عرض مشاركة واحدة
  #9  
قديم 19 ذو القعدة 1439هـ/31-07-2018م, 07:18 PM
أم إسماعيل أم إسماعيل غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Dec 2010
المشاركات: 4,914
افتراضي

تفاسير القرن الثامن الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَدَخَلَ مَعَهُ السِّجْنَ فَتَيَانِ قَالَ أَحَدُهُمَا إِنِّي أَرَانِي أَعْصِرُ خَمْرًا وَقَالَ الْآَخَرُ إِنِّي أَرَانِي أَحْمِلُ فَوْقَ رَأْسِي خُبْزًا تَأْكُلُ الطَّيْرُ مِنْهُ نَبِّئْنَا بِتَأْوِيلِهِ إِنَّا نَرَاكَ مِنَ الْمُحْسِنِينَ (36)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({ودخل معه السّجن فتيان قال أحدهما إنّي أراني أعصر خمرًا وقال الآخر إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطّير منه نبّئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين (36)}
قال قتادة: كان أحدهما ساقي الملك، والآخر خبّازه.
قال محمّد بن إسحاق: كان اسم الّذي على الشّراب "نبوا"، والآخر "مجلث".
قال السّدّيّ: وكان سبب حبس الملك إيّاهما أنّه توهّم أنّهما تمالآ على سمّه في طعامه وشرابه.
وكان يوسف، عليه السّلام، قد اشتهر في السّجن بالجود والأمانة وصدق الحديث، وحسن السّمت وكثرة العبادة، صلوات اللّه عليه وسلامه، ومعرفة التّعبير والإحسان إلى أهل السجن وعيادة مرضاهم والقيام بحقوقهم. ولمّا دخل هذان الفتيان إلى السّجن، تآلفا به وأحبّاه حبًّا شديدًا، وقالا له: واللّه لقد أحببناك حبًّا زائدًا. قال بارك اللّه فيكما، إنّه ما أحبّني أحدٌ إلّا دخل عليّ من محبّته ضررٌ، أحبّتني عمّتي فدخل عليّ الضّرر بسببها، وأحبّني أبي فأوذيت بسببه، وأحبّتني امرأة العزيز فكذلك، فقالا واللّه ما نستطيع إلّا ذلك، ثمّ إنّهما رأيا منامًا، فرأى السّاقي أنّه يعصر خمرًا -يعني عنبًا -وكذلك هي في قراءة عبد اللّه بن مسعودٍ: "إنّي أراني أعصر عنبًا". ورواه ابن أبي حاتمٍ، عن أحمد بن سنان، عن يزيد بن هارون، عن شريك، عن الأعمش، عن زيد بن وهبٍ، عن ابن مسعودٍ: أنّه قرأها: "أعصر عنبًا".
وقال الضّحّاك في قوله: {إنّي أراني أعصر خمرًا} يعني: عنبًا. قال: وأهل عمّان يسمّون العنب خمرًا.
وقال عكرمة: رأيت فيما يرى النّائم أنّي غرست حبلة من عنبٍ، فنبتت. فخرج فيه عناقيد، فعصرتهنّ ثمّ سقيتهنّ الملك. قال تمكث في السّجن ثلاثة أيّامٍ، ثمّ تخرج فتسقيه خمرًا.
وقال الآخر -وهو الخبّاز -: {إنّي أراني أحمل فوق رأسي خبزًا تأكل الطّير منه نبّئنا بتأويله إنّا نراك من المحسنين}
والمشهور عند الأكثرين ما ذكرناه، وأنّهما رأيا منامًا وطلبا تعبيره.
وقال ابن جريرٍ: حدّثنا ابن وكيع وابن حميدٍ قالا حدّثنا جريرٌ، عن عمارة بن القعقاع، عن إبراهيم، عن عبد اللّه قال: ما رأى صاحبا يوسف شيئًا، إنّما كانا تحالما ليجرّبا عليه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 387-388]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ لَا يَأْتِيكُمَا طَعَامٌ تُرْزَقَانِهِ إِلَّا نَبَّأْتُكُمَا بِتَأْوِيلِهِ قَبْلَ أَنْ يَأْتِيَكُمَا ذَلِكُمَا مِمَّا عَلَّمَنِي رَبِّي إِنِّي تَرَكْتُ مِلَّةَ قَوْمٍ لَا يُؤْمِنُونَ بِاللَّهِ وَهُمْ بِالْآَخِرَةِ هُمْ كَافِرُونَ (37)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({قال لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما ذلكما ممّا علّمني ربّي إنّي تركت ملّة قومٍ لا يؤمنون باللّه وهم بالآخرة هم كافرون (37) واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب ما كان لنا أن نشرك باللّه من شيءٍ ذلك من فضل اللّه علينا وعلى النّاس ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون (38)}
يخبرهما يوسف، عليه السّلام، أنّهما مهما رأيا في نومهما من حلمٍ، فإنّه عارفٌ بتفسيره ويخبرهما بتأويله قبل وقوعه؛ ولهذا قال: {لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما}
قال مجاهدٌ: يقول: {لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه} [في نومكما] {إلا نبّأتكما بتأويله قبل أن يأتيكما} وكذا قال السّدّيّ.
وقال ابن أبي حاتمٍ، رحمه اللّه: حدّثنا عليّ بن الحسين، حدّثنا محمّد بن العلاء، حدّثنا محمّد بن يزيد -شيخٌ له -حدّثنا رشدين، عن الحسن بن ثوبان، عن عكرمة، عن ابن عبّاسٍ قال: ما أدري لعلّ يوسف، عليه السّلام، كان يعتاف وهو كذلك، لأنّي أجد في كتاب اللّه حين قال للرّجلين: {لا يأتيكما طعامٌ ترزقانه إلا نبّأتكما بتأويله} قال: إذا جاء الطّعام حلوًا أو مرًّا اعتاف عند ذلك. ثمّ قال ابن عبّاسٍ: إنّما علّم فعلّم. وهذا أثرٌ غريبٌ.
ثمّ قال: وهذا إنّما هو من تعليم اللّه إيّاي؛ لأنّي اجتنبت ملّة الكافرين باللّه واليوم الآخر، فلا يرجون ثوابًا ولا عقابًا في المعاد). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 388-389]

تفسير قوله تعالى: {وَاتَّبَعْتُ مِلَّةَ آَبَائِي إِبْرَاهِيمَ وَإِسْحَاقَ وَيَعْقُوبَ مَا كَانَ لَنَا أَنْ نُشْرِكَ بِاللَّهِ مِنْ شَيْءٍ ذَلِكَ مِنْ فَضْلِ اللَّهِ عَلَيْنَا وَعَلَى النَّاسِ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَشْكُرُونَ (38)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب} يقول: هجرت طريق الكفر والشّرك، وسلكت طريق هؤلاء المرسلين، صلوات اللّه وسلامه عليهم أجمعين، وهكذا يكون حال من سلك طريق الهدى، واتّبع المرسلين، وأعرض عن طريق الظّالمين فإنّه يهدي قلبه ويعلّمه ما لم يكن يعلمه، ويجعله إمامًا يقتدى به في الخير، وداعيًا إلى سبيل الرّشاد.
{ما كان لنا أن نشرك باللّه من شيءٍ ذلك من فضل اللّه علينا وعلى النّاس} هذا التّوحيد -وهو الإقرار بأنّه لا إله إلّا هو وحده لا شريك له، {من فضل اللّه علينا} أي: أوحاه إلينا، وأمرنا به {وعلى النّاس} إذ جعلنا دعاةً لهم إلى ذلك {ولكنّ أكثر النّاس لا يشكرون} أي: لا يعرفون نعمة اللّه عليهم بإرسال الرّسل إليهم، بل {بدّلوا نعمة اللّه كفرًا وأحلّوا قومهم دار البوار} [إبراهيم: 28].
وقال ابن أبي حاتمٍ: حدّثنا أحمد بن سنان، حدّثنا أبو معاوية، حدّثنا حجّاجٌ، عن عطاءٍ، عن ابن عبّاسٍ؛ أنّه كان يجعل الجدّ أبًا، ويقول: واللّه فمن شاء لاعنّاه عند الحجر، ما ذكر اللّه جدًّا ولا جدّةً، قال اللّه تعالى -يعني إخبارًا عن يوسف: {واتّبعت ملّة آبائي إبراهيم وإسحاق ويعقوب}).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 389]

تفسير قوله تعالى: {يَا صَاحِبَيِ السِّجْنِ أَأَرْبَابٌ مُتَفَرِّقُونَ خَيْرٌ أَمِ اللَّهُ الْوَاحِدُ الْقَهَّارُ (39)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : ({يا صاحبي السّجن أأربابٌ متفرّقون خيرٌ أم اللّه الواحد القهّار (39) ما تعبدون من دونه إلا أسماءً سمّيتموها أنتم وآباؤكم ما أنزل اللّه بها من سلطانٍ إن الحكم إلا للّه أمر ألا تعبدوا إلا إيّاه ذلك الدّين القيّم ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون (40)}
ثمّ إنّ يوسف، عليه السّلام، أقبل على الفتيين بالمخاطبة، والدّعاء لهما إلى عبادة اللّه وحده لا شريك له وخلع ما سواه من الأوثان الّتي يعبدها قومهما، فقال: {أأربابٌ متفرّقون خيرٌ أم اللّه الواحد القهّار} [أي] الّذي ولى كلّ شيءٍ بعزّ جلاله، وعظمة سلطانه). [تفسير القرآن العظيم: 4/ 389-390]

تفسير قوله تعالى: {مَا تَعْبُدُونَ مِنْ دُونِهِ إِلَّا أَسْمَاءً سَمَّيْتُمُوهَا أَنْتُمْ وَآَبَاؤُكُمْ مَا أَنْزَلَ اللَّهُ بِهَا مِنْ سُلْطَانٍ إِنِ الْحُكْمُ إِلَّا لِلَّهِ أَمَرَ أَلَّا تَعْبُدُوا إِلَّا إِيَّاهُ ذَلِكَ الدِّينُ الْقَيِّمُ وَلَكِنَّ أَكْثَرَ النَّاسِ لَا يَعْلَمُونَ (40)}
قالَ إِسْمَاعِيلُ بْنُ عُمَرَ بْنِ كَثِيرٍ القُرَشِيُّ (ت: 774 هـ) : (ثمّ بيّن لهما أنّ الّتي يعبدونها ويسمّونها آلهةً، إنّما هو جهل منهم، وتسميةٌ من تلقاء أنفسهم، تلقّاها خلفهم عن سلفهم، وليس لذلك مستندٌ من عند اللّه؛ ولهذا قال: {ما أنزل اللّه بها من سلطانٍ} أي: حجّةٍ ولا برهانٍ.
ثمّ أخبرهم أنّ الحكم والتّصرّف والمشيئة والملك كلّه للّه، وقد أمر عباده قاطبةً ألّا يعبدوا إلّا إيّاه، ثمّ قال: ذلك الدّين القيّم أي: هذا الّذي أدعوكم إليه من توحيد اللّه، وإخلاص العمل له، هو الدّين المستقيم، الّذي أمر اللّه به وأنزل به الحجّة والبرهان الّذي يحبّه ويرضاه، {ولكنّ أكثر النّاس لا يعلمون} أي: فلهذا كان أكثرهم مشركين. {وما أكثر النّاس ولو حرصت بمؤمنين} [يوسف: 103].
وقد قال ابن جريجٍ: إنّما عدل بهم يوسف عن تعبير الرّؤيا إلى هذا، لأنّه عرف أنّها ضارّةٌ لأحدهما، فأحبّ أن يشغلهما بغير ذلك، لئلّا يعاودوه فيها، فعاودوه، فأعاد عليهم الموعظة.
وفي هذا الّذي قاله نظرٌ؛ لأنّه قد وعدهما أوّلًا بتعبيرها ولكن جعل سؤالهما له على وجه التّعظيم والاحترام وصلة وسببًا إلى دعائهما إلى التّوحيد والإسلام، لما رأى في سجيّتهما من قبول الخير والإقبال عليه، والإنصات إليه، ولهذا لمّا فرغ من دعوتهما، شرع في تعبير رؤياهما، من غير تكرار سؤال فقال: {يا صاحبي السّجن أمّا أحدكما فيسقي ربّه خمرًا وأمّا الآخر فيصلب فتأكل الطّير من رأسه قضي الأمر الّذي فيه تستفتيان (41)} ).[تفسير القرآن العظيم: 4/ 390]

رد مع اقتباس