الحي؛ وهم أولوا الحاجة الشديدة، يقال: رجل وبد؛ قال الشاعر:
[معاني القرآن لقطرب: 359]
وكنتم كعظم الريم لم يدر جازر = على أي بدأي مقسم اللحم يجعل
ثم يدعى بالحرضة؛ وهو الرجل الذي لا يأكل لحمًا بثمن، ولا يأكله إلا في منزل غيره؛ فيجعل على كفه سلفتان لئلا يجس قدحًا له فيه هوى؛ ويقال للسلفتين على يديه: الربابة، وقال بعضهم: ربابة فضم؛ وهي لفعة من أديم، تجعل فيها القداح، والربابة أيضًا: جماعة القداح.
قال أبو ذؤيب الهذلي:
وكأنهن ربابة وكأنه يسر = يفيض على القداح ويصدع
ثم يؤتى بالقداح وقد عصبت، وقد عرف قدح كل رجل منهم:
فأولها الفذ، وفيه فرض واحد؛ فإن فاز أخذ جزءًا واحدًا وإن خاب غرم جزءًا واحدًا.
ثم الثاني: توأم، وفيه فرضان، فإن فاز أخذ جزأين، وإن خاب غرم الجزأين.
ثم الثالث: يقال له: الضريب فيه ثلاثة فروض؛ فإن فاز أخذ ثلاثة أجزاء، وإن خاب غرم ثلاثة أجزاء.
ثم الرابع: الحلس، وقد قالوا: الحلس لقدح منها؛ قال أبو علي قطرب: يغلب على أنه الحلس بعينه؛ فيه أربعة فروض؛ فإن فاز أخذ أربعة أجزاء، وإن خاب غرم أربعة أجزاء.
ثم الخامس: النافس، وقد قالوا: الأنفس لقدح منها، قال: يغلب علي أنه النافس، فيه خمسة فروض، فإن فاز أخذ خمسة أجزاء، وإن خاب غرم خمسة أجزاء.
ثم السادس: المسبل، فيه ستة، فإن فاز أخذ ستة أجزاء، وإن خاب غرم ستة أجزاء.
ثم السابع: المعلى، فيه سبعة فروض؛ فإن فاز أخذ سبعة أجزاء، وإن خاب غرم سبعة أجزاء.
وقال أبو النجم:
كما يفيض الياسر القدوحا = صك معلاهن والمنحيا
وقال طرفة أيضًا:
[معاني القرآن لقطرب: 360]
وجامل خوع مني به ضرب المعلى أصلاً والسفيح
ثم يدخل في القداح أربعة قداح أغفال؛ وهي التي لا فروض فيها تتصل بها القداح:
فأولها المصدر؛ والثاني المضعف؛ والثالث المنيح، والرابع السفيح.
ثم يؤتى بثوب شديد البياض، يقال له: مجول؛ يجعل على يدي الحرضة، حتى يعشي بياض الثوب بصره؛ ثم يدس إليه القداح بشماله فينكرها بيمينه؛ فإذا نشز منها قدح، استله الحرضة فلم ينظر إليه حتى يدفعه إلى الرقيب؛ فإن خرج الفذ أخذ نصيبه، وغن خرج المعلى قبله أخذ سبعة أنصباء؛ فإن خرج المسبل بعد المعلى أخذ الثلاثة الباقية، وغرم له الذين خابت قداحهم ثلاثة أجزاء من جزور أخرى، وضمنوا للجزار ثمن الجزور، ولم يحل لهم أن يأكلوا من لحمها؛ فإن لم يكملوا فأخذ الرجل القدحين أو الثلاثة فذلك التتميم، فإن فاز قدحه، ثم رد على خطار، فذلك التثنية.
قال النابغة:
إني أتمم أيساري بذي أود = مثنى الأيادي وأكسو الجنفة الأدما
ومعنى "مثنى الأيادي": أن يأخذ ما عجز عنه الأيسار من عدة الأنصباء، فيتمم ذلك؛ فهذا الميسر.
وأما قوله {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو} وقوله {حتى عفوا وقالوا} فالفعل: عفوا يعفون عفوًا؛ أي كثروا؛ وقالوا: أكلنا عفوة الروضة؛ أي أولها لم ترع قبلنا، فهي أنف؛ يقول: غير الجهد من أموالكم.
وقالوا: عفت وفرة الرجل؛ أي كثرت؛ وعفت اللحية: كثرت، وقالوا: عفوت الكبش: جززت صوفه؛ وعفا الشيء يعفو: درس؛ وعفوت صوف الشاة: أخذته، وأعفيته: تركته حتى طال؛
[معاني القرآن لقطرب: 361]
وقالوا: عفوا عفاء وعفوا، وعفت الريح الدار: أخذت منها؛ ويكون بيت امرئ القيس على التمام الذي لم يدرس، قوله:
فتوضح فالمقرات لم يعف رسمها = لما نسجتها من جنوب وشمأل
يجوز أن يكون: بقاه ولم يدرس؛ ويجوز على لم يعف رسمها: أي لم يبق، ويكون على مثل: عفا القوم؛ أي كثروا.
وأما قول لبيد:
عفت الديار محلها فمقامها = ..............
يريد: درس وذهب.
ومن هذا اللفظ: عفوت عنه؛ والعافية من ذلك؛ كأنه: وفرته واستبقيته؛ ومن هذا اللفظ: العفو والعفو والعفاء: اسم للجحش). [معاني القرآن لقطرب: 362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت: 237هـ): ({الميسر}: القمار كله.
{قل العفو}: العفو في التفسير ما فضل عن أهلك، وقال بعضهم: هو ما أطقته منن غير أن تجهد نفسك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت: 276هـ): ({والميسر}: القمار.
وقد ذكرناه في سورة المائدة، وذكرنا النفع به.

{ويسألونك ماذا ينفقون}؟ أي: ماذا يتصدقون ويعطون؟
{قل العفو} يعني: فضل المال. يريد: أن يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله. ويقال: «خذ ما عفا لك» أي ما أتاك سهلا بلا إكراه ولا مشقة.
ومنه قوله عز وجل: {خذ العفو وأمر بالعرف} [الأعراف:199]، أي: اقبل من الناس عفوهم، وما تطوعوا به: من أموالهم، ولا تستقص عليهم). [تفسير غريب القرآن:82-83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت: 311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للنّاس وإثمهما أكبر من نفعهما ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو كذلك يبيّن اللّه لكم الآيات لعلّكم تتفكّرون}
{الخمر} المجمع عليه، وقياس كل ما عمل عملها أن يقال له خمر.
وأن يكون في التحريم بمنزلتها.
وتأويل الخمر في اللغة: أنه كل ما ستر العقل، يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر، وما ستره من شجر خاصة ضرى، " مقصور "، ويقال دخل فلان في خمار أي في الكثير الذي يستتر فيه وخمار المرأة قناعها، وإنما قيل له خمار لأنه يغطي، والخمرة التي يسجد عليها إنما سميت بذلك لأنها تستر الوجه عن الأرض، وقيل للعجين قد اختمر لأن فطرته قد غطاها الخمر أعني الاختمار - يقال قد اختمر العجين وخمرته، وفطرته وأفطرته.
فهذا كله يدل على أن كل مسكر خمر وكل مسكر مخالط العقل ومغط عليه، وليس يقول أحد للشارب إلا مخمور - من كل سكر - وبه خمار، فهذا بيّن واضح.
وقد لبّس على أبي الأسود الدؤلي فقيل له: إن هذا المسكر الذي سموه بغير الخمر حلال فظن أن ذلك كما قيل له، ثم قاده طبعه إلى أن حكم بأنهما واحد، فقال:
دع الخمر يشربها الغواة فإنني... رأيت أخاها مجزيا لمكانها
فإلا يكنها أو تكنه فإنه... أخوها غذته أمها بلبانها
وقال أهل التفسير في قوله عزّ وجلّ: {قل فيهما إثم كبير} وقرئت " كثير " قال قوم زهّد فيها في هذا الموضع وبين تحريمها في سورة المائدة في قوله: {إنّما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشّيطان فاجتنبوه لعلّكم تفلحون (90) إنّما يريد الشّيطان أن يوقع بينكم العداوة والبغضاء في الخمر والميسر ويصدّكم عن ذكر اللّه وعن الصّلاة فهل أنتم منتهون (91)}.
ومعنى{فهل أنتم منتهون}: التحضيض على الانتهاء والتفديد على ترك الانتهاء.
وقال قوم: لا بل تحرم بما بين ههنا مما دل عليه الكتاب في موضع آخر.
لأنه قال: {إثم كبير} وقد حرم الله الإثم نصّا فقال: {قل إنّما حرّم ربّي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم والبغي بغير الحقّ}.
وإنما بينا تحريم الخمر وإن كان مجمعا عليه ليعلم أن نص ذلك في الكتاب.
فأما الإثم الكبير الذي في الخمر: فبين، لأنها توقع العداوة والبغضاء وتحول بين المرء وعقله الذي يميز به ويعرف ما يجب لخالقه.
والقمار: يورث العداوة والبغضاء وإن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يؤخذ عليه،
وأما المنافع للناس فيه: فاللذة في الخمر والربح في المتجّر فيها، وكذلك المنفعة في
القمار، يصير الشيء إلى الإنسان بغير كد ولا تعب فأعلم اللّه أن الإثم فيهما {إثم} أكبر من نفعهما.
وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك ماذا ينفقون}.
النصنب والرفع في {العفو} جميعا، من " جعل {ماذا} اسما واحدا رد العفو عليه ومن جعل " ما " اسما و " إذا " خبرها وهي في معنى الذي رد العفو عليه فرفع، كأنه قال: ما الذي ينفقون؟
فقال: العفو، ويجوز أن ينصب العفو وإن كان ما وحدها اسما فتحمل العفو علي ينفقون، كأنه قيل أنفقوا العفو.
ويجوز أيضا أن ترفع - وإن جعلت {ماذا} بمنزلة شيء واحد على "قل هو العفو".
والعفو في اللغة: الفضل والكثرة، يقال عفا القوم إذا كثروا.
فأمروا أن ينفقوا الفضل إلى أن فرضت الزكاة، فكان أهل المكاسب يأخذ أحدهم من كسبه ما يكفيه ويتصدق بباقيه، ويأخذ أهل الذهب والفضة ما يكفيهم في عامهم وينفقون باقيه هذا قد روي في التفسير، والذي عليه الإجماع أن الزكاة في سائر الأشياء قد بينت ما يجب فيها.

وقوله عزّ وجلّ: {كذلك يبين اللّه لكم الآيات} أي: مثل هذا البيان في الخمر والميسر {يبين الله لكم الآيات}: لأن خطاب النبي - صلى الله عليه وسلم - مشتمل على خطاب أمته كما قال عزّ وجلّ: {يا أيّها النّبيّ إذا طلّقتم النّساء}
ومثل هذا في القرآن كثير يحكي مخاطبة الإجماع بذلك، وذلكم أكثر في اللغة، وقد أتي في القرآن في غير " ذلك " للجماعة - قال اللّه تعالى:
{يا نساء النّبيّ من يأت منكنّ بفاحشة مبيّنة يضاعف لها العذاب ضعفين وكان ذلك على اللّه يسيرا } -
والأصل ذلكن، إلا أن الجماعة في معنى القبيل.
وقوله عز وجل: {لعلّكم تتفكّرون (219) في الدّنيا والآخرة}يجوز أن يكون:
(تتفكرون في الدنيا والآخرة) من صلة تتفكرون المعنى لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا وأمر الآخرة -،
ويجوز أن يكون في الدنيا والآخرة من صلة كذلك يبين الله لكم الآيات).

أي: يبين لكم الآيات في أمر الدنيا وأمر الآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/291-294]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس}
روى علي بن أبي طلحة عن ابن عباس {يسألونك عن الخمر والميسر قل فيهما إثم كبير ومنافع للناس} ثم أنزل {لا تقربوا الصلاة وأنتم سكارى حتى تعلموا ما تقولون} فكانوا يدعونها فإذا صلوا العشاء شربوها فلا يصبحون حتى يذهب عنهم السكر فإذا صلوا الغداة شربوها فما يأتي الظهر حتى يذهب عنهم السكر ثم إن ناسا شربوها فقاتل بعضهم بعضا وتكلموا بما لا يرضي الله فأنزل الله تعالى: {إنما الخمر والميسر والأنصاب والأزلام رجس من عمل الشيطان فاجتنبوه} فحرم الله الخمر ونهى عنها وأمر باجتنابها كما أمر باجتناب الأوثان
وروى أبو توبة عن ابن عمر أنزلت {إنما الخمر} إلى قوله: {فهل أنتم منتهون} فقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: ((حرمت)).
وقال عمرو بن شرحبيل: فقال عمر: انتهينا فإنها تذهب المال والعقل.
وأهل التفسير يذهبون إلى أن المحرم لها هذا.
وقال بعض الفقهاء: المحرم لها آيتان:
إحداهما: {قل إنما حرم ربي الفواحش ما ظهر منها وما بطن والإثم}.
قال أبو إسحاق: الخمر هذه المجمع عليها وقياس كل ما تحمل عملها أن يقال له خمر وأن يكون بمنزلتها في التحريم لأن إجماع العلماء أن القمار كله حرام وإنما ذكر الميسر من بينه فجعل كله قياسا على الميسر والميسر إنما يكون قمارا في الجزر خاصة وكذلك كل ما كان كالخمر فهو بمنزلتها
وتأويل الخمر في اللغة: أنه ما ستر على العقل يقال لكل ما ستر الإنسان من شجر وغيره خمر وما ستر من شجر خاصة الضرا مقصور
ودخل في خمار الناس، أي: الكثير الذي يستتر فيه
وخمار المرأة: قناعها لأنه يغطي الرأس.
والخمرة: التي سجد عليها لأنها تستر الوجه عن الأرض وكل مسكر خمر لأنه يخالط العقل ويغطيه وفلان مخمور من كل مسكر.

قال سعيد بن جبير ومجاهد: الميسر القمار كله
فأما الإثم الذي في الخمر فالعداوة والبغضاء وتحول بين الإنسان وبين عقله الذي يميز به ويعرف به ما يجب لخالقه
والقمار يورث العداوة لأن مال الإنسان يصير إلى غيره بغير جزاء يأخذه عليه
والمنافع لذة الخمر والربح فيها ومصير الشيء إلى الإنسان في القمار بغير كد
وقال الضحاك: منافعهما قبل التحريم وإثمهما بعد التحريم). [معاني القرآن: 1/170-174]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (وقوله تعالى: {ويسألونك ماذا ينفقون قل العفو}
قال طاووس: اليسير من كل شيء .
وقال خالد بن أبي عمران سألت القاسم وسالما فقالا فضل المال ما يصدق به عن ظهر غنى.
وقال قتادة: هو الفضل.
قال أبو جعفر: وهذه الأقوال ترجع إلى شيء واحد لأن العفو في اللغة ما سهل يقال خذ ما عفا لك أي ما سهل لك وفي الحديث عن النبي صلى الله عليه وسلم: ((أفضل الصدقة ما تصدق به عن ظهر غنى))
فعلى هذا تأويل قول القاسم وسالم وفي المعنى قول آخر.
قال مجاهد: هي الصدقة المفروضة والظاهر يدل على القول الأول). [معاني القرآن: 1/174-176]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت: 338هـ): (ثم قال تعالى: {كذلك يبين الله لكم الآيات لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال أبو جعفر: حدثنا أحمد بن محمد بن نافع قال حدثنا سلمة بن شبيب قال حدثنا عبد الرزاق قال أخبرنا معمر عن قتادة في قول الله تعالى: {لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة}
قال: يقول لعلكم تتفكرون في الدنيا والآخرة فتعرفون فضل الآخرة على الدنيا.
قال أبو جعفر: والتقدير على قول قتادة لعلكم تتفكرون في أمر الدنيا والآخرة
وقيل هو على التقديم أي كذلك يبين الله لكم الآيات في أمر الدنيا والآخرة لعلكم تتفكرون). [معاني القرآن: 1/176]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345 هـ): ({والميسر}: القمار). [ياقوتة الصراط:179-180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({والميسر} القمار.
{قل العفو} أي: يعطي ما فضل عن قوته وقوت عياله...). [تفسير المشكل من غريب القرآن: 40]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت: 437هـ): ({الْمَيْسِرِ}: القمار.
{الْعَفْوَ}:
ما عفي عنه ولم يطالبه به).
[العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {فِي الدُّنْيَا وَالْآَخِرَةِ وَيَسْأَلُونَكَ عَنِ الْيَتَامَى قُلْ إِصْلَاحٌ لَهُمْ خَيْرٌ وَإِنْ تُخَالِطُوهُمْ فَإِخْوَانُكُمْ وَاللَّهُ يَعْلَمُ الْمُفْسِدَ مِنَ الْمُصْلِحِ وَلَوْ شَاءَ اللَّهُ لَأَعْنَتَكُمْ إِنَّ اللَّهَ عَزِيزٌ حَكِيمٌ (220)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت: 207هـ): (وقوله: {ويسألونك عن اليتامى...}
يقال للغلام يتم ييتم يتماً ويتماً. قال: وحكي لي يتم ييتم.
{وإن تخالطوهم فإخوانكم} ترفع الإخوان على الضمير (فهم)؛ كأنك قلت (فهم إخوانكم) ولو نصبته كان صوابا؛ يريد: فإخوانكم تخالطون، ومثله {فإن لم تعلموا آباءهم فإخوانكم في الدين ومواليكم} ولو نصبت ههنا على إضمار فعل (ادعوهم إخوانكم ومواليكم).
وفي قراءة عبد الله "إن تغذّبهم فعبادك" وفي قراءتنا "فإنّهم عبادك" وإنما يرفع من ذا ما كان اسما يحسن فيه "هو" مع المرفوع. فإذا لم يحسن فيه "هو" أجريته على ما قبله؛ فقلت: إن اشتريت طعاما فجيّدا، أي فاشتر الجّيد، وإن لبست ثيابا فالبياض؛ تنصب لأن "هو" لا يحسن ههنا، والمعنى في هذين ههنا مخالف للأوّل؛ ألا ترى أنك تجد القوم إخوانا وإن جحدوا، ولا تجد كلّ ما يلبس بياضا، ولا كلّ ما يشترى جيّدا. فإن نويت أن ما ولي شراءه فجيّد رفعت إذا كان الرجل قد عرف بجودة الشراء وبلبوس البياض. وكذلك قول الله {فإن خفتم فرجالا} نصب؛ لأنه شيء ليس بدائم، ولا يصلح فيه "هو" ألا ترى أن المعنى: إن خفتم أن تصلّوا قياما فصلّوا رجالا أو ركبانا [رجالا يعني: رجّالة] فنصبا لأنهما حالان للفعل لا يصلحان خبرا.

{واللّه يعلم المفسد من المصلح} المعنى في مثله من الكلام: الله يعلم أيّهم يفسد وأيّهم يصلح. فلو وضعت أيّا أو من مكان الأوّل رفعته، فقلت: أنا أعلم أيّهم قام من القاعد،
قال [الفرّاء] سمعت العرب تقول: ما يعرف أي من أيّ. وذلك أن (أيّ) و(من) استفهامان، والمفسد خبر.
ومثله ما أبالى قيامك أو قعودك، ولو جعلت في الكلام استفهاما بطل الفعل عنه فقلت: ما أبالي أقائم أنت أم قاعد. ولو ألقيت الاستفهام اتّصل الفعل بما قبله فانتصب.
والاستفهام كله منقطع مما قبله لخلقة الابتداء به).
[معاني القرآن: 1/141-142]
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولو شاء اللّه لأعنتكم...} يقال: قد عنت الرجل عنتا، وأعنته الله إعناتا). [معاني القرآن: 1/143]
قالَ أَبُو عُبَيْدَةَ مَعْمَرُ بْنُ الْمُثَنَّى التَّيْمِيُّ (ت:210هـ): ( {لأعنتكم} أي: لأهلككم، من العنت). [مجاز القرآن: 1/73]
قال قطرب محمد بن المستنير البصري (ت: 220هـ تقريباً) : (وأما قول الله عز وجل {ولو شاء الله لأعنتكم} الفعل: عنت الرجل، عنتا، من كسر أو جراحة أصابه، وأعنته أنا، إعناتًا.
وقول الله عز وجل {ذلك لمن خشي العنت منكم} وقالوا أيضًا: العنت والعنوت). [معاني القرآن لقطرب: 362]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بنُ يَحْيَى بْنِ المُبَارَكِ اليَزِيدِيُّ (ت:237هـ): ({ولو شاء الله لأعنتكم}: أهلككم. والعنت الهلاك). [غريب القرآن وتفسيره: 92]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ويسألونك عن اليتامى قل إصلاحٌ لهم خيرٌ} أي: تثمير أموالهم، والتنزّه عن أكلها لمن وليها - خير.
{وإن تخالطوهم} فتوآكلوهم {فإخوانكم} فهم إخوانكم، حكمهم في ذلك حكم إخوانكم من المسلمين.
{واللّه يعلم المفسد من المصلح} أي: من كان يخالطهم على جهة الخيانة والإفساد لأموالهم، ومن كان يخالطهم على جهة التنزه والإصلاح.
{ولو شاء اللّه لأعنتكم} أي: ضيق عليكم وشدّد. لكنه لم يشأ إلّا التسهيل عليكم. ومنه يقال: أعنتني فلان في السؤال، إذا شدّد عليّ وطلب عنتي، وهو الإضرار. يقال: عنتت الدابة، وأعنتها البيطار، إذا ظلعت). [تفسير غريب القرآن: 83]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير وإن تخالطوهم فإخوانكم واللّه يعلم المفسد من المصلح ولو شاء اللّه لأعنتكم إنّ اللّه عزيز حكيم}
هذا مما نحكم تفسيره في سورة النساء إن شاء الله، إلا أن جملته أنهم كانوا يظلمون اليتامى، فيتزوجون العشر ويأكلون أموالهم مع أموالهم، فشدّد عليهم في أمر اليتامى تشديدا خافوا معه التزويج بنساء اليتامى ومخالطتهم، فأعلمهم اللّه أن الإصلاح لهم هو خير الأشياء، وأن مخالطتهم في التزويج وغيره جائزة مع تحري الإصلاح فقال: {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فهم إخوانكم.
فالرفع على هذا. والنصب جائز {وإن تخالطوهم فإخوانكم} أي: فإخوانكم تخالطون، ولا أعلم أحدا قرأ بها، فلا تقرأنّ بها إلا أن تثبت رواية صحيحة.
وقوله عزّ وجلّ: {ولو شاء اللّه لأعنتكم}
قال أبو عبيدة معناه: لأهلككم، وحقيقته ولو شاء الله لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون،
وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير يعنت إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها، ويقال أكمة غنوت إذا كان لا يمكن أن يحازيها إلا بمشقة عنيفة.

وقوله عزّ وجلّ: {إنّ اللّه عزيز حكيم} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه دافع.
{حكيم} أي: ذو حكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/294-295]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير}
قال سعيد بن جبير عن ابن عباس قال: لما نزلت: {إن الذين يأكلون أموال اليتامى ظلما} إلى آخرها قالوا هذه موجبة فاعتزلوهم وتركوا خلطتهم فشق ذلك عليهم فقالوا للنبي صلى الله عليه وسلم إن الغنم قد بقيت ليس لها راع والطعام ليس له من يصنعه فنزلت: {ويسألونك عن اليتامى قل إصلاح لهم خير} إلى آخرها). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {والله يعلم المفسد من المصلح} أي: يعلم من يخالطهم للخيانة ومن لا يريد الخيانة). [معاني القرآن: 1/177]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولو شاء الله لأعنتكم}
قال مجاهد: أي لو شاء لم يطلق لكم مخالطتهم في الأدم والمرعى.
وروى الحكم عن مقسم عن ابن عباس ولو شاء الله لأعنتكم قال: لو شاء لجعل ما أحببتم من أموال اليتامى موبقا.
وقال أبو عبيدة: لأعنتكم لأهلككم.
وقال أبو إسحاق: حقيقته لكلفكم ما يشتد عليكم فتعنتون.
قال: وأصل العنت في اللغة: من قولهم عنت البعير عنتا إذا حدث في رجله كسر بعد جبر لا يمكنه معه تصريفها
{إن الله عزيز} أي: يفعل بعزته ما يحب لا يدفعه عنه أحد.
{حكيم} ذو الحكمة فيما أمركم به من أمر اليتامى وغيره). [معاني القرآن: 1/177-179]
قَالَ غُلاَمُ ثَعْلَبٍ مُحَمَّدُ بنُ عَبْدِ الوَاحِدِ البَغْدَادِيُّ (ت:345هـ): (والإعنات: تكليف غير الطاقة). [ياقوتة الصراط: 180]
قَالَ مَكِّيُّ بْنُ أَبِي طَالِبٍ القَيْسِيُّ (ت:437هـ): ({لأعْنَتَكُـــمْ}: لأهلككــم). [العمدة في غريب القرآن: 90]

تفسير قوله تعالى: {وَلَا تَنْكِحُوا الْمُشْرِكَاتِ حَتَّى يُؤْمِنَّ وَلَأَمَةٌ مُؤْمِنَةٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكَةٍ وَلَوْ أَعْجَبَتْكُمْ وَلَا تُنْكِحُوا الْمُشْرِكِينَ حَتَّى يُؤْمِنُوا وَلَعَبْدٌ مُؤْمِنٌ خَيْرٌ مِنْ مُشْرِكٍ وَلَوْ أَعْجَبَكُمْ أُولَئِكَ يَدْعُونَ إِلَى النَّارِ وَاللَّهُ يَدْعُو إِلَى الْجَنَّةِ وَالْمَغْفِرَةِ بِإِذْنِهِ وَيُبَيِّنُ آَيَاتِهِ لِلنَّاسِ لَعَلَّهُمْ يَتَذَكَّرُونَ (221)}
قالَ يَحْيَى بْنُ زِيَادٍ الفَرَّاءُ (ت:207هـ): (وقوله: {ولا تنكحوا المشركات...}
يريد: لا تزوّجوا، والقرّاء على هذا، ولو كانت: ولا تنكحوا المشركات أي: لا تزوّجوهن المسلمين كان صوابا.
ويقال: نكحها نكحا ونكاحا.

وقوله: {ولو أعجبتكم...}
كقوله: وإن أعجبتكم. ولو وإن متقاربان في المعنى.
ولذلك جاز أن يجازى لو بجواب إن، إن بجواب لو في قوله: {ولئن أرسلنا ريحاً فرأوه مصفراً لظلّوا من بعده يكفرون}. وقوله: "فرأوه" يعني بالهاء الزّرع).
[معاني القرآن: 1/143]
قَالَ عَبْدُ اللهِ بْنُ مُسْلِمِ بْنِ قُتَيْبَةَ الدِّينَوَرِيُّ (ت:276هـ): ({ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ} أي: لا تتزوجوا الإماء المشركات.
{ولا تنكحوا المشركين} [أي لا تزوجوا المشركين] {حتّى يؤمنّ}). [تفسير غريب القرآن:83-84]
قَالَ إِبْرَاهِيمُ بْنُ السَّرِيِّ الزَّجَّاجُ (ت:311هـ): (وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
معنى {لا تنكحوا}: لا تتزوجوا المشركات، ولو قرئت ولا تنكحوا المشركات كان وجها، ولا أعلم أحدا قرأ بها، والمعنى في هذا: ولا تتزوجوا المشركات حتى يؤمن،
ومعنى المشركات: ههنا لكل من كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - واللغة تطلق على كل كافر إنما يقال له مشرك - وكان التحريم قد نزل في سائر الكفار في تزويج نسائهم من المسلمين، ثم أحل تزويج نساء أهل الكتاب من بينهم. فقال اللّه - عزّ وجلّ: {اليوم أحلّ لكم الطّيّبات وطعام الّذين أوتوا الكتاب حلّ لكم وطعامكم حلّ لهم والمحصنات من المؤمنات والمحصنات من الّذين أوتوا الكتاب من قبلكم}

فإن قال قائل: من أين يقال لمن كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - مشرك وإن قال إن اللّه عزّ وجل واحد؟
فالجواب: في ذلك أنه إذا كفر بالنبي - صلى الله عليه وسلم - فقد زعم أن ما أتى به من القرآن من عند غير اللّه - جل ثناؤه - والقرآن إنما هو من عند اللّه - عزّ وجلّ - لأنه يعجز المخلوقين أن يأتوا بمثله - فقد زعم أنه قد أتى غير الله بما لا يأتي به إلا اللّه - عزّ وجلّ - فقد أشرك به غيره.
{ولا تنكحوا المشركات حتّى يؤمنّ ولأمة مؤمنة خير من مشركة ولو أعجبتكم ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم أولئك يدعون إلى النّار واللّه يدعو إلى الجنّة والمغفرة بإذنه ويبيّن آياته للنّاس لعلّهم يتذكّرون}
وقوله عزّ وجلّ: {ولا تنكحوا المشركين حتّى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم مسلمة.
وقوله: {ولعبد مؤمن خير من مشرك ولو أعجبكم} معناه: وإن أعجبكم، إلا أن " لو " تأتي فتنوب عن أن في الفعل الماضي.
ومعنى الكلام: أن الكافر شر من المؤمن لكم وإن أعجبكم أي أعجبكم أمره في باب الدنيا، لان الكافر والكافرة يدعوان إلى النار أي يعملان بأعمال أهل النار - فكأن نسلكم يتربى مع من هذه حاله.
وقوله عزّ وجلّ: {واللّه يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه} أي: يدعوكم إلى مخالطة المؤمنين لأن ذلك أوصل لكم إلى الجنة.
ومعنى {بإذنه} أي: بعلمه الذي أعلم إنّه وصلة لكم إليها.

{ويبيّن آياته} أي: علاماته، يقال آية وآي، وآيات أكثر وعليها أتى القرآن الكريم.
وقوله عزّ وجلّ: {لعلّهم يتذكّرون}
معنى لعل ههنا: الترجي لهم أي ليكونوا هم راجين - واللّه أعلم أيتذكرون أم لا، ولكنهم خوطبوا على قدر لفظهم واستعمالهم). [معاني القرآن: 1/295-296]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (وقوله تعالى: {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن}
أكثر أهل العلم على هذه الآية: منسوخة نسخها {اليوم أحل لكم الطيبات} إلى قوله: {والمحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم}
هذا قول ابن عباس ومكحول وهو مذهب الفقهاء مالك وسفيان والأوزاعي
وروى سفيان عن حماد قال سألت سعيد بن جبير عن نكاح اليهودية والنصرانية فقال: لا بأس به قال قلت فإن الله يقول {ولا تنكحوا المشركات حتى يؤمن} فقال: أهل الأوثان والمجوس.
وروى معمر عن قتادة ولا تنكحوا المشركات قال: المشركات ممن ليس من أهل الكتاب وقد تزوج حذيفة يهودية أو نصرانية
فأما المحصنات من الذين أوتوا الكتاب من قبلكم فقيل هن العفائف والإماء). [معاني القرآن: 1/179-180]
قَالَ أَحْمَدُ بنُ مُحَمَّدِ بنِ إِسْمَاعِيلَ النحَّاسُ (ت:338هـ): (ثم قال تعالى: {ولا تنكحوا المشركين حتى يؤمنوا} أي: لا تزوجوهم بمسلمات ولو أعجبكم أي وإن أعجبكم أمره في الدنيا فمصيره إلى النار
{أولئك يدعون إلى النار} أي: يعملون بأعمال أهلها فيكون نسلكم يتربى مع من هذه حاله {والله يدعو إلى الجنة والمغفرة بإذنه}أي: يدعوكم إلى أعمال أهل الجنة.
{والمغفرة بإذنه} أي: بعلمه قيل أي يعلمه أي ما دعاكم إليه وصلة إليهما.
وقيل بما أمركم به ويبين آياته أي علاماته
{لعلهم يتذكرون} ليكونوا على رجاء التذكر). [معاني القرآن: 1/180-181]


رد مع اقتباس