عرض مشاركة واحدة
  #24  
قديم 26 محرم 1440هـ/6-10-2018م, 02:34 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (78) إلى الآية (82) ]

{وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78) فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79) وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80) بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81) وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}

قوله تعالى: {وَمِنْهُمْ أُمِّيُّونَ لَا يَعْلَمُونَ الْكِتَابَ إِلَّا أَمَانِيَّ وَإِنْ هُمْ إِلَّا يَظُنُّونَ (78)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (إلّا أمانيّ)
روى هارون عن أبي عمرو (إلّا أماني) مخففة الياء، وسائر القراء قرأوا بتشديد الياء، لأن الواحدة منها أمنية.
قال أبو منصور: سمعت المنذري عن أبي العباس، أحمد بن يحيى أنه قال: من شدد الأماني فهو مثل قولهم: قرقور وقراقير، ومن خفف الأماني فهو مثل قولهم: قرقور وقراقر، غير أن القراءة بالتشديد لاجتماع القراء عليه.
ومعنى الأماني: الأكاذيب، يقال: أنت تمنيت هذا القول، أي: اختلقته.
[معاني القراءات وعللها: 1/158]
وقال غيره: تكون الأماني أيضًا جمع الأمنية، وهي التلاوة، ومنه قول الله جلّ وعزّ (وما أرسلنا من قبلك من رسولٍ ولا نبيٍّ إلّا إذا تمنّى ألقى الشّيطان في أمنيّته) أي: في تلاوته). [معاني القراءات وعللها: 1/159]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي جعفر وشيبة والحسن بخلاف والحكم بن الأعرج: [إِلَّا أَمَانِيْ وَإِنْ هُمْ]، و[لَيْسَ بِأَمَانِيْكُمْ وَلا أَمَانِيْ أَهْلِ الْكِتَابِ] الياء فيه كله خفيفة ساكنة.
قال أبو الفتح: أصل هذا كله التثقيل -أَمَانِيُّ جمع أُمْنِيَّة- والتخفيف في هذا النحو كثير وفاشٍ عندهم.
قال أبو الحسن في قولهم أثاف: لم يسمع من العرب بالتثقيل ألبتة.
وقال الكسائي: قد سمع فيها التثقيل، وأنشد:
أثافي سُفعًا في مُعَرَّسِ مِرجل
والمحذوف من نحو هذا هو الياء الأولى التي هي نظيرة ياء المد مع غير الإدغام، نحو ياء قراطيس، وجراميق، وأراجيح، وأعاجيب، جمع أرجوحة وأعجوبة، ألا تراها قد حذفت في قوله:
والبكراتِ الفُسَّجَ العطامسا
[المحتسب: 1/94]
وقوله:
وغير سُفْع مثل يحامِم
يريد: يحاميم وعطاميس.
وروينا لعبيد الله بن الحر قوله:
وبُدِّلْتُ بعد الزَّعْفَران وطيبه ... صَدا الدِّرع من مستحكِماتِ الْمَسامِر
وعلى أن حذف الياء مع الإدغام أسهل شيئًا من حذفه ولا إدغام معه؛ وذلك أن هذه الياء لما أُدغمت خفيت وكادت تستهلك، فإذا أنت حذفتها فكأنك إنما حذفت شيئًا هو في حال وجوده في حكم المحذوف. نعم، وقد يحذف هذا الحرف ويؤتى بالعوض منه حرفًا في حال وجوده في حكم ما ليس موجودًا، وهو تاء التأنيث في نحو قولهم: فرازنة وزنادقة وجحاجحة، فالتاء عوض من ياء فرازين وجحاجيح وزناديق، وكذلك قالوا مع الإدغام، وذلك قولهم في أثاني وأناسي: أثانية وأناسية، رواها أبو زيد. وإذا كانوا قد رضوا بالكسرة قبلها دليلًا عليها، وعوضًا منها فهم بأن يقنعوا بالتاء عوضًا منها أجدر). [المحتسب: 1/95]

قوله تعالى: {فَوَيْلٌ لِلَّذِينَ يَكْتُبُونَ الْكِتَابَ بِأَيْدِيهِمْ ثُمَّ يَقُولُونَ هَذَا مِنْ عِنْدِ اللَّهِ لِيَشْتَرُوا بِهِ ثَمَنًا قَلِيلًا فَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا كَتَبَتْ أَيْدِيهِمْ وَوَيْلٌ لَهُمْ مِمَّا يَكْسِبُونَ (79)}

قوله تعالى: {وَقَالُوا لَنْ تَمَسَّنَا النَّارُ إِلَّا أَيَّامًا مَعْدُودَةً قُلْ أَتَّخَذْتُمْ عِنْدَ اللَّهِ عَهْدًا فَلَنْ يُخْلِفَ اللَّهُ عَهْدَهُ أَمْ تَقُولُونَ عَلَى اللَّهِ مَا لَا تَعْلَمُونَ (80)}

قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (81)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأحاطت به خطيئته)
قرأ نافع وحده: (وأحاطت به خطيئاته).
وقرأ سائر القراء: (خطيئته).
قال أبو منصور: والخطيئة تنوب عن الخطيئات، وقد تجمع الخطيئة خطايا وخطيئات). [معاني القراءات وعللها: 1/159]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في قوله تعالى: وأحاطت به خطيئته [البقرة/ 81]، فقرأ نافع وحده: خطيئاته، وقرأ الباقون:
خطيئته واحدة.
قال أبو علي: قوله: وأحاطت به خطيئته لا يخلو من أحد أمرين: إما أن يكون المعنى أحاطت بحسنته خطيئته أي:
أحيطتها من حيث كان المحيط أكبر من المحاط به فيكون بمنزلة قوله: وإنّ جهنّم لمحيطةٌ بالكافرين [العنكبوت/ 54]، وقوله أحاط بهم سرادقها [الكهف/ 29]، أو يكون المعنى في: أحاطت به خطيئته:
أهلكته، من قوله: لتأتنّني به إلّا أن يحاط بكم [يوسف/ 66] وقوله: وظنّوا أنّهم أحيط بهم [يونس/ 22] وأحيط بثمره [الكهف/ 42] فهذا كلّه في معنى البوار والهلكة.
ويكون للإحاطة معنى ثالث وهو: العلم. كقوله:
[الحجة للقراء السبعة: 2/114]
كذلك وقد أحطنا بما لديه خبراً [الكهف/ 91] و: ليعلم أن قد أبلغوا رسالات ربّهم وأحاط بما لديهم [الجن/ 28].
وقال: واللّه بما يعملون محيطٌ [الأنفال/ 47] أي: عالم.
وأما الخطيئة: فقال أبو زيد: خطئت، من الخطيئة.
أخطأ خطئا والاسم الخطء، وأخطأت إخطاء، والاسم الخطاء.
وقال أبو الحسن: الخطء: الإثم، وهو ما أصابه متعمّدا والخطأ: غير التعمّد. ويقال من هذا: أخطأ يخطئ وقال:
وليس عليكم جناحٌ فيما أخطأتم به ولكن ما تعمّدت قلوبكم [الأحزاب/ 5] واسم الفاعل من هذا مخطئ.
فأمّا خطئت: فاسم الفاعل فيه: خاطئ، وهو المأخوذ به فاعله، وفي التنزيل: لا يأكله إلّا الخاطؤن [الحاقة/ 37] وقد قالوا: خطئ في معنى أخطأ، قال:
يا لهف نفسي إذ خطئن كاهلا المعنى: أخطأتهم، ويدلّك على هذا قول الأعشى:
[الحجة للقراء السبعة: 2/115]
فأصبن ذا كرم ومن أخطأنه... جزأ المقيظة خشية أمثالها
يصف أيضا خيلا.
ومما جاء فيه: خطئ في معنى أخطأ قول الشاعر:
والناس يلحون الأمير إذا هم... خطئوا الصّواب ولا يلام المرشد
فأما الخطيئة فتقع على الصغير وعلى الكبير، فمن وقوعها على الصغير قوله: والّذي أطمع أن يغفر لي خطيئتي يوم الدّين [الشعراء/ 82] ومن وقوعها على الكبير قوله: وأحاطت به خطيئته [البقرة/ 81].
فأمّا قولهم: خطيئة يوم لا أصيد فيه، فالمعنى فيه:
قلّ يوم لا أصيد فيه.
وأما قوله: ربّنا لا تؤاخذنا إن نسينا أو أخطأنا [البقرة/ 286] فالمعنى أن يكون أخطأنا في معنى: خطئنا،
[الحجة للقراء السبعة: 2/116]
ونسينا في معنى تركنا. لأن الخطأ والنسيان موضوعان عن الإنسان وغير مؤاخذ بهما. فيكون أخطأنا بمنزلة خطئنا كما جاء خطئنا في معنى أخطأنا.
ويجوز أن تكون أخطأنا في قوله: أو أخطأنا على غير التعمّد. والنّسيان: خلاف الذّكر، وليس التّرك، ولكن تعبّدنا بأن ندعو لذلك، كما جاء في الدعاء: قال ربّ احكم بالحقّ [الأنبياء/ 112] والله سبحانه لا يحكم إلا بالحقّ.
وكما قال: ربّنا وآتنا ما وعدتنا على رسلك [آل عمران/ 194] وما وعدوا به على ألسنة الرّسل يؤتونه. وكذلك قول الملائكة في دعائهم للمسلمين: ربّنا وسعت كلّ شيءٍ رحمةً وعلماً، فاغفر للّذين تابوا واتّبعوا سبيلك، وقهم عذاب الجحيم [غافر/ 7] وكذلك قوله: ربّنا ولا تحمّلنا ما لا طاقة لنا به [البقرة/ 286] يكون على ما يكرثهم ويثقل على طباعهم، وتكون الطاقة: الاستطاعة.
وقد يكون: أخطأنا: أتينا بخطإ. كقولك: أبدعت: أتيت ببدعة. ونحو هذا مما يراد به هذا النّحو.
وتقول: خطّأته فأخطأ. فيكون هذا كقولهم: فطّرته فأفطر.
فأمّا ما روي عن ابن عباس من قوله: خطّ الله نوءها.
[الحجة للقراء السبعة: 2/117]
فقال أبو عبد الله اليزيديّ وغيره. ليس ذلك من الخطأ، وإنّما هو خطّ مثل ردّ، من الخطيطة قال: وهي أرض لم تمطر بين أرضين ممطورتين.
السيئة في قوله: بلى من كسب سيّئةً [البقرة/ 81] يجوز أن يكون. الكفر. ويجوز أن يكون: كبيرا يوتغ ويهلك، ويجوز أن يكون: من للجزاء الجازم، ويجوز أن يكون للجزاء غير الجازم، فتكون: السيّئة. وإن كانت مفردة، تراد بها الكثرة فكذلك تكون خطيئة مفردة... وإنما حسن أن تفرد لأنه مضاف إلى ضمير مفرد، وإن كان يراد به الكثرة كما قال: من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ فله أجره عند ربّه [البقرة/ 112] فأفرد الوجه والأجر، وإن كان في المعنى جمعا في الموضعين. فكذلك المضاف إليه: الخطيئة، لما لم يكن جمعا لم تجمع كما جمعت في قوله: نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58]
[الحجة للقراء السبعة: 2/118]
لأنه مضاف إلى جماعة لكل واحد منهم خطيئة. وكذلك قوله: إنّا نطمع أن يغفر لنا ربّنا خطايانا [الشعراء/ 51] وقوله: إنّا آمنّا بربّنا ليغفر لنا خطايانا وما أكرهتنا عليه من السّحر [طه/ 73] وكذلك قوله: وقولوا حطّةٌ نغفر لكم خطاياكم [البقرة/ 58] لأن كل لفظة من ذلك مضافة إلى جمع. فجمعت كجمع ما أضيف إليه.
فأمّا قوله: وأحاطت به خطيئته. فمضاف إلى مفرد.
فكما أفردت السيئة ولم تجمع، وإن كانت في المعنى جمعا، فكذلك ينبغي أن تفرد الخطيئة، وأنت إذا أفردته لم يمتنع وقوعه على الكثرة وإن كان مضافا. ألا ترى أنّ في التنزيل:
وإن تعدّوا نعمة اللّه لا تحصوها [إبراهيم/ 34] فالإحصاء إنما يقع على الجموع والكثرة، وكذلك ما أثر في الحديث من قوله: «منعت العراق درهمها وقفيزها. ومصر إردبّها» فهذه أسماء مفردة مضافة، والمراد بها الكثرة فكذلك الخطيئة. ومما يرجّح به قول من أفرد ولم يجمع لأنه مضاف إلى مفرد، فأفرد لذلك وكان الوجه: قوله: بلى من أسلم وجهه للّه وهو محسنٌ فله أجره عند ربّه [البقرة/ 112]
[الحجة للقراء السبعة: 2/119]
فأفرد الأجر لما كان مضافا إلى مفرد، ولم يجمع كما جمع قوله: وآتوهنّ أجورهنّ بالمعروف [النساء/ 25] فكما لم يجمع الأجر في الإضافة إلى الضمير المفرد، كما جمع لمّا أضيف إلى الضمير المجموع، كذلك ينبغي أن تكون الخطيئة مفردة إذا أضيفت إلى الضمير المفرد، وإن كان المراد به الجميع. ومن قال «خطيئاته» فجمع، حمله على المعنى، والمعنى: الجمع والكثرة. فكما جمع ما كان مضافا إلى جمع كذلك جمع ما كان مضافا إلى مفرد، يراد به الجمع من حيث اجتمعا في أنهما كثرة، ويدلّك على أنّ المراد به الكثرة. فيجوز من أجل ذلك أن تجمع خطيئة على المعنى لأن الضمير المضاف إليه جمع في المعنى.
قوله: فأولئك أصحاب النّار [البقرة/ 81] فأولئك خبر المبتدأ الذي هو: من في قول من جعله جزاء غير مجزوم كقوله: وما بكم من نعمةٍ فمن اللّه [النحل/ 53] أو مبتدأ في قول من جعله جزاء مجزوما. وفي كلا الوجهين يراد به: من في قوله: بلى من كسب سيّئةً [البقرة/ 81].
ومما يدلّ على أن من يراد به الكثرة فيجوز لذلك أن تجمع خطيئة لأنها مضافة إلى جمع في المعنى. قوله بعد هذه: والّذين آمنوا وعملوا الصّالحات أولئك أصحاب الجنّة هم فيها خالدون [البقرة/ 82]، ألا ترى أن الّذين جمع، وهو معادل به من. فكذلك المعادل به يكون جمعا مثل ما عودل به.
[الحجة للقراء السبعة: 2/120]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئته}
قرأ نافع وأحاطت به خطيئاته بالألف وحجته أن الإحاطة لا تكون للشّيء المنفرد إنّما تكون لأشياء كقولك أحاط به الرّجال وأحاط النّاس بفلان إذا داروا به ولا يقال أحاط زيد بعمرو وحجّة أخرى جاء في التّفسير قوله بلى من كسب سيّئة وأحاطت به خطيئاته أي الكبائر أي أحاطت به كبائر ذنوبه
وقرأ الباقون خطيئته على التّوحيد وحجتهم أن الخطيئة ليست بشخص فإذا لم تكن شخصا واشتملت على الإنسان جاز أن يقال أحاطت به خطيئته وحجّة أخرى جاء في التّفسير من كسب سيّئة أي الشّرك وأحاطت به خطيئته أي الشّرك الّذي هو سيّئة). [حجة القراءات: 102]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (43- قوله: «خطيئته» قرأه نافع بالجمع، حمله على معنى الإحاطة، والإحاطة إنما تكون بكثرة المحيط، فحمله على معنى الكبائر، والسيئة الشرك، فالمعنى: بلى من كسب شركًا وأحاطت بن كبائره فأحبطت أعماله، فأولئك أصحاب النار، والهاء في «خطيآته» بمعنى الجمع، تعود على «من»، و«من» للجماعة، يدل على ذلك قوله: {فأولئك أصحاب النار هم فيها خالدون}، وقرأ الباقون بالتوحيد على أن تأويل الخطيئة الشرك، فوحَّدوه على هذا المعنى، وتكون السيئة الذنوب، وهي بمعنى السيئات، ويجوز أن تكون الخطيئة في معنى الجمع، لكن وُحِّدت، كما وُحِّدت السيئة، وهي بمعنى الجمع، فتكون كالقراءة بالجمع في المعنى، وحسن انفراد لفظ الخطيئة، وهي بمعنى الجمع؛ لإضافتها إلى مفرد في اللفظ بمعنى الجمع، وقد يجوز أن يكون لفظ الخطيئة مفردًا، يُراد به الكثرة، كما قال: {وإن تعدوا نعمة الله لا تحصوها} «إبراهيم 34» أي: نعم الله؛ لأن المعدود لا يكون إلا كثيرًا، فتكون «الخطيئة» الكبائر و«السيئة» الذنوب). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/249]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (27- {وَأَحَاطَتْ بِهِ خَطِيئَتُهُ} [آية/ 81]:-
بالجمع، قرأها نافع وحده.
وذلك لأنه حمله على المعنى، ومعناه على الكثرة؛ لأن المخبر عنهم جماعة وإن عبر عنهم بلفظ المفرد، ألا ترى أن قوله: {مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} ليس يريد به واحدًا، وإنما يدخل تحته كل كاسب للسيئة محيط به خطاياه لما يتضمنه من معنى الشرط، فالمعنى على الكثرة والعموم، والدليل على أن المراد به الكثرة قوله تعالى: {فَأُولَئِكَ أَصْحَابُ النَّارِ}؛ لأن هؤلاء هم كاسبو السيئة الذين تقدم ذكرهم، ويدل على ذلك أيضًا قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا} وهم جماعة عودل بهم من تقدمهم، والمعادل ينبغي أن يكون مثل من عودل به.
ويقوي هذه القراءة أنه وصف الخطيئة بالإحاطة، والإحاطة بالشيء شمول
[الموضح: 284]
له فهي تقتضي الكثرة في حقيقة الأصل؛ لأن الجسم لا يحيط بالجسم حتى يكون كثير الأجزاء.
وقرأ الباقون {خَطِيئتُهُ} على الإفراد.
ووجه ذلك أنها لما كانت مضافة إلى مفردٍ في اللفظ كان الإفراد فيها أولى، لا سيما وقد أفردت السيئة في قوله تعالى: {بَلَى مَنْ كَسَبَ سَيِّئَةً} لما كان مسندًا إلى لفظ {مَنْ}، ولفظه واحد وإن كان المراد به الجمع والكثرة ولا يمتنع في المفرد أن يقع للكثرة والجمع نحو قوله تعالى {وَإِنْ تَعُدُّوا نِعْمَةَ الله لَا تُحْصُوهَا} فإن الإحصاء يقتضي الكثرة، فإن لم يمتنع نحو هذا لا يمتنع أيضًا أن يراد بالخطيئة وإن كانت واحدةً معنى الجمع، وكذلك السيئة). [الموضح: 285]

قوله تعالى: {وَالَّذِينَ آَمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ أُولَئِكَ أَصْحَابُ الْجَنَّةِ هُمْ فِيهَا خَالِدُونَ (82)}


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس