عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 14 محرم 1440هـ/24-09-2018م, 03:14 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ خَلَقْنَا فَوْقَكُمْ سَبْعَ طَرَائِقَ وَمَا كُنَّا عَنِ الْخَلْقِ غَافِلِينَ (17)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنّا عن الخلق غافلين (17)}
لمّا ذكر تعالى خلق الإنسان، عطف بذكر خلق السموات السبع، وكثيرًا ما يذكر تعالى خلق السموات والأرض مع خلق الإنسان، كما قال تعالى: {لخلق السّماوات والأرض أكبر من خلق النّاس} [غافرٍ:57]. وهكذا في أوّل {الم} السّجدة، الّتي كان رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم يقرأ بها [في] صبيحة يوم الجمعة، في أولها خلق السموات والأرض، ثمّ بيان خلق الإنسان من سلالةٍ من طينٍ، وفيها أمر المعاد والجزاء، وغير ذلك من المقاصد.
فقوله: {سبع طرائق}: قال مجاهد: يعني السموات السّبع، وهذه كقوله تعالى: {تسبّح له السّماوات السّبع والأرض ومن فيهنّ} [الإسراء: 44]، {ألم تروا كيف خلق اللّه سبع سماواتٍ طباقًا} [نوحٍ:15]، {اللّه الّذي خلق سبع سماواتٍ ومن الأرض مثلهنّ يتنزل الأمر بينهنّ لتعلموا أنّ اللّه على كلّ شيءٍ قديرٌ وأنّ اللّه قد أحاط بكلّ شيءٍ علمًا} [الطّلاق:12]. وهكذا قال هاهنا: {ولقد خلقنا فوقكم سبع طرائق وما كنّا عن الخلق غافلين} أي: ويعلم ما يلج في الأرض وما يخرج منها، وما ينزل من السّماء وما يعرج فيها، وهو معكم أينما كنتم، واللّه بما تعملون بصيرٌ. وهو -سبحانه-لا يحجب عنه سماءٌ سماءً، ولا أرضٌ أرضًا، ولا جبلٌ إلّا يعلم ما في وعره، ولا بحرٌ إلّا يعلم ما في قعره، يعلم عدد ما في الجبال والتّلال والرّمال، والبحار والقفار والأشجار، {وما تسقط من ورقةٍ إلا يعلمها ولا حبّةٍ في ظلمات الأرض ولا رطبٍ ولا يابسٍ إلا في كتابٍ مبينٍ} [الأنعام: 59]). [تفسير ابن كثير: 5/ 469-470]

تفسير قوله تعالى: {وَأَنْزَلْنَا مِنَ السَّمَاءِ مَاءً بِقَدَرٍ فَأَسْكَنَّاهُ فِي الْأَرْضِ وَإِنَّا عَلَى ذَهَابٍ بِهِ لَقَادِرُونَ (18)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({وأنزلنا من السّماء ماءً بقدرٍ فأسكنّاه في الأرض وإنّا على ذهابٍ به لقادرون (18) فأنشأنا لكم به جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ لكم فيها فواكه كثيرةٌ ومنها تأكلون (19) وشجرةً تخرج من طور سيناء تنبت بالدّهن وصبغٍ للآكلين (20) وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرةٌ ومنها تأكلون (21) وعليها وعلى الفلك تحملون (22)}
يذكر تعالى نعمه على عبيده الّتي لا تعدّ ولا تحصى، في إنزاله القطر من السّماء {بقدرٍ} أي: بحسب الحاجة، لا كثيرًا فيفسد الأرض والعمران، ولا قليلًا فلا يكفي الزّروع والثّمار، بل بقدر الحاجة إليه من السّقي والشّرب والانتفاع به، حتّى إنّ الأراضي الّتي تحتاج ماءً كثيرًا لزرعها ولا تحتمل دمنتها إنزال المطر عليها، يسوق إليها الماء من بلادٍ أخرى، كما في أرض مصر، ويقال لها: "الأرض الجرز"، يسوق اللّه إليها ماء النّيل معه طينٌ أحمر يجترفه من بلاد الحبشة في زمان أمطارها، فيأتي الماء يحمل طينًا أحمر، فيسقي أرض مصر، ويقرّ الطّين على أرضهم ليزدرعوا فيه، لأنّ أرضهم سباخٌ يغلب عليها الرّمال، فسبحان اللّطيف الخبير الرّحيم الغفور.
وقوله: {فأسكنّاه في الأرض} أي: جعلنا الماء إذا نزل من السّحاب يخلد في الأرض، وجعلنا في الأرض قابليّة له، تشربه ويتغذّى به ما فيها من الحبّ والنّوى.
وقوله: {وإنّا على ذهابٍ به لقادرون} أي: لو شئنا ألّا تمطر لفعلنا، ولو شئنا لصرفناه عنكم إلى السّباخ والبراريّ [والبحار] والقفار لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه أجاجًا لا ينتفع به لشرب ولا لسقيٍ لفعلنا، ولو شئنا لجعلناه لا ينزل في الأرض، بل ينجرّ على وجهها لفعلنا. ولو شئنا لجعلناه إذا نزل فيها يغور إلى مدى لا تصلون إليه ولا تنتفعون به لفعلنا. ولكن بلطفه ورحمته ينزّل عليكم الماء من السّحاب عذبًا فراتًا زلالًا فيسكنه في الأرض ويسلكه ينابيع في الأرض، فيفتح العيون والأنهار، فيسقي به الزّروع والثّمار، وتشربون منه ودوابكم وأنعامكم، وتغتسلون منه وتتطهرون وتتنظّفون، فله الحمد والمنّة). [تفسير ابن كثير: 5/ 470-471]

تفسير قوله تعالى: {فَأَنْشَأْنَا لَكُمْ بِهِ جَنَّاتٍ مِنْ نَخِيلٍ وَأَعْنَابٍ لَكُمْ فِيهَا فَوَاكِهُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (19)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {فأنشأنا لكم به جنّاتٍ من نخيلٍ وأعنابٍ} يعني: فأخرجنا لكم بما أنزلنا من الماء {جنّاتٍ} أي: بساتين وحدائق ذات بهجةٍ، أي: ذات منظرٍ حسنٍ.
وقوله: {من نخيلٍ وأعنابٍ} أي: فيها نخيلٌ وأعنابٌ. وهذا ما كان يألف أهل الحجاز، ولا فرق بين الشّيء وبين نظيره، وكذلك في حقّ كلّ أهل إقليمٍ، عندهم من الثّمار من نعمة اللّه عليهم ما يعجزون عن القيام بشكره.
وقوله: {لكم فيها فواكه كثيرةٌ} أي: من جميع الثّمار، كما قال: {ينبت لكم به الزّرع والزّيتون والنّخيل والأعناب ومن كلّ الثّمرات} [النّحل: 11].
وقوله: {ومنها تأكلون} كأنّه معطوفٌ على شيءٍ مقدّرٍ، تقديره: تنظرون إلى حسنه ونضجه، ومنه تأكلون). [تفسير ابن كثير: 5/ 471]

تفسير قوله تعالى: {وَشَجَرَةً تَخْرُجُ مِنْ طُورِ سَيْنَاءَ تَنْبُتُ بِالدُّهْنِ وَصِبْغٍ لِلْآَكِلِينَ (20)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وشجرةً تخرج من طور سيناء} يعني: الزّيتونة. والطّور: هو الجبل. وقال بعضهم: إنّما يسمّى طورًا إذا كان فيه شجرٌ، فإن عرى عنها سمّي جبلا لا طورًا، واللّه أعلم. وطور سيناء: هو طور سينين، وهو الجبل الّذي كلّم [اللّه] عليه موسى بن عمران، عليه السّلام، وما حوله من الجبال الّتي فيها شجر الزّيتون.
وقوله: {تنبت بالدّهن}: قال بعضهم: الباء زائدةٌ، وتقديره: تنبت الدّهن، كما في قول العرب: ألقى فلانٌ بيده، أي: يده. وأمّا على قول من يضمّن الفعل فتقديره: تخرج بالدّهن، أو تأتي بالدّهن؛ ولهذا قال: {وصبغٍ} أي: أدم، قاله قتادة. {للآكلين} أي: فيها ما ينتفع به من الدّهن والاصطباغ، كما قال الإمام أحمد: حدّثنا وكيع، عن عبد اللّه بن عيسى، عن عطاءٍ الشّاميّ، عن أبي أسيد -واسمه مالك بن ربيعة السّاعديّ الأنصاريّ-قال: قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم: "كلوا الزّيت وادّهنوا به ؛ فإنّه من شجرةٍ مباركةٍ".
وقال عبد بن حميد في مسنده وتفسيره: حدّثنا عبد الرّزّاق، أخبرنا معمر، عن زيد بن أسلم، عن أبيه، عن عمر؛ أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم قال: "ائتدموا بالزّيت وادّهنوا به، فإنّه يخرج من شجرةٍ مباركةٍ".
ورواه التّرمذيّ وابن ماجه من غير وجهٍ، عن عبد الرّزّاق. قال التّرمذيّ: ولا يعرف إلا من حديثه، وكان يضطرب فيه، فربّما ذكر فيه عمر وربّما لم يذكره.
قال أبو القاسم الطّبرانيّ: حدّثنا عبد اللّه بن أحمد بن حنبلٍ، حدّثنا أبي، حدّثنا سفيان بن عيينة، حدّثني الصّعب بن حكيم بن شريك بن نملة، عن أبيه عن جدّه، قال: ضفت عمر بن الخطّاب ليلة عاشوراء، فأطعمني من رأس بعيرٍ باردٍ، وأطعمنا زيتًا، وقال: هذا الزّيت المبارك الّذي قال اللّه لنبيّه صلّى اللّه عليه وسلّم). [تفسير ابن كثير: 5/ 471-472]

تفسير قوله تعالى: {وَإِنَّ لَكُمْ فِي الْأَنْعَامِ لَعِبْرَةً نُسْقِيكُمْ مِمَّا فِي بُطُونِهَا وَلَكُمْ فِيهَا مَنَافِعُ كَثِيرَةٌ وَمِنْهَا تَأْكُلُونَ (21) وَعَلَيْهَا وَعَلَى الْفُلْكِ تُحْمَلُونَ (22)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (وقوله: {وإنّ لكم في الأنعام لعبرةً نسقيكم ممّا في بطونها ولكم فيها منافع كثيرةٌ ومنها تأكلون وعليها وعلى الفلك تحملون}: يذكر تعالى ما جعل لخلقه في الأنعام من المنافع، وذلك أنّهم يشربون من ألبانها الخارجة من بين فرث ودمٍ، ويأكلون من حملانها، ويلبسون من أصوافها وأوبارها وأشعارها، ويركبون ظهورها ويحمّلونها الأحمال الثّقال إلى البلاد النّائية عنهم، كما قال تعالى: {وتحمل أثقالكم إلى بلدٍ لم تكونوا بالغيه إلا بشقّ الأنفس إنّ ربّكم لرءوفٌ رحيمٌ} [النّحل: 7]، وقال تعالى: {أولم يروا أنّا خلقنا لهم ممّا عملت أيدينا أنعامًا فهم لها مالكون. وذلّلناها لهم فمنها ركوبهم ومنها يأكلون. ولهم فيها منافع ومشارب أفلا يشكرون} [يس: 71-73]). [تفسير ابن كثير: 5/ 472]

رد مع اقتباس