عرض مشاركة واحدة
  #6  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 09:42 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة البقرة
[من الآية (11) إلى الآية (16) ]
{وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11) أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12) وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13) وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14) اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ لَا تُفْسِدُوا فِي الْأَرْضِ قَالُوا إِنَّمَا نَحْنُ مُصْلِحُونَ (11)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (وإذا قيل لهم)
قرأ الكسائي ويعقوب: (قيل) و(غيض) و(سيء) و(سيئت) و(جيء)، بضم أوائل هذه الحروف حيث وقعت.
وعلتهما أن الأصل فيهن الضم، نحو: (قول) و(حول) و(سوق) و(غيض) و(سيئت).
وكان نافع يضم (سيء) و(سيئت)، ويكسر الباقي.
وكان ابن عامر يضم (سيء) و(سيئت) و(حيل) و(سيئ)، هذه الأربعة، ويكسر الباقي.
وروى هشام بن عمّار فيها عنه مثل قراءة الكسائي.
وروى شبل عن ابن كثير (سيء) و(سيئت)، وكذلك فعل نافع، وقرأ الباقون بكسر أوائل هذه الحروف كلها.
قال أبو منصور: من ضم فلأنها جاءت على وزن (فعل)، ومن
[معاني القراءات وعللها: 1/135]
كسر فلاستثقال الضمة مع كسرة الواو.
ومن ضم فإنه يشم ولا يشبع الضم -، والعربي الناشئ في البادية يطوع لسانه لضمة خفية يجفو عنها لسان الحضري المتكلف). [معاني القراءات وعللها: 1/136]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (11- وقوله تعالى: {وإذا قيل لهم}
قرأ الكسائي: {وإذا قيل لهم} بإشمام القاف الضم، وكذلك
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/67]
{وسيق} و{جيئ} و{حيل} و{وسئ} و{وسيئت} و{غيض} وقرأ ابن عامر من ذلك أربعة أحرف بالضم وكسر الباقي {سيق} {وحيل} {وسيء} {وسيئت}.
وقرأ من ذلك حرفين نافع بالضم {وسيئ} {وسيئت}.
والباقون يكسرون أوائل ذلك كله فمن كسر يقول: هو فعل لم يُسم فاعله، والأصل قول مثل ضرب فاستقلوا الكسرة على الواو فنقلت إلى القاف بعد أن أزالوا حركة القاف، ثم قلبوا الواو ياء لانكسار ما قبلها كما قالوا: ميزان وميعاد وميقات والأصل: موزان وموعاد وموقات، فقلبوا الواو ياء لانكسار ما قبلها.
ومن ضم أولها قال: بقيت علامة ما لم يسم فاعله. وأما منكسر بعضًا وضم بعضًا، فقد قلت فيما تقدم: إنه جمع بين اللغتين. فأما قول الشاعر:
واستعجمت عجل وأم الرحال
وقول لا أهل لها ولا مال
فإن هذه لغة قوم يشبعون ضمة أول الحرف إذا لم يُسم فاعله، فتقلب
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/68]
الياء واوًا، وهي لا تدخل في القراءة بخلاف المصحف، ولأنها لغة رديئة شاذة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/69]

قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (بسم الله: اختلفوا في ضم أوائل هذه الحروف وأخواتها وكسرها: فقرأ الكسائي: قيل [البقرة/ 11] وغيض [هود/ 44] وسيء [هود/ 77، والعنكبوت/ 33] وسيئت [الملك/ 27] وحيل [سبأ/ 54] وسيق [الزمر/ 71، 73] وجيء [الزمر/ 69، والفجر/ 23] بضم أول ذلك كله.
وكان نافع يضم من ذلك حرفين: (سيء)، و (سيئت)، ويكسر ما بقي.
وكان ابن عامر يضم أول: (سيق وسيء وسيئت وحيل)، ويكسر (غيض) و (قيل) و (جيء) في كل القرآن: الغين والجيم والقاف، هذه رواية ابن ذكوان عنه.
وقال الحلواني عن هشام بن عمار بإسناده عنه في
[الحجة للقراء السبعة: 1/340]
كلهن مثل الكسائي.
وروى عبيد بن عقيل عن شبل بن عبّاد عن ابن كثير: (سيء) و (سيئت) بضم السين مثل نافع.
وكان ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة يكسرون أوائل هذه الحروف كلّها.
وإذا قيل لهم لا تفسدوا... قالوا [البقرة/ 11] قال يقول قولا وقيلا، مثل ذكر يذكر ذكرا.
كأنّه متوّج روميّ... أو مقول توّج حميريّ
وقالوا: قيل، وهو فيعل مخفف كميت. يدلّك على
[الحجة للقراء السبعة: 1/341]
ذلك ظهور الياء فيه، والعين أعلت بالحذف كما أعلت بالقلب.
والقياس في جمع قيل أقوال، مثل ميت وأموات.
وروي في الحديث: «إلى الأقيال العباهلة»،
والقياس الأقوال إذا كان جمع فيعل من القول.
ويجوز أن يكون الأقيال جمع قيّل الذي هو فيعل، من قولهم: تقيّل أباه إذا أشبهه، كأنّ كلّ ملك يشبه الآخر في ملكه، كما قيل له تبّع لمّا كان يتبع من قبله.
وقال أبو زيد: اقتل عليّ كذا، أي احتكم، وأنشد:
فلو أن ميتا يفتدى لفديته... بما اقتال من حكم عليّ طبيب
وقد اتسعوا في القول فاستعملوه في غير اللفظ. قال العجاج يصف ثورا:
فكرّ ثم قال في التفكير... إن الحياة اليوم في الكرور
[الحجة للقراء السبعة: 1/342]
وقد أجري القول أيضا مجرى الاعتقاد والمذهب في نحو: هذا قول أهل العدل، وهذا قول أبي حنيفة، يعنون بذلك رأيهم واعتقاداتهم، ليس اللفظ.
وعلى هذا قالوا: قيل في ذلك قول، فأسندوا إليه قيل.
ومعنى النهي فيما
روي: «إنّ الله ينهاكم عن قيل وقال»:
المجادلة بالباطل ليدحض به الحقّ، وليس على النهي عن الخوض في العربية وتعلّمها، لأنّ الحضّ على النظر فيها قد كثرت الرواية به عن السلف.
حدثنا إسماعيل بن محمد قال: حدثنا محمد بن عيسى العطار: قال حدثنا كثير بن هشام قال حدثنا عيسى بن إبراهيم عن الحكم بن عبد الله عن الزهري عن
[الحجة للقراء السبعة: 1/343]
سالم عن أبيه قال:
مرّ عمر بن الخطاب على قوم يرمون رشقا فقال: بئس ما رميتم.
قالوا: يا أمير المؤمنين: إنا قوم متعلمين.
فقال: والله لذنبكم في لحنكم أشدّ علي من ذنبكم في رميكم،
سمعت رسول الله صلّى الله عليه وسلّم يقول: «رحم الله رجلا أصلح من لسانه».
وقد أجروا أتقول مجرى أتظن، فقالوا: أتقول زيدا منطلقا؟ ولم يجر أكثر العرب حروف المضارعة الأخر مجرى التاء. قال لأنّ المخاطب لا يكاد يستفهم عن ظنّ غيره.
فمن ذلك قوله:
فما تقول بدالها (ما) نصب لكونها في موضع المفعول الأول، والجملة في موضع المفعول الثاني.
[الحجة للقراء السبعة: 1/344]
قال: وبنو سليم يجعلون جميع الأمثلة بمنزلة الظن.
والتّقوّل: تفعّل من القول، وقد غلب عليه الاستعمال فيما كان باطلا وغير صدق، كما أن الاختلاق كذلك، وفي التنزيل:
ولو تقوّل علينا بعض الأقاويل [الأحقاف/ 44].
وزعم بعض المفسرين أنّها نزلت لمّا قالوا: لولا اجتبيتها من قوله تعالى: وإذا لم تأتهم بآيةٍ قالوا لولا اجتبيتها [الأعراف/ 203] وقال: إن هذا إلّا اختلاقٌ [ص/ 7].
فأمّا الإقالة في البيع فليس من هذا الباب، لأنّهم قد قالوا: قلته البيع وأقلته. حكاه سيبويه وأبو زيد، فدل قولهم:
قلته على أن العين ياء. ولكنّ الإقالة من قولهم: تقيّل أباه، إذا نزع إليه في الشبه، فكذلك الإقالة عود الملك بين المتقايلين إلى ما كان قبل عقد البيع، ألا ترى أنّه فسخ بين المتعاقدين وإن كانا بيعا آخر في حق الثالث.
حجة من قال: وإذا قيل لهم [النور/ 11] فأشمّ الضمة الكسرة وأمال بها نحوها:
أن ذلك أدلّ على فعل، ألا ترى أنّهم قد قالوا: كيد زيد يفعل، وما زيل يفعل، وهم يريدون فعل. فإذا حرّكوا الفاء هذه التحريكة أمن بها التباس الفعل المبنى للفاعل بالفعل المبني للمفعول، وانفصل بها، فدلّت عليه، وكان أشدّ إبانة للمعنى المراد.
ومن الحجة في ذلك أنهم قد أشمّوا نحو ردّ وعدّ وما
[الحجة للقراء السبعة: 1/345]
أشبه ذلك من التضعيف المبنى على فعل، مع أنّ الضمة الخالصة تلحق فاءه، فإذا كانوا قد تركوا الضمة الصحيحة إلى هذه في الموضع الذي تصح فيه الضمة فإلزامها حيث
يلزم الكسر فيه في أكثر اللغات أجدر. ودلّ استعمالهم هذه الحركة في ردّ ونحوه من التضعيف على تمكنها في قيل وبيع وكونها أمارة للفعل المبني للمفعول به، ولولا ذلك لم تترك الضمة المحضة إليها في قولهم: ردّ ونحوه.
ومن الحجة في ذلك أنّهم قالوا: أنت تغزين فألزموا الزاي إشمام الضمة و (زين) من تغزين بمنزلة قيل، فكما ألزم الإشمام هنا كذلك يلزم ذلك في قيل، ألا ترى من قال: قيل وبيع، قال: اختير وانقيد، فأشمّ ما بعد الخاء والنون لمّا كان بمنزلة قيل وبيع، فكما ألزم الإشمام نحو تغزين، لينفصل من باب ترمين، كذلك ألزم قيل وبيع الإشمام في الضمة، لينفصل من الفعل المبني للفاعل في كيد وزيل، وليكون أدلّ على فعل.
فإن قلت: فهلّا ألزم القاف في قيل ونحوه إشمام الضمة كما ألزم ذلك في تغزين؟
فالقول إنّ هذه الحركة لمّا لم تكن ضمة خالصة ولا كسرة محضة ضعفت في الابتداء لخروجها عمّا عليه الحركات اللاحقة أوائل الكلم المبتدأ بها، ألا ترى أنّ أبا عمرو أخذ بذلك في الإدراج فيما حكاه عنه سيبويه في قوله تعالى:
[الحجة للقراء السبعة: 1/346]
يا صالح ائتنا ولم يأخذ به في الاستئناف. فإن قلت: فهل يلزم أبا عمرو في قراءته: يا صالح ائتنا أن يقرأ: ومنهم من يقول ائذن لي [التوبة/ 49] فيشمّ الضمة نحو الكسرة.
فالقول: إن ذلك لا يلزم، لأنّ هذا الإشمام والإمالة بالضمة نحو الكسرة إنّما جاء فيما ليس بحركة إعراب، والضمة في يقول ضمة إعراب، والتي في يا صالح ائتنا وإن كانت مشابهة لحركة الإعراب فهي حركة بناء، فلا يلزم ذلك في قوله تعالى: ومنهم من يقول ائذن لي.
ومما يدلّك على أنّ هذه التحريكة قد صارت أمارة لبناء الفعل للمفعول به وأنّها مما يختصّ به الفعل أنّك لو سميت بمثل قيل وبيع شيئا وخلعت منه الضمير إن كان فيه لأخلصت الكسرة فقلت: قيل وبيع، فدلّ هذا من مذهب سيبويه على أن هذه الحركة أمسّ عنده بالفعل، وأشد لزوما له من الأمثلة التي تختص بالفعل، ولا تكون في الاسم نحو: ضرب وضورب وضرّب: ألا ترى أنّك لو سميت بشيء من ذلك مجردا من الضمير لم تغيره عن بنائه إلى ما يختص الاسم وقد رأى تغيير هذه الحركة وإخلاصها كسرة.
ومما يقوي قول من قال: قيل أن هذه الضمة المنحوّ بها نحو الكسرة قد جاءت في نحو قولهم: شربت من المنقر،
[الحجة للقراء السبعة: 1/347]
وهذا ابن عور وابن بور، فأمالوا هذه الضمات نحو الكسرة لتكون أشدّ مشاكلة لما بعدها وأشبه به وهو كسر الراء، فإذا أخذوا بهذا لتشاكل اللفظ، وحيث لا يميّز معنى من معنى آخر فأن يلزموا ذلك حيث يزيل اللبس ويخلّص معنى من معنى أجدر وأولى.
حجة من قال: (قيل)، فأخلص الكسرة، ولم يحرك بضمة ممالة نحو الكسرة
الحروف التي تنقل حركاتها إلى ما قبلها على ضربين:
أحدهما: أن يكون نقلا من حرف صحيح.
والآخر: أن يكون نقلا من حرف علة.
فحروف الصحة التي تنقل حركاتها إلى ما قبلها على ضربين:
أحدهما: أن يكون في تضعيف.
والآخر: أن يكون في غير تضعيف.
فأما التضعيف فنحو أعدّ، وأصمّ، واستعدّ، ومفرّ، ومردّ، فما قبل حرف التضعيف في هذه الأشياء إذا كان ساكنا ولم يك مدّة، ألقيت حركة المضاعف عليه، وإذا كان متحركا حذفت الحركة ولم تلق على شيء نحو: اعتدّ واشتدّ.
وأما غير التضعيف فعلى ضروب منها نقل الحركة من الهمزة إلى الحرف الذي قبلها إذا لم يكن الحرف للمدّ فقط.
[الحجة للقراء السبعة: 1/348]
ومنها نقل حركة افتعل ويفتعل نحو يهتدي ويقتدي.
ومنها الحركة في الوقف، وهي على ضربين:
أحدهما: أن يكون حركة إعراب كقوله:
إذ جدّ النّقر والآخر: أن يكون حركة البناء نحو اضربه وقده، فهذا نقل الحركة من حروف الصحّة.
وأمّا نقل الحركة من حروف العلة فنحو الفعل من القول والبيع، والفعل فيه على ضربين.
أحدهما: أن يكون فاعله ضميرا يتصل بالفعل، والآخر أن يكون ظاهرا لا يتصل به فإذا بني الفعل للفاعل الظاهر قيل:
قام زيد، وباع عمرو، فلا تنقل في هذا حركة العين عن موضعها.
وقد شذّ قولهم: كيد زيد يفعل، وما زيل، فلا تنقل الحركة من غير هذا إلى الفاء، كما تنقل إذا اتصلت بضمير المخاطب والمتكلم، نحو قمت، وبعت، فنقلت الحركة التي كانت للعين إلى الفاء.
فأما حجّة من قال: قيل- فحرك الفاء بالكسر- أنّهم يزعمون أنّ هذه اللغة هي الأصل، وما عداها داخل عليها، يدلّ على ذلك أنّ الأصل فعل، فنقلت حركة العين إلى الفاء، كما نقلت حركة العين إلى الفاء إذا بنيت الفعل للفاعل من
[الحجة للقراء السبعة: 1/349]
قلت، لأنّ حركة العين من فعلت الضمة في بناء الفعل للفاعل بعد نقل فعلت إلى فعلت، نقلت الضمة إلى الفاء، كما نقلت الحركة التي هي الكسرة إلى الفاء، إذا بنيت الفعل للمفعول، فلحق الإعلال العين بالقلب لاجتماع المقاربة كما يلحق اللام في: غزا، ورمى، لتوالي ذلك. ولو فصل السكون لصحّ كما صح نحو: غزو ورمي، وأتبع المضارع الماضي، ولحق الإعلال في قيل العين وما قبلها.
أمّا الإعلال في العين فيقلبها إلى الألف، وما قبلها اعتلّ بنقل حركة العين إليها وحذف حركتها، ولحق الإعلال في باب العين العين وما قبلها كما لحق اللام وما قبلها في باب غزا ورمى.
وإنما نقلت الحركة في قيل إلى الفاء ليعلم بذلك حركة العين، ألا ترى أنّك إذا سمعت الضمة في قلت، والكسرة في بعت علمت أن حركة العين في باع كسرة كما تعلم أنها في قلت ضمة، وإذا سمعت قيل وبيع علمت أن حركة العين الكسرة إذا بني الفعل للمفعول به على فعل، فجعلت حركة العين إذا كانت واوا الضمة وإذا كانت ياء الكسرة، لأن الضمة من جنس الواو، كما أن الكسرة من جنس الياء، فلهذه المجانسة فعل هذا ليس لأنّ الضمة تدل على أنّ العين واو، ولا الكسرة تدلّ على أنّ العين ياء، ألا ترى أنّهم قد جمعوا بين
[الحجة للقراء السبعة: 1/350]
خفت وهبت في الكسرة وإحداهما من الياء، والأخرى من الواو وقد قلنا في ذلك في غير هذا الموضع.
بسم الله: قال: حمزة يقف على: (مستهزءون) بغير همز، وكأنّه يريد الهمز، ويشير إلى الزاي بالكسر كما كان يفعل في الوصل، وهذا لا يضبطه الكتاب. وكذلك كان يفعل بقوله: ليواطؤا [التوبة/ 37] ويستنبئونك [يونس/ 53] ومتّكؤن [يس/ 56]، وفمالؤن [الصافات/ 66] والخاطؤن [الحاقة/ 37] والصّابئين [البقرة/ 62، والحج/ 17] والصّابئون [المائدة/ 69] والباقون يصلون بالهمز ويقفون أيضا كما يصلون.
قال أبو زيد: هزئت به هزءا ومهزأة، وأنشد غيره:
ألا هزئت بنا قرشي... ية يهتز موكبها
وقالوا: هزئت منه. أنشدنا علي بن سليمان:
وهزئت من ذاك أم موأله
[الحجة للقراء السبعة: 1/351]
ومعنى يستهزءون يهزءون، كما أن قوله: وإذا رأوا آيةً يستسخرون [الصافات/ 14] يسخرون، ومثل هذا قرّ، واستقر، وقالوا: علا قرنه واستعلاه، وقال أبو زيد: استعلى عليه، وقال أوس:
ومستعجب ممّا يرى من أناتنا... ولو زبنته الحرب لم يترمرم
وقد جاء استفعل في معنى أفعل، كما جاء في معنى فعل. قالوا: استجاب وأجاب، وأنشد أبو زيد.
فلم يستجبه عند ذاك مجيب أي لم يجبه.
وقالوا: استخلف لأهله، وأخلف لأهله. قال:
[الحجة للقراء السبعة: 1/352]
ومستخلفات من بلاد تنوفة... لمصفرّة الأشداق حمر الحواصل
وقال آخر:
...................... سقاها فروّاها من الماء مخلف
وقال: مثلهم كمثل الّذي استوقد ناراً [البقرة/ 17] وقال: كلّما أوقدوا ناراً للحرب [المائدة/ 64].
قال أبو زيد: وقالوا: رجل هزأة: يهزأ بالناس، وهزأة:
يهزأ به الناس.
اختلف النحويون في تخفيف الهمزة في: (يستهزءون).
فقال سيبويه: تجعلها إذا خففتها بين بين، فتقول:
(يستهزوون).
وزعم أن جعلها بين بين، قول العرب والخليل. وكذلك
[الحجة للقراء السبعة: 1/353]
قال في الهمزة المكسورة إذا كان ما قبلها مضموما نحو مرتع إبلك تجعلها بين بين.
ويذهب أبو الحسن في يستهزءون إلى أن يقلب الهمزة ياء قلبا صحيحا، ولا يجعلها بين بين كما ذهب إليه سيبويه والخليل.
فأمّا إذا كانت مكسورة وقبلها ضمة فإنّه لا يخلو من أن يكون في كلام متصل أو منفصل، فإن كان متصلا قلبها واوا مثل بأكموك، وإن كان منفصلا قلبها ياء مثل: عبد يخوتك وسنذكر قوله بعد ذكر ما احتج به لسيبويه.
قال أبو عثمان: سأل مروان بن سعيد المهلبيّ أبا عمر الجرمي في مجلس أبي الحسن الأخفش، فقال:
كيف تخفف همزة جؤن؟ فقال: جون، فجعلها واوا خالصة.
فقال له مروان: لم لا جعلتها بين بين، فنحوت بها نحو الألف؟
[الحجة للقراء السبعة: 1/354]
قال: فقال: من قبل أن الألف لا تقع بعد ضمة فكذلك ما قرب منها.
فقال: فكيف تخفف همزة مئر؟ فقال: مير، فجعلها ياء خالصة مثل الأولى في العلة.
فقال له مروان: فكيف تخفف همزة يستهزءون؟
فقال: أبو عمر يستهزوون، فجعلها بين بين، ونحا بها لانضمامها نحو الواو.
قال أبو عثمان: وهو قول سيبويه.
فقال له مروان: لم لا صيرتها ياء لأن الواو المضمومة لا تقع بعد كسرة.
قال أبو علي: يريد مروان أن الكسرة لا تقع بعدها الواو المضمومة فكذلك ينبغي ألا يقع بعدها ما قرب من الواو المضمومة بالتخفيف، كما أنّ الضمة والكسرة، لمّا لم تقع بعدهما الألف فكذلك لم يقع بعدهما ما قرب منهما بالتخفيف، فقلبت الهمزة بعدهما قلبا، فكذلك كان يلزم أن نبدل من الهمزة المضمومة بعد الكسرة ياء إذا لم تقع بعد الكسرة واو مضمومة في موضع، فكذلك ما قرب من الواو المضمومة من الهمز بالتخفيف ينبغي ألا تقع بعدها.
(رجع إلى كلام أبي عثمان):
[الحجة للقراء السبعة: 1/355]
قال أبو عثمان: فقال أبو عمر وأجاد عندي: هي وإن لم يكن مثلها في الكلام فأنا أقدر أن ألفظ بها، وتلك الأولى لا أقدر على أن ألفظ بها إذا نحوت بها نحو الألف وقبلها كسرة أو ضمة.
قال أبو عثمان: وهذا قولي، وحجتي فيه هذه.
وأما الأخفش فكان يقول: (يستهزيون) إذا خفف فيجعلها ياء خالصة من أجل الكسرة التي قبلها. انتهت حكاية أبي عثمان.
قال أبو علي: إن قال قائل: إذا لم يجعلها بين بين فلم قلبها ياء للكسرة التي قبلها، وهلّا قلبها واوا لتحركها بالضمة؟
قيل: إنّه إذا ترك أن يجعلها بين بين، فلا يخلو من أن يقلبها ياء أو واوا، فلا يجوز أن يقلبها واوا وقبلها كسرة، لخروجه إلى ما لا نظير له، ألا ترى أنّه ليس واو مضمومة قبلها كسرة؟
وإذا لم يجعلها بين بين كما جعلها غيره لكراهته تقريبها من واو مضمومة قبلها كسرة فأن يرفض قلبها إلى نفس الواو المضمومة المكسور ما قبلها أجدر، فإذا لم يجز قلبها واوا صارت نحو: شيوخ وفي بيوتٍ أذن اللّه [النور/ 36] على أنّ (يستهزيون) أسوغ في هذا لأن الضمة فيها إعراب فليست
[الحجة للقراء السبعة: 1/356]
بثابتة ثبات عين فعول، فهو مثل فخذ في الرفع ليس مثل فعل المرفوض من كلامهم.
ويقوي قلبها إلى الياء أنّها في جون ومير قد قلبت إلى الحرف المجانس لما قبلها من الحركة وهي متحركة، فكذلك في (يستهزيون) تقلب إلى الحرف المجانس لما قبلها من الحركة مع كونها متحركة.
فإن قال قائل: فهلا قلبها إلى الحرف الذي منه حركتها كما قلبها إلى الحرف الذي منه حركتها في أيمّة، ولم يقلبها إلى ما يجانس الحركة التي قبلها كما لم تقلبها في أئمة إلى ما يجانس الحركة التي قبلها، ألا ترى أنّك لم تقل أامّة ولكن قلبتها إلى الياء لما تحركت بالكسرة؟
قيل: لم يجز أن تقلب إلى ما ذكرت في يستهزءون لخروجها إلى ما لا مثل له في كلامهم.
وجاز في أئمة أن تقلب إلى الحرف الذي منه حركتها من حيث لزم إلقاء حركة المدغم فيه على ما قبله، ولولا ذلك لقلبتها على ما قبلها من الحركة كما قلبتها في إناء وآنية، ولكن لما لزم إلقاء حركة المدغم عليها كما لزم في أخلّة ونحوه وجب تحركها، ولما وجب تحركها، وجب قلبها إلى الياء لتحركها بالكسرة إذ لم يمكن قلبها إلى الحرف المجانس
[الحجة للقراء السبعة: 1/357]
للحركة التي قبلها، ولم يجز إسكانها وقلبها ألفا لأنها فاء كالفاء في أخلّة ونحوه، وليس في يستهزءون حركة لمدغم يلزم أن تلقيها عليها، فتقلبها إلى ما يجانس حركتها دون ما يجانس الحركة التي قبلها.
فإن قلت: كيف استجاز أن يقلب الهمزة ياء محضة في يستهزءون ويحركها بالضم، وليس ياء هي لام على هذا الوصف تتحرك بالضمة؟ فإن ذلك فيما أصله الهمزة لا يمتنع، وإن لم يجز فيما أصله غير الهمز، لأنّ الهمزة لما كانت منويّة كانت في تقدير الثبات، ألا ترى أنّه وإن خففها تخفيفا قياسيا لم يقلبها قلبا إلى الياء، وإذا كان كذلك لم يمتنع ثباتها وتحريكها، وإن لم يجز ذلك في الياءات التي ليس أصلها همزات، كما لم تمتنع الواو الساكنة من أن تقع قبل الياء مبيّنا غير مدغم إذا كان أصلها الهمزة نحو نؤي، ورؤيا وإن كان فيما يمتنع ذلك فيما أصله غير الهمز من الواوات.
ومما يدلك على صحة ذلك من قوله: إنّها في قولهم جميعا تثبت ساكنة في الجزم. فكما جاز أن يخالف الياءات التي هي لامات عند الجميع في السكون للجزم، كذلك جاز عنده أن يخالفهن في الحركة أيضا.
وقال أبو الحسن في كتابه في القرآن: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تتبع الكسرة إذا خففت دخل عليه أن يقول: هذا قارو، وهؤلاء قاروون، ويستهزوون، قال: وليس
هذا من كلام من خفف من العرب.
[الحجة للقراء السبعة: 1/358]
قال أبو علي: وجه دخول هذا عليه ولزومه له عنده أن الهمزة إذا كانت مفتوحة وكان ما قبلها مفتوحا فخففت جاز تخفيفها، فكذلك إذا كانت مكسورة وما قبلها مفتوح، وكذلك إذا كانت مضمومة وما قبلها مفتوح، وذلك أنّها إذا كانت مفتوحة، وما قبلها مفتوح أو مضمومة أو مكسورة وما قبلها مفتوح، فإنّك في ذلك كله تقرب الهمزة من الحرف الذي منه حركتها، فتقرب المفتوحة من الألف، والمكسورة من الياء الساكنة، والمضمومة من الواو الساكنة، فكما أن الألف والواو والياء الساكنين يجوز أن يقع كل واحد منها بعد الفتحة نحو: دار وبيت، وثوب، كذلك جاز أن تخفّف الهمزة بعدها فتقربها بالتخفيف من هذه الحروف السواكن.
فإذا كانت الهمزة مفتوحة وقبلها ضمة أو كسرة خففتها بالقلب إلى الحروف التي حركتها منها بلا خلاف. وذلك نحو التّودة، وجون ومير، وذيب، وإنما قلبتها إليهما لأنك إذا خففت المفتوحة بعد الكسرة في مير قربتها من الألف، والألف لا تكون قبلها كسرة، وكذلك جون إذا خففتها قربتها من الألف، والألف لا تكون قبلها ضمة، فلما لم تكن بعد الكسرة ألف ولا بعد الضمة كذلك، لم يكن بعدهما ما قربته منه فقلبت قلبا لذلك إلى الواو أو إلى الياء.
فإن كانت مضمومة وقبلها كسرة فخففتها مثل يستهزءون، ومن عند أختك، فلا يخلو إذا خففتها من أن تنحو بها نحو
[الحجة للقراء السبعة: 1/359]
الحرف الذي منه حركتها.
فإن قلت: أقربها منه فأقول: يستهزوون، لم يستقم لأنّك تقربها من واو ساكنة والواو الساكنة لا تكون قبلها كسرة، فلا يجوز إذا أن تقربها من الواو الساكنة فتجعلها بين بين، كما لم يجز ذلك في جون ومير، ولزمك قلبها ياء على حسب الحركة التي قبلها كما قلبتها ياء أو واوا في جون، ومير، بحسب الحركة التي قبلها إذ لم يجز أن تكون بين بين لتقريبك إياها بالتخفيف من الواو الساكنة، والواو الساكنة لا تكون قبلها كسرة.
وإذا لم تكن قلبتها إلى الياء فقلت: يستهزءون حيث لم تكن بعد الكسرة واو ساكنة كما قلبتها بعد الكسرة أو الضمة إذا كانت مفتوحة إلى الياء أو إلى الواو حيث لم يجز أن يكون بعد الكسرة والضمة ألف فقد بان أن جعلها بين بين غير مستقيم للكسرة التي قبلها مع كونها مضمومة.
فإن قلت: لا أقلبها ياء ولا أتبعها الحركة التي قبلها ولكن أتبعها الحركة التي عليها وهي الضمة، فأقلبها واوا إذ لم يجز أن أتبعها الكسرة التي قبلها- لزمك أن تقول: هذا قارو، فتصحح الواو بعد الكسرة إذ لم يكن سبيل إلى أن تجعلها بين بين، وأنت قد قلت: لا أتبعها الكسرة التي قبلها فأقلبها إلى الياء فأقول: قاري، ويستهزيون، فبقي أن تقلبها واوا، فتجعلها من جنس الحركة التي تحركت بها فتقول: قارو، لتكون قد خففتها إذ
[الحجة للقراء السبعة: 1/360]
لا سبيل إلى أن تجعلها بين بين، ولا تنقلب ياء عندك، فهذا وجه لزوم قلبه إياها واوا وهذا ليس عليه أحد ممن يخفف الهمز، فإن لم يقلبها ياء خرجت بترك قلبها ياء عن قول العرب فيها إذا قلبتها واوا فقلت: قاروون ويستهزوون.
وكذلك إذا كانت الهمزة مكسورة وقبلها ضمة عكس قولك قارئ ويستهزءون فإنك تقلبها واوا، فتقول: مررت بأكموك، فقلبت الهمزة على الحركة التي قبلها كما أتبعتها في يستهزءون الحركة التي قبلها بأن قلبتها ياء كذلك في أكموك تتبعها الحركة التي قبلها، بأن تقلبها واوا فتجعلها من جنس الضمة التي قبلها، فتقول بأكموك، ولا يجوز بأكميك فتجعلها على حركتها كما لم يقولوا: قارو، فيجعلوها على حركتها، ولا يتبعوها ما قبلها.
ولا يجوز أن تجعل: بأكموك بين بين، لأنّك تقربها من الياء الساكنة، فكما لا تكون الياء الساكنة بعد الضمة كذلك لا تكون الهمزة المكسورة بعد الضمة بين بين على قياس
قولهم:
جون ومير، والاتفاق الواقع في ذلك.
فإن قلت: فإذا لم تجعلها بين بين لما قلت من أنّها تقرّب من الياء الساكنة، والياء الساكنة لا تكون بعد الضمة فهلّا قلبتها ياء ولم تقلبها واوا لأنّك قد تجد الياء المكسورة في كلامهم تقع بعد ضمة، ألا ترى أنّك لو قلت: صيد في هذا المكان لجاز كما يجوز عور، في هذا المكان؟ فما الذي جعل قلبها
[الحجة للقراء السبعة: 1/361]
إلى الواو عنده في أكموك من قلبها إلى الياء في أكميك لما أريناك من صيد.
فالقول: إن قلبها إلى الواو أولى، لأنّك قد وجدتهم في تخفيف الهمز يتبعون الهمزة حركة ما قبلها كثيرا، وقد وجدتهم قلبوا عكس هذا على ما قبلها، وذلك قولهم: (يستهزيون)، وقاري، فكما أتبعوا هذه الهمزة حركة ما قبلها كذلك يتبعون الهمزة في أكموك حركة ما قبلها ويقلبونها إليه، فيكون لذلك أولى وأقوى في القياس من قلبها إلى الياء على حركة نفسها.
ومما يدلّ على أن قلبها إلى الواو في المتصل أقوى من قلبها إلى الياء أن ما جاء فيه الواو من المتصل مصححة أكثر مما جاء فيه الياء، ألا تراهم قالوا: عور في هذا المكان، وحول فيه، واجتور، واعتون، واعتور، والياء إنّما جاء في صيد فيه وحيي به وعيي به فيمن بيّن ولم يدغم، ومع ذلك، فإنّ أبا الحسن قد جوّز على قياس أكميك في المنفصل فقال:
إلّا أن تكون المكسورة مفصولة فتكون على موضعها لأنّها قد بعدت، يريد بقوله على موضعها أنّها تقلب إلى جنس حركتها.
والواو قد تقلب إلى الياء مع هذا وذلك نحو غلام يخوانك، والمكر السيئ يلا [فاطر/ 43] فلما وجد لقلبها إلى الياء طريقا بدلالة صيد فيه كما وجد لقلبها إلى الواو طريقا ألزم الواو المتصل لتكون على ما قبلها مثل جون ومير وقاري. فإنّها قلبت على ما قبلها وجعل المنفصل بالياء وقال: لأنّ الواو تقلب إلى
[الحجة للقراء السبعة: 1/362]
الياء فأخذ بالأمرين، ورأى القلب إلى الواو في الاتصال أولى، وجعل المنفصل بالياء، لأنّ الضمة بالانفصال قد بعدت، فجعلها على حركة نفسها.
فإن قلت: أفليس قد أتبعوها حركة نفسها في المتصل في قولهم: أيمّة، ولم يتبعوها حركة ما قبلها فيقلبوها ألفا، ويقولوا: «أامة»، فهلا جاز في قولهم: بأكموك، أن يتبعوها حركة نفسها، فيقولوا: بأكميك كما فعل في (أيمة).
فالقول: إن هذا ليس كأيمة، وذلك أنّ التي في أيمة لزم إلقاء حركة المدغم عليها فلما لزم إلقاء حركة المدغم عليها لم يجد بدّا من تحريكها، ولما لم يجد بدّا من تحريكها كانت حركتها أولى أن تقلب إليها من أن تجعل على ما قبلها مع تراخي تلك عنها وقرب الكسرة منها، ألا ترى أنّها لو قلبت على ما قبلها من الفتحة فقلبت ألفا وحركة المدغم التي يلزم إلقاؤها عليها الكسرة لم يستقم، لأنّ الألف لا تحرّك فقلبت الهمزة في أيمّة على حركتها لذلك؟
فأمّا ما حكاه محمد بن السري في كتابه في القراءات عن أبي الحسن من أنّه قال: من زعم أن الهمزة المضمومة لا تتبع الكسرة إذا خففت. دخل عليه أن يقول: هذا قاري، وهؤلاء قاريون، ويستهزيون.
[الحجة للقراء السبعة: 1/363]
وقال: قال: يعني أبا الحسن: وليس هذا من كلام من خفف من العرب إنّما يقولون: يستهزيون- فخطأ في النقل، أتراه يلزم الخليل وسيبويه أن يقولوا هذا في المتصل، وقد رآهم قالوا ذلك في المنفصل نحو: من عند أختك؟ ويسمعهم يقولون: إنّه قول العرب، فيلزمهم قولهم؟ وما يقولون: إنّه قول العرب! هذا ما لا يظن.
وأبو الحسن قد فصل بين المتصل والمنفصل في أكموك وغلام يخوانك فقلب المتصل واوا، والمنفصل ياء. هذا الذي حكاه عنه غلط في النقل، وإنّما هو دخل عليه أن يقول: هذا قارو بالواو، كما حكيناه عنه، وكذلك رواه أبو عبد الله اليزيديّ عنه في كتابه في «المعاني»، ثم ما حكاه عن أبي الحسن من قولهم: إنّما يقولون يستهزيون على ماذا تحمله: على التحقيق أم على جعلها بين بين؟ [فإن حمله] على التحقيق لم يجز، لأنّ الكلام ليس فيه، إنّما الكلام على التخفيف [فإن حملته] على جعلها بين بين قد أثبتّ إذا ما أنكره وما لم يقله أحد من أهل التخفيف عنه، هذا خطأ عليه فاحش في النقل.
وأمّا ما ذكره محمد بن يزيد في هذه المسألة في كتابه المترجم بالشرح من قوله: والأخفش لا يقول إلا كما يقول النحويون: هذا عبد يبلك، ولكن يخالف في يستهزءون، فهذا
[الحجة للقراء السبعة: 1/364]
الإطلاق يوهم أنّه لا يفصل بين المتّصل والمنفصل، وقد فصل أبو الحسن بين أكموك وعبد يخوانك، فينبغي إذا كان كذلك ألّا ترسل الحكاية عنه حتى تقيّد، ويفصل بين المتصل والمنفصل كما فصل هو). [الحجة للقراء السبعة: 1/365]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({وإذا قيل لهم لا تفسدوا في الأرض}
قرأ الكسائي {وإذا قيل لهم} بالإشمام وكذلك يفعل في غيض الماء وسيء وحيل وجيء وسيق وابن عامر دخل معه في حيل وشيء وسيق ونافع دخل معهما في سيء
[حجة القراءات: 89]
وقرأ الباقون جميع ذلك بالكسر وحجتهم في ذلك أن الأصل في ذلك قول وحول وسوئ وسوق وغيض وجيئ فاستثقلت الضمة على فاء الفعل وبعدها واو مكسورة وياء مكسورة فنقلت الكسرة منهما إلى فاء الفعل وقلبت الواو ياء لسكونها وانكسار ما قبلها فقيل في ذلك قيل وحيل وأخواتها
وحجّة الكسائي في ذلك أنه لما كان الأصل في كل ذلك فعل بضم الفاء الّتي يدل ضمها على ترك تسمية الفاعل أشار في أوائلهن إلى الضّم لتبقى بذلك دلالة على معنى ما لم يسم فاعله وأن القاف كانت مضمومة - صلّى اللّه عليه وسلّم-). [حجة القراءات: 90]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ):(7- قوله: «قيل» وأخواتها، قال أبو محمد: اختلف القراء في إشمام الضم في أوائل ستة أفعال قد اعتلت عيناتها، وقلبت حركتها على ما قبلها، فسكنت العينات، وقلبت ما فيه واو ياءات، لانكسار ما قبلها، وتلك الأفعال: «سيء، وسيق، وحيل، وجيء، وقيل، وغيض» فقرأ هشام والكسائي بإشمام الضم في أوائلها، وقرأ ابن ذكوان بالإشمام في أول «سيء، وسيئت، وسيق، وحيل» وقرأ نافع بالإشمام في «سيء، وسيئت» خاصة،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/229]
وبالكسر في باقيها، وقرأ الباقون بالكسر في أوائل جميعها.
8- وحجة من قرأ بالإشمام، في أوائل هذه الأفعال الستة، أصلها أن تكون مضمومة، لأنها أفعال لم يُسم فاعلها، منها أربعة، أصل الثاني منها واو، وهي «سيء، وسيق، وحيل، وقيل»، ومنها فعلان، أصل الثاني منها ياء وهما «غيض، وجيء»، وأصلها: «سوي، وقول، وحول، وسوق، وغيض، وجيء» ثم ألقيت حركة الثاني منها على الأول فانكسر، وحذفت ضمته، وسكن الثاني منها، ورجعت الواو إلى الياء، لانكسار ما قبلها وسكونها، فمن أشم أوائلها الضم أراد أن يبين، أن أصل أوائلها الضم، كما أن من أمال الألف، في «رمى، وقضى» ونحوه، أراد أن يبين، أن أصل الألف الياء، ومن شأن العرب في كثير من كلامها المحافظة على بقاء ما يدل على الأصول، وأيضًا فإنها أفعال بنيت للمفعول، فمن أشم أراد، أن يُبقى في الفعل ما يدل على أنه مبني للمفعول لا للفاعل.
9- وعلة من كسر أوائلها أنه أتى بها على، ما وجب لها من الاعتلال، كما أتى من لم يمل «رمى، وقضى» ونحوه، بالألف والفتح، على ما وجب لهما من الاعتلال.
10- فإن قيل: فلم أجمعت العرب على ترك الإشارة في «قل، وبع» وأصل حركة الأول فيها الفتح، والضم والكسر ليسا بأصل فيهما، وكذلك أجمعوا على ترك الإشارة إلى ضمة الواو، التي كانت في أصل «يقوم، ويقول»، وأصلهما الضم، فنقلت الضمة، التي على الواو، إلى ما قبلها، وسكنت الواو، وكذلك أجمعوا على ترك الإشارة إلى كسرة الياء في «يبيع، ويكيل» وأصلهما الكسرة، ثم نقلت الكسرة إلى الحرف الذي قبلهما، وسكنت الياء فيهما.
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/230]
11- فالجواب أن الحركة، التي كانت على هذه الحروف، باقية في الكلمة لم تحذف، وهي ضمة القاف في «يقوم، ويقول» وكسرة الياء والكاف في «يبيع، ويكيل» فلما كانت الحركة باقية لم تحتج إلى الإشارة، إنما تقع الإشارة لتدل على الحركة المحذوفة من الكلام، فلما كانت ضمة أوائل الأفعال الستة محذوفة، أتى بالإشارة، لتدل على الحركة المحذوفة من الكلام، فأما من أتم الضم في بعضها وتركه في بعض، فإنه قرأ على ما نقل، وجمع بين اللغتين، إذ الإشارة وتركها لغتان فاشيتان مشهورتان.
12- فإن قيل: هل تُسمع هذه الإشارة أو لا تُسمع، وهل ترى أو لا ترى، وهل تحكم على الحرف الأول، الذي معه الإشارة، بالضم أو بالكسر؟
13- فالجواب أن الإشارة إلى الضم، في هذه الأفعال، تُسمع، وترى في نفس الحرف الأول، والحرف الأول مكسورة، ومع ذلك الكسر إشارة إلى الضم، تخالطه، كما أن الحرف المتحرك الممال؛ لإمالة فيه، تسمع وترى في نفس الحرف الممال، والممال مفتوح، ومع ذلك الفتح إشارة إلى الكسر تخالطه، لتقريب الألف، التي من أجلها وقعت الإمالة، إلى الياء، وكذلك تقريب الألف الممالة إلى الياء في حال الإمالة تُسمع وتُرى لأنها ليست بحركة، وليس الحرف الأول من هذه الأفعال بمضموم، إنما هو مكسور، يخالط كسرته شيء من ضم يسمع، كما أن الحرف، المفتوح الممال، حكمه الفتح، ويخالط فتحته شيء من كسرة، يسمع، فبالحرف الممال يشبه هذه الإشارة إلى الضم، في هذه الأفعال، سيبويه وغيره، ألا ترى أن أوائل هذه الأفعال، لو
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/231]
كانت مضمومة، أو الضم أغلب عليها، لانقلبت الياءات واوات، إذ ليس في كلام العرب ياء ساكنة قبلها ضمة، فلولا أن الحرف الأول مكسور ما ثبت لفظ الياء فيهن، ويدل على ذلك أن بع العرب يترك أوائل هذه الأفعال على ضمته، التي وجبت له، وهو فعل ما لم يُسم فاعله، فإذا فعل ذلك أتى بالواو في جميعها فقال: «قول، وحول، وسوق» ونحوه.
قال أبو محمد: والكسر أولاهما عندي، كما كان الفتح أولى من الإمالة، وقد قرأ بإشمام الضم فيها الحسن ويحيى بن يعمر والأعمش، وقرأ بالكسر الأعرج وأبو جعفر يزيد وشيبة وأيوب وعيسى وشبل وأهل مكة، وهو اختيار أبي عبيد وأبي حاتم وأبي طاهر، قال أبو طاهر: الكسر سنن العربية، وقال أبو حاتم: الكسر قراءة العامة في جميع ذلك، وهي في اللغات أفشى، وفي الآثار أكثر، وعلى الألسنة أخف، وفي قياس النحو أجود.
قال أبو محمد: فأما ما وقع من هذا من المصادر فلا يجوز فيه إشارة إلى ضم ألبتة، وذلك قوله: {وأقوم قيلا} «المزمل 6»، و{إلا قيلا سلاما} «الواقعة 26» و{قيله يا رب} «الزخرف 88» و{من أصدق من الله قيلا} «النساء 122»، وإنما وجب ذلك؛ لأنها مصادر، لا أصل لأوائلها في الضم). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/232]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (8- {وإذا قيل} [آية/ 11]:-
بإشمام القاف الضم، وكذلك: {غِيضَ} و{سِيءَ} و{سِيئَتْ} و{حِيلَ} و{سِيقَ} و{جِيءَ}، قرأها الكسائي و- (يس)- عن يعقوب.
وإنما اختار إشمام الكسرة الضمة في هذه الأفعال التي لم يسم فاعلها ليكون دليلًا على أن الفعل على فُعِل فيؤمن بها التباس الفعل المبني للفاعل
[الموضح: 247]
بالفعلِ المبني للمفعول به؛ لأنّ أصلَ {قِيلَ} قُوِلَ، بضم القاف وكسر الواو، فنُقِلَت الكسرةُ إلى القافِ ليُدلّ على أنّ عينَ الفعلِ مكسورةٌ، فلمّا نُقِلَتْ إليها الكسرةُ زالتْ عنها الضمةُ التي كانتْ فيها؛ لأنّ الحرفَ الواحدَ لا تحلّهُ حركتان، فأشمّها الضمةَ مَنْ أَشَمَّ ليدل بذلك على الضمةِ المُزالةِ، وقد فعَلُوا مثل ذلك الإشمام في قولهم: أَنتِ تَغْزِينَ؛ ليدُلّوا بالإشمام على أنّ أصله: تَغْزُوِينَ.
ونافعٌ يُشمّ الضمَّ في {سيء} و{سِيئَتْ} فقط، ووافقَهُ ابنُ عامر فيهما، وزاج عليهما {حِيل} و{سيق} فصارا أربعة أحرفٍ.
وإنما قصرا هذا الحكم على البعض دون البعض أخذًا باللغتين، واتباعًا للسنة.
وأما الباقون و-ح- عن يعقوب فإنهم يكسرون أوائل هذه الأفعال كلها، ولا يشمونها؛ لأن ذلك هو الأصل، وما سواه داخل فيه؛ لأن الأصل فيه: فعل، فنقلت حركة العين إلى الفاء، ليعلم بذلك حركة العين، فلما فعل هذا النقل في فعل المبني للمفعول به اكتفي به فارقًا بينه وبين فعل المبني للفاعل، لكن من اختار القراءة الأولى أراد زيادة الفرق، وأن تقع المحافظة على الضمة الفاء بالإشمام، كما وقعت المحافظة على كسرة العين بالنقل إتمامًا للفرق بين الفعلين المبني للفاعل والمبني للمفعول به، على أن أكثر العرب على الكسر دون الإشمام إذ هو الأصل). [الموضح: 248]

قوله تعالى: {أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ الْمُفْسِدُونَ وَلَكِنْ لَا يَشْعُرُونَ (12)}

قوله تعالى: {وَإِذَا قِيلَ لَهُمْ آَمِنُوا كَمَا آَمَنَ النَّاسُ قَالُوا أَنُؤْمِنُ كَمَا آَمَنَ السُّفَهَاءُ أَلَا إِنَّهُمْ هُمُ السُّفَهَاءُ وَلَكِنْ لَا يَعْلَمُونَ (13)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله تعالى: (السّفهاء ألا)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (السّفهاء ألا) بهمز الأولى
[معاني القراءات وعللها: 1/136]
وطرح الثانية، وكذلك يفعلون بكل همزتين برزتا مختلفتين من كلمتين في جميع القرآن، فإذا وردتا متفقتين همزوا الثانية وتركوا الأولى، كقوله: (جا أمرنا) و(شا أنشره) ونحوهما.
وكان ابن كثير ونافع إذا أتت الهمزتان المتفقتان في موضع خفض حوّلا الأولى إلى الياء، فقرءا: (هؤلاي إن) و(على البغاي إن)، فإذا أتيا مضمومتين حوّلا الهمزة الأولى إلى الواو، كقولك: (أؤلياو أولئك)، وكان ابن كثير ونافع يهمزان الثانية في المكسورتين، ويعوضان من الأولى كسرة مختلسة، وفي المضمومتين يهمزان الثانية ويعوضان من الأولى ضمة مختلسة، وأما المفتوحتان فإن ابن كثير ونافعًا وأبا عمرو يهمزون الثانية ويطرحون الأولى، ولا يبدلون منها فتحة.
[معاني القراءات وعللها: 1/137]
وكان يعقوب يجمع بين الهمزتين المختلفتين في قوله: (السّفهاء ألا) ومذهبه في المتفقتين همز الثانية وتعويض من الأولى في المضمومتين واوا، وفي المفتوحتين ألفا، وفي المكسورتين ياء.
وقرأ الباقون كل هذا بهمزتين همزتين.
قال أبو منصور: قد أعلمتك أن هذه القراءات في باب الهمز لغات مأخوذة عن العرب، فبأي لغة قرأت فقد أصبت، إذا قرأ به قارئ يقرأ بالسنة). [معاني القراءات وعللها: 1/138]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ):(12- وقوله تعالى {السفهاء ألا}
قرأ عاصم وحمزة والكسائي وابن عامر بهمزتين على أصل الكلمة، همزة «ألا» وهي مفتوحة، وهمزة {السفهاء} وهي مضمومة.
وقرأ الباقون بهمزة واحدة، ولينوا الثانية كراهة لاجتماع همزتين، غير أنهم اختلفوا إذا كانت الهمزتان متفقتي الحركتين وهما: أن يكونا مضمومتين نحو: {أولياء أولئك} أو مكسورتين نحو: {هؤلاء إن كنتم صادقين} أو مفتوحتين نحو: {ءأنذرتهم} فقرأ ابن كثير وورش عن نافع بتليين الثانية وهمزة الأولى نحو: {هؤلاء إن كنتم} {ثم إذا شاء انشره} وهو اختيار الخليل رحمه الله شبهة بآزر وآدم، أعني في تليين الثانية.
وقال أبو عمرو بحذف الهمزة الأولى تخفيفًا {هؤلاء إن كنتم} {شاأنشره} و{أوليا ألئك}.
وقرا نافع بلفظة كالياء، أعني الهمزة الأولى إذا كانت مكسورة، وبلفظة كالواو إذا كانت مضمومة في رواية قالون والمسيبي نحو قوله عز وجل: {هؤلاء إن كنتم} {وأولياء ألئك} لأنه كما لين الهمزة جعلها شبه الواو والياء، وقرأ الباقون بهمزتين على أصل الكلمة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/69]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : (باب الهمزتين
باب الهمزتين تلتقيان من كلمتين وهما مختلفتا الإعراب وهما على ستّة أوجه وجه منها لم يجئ في القرآن وهي الهمزة المكسورة الّتي بعدها همزة مضمومة كقولك هؤلاء أمراء وباقيها موجودة في القرآن
1 - فأول ذلك المضمومة الّتي بعدها المفتوحة كقوله {السّفهاء ألا} تهمز الأولى وتخفف الثّانية وتنحو بها نحو الألف
2 - وبعد ذلك المضمومة الّتي بعدها مكسورة كقوله {ولا يأب الشّهداء إذا ما دعوا} تهمز الأولى وتنحو بالثّانية نحو
[حجة القراءات: 90]
الياء من غير أن تكسرها
3 - والثّالثة المفتوحة الّتي بعدها مكسورة نحو قوله {أم كنتم شهداء إذ حضر}
4 - والرّابعة المفتوحة الّتي بعدها مضمومة كقوله {جاء أمة رسولها} تهمز الأولى وتنحو بالثّانية نحو الواو من غير ضم
5 - والخامسة المكسورة الّتي بعدها مفتوحة نحو قوله {أأمنتم من في السّماء أن يخسف} تهمز الأولى وتنحو بالثّانية نحو الألف فهذا مذهب نافع وابن كثير وأبي عمرو
وحجتهم أن العرب تستثقل الهمزة الواحدة فتخففها في أخف أحوالها وهي ساكنة نحو كاس فتقلب الهمزة ألفا فإذا كانت تخفف وهي وحدها فأن تخفف ومعها مثلها أولى
وقرأ ابن عامر وأهل الكوفة بهمزتين في جميع ذلك أرادوا التّحقيق وتوفية كل حرف حقه من حركته ونصيبه من الإعراب إذ كانت الهمزة حرفا من حروف المعجم يلزمها من الحركة ما يلزم سائر الحروف فجاؤوا بكل همزة من المجتمعتين على هيأتها إرادة التّبيين والنطق بكل حرف من كتاب الله على جهته من غير إبدال ولا تغيير فإذا التقتا متفقتي الإعراب وذلك أن تكونا مكسورتين كقوله {هؤلاء إن كنتم} أو تكونا مفتوحتين كقوله جاء أمرنا أو تكونا مضمومتين كقوله أولياء أولئك فقرأ ابن عامر وأهل الكوفة
[حجة القراءات: 91]
جميع ذلك بهمزتين وقد مر الكلام فيه
وورش عن نافع والقواس عن ابن كثير يهمزان الأولى ويلينان الثّانية ويشيران بالكسر إليها وفي المتفوحتين يشيران بالفتح إليها وفي المضمومتين يشيران بالضّمّ إليها وأما نافع والبزي عن ابن كثير فيلينان الأولى شبه الياء ويهمزان الثّانية وفي المضمومتين شبه الواو وهذا باب تحكمه المشافهة لا الكتابة وفي المفتوحتين يحذفون الأولى بلا عوض
وقرأ أبو عمرو جميع ذلك بهمزة واحدة حذف إحداهما واكتفى بالأخرى عنها وها هنا خلاف آلمحذوفة هي الأولى أم الثّانية
فمن حجّة من يقول الثّانية أنّها هي الّتي جلبت معظم الثّقل فكان الحذف فيها أوجب لأن الأولى لو انفردت لما وجب حذفها ولما جاز وحجّة من يقول الأولى هي المحذوفة هي أن الأولى وقعت في الكلمة آخرا والثّانية وقعت في كلمتها أولا والأواخر أحق بالإعلال من الأوائل ألا ترى أن هذه الهمزة إذا وقف الإنسان على جاء وعلى هؤلاء فإنّها تسقط عند الوقف فالأولى إذا أحق بالإسقاط من الثّانية). [حجة القراءات: 92]

قوله تعالى: {وَإِذَا لَقُوا الَّذِينَ آَمَنُوا قَالُوا آَمَنَّا وَإِذَا خَلَوْا إِلَى شَيَاطِينِهِمْ قَالُوا إِنَّا مَعَكُمْ إِنَّمَا نَحْنُ مُسْتَهْزِئُونَ (14)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (13- وقوله تعالى: {إنما نحن مستهزئون}
قرأ حمزة وحده: إذا وقف بترك الهمزة وإشمام الزاي الكسر وبجعل الهمزة بين الواو والياء، ولا يضبط ذلك الكتاب، إنما فعل ذلك لأنها كتبت في المصحف بغير ياء، والباقون يقفون كما يصلون). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/70]

قوله تعالى: {اللَّهُ يَسْتَهْزِئُ بِهِمْ وَيَمُدُّهُمْ فِي طُغْيَانِهِمْ يَعْمَهُونَ (15) }
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (قوله جلّ وعزّ: (في طغيانهم).
كان الكسائي يميل الألف فيها، وفي قوله: (وفي آذانهم) و(فأحياكم) و(خطاياكم) و(مرضات الله) و(حق تقاته)
[معاني القراءات وعللها: 1/138]
و (وقد هدان) و(يسارعون) و(سارعوا) و(محياي) و(رؤياي) و(من عصاني) و(أخسن مثواي) و(ما أنسانيه) و(آتاني الكتاب)، و(أوصاني) و(آتاني الله).
و"كمشكاةٍ) و(دحيها) و(تليها) و(طحيها) و(سجى)، انفرد الكسائي بكسر هذه الحروف.
وفتحهن حمزة، وكان حمزة إذا تقدمت قبل (أحيا) واوٌ كسر الحرف، مثل قوله:
[معاني القراءات وعللها: 1/139]
(أمات وأحيا). وقد كسر حروفا من نظائر هذه الحروف، مثل قولهم: (منهم تقاةً) و(أكرمي مثواه) ولا يقاس على هذه الحروف التي ذكر عن الكسائي أنه كسرها وحده، ويفتح حمزة إياها.
واتفق حمزة والكسائي على إمالة (كلاهما) وعلى إمالة (فالق الحب والنوى)، وروى الدوري عن الكسائي أنه أمال (أول كافرٍ به)، ولم يقله أحد من القراء.
وكان ابن كثير وابن عامر وعاصم ويعقوب يفتحون هذه الحروف كلها إلا ما روي عن ابن عامر في "التوراة" و(ما أدراك) أنه كان يقرأهما بين الفتح والكسر.
وكان حمزة والكسائي يميلان كل ذوات الياء.
والإمالة لغة تميم، وعليها صيغة لسان من جاورهم من أهل العراق والبدو.
والعرب تقول: (هذا عابدٌ) و(عابدٌ)، و(عالمٌ) و(عالمٌ)
[معاني القراءات وعللها: 1/140]
فيكسرون الألف لانكسار ما بعدها إلا أن تدخل حروف الإطباق، وهي: الطاء والظاء والصاد والضاد، ولا يجوز في ذلك (ظالم)، ولا (طالب)، ولا (صابر)، ولا (ضابط).
وكذلك حروف الاستعلاء، وهي: الخاء والغين والقاف، لا يجوز في (غافل) (غافل) ولا في (خادم) خادم، ولا في (قاهر) (قاهر)، وباب الإمالة يطول شرحه إلا أن هذا في هذا الموضع هو القصد، وقدر الحاجة.
وأما إمالة مثل قوله: (سجى) و(قلى) وما أشبههما فالقياس أن ما كان منها من ذوات الياء مثل (قلى يقلي) و(سرى يسري) أميل.
وما كان في بنات الواو مثل (علا يعلو) و(سما يسمو) لم يمل، على أن الإمالة جائزة في جميعها إذا اتفقت رؤوس الآيات.
والراء إذا دخلت في أسماء على مثال (فاعل) سهلت الإمالة، وإن كان فيها حرف من حروف الإطباق مثل قولك: (هذا صارم) يميل الصاد، ولا تقول في (صالح)، وكذلك تقول: (مررت بضارب)، ولا تقول: (مررت بضابط)، وهذا الباب انفرد به البصريون، وهو - باب الإمالة). [معاني القراءات وعللها: 1/141]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {في طغيانهم يعمهون}. قرأ الكسائي وحده {في طغيانهم} بالإمالة وكذلك {في آذانهم}.
وقرأ الباقون بالفتح على أصل الكلمة، فحجة الكسائي في إمالة طغيانهم كسرة النون والياء، ولأن الطغيان والطغوى بمنزلة واحدة، قال الله تعالى: {كذبت ثمود بطغوايها} أراد: بطغيانها غير أنه قيل: الطغوى ليشاكل رءوس الآي في السورة، كما قال الله تعالى: {والكافرون هم الظالمون} وقال في موضع آخر: {أولئك هم الكفرة الفجرة} فجمع كافرًا على كفرة ليوافق رءوس الآي.
فأما إماله {آذانهم} فإن كان الكسائي أماله سماعًا فقد زال السؤال، وإن كان أماله قياسًا فقد أخطأ القياس؛ لأن ألف في «آذان» التي بعد الذال ألف الجمع، وألف الجمع لا تمال ويلزمه أن يميل {بأسمائهم} {ويطاف عليهم بآنية} فأما قوله تعالى: {من أخباركم} فإن الألف أميلت؛
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/70]
الفعل راء. وقد حدثنا أبو بكر بن مجاهد قال: حدثنا أبو الزعراء قال: حدثنا أبو عمر عن الكسائي قال: للعرب في إمالة ذوات الراء رغبة ليست لهم في غيرها حتى أمالوا: {افترى على الله} و{قد نرى} ولذلك فرق أبو عمرو بين ذوات الراء وغيرها فقرأ: {ومن أصوافها وأوبارها وأشعارها} فأمال ذوات الراء ولم يمل غيرها). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/71]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ):(اختلفوا في قوله (تعالى): في طغيانهم [البقرة/ 15] وفي آذانهم [البقرة/ 19].
قال أبو عمر الدّوري ونصير بن يوسف النحوي:
[الحجة للقراء السبعة: 1/365]
كان الكسائي يميل الألف في طغيانهم، وفي آذانهم، وقال غيرهما: كان يفتح.
وقال أبو الحارث الليث بن خالد وغيره: كان الكسائي لا يميل هذا وأشباهه. والباقون يفتحون.
قال أبو علي: الطغيان: مصدر طغى، كالكفران والعدوان والرضوان.
وحكى أبو الحسن: طغا يطغو، وقالوا: يطغى في المضارع، وفي التنزيل: ولا تطغوا فيه فيحلّ عليكم [طه/ 81] فألف طغا تكون منقلبة عن الياء، فيمن قال:
طغيت، وعن الواو فيمن قال: طغوت.
وقالوا: طغوت، وقالوا: تطغى، كما قالوا: صغوت تصغى، ومحوت تمحى، ففتحت العين في المضارع للحلقي.
وحكى بعضهم طغيت تطغى، فتطغى على هذا مثل يفرق، لا مثل يصغى، ويجوز على هذا أن تكسر حرف المضارعة منه فتقول: تطغى، وإن جعلته مضارع طغوت أو
[الحجة للقراء السبعة: 1/366]
طغيت لم يجز ذلك فيه.
فأمّا قوله تعالى: فأهلكوا بالطّاغية [الحاقة/ 5] فيحتمل ضربين:
أحدهما أن يكون مصدرا كالعافية والعاقبة، أي:
بطغيانهم.
والآخر أن يكون صفة، أي بالريح الطاغية.
وقوله: كذّبت ثمود بطغواها [الشمس/ 11] فالواو مبدلة من الياء: لأنّه اسم مثل التّقوى والرّعوى والبقوى، لأنّ لغة التنزيل الياء بدلالة الطغيان المذكور فيه في مواضع.
فأما لا تطغوا، فلا دلالة فيها على الياء ولا الواو. وإن جعلت طغوى من لغة من قال: طغوت، كان الواو فيها من نفس الكلمة كالدّعوى والعدوى.
وحجة من أمال الطغيان هي أنّ الألف قد اكتنفها شيئان:
كلّ واحد منهما يجلب الإمالة وهما الياء التي قبلها والكسرة التي بعدها، فإذا كان كلّ واحد منهما على انفراده يوجب الإمالة في نحو السّيال والضّياح. ومررت ببابه، وبداره، فإذا اجتمعا كانا أوجب للإمالة.
[الحجة للقراء السبعة: 1/367]
فإن قلت: إنّ أول الكلمة حرف مستعل مضموم، فكلّ واحد من المستعلي والضم يمنع الإمالة، فهلا منعاها هنا أيضا.
فالقول: إن المستعلي لما جاءت الياء بعده، وتراخى عن الألف بحرفين لم يمنع الإمالة. ألا ترى أنّ قوما أمالوا نحو المناشيط لتراخي المستعلي عن الألف مع أن المستعلي بعد الألف، فإذا تراخى في طغيان عنها بحرفين مع أنّه قبل الألف، كان أجدر بالإمالة، ألا ترى أنّهم قد أمالوا نحو صفاف، وقباب، ولم يميلوا نحو مراض، وفراض، لمّا كان المستعلي متأخرا عن الألف. وقالوا: بطارد [هود/ 29] وبقادر [يس/ 81] لمّا تقدم المستعلي الألف، ولم يميلوا فارق وبارض؟ وأما في (آذانهم) فجازت فيها الإمالة كما جازت في مررت ببابه، لمكان كثرة الإعراب، وهي حسنة جائزة.
والإمالة في طغيانهم أحسن). [الحجة للقراء السبعة: 1/368] (م)
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (9- {فِي طُغْيَانِهِمْ} [آية/ 15]: و {آَذَانِهِمْ} [آية/ 19]:-
بالإمالة، قرأها الكسائي وحده.
وإنما أمال {طُغْيانِهِمْ}؛ لأن أَلِفَها قد اكتنفها شيئان، واحد منهما على الانفراد جالب للإمالة، وهما الياء قبلها والكسرة بعدها، فإذا أميلت الكلمة بواحدٍ منها لأن تمال باجتماعهما أولى.
وأما {فِي آذانِهِمْ آَذَانِهِمْ} فإنما أمالها لمكان كسرة الإعراب فيها، كمال يقال: مررت ببابه وداره، والإمالة في الأول أقوى). [الموضح: 249] (م)


قوله تعالى: {أُولَئِكَ الَّذِينَ اشْتَرَوُا الضَّلَالَةَ بِالْهُدَى فَمَا رَبِحَتْ تِجَارَتُهُمْ وَمَا كَانُوا مُهْتَدِينَ (16)}
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (16- وقوله تعالى: {الضللة بالهدى} قرأ حمزة والكسائي بإمالة ذوات الياء نحو: الهدي والحمي والدنيا وغزى {إذا تولى سعى} وموسى وعيسى.
وقرأ نافع بين التفخيم والإمالة وهو إلى الفتح أقرب.
وقرأ أبو عمرو: ما كان من ذلك في رءوس الآي نحو آيات {طه} {والنجم إذا هوى} {والليل إذا يغشى} بين بين، أو كان الاسم على فعلى نحو: الدنيا أو على (فعلى) نحو: {شتى} أو على (فعلى) نحو (عيسى). وقرأ الباقون بالفتح، فمن فتح فعلى أصل الكلمة، ومن أضجع وأمال فلأن يعمل لسانه في موضع واحد؛ إذ كانت الإمالة تقرب من الياء. فأما حمزة فإنه فرق بين ذوات الياء والواو فقرأ: {والقمر إذا تلباها} بالفتح {والنهار إذا دجليهاد} بالإمالة، والعرب إذا اجتمع في أواخر الآي أو قربت ذوات الياء من الواو أتبعوا بعضها بعضًا. أخبرني بذلك ابن مجاهد، عن السمري، عن الفراء). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/71]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (بسم الله اشتروا الضّلالة [البقرة/ 16]: قال أحمد بن موسى:
ضمّ الواو اتفاق.
[الحجة للقراء السبعة: 1/368]
قال أبو علي: الواو في (اشتروا) ساكنة، فإذا سقطت همزة الوصل للدرج التقت مع الساكن المبدل من لام المعرفة فالتقى ساكنان، فحركت الأوّل منهما لالتقاءيهما، ولا يخلو التحريك فيها من أن تكون بالضمّ أو بالكسر، فصار الضمّ أولى بها ليفصل بالضمّ بينها وبين واو أو ولو، فحركت بالضم دون الكسر لذلك.
ومما يدل على تقدم التحرك بالضم على الكسر لالتقاءيهما، أنّهم قد حرّكوا هذه الواو في غير هذا الموضع بالضم لالتقاء الساكنين، واتفق الجميع فيه على التحريك بالضم دون غيره، وذلك في قوله: لتبلونّ في أموالكم [آل عمران/ 186]، ولترونّ الجحيم [التكاثر/ 6] فدلّ اتفاقهم على تحريك هذه بالضمّ على أنها في (اشتروا الضلالة) محرّكة بالضمّ أيضا لالتقاء الساكنين، كما حرّكت في لتبلونّ ولترونّ الجحيم.
ويدلّ على تقدّم ذلك على الكسر ما جاء من ضمهم لها في: مصطفو الله، فكما حرّكوا هذه الواو بالضمّ كذلك ينبغي أن تحرّك بالضمّ في (اشتروا الضّلالة بالهدى)؛ لاتفاقهما في الدّلالة على الجمع.
ويدل على تقرر ذلك في هذه الواو أنّهم شبهوا بها الواو التي في أو، ولو، فحركوها بالضم تشبيها بقوله: (اشتروا الضّلالة). وكما شبهوا التي في أو بالتي تدل على الجمع،
[الحجة للقراء السبعة: 1/369]
كذلك شبهوا التي للجمع بها فأجازوا فيها الكسر، كما أجازوا في: لو استطعنا [التوبة/ 42] الضمّ تشبيها بالتي للجمع، وليس هذا بالوجه، كما أنّ الكسر في: لا تنسوا الفضل [البقرة/ 237] ليس بالوجه.
ومثل هذا في أن كل قبيل من الواوين شبّه بالآخر إجازتهم الجر: في الضارب الرجل، تشبيها بالحسن الوجه، وإجازتهم النصب في الحسن الوجه تشبيها بالضارب الرجل، والنصب في الضارب الرجل الوجه. والجرّ في الحسن الوجه الوجه، إلّا أنّ الكسر في: (ولا تنسوا الفضل) أقبح وأقل في الاستعمال من الحسن الوجه.
ويدلّ على تقدّم التحريك بالضمّ في هذه الواو لالتقاء الساكنين، أنّ قوما أبدلوا منها الهمزة، فقالوا: (اشترءوا الضّلالة) كما يبدلون من الواو المضمومة، فلو كان تحريكها بالكسر متعارفا لكان جديرا ألا يهمزوا، لأنّها كانت تشبه حركة الإعراب لتعاقب الحركتين عليها، كما تتعاقب حركة الإعراب على المعرب.
ألا ترى أن حركة غير الإعراب لمّا تعاقبت على ما كان مضاعفا أدغم في قول عامة العرب غير أهل الحجاز، كما أن حركات الإعراب لمّا تعاقبت على المعرب أدغم، فتحريك من حرّكها بالضمّ دلالة على أنّه جعلها بمنزلة سائر الواوات
[الحجة للقراء السبعة: 1/370]
المضمومة التي تبدل الهمزة منها، ولا يدخلها غير الضمّ، نحو التي في الغئور والنّئور وأسؤق وأنؤر.
وليس إبدال هذه الواو همزة، وإن كان فيه ما استدللنا به من تمكن تحركها بالضم في هذا الموضع بالقياس، لأنّ تحريكها بالضمّ إنّما هو لالتقاء الساكنين، والتحريك لالتقاء الساكنين في تقدير السكون لما تقدّم من الدّلالة على ذلك.
فإذا كان كذلك فكأنّه قد أبدل الهمزة من واو ساكنة، والهمزة لا تبدل من الواو الساكنة.
ولو استقام أن تبدل من هذه الواو الهمزة إذا تحركت بهذه الحركة، لاستقام أن تبدل منها إذا تحركت بحركة الإعراب، لأنّها مثلها في أنّها ليست بلازمة، إلّا أنّ إبدال الحركة لالتقاء الساكنين همزة أوجه لموافقتها نحو أدؤر في أنّ الحركتين فيهما حركتا بناء لا حركتا إعراب.
وقد شبهوا غير اللازم باللازم في مواضع، نحو ادغامهم الواو في رويا وروية وما أشبه ذلك، وليس قول من قال-: إنّ هذه الواو إنّما حركت بالضمّ لالتقاء الساكنين، لأنّه فاعل في المعنى فجعلت حركة التقاء الساكنين فيه كحركة الإعراب- بمستقيم. ألا ترى أنّ الياء في: أخشي القوم يا مرأة، فاعلة في المعنى، واتفقوا على تحريكها بالكسر! وقد كسر ناس الواو
[الحجة للقراء السبعة: 1/371]
في: (اشتروا الضّلالة)، (ولا تنسوا الفضل بينكم) فلو كان كما ذهب إليه من ذكرنا قوله، لم يجز اختلاف الحركات فيه كما لم يجز ذلك في حركة الإعراب إذا كان معربا وأمّا ما حكاه أحمد بن يحيى عن الفراء في أن قوله: (اشتروا الضّلالة) إنما حرّكها بالحركة التي كانت تجب للام الفعل من الضمة، فإنّه ذهب في ذلك إلى أن الحركة فيها ليست لالتقاء الساكنين، كما يذهب إليه سيبويه وأصحابه.
وهذا الذي ذهب إليه الفراء لا يستقيم من غير جهة:
منها أن اشترى واصطفى وما أشبه ذلك إنما انقلبت اللام فيه ألفا لتقدير الحركة فيها، ولولا تقديرها لم تنقلب، كما لم تنقلبا في: لو، وكي، فإذا انقلبا لذلك لم يستقم أن يقدّر نقل الحركة عنها، لأن ثباتها ألفا بمنزلة كون الحركة معها، فكيف يقدر نقلها إلى موضع وهي في حكم الثبات في الحرف المتحرك بها؟
ومن ثم لم ينقلوا الحركة في قال، وباع، وهاب، وخاف، إلى الفاء، كما نقلوا في قلت، وطلت، وبعت، وخفت، وهبت، ألا ترى أنّها في تقدير الثبات مع الألف؟
ويمتنع ذلك من وجه آخر: وهو أنّا رأينا الحركات إنّما تلقى على الحروف التي تكون قبل الحروف التي تنقل منها، ولا تنقل إلى ما بعد الحروف المنقولة منها الحركة، ألا ترى أن
[الحجة للقراء السبعة: 1/372]
بعت، وقلت، وخفت، وهبت، ومست وظلت، فيمن نقل حركة عينيهما وأحست كذلك، وكذلك أقام، وأقال، وأصمّ، وأيلّ، وأعدّ، وأمدّ، وأخلة، وأيمّة، وكذلك نقل حركات الهمز في التخفيف نحو جيل، وحوبة والمرة، والجية، والخب والعب. وكذلك يمدّ، ويعفّ، ويشمّ، وكذلك من نقل في خطّف، وقتّل ويهدّي، إنما ينقل إلى الحرف الذي قبل الحرف المنقولة منه الحركة. وكذلك قولهم:
قاضون وغازون، ومشترون ونحو ذلك. فإذا كان الأمر في ذلك على ما وصفنا ولم نجد في هذه الأصول شيئا على ما ادّعاه- ثبت فساد ما ذهب إليه لدفع الأصول له وتعرّيه من دلالة تدلّ عليه.
ووجه آخر، وهو أن الحركة في: اشتروا الضلالة، ومصطفو القوم، واخشي القوم يا هذه- لا تخلو من أن تكون منقولة، من اللام كما قاله، أو حركة لالتقاء الساكنين كما ذهب إليه غيره.
[الحجة للقراء السبعة: 1/373]
فلو كانت حركة نقل كما قال لوجب أن يتحرك الحرف الذي نقلت إليه بها، التقى مع الساكن، أو لم يلتق، ألا ترى أن سائر ما نقلت الحركة إليه نحو ما ذكرنا قبل يتحرك بالحركة المنقولة إليه وفي أن هذه الحروف: الواو في اشتروا وفي مصطفو القوم، والياء في اخشي الله يا هذه، لا تتحرك حتى تلتقي مع ساكن منفصل منها دلالة على أنّها تحركت من حيث تحركت الحروف الساكنة الملتقية مع سواكن أخر منفصلة منها نحو: عذابٍ اركض [ص/ 41، 42] وأحدن، الله [الصمد/ 2، 3] أو انقص [المزمل/ 3] واذهب اذهب، وما أشبه ذلك مما تحرك لالتقاء الساكنين، فأما تحريكها بالضمّ، وتحريك هذه الحروف التي ذكرناها بغيره من الحركات فمسألة أخرى. ولو لم يكن في ذلك إلّا أن الياء التي هي مثل الألف في اللين نقل حركتها إلى ما قبلها فى: قاضون وفأولئك هم العادون [المؤمنون/ 7] لكان كافيا، فعلم منه أن حركة اللام المنقلبة ألفا لا تنقل إلى ما بعدها كما لم تنقل في «العادون» إلى ما بعده.
اختلفوا في قوله تعالى: بالهدى [البقرة/ 16] وما أشبه ذلك فكان نافع لا يفتح ذوات الياء ولا يكسر مثل قوله: (الهدى، والهوى والعمى، واستوى وأعطى، وأكدى)
[الحجة للقراء السبعة: 1/374]
وما أشبه ذلك، كانت قراءته وسطا في ذلك كله، وكذلك (يحيى، وموسى، وعيسى، والأنثى، واليسرى، والعسرى، ورأى، ونأى).
وقال المسيّبي: كان نافع يفتح ذلك كلّه، والأول قول قالون وورش عن نافع.
وكان ابن كثير يفتح ذلك كلّه.
وأما أبو عمرو فكان يقرأ من ذلك ما كان من رءوس الآي بين الفتح والكسر مثل آيات سورة طه، والنجم و (عبس وتولى، والضحى، والليل إذا يغشى، والشمس وضحاها، ودحاها وطحاها)، فإذا لم يكن رأس آية فتح، مثل: قضى أجلًا [الأنعام/ 2] والهدى، واستوى إلى السّماء [البقرة/ 29] و (أزكى) و (فسواهن)، و (أحيا) فإنّه بالفتح كلّه.
[الحجة للقراء السبعة: 1/375]
فإذا كان الاسم مؤنثا على فعلى أو فعلى أو فعلى مثل (ذكرى) وضيزى [النجم/ 22] وأنثى وشتّى وما أشبه ذلك فهو بين الفتح والكسر، وإذا كانت راء بعدها همزة وبعد الهمزة ياء كسر الهمزة وفتح الراء مثل رأى كوكباً [الأنعام/ 76] ورأى أيديهم [هود/ 70] وإذا جاءت راء بعدها ياء كسر الراء مثل قوله: هل ترى، ويرى والنصارى وأرى. فإذا سقطت الياء في الوصل لساكن لقيها لم يمل الراء كقوله تعالى: حتّى نرى اللّه جهرةً [البقرة/ 55] والنّصارى المسيح [التوبة/ 30] وترى الّذين [الزمر/ 60]، لأنّ الإمالة إنّما كانت من أجل الياء فلما زالت الياء زالت الإمالة.
وروى عبد الوارث وعباس بن الفضل عن أبي
[الحجة للقراء السبعة: 1/376]
عمرو إمالة ذلك كلّه، استقبله ساكن أو لم يستقبله.
والمعروف عن أبي عمرو ترك الإمالة في مثل: نرى اللّه جهرةً [البقرة/ 55].
وكان عاصم يفتح في رواية أبي بكر ذلك كلّه إلّا: (رأى، ورمى ورآه)، و (نأى) في سورة بني إسرائيل [الآية/ 83] وفتح التي في السجدة [فصلت/ 51] وأعمى [الإسراء/ 72] فإذا سقطت الياء لساكن لقيها في الوصل أمال الراء وفتح الهمزة مثل: رأى القمر [الأنعام/ 77].
وروى خلف عن يحيى بن آدم عن أبي بكر عن عاصم أنّه كان يميل الراء والهمزة من قوله تعالى: رأى الشمس [الأنعام/ 78] ورأى القمر [الأنعام/ 77] ورأى
[الحجة للقراء السبعة: 1/377]
الذين ظلموا [النحل/ 85] وما كان مثله.
وكان غير خلف يروي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم في ذلك بفتح الهمزة بعد كسر الراء، مثل حمزة.
وأما حفص فروى عن عاصم ذلك كلّه بالفتح، إلّا قوله:
مجراها [هود/ 41] فإنه أمالها.
وكان حمزة يميل ذوات الياء، مثل: (أعطى واتقى) و (استوى). وما أشبه ذلك، وأمات وأحيا [النجم/ 44] ويحيى من حيّ [الأنفال/ 42] ولا يميل (أحياكم) و (أحيا) إلّا إذا كان قبل الفعل واو. ويميل موسى، وعيسى، ويحيى، ولا يميل ذوات الواو مثل قوله: واللّيل إذا سجى [الضحى/ 2] و (دحاها)، و (طحاها)، و (تلاها)، ويميل ذلك أزكى لهم [النور/ 30] والأعلى [الأعلى/ 1] وكلّ فعل من ذوات الواو زيدت في أوله ألف فإنه يميله.
وكان الكسائي يميل ذلك كلّه، ويميل، (فأحياكم) و (أمات وأحيا)، ويميل ذوات الواو إذا كنّ مع ذوات الياء مثل:
(وضحاها) و (الضحى)، لا يفتح شيئا من ذلك، وكذلك (دحاها).
واتفقا في ترك الإمالة في قوله تعالى: ثمّ دنا [النجم/ 8] وما زكا منكم [النور/ 21] ودعا [آل عمران/ 38] وعفا [البقرة/ 187]، وما أشبه ذلك.
وابن عامر يفتح ذلك كلّه.
[الحجة للقراء السبعة: 1/378]
أبو عمرو يميل الكاف من (الكافرين) في موضع الخفض والنصب إذا كان جمعا، وإذا كان واحدا، كقوله تعالى: أوّل كافرٍ به [البقرة/ 41] أو جمعا في موضع رفع مثل قوله: قل يا أيّها الكافرون [الكافرون/ 1] لم يمل.
وكذلك روى أبو عمر الدّوري، ونصير بن يوسف النحوي جميعا عن الكسائي ولم يرو ذلك عن الكسائي إلا أبو عمر ونصير والباقون لا يميلون.
قال أبو علي: أما إمالة نافع (الهدى، والهوى، والعمى، واستوى، وأعطى، وأكدى، ويحيى، وموسى، وعيسى، والأنثى، واليسرى، والعسرى، ورأى، ونأى) فحسنة، لأنّها ألفات منقلبة عن الياء، أو في حكم المنقلب عنها.
فأمالوها ليدلوا على أن أصلها الياء، أو في حكم ذاك. وإذا كانوا قد أمالوا شيئا من الأسماء التي على ثلاثة أحرف نحو:
العشا والكبا والمكا مع أنها منقلبة عن الواو، فلا نظر في حسن إمالة ما كان انقلابه من هذه الألفات عن الياء، أو كان في حكم ذلك لتدل الإمالة والانتحاء بالألف نحو
الياء على الياء.
ومثل ذلك في إلزام الكلمة ما يدل على الحرف الذي وقع الانقلاب عنه إبدالهم من الهمزة المعترضة في الجمع الواو
[الحجة للقراء السبعة: 1/379]
ونحو هراوى وأداوى، ليدل ذلك على الواو التي كانت اللام في إداوة وهراوة.
ومثله أيضا قول من قال: قيل فانتحى بالكسرة نحو الضمة ليدل على أن الأصل فعل.
ومثل ذلك قولهم: أنت تغزين يا هذه. فأشموا الزاي الضمة لتدل على الواو المحذوفة التي هي لام الفعل، فكذلك إمالة الألف نحو الياء لتدل على أنّ انقلابها عن الياء دون الواو.
ومما يؤكد ذلك أنّ قوما قالوا هذا ماشّ وهذا جادّ، فأمالوا ليدلوا على الكسرة التي تكون في إظهار المثلين وفي عين الفعل في الدّرج.
وأما قصده في الإمالة بها نحو الياء وتوسطه في ذلك فلأنّه كره أن يبالغ في الانتحاء نحو الياء، فيصير كأنّه عائد إلى الياء التي كرهوها حتى أبدلوا منها الألف، وهكذا ينبغي أن تكون الألف في الإمالة.
قال وكان ابن كثير يفتح ذلك كلّه. وحكي عن ابن عامر أنّه كان يفتح ذلك كلّه.
قال أبو علي، الحجة له أنّه كره الإمالة في نحو:
هدى، وعمى، واستوى، لأنّه كره أن ينحو نحو الياء، وقد كان
[الحجة للقراء السبعة: 1/380]
كرهها وفرّ منها حتى قلبها ألفا، فكره أن يعود إلى مقاربة ما كان رفضه، وهو قول الأكثر فيما زعم سيبويه، أعني ألا يميل ما كان انقلابه من الألفات عن الياء كما أن الأكثر من يقول ردّ، فيصحح الضمة ولا ينحو بها نحو الكسرة، لأنّه قد كان كرهها حتى أذهبها بالإدغام.
ومما يؤكد ترك الإمالة في هذا الضرب، لأنّ فيها انتحاء نحو ما كان كرهه، تركهم الإمالة في جادّ ومجادّ ونحوه من المضاعف لأنّه فربّما تحقّق فيه الكسرة التي كانت تقع بعد الألف لو لم تدغم فلم يعد إلى ما يدل عليها من الإمالة بعد رفضه لها، ولم يميلوا في الجر فقالوا: مررت برجل جادّ.
فأمّا من أمال ذلك في الجر فكما أمال: مررت بماله، لا على ما يمال من نحو: عابد وعالم، وهذا قول الأكثر.
قال سيبويه: وكثير من العرب وأهل الحجاز لا يميلون هذه الألف.
قال: وأما أبو عمرو فكان يقرأ من ذلك ما كان من رءوس الآي بين الكسر والفتح، مثل آيات سورة طه، والنجم، وعبس وتولى، والضحى والليل، والشمس وضحاها، ودحاها، وطحاها، فإذا لم تكن رأس آية فتح.
قال أبو علي: إنّما أمال الألفات في رءوس الآي، لأنّ الفواصل بمنزلة القوافي في أنّها مواضع وقوف، كما أنّ أواخر
[الحجة للقراء السبعة: 1/381]
البيوت كذلك، وقد فصلوا بين الوصل والوقف، فأمالوا إذا وقفوا، ولم يميلوا إذا وصلوا، وذلك قولهم في الوقف: يريد أن يضربها ومنّا، ومنها وبنا، ونحو ذلك.
فإذا وصلوا نصبوا فقالوا: يريد أن يضربها زيد، وأن يضربا زيدا، ومنا زيد. وإنّما حملهم على هذا الفصل بين الوقف والوصل أنّهم أرادوا في الوقف تبيين الألف، فكما بيّنوها بأن قلبوا من الألف الياء في نحو هذه أفعى، كذلك بينوها بأن نحوا بها نحو الياء. فإذا وصل ترك الإمالة كما يترك إبدال الياء منها فيقول: هذه أفعى فاعلم، لأنّ
الألف في الوصل أبين منها في الوقف، فعلى هذا فصل أبو عمرو بين رءوس الآي وغيرها.
وأما تسويته بين ضحاها، وطحاها، فليشاكل بينها في اللّفظ، لأنّ الفواصل كالقوافي، فاستحب الملاءمة بين بعض الفواصل وبعض، كما استحبوا ذلك في القوافي، وأمال طحاها ونحوها لذلك ولأنّ الامالة في نحو: طحا وغزا سائغة.
وأما إمالة ما كان آخره ألف التأنيث نحو ذكرى وأنثى وشتى، فلأن هذه الألفات تبدل منها الياء ولا تبدل منها الواو أبدا، فصارت بمنزلة ما أصلها الياء، فأمالها بذلك. وإمالتها وترك إمالتها جميعا كثيران.
قال: فإذا كانت الراء بعدها همزة وبعد الهمزة ياء كسر الهمزة وفتح الراء، يريد بالياء الألف، ولعله سمّاها ياء لأنّ الكتّاب يكتبونها ياء، وذلك نحو: رأى أيديهم [هود/ 70]
[الحجة للقراء السبعة: 1/382]
فأمال الفتحة التي على الهمزة من رأى نحو الياء، لتميل الألف بإمالة الفتحة نحو الياء، وترك الراء مفتوحة لأنّها لم تل الألف، فتركها على فتحتها ولم يغيرها.
قال فإذا جاءت راء بعدها ياء كسر الراء مثل قوله:
(ترى، ونرى، والنصارى، وأرى).
قوله: بعدها ياء، يريد بها الألف الممالة أيضا.
فإن قلت: فهلّا لم يمل الألف هنا لأنّ الراء مفتوحة، والراء إذا كانت مفتوحة منعت الإمالة كما تمنعها الحروف المستعلية. فالقول إن فتح الراء هنا لا يمنع الإمالة كما أن المستعلية أنفسها لم تمنع منها في نحو: سقى وصفا، وكذلك الراء في (النصارى).
قال: فإذا سقطت الياء في الوصل لساكن لقيها لم يمل الراء، كقوله تعالى: حتّى نرى اللّه جهرةً [البقرة/ 55] والنّصارى المسيح [التوبة/ 30]، ويرى الّذين [سبأ/ 6].
قال أبو علي: هذا الذي ذهب إليه أبو عمرو مذهب، وللعرب في هذا مذهبان:
أحدهما ألّا يميلوا بالفتحة نحو الكسرة، لأنّ إمالتها إنّما كانت لتميل الألف نحو الياء، فلما سقطت الألف لالتقاء
[الحجة للقراء السبعة: 1/383]
الساكنين صحح الفتحة ولم يملها لسقوط الألف التي كانت الفتحة تمال لتميلها.
قال سيبويه: قالوا: لم يضربها الذي تعلم، فلم يميلوا، لأنّ الألف قد ذهبت.
والآخر أن يميل الفتحة نحو الكسرة وإن كانت الألف قد سقطت، لأنّ الألف لمّا كان حذفها لالتقاء الساكنين- والتقاء الساكنين غير لازم- صارت الألف كأنّها في اللفظ.
وقد روى أحمد بن موسى هذا الوجه الثاني أيضا عن أبي عمرو، فقال: روى عبد الوارث، وعباس بن الفضل عن أبي عمرو إمالة ذلك كلّه، استقبله ساكن أو لم يستقبله.
قال أحمد: والمعروف عن أبي عمرو ترك الإمالة في مثل نرى اللّه جهرةً [البقرة/ 55].
وقد حكى هذا الوجه أبو الحسن، وحكى الأول الذي حكيناه عن سيبويه فقال: إن شئت تركت الإمالة على حالها.
قال: وذلك نحو فلمّا رأى القمر [الأنعام/ 77] وفي القتلى الحرّ [البقرة/ 178] وهدىً للمتّقين [البقرة/ 2].
قال: وكان عاصم يفتح في رواية أبي بكر ذلك كلّه، إلّا رأى ورمى ورآه ونأى في سورة بني إسرائيل، وفتح التي في السجدة [فصلت/ 51] وأعمى [الاسراء/ 72]، فإذا سقطت الياء لساكن لقيها في الوصل أمال الراء وفتح الهمز مثل (رأى القمر).
[الحجة للقراء السبعة: 1/384]
قال: وكان غير خلف يروي عن يحيى عن أبي بكر عن عاصم في ذلك كلّه بفتح الهمزة بعد كسرة الراء مثل حمزة.
وأمّا حفص فروى عن عاصم ذلك كلّه بالفتح إلّا قوله:
(مجراها)، فإنّه أمالها.
قال: أبو علي: الفتح في ذلك هو الأصل، وأمّا الإمالة في رأى ورآه ونأى فإنّه أمال فتحة الهمزة لتميل الألف المنقلبة عن الياء في رأيت ونأيت نحو الياء، فلمّا أمال فتحة الهمزة لما ذكرناه أمال فتحة الراء لإمالة فتحة الهمزة، وكما أمالوا الألف لإمالة الألف في نحو رأيت عمادا، كذلك أمالوا الفتحة في راء: رأى لإمالة فتحة الهمزة، ألا تراهم أمالوا الفتحة في الراء من نحو: من الضرر، لكسرة الراء، والفتحة في الطاء من نحو: رأيت خبط الريف لكسرة الراء، فكذلك أمالوا الفتحة للفتحة الممالة، لأنّ الفتحة الممالة منتحى بها نحو الكسرة، كما أنّ الألف الممالة منتحى بها نحو الياء، فكما أمالوا الألف الآخرة في رأيت عمادا لإمالة الألف الأولى التي أميلت للكسرة، كذلك أميلت الفتحة في راء رأى لإمالة الفتحة من همزتها.
فأمّا فتحه الهمزة إذا سقطت الألف لساكن لقيها وتبقيته الإمالة في الراء مع فتحة الهمزة، فكان القياس أن يخلص فتحة
[الحجة للقراء السبعة: 1/385]
الراء ولا يميلها لزوال ما كانت أميلت له كما حكاه سيبويه في قولهم: لم يضربها الذي تعلم.
ولما فعله عاصم من إمالة فتحة الراء مع تفخيمه فتحة الهمزة وجه ظاهر، وقياس صحيح، وذلك أنهم قد قالوا:
رحمه الله، فكسروا الراء لكسرة حرف الحلق الذي هو العين، ثم أسكنوا الحاء فبقيت الراء على كسرتها ولم يردوها إلى الفتحة التي كانت الأصل في فعل، فكذلك بقّى في رأى إمالة فتحة الراء مع زوال الإمالة عن فتحة الهمزة، ومما يثبت ذلك قوله:
وإن شهد أجدى فضله وجداوله وممّا يقوي ذلك قولهم: صعق ثم نسبوا إليه فقالوا:
صعقي، فقرروا كسرة الصاد وإن كانت كسرة العين التي لها كسرت الصاد قد زالت.
فأمّا إمالة فتحة الراء من قوله تعالى: ولكنّ اللّه رمى [الأنفال/ 17] فإنّ إمالة الراء في رأى، أحسن من إمالة الراء في رمى، لأنّ الراء في رأى ونأى بعدهما همزة.
[الحجة للقراء السبعة: 1/386]
والكسر [في الفاء إذا كانت بعدها همزة] أو غيرها من حروف الحلق قد كثر.
قال أبو الحسن: وقد ذكروا أنّها لغة، ووجهه ما تقدم من أنّه لمّا أمال الميم أمال الراء لإمالتها.
وليس اختلاف رواية الرواة في هذه الحروف عنه بتدافع، لأنّه إذا كان لكل قراءة من ذلك وجه فقد يجوز أن يكون رأى أن يقرأ بكل واحد منها، ويجوز أن يكون رأى القراءة ببعض ذلك ثم انتقل عنه إلى وجه آخر.
ويقوي الوجه الأول ما رواه أبو بكر عنه من إمالة «نأى» في سورة بني إسرائيل، وفتح التي في السجدة.
وأمّا إمالة حمزة مثل: (أعطى، واتّقى، واستوى، وأمات، وأحيا) إلّا إذا كان قبل الفعل واو فيمكن أن يكون لمّا رأى الإمالة وتركها سائغين جائزين أخذ بهما جميعا فقرأ بعض ذلك ممالا، وبعضا غير ممال على نحو ما روي عن عاصم.
وإمالته موسى وعيسى ويحيى قد تقدّم القول في ذكر وجهه.
وترك إمالته ذوات الواو مثل: (والليل إذا سجا)، و (طحاها)، و (تلاها) حسن جميل، لأنّه لا ياء هنا ينحو بالألف نحوها: لتدلّ عليها فلم يمل الألف المنقلبة عن الواو إذ
[الحجة للقراء السبعة: 1/387]
كانت الإمالة في الألف المنقلبة عن الياء قد تترك، وفتح الألف في نحو رمى. فإذا جاء التفخيم في بنات الياء فبنات الواو أجدر.
والذين أمالوا نحو: طحا، أمالوا لأن اللام قد تنقلب ياء، والعدّة على ما هي عليه نحو: غزًّى [آل عمران/ 156].
وأمّا إمالته ذلكم أزكى لكم [البقرة/ 232] و (الأعلى) وكلّ فعل من ذوات الواو زيدت في أوله همزة، فحسنة، لأنّ الألف في هذه العدّة قد صارت في حكم المنقلب عن الياء لموافقتها لها في التثنية وغيرها، ألا ترى أنّك تقول:
الأزكيان، والأعليان، وتقول: أعليت زيدا، وزكيّته، فلما صار في حكم المنقلب عن الياء أمالها كما يميل ما انقلب عن الياء.
وموافقة الكسائي له في ذلك، واختصاص الكسائي بإمالة (وأحيا) في ذلك حسن، لأنّ الواو إذا لحقت أولا في هذا النحو فلا شيء فيه يمنع الإمالة، كما لا شيء فيه يمنع منها إذا لم تلحق في قياس العربية. ولعل حمزة اتبع في ذلك أثرا، لأنّ القراءة ليست موقوفة على مقاييس العربية دون اتباع الأثر فيها، أو أحبّ أن يجمع بين الأمرين الجائزين.
وأمّا اختصاص الكسائي من دون حمزة بإمالته ذوات
[الحجة للقراء السبعة: 1/388]
الواو إذا كنّ مع ذوات الياء في مثل (والشّمس وضحاها)، و (الضّحى)، و (دحاها)، وأنّه لا يفتح من ذلك شيئا، بل يسوي بين ذوات الياء وذوات الواو في هذه الفواصل- فهو في ذلك موافق لأبي عمرو، وقد تقدّم ذكر وجه ذلك عند ذكرنا لقول أبي عمرو.
قال: واتفقا في ترك الإمالة في قوله: ثمّ دنا [النجم/ 8]، وما زكا منكم [النور/ 21]، ودعا، وعفا، وقد تقدّم ذكر وجه ذلك.
قال: أبو عمرو يميل الكاف من الكافرين فى موضع الخفض والنصب إذا كان جمعا، وإذا كان واحدا مثل: أوّل كافرٍ به [البقرة/ 41]، أو جمعا مرفوعا مثل قل يا أيّها الكافرون [الكافرون/ 1] لم يمل، وكذلك رواه بعضهم عن الكسائي.
قال أبو علي: إمالته الكافرين في موضع النصب والخفض إنّما هي للزوم الكسرة الراء بعد الفاء المكسورة، والراء لما فيها من التكرير تجري مجرى الحرفين المكسورين، وكلّما كثرت الكسرات غلبت الإمالة وحسنت. فلمّا كانت الراء في الكافرين قد لزمتها الكسرة، والفاء قبلها مكسورة أيضا- حسنت الإمالة.
فأمّا الواحد المجرور نحو: أوّل كافرٍ به [البقرة/ 41]
[الحجة للقراء السبعة: 1/389]
فإنّما لم يمله كما أمال الجميع، لأنّ كسرة الإعراب غير لازمة فيه لزوم الكسرة للراء في الكافرين، فلم يلزم أن يميل الواحد من حيث أمال الجميع، ومع ذلك فإنّ الراء لما كانت مشبّهة بالمستعلي للتكرير الذي فيها، ولم يمل قوم كافرا في الرفع والنصب، كما لم يميلوا نافقا وشاحطا- لم يميلوها في الجر أيضا، وأتبعوا الجرّ الرفع والنصب، فتركوا الإمالة فيه كما تركوها فيهما.
وأمّا تركه إمالة الألف في الرفع نحو: قل يا أيّها الكافرون فللزوم الراء فيه الضمة، والراء تمنع الإمالة إذا انضمت أو انفتحت كما تجلبها إذا انكسرت). [الحجة للقراء السبعة: 1/390]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة يحيى بن يَعْمَر وابن أبي إسحاق وأبي السَّمال: [اشتروِا الضَّلالة].
قال أبو الفتح: في هذه الواو ثلاث لغات: الضم، والكسر، وحكى أبو الحسن فيها الفتح: {اشتروَا الضَّلالة}، ورويناه أيضًا عن قطرب، والحركة في جميعها لسكون الواو وما بعدها، والضم أفشى، ثم الكسر، ثم الفتح.
[المحتسب: 1/54]
وإنما كان الضم أقوى لأنها واو جمع، فأرادوا الفرق بينها وبين واو "أو" و"لو"؛ لأن تلك مكسورة، نحو قول الله سبحانه: {لَوِ اطَّلَعْتَ عَلَيْهِمْ}، ومنهم مَن يضمها، فيقول: [لوُ اطلعت]، كما كسر أبو السَّمَّال وغيره من العرب واو الجمع تشبيهًا لها بواو "لو".
وأما الفتح فأقلها، والعذر فيه خفة الفتحة مع ثقل الواو، وأيضًا فإن الغرض في ذلك إنما هو التبلغ بالحركة لاضطرار الساكنين إليها، فإذا وقعت من أي أجناسها كانت أقنعت في ذلك، كما روينا عن قطرب من قراءة بعضهم: [قُمَ اللَّيْل] بالفتح، و[قُلَ الْحَقُّ مِنْ رَبِّكُمْ]، وبِعَ الثوب. قال: وقيس تقول: [اشْتَرَءوا الضَّلالَةَ]. قال: وقال بعض العرب: عصئوا الله مهموزة.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون ذلك على إجراء غير اللازم مجرى اللازم، وقد كتبنا في هذا بابًا كاملًا في الخصائص، وذلك أنه شبه حركة التقاء الساكنين -وليست بلازمة- بالضمة اللازمة في [أُقتت] وأدؤر وأُجُوه، إلا أن همز نحو {اشْتَرَوُا الضَّلالَةَ} من ضعيف ذلك.
ولو وقفتَ مستذكرًا وقد ضمت الواو؛ لقلت: اشتروُوا، ففصلت ضمة الواو، فأَنشأت بعدها واوا، كأنك تستذكر {الضَّلالَة} أو نحوها، فتمد الصوت إلى أن تذكر الحرف. ولو استذكرت وقد كسرت لقلت: اشتروِي، فأنشأت بعد الكسرة ياء. ولو استذكرت وقد فتحت الوو لقلت: اشتروَا، كما أنك لو استذكرت بعد مِن، وأنت تريد الرجل ونحوه لقلت: مِنا؛ لأنك أشبعت فتحة من الغلام، وفي منذ: منذو، وفي هؤلاء: هؤلائي. وحَكى صاحب الكتاب: أن بعضهم قال في الوقف: قالا، وهو يريد قال.

1. وحَكى أيضًا: هذا سَيْفُنِي، كأنه استذكر بعد التنوين، فاضطر إلى حركته فكسره، فأحدث بعده ياء. ولو استذكرت مع الهمز لقلت: اشترءوا، فالواو بعد الهمزة واو مَطْل الضمة، وليست كواو قولك: اجترءُوا، وأنت تريد: افتعلوا من الجرأة). [المحتسب: 1/55]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس