عرض مشاركة واحدة
  #30  
قديم 30 محرم 1439هـ/20-10-2017م, 12:19 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

خبر نزول سورة الفاتحة
قال عبد العزيز بن داخل المطيري: (خبر نزول سورة الفاتحة
كان لنزول سورة الفاتحة شأن خاصٌّ يدلّ على فضلها وعظمتها، وفيه إشارة إلى ما ينبغي أن تُتلقَّى به هذه السورة من حسن التلقّي والقبول والتكريم.

روى عمَّار بن رُزيق عن عبد الله بن عيسى عن سعيد بن جبير عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (بينما جبريل قاعد عند النبي صلى الله عليه وسلم، سمع نقيضا من فوقه، فرفع رأسه، فقال: " هذا باب من السماء فتح اليوم لم يفتح قط إلا اليوم"، فنزل منه ملك، فقال: "هذا ملك نزل إلى الأرض لم ينزل قط إلا اليوم"؛ فسلَّم وقال: (أبشر بنورين أوتيتهما لم يؤتهما نبي قبلك: فاتحة الكتاب، وخواتيم سورة البقرة، لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته). رواه مسلم وابن أبي شيبة والنسائي في الكبرى وغيرهم.
النقيض هو الصوت، ونقيض السقف تحرّك أجزائه حتى يُحدث صوتاً.
وفي هذا الحديث بشارة عظيمة للنبيّ صلى الله عليه وسلم ولأمّته بما اختصّهم الله به من إنزال سورة الفاتحة وخواتيم سورة البقرة عليهم دون سائر الأمم.
وأنزلَ ملكاً كريماً إلى السماء لم ينزل من قبل، وما نزل إلا ليبلّغ النبيَّ صلى الله عليه وسلم هذه البشارات العظيمة، وما تضمّنته كلّ بشارة منها من كرامات جليلة للنبيّ صلى الله عليه وسلّم ولأمّته تستوجب شكر الله تعالى ومحبّته واتّباع رضوانه.
فالبشارة الأولى: أنها نور عظيم البركة واسع الهدايات جليل البصائر:
- فهي نور يبصّر العبد بما يعرّفه بربِّه جلّ وعلا، وبأسمائه الحسنى وصفاته العليا التي تقتضي من العبد اجتماع عبوديّات المحبّة والخوف والرجاء.
- وهي نور يبصّر المؤمن بمقصد خلقه، والحكمة من إيجاده، وأنه إنما خُلق ليقوم بعبادة ربّه وحده لا شريك له.
- وهي نور يبصّر المؤمن بحاجته إلى عون الله تعالى في كلّ شأن من شؤونه، ويرشده إلى استصحاب حال العبودية والاستعانة في جميع شؤونه.
- وهي نور يبصّر المؤمن بسبب الهداية ومصدرها، ووصف سبيلها، وحال أهلها، وعاقبتهم.
- وهي نور يبصّر المؤمن بأنه لا فلاح له إلا بالعلم النافع والعمل الصالح.
- وهي نور يبصّر المؤمن بسوء عاقبة الذين فرّطوا في العلم والذين فرّطوا في العمل من المغضوب عليهم والضالين.
وهذه الأمور تنتظم حياة المؤمن كلّها، لا تخلو حالة من حالاته من حاجة إلى التبصّر بمعاني هذه السورة العظيمة والاهتداء بهداياتها.
فهذا بعض معاني البشارة الأولى فيما يخصّ سورة الفاتحة.
والبشارة الثانية: أنّ هذه السورة كرامة خاصّة لهذه الأمّة ؛ لم تُعطها أمّة من الأمم، وفي ذلك من تشريف هذه الأمّة وتكريمها ما لا يخفى، وهذا التكريم يقتضي من المكرَّمين به تقبّله بما يحبّه الله تعالى من الفرح بفضله، والقيام بشكره، واتّباع رضوانه؛ فمن شكر كانت هذه البشارات نعمة عظيمة في حقّه يغتبط بها في دنياه وأخراه، ويجد من فضلها وكرامتها على قدر ما يتّبع من هداياتها.
ومن كفر كانت تلك البشارات حسرة عليه؛ لما يرى من خسرانه بتفريطه، وفوز من تلقّوا هذه البشارة بالقبول والشكر.
والبشارة الثالثة: أنَّ دعاء الداعي بها مستجاب؛ وأكّد هذه البشارة بتأكيد جامع بين أسلوبي الحصر والاستغراق؛ (لن تقرأ بحرف منهما إلا أعطيته)
(بحرفٍ) نكرة في سياق النفي؛ ودخلت عليها الباء لإفادة استغراق العموم؛ فلا يُستثنى منه حرف، والحرف هنا كلّ جملة طلبية كانت أو خبرية؛ فالجملة الطلبية عطاؤها الإجابة، والجملة الخبرية الذكرُ والإثابة.
(إلا أعطيته) تأكيد للعطاء بأسلوب الحصر بإلا؛ الدالّ على إعطاء جميع المطلوب.
فحريّ بمن نصح لنفسه أن يعرف قدر هذه البشارات العظيمة، وحقّ هذا الفضل والتكريم، وأن يحرص كلّ الحرص أن يكون ممن ينفعهم الله بما أنزل الله من الهدى والنور في هذه السورة العظيمة، وأن يحرص كلّ الحرص على اجتناب ما تنقلب به هذه البشارات إلى حسرات عليه.
فقوله: (لن تقرأ) القراءة المعتبرة هنا هي القراءة التي يحبّها الله تعالى ويرضاها، وهي القراءة التي اشتملت على شرطي القبول من الإخلاص والمتابعة؛ فإذا قرأ العبد الفاتحة قراءة مخلصاً فيها لله جلّ وعلا، ومتبعاً فيها النبي صلى الله عليه وسلم كانت قراءته متّقبَّلة نافعة، وتحت هذه الجملة ما يطول شرحه، واللبيب من وفّقه الله لفقهها). [تفسير سورة الفاتحة:71 - 74]

رد مع اقتباس