عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 22 رجب 1440هـ/28-03-2019م, 12:56 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

باب علل اختلاف القراء في اجتماع همزتين
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (باب علل اختلاف القراء في اجتماع همزتين
1- اعلم أن أصل هذا الباب على ضربين: ضرب لم يُختلف في تخفيف الثانية فيه، وذلك إذا كانت الثانية ساكنة نحو: «أامن، وأادم، وأوتي، وأاتنا» ونحوه، كلهم على تخفيف الثانية وإبدالها بألف، إذا انفتح ما قبلها، وبياء إذا انكسر ما قبلها، وبواو إذا انضم ما قبلها، وعلى ذلك لغة العرب فيها، قد رفضوا استعمال تحقيق الثانية في هذا النحو حيث وقع، وعلة ذلك أن الهمزة الثانية لما كانت لا تنفصل منهما الأولى، ولا تفارقها في جميع تصاريف الكلمة، استثقلوا ذلك فيها، مع كثرة استعمالهم لذلك، وكثرة تصرفه في الكلام، فتركوا تحقيقها استخفافًا، إذ كانوا يخففون المفردة استخفافًا، لثقل الهمزة المفردة، فإذا تكررت كان ذلك أعظم ثقلًا، فإذا لزمت كل واحدة منهما الأخرى كان ذلك أشد ثقلًا، فرفضوا استعمال التحقيق للثانية في هذا النوع، لما ذكرنا، وعليه لغة العرب وكل القراء، والضرب الثاني اختلفت العرب والقراء في تحقيق الثانية وتخفيفها فيه، وهو كل همزتين اجتمعتا، ويجوز أن تنفصل الأولى من الثانية نحو: «جاء أحدهم، وهؤلاء إن كنتم، ويشاء إلى»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/70]
وشبهه، ومثل «أأنذرتهم، وأأقررتم» لأن حذف الأولى من هذا جائز، والوقف على الكلمة الأولى جائز، فالأولى كالمنفصلة من الثانية فيه، غير لازمة لها في كل حال، ففارق ذلك علة الهمزتين في «أادم، وأامن» ونحوه، وعلة ذلك أنه لما جاز انفصال الأولى من الثانية آل الأمر إلى جواز انفراد كل واحدة من الأخرى، وذلك غير ثقيل، فجاز الجمع بينهما محققين، إذ الأولى في كلمة والثانية في كلمة أخرى، وهذا النوع على ضربين: ضرب من كلمتين، يجوز لك أن تقف على الهمزة الأولى وتفصلها من الثانية، فصار اجتماعهما في الوصل كأنه عارض، فحسن تحقيقهما في الوصل، إذ لا اجتماع لهما في الوقف، وإذ لابد من تحقيقهما إذا وقفت على الأولى وابتدأت بالثانية، فجرى الوصل في حكم الوقف في هذا. والضرب الثاني هو ما اجتمعت الهمزتان فيه، في ظاهر اللفظ من كلمة، والتقدير في الأولى أنها منفصلة في النية، لأن لك حذفها في كلام العرب، ولأنها داخلة على الثانية قبل أن لم تكن فصارت بمنزلة ما هو من كلمتين، وذلك كل همزة استفهام دخلت على ما بعدها من همزة أخرى نحو: «أأنذرتم، وأأقررتم» وشبهه، الهمزة الأولى دخلت على «أنذر، وأقرر» قبل أن لم تكن، وقد قرئ بحذفها في «أأنذرتهم» فهي بمنزلة همزة من كلمة أخرى، إذ الانفصال والزيادة فيها مقدران منويان، فصارت بمنزلة ما هو من كلمتين، فجاز تحقيقهما بخلاف الهمزتين اللتين لا يمكن أن يقدر في الأولى الانفصال من الثانية، ولا يمكن حذفها على وجه، إلا أن تُلقى حركتها
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/71]
على ساكن قبلها، فتكون مرادة منوية، وتحقيق الهمزتين فيما هو من كلمتين في اللفظ أقوى من تحقيقه فيما هو من كلمة في اللفظ، وإن كان تقدير الأولى الانفصال؛ لأن اللفظ قد جمعهما في كلمة، فشابه ما قد اجتمع على تخفيف الثانية من نحو: «أادم» وما كان من كلمتين، وإن كان اللفظ قد جمعهما، فإن الأولى في تقدير الانفصال من الثانية، إذ الوقف عليها والابتداء بالثانية جائز حسن، فصار اجتماعهما في اللفظ في الوصل كأنه يشبه العارض فحسن تحقيقهما من كلمتين، وقوي ذلك.
2- فإن قيل: فما بال الهمزة كُره فيها التكرير واستثقل، ولم يكره ذلك في سائر الحروف إذا تكررت، إلا على لغة من أدغم الحروف المتكرر في نظيره؟
فالجواب أن الهمزة على انفرادها حرف بعيد المخرج جلد صعب على اللافظ به، بخلاف سائر الحروف، مع ما فيها من الجهر والقوة، ولذلك استعملت العرب في الهمزة المفردة ما لم تستعمله في غيرها من الحروف، فقد استعملوا فيها: التحقيق، والتخفيف، وإلقاء حركتها على ما قبلها، وإبدالها بغيرها من الحروف، وحذفها في مواضعها، وذلك كله لاستثقالهم لها، ولم يستعملوا ذلك في شيء من الحروف غيرها، فإذا انضاف إلى ذلك تكريرها كان أثقل كثيرًا عليهم، فاستعملوا في تكرير الهمزة من كلمتين التخفيف للأولى، والتخفيف للثانية، والحذف للثانية، والحذف للأولى، وبعضهم يحققهما جميعًا؛ إذ الأولى كالمنفصلة من الثانية، إذ هي من كلمة أخرى.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/72]
3- فحجة من حقق الهمزتين في كلمة، وهي قراءة أهل الكوفة وابن ذكوان، في نحو: «أأنذرتهم» وشبهه، أنه لما رأى الأولى في تقدير الانفصال من الثانية، ورآها داخلة على الثانية، قبل أن لم تكن، حقق كما يحقق ما هو من كلمتين، وحسن ذلك عنده لأنه الأصل، وزاده قوة أن أكثر هذا النوع بعد الهمزة الثانية فيه ساكن، فلو خفف الثانية، التي قبل الساكن، لقرب ذلك من اجتماع ساكنين، لا سيما على مذهب من يبدل من الثانية ألفًا، فلما خاف اجتماع الساكنين حقق، ليسلم من ذلك، ولأنه أتى بالكلمة على أصلها محققة، ولأنه لو خفف الثانية لكانت بزنتها محققة، فالاستثقال في المقياس مع التخفيف باق، ولذلك قرئ بإدخال ألف بين الهمزتين مع تخفيف الثانية، لأن الاستثقال مع التخفيف باق، إذ المخففة بزنتها محققة.
4- وحجة من خفف الثانية هو ما قدمنا من استثقال الهمزة المفردة فتكريرها أعظم استثقالًا، وعليه أكثر العرب، وهو مذهب نافع وابن كثير وأبي عمرو وهشام، وأيضًا فإنه لما رأى العرب، وكل القراء قد خففوا الثانية، إذا كانت ساكنة استثقالًا، كان تخفيفها إذا كانت متحركة أولى، لأن المتحرك أقوى من الساكن وأثقل، وأيضًا فإن جماعة من العرب ومن القراء قد
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/73]
كرهوا اللفظ بالهمزة المفردة، فخففوها ساكنة ومتحركة نحو: «يومن، ويواخذ» فكان تخفيفها إذا تكررت أولى وأقيس.
5- وحجة من خفف الثانية من كلمة، وأدخل بين الهمزتين ألفًا، وهو مذهب أبي عمرو وقالون عن نافع، وهشام عن ابن عامر، أنه لما كانت الهمزة المخففة بزنتها محققة قدر بقاء الاستثقال على حاله مع التخفيف، فأدخل بينهما ألفا ليحول بين الهمزتين بحائل، يمنع من اجتماعهما، وقد روي ذلك أيضًا عن ورش، والعلة في الجمع بين الهمزتين من كلمة المختلفتي الحركة نحو: «أئذا، وأئنكم» وشبهه، وبه قرأ الكوفيون وابن ذكوان، وفي تخفيف الثانية، وهي قراءة ورش وابن كثير، وفي إدخال الألف بينهما، مع تخفيف الثانية، وهي قراءة أبي عمرو وقالون وهشام هو ما قدمنا من العلة في الهمزتين المتفقتي الحركة من كلمة نحو: «أأنذرتهم» فقسه عليه، فالعلة واحدة.
6- وحجة من حقق الهمزتين المتفقتين من كلمتين هو ما قدمنا من تقدير انفصال الأولى من الثانية، وأن الوقف يفصل بينهما، وأن تخفيف الثانية في الوزن كالتحقيق، فقرأه على الأصل، وهو التحقيق. فعلى العلل المتقدمة في
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/74]
الهمزتين من كلمة في هذا الفصل، وله مزية في القوة في التحقيق أن الأولى منفصلة من الثانية، في الوقف، وأن الوصل كأنه عارض، وبه قرأ الكوفيون وابن عامر.
7- وحجة من خفف الثانية كحجته المتقدمة في تخفيف الثانية، فيما هو من كلمة نحو: «أأنذرتهم» فقسه عليه، وكانت الثانية عنده أولى بالتخفيف من الأولى، لأن الثانية تقع للتكرير، وبها يقع الاستثقال، فخففها لأنها أولى بالتخفيف من الأولى، وأيضًا فإن الأولى قبلها ساكن في أكثر هذا الفصل، فلو خففها لقرب اللفظ من الجمع بين ساكنين، فآثر تخفيف الثانية لذلك، إذ قبلها متحرك، وبه قرأ ورش.
8- وحجة من خفف الأولى أنه لما رأى الثانية لابد لها من التحقيق في الابتداء، أجرى الوصل على ذلك فحققها، فوجب تخفيف الأولى، إذ قد حصل التحقيق للثانية لما ذكرنا، وأيضًا فإنه لما كان بالثانية، يقع التكرير والاستثقال، خفف الأولى، ليزول لفظ التكرير والاستثقال عن الثانية.
9- وحجة من حذف الأولى من الهمزتين المتفقتي الحركة من كلمتين، وهو أبو عمرو، في المكسورتين والمضمومتين، ووافقه البزي وقالون على الحذف في المفتوحتين، أنه جعل الثانية تقوم مقام الأولى وتنوب عنها، وفي المدة الأولى وجهان: المد لأن الحذف عارض، ولأن الثانية تقوم مقام الأولى، وعلة ترك المد أنه لعدم الهمزة من أجلها وجب المد، وكذلك الاختلاف فيها، في قراءة من ترك مد حرف لحرف المد، وتركه على ما ذكرنا من العلل فيما تقدم.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/75]
10- وحجة من حقق الهمزتين المختلفتي الحركة من كلمتين هو ما قدمنا من أن الأولى منفصلة من الثانية، وأن الأصل، وأن الوقف على الأولى والابتداء بالثانية بالتحقيق فيهما للجميع، فأجرى الوصل مجرى الوقف، وخف عليه اجتماعهما؛ إذ هما من كلمتين، وإذ انفصال الثانية من الأولى ممكن مقدر منوي، وهي قراءة الكوفيين وابن عامر، في نحو: {جاء أمة رسولها، والسفهاء ألا}، وشبهه فقس عليه على ما قدمنا. فأما ما خالف القراء أصولهم من هذه الفصول فعلته تذكر مع كل حرف في موضعه، وكله جارٍ على ما ذكرنا من العلل، فأما حكم تخفيف الهمزة في هذه الفصول فنذكر منه في هذا الموضع جملة، ثم نبسطه، إن شاء الله، في أبواب تخفيف الهمز ونعلله). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/76]


رد مع اقتباس