عرض مشاركة واحدة
  #13  
قديم 4 صفر 1440هـ/14-10-2018م, 09:28 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النساء
[ من الآية (22) إلى الآية (24) ]

{وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22) حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23) وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}

قوله تعالى: {وَلاَ تَنكِحُواْ مَا نَكَحَ آبَاؤُكُم مِّنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّهُ كَانَ فَاحِشَةً وَمَقْتًا وَسَاء سَبِيلاً (22)}

قوله تعالى: {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ وَأَخَوَاتُكُمْ وَعَمَّاتُكُمْ وَخَالاَتُكُمْ وَبَنَاتُ الأَخِ وَبَنَاتُ الأُخْتِ وَأُمَّهَاتُكُمُ اللاَّتِي أَرْضَعْنَكُمْ وَأَخَوَاتُكُم مِّنَ الرَّضَاعَةِ وَأُمَّهَاتُ نِسَآئِكُمْ وَرَبَائِبُكُمُ اللاَّتِي فِي حُجُورِكُم مِّن نِّسَآئِكُمُ اللاَّتِي دَخَلْتُم بِهِنَّ فَإِن لَّمْ تَكُونُواْ دَخَلْتُم بِهِنَّ فَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ وَحَلاَئِلُ أَبْنَائِكُمُ الَّذِينَ مِنْ أَصْلاَبِكُمْ وَأَن تَجْمَعُواْ بَيْنَ الأُخْتَيْنِ إَلاَّ مَا قَدْ سَلَفَ إِنَّ اللّهَ كَانَ غَفُورًا رَّحِيمًا (23)}
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الميم من إمهاتكم [النساء/ 23] فكسرها حمزة وفتحها الكسائي.
[قال أبو علي] أمّا فتح الكسائي الميم في إمهاتكم فهكذا ينبغي، لأنّ التغيير والإتباع إنّما جاء في الهمزة، ولم يأت في الميم، فغيّر الهمزة وترك غيرها على الأصل، ألا ترى أنّ الميم لم تغيّر، وإنّما غيّرت الهمزة إذا وليتها الكسرة أو الياء، فلما كان
[الحجة للقراء السبعة: 3/138]
كذلك أتبع الهمزة ما كان قبلها من الكسرة والياء، وترك الميم على أصلها كما تركها من ضم الهمزة فقال: أمّهات. وأمّا كسر الميم في إمّهات، فقول الكسائي أشبه منه. ووجهه أنّه أتبع الميم الهمزة، كما قالوا: منحدر من الجبل، فأتبعوا حركة الدال ما بعدها، ونحو هذا الإتباع لا يجسر عليه إلّا بالسمع ويقوي ذلك قول من قال: عليهمي ولا [الفاتحة/ 7] ألا ترى أنّه أتبع الهاء الياء ثم أتبع الميم الهاء، وإن لم تكن في خفاء الهاء؟ فكذلك أتبع الميم الهمزة في قوله: إمهات، وكما أن قول من قال:
عليهمي، فاعلم يقوّي ما أخذ به حمزة، فكذلك قول من قال:
عليهمو ولا، يقوّي قول الكسائي، ألا ترى أنّه أتبع الياء ما أشبهها في الخفاء، وترك غير الهاء على أصلها. فكذلك أتبع الكسائي الكسرة أو الياء الهمزة وترك الميم التي بعد الهمزة في قوله: لإمها على أصله فلم يغيره). [الحجة للقراء السبعة: 3/139] (م)
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن هُرْمُز: [الَّتِي أَرْضَعْنَكم] بلفظ الواحد.
قال أبو الفتح: ينبغي أن تكون التي هنا جنسًا فيعود الضمير عليه على معناه دون لفظه، كما قال سبحانه: {وَالَّذِي جَاءَ بِالصِّدْقِ وَصَدَّقَ بِهِ}، ثم قال: {أُولَئِكَ هُمُ الْمُتَّقُونَ}، فهذا على مذهب الجنسية، كقولك: الرجل أفضل من المرأة، وهو أمثل من أن يُعتقد فيه حذف النون من "الذي" كما حذفت من "اللذا" في قوله:
إن عَمَّيَّ اللذا
ألا ترى أن قوله: [التي ارضعنكم] لا يجوز أن يُعتقد فيه حذف النون؛ لأنه لا يقال: اللتين، والقول الآخر وجه، إلا أن هذا أقوى لهذه القراءة، وعليه قول الأشهب بن رُميلة:
وإن الذي حانت بفلج دماؤهم ... هم القوم كل القوم يا أُمَّ خالد
يحتمل المذهبين: حذف النون من الذين، واعتقاد مذهب الجنسية على ما مضى). [المحتسب: 1/185]

قوله تعالى: {وَالْمُحْصَنَاتُ مِنَ النِّسَاء إِلاَّ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُكُمْ كِتَابَ اللّهِ عَلَيْكُمْ وَأُحِلَّ لَكُم مَّا وَرَاء ذَلِكُمْ أَن تَبْتَغُواْ بِأَمْوَالِكُم مُّحْصِنِينَ غَيْرَ مُسَافِحِينَ فَمَا اسْتَمْتَعْتُم بِهِ مِنْهُنَّ فَآتُوهُنَّ أُجُورَهُنَّ فَرِيضَةً وَلاَ جُنَاحَ عَلَيْكُمْ فِيمَا تَرَاضَيْتُم بِهِ مِن بَعْدِ الْفَرِيضَةِ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلِيمًا حَكِيمًا (24)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (والمحصنات من النّساء... (24).
[معاني القراءات وعللها: 1/298]
فتح الكسائي الصاد من قوله: (والمحصنات من النّساء) في هذه وحدها، وكسر الصاد في قوله: (والمحصنات)، و(محصنات) في سائر القرآن.
وقرأ الباقون بفتح الصاد حيث كانت.
وروى قيس بن سعد عن ابن كثير مثل الكسائي بكسر الصاد.
وأخبرني أبو بكر الإيادي عن شمر عن ابن الأعرابي، وأخبرني المنذري عن ثعلب عن ابن الأعرابي أنه قال: كلام العرب كله على (أفعل) فهو (مفعل)، إلا ثلاثة أحرف أحصن فهو محصن، وألفج فهو ملفج، إذا افتقر، وأسهب فهو مسهب، إذا أكثر الكلام.
[معاني القراءات وعللها: 1/299]
وأجمع القراء على فتح الصاد من قوله جلّ وعزّ: (والمحصنات من النّساء) لأن معناهن أنهن أحصن كالأزواج، ولو قرئت: (والمحصنات) فجازت في العربية أنهن يحصن فروجهن، وإحصان الفرج: إعفافه.
ويقال: امرأة حصان بينة الحصن إذا كانت عفيفة، وفرس حصان بيّن التحصن والتحصين، إذا كان فحلا منجبا. وبناءٌ حصين: بيّن الحصانة.
ويقال: امرأة حاصن بمعنى: الحصان، ومنه قول الراجز:
وحاصنٍ من حاصناتٍ ملس... من الأذى ومن قراف الوقس). [معاني القراءات وعللها: 1/300]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (وأحلّ لكم ما وراء ذلكم... (24).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: (وأحلّ) بفتح الألف.
وقرأ حمزة والكسائي وحفص: (وأحلّ لكم ما وراء ذلكم) بضم الألف
[معاني القراءات وعللها: 1/300]
قال أبو منصور: من قرأ (وأحلّ لكم) فمعناه: وأحل الله لكم.
ومن (وأحلّ لكم) فهو على ما لم يسم فاعله، والله المحل لعباده وحده، وهو المحرم الحرام). [معاني القراءات وعللها: 1/301]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {والمحصنات من النساء} [24].
قرأ الكسائي وحده كلها في القرآن بالكسر إلا هذه.
وقرأ الباقون بالفتح. والمحصنات، والمحصنة بالكسر تكون العفيفة، وتكون المسلمة، أي أحصنت نفسها بالإسلام، ومن قرأ بالفتح جعل المحصنات بالأزواج أي: أحصنهن أزواجهن فالأزواج محصنون، والنساء محصنات). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/131]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {وأحل لكم ما وراء ذلكم} [24].
قرأ حمزة والكسائي وحفص، عن عاصم {وأحل لكم} بالضم.
وفتحها الباقون، فمن ضم نسقه على قوله: {حرمت عليكم} ومن فتح قال: قبل الآية {كتاب الله عليكم} أي كتب عليكم كتابًا وأحل لكم قال: وإنما اخترت الفتح لأنه أقرب إلى ذكر الله.
ومن ضم قال: إنما يأتي محظور بعد مباح أو مباح بعد محظور، وأحل بعد ما حرم أحسن). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/132]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في فتح الصاد وكسرها من قوله جلّ وعزّ: والمحصنات [النساء/ 24].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وعاصم وابن عامر وحمزة: والمحصنات بفتح الصاد في كلّ القرآن.
وقرأ الكسائي: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24] بفتح الصاد في هذه وحدها، وسائر القرآن: والمحصنات* ومحصنات* [النساء/ 25] بكسر الصاد. ولم يختلف أحد من القراء في هذه وحدها أنها بفتح الصاد
[الحجة للقراء السبعة: 3/146]
أعني: والمحصنات من النساء [النساء/ 24] حدّثنا أحمد قال: حدثنا أبو حمزة الأنصاري: قال: حدثنا حجاج بن المنهال، قال: حدثنا حماد بن سلمة عن قيس بن سعد عن مجاهد وعبد الله بن كثير مثل قراءة الكسائي: والمحصنات من النساء مفتوحة الصاد وسائر القرآن: والمحصنات*.
[قال أبو علي]: قال سيبويه: قالوا: للمرأة حصنت حصنا، وهي حصان، كجبنت جبنا وهي جبان. قال: وقالوا:
حصنا كما قالوا: علما.
وقد جاء الإحصان في التنزيل واقعا على غير شيء. من ذلك وقوعها على الحرائر، يدل على ذلك غير موضع في التنزيل، أحدها: قوله: والذين يرمون المحصنات ثم لم يأتوا بأربعة شهداء فاجلدوهم [النور/ 4] ألا ترى أنه إذا قذف غير حرة لم يجلد ثمانين. ومن ذلك: قوله: فعليهن نصف ما على المحصنات من العذاب [النساء/ 25]. ومن ذلك قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات المؤمنات فمن ما ملكت أيمانكم من فتياتكم المؤمنات [النساء/ 25] والمحصنات: المتزوجات بدلالة قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم [النساء/ 24]
[الحجة للقراء السبعة: 3/147]
فذوات الأزواج محرّمات على كل أحد، إلّا على أزواجهنّ، وفسّروا قوله: إلا ما ملكت أيمانكم إلّا ما ملكتموهنّ بالسبي من دار الحرب، ألا ترى أنّ ذوات الزوج في دارنا محرّمة على كل أحد سوى الزوج. فأمّا إذا كانت متزوجة في دار الحرب، فسبيت منها، فإنّها تحلّ لمالكها، ولا عدّة عليها إذا دخلت دار الإسلام. ويدل على أنّ المتزوجة يقال لها محصنة قوله: وآتوهن أجورهن بالمعروف محصنات غير مسافحات [النساء/ 25]. ويدلّ عليه أيضا قوله: أن تبتغوا بأموالكم محصنين غير مسافحين [النساء/ 24] وقد فسّر قوله: ومن لم يستطع منكم طولا أن ينكح المحصنات [النساء/ 25] بالعفائف. ويدلّ على وقوع الإحصان على العفّة قوله: ومريم ابنة عمران التي أحصنت فرجها [التحريم/ 12] وروي عن إبراهيم ومجاهد أن أحدهما قرأ: أحصن وفسّره بتزوّجن، وقرأ الآخر: أحصن وفسره: بأسلمن. فقد ثبت بما ذكرنا أنّ الإحصان يقع على الحريّة، وعلى التزويج، وعلى العفّة، وعلى الإسلام. وليس تبعد هذه الأسماء عمّا عليه موضوع اللغة.
قال أبو عبيدة: في قوله: والمحصنات من النساء إلا ما ملكت أيمانكم المحصنات: ذوات الأزواج.
وأنشد الأصمعي:
[الحجة للقراء السبعة: 3/148]
إذا المعسيات كذبن الصّبو... ح خبّ جريّك بالمحصن
وفسّر المحصن المدّخر من الطعام، والمدّخر للاحراز لا تمتد إليه اليد امتدادها إلى غير المحرز للادّخار. والحريّة تبعد وتمنع من امتهان الرقّ، والإسلام يحظر الدم والمال اللذين كانا على الإباحة قبل، والتزويج في المرأة كذلك في حظر خطبتها التي كانت مباحة قبل ويمنع تصدّيها للتزويج، والعفّة: حظر النفس عما يحظره الشرع. فهذه الأسماء قريبة مما عليه أصل اللغة.
وأنشد أبو عبيدة:
وحاصن من حاصنات ملس... من الأذى ومن قراف الوقس
قال: الحاصن: العفيفة، قال: والوقس: مثل توقّس الجرب، قال: والمحصنة أحصنها زوجها. قال أبو علي: الحاصن
[الحجة للقراء السبعة: 3/149]
يحتمل ضربين: إما أن يكون على معنى النسب أو يكون مثل:
دلو الدال...
وإنّما وقع الاتفاق على فتح العين من قوله: والمحصنات لما فسروا الحرف عليه من أنّه يعنى به الحربية المتزوجة في دار الحرب). [الحجة للقراء السبعة: 3/150]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في فتح الألف وضمها من قوله تعالى: وأحل لكم [النساء/ 24].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر وأحل لكم بفتح الألف والحاء.
وقرأ حمزة والكسائي: وأحل لكم بضم الألف.
قال أبو علي: وأحل لكم ما وراء ذلكم بناء الفعل للفاعل أشبه بما قبله، ألا ترى أن معنى: كتاب الله عليكم: كتب الله عليكم كتابا، وأحلّ لكم؟ ومن بنى الفعل للمفعول به فقال:
وأحل لكم فهو في المعنى يؤول إلى الأول، وفي ذاك مراعاة مشاكلة ما بعد بما قبل). [الحجة للقراء السبعة: 3/150]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن السميفع: [كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم] مفتوحة الكاف، وليس بعد التاء ألف، والباء نصب.
قال أبو الفتح: في هذه القراءة دليل على أن قوله: "عليكم" من قوله: {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} في قراة الجماعة مُعلَّقة بنفس كتاب، كما تعلقت في [كَتَبَ اللَّهُ عَلَيكم] بنفس كتب، وأنه ليس "عليكم" من {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُمْ} اسمًا سُمي به الفعل، كقولهم: عليك زيدًا، إذا أردت: خذ زيدًا؛ وذلك أن عليك ودونك وعندك إذا جُعلن أسماء للفعل لسن منصوبات المواضع، ولا هن متعلقات بالفعل مُظْهَرًا ولا مُضْمَرًا، ولا الفتحة في نحو: دُونك زيدًا فتحة إعراب كفتحة الظرف في نحو قولك: جلست دونك؛ بل هي فتحة بناء؛ لأن الاسم الذي هو عندك زيدًا
[المحتسب: 1/185]
بمنزلة صه ومه لا إعراب فيه، كما لا إعراب في صه ومه وحَيْهَل، غير أنه بُني على الحركة التي كانت له في حال الظرفية، كما أن فتحة لام رجل من قولك: لا رجل في الدار، وهي الحركة التي تحدثها "لا" إعرابًا في المضاف والممطول، نحو: لا غلام رجل عندك، ولا خيرًا منك فيها، وكذلك قول الله تعالى: {مَكَانَكُمْ أَنْتُمْ وَشُرَكَاؤُكُمْ}، الفتحة في نون "مكانكم" فتحة بناء؛ لأنه اسم لقولك: اثبُتوا، وليست كفتحة النون من قولك: الزموا مكانكم، هذه إعراب، وتلك في الآية بناء. وهذا موضع فيه لطف فتفهمه.
ولما دخل شيخنا أبو علي -رحمه الله- الموصل سنة إحدى وأربعين، قال لنا: لو عرفتُ في هذا البلد من يعرف الكلام على قولك: دونك زيدًا؛ لغدوت إلى بابه ورُحت. وكذلك قوله تعالى: [كَتَب الله عليكم] و {كِتَابَ اللَّهِ عَلَيْكُم}، و {عَلَيْكُمْ} في الموضعين جميعًا منصوبة الموضع بنفس كَتَب وكتاب، ولو قلت: عليكم كتاب الله لما كان لقولك عليكم موضع من الإعراب أصلًا، ولا كانت متعلقة بشيء ظاهر ولا محذوف ولا مضمر على ما تقدم، فاعرفه). [المحتسب: 1/186]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({والمحصنات من النّساء إلّا ما ملكت أيمانكم كتاب الله عليكم وأحل لكم} {أن ينكح المحصنات} {فإذا أحصن فإن أتين بفاحشة فعليهن نصف ما على المحصنات} 24 25
قوله {والمحصنات من النّساء} اتّفق القرّاء على فتح الصّاد في هذا الحرف واختلفوا فيما عداه فقرأ الكسائي {أن ينكح المحصنات المؤمنات} {فعليهن نصف ما على المحصنات} بكسر الصّاد في جميع القرآن أي هن أحصن أنفسهنّ بالإسلام والعفاف فذهب الكسائي إلى أن المحصنات المسلمات العفايف هن أحصن أنفسهنّ بالإسلام والعفاف والعرب تقول أحصنت المرأة فهي محصنة وذلك إذا حفظت نفسها وفرجها وحجته في فتح الحرف الأول وكسر ما عداه أن المعنى فيه غير موجود فيما عداه وذلك أن
[حجة القراءات: 196]
المحصنات ها هنا هن ذوات الأزواج اللّاتي أحصنهن أزواجهنّ سوى ملك اليمين اللّاتي كان لهنّ الأزواج فكن محصنات بهم فأحلهن بعد استبرائهن بالحيض فأما ما سوى هذا الحرف فإن المراد فيه ما ذكرنا من الإسلام والعفة
عن الحسن في قوله {والمحصنات من النّساء} قال ذوات الأزواج فقال الفرزدق قد قلت فيه شعرًا قال الحسن ما قلت يا ابا فراس قال قلت
وذات حليل أنكحتها رماحنا ... حلال لمن يبني بها لم تطلق
روي أن النّبي صلى الله عليه بعث يوم حنين سريّة فأصابوا حيا من العرب يوم أوطاس فهزموهم وقتلوهم وأصابوا نساء لهنّ أزواج فكان ناس من أصحاب رسول الله صلى الله عليه تأثموا من غشيانهن من اجل أزواجهنّ فأنزل الله عز وجل {والمحصنات من النّساء} أي المتزوجات {إلّا ما ملكت أيمانكم} أي السبايا من ذوات الأزواج لا بأس في وطئهن بعد استبرائهن
وقرأ الباقون {المحصنات} بفتح الصّاد أي متزوجات أحصنهن أزواجهنّ والأزواج محصنون والنّساء محصنات
قال أبو عمرو الزّوج يحصن المرأة والإسلام وكذلك {فإذا أحصن} أي أحصنهن الأزواج والإسلام قال ولا تقول العرب هذا قاذف محصنة لا محصنات إلّا محصنة ومحصنات فتأويل المحصنات أزواجهنّ أعفوهن أو إسلامهن أحصنهن فهن محصنات بذلك
[حجة القراءات: 197]
قرأ حمزة والكسائيّ وحفص {وأحل لكم} بضم الألف وكسر الحاء على ما لم يسم فاعله وحجتهم أن ابتداء التّحريم في الآية الأولى أجري على ترك تسمية الفاعل وهو قوله {حرمت عليكم أمّهاتكم} وما ذكر بعدهن فأجري التّحليل عقيب التّحريم وعلى لفظه ليكون لفظ التّحريم والتحليل على لفظ واحد فكأنّه قال حرم عليكم كذا وأحل لكم كذا
وقرأ الباقون {وأحل} بالفتح وحجتهم في ذلك قربه من ذكر الله فجعلوا الفعل مسندًا إليه لذلك وهو قوله {كتاب الله عليكم وأحل لكم} أي وأحل الله لكم
قرأ حمزة والكسائيّ وأبو بكر {فإذا أحصن} بفتح الألف والصّاد أي أسلمن ويقال عففن كذا جاء في التّفسير يسندون الإحصان إليهنّ وإذا قرئ ذلك على ما لم يسم فاعله كان وجوب الحد في ظاهر اللّفظ على المملوكة ذات الزّوج دون الأيم وفي إجماع الجميع على وجوب الحد على المملوكة غير ذات الزّوج دليل على صحة فتحة الألف
وقرأ الباقون {فإذا أحصن} أي الأزواج جعلوهن مفعولات بإحصان أزواجهنّ إياهن فتأويله فإذا أحصنهن أزواجهنّ ثمّ رد إلى ما لم يسم فاعله نظير قوله {محصنات} بمعنى أنّهنّ مفعولات وهذا مذهب ابن عبّاس قال لا تجلد إذا زنت حتّى تتزوّج وكان ابن مسعود يقول إذا أسلمت وزنت جلدت وإن لم تتزوّج). [حجة القراءات: 198] (م)
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (28- قوله: {محصنات}، {والمحصنات} قرأ الكسائي بكسر الصاد في جميع القرآن إلا قوله تعالى: {والمحصنات من النساء} فإنه فتح الصاد فيه، وقرأ الباقون جميع ذلك بفتح الصاد.
29- وحجة من كسر الصاد أنه أضاف الفعل إليهن، فجعلهن أحصن أنفسهن بالعفاف والحرية، نحو قوله: {والذين يرمون المحصنات} «النور 4» أي العفائف الحرائر، وقوله: {التي أحصنت فرجها} «الأنبياء 91» يراد به العفاف، أو بالتزويج نحو قوله: {فإذا أحصن} «النساء 25» أي: تزوجن، أو بالإسلام نحو قوله: {أن ينكح المحصنات المؤمنات} «النساء 25» فهن أحصن أنفسهن بعفاف أو بإسلام.
30- وحجة من فتح الصاد أنه أجرى الفعل على ما لم يسم فاعله، فجعلهن أحسنهن غيرهن من زوج أو ولي، وإنما خص الكسائي {والمحصنات من النساء} بالفتح لأنه نزل في ذوات الأزواج، حرّم الله وطأهن، واستثنى ملك اليمين من السبايا، فلمن سباهن وطوءهن بعد الاستبراء، وإن كن ذوات أزواج في بلدهن، وهو الاختيار؛ لأن الجماعة عليه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/384]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (31- قوله: {وأحل لكم} قرأه حفص وحمزة والكسائي بضم الهمزة، وكسر الحاء، وقرأ الباقون بفتح الهمزة والحاء.
32- وحجة من فتح أنه بنى الفعل للفاعل، وهو الله، لا إله إلا هو، وعطفه على ما قبله، مما أضيف الفعل فيه إلى الله جل ذكره في قوله: {كتاب الله عليكم} «النساء 24» أي: كتب الله ذلك عليكم، وأحل لكم ما وراء ذلك فـ «ما» في موضع نصب.
33- وحجة من ضم الهمزة أنه بنى الفعل، لما لم يُسم فاعله على ما جرى من الكلام في أول الآية في قوله: {حُرمت عليكم} «23» على ما لم يسم فاعله، فطابق بين أول الكلام وآخره، فكأنه حرم عليكم كذا وأحل لكم كذا، فهذا أليق بتجانس الكلام وآخره، فكأنه حرم عليكم كذا وأحل لكم كذا، فهذا أليق بتجانس الكلام وارتباط بعضه ببعض، والاختيار فتح الهمزة؛ لقرب اسم الله جل ذكره منه، وبعد «حرمت» منه، ولأن عليه أهل الحرمين وأكثر القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/385]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (13- {المُحْصِنات} [آية/ 24] و{مُحْصِنات} [آية/ 25]:-
بكسر الصاد، قرأها الكسائي وحده في كل القرآن، إلا في النساء {والمحصَنات من النساءِ}، فإنه فتحها وحدها.
وقرأ الباقون {المحصَنات} و{مُحْصَنات} بالفتح في جميع القرآن.
أما من فتح الصاد فإنه بناه على أحصنت فهي محصنة، أي أحصنها غيرها إما التزويج وإما الإسلام وإما التعفف وإما الولي بتزويجها.
ومن كسر الصاد بناه على أحصنت بناء الفعل للفاعل، والمراد أحصنت نفسها بالعفة أو التزوج). [الموضح: 411] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (14- {وأحل لكم} [آية/ 24]:-
بضم الألف، قرأها حمزة والكسائي و-ص- عن عاصم.
[الموضح: 411]
وهذا على بناء الفعل للمفعول به، وفيه مشاكلة لما تقدم، وهو قوله {حُرِّمَتْ عَلَيْكُمْ أُمَّهَاتُكُمْ وَبَنَاتُكُمْ} ثم قال {وَأُحِلَّ لَكُمْ مَا وَرَاءَ ذَلِكُمْ} فشاكل بين المعطوف والمعطوف عليه.
وقرأ الباقون {وأَحَلَّ لَكُمْ} بفتح الألف، على بناء الفعل للفاعل، حملاً على ما يليه من قوله {كِتَابَ اللهِ}؛ لأن المعنى كتب الله عليكم كتابًا، فكأنه قال كتب الله عليكم وأحل لكم ما وراء ذلكم). [الموضح: 412]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس