عرض مشاركة واحدة
  #10  
قديم 14 صفر 1440هـ/24-10-2018م, 05:24 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة طه

[ من الآية (56) إلى الآية (59) ]
{وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57) فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58) قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59) }

قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَرَيْنَاهُ آَيَاتِنَا كُلَّهَا فَكَذَّبَ وَأَبَى (56)}
قوله تعالى: {قَالَ أَجِئْتَنَا لِتُخْرِجَنَا مِنْ أَرْضِنَا بِسِحْرِكَ يَا مُوسَى (57)}
قوله تعالى: {فَلَنَأْتِيَنَّكَ بِسِحْرٍ مِثْلِهِ فَاجْعَلْ بَيْنَنَا وَبَيْنَكَ مَوْعِدًا لَا نُخْلِفُهُ نَحْنُ وَلَا أَنْتَ مَكَانًا سُوًى (58)}

قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (مكانًا سوًى (58)
[معاني القراءات وعللها: 2/146]
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي (سوًى) بكسر السين.
وقرأ الباقون بضم السين.
قال أبو منصور: المعنى في (سوًى) و(سوًى) واحد، أي: مكانًا منصفًا يكون بيننا وبينك، كأنه قال: مكانا منصفًا متوسطا بين الموضعين.
وقال الأخفش في (سوًى) و((سوًى) هو المكان النصف بين الفريقين.
وقال الفراء: الضم والكسر عربيان، ولا يكونان إلا مقصورين.
و (سواء) بالفتح والمد، بمعناهما، ومثله قوله تعالى: (تعالوا إلى كلمةٍ سواءٍ بيننا وبينكم).
إلا أنه لم يقرأ ها هنا إلا بالقصر.
قال أبو منصور: واختار أبو حاتم (سوًى) بالضم منونًا، وغيره (سوى) بالكسر؛ لأنه أكثر في الكلام، وبه قال أبو عمرو والكسائي وابن كثير). [معاني القراءات وعللها: 2/147]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (8- وقوله تعالى: {مكانا سوى} بالضم.
وقرأ الباقون (سوى) بالكسر، مقصورين. وهما لغتان. قال الشاعر:
وأن أبانا كان حل ببلدةٍ = سوىً بين قيس قيس عيلان والفزر
قيس وفزر قبيلتان ها هنا، والفرز: القطيع من الشاء، والقيس: القرد، والقيس: مصدر قاس خطاه قيسًا. إذا سوى بينهما، يقال: رأيت جارية تميس ميسًا، وتقيس قيسًا. تميس معناه: تبختر.
[إعراب القراءات السبع وعللها: 2/33]
وسأل أعرابي رجلاً فقال: ما اسمك؟ قال: محمد قال: والكنية؟ قال: أبو قيس. قال: قبحك الله أتجمع بين اسم النبي صلى الله عليه وسلم والقرد؟! قال: والقيس الذكر عن ابن دريد فسألت أبا عمر فقال: هو الفيش.
وأما قولهم: جاءني القوم سوى زيد. فبالكسر مقصور، ومنهم من يفتح، ويمد فيقول: جائني القوم سواء زيد). [إعراب القراءات السبع وعللها: 2/34]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله: (مكانا سوى) [طه/ 58] في ضم السين وكسرها. فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي: (مكانا سوى) كسرا.
[الحجة للقراء السبعة: 5/223]
وقرأ ابن عامر وعاصم وحمزة: سوى بضم السين.
أبو عبيدة: مكانا سوى وسوى يضم أولها ويكسر مثل طوى وطوى. قال: وهو المكان النّصف فيما بين الفريقين، وأنشد لموسى بن جابر الحنفي:
فإن أبانا كان حلّ ببلدة... سوى بين قيس قيس عيلان والفزر
قال أبو علي: قوله: سوى، هو فعل من التسوية، فكأن المعنى مكانا تستوي فيه مسافته على الفريقين فتكون مسافة كل فريق إليه كمسافة الفريق الآخر، وهذا بناء يقل في الصفات، ومثله: قوم عدى، وأما فعل فهو في الصفات أكثر من فعل، نحو: رجل سلع، ودليل خنع، ومال لبد، ورجل حطم.
فأما انتصاب قوله: (مكانا سوى)، فلا يخلو من أن يكون مفعولا للموعد في قوله: فاجعل بيننا وبينك موعدا [طه/ 58] أو يكون ظرفا واقعا موقع المفعول الثاني، أو يكون منتصبا بأنه المفعول الثاني، فلا يجوز أن يكون متعلّقا بالموعد لا على أنه مفعول به، ولا على أنه ظرف له، وذلك أن الموعد قد وصف بالجملة التي هي: لا نخلفه نحن [طه/ 58] وإذا وصف لم يجز أن يعمل عمل الفعل لاختصاصه بالصفة، ولأنه إذا وصف لم يجز أن يتعلق به بعد الوصف شيء منه، كما أنه إذا عطف عليه لم يجز أن يتعلق به بعد العطف شيء منه،
[الحجة للقراء السبعة: 5/224]
وكذلك إذا أخبر عنه لم يجز أن يقع بعد الخبر عنه شيء يتعلق بالمخبر عنه، ولم يجز سيبويه: هذا ضارب ظريف زيدا، ولا: هذا ضويرب زيدا، إذا حقر اسم الفاعل، لأن التحقير في تخصيصه الاسم بمنزلة إجراء الوصف عليه، وقد جاء من ذلك في الشعر شيء، سمعت أبا إسحاق ينشد:
وراكضة ما تستجنّ بجنّة... بعير حلال غادرته مجعفل
وقرأت على محمد بن السري من خط السكري لبشر بن أبي خازم:
إذا فاقد خطباء فرخين رجّعت... ذكرت سليمى في الخليط المباين
وقال ذو الرّمة:
وقائلة تخشى عليّ أظنه... سيودي به ترحاله ومذاهبه
وهذا الذي جاء منه في الشعر يحمل النحويون مثله على إضمار فعل آخر: كما ذهبوا إليه في نحو قول الشاعر:
إن العرارة والنّبوح لدارم... والمستخفّ أخوهم الأثقالا
[الحجة للقراء السبعة: 5/225]
وكذلك قوله:
لسنا كمن حلت إياد دارها... تكريت ترقب حبّه أن يحصدا
فإن قلت: فقد جاء إن الذين كفروا ينادون لمقت الله أكبر من مقتكم أنفسكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون [غافر/ 10] والظرف في المعنى يتعلق بالمقت الأول لأن المعنى: لمقت الله إياكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون، أكبر من مقتكم أنفسكم الآية. وقوله: إذ تدعون متعلّق بالمقت الأول، وقد وقع بعد خبره، قيل: إن الظروف يتجوّز فيها ما لا يتجوّز في غيرها، ألا ترى أنها تقع مواقع لا يقعها غيرها، وهو أيضا مع ذلك ينبغي أن يحمل على فعل آخر دلّ المقت عليه كأنه: مقتكم إذ تدعون إلى الإيمان فتكفرون. فعلى هذا الضرب من الأفعال يحمل هذا النحو إذا جاء، ولم نعلم في التنزيل مجيء شيء منه إلا في الظروف، فقد علمت أن مكانا في قوله: مكانا سوى ليس يتعلق بالموعد لما ذكرنا، وليس بالسهل أن تجعل انتصاب مكانا في قوله: (مكانا سوى) على أن يكون ظرفا، وقع موقع المفعول الثاني، كقولك: ظننت خروجك اليوم، وعلمت ركوبك غدا، لأنك إن حملته على ذلك جعلت المبتدأ الذي يلحقه، جعلت، وظننت ونحوه، موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا قصدا، فتنصب المكان كما تنصب اليوم، في قولك: القتال اليوم.
ولم يجروا قولهم: الموعد مجرى سائر هذه الأحداث، ألا ترى
[الحجة للقراء السبعة: 5/226]
أنه قد جاء في التنزيل: إن موعدهم الصبح [هود/ 81] برفع الصبح، وجاء: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] فالقراءة بالرفع على أن الثاني هو الأول، وهذا حذف واتساع، ولا تقول على قياس موعدك الصبح: مرجعك الصبح، ولا مجيئك باب الأمير، ولا مقعدك السوق. وقد رأيت أنهم قد أخرجوا الموعد من أحكام نحوه، فلا يحسن فيه ما حسن في نحو ما يشبهه، ومما يدلّك على أنهم أخرجوا ما بعد الموعد من أن يكون ظرفا قوله: موعدكم يوم الزينة وأن يحشر الناس ضحى [طه/ 59] ألا ترى أن قوله: وأن يحشر الناس ليس من الظروف في شيء فلولا أن اليوم في قوله: موعدكم يوم الزينة، قد خرج من أن يكون ظرفا لم يعطف عليه ما لا يكون ظرفا. ولو نصب ناصب (اليوم) من قوله: موعدكم يوم الزينة فجعل (اليوم) خبرا عن الحدث مثل: القتال اليوم، مع عطف قوله: وأن يحشر الناس ضحى عليه جاز على أن يتعلق يوم الزينة بالمحذوف، ويضمر لقوله: وأن يحشر الناس ضحى ما يكون مبنيا عليه، كأنه: موعدكم يوم الزينة، وموعدكم أن يحشر الناس ضحى، وهذا هو الأصل، وإذا صار الاستعمال فيه على ما وصفناه مما جاء التنزيل به كان غير ذلك كالأصول المرفوضة، ولو قال قائل: إن الموعد في الآي اسم الزمان، فيكون مجيء الموعد اسما للزمان كقولهم: كان هذا مبعث الجيوش، ومضرب الشّول، ومحبل فلانة، أي وقت بعضهم، ومضرب الشّول: أي وقت ضربها، ومحبل فلانة، أي: زمان حبلها. فإذا جاز أن يكون اسما للزمان ارتفع الصبح، ويوم
[الحجة للقراء السبعة: 5/227]
الزينة من حيث كان الثاني لأنه هو الأول، وأنشد أبو الحسن:
كلما قلت غد موعدنا... غضبت هند وقالت بعد غد
فهذا يتجه أيضا على الوجهين اللذين قدمنا: أن يكون جعل الموعد الحدث، وجعله غدا، قبل على الاتساع، أو يكون جعل الموعد اسم زمان مثل المحبل، وعلى هذا الاتساع فيه، ويجوز أن يكون الموعد اسم المكان فمما جاء فيه اسم مكان: وإن جهنم لموعدهم أجمعين [الحجر/ 43] فالموعد ينبغي هاهنا أن يكون مكانا، لأن جهنم مكان، والثاني فيه هو الأول، وهذا أبين من أن تحمله على أن جهنم مكان موعدهم لأن الكلام على الظاهر ولا حذف فيه، فإذا جعلت قوله: مكانا مفعولا ثانيا لجعلت كان بمنزلة قوله: جعلوا القرآن عضين [الحجر/ 91] وقوله: وجعلوا الملائكة الذين هم عباد الرحمن إناثا [الزخرف/ 19] في أنه انتصب على أنه مفعول ثان لجعلت). [الحجة للقراء السبعة: 5/228]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن: [مَكَانًا سُوَى]، غير منون.
قال أبو الفتح: ترك صرف "سوى" ههنا مشكل، وذلك أنه وصف على فُعَل، وذلك مصروف عندهم: كمالٍ لُبَد، ورجلٍ حُطَم، ودليلٍ خُثَع، وسُكَع، إلا أنه ينبغي أن يحمل عليه أنه محمول على الوقف عليه، فجاء بترك التنوين. فإن وصل على ذلك فعلى نحو من قولهم: سبسبا وكلكلا، فجرى في الوصل مجراه في الوقف). [المحتسب: 2/52]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({فاجعل بيننا وبينك موعدا لا نخلفه نحن ولا أنت مكانا سوى}
قرأ عاصم وحمزة وابن عامر {مكانا سوى} بضم السّين وقرأ الباقون بالكسر وهما لغتان أي مكانا عدلا وقيل وسطا بين قريتين). [حجة القراءات: 453]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (10- قوله: {مكانًا سوى} قرأ ابن عامر وعاصم وحمزة بضم السين، وقرأ الباقون بالكسر، وهما لغتان مثل: «طِوى وطُوى» وهو نعت لـ «مكان» ومعناه: مكانًا نصفًا فيما بين الفريقين، وهو فعل من التسوية. فالمعنى: مكانًا لتستوي مسافته على الفريقين، و«فعل» قليل في الصفات نحو: عدى، و«فعل» كثير في الصفات، نحو قولك: لُبد وحطم. وقد ذكرنا أن أبا بكر وحمزة الكسائي يقفون عليه بالإمالة، وورش وأبو عمرو بين اللفين، وقد تقدمت علة الإمالة فيه وفي غيره). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 2/98]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {مَكَانًا سُوًى}[آية/ 58] بكسر السين:
قرأها ابن كثير ونافع وأبو عمرو والكسائي.
وقرأها ابن عامر وعاصم وحمزة ويعقوب {سُوًى}مضمومة السين.
والوجه أن {سِوًى} و{سُوًى}بالكسر والضم لغتان، والمعنى: بين موضعين، وقلما يأتي فعل بكسر الفاء في الصفات، وقد جاء نحو: عدى وسوى وثني، وأما سوى بالضم على فعلٍ فهو في الصفات أكثر نحو رجل
[الموضح: 834]
سكع، ودليل ختع ورجل حطم ومال لبد). [الموضح: 835]

قوله تعالى: {قَالَ مَوْعِدُكُمْ يَوْمُ الزِّينَةِ وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى (59)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة الحسن والأعمش والثقفي، ورويت عن أبي عمرو: [يَوْمَ الزِّينَةِ]، بالنصب.
قال أبو الفتح: أما نصب [يَوْمَ الزِّينَةِ] فعلى الظرف، كقولنا: قيامك يومَ الجمعة، فالموعد إذًا ههنا مصدر، والظرف بعده خبرٌ عنه. وهو عندي على حذف المضاف، أي: إنجاز موعدنا إياكم في ذلك اليوم.
ألا ترى أنه لا يراد في ذلك اليوم نعدكم؟ كيف ذا والوعد قد وقع الآن؟ إنما يتوقع إنجازه في ذلك اليوم، لكن في قوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} النظر، فظاهر حاله أن يكون مجرور الموضع حتى كأنه قال: موعدكم يوم الزينة وحشر الناس ضحى، أي: يوم هذا وهذا؛ فيكون "أن يحشر" معطوفا عل الزينة.
وقد يجوز أن يكون مرفوع الموضع عطفا على الموعد، فكأنه قال: إنجاز موعدكم وحشر الناس ضحى في يوم الزينة، أي: هذان الفعلان في يوم الزينة، فكأنه جعل الموعد عبارة عن جميع ما يتحدد ذلك اليوم: من الثواب، والعقاب، وغيرهما سوى الحشر. ألا تراه عطفه عليه. وأنت لا تقول: جاء القوم وزيد، وقد جاء زيد معهم؛ لأن الشيء لا يعطف على نفسه وكذلك قول الله تعالى : {مَنْ كَانَ عَدُوًّا لِلَّهِ وَمَلائِكَتِهِ وَرُسُلِهِ وَجِبْرِيلَ وَمِيكَالَ} لا يكون "جبريل" و"ميكائيل" داخلين في جملة الملائكة؛ لأنهما معطوفان عليهم، فلابد أن يكونا خارجين منهم، فأما قوله:
أكُرُّ عَلَيْهِمْ دَعْلَجًا وَلَبَانَهُ ... إذَا مَا اشتكَى وقعَ الرماحِ تَحَمْحَمَا
فيروى "لبانه" رفعا ونصبا، فمن رفعه فلا نظر فيه؛ لأنه مبتدأ وما بعده خبر عنه. وأما النصب فعلى أنه أخرج عن الجملة "لبانه"، ثم عطفه عليه، وساغ له ذلك لأنه مازه من جملته إكبارا له وتفخيما منه، كما ماز "جبريل" و"ميكائيل" من جملة الملائكة تشريفا
[المحتسب: 2/53]
لهما، وكذلك قوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} ليس في جملة ما دل عليه الموعد لما قدمناه، كأنه مميز من الزينة في اعتقادك إياه مجرورا؛ لأنه معطوف عليها.
وأما من رفع فقال: {يَوْمُ الزِّينَةِ} فإن الموعد عنده ينبغي أن يكون زمانا، فكأنه قال: وقت وعدي يوم الزينة، كقولنا: مبعث الجيوش شهر كذا، أي: وقت بعثها حينئذ. والعطف عليه بقوله: {وَأَنْ يُحْشَرَ النَّاسُ ضُحًى} يؤكد الرفع؛ لأن "أن" لا تكون ظرفا. ألا ترى أن من قال: زيارتك إياي مقدم الحاج لا يقول: زيارتك إياي أن يقدم الحاج؟ وذلك أن لفظ المصدر الصريح أشبه بالظرف من "أن" وصلتها التي بمعنى المصدر، إذا كان اسما لحدث، والظرف اسم للوقت، والوقت يكاد يكون حدثا. وعلى كل حال فلست تحصل من ظرف الزمان على أكثر من الحدث الذي هو حركات الفلك، فلما تدانيا هذا التداني ساغ وقوع أحدهما موقع صاحبه.
وأما "أن" فحرف موصول، جعل بدل لفظه على أنه في معنى المصدر. وما أبعد هذا عن الظرفية! وقد استقصينا القول على ذلك في كتابنا الخصائص وغيره من مصنفاتنا وينبغي أيضا أن يكون على حذف المضاف، أي: وقت وعدكم يوم الزينة ووقت حشر الناس؛ لأن الحشر في الحقيقة ليس وقتا، كما أن: قولك: ورودك مقدم الحاج إنما هو على حذف المضاف، أي: وقت مقدم الحاج وكذلك، خفوق النجم وخلافة فلان. فاعرف ذلك). [المحتسب: 2/54]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن مسعود والجحدري وأبي عمران الجوني وأبي نهيك وأبي بكرة وعمرو بن فائد: [وَأَنْ يَحْشُرَ النَّاسَ ضُحًى].
قال أبو الفتح: الفاعل هنا مضمر، أي: وأن يحشر الله الناس، فهذا كقوله سبحانه: {وَيَوْمَ نَحْشُرُهُمْ جَمِيعًا}، وجميع هذا يراد به العموم، أي: يحشرهم قاطبة وطُرًّا
[المحتسب: 2/54]
ولا يكون حالا كقوله سبحانه: {يَوْمَئِذٍ يَصْدُرُ النَّاسُ أَشْتَاتًا لِيُرَوْا أَعْمَالَهُمْ} ويدل عليه أيضا قوله: {وَحَشَرْنَاهُمْ فَلَمْ نُغَادِرْ مِنْهُمْ أَحَدًا} ). [المحتسب: 2/55]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس