عرض مشاركة واحدة
  #2  
قديم 21 ربيع الثاني 1434هـ/3-03-2013م, 11:35 AM
ريم الحربي ريم الحربي غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Jan 2010
الدولة: بلاد الحرمين
المشاركات: 2,656
افتراضي تفسير السلف

تفسير السلف

تفسير قوله تعالى: {وَلَقَدْ أَخَذْنَا آَلَ فِرْعَوْنَ بِالسِّنِينَ وَنَقْصٍ مِنَ الثَّمَرَاتِ لَعَلَّهُمْ يَذَّكَّرُونَ (130)}
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات}، قال هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصا موسى إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 391] (م)
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات لعلّهم يذّكرون}.
يقول تعالى ذكره: ولقد اختبرنا قوم فرعون وأتباعه على ما هم عليه من الضّلالة بالسّنين، يقول: بالجدوب سنةً بعد سنةٍ والقحوط. يقال منه: أسنت القوم: إذا أجدبوا. {ونقصٍ من الثّمرات} يقول: واختبرناهم مع الجدوب بذهاب ثمارهم وغلاّتهم إلاّ القليل. {لعلّهم يذّكّرون} يقول: عظةً لهم وتذكيرًا لهم؛ لينزجروا عن ضلالتهم ويفزعوا إلى ربّهم بالتّوبة.
وبنحو ما قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن شريكٍ، عن أبي إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} قال: سنيّ الجوع.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قول اللّه: {بالسّنين} الجائحة. {ونقصٍ من الثّمرات} دون ذلك.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، مثله.
- حدّثني القاسم بن دينارٍ، قال: حدّثنا عبيد اللّه بن موسى، عن شيبان، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة، في قوله: {ونقصٍ من الثّمرات} قال: حيث لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً واحدةً.
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا أبي، عن إسرائيل، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة، عن كعبٍ، قال: يأتي على النّاس زمانٌ لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا الحمّانيّ، قال: حدّثنا شريكٌ، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة: {ونقصٍ من الثّمرات} قال: يأتي على النّاس زمانٌ لا تحمل النّخلة إلاّ تمرةً.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} أخذهم اللّه بالسّنين بالجوع عامًا فعامًا. {ونقصٍ من الثّمرات} فأمّا السّنين فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم، وأمّا بنقصٍ من الثّمرات فكان ذلك في أمصارهم وقراهم). [جامع البيان: 10/ 374-375]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين ونقصٍ من الثّمرات لعلّهم يذّكّرون (130)}
قوله تعالى: {ولقد أخذنا آل فرعون}
- حدّثنا محمّد بن يحيى أنبأ العبّاس، أنبأ يزيد، عن سعيدٍ، عن قتادة قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين} جهدهم اللّه بالسّنين بالجوع عامًا فعامًا، ونقصٍ من الثّمرات، فأمّا السّنون فكان ذلك في باديتهم، وأهل مواشيهم، وأمّا نقص الثّمرات فكان في أمصارهم وقراهم.
قوله تعالى: {بالسنين}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا عمرو بن عونٍ، أنبأ شريكٌ، عن ابن إسحاق، عن أبي عبيدة، عن عبد اللّه في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسّنين}، قال: سنين الجوع.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عمران بن أبي ليلى، ثنا بشرٌ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قال: لمّا أخذ اللّه آل فرعون بالسّنين يبس كلّ شجرٍ لهم وذهبت مواشيهم حتّى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت تزعم كما تزعم فآتينا في نيل مصر بماءٍ قال: غدوةً يصبّحكم الماء، فلمّا خرجوا من عنده قال: أيّ شيءٍ صنعت، أنا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماءً غدوةٌ أصبح فيكذّبوني، فلمّا كان في جوف اللّيل قام واغتسل ولبس مدرعة صوفٍ، ثمّ خرج ماشيًا حتّى أتى نيل مصر، فقام في بطنه فقال: اللّهمّ إنّك تعلم أنّي أعلم أنّك تقدر على أن تملأ نيل مصر ماءً فاملأه ماءً، فما علم إلا بجرير الماء يقبل، فخرج يحفز وأقبل النّيل يزخّ بالماء لمّا أراد اللّه بهم من الهلكة.
الوجه الثّاني:
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {بالسّنين} الجوايح.
قوله تعالى: {ونقصٍ من الثّمرات}؛
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، أنبأ شيبان، عن أبي إسحاق، عن رجاء بن حيوة {ونقصٍ من الثّمرات}؛ قال: حتّى لا تحمل النّخلة إلّا بسرةً واحدة.
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ {ونقصٍ من الثمرات} دون ذلك يعني دون الجائحة). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1542-1543]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال نا آدم قال نا ورقاء عن ابن أبي نجيح عن مجاهد ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين يعني بالجوع ونقص من الثمرات يعني دون ذلك).[تفسير مجاهد: 243-244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن مسعود: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: السنون الجوع.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: الجوائح {ونقص من الثمرات} دون ذلك.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن قتادة في قوله: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين} قال: أخذهم الله بالسنين بالجوع عاما فعاما {ونقص من الثمرات} فأما السنون فكان ذلك في باديتهم وأهل مواشيهم وأما نقص من الثمرات فكان في أمصارهم وقراهم.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن رجاء بن حيوة في قوله: {ونقص من الثمرات} قال: حتى لا تحمل النخلة إلا بسرة واحدة.
- وأخرج الحكيم الترمذي في نوادر الأصول، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: لما أخذ الله آل فرعون بالسنين يبس كل شيء لهم وذهبت مواشيهم حتى يبس نيل مصر واجتمعوا إلى فرعون فقالوا له: إن كنت تزعم فاتنا في نيل مصر بماء، قال: غدوة يصبحكم الماء، فلما خرجوا من عنده قال: أي شيء صنعت، أنا أقدر على أن أجري في نيل مصر ماء غدوة أصبح فيكذبونني، فلما كان في جوف الليل قام واغتسل ولبس مدرعة صوف ثم خرج حافيا حتى أتى نيل مصر فقام في بطنه فقال: اللهم إنك تعلم أني أعلم أنك تقدر على أن تملا نيل مصر ماء فأملاه فما علم إلا بخرير الماء يقبل فخرج وأقبل النيل يزخ بالماء لما أراد الله بهم من الهلكة). [الدر المنثور: 6/ 505-506]

تفسير قوله تعالى: {فَإِذَا جَاءَتْهُمُ الْحَسَنَةُ قَالُوا لَنَا هَذِهِ وَإِنْ تُصِبْهُمْ سَيِّئَةٌ يَطَّيَّرُوا بِمُوسَى وَمَنْ مَعَهُ أَلَا إِنَّمَا طَائِرُهُمْ عِنْدَ اللَّهِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَهُمْ لَا يَعْلَمُونَ (131)}
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... {طائرهم} : «حظّهم). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: {طائرهم} حظّهم قال أبو عبيدة في قوله تعالى: {إلّا إنّما طائرهم عند الله}، قال: حظّهم ونصيبهم). [فتح الباري: 8/ 299]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : ({طائرهم}: حظهم،
أشار به إلى قوله تعالى: {إلاّ إنّما طائرهم عند الله ولكن أكثرهم لا يعلمون} وفسّر طائر هم بقوله حظهم، وكذا قال: أبو عبيدة: طائرهم حظهم ونصيبهم). [عمدة القاري: 18/ 235]
- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : (وقوله: {ألا إنما} {طائرهم} أي (حظهم) ونصيبهم عند الله). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه}.
يقول تعالى ذكره: فإذا جاءت آل فرعون العافية والخصب والرّخاء وكثرة الثّمار، ورأوا ما يحبّون في دنياهم {قالوا لنا هذه} نحن أولى بها. {وإن تصبهم سيّئةٌ} يعني: جدوبٌ وقحوطٌ وبلاءٌ، {يطّيّروا بموسى ومن معه} يقول: يتشاءموا ويقولوا: ذهبت حظوطنا وأنصباؤنا من الرّخاء والخصب والعافية، مذ جاءنا موسى عليه السّلام.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، قال: حدّثنا عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} العافية والرّخاء، {قالوا لنا هذه} نحن أحقّ بها. {وإن تصبهم سيّئةٌ} بلاءٌ وعقوبةٌ، {يطّيّروا} يتشاءموا {بموسى}.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ بنحوه.
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} قالوا: ما أصابنا هذا إلاّ بك يا موسى وبمن معك، ما رأينا شرًّا ولا أصابنا حتّى رأيناك. وقوله: {فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه} قال: الحسنة: ما يحبّون وإذا كان ما يكرهون، قالوا: ما أصابنا هذا إلاّ بشؤم هؤلاء الّذين ظلموا قال قوم صالحٍ: {اطّيّرنا بك وبمن معك} فقال اللّه إنّما: {طائركم عند اللّه بل أنتم قومٌ تفتنون}.
القول في تأويل قوله: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}.
يقول تعالى ذكره: ألا ما طائر آل فرعون وغيرهم، وذلك أنصباؤهم من الرّخاء والخصب وغير ذلك من أنصباء الخير والشّرّ إلاّ عند اللّه. ولكنّ أكثرهم لا يعلمون أنّ ذلك كذلك، فلجهلهم بذلك كانوا يطّيّرون بموسى ومن معه.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} يقول: مصائبهم عند اللّه، قال اللّه: {ولكنّ أكثرهم لا يعلمون}.
- حدّثني القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ قال: قال ابن عبّاسٍ: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه} قال: الأمر من قبل اللّه). [جامع البيان: 10/ 376-378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فإذا جاءتهم الحسنة قالوا لنا هذه وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه ألا إنّما طائرهم عند اللّه ولكنّ أكثرهم لا يعلمون (131)}
قوله تعالى: {فإذا جاءتهم الحسنة}
- وبه، عن مجاهدٍ فإذا جاءتهم الحسنة العافية والرّخاء.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال: الحسنة ما يحبّون.
قوله تعالى: {قالوا لنا هذه}
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {قالوا لنا هذه}، ونحن أحقّ بها.
قوله تعالى: {وإنّ تصبهم سيّئةٌ}
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج. قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم في قوله: {وإن تصبهم سيّئةٌ} قال: إذا كان ما يكرهون قالوا: إنّما أصابنا هذا بشؤم هؤلاء الّذين بين أظهرنا، كما قال قوم صالحٍ: إنّا تطّيّرنا بك وبمن معك. فقال اللّه: إنّما طائركم عند اللّه بل أنتم قومٌ تفتنون.
قوله تعالى: {يطيروا بموسى ومن معه}
- حدّثنا حجّاجٌ، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {يطّيّروا بموسى ومن معه} تشاءموا بموسى -صلّى اللّه عليه وسلّم-.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيدٍ في قوله: {وإن تصبهم سيّئةٌ يطّيّروا بموسى ومن معه} قالوا: ما أصابنا هذا الشّرّ إلا بك يا موسى ومن معك، وما رأينا شرًّا ولا أصابنا حتّى رأيناك.
قوله تعالى: {ألا إنّما طائرهم عند اللّه}
- أخبرنا أحمد بن الأزهر بن منيعٍ فيما كتب إليّ، ثنا وهب بن جريرٍ، ثنا أبي عن عليّ بن الحكم، عن الضّحّاك في قوله: {طائرهم عند اللّه} يقول: الأمر من قبل اللّه ما أصابكم من أمر اللّه فمن اللّه فبما كسبت أيديكم). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1543]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (ثنا إبراهيم قال ثنا آدم قال نا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال يعني العافية والرخاء قالوا لنا هذه أي نحن أحق بها وإن تصبهم سيئة يعني بلاء وعقوبة يطيروا يقول يتشاءموا بموسى ومن معه).[تفسير مجاهد: 244]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فإذا جاءتهم الحسنة} قال: العافية والرخاء {قالوا لنا هذه} ونحن أحق بها {وإن تصبهم سيئة} قال: بلاء وعقوبة {يطيروا بموسى} قال: يتشاءموا به.
- وأخرج ابن جرير عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم} قال مصائبهم.
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} قال: الأمر من قبل الله.
-أخرج ابن أبي حاتم عن الضحاك في قوله: {ألا إنما طائرهم عند الله} يقول: الأمر من قبل الله ما أصابكم من أمر الله فمن الله بما كسبت أيديكم). [الدر المنثور: 6/ 506-507]

تفسير قوله تعالى: {وَقَالُوا مَهْمَا تَأْتِنَا بِهِ مِنْ آَيَةٍ لِتَسْحَرَنَا بِهَا فَمَا نَحْنُ لَكَ بِمُؤْمِنِينَ (132)}
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين}.
يقول تعالى ذكره: وقال آل فرعون لموسى: يا موسى مهما تأتنا به من علامةٍ ودلالةٍ لتسحرنا، يقول: لتلفتنا بها عمّا نحن عليه من دين فرعون، {فما نحن لك بمؤمنين} يقول: فما نحن لك في ذلك بمصدّقين على أنّك محقٌ فيما تدعونا إليه.
وقد دللنا فيما مضى على معنى السّحر بما أغنى عن إعادته.
وكان ابن زيدٍ يقول في معنى: {مهما تأتنا به من آيةٍ} ما:
- حدّثني يونس، قال: قال ابن زيدٍ في قوله: {مهما تأتنا به من آيةٍ} قال: إن ما تأتنا به من آيةٍ، وهذه فيها زيادة ما). [جامع البيان: 10/ 378]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ لتسحرنا بها فما نحن لك بمؤمنين (132)}
قوله تعالى: {وقالوا مهما تأتنا به من آيةٍ}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا المقدّميّ، ثنا حصين بن نميرٍ، ثنا سفيان بن حسينٍ مهما تأتنا به من آيةٍ مهما تأتنا به من شيءٍ لتسحرنا بها.
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج قال: سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قول اللّه: {مهما تأتنا به من آيةٍ} قال: إنّ ما تأتنا به من آيةٍ قال: وهذه فيها زيادةٌ ما). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1544]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن أبي حاتم عن ابن زيد في قوله: {وقالوا مهما تأتنا به من آية} قال: إن ما تأتنا به من آية قال: وهذه فيها زيادة ما). [الدر المنثور: 6/ 507]

تفسير قوله تعالى: {فَأَرْسَلْنَا عَلَيْهِمُ الطُّوفَانَ وَالْجَرَادَ وَالْقُمَّلَ وَالضَّفَادِعَ وَالدَّمَ آَيَاتٍ مُفَصَّلَاتٍ فَاسْتَكْبَرُوا وَكَانُوا قَوْمًا مُجْرِمِينَ (133)}
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا يحدث عن قول الله: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل}، قال مالك: سمعت أن ذلك الجراد كان يأكل المسامير). [الجامع في علوم القرآن: 1/ 111]
قالَ عَبْدُ اللهِ بنُ وَهْبٍ المَصْرِيُّ (ت: 197 هـ): (وسمعت مالكا وسئل عن الطوفان، فقال: هو الماء). [الجامع في علوم القرآن: 2/ 136]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (عن معمر عن قتادة في قوله تعالى: {الطوفان}، قال: أرسل الله عليهم الماء حتى قاموا فيه قياما ثم كشف عنهم فلم ينتهوا وأخصبت بلادهم خصبا لم تخصب مثله فأرسل الله عليهم الجراد فأكلته إلا قليلا فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم القمل وهي الدبا أولاد الجراد فأكلت ما بقي من زرعهم فلم يؤمنوا فأرسل الله عليهم الضفادع فدخلت عليهم بيوتهم ووقعت في آنيتهم وفرشهم فلم يؤمنوا ثم أرسل الله تعالى عليهم الدم فكانوا إذا أراد أحدهم أن يشرب ماء تحول الماء دما قال الله تعالى: {آيات مفصلات فاستكبروا} {ولما وقع عليهم الرجز} يقول العذاب). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 234]
قالَ عَبْدُ الرَّزَّاقِ بْنُ هَمَّامٍ الصَّنْعَانِيُّ (ت: 211هـ): (قال معمر وقال الحسن: {ولقد أخذنا آل فرعون بالسنين ونقص من الثمرات}، قال: هذه آية واحدة والطوفان والجراد والقمل والضفادع والدم ويد موسى وعصا موسى إذ ألقاها فإذا هي ثعبان مبين وإذ ألقاها فإذا هي تلقف ما يأفكون). [تفسير عبد الرزاق: 1/ 391] (م)
قال محمدُ بنُ إسماعيلَ بن إبراهيم البخاريُّ (ت: 256هـ) : (قال ابن عبّاسٍ: ... طوفانٌ من السّيل، ويقال للموت الكثير الطّوفان». {القمّل} : «الحمنان يشبه صغار الحلم). [صحيح البخاري: 6/ 58]
- قال أحمدُ بنُ عَلَيِّ بنِ حجرٍ العَسْقَلانيُّ (ت: 852هـ): (قوله: طوفانٍ من السّيل ويقال للموت الكثير الطّوفان قال أبو عبيدة الطّوفان من السّيل ومن الموت البالغ الذّريع كأنّه مأخوذٌ من أطاف به إذا عمّه بالهلاك وعن الأخفش الطّوفان واحدته طوفانةٌ وقيل هو مصدرٌ كالرّجحان والنّقصان فلا واحد له.
وروى بن المنذر، من طريق عليّ بن أبي طلحة، عن بن عبّاسٍ، قال: أرسل عليهم المطر حتّى خافوا الهلاك فأتوا موسى فدعا اللّه فرفع ثمّ عادوا وعند بن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعًا الطّوفان الموت.

قوله: القمّل الحمنان بضمّ المهملة وسكون الميم شبة صغار الحلم بفتح المهملة واللّام قال أبو عبيدة القمّل عند العرب هو الحمنان والحمنان ضربٌ من القردان واحدتها حمنانةٌ وقد تقدّم مع الّذي قبله في بدء الخلق واختلف في تفسير القمّل اختلافًا كثيرًا قيل السّوس وقيل الدّبا بفتح المهملة والموحّدة مخفّفٌ وهو صغار الجراد وقال: الرّاغب وقيل دوابٌّ سودٌ صغارٌ وقيل صغار الذّرّ وقيل هو القمل المعروف وقيل دابّةٌ أصغر من الطّير لها جناحٌ أحمر ومن شأنه أن يمصّ الحبّ من السّنبلة فتكبر السّنبلة ولا حبّ فيها وقيل فيه غير ذلك). [فتح الباري: 8/ 299-300]
- قال محمودُ بنُ أحمدَ بنِ موسى العَيْنِيُّ (ت: 855هـ) : (طوفانٌ من السّيل ويقال للموت الكثير الطّوفان
أشار به إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان والجراد والقمل} وفسّر الطوفان بأنّه من السّيل، واختلفوا في معناه فعن ابن عبّاس -رضي الله تعالى عنهما- في رواية الطوفان كثرة الأمطار المغرقة المتلفة للزروع والثّمار.
وبه قال الضّحّاك: وعن ابن عبّاس في رواية كثرة الموت، وهو معنى قوله: ويقال للموت الكثير الطوفان، وبه قال عطاء، وقال مجاهد: الطوفان الماء والطاعون على كل حال، وعن ابن عبّاس في رواية أخرى هو أمر من الله طاف بهم ثمّ قرأ: {فطاف عليهم طائف من ربك وهم نائمون} [القلم: 19] . وقال الأخفش الطوفان واحده طوفانة وقيل: هو مصدر كالرجحان والنّقصان. قلت: هو اسم للمصدر، فاقهم.


القمّل: الحمنان يشبه صغار الحلم أشار به إلى تفسير القمل المذكور في الآية الّتي مضت الآن، وفسره بقوله الحمنان، بضم الحاء وسكون الميم. قوله: (يشبه صغار الحلم) ، بفتح الحاء المهملة واللّام.
وقال أبو عبيدة: القمل عند العرب ضرب من القردان واحدها حمنانة وعن ابن عبّاس، -رضي الله تعالى عنهما-، القمل السوس الّذي يخرج من الحنطة، وعنه أنه الدّبّاء وهو الجراد الصغار الّذي لا أجنحة له، وبه قال مجاهد وقتادة، وعن الحسن وسعيد بن جبير: القمل دواب سود صغار، وقال عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم: القمل البراغيث، وقال ابن جرير: القمل جمع قلمة وهي دابّة تشبه القمل تأكل الإبل، والحلم جمع حلمة والحلمة تتقفي من ظهرها فيخرج منها القمقامة وهي أصغر ممّا رأيته ممّا يمشي ويتعلّق بالإبل فإذا امتلأ سقط على الأرض وقد عظم ثمّ يضمر حتّى يذهب دمه فيكون قرادا فيتعلّق بالإبل ثانية فيكون حمنة، قال أبو العالية: أرسل الله تعالى الحمنان على دوابهم فأكلنها حتّى لم يقدروا على المسير، وقرأ الحسن: القمل، بفتح القاف وسكون الميم، وفي (المحكم) : القمل صغار الذّر والدباء، وفي (الجامع) : هو شيء أصغر من الظفر له جناح أحمر وأكدر، قال أبو يوسف: هو شيء يقع في الزّرع ليس بجراد فيأكل السنبلة وهي غضة قبل أن تخرج فيطول الزّرع ولا سنبل فيه، وقال أبو حنيفة هو شيء يشبه الحلم وهو لا يأكل أكل الجراد ولكن يمص الحبّ إذا وقع فيه الدّقيق وهو رطب وتذهب قوته وخيره وهو خبيث الرّائحة). [عمدة القاري: 18/ 235]

- قال أحمدُ بنُ محمدِ بن أبي بكرٍ القَسْطَلاَّنيُّ (ت: 923هـ) : ( {طوفان} يشير إلى قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطوفان} أي (من السيل) المتلف للزرع والثمار (ويقال) أيضًا (للموت الكثير الطوفان) وهو مروي عن ابن عباس ورواه ابن مردويه بإسنادين ضعيفين عن عائشة مرفوعًا.
{القمل} هو (الحمنان) بفتح الحاء المهملة ضبطه البرماوي والدماميني كالكرماني وضبطه ابن حجر بضمها كالفرع وأصله وسكون الميم يشبه ولأبي ذر شبه (صغار الحلم) بفتح الحاء واللام قال الأصمعي فيما ذكره الجوهري أوّله قمقامة ثم حمنانة ثم قرادة ثم حلمة وهي القراد العظيم). [إرشاد الساري: 7/ 125]
قالَ أبو جعفرٍ مُحَمَّدُ بْنُ جَرِيرٍ الطَّبَرِيُّ (ت: 310هـ) : (القول في تأويل قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مّفصّلاتٍ فاستكبروا}.
اختلف أهل التّأويل في معنى الطّوفان، فقال بعضهم: هو الماء.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبّويه الرّازيّ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا جاء موسى بالآيات، كان أوّل الآيات الطّوفان، فأرسل اللّه عليهم السّماء.
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا ابن يمانٍ، قال: حدّثنا سفيان، عن إسماعيل، عن أبي مالكٍ، قال: {الطّوفان}: الماء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا المحاربيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك، قال: {الطّوفان}: الماء.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{الطّوفان}: الغرق.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:
{الطّوفان} الماء والطّاعون على كلّ حالٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال:
{الطّوفان} الموت على كلّ حالٍ.
- حدّثنا محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{الطّوفان}: الماء.
وقال آخرون: بل هو الموت.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا أبو هشامٍ الرّفاعيّ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، قال: حدّثنا المنهال بن خليفة، عن الحجّاج، عن الحكم بن ميناء، عن عائشة، قالت: قال رسول اللّه -صلّى اللّه عليه وسلّم-: «الطّوفان الموت
».
- حدّثني عبّاس بن محمّدٍ، قال: حدّثنا حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قال: سألت عطاءً ما الطّوفان؟ قال: الموت.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا عبد اللّه بن رجاءٍ، عن ابن جريجٍ، عن عطاءٍ، عمّن حدّثه عن مجاهدٍ، قال: {الطّوفان}: الموت.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان}، قال: الموت.
قال ابن جريجٍ: وسألت عطاءً عن الطّوفان؟ قال: الموت.
قال ابن جريجٍ: وقال مجاهدٌ: الموت على كلّ حالٍ.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن يمانٍ، عن المنهال بن خليفة، عن حجّاجٍ، عن رجلٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال:
«الطّوفان الموت».
وقال آخرون: بل ذلك كان أمرًا من اللّه طاف بهم.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين قال: حدّثنا جريرٌ، عن قابوس بن أبي ظبيان، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: أمر اللّه الطّوفان، ثمّ قال: {فطاف عليها طائفٌ من ربّك وهم نائمون}.
وكان بعض أهل المعرفة بكلام العرب من أهل البصرة، يزعم أنّ الطّوفان من السّيل البعاق والدّباش، وهو الشّديد، ومن الموت المتتابع الذّريع السّريع.
وقال بعضهم: هو كثرة المطر والرّيح.
وكان بعض نحويّ الكوفيّين يقول: الطّوفان مصدرٌ مثل الرّجحان والنّقصان لا يجمع.
وكان بعض نحويّي البصرة يقول: هو جمعٌ، واحدها في القياس: الطّوفانة.
والصّواب من القول في ذلك عندي، ما قاله ابن عبّاسٍ على ما رواه عنه أبو ظبيان أنّه أمرٌ من اللّه طاف بهم، وأنّه مصدرٌ من قول القائل: طاف بهم أمر اللّه يطوف طوفانًا، كما يقال: نقص هذا الشّيء ينقص نقصانًا. وإذا كان ذلك كذلك، جاز أن يكون الّذي طاف بهم المطر الشّديد، وجاز أن يكون الموت الذّريع. ومن الدّلالة على أنّ المطر الشّديد قد يسمّى طوفانًا قول الحسن بن عرفطة:
غيّر الجدّة من عرفانه ....... خرق الرّيح وطوفان المطر
ويروى: خرق الرّيح بطوفان المطر
وقول الرّاعي:
تضحي إذا العيس أدركنا نكائثها ....... خرقاء يعتادها الطّوفان والزّؤد
وقول أبي النّجم:
قد مدّ طوفانٌ فبثّ مددا ....... شهرًا شآبيب وشهرًا بردا
وأمّا القمّل، فإنّ أهل التّأويل اختلفوا في معناه. فقال بعضهم: هو السّوس الّذي يخرج من الحنطة.
ذكر من قال ذلك.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جريرٌ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: {القمّل}: هو السّوس الّذي يخرج من الحنطة.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ، بنحوه.
وقال آخرون: بل هو الدّبى، وهو صغار الجراد الّذي لا أجنحة له.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: {القمّل}: الدّبى.
- حدّثني موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: الدّبى: القمّل.
- حدّثني محمّد بن عمرٍو، قال: حدّثنا أبو عاصمٍ، عن عيسى، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ، قال: {القمّل}: الدّبى.
- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، قال: حدّثنا معمرٌ، عن قتادة، قال:
{القمّل}: هي الدّبى، وهي أولاد الجراد.
- حدّثنا بشرٌ، قال: حدّثنا يزيد، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قال:
{القمّل}: هو الدّبى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا جابر بن نوحٍ، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{القمّل}: الدّبى.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا يحيى بن آدم، عن قيسٍ، عمّن ذكره عن عكرمة، قال:
{القمّل}: بنات الجراد.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال:
{القمّل}: الدّبى.
وقال آخرون: بل
{القمّل}: البراغيث.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني يونس، قال: أخبرنا ابن وهبٍ، قال: قال ابن زيدٍ، في قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل} قال: زعم بعض النّاس في القمّل أنّها البراغيث.
وقال بعضهم: هي دوابّ سودٌ صغارٌ.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، قال: سمعت سعيد بن جبيرٍ، والحسن، قالا:
{القمّل}: دوابّ سودٌ صغارٌ.
وكان بعض أهل العلم بكلام العرب من أهل البصرة يزعم أنّ القمّل عند العرب: الحمنان، والحمنان: ضربٌ من القردان واحدتها: حمنانةٌ فوق القمقامة. القمّل جمعٌ واحدتها قمّلةٌ، وهي دابّةٌ تشبه القمّل تأكلها الإبل فيما بلغني، وهي الّتي عناها الأعشى في قوله:
قومٌ يعالج قمّلاً أبناؤهم ....... وسلاسلاً أجدًا وبابًا مؤصدًا
وكان الفرّاء يقول: لم أسمع فيه شيئًا، فإن لم يكن جمعًا فواحده قاملٌ، مثل ساجدٍ وراكعٍ، وإن يكن اسمًا على معنى جمعٍ، فواحدته: قمّلةٌ.
وقال بعضهم: هو من الجعلان.
ذكر المعاني الّتي حدثت في قوم فرعون بحدوث هذه الآيات والسّبب الّذي من أجله أحدثها اللّه فيهم:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا يعقوب القمّيّ، عن جعفر بن أبي المغيرة، عن سعيد بن جبيرٍ، قال: لمّا أتى موسى فرعون، قال له: أرسل معي بني إسرائيل، فأبى عليه، فأرسل اللّه عليهم الطّوفان، وهو المطر، فصبّ عليهم منه شيئًا، فخافوا أن يكون عذابًا، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك، لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل. فأنبت لهم في تلك السّنة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزّرع والثّمر والكلإ، فقالوا: هذا ما كنّا نتمنّى، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فسلّطه على الكلإ. فلمّا رأوا أثره في الكلإ عرفوا أنّه لا يبقى الزّرع، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك فيكشف عنّا الجراد، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل، فداسوا وأحرزوا في البيوت، فقالوا: قد أحرزنا. فأرسل اللّه عليهم القمّل، وهو السّوس الّذي يخرج منه، فكان الرّجل يخرج عشرة أجربةٍ إلى الرّحى، فلا يرد منها ثلاثة أقفزةٍ، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا القمّل، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم، فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل. فبينا هو جالسٌ عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدعٍ، فقال لفرعون: ما تلقى أنت وقومك من هذا؟ فقال: وما عسى أن يكون كيد هذا؟ فما أمسوا حتّى كان الرّجل يجلس إلى ذقنه في الضّفادع، ويهمّ أن يتكلّم فتثب الضّفادع في فيه، فقالوا لموسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذه الضّفادع، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فكشف عنهم فلم يؤمنوا فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكان ما استقوا من الأنهار والآبار، أو ما كان في أوعيتهم وجدوه دمًا عبيطًا، فشكوا إلى فرعون فقالوا: إنّا قد ابتلينا بالدّم، وليس لنا شرابٌ. فقال: إنّه قد سحركم. فقالوا: من أين سحرنا ونحن لا نجد في أوعيتنا شيئًا من الماء إلاّ وجدناه دمًا عبيطًا؟ فأتوه فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا الدّم، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم، فلم يؤمنوا، ولم يرسلوا معه بني إسرائيل.
- حدّثنا ابن وكيعٍ، قال: حدّثنا حبّويه الرّازيّ، عن يعقوب القمّيّ، عن جعفرٍ، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا خافوا الغرق، قال فرعون: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا المطر فنؤمن لك ثمّ ذكر نحو حديث ابن حميدٍ، عن يعقوب.
- حدّثنا موسى بن هارون، قال: حدّثنا عمرو بن حمّادٍ، قال: حدّثنا أسباطٌ، عن السّدّيّ، قال: {ثمّ إنّ اللّه أرسل عليهم}، يعني على قوم فرعون الطّوفان، وهو المطر، فغرق كلّ شيءٍ لهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا، ونحن نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم ونبتت به زروعهم، فقالوا: ما يسرّنا أنّا لم نمطر. فبعث اللّه عليهم الجراد، فأكل حروثهم، فسألوا موسى أن يدعو ربّه فيكشفه ويؤمنوا به. فدعا فكشفه، وقد بقي من زروعهم بقيّةٌ، فقالوا: لم تؤمنون وقد بقي من زرعنا بقيّةٌ تكفينا؟
فبعث اللّه عليهم الدّبى، وهو القمّل، فلحس الأرض كلّها، وكان يدخل بين ثوب أحدهم وبين جلده فيعضّه، وكان لأحدهم الطّعام فيمتلئ دبًى، حتّى إنّ أحدهم ليبني الأسطوانة بالجصّ فيزلّقها، حتّى لا يرتقي فوقها شيءٌ، يرفع فوقها الطّعام، فإذا صعد إليه ليأكله وجده ملآن دبًى، فلم يصابوا ببلاءٍ كان أشدّ عليهم من الدّبى، وهو الرّجز الّذي ذكر اللّه في القرآن أنّه وقع عليهم. فسألوا موسى أن يدعو ربّه، فيكشف عنهم، ويؤمنوا به. فلمّا كشف عنهم أبوا أن يؤمنوا، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكان الإسرائيليّ يأتي هو والقبطيّ يستقيان من ماءٍ واحدٍ، فيخرج ماء هذا القبطيّ دمًا، ويخرج للإسرائيليّ ماءٌ. فلمّا اشتدّ ذلك عليهم سألوا موسى أن يكشفه ويؤمنوا به، فكشف ذلك، فأبوا أن يؤمنوا، وذلك حين يقول اللّه: {فلمّا كشفنا عنهم العذاب إذا هم ينكثون}.

- حدّثنا محمّد بن عبد الأعلى، قال: حدّثنا محمّد بن ثورٍ، عن معمرٍ، عن قتادة: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: أرسل اللّه عليهم الماء حتّى قاموا فيه قيامًا. ثمّ كشف عنهم، فلم يؤمنوا، وأخصبت بلادهم خصبًا لم تخصب مثله. فأرسل اللّه عليه الجراد فأكله إلاّ قليلاً، فلم يؤمنوا أيضًا. فأرسل اللّه القمّل وهي الدّبى، وهو أولاد الجراد، فأكلت ما بقي من زروعهم، فلم يؤمنوا. فأرسل عليهم الضّفادع، فدخلت عليهم بيوتهم، ووقعت في آنيتهم وفرشهم، فلم يؤمنوا. ثمّ أرسل اللّه عليهم الدّم، فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دمًا، قال اللّه: {آياتٍ مفصّلاتٍ}.
- حدّثنا بشر بن معاذٍ، قال: حدّثنا يزيد بن زريعٍ، قال: حدّثنا سعيدٌ، عن قتادة، قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} حتّى بلغ: {مجرمين} قال: أرسل اللّه عليهم الماء حتّى قاموا فيه قيامًا، فدعوا موسى فدعا ربّه، فكشف عنهم، ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، ثمّ أنبتت أرضهم. ثمّ أرسل اللّه عليهم الجراد، فأكل عامّة حروثهم وثمارهم، ثمّ دعوا موسى فدعا ربّه فكشف عنهم. ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، فأرسل اللّه عليهم القمّل، هذا الدّبى الّذي رأيتم، فأكل ما أبقى الجراد من حروثهم، فلحسه. فدعوا موسى، فدعا ربّه، فكشفه عنهم، تمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم. ثمّ أرسل اللّه عليهم الضّفادع، حتّى ملأت بيوتهم وأفنيتهم، فدعوا موسى، فدعا ربّه فكشف عنهم. ثمّ عادوا بشرّ ما يحضر بهم، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فكانوا لا يغترفون من مائهم إلاّ دمًا أحمر، حتّى لقد ذكر أنّ عدوّ اللّه فرعون كان يجمع بين الرّجلين على الإناء الواحد، القبطيّ والإسرائيليّ، فيكون ممّا يلي الإسرائيليّ ماءً، وممّا يلي القبطيّ دمًا. فدعوا موسى، فدعا ربّه، فكشفه عنهم في تسع آياتٍ: السّنين، ونقصٍ من الثّمرات، وأراهم يد موسى عليه السّلام وعصاه.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية، عن عليٍّ، عن ابن عبّاسٍ: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} وهو المطر حتّى خافوا الهلاك، فأتوا موسى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا المطر، فإنّا نؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه به حرثهم، وأخصب به بلادهم، فقالوا: ما نحبّ أنّا لم نمطر بترك ديننا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الجراد، فإنّا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد. وكان قد بقي من زروعهم ومعاشهم بقايا، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم القمّل، وهو الدّبى، فتتبّع ما كان ترك الجراد، فجزعوا وأحسّوا بالهلاك، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الدّبى، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الدّبى، فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فملأ بيوتهم منها، ولقوا منها أذًى شديدًا لم يلقوا مثله فيما كان قبله، إنّها كانت تثب في قدورهم، فتفسد عليهم طعامهم، وتطفئ نيرانهم، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الضّفادع، فقد لقينا منها بلاءً وأذًى، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الضّفادع، فقالوا: لا نؤمن لك، ولا نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الدّم، فجعلوا لا يأكلون إلاّ الدّم، ولا يشربون إلاّ الدّم، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك أن يكشف عنّا الدّم، فإنّا سنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم الدّم، فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فكانت آياتٍ مفصّلاتٍ بعضها على إثر بعضٍ، ليكون للّه عليهم الحجّة، فأخذهم اللّه بذنوبهم، فأغرقهم في اليمّ.
- حدّثني عبد الكريم، قال: حدّثنا إبراهيم، قال: حدّثنا سفيان، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: أرسل على قوم فرعون الآيات: الجراد، والقمّل، والضّفادع، والدّم {آياتٍ مفصّلاتٍ} قال: فكان الرّجل من بني إسرائيل يركب مع الرّجل من قوم فرعون في السّفينة، فيغترف الإسرائيليّ ماءً، ويغترف الفرعونيّ دمًا. قال: وكان الرّجل من قوم فرعون ينام في جانبٍ، فيكثر عليه القمّل والضّفادع حتّى لا يقدر أن ينقلب على الجانب الآخر. فلم يزالوا كذلك، حتّى أوحى اللّه إلى موسى: {أن أسر بعبادي إنّكم متّبعون}.
- حدّثني محمّد بن سعدٍ، قال: حدّثني أبي، قال: حدّثني عمّي، قال: حدّثني أبي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ، قال: لمّا أتى موسى فرعون بالرّسالة أبى أن يؤمن وأن يرسل معه بني إسرائيل، فاستكبر، قال: لن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم الطّوفان، وهو الماء، أمطر عليهم السّماء حتّى كادوا يهلكون وامتنع منهم كلّ شيءٍ، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا هذا لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا اللّه فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه لهم حروثهم، وأحيا بذلك المطر كلّ شيءٍ من بلادهم، فقالوا: واللّه ما نحبّ أنّا لم نكن أمطرنا هذا المطر، ولقد كان خيرًا لنا، فلن نرسل معك بني إسرائيل، ولن نؤمن لك يا موسى. فبعث اللّه عليهم الجراد، فأكل عامّة حروثهم، فأسرع الجراد في فسادها، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فإنّا مؤمنون لك، ومرسلون معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم الجراد، وكان الجراد قد أبقى لهم من حروثهم بقيّةً، فقالوا: قد بقي لنا من حروثنا ما كان كافينا، فما نحن بتاركي ديننا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه عليهم القمّل، والقمّل: الدّبى، وهو الجراد الّذي ليست له أجنحةٌ، فتتبّع ما بقي من حروثهم وشجرهم وكلّ نباتٍ كان لهم، فكان القمّل أشدّ عليهم من الجراد. فلم يستطيعوا للقمّل حيلةً، وجزعوا من ذلك وأتوا موسى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا القمّل، فإنّه لم يبق لنا شيئًا، قد أكل ما بقي من حروثنا، ولئن كشفت عنّا القمّل لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فكشف اللّه عنهم القمّل فنكثوا، وقالوا: لن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل. فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فامتلأت منها البيوت، فلم يبق لهم طعامٌ ولا شرابٌ إلاّ وفيه الضّفادع، فلقوا منها شيئًا لم يلقوه فيما مضى، فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، قال: فكشف اللّه عنهم فلم يفعلوا، فأنزل اللّه: {فلمّا كشفنا عنهم الرّجز إلى أجلٍ هم بالغوه إذا هم ينكثون} إلى {وكانوا عنها غافلين}.
- حدّثنا محمد بن حميدٍ الرّازيّ، قال: حدّثنا أبو تميلة، قال: حدّثنا الحسن بن واقدٍ، عن زيدٍ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ، قال: كانت الضّفادع برّيّةً، فلمّا أرسلها اللّه على آل فرعون سمعت وأطاعت، فجعلت تغرق أنفسها في القدور وهي تغلي، وفي التّنانير وهي تفور، فأثابها اللّه بحسن طاعتها برد الماء.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، عن ابن إسحاق، قال: فرجع عدوّ اللّه، يعني فرعون، حين آمنت السّحرة مغلوبًا مفلولاً، ثمّ أبى إلاّ الإقامة على الكفر والتّمادي في الشّرّ، فتابع اللّه عليه بالآيات، وأخذه بالسّنين، فأرسل عليه الطّوفان، ثمّ الجراد، ثمّ القمّل، ثمّ الضّفادع، ثمّ الدّم {آياتٍ مفصّلاتٍ}، فأرسل الطّوفان، وهو الماء، ففاض على وجه الأرض، ثمّ ركد، لا يقدرون على أن يحرثوا، ولا يعملوا شيئًا، حتّى جهدوا جوعًا فلمّا بلغهم ذلك، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فدعا موسى ربّه، فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الجراد، فأكل الشّجر فيما بلغني، حتّى إن كان ليأكل مسامير الأبواب من الحديد حتّى تقع دورهم ومساكنهم، فقالوا مثل ما قالوا، فدعا ربّه، فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا: فأرسل اللّه عليهم القمّل، فذكر لي أنّ موسى أمر أن يمشي إلى كثيبٍ حتّى يضربه بعصاه، فمضى إلى كثيبٍ أهيلٍ عظيمٍ، فضربه بها، فانثال عليهم قمّلاً حتّى غلب على البيوت والأطعمة، ومنعهم النّوم والقرار فلمّا جهدهم قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فملأت البيوت والأطعمة والآنية، فلا يكشف أحدٌ ثوبًا ولا طعامًا ولا إناءً إلاّ وجد فيه الضّفادع قد غلبت عليه. فلمّا جهدهم ذلك قالوا له مثل ما قالوا، فدعا ربّه فكشفه عنهم، فلم يفوا له بشيءٍ ممّا قالوا، فأرسل اللّه عليهم الدّم، فصارت مياه آل فرعون دمًا، لا يستقون من بئرٍ ولا نهرٍ، ولا يغترفون من إناءٍ إلاّ عاد دمًا عبيطًا.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: حدّثنا محمّد بن إسحاق، عن محمّد بن كعبٍ القرظيّ، أنّه حدّث: أنّ المرأة من آل فرعون كانت تأتي المرأة من بني إسرائيل حين جهدهم العطش، فتقول: اسقيني من مائك، فتغرف لها من جرّتها، أو تصبّ لها من قربتها، فيعود في الإناء دمًا، حتّى إن كانت لتقول لها: اجعليه في فيك ثمّ مجّيه في فيّ، فتأخذ في فيها ماءً، فإذا مجّته في فيها صار دمًا، فمكثوا في ذلك سبعة أيّامٍ.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا أبو حذيفة، قال: حدّثنا شبلٌ، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: الجراد يأكل زروعهم ونباتهم، والضّفادع تسقط على فرشهم وأطعمتهم، والدّم يكون في بيوتهم وثيابهم ومائهم وطعامهم.
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ، قال: لمّا سال النّيل دمًا، فكان الإسرائيليّ يستقي ماءً طيّبًا، ويستقي الفرعونيّ دمًا ويشتركان في إناءٍ واحدٍ، فيكون ما يلي الإسرائيليّ ماءً طيّبًا وما يلي الفرعونيّ دمًا.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن أبي بكرٍ، قال: حدّثني سعيد بن جبيرٍ: أنّ موسى، لمّا عالج فرعون بالآيات الأربع: العصا، واليد، ونقصٍ من الثّمرات، والسّنين، قال: يا ربّ إنّ عبدك هذا قد علا في الأرض، وعتا في الأرض، وبغى عليّ، وعلا عليك، وعالى بقومه، ربّ خذ عبدك بعقوبةٍ تجعلها له ولقومه نقمةً، وتجعلها لقومي عظةً ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فبعث اللّه عليهم الطّوفان، وهو الماء، وبيوت بني إسرائيل وبيوت القبط مشتبكةٌ مختلطةٌ بعضها في بعضٍ، فامتلأت بيوت القبط ماءً، حتّى قاموا في الماء إلى تراقيهم، من حبس منهم غرق، ولم يدخل في بيوت بني إسرائيل قطرةٌ، فجعلت القبط تنادي: موسى ادع لنا ربّك بما عهد عندك، لئن كشفت عنّا الرّجز لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، قال: فواثقوا موسى ميثاقًا أخذ عليهم به عهودهم، وكان الماء أخذهم يوم السّبت، فأقام عليهم سبعة أيّامٍ إلى السّبت الآخر، فدعا موسى ربّه، فرفع عنهم الماء، فأعشبت بلادهم من ذلك الماء، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ جحدوا وقالوا: ما كان هذا الماء إلاّ نعمةً علينا وخصبًا لبلادنا، ما نحبّ أنّه لم يكن قال: وقد قال قائلٌ لابن عبّاسٍ: إنّي سألت ابن عمر عن الطّوفان، فقال: ما أدري موتًا كان أو ماءً. فقال ابن عبّاسٍ: أما يقرأ ابن عمر سورة العنكبوت حين ذكر اللّه قوم نوحٍ فقال: {فأخذهم الطّوفان وهم ظالمون} أرأيت لو ماتوا إلى من جاء موسى عليه السّلام بالآيات الأربع بعد الطّوفان؟ قال: فقال موسى: يا ربّ إنّ عبادك قد نقضوا عهدك، وأخلفوا وعدي، ربّ خذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدهم آيةً في الأمم الباقية، قال: فبعث اللّه عليهم الجراد فلم يدع لهم ورقةً ولا شجرةً ولا زهرةً ولا ثمرةً إلاّ أكلها، حتّى لم يبق جنًى. حتّى إذا أفنى الخضر كلّها أكل الخشب، حتّى أكل الأبواب، وسقوف البيوت وابتلي الجراد بالجوع، فجعل لا يشبع، غير أنّه لا يدخل بيوت بني إسرائيل. فعجّوا وصاحوا إلى موسى، فقالوا: يا موسى هذه المرّة ادع لنا ربّك بما عهد عندك لئن كشفت عنّا الرّجز، لنؤمننّ لك، ولنرسلنّ معك بني إسرائيل، فأعطوه عهد اللّه وميثاقه، فدعا لهم ربّه، فكشف اللّه عنهم الجراد بعد ما أقام عليهم سبعة أيّامٍ، من السّبت إلى السّبت. ثمّ أقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ عادوا لتكذيبهم ولإنكارهم، ولأعمالهم أعمال السّوء، قال: فقال موسى: يا ربّ عبادك قد نقضوا عهدي وأخلفوا موعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فأرسل اللّه عليهم القمّل قال أبو بكرٍ: سمعت سعيد بن جبيرٍ والحسن يقولان: كان إلى جنبهم كثيبٌ أعفر بقريةٍ من قرى مصر تدعى عين شمسٍ، فمشى موسى إلى ذلك الكثيب، فضربه بعصاه ضربةً صار قمّلاً تدبّ إليهم، وهي دوابّ سودٌ صغارٌ، فدبّ إليهم القمّل، فأخذ أشعارهم وأبشارهم وأشفار عيونهم وحواجبهم، ولزم جلودهم، كأنّه الجدريّ عليهم، فصرخوا وصاحوا إلى موسى: إنّا نتوب ولا نعود، فادع لنا ربّك، فدعا ربّه فرفع عنهم القمّل بعد ما أقام عليهم سبعة أيّامٍ من السّبت إلى السّبت، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ، ثمّ عادوا وقالوا: ما كنّا قطّ أحقّ أن نستيقن أنّه ساحرٌ منّا اليوم، جعل الرّمل دوابّ، وعزّة فرعون لا نصدّقه أبدًا ولا نتّبعه، فعادوا لتكذيبهم وإنكارهم، فدعا موسى عليهم، فقال: يا ربّ إنّ عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم نقمةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فأرسل اللّه عليهم الضّفادع، فكان أحدهم يضطجع، فتركبه الضّفادع، فتكون عليه ركامًا، حتّى ما يستطيع أن ينصرف إلى الشّقّ الآخر، ويفتح فاه لأكلته، فيسبق الضّفدع أكلته إلى فيه، ولا يعجن عجينًا إلاّ تسدّخت فيه، ولا يطبخ قدرًا إلاّ امتلأت ضفادع. فعذّبوا بها أشدّ العذاب، فشكوا إلى موسى عليه السّلام، وقالوا: هذه المرّة نتوب ولا نعود. فأخذ عهدهم وميثاقهم، ثمّ دعا ربّه، فكشف اللّه عنهم الضّفادع بعد ما أقام عليهم سبعًا من السّبت إلى السّبت، فأقاموا شهرًا في عافيةٍ ثمّ عادوا لتكذيبهم وإنكارهم، وقالوا: قد تبيّن لكم سحره، ويجعل التّراب دوابّ، ويجيء بالضّفادع في غير ماءٍ، فآذوا موسى عليه السّلام، فقال موسى: يا ربّ إنّ عبادك نقضوا عهدي، وأخلفوا وعدي، فخذهم بعقوبةٍ تجعلها لهم عقوبةً، ولقومي عظةً، ولمن بعدي آيةً في الأمم الباقية، فابتلاهم اللّه بالدّم، فأفسد عليهم معايشهم، فكان الإسرائيليّ والقبطيّ يأتيان النّيل فيستقيان، فيخرج للإسرائيليّ ماءً، ويخرج للقبطيّ دمًا، ويقومان إلى الجبّ فيه الماء، فيخرج للإسرائيليّ في إنائه ماءً، وللقبطيّ دمًا.
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا ابن سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، في قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} قال: الموت والجراد. قال: الجراد يأكل أمتعتهم وثيابهم ومسامير أبوابهم، والقمّل هو الدّبى، سلّطه اللّه عليهم بعد الجراد. قال: والضّفادع تسقط في أطعمتهم الّتي في بيوتهم وفي أشربتهم.
وقال بعضهم: الدّم الّذي أرسله اللّه عليهم كان رعافًا.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا أحمد بن خالدٍ، قال: حدّثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، قال: حدّثنا زهيرٌ، قال: قال زيد بن أسلم: أما {القمّل}؛ فالقمل وأمّا {الدّم}: فسلّط عليهم الرّعاف.
وأمّا قوله: {آياتٍ مفصّلاتٍ} فإنّ معناه: علاماتٌ ودلالاتٌ على صحّة نبوّة موسى، وحقّيّة ما دعاهم إليه مفصّلاتٌ، قد فصل بينها، فجعل بعضها يتلو بعضها، وبعضها في إثر بعضٍ.
وبنحو الّذي قلنا في ذلك قال أهل التّأويل.
ذكر من قال ذلك:
- حدّثني المثنّى، قال: حدّثنا عبد اللّه بن صالحٍ، قال: حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ، قال: فكانت آياتٍ مفصّلاتٍ بعضها في إثر بعضٍ؛ ليكون للّه الحجّة عليهم، فأخذهم اللّه بذنوبهم فأغرقهم في اليمّ.
- حدّثنا القاسم، قال: حدّثنا الحسين، قال: حدّثني حجّاجٌ، عن ابن جريجٍ، قوله: {آياتٍ مفصّلاتٍ} قال: يتبع بعضها بعضًا ليكون للّه الحجّة عليهم، فينتقم منهم بعد ذلك. وكانت الآية تمكث فيهم من السّبت إلى السّبت، وترتفع عنهم شهرًا، قال اللّه عزّ وجلّ: {فانتقمنا منهم فأغرقناهم في اليمّ} الآية.
- حدّثنا ابن حميدٍ، قال: حدّثنا سلمة، قال: قال ابن إسحاق: {آياتٍ مفصّلاتٍ} أي: آيةٌ بعد آيةٍ يتبع بعضها بعضًا.
وكان مجاهدٌ يقول فيما ذكر عنه في معنى المفصّلات، ما:
- حدّثني الحارث، قال: حدّثنا عبد العزيز، قال: حدّثنا أبو سعدٍ، قال: سمعت مجاهدًا، يقول في: {آياتٍ مفصّلاتٍ}، قال: معلوماتٌ.
القول في تأويل قوله تعالى: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين}.
يقول تعالى ذكره: فاستكبر هؤلاء الّذين أرسل اللّه عليهم ما ذكر في هذه الآيات من الآيات والحجج عن الإيمان باللّه، وتصديق رسوله موسى -صلّى اللّه عليه وسلّم-، واتّباعه على ما دعاهم إليه، وتعظّموا على اللّه وعتوا عليه {وكانوا قومًا مجرمين} يقول: كانوا قومًا يعملون بما يكرهه اللّه من المعاصي والفسق عتوًّا وتمرّدًا). [جامع البيان: 10/ 378-398]
قال ابن أبي حاتم عبد الرحمن بن محمد ابن إدريس الرازي (ت: 327هـ): ({فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع والدّم آياتٍ مفصّلاتٍ فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين (133)}
قوله تعالى: {فأرسلنا عليهم}
- حدثنا أبي، ثنا عبد العزيز ابن منيبٍ، ثنا أبو معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك فأرسلنا عليهم الطّوفان قال: أمطر اللّه عليهم السّماء حتّى امتنع عنهم كل شيء.
- قوله تعالى: {الطوفان}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا ابن الأصبهانيّ، أنبأ يحيى بن يمانٍ، عن المنهال ابن خليفة، عن الحجّاج، عن الحكم بن مينا، عن عائشة، عن النّبيّ -صلّى اللّه عليه وسلّم- قال:
الطّوفان: الموت.
- وحدّثنا أبي، ثنا الحمّانيّ، ثنا يحيى بن يمانٍ، عن المنهال ابن خليفة، عن عطاءٍ، عن عائشة، عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم قال: الطّوفان: الموت.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجابٌ بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ قوله: فأرسلنا عليهم الطّوفان قال: مطروا باللّيل والنّهار ثمانية أيّامٍ، وروي، عن أبي مالكٍ، والضّحّاك، وقتادة أنّه الماء، وروي عن سعيد بن جبيرٍ. والسّدّيّ قالا: المطر.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا يحيى بن المغيرة، ثنا جريرٌ، عن قابوس، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ قال: الطّوفان أمرٌ من أمر ربّك، ثمّ قرأ: فطاف عليها طائفٌ من ربك
والوجه الرّابع:
- حدّثنا أبو سعيدٍ الأشجّ، ثنا أبو عبد الرّحمن الحارثيّ، عن جويبرٍ، عن الضّحّاك قال: الغرق.
والوجه الخامس:
- ذكر، عن أبي عاصمٍ، عن عيسى بن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ: {الطّوفان} الماء والطّاعون.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ كاتب اللّيث، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} وهو المطر حتّى خافوا الهلاك فأتوا موسى قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا المطر فإنّا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم المطر، فأنبت اللّه حرثهم، وأخصبت بلادهم، فقالوا: ما نحبّ أنّا لم نمطر فلن نترك آلهتنا، ولن نؤمن لك، ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل اللّه -عزّ وجلّ- عليهم الجراد.
- حدّثنا أبي، ثنا محمّد بن وهب بن عطيّة الدّمشقيّ، ثنا الهيثم ابن عمران العبسيّ قال: سمعت إسماعيل بن عبيد اللّه يقول: كان الطّوفان الّذي أصاب النّاس في نيسان.
- قوله تعالى: {والجراد}
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قوله: {والجراد} قال: فأرسل اللّه عليهم الجراد فأسرع في فساد ثمارهم وزروعهم، قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فإنّا سنؤمن لك: ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف عنهم الجراد، وكان قد بقي لهم من زرعهم ومعايشهم بقايا، فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا، فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيدٍ بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فقالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا المطر فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه فكشف اللّه عنهم المطر، قال: فأنبت اللّه لهم في تلك السّنّة شيئًا لم ينبته قبل ذلك من الزّرع، والكلأ والثّمر، فقالوا: هذا ما كنّا نتمنّى فأرسل اللّه عليهم الجراد فسلّطه.
على الكلإ فلمّا رأوا أثره في الكلأ، عرفوا أنّه لا يبقي الزّرع، قالوا: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الجراد، فنؤمن لك، ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربّه، فكشف عنهم الجراد، فداسوا فأحرزوا في البيوت فقالوا: قد أحرزنا.
- حدّثنا حجّاج بن حمزة، ثنا شبابة، ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيحٍ، عن مجاهدٍ قوله: {فأرسلنا عليهم الطّوفان} والجراد قال: والجراد تأكل مسامير زنجهم يعني أبوابهم وثيابهم.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد العزيز بن منيبٍ بن معاذٍ، عن عبيد بن سليمان، عن الضّحّاك قوله: {والجراد} فأرسل اللّه عليهم الجراد الّذي لا أجنحة له فتتبّع ما بقي من حروفهم وشجرهم، وسائر نباتهم.
- حدّثنا المنذر بن شاذان، ثنا يعلى، ثنا سفيان، عن أبي خالدٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: الجراد: نثرةٌ من حوتٍ في البحر.
- قوله تعالى: {والقمل}
الوجه الأول:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الوارث، ثنا عامرٌ الأحول، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قول اللّه: {والقمّل} قال: هو الدّبا.
- حدّثنا أبو زرعة، ثنا منجاب بن الحارث، أنبأ بشر بن عمارة، عن أبي روقٍ، عن الضّحّاك، عن ابن عبّاسٍ في قوله: {والقمّل} قال: الجراد الذّي ليس له أجنحةٌ وهو الدّبى وروي عن الضّحّاك، وقتادة، وسعيد بن جبيرٍ، وعطاءٍ الخراسانيّ مثل ذلك.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا جريرٌ، عن يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ: فأرسل اللّه عليهم القمّل: وهو هذا السّوس الّذي يخرج من الحنطة، فكان الرّجل يخرج بالحنطة عشرة أجربةٍ إلى الرّحى فلا يردّ منها بثلاثة أقفزةٍ قالوا يا موسى: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذا القمّل، فنرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربك، فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل.
والوجه الثّالث:
- حدّثنا أبي، ثنا مسلم بن إبراهيم، ثنا عبد الوارث، ثنا عامرٌ الأحول قال وقال الحسن: هو القمّل يعني قول: القمّل وروي، عن زيد بن أسلم مثل ذلك.
والوجه الرابع:
- حدّثنا عليّ بن الحسين الهسنجانيّ، ثنا سعيد بن الحكم بن أبي مريم، ثنا مفضّلٌ، حدّثني أبو صخرٍ أنّه قال: القمّل: الجراد الّذي يطير.
وروي، عن عكرمة أنّه قال: القمّل بنات الجراد.
الوجه الخامس:
- أخبرنا عمرو بن ثورٍ القيساريّ فيما كتب إليّ، ثنا الفريابيّ، ثنا قيس بن الرّبيع، عن سعيد بن مسروقٍ، عن حبيب بن أبي ثابتٍ قال: القمّل: الجعلان.
والوجه السّادس:
- أخبرنا أبو يزيد القراطيسيّ فيما كتب إليّ، ثنا أصبغ بن الفرج، قال سمعت عبد الرّحمن بن زيد بن أسلم يقول: في قول اللّه: {فأرسلنا عليهم الطّوفان والجراد والقمّل والضّفادع} قال: زعم بعض النّاس في القمّل أنّها البراغيث.
- قوله تعالى: {الضّفادع}
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ قال: فبينا موسى عليه السّلام جالسٌ عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدعٍ من نهرٍ قال: فقال يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضّفدع؟ قال: وما عسى أن يكون عند هذا الضّفدع. فما أمسوا حتّى كان الرّجل يجلس إلى ذقنه في الضّفادع وما منهم من أحدٍ يتكلّم إلا وثب ضفدعٌ في فيه، وما من آنيتهم من شيءٍ إلا وهي ممتلئةٌ من الضّفادع فقال فرعون: ادع لنا ربّك يكشف عنّا هذه الضّفادع فنؤمن بك، ونرسل معك بني إسرائيل، قال: فدعا ربه فكشف عنهم الضّفادع.
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن عمران بن عليٍّ الأسديّ، ثنا أبو داود، ثنا زمعة بن صالحٍ، عن سلمة بن وهرام، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: لم يكن شيءٌ أشدّ على آل فرعون من الضّفادع كانت تأتي القدور وهي تغلي من اللّحمان فتلقي أنفسها فيها فأشابها اللّه برد الماء والثّرى إلى يوم القيامة.
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا محمّد بن عليّ بن حمزة حدّثني عليّ بن الحسين، عن أبيه، عن يزيد النّحويّ، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: كانت الضّفادع برّيّةٌ فلمّا أرسلها اللّه على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي وفي التنانير وهي نفورٌ فأثابها اللّه -عزّ وجلّ- بحسن طاعتها برد الماء.
- حدّثنا أحمد بن منصورٍ المروزيّ، ثنا النّضر أنبأ إسرائيل أنبأ جابر بن زيدٍ، عن عكرمة قال: قال عبد اللّه بن عمرٍو: لا تقتلوا الضّفادع فإنّها لمّا أرسلت على بني إسرائيل. انطلق ضفدعٌ منها فوقع في تنّورٍ فيه نارٌ طلبت بذلك مرضاة اللّه فأبدلهنّ اللّه أبرد شيءٍ تعلمه الماء وجعل نقيقهن التسبيح.
- قوله تعالى: {والدم}
الوجه الأول:
- حدّثنا عليّ بن الحسين، ثنا عثمان بن أبي شيبة، ثنا مالك بن إسماعيل، ثنا يعقوب، عن جعفرٍ، عن سعيد بن جبيرٍ، عن ابن عبّاسٍ فأرسل اللّه عليهم الدّم فصارت أنهارهم دمًا، وصارت آبارهم دمًا، فشكوا ذلك إلى فرعون وما يجدون من عظم الدّم فقال: ويحكم قد سحركم، فقالوا: وليس نجد من مائنا شيئًا في إناءٍ ولا بئرٍ ولا نهرٍ إلا ونجد فيه طعم الدّم العبيط، قال: فرعون: يا موسى ادع لنا ربّك يكشف عنّا الدّم، فكشف عنهم فلم يفوا.
- حدّثنا أبي، ثنا أبو حذيفة، ثنا شبلٌ، عن عبد اللّه بن كثيرٍ، عن مجاهدٍ قال: سال النّيل دمًا فكان الإسرائيليّ يستقي ماءً طيّبًا ويستقي الفرعونيّ دمًا ويشتركان في إناءٍ واحدٍ فيكون ما يلي الإسرائيليّ ماءً طيّبًا وما يلي الفرعونيّ دمًا
- وحدّثنا أبي، ثنا محمّد بن عبد الأعلى الصّنعانيّ، ثنا محمّد بن ثورٍ عن معمرٍ عن قتادة قال: ثمّ أرسل عليهم الدّم فكان أحدهم إذا أراد أن يشرب تحوّل ذلك الماء دمًا.
والوجه الثّاني:
- حدّثنا أبي، ثنا أحمد بن خلادٍ الخلال، ثنا يحيى بن أبي بكيرٍ، ثنا زهير بن محمّدٍ قال: قال زيد بن أسلم: وأمّا الدّم فسلّط اللّه عليهم الرّعاف.
قوله تعالى: {آياتٍ}
- حدّثنا أبي، ثنا عبد اللّه بن رجاءٍ الغدانيّ، أنبأ إسرائيل، عن سماكٍ، عن نوف الشّاميّ قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلبت السّحرة عشرين سنةً يريهم الآيات الجراد، والقمّل والضّفادع والدّم فيأبوا، يعني: أن يسلموا.
- قوله تعالى: {مفصّلاتٍ}؛
- حدّثنا أبي، ثنا أبو صالحٍ، حدّثني معاوية بن صالحٍ، عن عليّ بن أبي طلحة، عن ابن عبّاسٍ قال: وكانت آياتٌ مفصّلاتٌ بعضها على أثر بعضٍ لتكون للّه الحجّة عليهم، فأخذهم اللّه بذنوبهم فأغرقهم اللّه في اليمّ.
- قوله تعالى: {فاستكبروا وكانوا قومًا مجرمين}؛
- أخبرنا محمّد بن سعدٍ فيما كتب إليّ، حدّثني أبي، حدّثني عمّي، عن أبيه، عن ابن عبّاسٍ: فلمّا أتى موسى فرعون بالرّسالة فاستكبروا قال: لن أرسل معك بني إسرائيل). [تفسير القرآن العظيم: 5/ 1544-1549]
قَالَ عَبْدُ الرَّحْمنِ بنُ الحَسَنِ الهَمَذَانِيُّ (ت: 352هـ): (نا إبراهيم قال ثنا آدم قال ثنا ورقاء، عن ابن أبي نجيح، عن مجاهد في قوله الطوفان قال: {الطوفان} الموت على كل حال والجراد تأكل مسامير أبوابهم وثيابهم والقمل الدبى والضفادع تسقط على فرشهم وفي طعامهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم).[تفسير مجاهد: 244-245]
قال محمدُ بنُ عبدِ اللهِ الحاكمُ النَّيْسابوريُّ (ت: 405هـ): (أخبرني محمّد بن عليٍّ الصّنعانيّ، بمكّة، ثنا إسحاق بن إبراهيم بن عبّادٍ، أنبأ عبد الرّزّاق، أنبأ معمرٌ، عن عبد اللّه بن عثمان بن خثيمٍ، عن أبي الزّبير، عن جابر بن عبد اللّه رضي اللّه عنهما، قال: لمّا مرّ النّبيّ -صلّى الله عليه وسلّم- بالحجر قال: «لا تسألوا الآيات، فقد سألها قوم صالحٍ فكانت يعني النّاقة ترد من هذا الفجّ، وتصدر من هذا الفجّ، فعتوا عن أمر ربّهم، فعقروها، فأخذتهم الصّيحة، فأهمد اللّه من تحت السّماء منهم إلّا رجلًا واحدًا، كان في حرم اللّه» قيل: من هو؟ قال: «أبو رغالٍ، فلمّا خرج من الحرم أصابه ما أصاب قومه» هذا حديثٌ صحيح الإسناد ولم يخرجاه "). [المستدرك: 2/ 351]
قالَ جَلاَلُ الدِّينِ عَبْدُ الرَّحْمَنِ بْنُ أَبِي بَكْرٍ السُّيُوطِيُّ (ت: 911 هـ) : (أخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ، وابن مردويه عن عائشة قالت: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم: الطوفان: الموت.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن عطاء قال: {الطوفان}: الموت.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير وأبو الشيخ عن مجاهد قال: {الطوفان}: الموت على كل حال.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: {الطوفان}: الغرق.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: {الطوفان} أن يمطروا دائما بالليل والنهار ثمانية أيام والقمل الجراد الذي ليس له أجنحة
- وأخرج ابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: {الطوفان} أمر من أمر ربك ثم قرأ {فطاف عليها طائف من ربك} القلم الآية 19.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: أرسل الله على قوم فرعون الطوفان - وهو المطر - فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا المطر فنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم فأنبت الله لهم في تلك السنة شيئا لم ينبته قبل ذلك من الزرع والكلأ فقالوا: هذا ما كنا نتمنى فأرسل الله عليهم الجراد فسلطه عليهم فلما رأوه عرفوا أنه لا يبقي الزرع قالوا، مثل ذلك فدعا ربه فكشف عنهم الجراد فداسوه وأحرزوه في البيوت فقالوا: قد أحرزنا فأرسل الله عليهم القمل: وهو السوس الذي يخرج من الحنطة فكان الرجل يخرج بالحنطة عشرة أجربة إلى الرحا فلا يرد منها بثلاثة أقفزة فقالوا مثل ذلك فكشف عنهم فأبوا أن يرسلوا معه بني إسرائيل فبينا موسى عند فرعون إذ سمع نقيق ضفدع من نهر فقال: يا فرعون ما تلقى أنت وقومك من هذا الضفدع فقال: وما عسى أن يكون عند هذا الضفدع فما أمسوا حتى كان الرجل يجلس إلى ذقنه في الضفادع وما منهم من أحد يتكلم إلا وثب ضفدع في فيه وما من شيء من آنيتهم إلا وهي ممتلئة من الضفادع، فقالوا مثل ذلك فكشف عنهم فلم يفوا فأرسل الله عليهم الدم فصارت أنهارهم دما وصارت آبارهم دما فشكوا إلى فرعون ذلك فقال: ويحكم قد سحركم فقالوا: ليس نجد من مائنا شيئا في إناء ولا بئر ولا نهر إلا ونجده طعم الدم العبيط فقال فرعون: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنهم الدم فلم يفوا.
- وأخرج ابن المنذر، وابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} وهو المطر حتى خافوا الهلاك فأتوا موسى فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا المطر فإنا نؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل فدعا ربه فكشف عنهم المطر فأنبت الله به حرثهم وأخصبت بلادهم فقالوا: ما نحب أنا لم نمطر ولن نترك إلهنا ونؤمن بك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الجراد فأسرع في فساد زروعهم وثمارهم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الجراد فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الجراد وكان قد بقي من زرعهم ومعائشهم بقايا فقالوا: قد بقي لنا ما هو كافينا فلن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم القمل وهو الدبا فتتبع ما كان ترك الجراد فجزعوا وخشوا الهلاك فقالوا: يا موسى ادع لنا ربك يكشف عنا الدبا فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الدبا فقالوا: ما نحن لك بمؤمنين ولا مرسلين معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الضفادع فملأ بيوتهم منها ولقوا منها أذى شديدا لم يلقوا مثله فيما كان قبله كانت تثب في قدورهم فتفسد عليهم طعامهم وتطفئ نيرانهم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الضفادع فقد لقينا منها بلاء وأذى فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الضفادع فقالوا: لا نؤمن لك ولا نرسل معك بني إسرائيل، فأرسل الله عليهم الدم فجعلوا لا يأكلون إلا الدم ولا يشربون إلا الدم قالوا: يا موسى ادع لنا ربك أن يكشف عنا الدم فإنا سنؤمن لك ونرسل معك بني إسرائيل، فدعا ربه فكشف عنهم الدم فقالوا: يا موسى لن نؤمن لك ولن نرسل معك بني إسرائيل. فكانت آيات مفصلات بعضها أثر بعض لتكون لله الحجة عليهم فأخذهم الله بذنوبهم فأغرقهم في اليم.
- وأخرج ابن أبي شيبة، وعبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد في قوله: {فأرسلنا عليهم الطوفان} قال: الماء والطاعون والجراد، قال: تأكل مسامير رتجهم: يعني أبوابهم وثيابهم والقمل الدبا والضفادع تسقط على فرشهم وفي أطعمتهم والدم يكون في ثيابهم ومائهم وطعامهم.
- وأخرج أبو الشيخ عن عطاء قال: بلغني أن الجراد لما سلط على بني إسرائيل أكل أبوابهم حتى أكل مساميرهم.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: الجراد نترة من حوت في البحر.
- وأخرج العقيلي في كتاب الضعفاء وأبو الشيخ في العظمة عن أبي هريرة أن النّبيّ -صلى الله عليه وسلم- سئل عن الجراد فقال: «إن مريم سألت الله أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد
».
- وأخرج الطبراني والبيهقي في "سننه" عن أبي أمامة الباهلي أن النّبيّ صلى الله عليه وسلم قال:
«إن مريم بنت عمران سألت ربها أن يطعمها لحما لا دم فيه فأطعمها الجراد فقالت: اللهم اعشه بغير رضاع» وتابع: بينه بغير شياع - يعني الصون - قال الذهبي: إسناده أنظف من الأول.
- وأخرج البيهقي في "سننه" عن زينب ربيبة رسول الله صلى الله عليه وسلم قالت: إن نبيا من الأنبياء سأل الله لحم طير لا ذكاة له فرزقه الله الحيتان والجراد.
- وأخرج أبو داود، وابن ماجة وأبو الشيخ في العظمة والطبراني، وابن مردويه والبيهقي عن سلمان قال: سئل رسول الله صلى الله عليه وسلم عن الجراد فقال:
«أكثر جنود الله لا آكله ولا أحرمه».
- وأخرج أبو بكر البرقي في معرفة الصحابة والطبراني وأبو الشيخ في العظمة والبيهقي في شعب الإيمان عن أبي زهير النميري قال: قال رسول الله صلى الله عليه وسلم:
«لا تقاتلوا الجراد فإنه جند من جند الله الأعظم» قال البيهقي: هذا إن صح أراد به إذا لم يتعرض لإفساد المزارع فإذا تعرض له جاز دفعه بما يقع به الدفع من القتال والقتل أو أراد به تعذر مقاومته بالقتال والقتل.
- وأخرج البيهقي من طريق الفضيل بن عياض عن مغيرة عن إبراهيم عن عبد الله قال: وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فقالوا: ألا نقتلها يا رسول الله فقال من قتل جرادة فكأنما قتل غوريا قال البيهقي: هذا ضعيف بجهالة بعض رواته وانقطاع ما بين إبراهيم، وابن مسعود.
- وأخرج الحاكم في تاريخه والبيهقي بسند فيه مجهول عن ابن عمر قال: وقعت جرادة بين يدي رسول الله صلى الله عليه وسلم فاحتملها فإذا مكتوب في جناحها بالعبرانية: لا يعني جنيني ولا يشبع آكلي نحن جند الله الأكبر لنا تسع وتسعون بيضة ولو تمت لنا المائة لأكلنا الدنيا بما فيها، فقال النّبيّ صلى الله عليه وسلم:
«اللهم أهلك الجراد اقتل كبارها وأمت صغارها وأفسد بيضها وسد أفواهها عن مزارع المسلمين وعن معايشهم إنك سميع الدعاء فجاءه جبريل فقال: إنه قد استجيب لك في بعض» قال البيهقي: هذا حديث منكر.
- وأخرج الطبراني وإسمعيل بن عبد الغافر الفارسي في الأربعين والبيهقي عن الحسين بن علي قال: كنا على مائدة أنا وأخي محمد بن الحنيفة وبنى عمي عبد الله بن عباس وقثم والفضل فوقعت جرادة فأخذها عبد الله بن عباس فقال للحسين: تعلم ما مكتوب على جناح الجرادة فقال: سألت أبي فقال: سألت رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال لي:
«على جناح الجرادة مكتوب إني أنا الله لا إله إلا أنا رب الجرادة ورازقها إذا شئت بعثتها رزقا لقوم وإن شئت على قوم بلاء، فقال ابن عباس: هذا والله من مكنون العلم»
- وأخرج أبو نعيم في الحلية عن عكرمة قال: قال لي ابن عباس: مكتوب على الجرادة بالسريانية: إني أنا الله لا إله إلا أنا وحدي لا شريك لي الجراد جند من جندي أسلطه على من أشاء من عبادي.
- وأخرج أبو الشيخ في العظمة عن سعيد بن المسيب قال: لما خلق الله آدم فضل من طينته شيء فخلق منه الجراد.
- وأخرج عن سعيد بن أبي الحسن، مثله.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن جرير، وابن المنذر عن سعيد بن جبير قال: {الطوفان} المطر، {والجراد} هذا الجراد، {والقمل} الدابة التي تكون في الحنطة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن أبي صخر قال: القمل الجراد الذي لا يطير.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن الحسن قال: {القمل}: هو القمل
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن زيد قال: زعم بعض الناس في القمل أنها البراغيث.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن حبيب بن أبي ثابت قال: {القمل}: الجعلان.
- وأخرج الطستي عن ابن عباس. أن نافع بن الأزرق قال له: أخبرني عن قوله عز وجل: {والقمل والضفادع} قال: القمل الدبا. والضفادع: هي هذه. قال: وهل تعرف العرب ذلك قال: نعم أما سمعت أبا سفيان بن الحارث بن عبد المطلب وهو يقول:
يبادرون النحل من أنها ....... كأنهم في الشرف القمل.
- وأخرج أبو الشيخ عن عكرمة قال: {القمل}: الجنادب بنات الجراد.
- وأخرج أبو الشيخ عن عفيف عن رجل من أهل الشام قال: {القمل}: البراغيث.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن ابن عباس قال: كانت الضفادع برية فلما أرسلها الله على آل فرعون سمعت وأطاعت فجعلت تقذف نفسها في القدر وهي تغلي وفي التنانير وهي تفور فأثابها الله بحسن طاعتها برد الماء.
- وأخرج ابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن ابن عباس قال: لم يكن شيء أشد على آل فرعون من الضفادع كانت تأتي القدور وهي تغلي فتلقي أنفسها فيها فأورثها الله برد الماء والثرى إلى يوم القيامة.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن عبد الله بن عمرو قال: لا تقتلوا الضفادع فإنها لما أرسلت على آل فرعون انطلق ضفدع منها فوقع في تنور فيه نار طلبت بذلك مرضاة الله فأبدلهن الله أبرد شيء نعلمه الماء وجعل نعيقهن التسبيح.
- وأخرج أحمد وأبو داود والنسائي عن عبد الرحمن بن عثمان التيمي. أن طبيبا ذكر ضفدعا في دواء عند رسول الله -صلى الله عليه وسلم- فنهى رسول الله صلى الله عليه وسلم عن قتله.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن مجاهد قال: سالت النيل دما فكان الإسرائيلي يستقي ماء طيبا ويستقي الفرعوني دما ويشتركان في إناء واحد فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء طيبا وما يلي الفرعوني دما.
- وأخرج عبد بن حميد، وابن المنذر، وابن أبي حاتم عن قتادة قال: أرسل الله عليهم الدم فكانوا لا يغترفون من مائهم إلا دما أحمر حتى لقد ذكر لنا أن فرعون كان يجمع بين الرجلين على الإناء الواحد القبطي والإسرائيلي فيكون ما يلي الإسرائيلي ماء وما يلي القبطي دما.
- وأخرج ابن جرير، وابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم في قوله: {والدم} قال: سلط الله عليهم الرعاف.
- وأخرج احمد في الزهد، وابن أبي حاتم وأبو الشيخ عن نوف الشامي قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة عشرين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع والدم فيأبون أن يسلموا.
- وأخرج أبو الشيخ عن ابن عباس قال: مكث موسى في آل فرعون بعد ما غلب السحرة أربعين سنة يريهم الآيات الجراد والقمل والضفادع.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن ابن عباس في قوله: {آيات مفصلات}، قال: كانت آيات مفصلات بعضها على أثر بعض ليكون لله الحجة عليهم.
- وأخرج ابن المنذر عن ابن عباس في قوله: {آيات مفصلات} قال: يتبع بعضها بعضا تمكث فيهم سبتا إلى سبت ثم ترفع عنهم شهرا.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن سعيد بن جبير قال: كان بين كل آيتين من هذه الآيات ثلاثون يوما.
- وأخرج ابن أبي حاتم عن زيد بن أسلم قال: كانت الآيات التسع في تسع سنين في كل سنة آية). [الدر المنثور: 6/ 508-519]


رد مع اقتباس