عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 9 صفر 1440هـ/19-10-2018م, 07:47 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَقَالَ إِنِّي ذَاهِبٌ إِلَى رَبِّي سَيَهْدِينِ (99) رَبِّ هَبْ لِي مِنَ الصَّالِحِينَ (100) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وقال إنّي ذاهبٌ إلى ربّي سيهدين (99) ربّ هب لي من الصّالحين (100) فبشّرناه بغلامٍ حليمٍ (101) فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى قال يا أبت افعل ما تؤمر ستجدني إن شاء اللّه من الصّابرين (102) فلمّا أسلما وتلّه للجبين (103) وناديناه أن يا إبراهيم (104) قد صدّقت الرّؤيا إنّا كذلك نجزي المحسنين (105) إنّ هذا لهو البلاء المبين (106) وفديناه بذبحٍ عظيمٍ (107) وتركنا عليه في الآخرين (108) سلامٌ على إبراهيم (109) كذلك نجزي المحسنين (110) إنّه من عبادنا المؤمنين (111) وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين (112) وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذرّيّتهما محسنٌ وظالمٌ لنفسه مبينٌ (113)}
يقول تعالى مخبرًا عن خليله إبراهيم [عليه السّلام]: إنّه بعد ما نصره الله على قومه وأيس من إيمانهم بعدما شاهدوا من الآيات العظيمة، هاجر من بين أظهرهم، وقال: {إنّي ذاهبٌ إلى ربّي سيهدين ربّ هب لي من الصّالحين} يعني: أولادًا مطيعين عوضًا من قومه وعشيرته الّذين فارقهم). [تفسير ابن كثير: 7/ 26-27]

تفسير قوله تعالى: {فَبَشَّرْنَاهُ بِغُلَامٍ حَلِيمٍ (101) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فبشّرناه بغلامٍ حليمٍ} وهذا الغلام هو إسماعيل عليه السّلام، فإنّه أول ولدٍ بشّر به إبراهيم، عليه السّلام، وهو أكبر من إسحاق باتّفاق المسلمين وأهل الكتاب، بل في نصّ كتابهم أنّ إسماعيل ولد ولإبراهيم، عليه السّلام، ستٌّ وثمانون سنةً، وولد إسحاق وعمر إبراهيم تسعٌ وتسعون سنةً. وعندهم أنّ اللّه تعالى أمر إبراهيم أن يذبح ابنه وحيده، وفي نسخةٍ: بكره، فأقحموا هاهنا كذبًا وبهتانًا "إسحاق"، ولا يجوز هذا لأنّه مخالفٌ لنصّ كتابهم، وإنّما أقحموا "إسحاق" لأنّه أبوهم، وإسماعيل أبو العرب، فحسدوهم، فزادوا ذلك وحرّفوا وحيدك، بمعنى الّذي ليس عندك غيره، فإنّ إسماعيل كان ذهب به وبأمّه إلى جنب مكّة وهذا تأويلٌ وتحريفٌ باطلٌ، فإنّه لا يقال: "وحيدٌ" إلّا لمن ليس له غيره، وأيضًا فإنّ أوّل ولدٍ له معزّةٌ ما ليس لمن بعده من الأولاد، فالأمر بذبحه أبلغ في الابتلاء والاختبار.
وقد ذهب جماعةٌ من أهل العلم إلى أنّ الذّبيح هو إسحاق، وحكي ذلك عن طائفةٍ من السّلف، حتّى نقل عن بعض الصّحابة أيضًا، وليس ذلك في كتابٍ ولا سنّةٍ، وما أظنّ ذلك تلقى إلّا عن أحبار أهل الكتاب، وأخذ ذلك مسلّمًا من غير حجّةٍ. وهذا كتاب اللّه شاهدٌ ومرشدٌ إلى أنّه إسماعيل، فإنّه ذكر البشارة بالغلام الحليم، وذكر أنّه الذّبيح، ثمّ قال بعد ذلك: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين}. ولـمّا بشّرت الملائكة إبراهيم بإسحاق قالوا: {إنّا نبشّرك بغلامٍ عليمٍ} [الحجر:53]. وقال تعالى: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب} [هودٍ:71]، أي: يولد له في حياتهما ولدٌ يسمّى يعقوب، فيكون من ذرّيّته عقبٌ ونسلٌ. وقد قدّمنا هناك أنّه لا يجوز بعد هذا أن يؤمر بذبحه وهو صغيرٌ؛ لأنّ اللّه [تعالى] قد وعدهما بأنّه سيعقب، ويكون له نسلٌ، فكيف يمكن بعد هذا أن يؤمر بذبحه صغيرًا، وإسماعيل وصف هاهنا بالحليم؛ لأنّه مناسبٌ لهذا المقام). [تفسير ابن كثير: 7/ 27]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا بَلَغَ مَعَهُ السَّعْيَ قَالَ يَا بُنَيَّ إِنِّي أَرَى فِي الْمَنَامِ أَنِّي أَذْبَحُكَ فَانْظُرْ مَاذَا تَرَى قَالَ يَا أَبَتِ افْعَلْ مَا تُؤْمَرُ سَتَجِدُنِي إِنْ شَاءَ اللَّهُ مِنَ الصَّابِرِينَ (102) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فلمّا بلغ معه السّعي} أي: كبر وترعرع وصار يذهب مع أبيه ويمشي معه. وقد كان إبراهيم، عليه السّلام، يذهب في كلّ وقتٍ يتفقّد ولده وأمّ ولده ببلاد "فاران" وينظر في أمرهما، وقد ذكر أنّه كان يركب على البراق سريعًا إلى هناك، فاللّه أعلم.
وعن ابن عبّاسٍ ومجاهدٍ وعكرمة، وسعيد بن جبير، وعطاءٍ الخراسانيّ، وزيد بن أسلم، وغيرهم: {فلمّا بلغ معه السّعي} يعني: شبّ وارتحل وأطاق ما يفعله أبوه من السّعي والعمل، {فلمّا بلغ معه السّعي قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى} قال عبيد بن عميرٍ: رؤيا الأنبياء وحي، ثمّ تلا هذه الآية: {قال يا بنيّ إنّي أرى في المنام أنّي أذبحك فانظر ماذا ترى}
وقد قال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا عليّ بن الحسين بن الجنيد، حدّثنا أبو عبد الملك الكرندي، حدثنا سفيان بن عيينة، عن إسرائيل بن يونس، عن سماك، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "رؤيا الأنبياء في المنام وحي" ليس هو في شيءٍ من الكتب السّتّة من هذا الوجه.
وإنّما أعلم ابنه بذلك ليكون أهون عليه، وليختبر صبره وجلده وعزمه من صغره على طاعة اللّه تعالى وطاعة أبيه.
{قال يا أبت افعل ما تؤمر} أي: امض لما أمرك اللّه من ذبحي، {ستجدني إن شاء اللّه من الصّابرين} أي: سأصبر وأحتسب ذلك عند اللّه عزّ وجلّ. وصدق، صلوات اللّه وسلامه عليه، فيما وعد؛ ولهذا قال اللّه تعالى: {واذكر في الكتاب إسماعيل إنّه كان صادق الوعد وكان رسولا نبيًّا وكان يأمر أهله بالصّلاة والزّكاة وكان عند ربّه مرضيًّا} [مريم:54، 55]). [تفسير ابن كثير: 7/ 27-28]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَسْلَمَا وَتَلَّهُ لِلْجَبِينِ (103) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (قال اللّه تعالى: {فلمّا أسلما وتلّه للجبين} أي: فلمّا تشهّدا وذكرا اللّه تعالى إبراهيم على الذّبح والولد على شهادة الموت. وقيل: {أسلما}، [يعني]: استسلما وانقادا؛ إبراهيم امتثل أمر اللّه، وإسماعيل طاعة اللّه وأبيه. قاله مجاهدٌ، وعكرمة والسّدّيّ، وقتادة، وابن إسحاق، وغيرهم.
ومعنى {وتلّه للجبين} أي: صرعه على وجهه ليذبحه من قفاه، ولا يشاهد وجهه عند ذبحه، ليكون أهون عليه، قال ابن عبّاسٍ، ومجاهدٌ وسعيد بن جبيرٍ، والضّحّاك، وقتادة: {وتلّه للجبين}: أكبّه على وجهه.
وقال الإمام أحمد: حدّثنا سريج ويونس قالا حدّثنا حمّاد بن سلمة، عن أبي عاصمٍ الغنويّ، عن أبي الطّفيل، عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: لـمّا أمر إبراهيم بالمناسك عرض له الشّيطان عند السّعي، فسابقه فسبقه إبراهيم، ثمّ ذهب به جبريل إلى جمرة العقبة، فعرض له الشّيطان، فرماه بسبع حصياتٍ حتّى ذهب، ثمّ عرض له عند الجمرة الوسطى فرماه بسبع حصيات، وثمّ تلّه للجبين، وعلى إسماعيل قميصٌ أبيض، فقال له: يا أبت، إنّه ليس لي ثوبٌ تكفّنني فيه غيره، فاخلعه حتّى تكفّنني فيه. فعالجه ليخلعه، فنودي من خلفه: {أن يا إبراهيم قد صدّقت الرّؤيا}، فالتفت إبراهيم فإذا بكبشٍ أبيض أقرن أعين. قال ابن عبّاسٍ: لقد رأيتنا نتبع ذلك الضّرب من الكباش.
وذكر تمام الحديث في "المناسك" بطوله. ثمّ رواه أحمد بطوله عن يونس، عن حمّاد بن سلمة، عن عطاء بن السّائب، عن سعيد بن جبير، عن ابن عبّاسٍ، فذكر نحوه إلّا أنّه قال: "إسحاق". فعن ابن عبّاسٍ في تسمية الذّبيح روايتان، والأظهر عنه إسماعيل، لما سيأتي بيانه.
وقال محمّد بن إسحاق، عن الحسن بن دينارٍ، عن قتادة، عن جعفر بن إياسٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} قال: خرج عليه كبشٌ من الجنّة. قد رعى قبل ذلك أربعين خريفًا، فأرسل إبراهيم ابنه واتّبع الكبش، فأخرجه إلى الجمرة الأولى، فرماه بسبع حصياتٍ فأفلته عندها، فجاء الجمرة الوسطى فأخرجه عندها، فرماه بسبع حصياتٍ ثمّ أفلته فأدركه عند الجمرة الكبرى، فرماه بسبع حصياتٍ فأخرجه عندها. ثمّ أخذه فأتى به المنحر من منى فذبحه، فوالّذي نفس ابن عبّاسٍ بيده لقد كان أوّل الإسلام، وإنّ رأس الكبش لمعلّقٌ بقرنيه في ميزاب الكعبة قد حشّ، يعني: يبس.
وقال عبد الرّزّاق: أخبرنا معمر، عن الزّهريّ، أخبرنا القاسم قال: اجتمع أبو هريرة وكعبٌ، فجعل أبو هريرة يحدّث عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم، وجعل كعبٌ يحدّث عن الكتب، فقال أبو هريرة: قال النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ لكلّ نبيٍّ دعوةً مستجابةً، وإنّي قد خبأت دعوتي شفاعةً لأمّتي يوم القيامة". فقال له كعبٌ: أنت سمعت هذا من رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: نعم. قال: فداك أبي وأمّي -أو: فداه أبي وأمّي- أفلا أخبرك عن إبراهيم عليه السّلام؟ إنّه لـمّا أري ذبح ابنه إسحاق قال الشّيطان: إن لم أفتن هؤلاء عند هذه لم أفتنهم أبدًا. فخرج إبراهيم بابنه ليذبحه، فذهب الشّيطان فدخل على سارة، فقال: أين ذهب إبراهيم بابنك؟ قالت: غدا به لبعض حاجته. قال: لم يغد لحاجةٍ، وإنّما ذهب به ليذبحه. قالت: ولم يذبحه؟ قال: زعم أنّ ربّه أمره بذلك. قالت: فقد أحسن أن يطيع ربّه. فذهب الشّيطان في أثرهما فقال للغلام: أين يذهب بك أبوك؟ قال: لبعض حاجته. قال: إنّه لا يذهب بك لحاجةٍ، ولكنّه يذهب بك ليذبحك. قال: ولم يذبحني؟ قال: زعم أنّ ربّه أمره بذلك. قال: فواللّه لئن كان اللّه أمره بذلك ليفعلنّ. قال: فيئس منه فلحق بإبراهيم، فقال: أين غدوت بابنك؟ قال لحاجةٍ. قال: فإنّك لم تغد به لحاجةٍ، وإنّما غدوت به لتذبحه قال: ولم أذبحه؟ قال: تزعم أنّ ربّك أمرك بذلك. قال: فواللّه لئن كان اللّه أمرني بذلك لأفعلنّ. قال: فتركه ويئس أن يطاع.
وقد رواه ابن جريرٍ عن يونس، عن ابن وهب، عن يونس بن يزيد، عن ابن شهابٍ، أنّ عمرو بن أبي سفيان بن أسيد بن جارية الثّقفيّ أخبره، أنّ كعبًا قال لأبي هريرة = فذكره بطوله، وقال في آخره: وأوحى اللّه إلى إسحاق أنّي أعطيتك دعوةً أستجيب لك فيها. قال إسحاق: اللّهمّ، إنّي أدعو أن تستجيب لي: أيّما عبد لقيك من الأوّلين والآخرين، لا يشرك بك شيئًا، فأدخله الجنّة.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا محمّد بن الوزير الدّمشقيّ، حدّثنا الوليد بن مسلمٍ، حدّثنا عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم عن أبيه، عن عطاء بن يسارٍ، عن أبي هريرة [رضي اللّه عنه] قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "إنّ اللّه خيّرني بين أن يغفر لنصف أمّتي، وبين أن أختبئ شفاعتي، فاختبأت شفاعتي، ورجوت أن تكفّر الجم لأمّتي، ولولا الّذي سبقني إليه العبد الصّالح لتعجّلت فيها دعوتي، إن اللّه لما فرّج عن إسحاق كرب الذّبح قيل له: يا إسحاق، سل تعطه. فقال: أما والّذي نفسي بيده لأتعجّلنّها قبل نزغات الشّيطان، اللّهمّ من مات لا يشرك بك شيئًا فاغفر له وأدخله الجنّة".
هذا حديثٌ غريبٌ منكرٌ. وعبد الرّحمن بن زيد بن أسلم ضعيف الحديث، وأخشى أن يكون في الحديث زيادةٌ مدرجة، وهي قوله: "إن اللّه تعالى لـمّا فرّج عن إسحاق" إلى آخره، واللّه أعلم. فهذا إن كان محفوظًا فالأشبه أنّ السّياق إنّما هو عن "إسماعيل"، وإنّما حرّفوه بإسحاق؛ حسدًا منهم كما تقدّم، وإلّا فالمناسك والذّبائح إنّما محلّها بمنى من أرض مكّة، حيث كان إسماعيل لا إسحاق [عليهما السّلام]، فإنّه إنّما كان ببلاد كنعان من أرض الشّام). [تفسير ابن كثير: 7/ 28-30]

تفسير قوله تعالى: {وَنَادَيْنَاهُ أَنْ يَا إِبْرَاهِيمُ (104) قَدْ صَدَّقْتَ الرُّؤْيَا إِنَّا كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (105) إِنَّ هَذَا لَهُوَ الْبَلَاءُ الْمُبِينُ (106) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله تعالى: {وناديناه أن يا إبراهيم. قد صدّقت الرّؤيا} أي: قد حصل المقصود من رؤياك بإضجاعك ولدك للذّبح
وذكر السّدّيّ وغيره أنّه أمرّ السّكّين على رقبته فلم تقطع شيئًا، بل حال بينها وبينه صفيحةٌ من نحاسٍ ونودي إبراهيم، عليه السّلام، عند ذلك: {قد صدّقت الرّؤيا}
وقوله: {إنّا كذلك نجزي المحسنين} أي: هكذا نصرف عمّن أطاعنا المكاره والشّدائد، ونجعل لهم من أمرهم فرجًا ومخرجًا، كقوله تعالى: {ومن يتّق اللّه يجعل له مخرجًا. ويرزقه من حيث لا يحتسب ومن يتوكّل على اللّه فهو حسبه إنّ اللّه بالغ أمره قد جعل اللّه لكلّ شيءٍ قدرًا} [الطّلاق:2، 3].
وقد استدلّ بهذه الآية والقصّة جماعةٌ من علماء الأصول على صحّة النّسخ قبل التّمكّن من الفعل، خلافًا لطائفةٍ من المعتزلة، والدّلالة من هذه ظاهرةٌ، لأنّ اللّه تعالى شرع لإبراهيم ذبح ولده، ثمّ نسخه عنه وصرفه إلى الفداء، وإنّما كان المقصود من شرعه أوّلًا إثابة الخليل على الصّبر على ذبح ولده وعزمه على ذلك؛ ولهذا قال تعالى: {إنّ هذا لهو البلاء المبين} أي: الاختبار الواضح الجليّ؛ حيث أمر بذبح ولده، فسارع إلى ذلك مستسلمًا لأمر اللّه، منقادًا لطاعته؛ ولهذا قال تعالى: {وإبراهيم الّذي وفّى} [النجم:37]).[تفسير ابن كثير: 7/ 30]

تفسير قوله تعالى: {وَفَدَيْنَاهُ بِذِبْحٍ عَظِيمٍ (107) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} قال سفيان الثّوريّ، عن جابرٍ الجعفي، عن أبي الطّفيل، عن عليٍّ، رضي اللّه عنه: {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} قال: بكبشٍ أبيض أعين أقرن، قد ربط بسمرةٍ -قال أبو الطّفيل وجدوه مربوطًا بسمرة في ثبير
وقال الثّوريّ أيضًا، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: كبشٌ قد رعى في الجنّة أربعين خريفًا.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا يوسف بن يعقوب الصّفّار، حدّثنا داود العطّار، عن ابن خثيمٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الصّخرة الّتي بمنى بأصل ثبيرٍ هي الصّخرة الّتي ذبح عليها إبراهيم فداء ابنه، هبط عليه من ثبيرٍ كبشٌ أعين أقرن له ثغاءٌ، فذبحه، وهو الكبش الّذي قرّبه ابن آدم فتقبّل منه، فكان مخزونًا حتّى فدي به إسحاق.
وروي أيضًا عن سعيد بن جبيرٍ أنّه قال: كان الكبش يرتع في الجنّة حتّى تشقّق عنه ثبيرٌ، وكان عليه عهن أحمر.
وعن الحسن البصريّ: أنّه كان اسم كبش إبراهيم: جريرٌ.
وقال ابن جريجٍ: قال عبيد بن عميرٍ: ذبحه بالمقام. وقال مجاهدٌ: ذبحه بمنى عند المنحر. وقال هشيم، عن سيّارٍ، عن عكرمة؛ أنّ ابن عبّاسٍ كان أفتى الّذي جعل عليه نذرًا أن ينحر نفسه، فأمره بمائةٍ من الإبل. ثمّ قال بعد ذلك: لو كنت أفتيته بكبشٍ لأجزأه أن يذبح كبشًا، فإنّ اللّه تعالى قال في كتابه: {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} والصّحيح الّذي عليه الأكثرون أنّه فدي بكبشٍ. وقال الثّوريّ، عن رجلٍ، عن أبي صالحٍ، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {وفديناه بذبحٍ عظيمٍ} قال: وعلٌ.
وقال محمّد بن إسحاق، عن عمرو بن عبيدٍ، عن الحسن أنّه كان يقول: ما فدي إسماعيل إلّا بتيسٍ من الأروى، أهبط عليه من ثبيرٍ.
وقد قال الإمام أحمد: حدّثنا سفيان، حدّثنا منصورٌ، عن خاله مسافع، عن صفيّة بنت شيبة قالت: أخبرتني امرأةٌ من بني سليمٍ -ولدت عامّة أهل دارنا- أرسل رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم إلى عثمان بن طلحة -وقال مرّةً: إنّها سألت عثمان: لم دعاك النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم؟ قال: قال: "إنّي كنت رأيت قرني الكبش، حين دخلت البيت، فنسيت أن آمرك أن تخمّرهما، فخمّرهما، فإنّه لا ينبغي أن يكون في البيت شيءٌ يشغل المصلّي". قال سفيان: لم يزل قرنا الكبش معلّقين في البيت حتى احترق البيت، فاحترقا.
وهذا دليلٌ مستقلٌّ على أنّه إسماعيل، عليه السّلام، فإنّ قريشًا توارثوا قرني الكبش الّذي فدى به إبراهيم خلفًا عن سلفٍ وجيلًا بعد جيلٍ، إلى أن بعث اللّه رسوله صلّى اللّه عليه وسلّم.
فصلٌ في ذكر الآثار الواردة عن السّلف في أنّ الذّبيح من هو؟:
ذكر من قال: هو إسحاق [عليه السّلام]:
قال حمزة الزّيّات، عن أبي ميسرة، رحمه اللّه، قال: قال يوسف، عليه السّلام، للملك في وجهه: ترغب أن تأكل معي، وأنا -واللّه- يوسف بن يعقوب نبيّ اللّه، ابن إسحاق ذبيح اللّه، ابن إبراهيم خليل اللّه.
وقال الثّوريّ، عن أبي سنانٍ، عن ابن أبي الهذيل: إنّ يوسف، عليه السّلام، قال للملك كذلك أيضًا.
وقال سفيان الثّوريّ، عن زيد بن أسلم، عن عبد اللّه بن عبيد بن عميرٍ، عن أبيه قال: "قال موسى: يا ربّ، يقولون: يا إله إبراهيم وإسحاق ويعقوب، فبم قالوا ذلك؟ قال: إنّ إبراهيم لم يعدل بي شيءٌ قطّ إلّا اختارني عليه. وإنّ إسحاق جاد لي بالذّبح، وهو بغير ذلك أجود. وإنّ يعقوب كلّما زدته بلاءً زادني حسن ظنٍّ".
وقال شعبة، عن أبي إسحاق، عن أبي الأحوص قال: افتخر رجلٌ عند ابن مسعودٍ فقال: أنا فلان بن فلانٍ، ابن الأشياخ الكرام. فقال عبد اللّه: ذاك يوسف بن يعقوب بن إسحاق ذبيح اللّه، ابن إبراهيم خليل اللّه [صلوات اللّه وسلامه عليهم].
وهذا صحيحٌ إلى ابن مسعودٍ، وكذا روى عكرمة، عن ابن عبّاسٍ أنّه إسحاق. وعن أبيه العبّاس، وعليّ بن أبي طالبٍ مثل ذلك. وكذا قال عكرمة، وسعيد بن جبيرٍ، ومجاهدٌ، والشّعبيّ، وعبيد بن عميرٍ، وأبو ميسرة، وزيد بن أسلم، وعبد اللّه بن شقيقٍ، والزّهريّ، والقاسم بن أبي بزّة، ومكحولٌ، وعثمان بن حاضرٍ، والسّدّيّ، والحسن، وقتادة، وأبو الهذيل، وابن سابطٍ. وهو اختيار ابن جريرٍ. وتقدّم روايته عن كعب الأحبار أنّه إسحاق.
وهكذا روى ابن إسحاق عن عبد اللّه بن أبي بكرٍ، عن الزّهريّ، عن أبي سفيان بن العلاء، بن جارية، عن أبي هريرة، عن كعب الأحبار، أنّه قال: هو إسحاق.
وهذه الأقوال -واللّه أعلم-كلّها مأخوذةٌ عن كعب الأحبار، فإنّه لـمّا أسلم في الدّولة العمريّة جعل يحدّث عمر، رضي اللّه عنه عن كتبه، فربّما استمع له عمر، رضي اللّه عنه، فترخّص النّاس في استماع ما عنده، ونقلوا عنه غثّها وسمينها، وليس لهذه الأمّة -والله أعلم- حاجة إلى حرف واحدٍ ممّا عنده. وقد حكى البغويّ هذا القول بأنّه إسحاق عن عمر، وعليٍّ، وابن مسعودٍ، والعبّاس، ومن التّابعين عن كعب الأحبار، وسعيد بن جبيرٍ، وقتادة، ومسروقٍ، وعكرمة، ومقاتلٍ، وعطاءٍ، والزّهريّ، والسّدّيّ -قال: وهو إحدى الرّوايتين عن ابن عبّاسٍ. وقد ورد في ذلك حديثٌ -لو ثبت لقلنا به على الرّأس والعين، ولكن لم يصحّ سنده-قال ابن جريرٍ:
حدّثنا أبو كريبٍ، حدّثنا زيد بن حبابٍ، عن الحسن بن دينارٍ، عن عليّ بن زيد بن جدعان، عن الحسن، عن الأحنف بن قيسٍ، عن العبّاس بن عبد المطّلب، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم في حديثٍ ذكره قال: هو إسحاق.
ففي إسناده ضعيفان، وهما الحسن بن دينارٍ البصريّ، متروكٌ. وعليّ بن زيد بن جدعان منكر الحدث. وقد رواه ابن أبي حاتمٍ، عن أبيه، عن مسلم بن إبراهيم، عن حمّاد بن سلمة، عن عليّ بن زيد بن جدعان، به مرفوعًا.. ثمّ قال: قد رواه مبارك بن فضالة، عن الحسن، عن الأحنف، عن العبّاس قوله، وهذا أشبه وأصحّ.
[ذكر الآثار الواردة بأنّه إسماعيل -عليه السّلام- وهو الصّحيح المقطوع به].
قد تقدّمت الرّواية عن ابن عبّاسٍ أنّه إسحاق. قال سعيد بن جبيرٍ، وعامرٌ الشّعبيّ، ويوسف بن مهران، ومجاهدٌ، وعطاءٌ، وغير واحدٍ، عن ابن عبّاسٍ، هو إسماعيل عليه لسلام.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يونس، أخبرنا ابن وهبٍ، أخبرني عمرو بن قيسٍ، عن عطاء بن أبي رباحٍ عن ابن عبّاسٍ أنّه قال: المفدى إسماعيل، عليه السّلام، وزعمت اليهود أنّه إسحاق، وكذبت اليهود.
وقال إسرائيل، عن ثورٍ، عن مجاهدٍ، عن ابن عمر قال: الذّبيح إسماعيل.
وقال ابن أبي نجيحٍ عن مجاهدٍ: هو إسماعيل. وكذا قال يوسف بن مهران.
وقال الشّعبيّ: هو إسماعيل، عليه السّلام، وقد رأيت قرني الكبش في الكعبة.
وقال محمّد بن إسحاق، عن الحسن بن دينارٍ، وعمرو بن عبيدٍ، عن الحسن البصريّ: أنّه كان لا يشكّ في ذلك: أنّ الّذي أمر بذبحه من ابني إبراهيم إسماعيل.
قال ابن إسحاق: وسمعت محمّد بن كعبٍ القرظيّ وهو يقول: إنّ الّذي أمر اللّه إبراهيم بذبحه من ابنيه إسماعيل. وإنّا لنجد ذلك في كتاب اللّه، وذلك أنّ اللّه حين فرغ من قصّة المذبوح من ابني إبراهيم قال: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين}. يقول اللّه تعالى: {فبشّرناها بإسحاق ومن وراء إسحاق يعقوب}، يقول بابنٍ وابن ابنٍ، فلم يكن ليأمره بذبح إسحاق وله فيه من [اللّه] الموعد بما وعده، وما الّذي أمر بذبحه إلّا إسماعيل.
وقال ابن إسحاق، عن بريدة بن سفيان بن فروة الأسلميّ، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ أنّه حدّثهم؛ أنّه ذكر ذلك لعمر بن عبد العزيز وهو خليفةٌ إذ كان معه بالشّام، فقال له عمر: إنّ هذا لشيءٌ ما كنت أنظر فيه، وإنّي لأراه كما قلت. ثمّ أرسل إلى رجلٍ كان عنده بالشّام، كان يهوديًّا فأسلم وحسن إسلامه، وكان يرى أنّه من علمائهم، فسأله عمر بن عبد العزيز عن ذلك -قال محمّد بن كعبٍ: وأنا عند عمر بن عبد العزيز- فقال له عمر: أيّ ابني إبراهيم أمر بذبحه؟ فقال: إسماعيل واللّه يا أمير المؤمنين، وإنّ يهود لتعلم بذلك، ولكنّهم يحسدونكم معشر العرب، على أن يكون أباكم الّذي كان من أمر اللّه فيه، والفضل الّذي ذكره اللّه منه لصبره لما أمر به، فهم يجحدون ذلك، ويزعمون أنّه إسحاق، بكون إسحاق أبوهم، واللّه أعلم أيّهما كان، وكلٌّ قد كان طاهرًا طيّبًا مطيعًا للّه عزّ وجلّ.
وقال عبد اللّه بن الإمام أحمد بن حنبلٍ، رحمه اللّه: سألت أبي عن الذّبيح، من هو؟ إسماعيل أو إسحاق؟ فقال: إسماعيل. ذكره في كتاب الزّهد.
وقال ابن أبي حاتمٍ: وسمعت أبي يقول: الصّحيح أنّ الذّبيح إسماعيل، عليه السّلام. قال: وروي عن عليٍّ، وابن عمر، وأبي هريرة، وأبي الطّفيل، وسعيد بن المسيّب، وسعيد بن جبيرٍ، والحسن، ومجاهدٍ، والشّعبيّ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، وأبي جعفرٍ محمّد بن عليٍّ، وأبي صالحٍ أنّهم قالوا: الذّبيح إسماعيل.
وقال البغويّ في تفسيره: وإليه ذهب عبد اللّه بن عمر، وسعيد بن المسيّب، والسّدّيّ، والحسن البصريّ، ومجاهدٌ، والرّبيع بن أنسٍ، ومحمّد بن كعبٍ القرظيّ، والكلبيّ، وهو روايةٌ عن ابن عبّاسٍ، وحكاه أيضًا عن أبي عمرو بن العلاء.
وقد روى ابن جريرٍ في ذلك حديثًا غريبًا فقال: حدّثني محمّد بن عمّارٍ الرّازيّ، حدّثنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، حدّثنا عمر بن عبد الرّحيم الخطّابيّ، عن عبيد الله بن محمد العتبي -من ولد عتبة بن أبي سفيان-عن أبيه: حدّثني عبد اللّه بن سعيدٍ، عن الصّنابحيّ قال: كنّا عند معاوية بن أبي سفيان، فذكروا الذّبيح: إسماعيل أو إسحاق؟ فقال على الخبير سقطتم، كنّا عند رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فجاءه رجلٌ فقال: يا رسول اللّه، عد عليّ ممّا أفاء اللّه عليك يا ابن الذّبيحين. فضحك رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم، فقيل له: يا أمير المؤمنين، وما الذّبيحان؟ فقال: إنّ عبد المطّلب لمّا أمر بحفر زمزم نذر للّه إنّ سهّل اللّه أمرها عليه، ليذبحن أحد ولده، قال: فخرج السّهم على عبد اللّه فمنعه أخواله وقالوا: افد ابنك بمائةٍ من الإبل. ففداه بمائةٍ من الإبل، وإسماعيل الثّاني.
وهذا حديثٌ غريبٌ جدًّا. وقد رواه الأمويّ في مغازيه: حدّثنا بعض أصحابنا، أخبرنا إسماعيل بن عبيد بن أبي كريمة، حدّثنا عمر بن عبد الرّحمن القرشيّ، حدّثنا عبيد الله بن محمد العتبي -من ولد عتبة بن أبي سفيان-حدّثنا عبد اللّه بن سعيدٍ، حدّثنا الصّنابحيّ قال: حضرنا مجلس معاوية، فتذاكر القوم إسماعيل وإسحاق، وذكره. كذا كتبته من نسخةٍ مغلوطةٍ.
وإنّما عوّل ابن جريرٍ في اختياره أنّ الذّبيح إسحاق على قوله تعالى: {فبشّرناه بغلامٍ حليمٍ}، فجعل هذه البشارة هي البشارة بإسحاق في قوله: {وبشّروه بغلامٍ عليمٍ} [الذّاريات:28]. وأجاب عن البشارة بيعقوب بأنّه قد كان بلغ معه السّعي، أي العمل. ومن الممكن أنّه قد كان ولد له أولادٌ مع يعقوب أيضًا. قال: وأمّا القرنان اللّذان كانا معلّقين بالكعبة فمن الجائز أنّهما نقلا من بلاد الشّام. قال: وقد تقدّم أنّ من النّاس من ذهب إلى أنّه ذبح إسحاق هناك. هذا ما اعتمد عليه في تفسيره، وليس ما ذهب إليه بمذهبٍ ولا لازمٍ، بل هو بعيدٌ جدًّا، والّذي استدلّ به محمّد بن كعبٍ القرظيّ على أنّه إسماعيل أثبت وأصحّ وأقوى، واللّه أعلم). [تفسير ابن كثير: 7/ 31-35]

تفسير قوله تعالى: {وَتَرَكْنَا عَلَيْهِ فِي الْآَخِرِينَ (108) }

تفسير قوله تعالى: {سَلَامٌ عَلَى إِبْرَاهِيمَ (109) }

تفسير قوله تعالى: {كَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (110) }

تفسير قوله تعالى: {إِنَّهُ مِنْ عِبَادِنَا الْمُؤْمِنِينَ (111) }

تفسير قوله تعالى: {وَبَشَّرْنَاهُ بِإِسْحَاقَ نَبِيًّا مِنَ الصَّالِحِينَ (112) وَبَارَكْنَا عَلَيْهِ وَعَلَى إِسْحَاقَ وَمِنْ ذُرِّيَّتِهِمَا مُحْسِنٌ وَظَالِمٌ لِنَفْسِهِ مُبِينٌ (113) }
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين}، لـمّا تقدّمت البشارة بالذّبيح -وهو إسماعيل- عطف بذكر البشارة بأخيه إسحاق، وقد ذكرت في سورتي هودٍ" و "الحجر".
وقوله: {نبيًّا} حالٌ مقدّرةٌ، أي: سيصير منه نبيٌّ من الصّالحين.
وقال ابن جريرٍ: حدّثني يعقوب، حدّثنا ابن عليّة، عن داود، عن عكرمة قال: قال ابن عبّاسٍ، رضي اللّه عنهما: الذّبيح إسحاق. قال: وقوله: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين} قال: بشّر بنبوّته. قال: وقوله: {ووهبنا له من رحمتنا أخاه هارون نبيًّا} [مريم:53] قال: كان هارون أكبر من موسى، ولكن أراد: وهب له نبوّته.
وحدّثنا ابن عبد الأعلى، حدّثنا المعتمر بن سليمان قال: سمعت داود يحدّث، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ في هذه الآية: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين} قال: إنّما بشّر به نبيًّا حين فداه اللّه من الذّبح، ولم تكن البشارة بالنّبوّة عند مولده.
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أبي، حدّثنا أبو نعيمٍ، حدّثنا سفيان الثّوريّ، عن داود، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين} قال: بشّر به حين ولد، وحين نبّئ.
وقال سعيد بن أبي عروبة، عن قتادة في قوله: {وبشّرناه بإسحاق نبيًّا من الصّالحين} قال: بعد ما كان من أمره، لـمّا جاد للّه بنفسه، وقال اللّه: {وباركنا عليه وعلى إسحاق}
وقوله: {وباركنا عليه وعلى إسحاق ومن ذرّيّتهما محسنٌ وظالمٌ لنفسه مبينٌ} كقوله تعالى: {قيل يا نوح اهبط بسلامٍ منّا وبركاتٍ عليك وعلى أممٍ ممّن معك وأممٌ سنمتّعهم ثمّ يمسّهم منّا عذابٌ أليمٌ} [هودٍ:48]). [تفسير ابن كثير: 7/ 35-36]

رد مع اقتباس