عرض مشاركة واحدة
  #11  
قديم 20 شعبان 1435هـ/18-06-2014م, 11:03 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي بابٌ في فصولٍ مهمّةٍ تتعلّق بالمهذّب ويدخل كثيرٌ منها وأكثرها في غيره أيضًا

فصولٍ مهمّةٍ تتعلّق بالمهذّب

قال أبو زكريا يحيى بن شرف النووي (ت: 676هـ):
(بابٌ في فصولٍ مهمّةٍ تتعلّق بالمهذّب ويدخل كثيرٌ منها وأكثرها في غيره أيضًا

فصلٌ إذا قال الصّحابيّ قولًا ولم يخالفه غيره ولم ينتشر فليس هو إجماعًا وهل هو حجّةٌ
فيه قولان للشّافعيّ؛ الصّحيح الجديد أنّه ليس بحجّةٍ، والقديم أنّه حجّةٌ،
فإن قلنا هو حجّةٌ قدّم على القياس ولزم التّابعيّ العمل به ولا يجوز مخالفته وهل يخصّ به العموم فيه وجهان وإذا قلنا ليس بحجّةٍ فالقياس مقدّمٌ عليه ويسوغ للتّابعيّ مخالفته.
فأمّا إذا اختلفت الصّحابة رضي اللّه عنهم على قولين فينبني على ما تقدّم فإن قلنا بالجديد لم يجز تقليد واحدٍ من الفريقين بل يطلب الدّليل.
وإن قلنا بالقديم فهما دليلان تعارضا فيرجّح أحدهما على الآخر بكثيرة العدد فإن استوى العدد قدّم بالأئمّة فيقدّم ما عليه إمامٌ منهم على ما لا إمام عليه فإن كان على أحدهما أكثر عددًا وعلى الآخر أقلّ إلّا أنّ مع القليل إمامًا فهما سواءٌ فإن استويا في العدد والأئمّة.
إلّا أنّ في أحدهما أحد الشّيخين أبي بكرٍ وعمر رضي اللّه عنهما وفي الآخر غيرهما ففيه وجهان لا صحابنا أحدهما أنّهما سواءٌ والثّاني يقدّم ما فيه أحد الشّيخين وهذا كلّه مشهورٌ في كتب أصحابنا العراقيّين في الأصول وأوائل كتب الفروع.
والشّيخ أبو إسحاق المصنّف ممّن ذكره في كتابه اللّمع هذا كلّه إذا لم ينتشر قول الصّحابيّ فأمّا إذا انتشر فإن خولف فحكمه ما ذكرناه وإن لم يخالف ففيه خمسة أوجهٍ الأربعة .
الأول ذكرها أصحابنا العراقيّون أحدها أنّه حجّةٌ وإجماعٌ قال المصنّف الشّيخ أبو إسحاق وغيره من أصحابنا العراقيّين هذا الوجه هو المذهب الصّحيح.
والوجه الثّاني أنّه حجّةٌ وليس بإجماعٍ قال المصنّف وغيره هذا قول أبي بكرٍ الصّيرفيّ.
والثّالث إن كان فتيا فقيهٍ فسكتوا عنه فهو حجّةٌ وإن كان حكم إمامٍ أو حاكمٍ فليس بحجّةٍ.
قال المصنّف وغيره هذا قول أبي عليّ بن أبي هريرة.
والرّابع ضدّ هذا أنّه إن كان القائل حاكمًا أو إمامًا كان إجماعًا وإن كان فتيا لم يكن إجماعًا حكاه صاحب الحاوي في خطبة الحاوي والشّيخ أبو محمّدٍ الجوينيّ في أوّل كتابه الفروق
وغيرهما قال صاحب الحاوي هو قول أبي إسحاق المروزيّ.
ودليله أنّ الحكم لا يكون غالبًا إلّا بعد مشورةٍ ومباحثةٍ ومناظرةٍ وينتشر انتشارًا ظاهرًا والفتيا تخالف هذا.
والخامس مشهورٌ عند الخراسانيّين من أصحابنا في كتب الأصول وهو المختار عند الغزاليّ في المستصفى أنّه ليس بإجماعٍ ولا حجّةٍ ثمّ ظاهر كلام جمهور أصحابنا ان القائل المنتشر من غير مخالفةٍ لو كان تابعيًّا أو غيره ممّن بعده فحكمه حكم الصّحابيّ على ما ذكرناه من الأوجه الخمسة وحكي فيه وجهان لأصحابنا منهم من قال حكمه حكمه،
ومنهم من قال لا يكون حجّةً وجهًا واحدًا.
قال صاحب الشّامل الصّحيح أنّه يكون إجماعًا وهذا الّذي صحّحه هو الصّحيح فإنّ التّابعيّ كالصّحابيّ في هذا من حيث إنّه انتشر وبلغ الباقين ولم يخالفوا فكانوا مجمعين وإجماع التّابعين كإجماع الصّحابة.
وأمّا إذا لم ينتشر قول التّابعيّ فلا خلاف أنّه ليس بحجة كذا قاله صاحب الشامل وغيره قالوا ولا يجئ فيه القول القديم الّذي في الصّحابيّ لأنّ الصحابة ورد فيهم الحديث
.
فصلٌ
قال العلماء الحديث ثلاثة أقسامٍ صحيحٌ وحسنٌ وضعيفٌ.
قالوا وإنّما يجوز الاحتجاج من الحديث في الأحكام بالحديث الصّحيح أو الحسن:
فأمّا الضّعيف فلا يجوز الاحتجاج به في الأحكام والعقائد وتجوز روايته والعمل به في غير الأحكام كالقصص وفضائل الأعمال والتّرغيب والتّرهيب
.
فالصّحيح ما اتّصل سنده بنقل العدل الضّابط عن مثله من غير شذوذٍ ولا علّةٍ وفي الشّاذّ خلافٌ.
مذهب الشّافعيّ والمحقّقين أنّه رواية الثّقة ما يخالف الثّقات.
ومذهب جماعاتٍ من أهل الحديث وقيل إنّه مذهب أكثرهم إنّه رواية الثّقة ما لم يروه الثّقات وهذا ضعيفٌ.
وأمّا العلّة فمعنًى خفيٌّ في (الحديث قادحٌ فيه ظاهره السّلامة منه إنّما يعرفه الحذّاق المتقنون الغوّاصون على الدّقائق.
وأمّا الحديث الحسن فقسمان أحدهما ما لا يخلو إسناده من مستورٍ لم يتحقّق أهليّته وليس مقفلا كثير الخطأ ولا ظهر منه سببٌ مفسّقٌ ويكون متن الحديث معروفًا برواية مثله أو نحو من وجهٍ آخر.
والقسم الثّاني أن يكون رواية مشهورًا بالصّدق والأمانة إلّا أنّه يقصّر في الحفظ والإتقان عن رجال الصّحيح بعض القصور.
وأما الضعيف فما ليس صفة الصّحيح ولا صفة الحسن
.
فصلٌ
إذا قال الصّحابيّ أمرنا بكذا أو نهينا عن كذا أو من السّنّة كذا أو مضت السنة بكذا أو السنة بكذا ونحو ذلك فكلّه مرفوعٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم على مذهبنا الصّحيح المشهور ومذهب الجماهير ولا فرق بين أن يقول ذلك في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو بعده صرّح به الغزاليّ وآخرون.
وقال الإمام أبو بكرٍ الإسماعيليّ من أصحابنا له حكم الموقوف على الصّحابيّ.
وأمّا إذا قال
التّابعيّ من السّنّة كذا ففيه وجهان حكاهما القاضي أبو الطّيّب الطّبريّ الصّحيح منهما والمشهور أنّه موقوفٌ على بعض الصّحابة. والثّاني أنّه مرفوعٌ إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ولكنّه مرفوعٌ مرسلٌ.
وإذا قال التّابعيّ أمرنا بكذا قال الغزاليّ يحتمل أن يريد أمر النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو أمر كلّ الأمّة فيكون حجّةً ويحتمل أمر بعض الصّحابة لكن لا يليق بالعالم أن يطلق ذلك إلّا وهو يريد من تجب طاعته فهذا كلام الغزاليّ.
وفيه إشارةٌ إلى خلافٍ في أنّه موقوفٌ أو مرفوعٌ مرسلٌ.
أما إذا قال الصحابي كنا نفعل كذا أو نقول كذا أو كانوا يقولون كذا ويفعلون كذا أو لا يرون بأسًا بكذا أو كان يقال أو يفعل كذا فاختلفوا فيه هل يكون مرفوعًا إلى رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أم لا.
فقال المصنّف في اللّمع إن كان ذلك ممّا لا يخفى في العادة كان كما لو رآه النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ولم ينكره فيكون مرفوعًا.
وإن جاز خفاء عليه صلى الله عليه وسلم يكن مرفوعًا كقول بعض الأنصار كنّا نجامع فنكسل ولا نغتسل فهذا لا يدلّ على عدم وجوب الغسل من الإكسال لأنّه يفعل سرًّا فيخفى.
وقال غير الشّيخ إن أضاف ذلك إلى حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم كان مرفوعًا حجّةً كقوله كنّا نفعله في حياة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو في زمنه أو وهو فينا أو وهو بين أظهرنا.
وإن لم يضفه فليس بمرفوعٍ وبهذا قطع الغزاليّ في المستصفى وكثيرون.
وقال أبو بكرٍ الإسماعيليّ وغيره لا يكون مرفوعا اضافه أو لم يضفه
وظاهر استعمال كثيرين من المحدّثين وأصحابنا في كتب الفقه أنّه مرفوعٌ مطلقًا سواء أضافه أو لم يضفه وهذا قويٌّ فإنّ الظّاهر من قوله كنّا نفعل أو كانوا يفعلون الاحتجاج به وأنّه فعل على وجهٍ يحتجّ به ولا يكون ذلك إلّا في زمن رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ويبلغه.
قال الغزاليّ وأمّا قول التّابعيّ كانوا يفعلون فلا يدلّ على فعل جميع الأمّة بل على البعض فلا حجّة فيه إلّا أن يصرّح بنقله عن أهل الاجماع.
وفي ثبوت الإجماع بخبر الواحد كلامٌ (قلت) اختلفوا في ثبوت الإجماع بخبر الواحد فاختيار الغزاليّ أنّه لا يثبت وهو قول أكثر النّاس، وذهب طائفةٌ إلى ثبوته وهو اختيار الرّازيّ
.
فصلّ الحديث المرسل لا يحتجّ به عندنا وعند جمهور المحدّثين وجماعةٍ من الفقهاء وجماهير أصحاب الأصول والنّظر وحكاه الحاكم أبو عبد اللّه بن البيّع عن سعيد بن المسيّب ومالكٍ وجماعة اهل الحديث والفقهاء الحجاز.
وقال أبو حنيفة ومالكٌ في المشهور عنه وأحمد وكثيرون من الفقهاء أو أكثرهم يحتج به ونقله الغزالي عن الجماهير.
وقال أبو عمر بن عبد البرّ وغيره ولا خلاف أنّه لا يجوز العمل به إذا كان مرسله غير متحرّزٍ يرسل عن غير الثّقات.

ودليلنا في ردّ المرسل مطلقًا أنّه إذا كانت رواية المجهول المسمّى لا تقبل لجهالة حاله فرواية المرسل أولى لأنّ المرويّ عنه محذوفٌ مجهول العين والحال.
ثمّ إنّ مرادنا بالمرسل هنا ما انقطع اسناده
فسقط من رواته واحدٌ فأكثر وخالفنا في حدّه أكثر المحدّثين فقالوا هو رواية التّابعيّ عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم.
قال الشّافعيّ رحمه اللّه وأحتجّ بمرسل كبار التّابعين إذا أسند من جهةٍ أخرى أو أرسله من أخذ عن غير رجال الأوّل ممّن يقبل عنه العلم أو وافق قول بعض الصحابة أو أفتى أكثر العلماء بمقتضاه قال ولا أقبل مرسل غير كبار التّابعين ولا مرسلهم إلّا بالشّرط الّذي وصفته هذا نصّ الشّافعيّ في الرّسالة وغيرها وكذا نقله عنه الأئمّة المحقّقون من أصحابنا الفقهاء والمحدّثين كالبيهقيّ والخطيب البغداديّ وآخرين.
ولا فرق في هذا عنده بين مرسل سعيد بن المسيّب وغيره هذا هو الصّحيح الّذي ذهب إليه المحقّقون.
وقد قال الشّافعيّ في مختصر المزنيّ في آخر باب الرّبا أخبرنا مالكٌ عن زيد بن أسلم عن سعيد بن المسيّب أنّ رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم نهى عن بيع اللّحم بالحيوان وعن ابن عبّاسٍ أنّ جزورا نحرت على عهد ابن بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه فجاء رجلٌ بعناقٍ فقال أعطوني بهذه العناق فقال أبو بكرٍ رضي اللّه عنه لا يصلح هذا.
قال الشّافعيّ وكان القاسم بن محمّدٍ وسعيد بن المسيّب وعروة بن الزّبير وأبو بكر بن عبد الرّحمن يحرّمون بيع اللّحم بالحيوان قال الشّافعيّ وبهذا نأخذ.
قال ولا نعلم أحدًا من أصحاب رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم خالف أبا بكرٍ الصّدّيق رضي اللّه عنه.
قال الشّافعيّ وإرسال ابن المسيّب عندنا حسنٌ هذا نصّ الشّافعيّ في المختصر نقلته بحروفه لما يترتّب عليه من الفوائد.
فإذا عرف هذا فقد اختلف أصحابنا المتقدّمون في معنى قول الشّافعيّ إرسال ابن المسيّب عندنا حسنٌ على وجهين حكاهما المصنّف الشّيخ أبو إسحاق في كتابه اللّمع وحكاهما أيضًا الخطيب البغداديّ في كتابيه كتاب الفقيه والمتفقّه والكفاية وحكاهما جماعاتٌ آخرون.
أحدهما معناه أنّها الحجة عنده بخلاف غيرها من المراسيل.
قالوا لا نها فتّشت فوجدت مسندةً.
والوجه الثّاني أنّها ليست بحجّةٍ عنده بل هي كغيرها على ما ذكرناه.
وقالوا وإنّما رجّح الشّافعيّ بمرسله والتّرجيح بالمرسل جائزه
، قال الخطيب البغداديّ في كتاب الفقيه والمتفقّه والصّواب الوجه الثاني، وأما الأول فليس بشيء وكذا قال في الكفاية الوجه الثّاني هو الصّحيح عندنا من الوجهين لأنّ في مراسيل سعيدٍ ما لم يوجد مسندًا بحالٍ من وجهٍ يصحّ.
قال وقد جعل الشّافعيّ لمراسيل كبار التّابعين مزيّةً على غيرهم كما استحسن مرسل سعيدٍ هذا كلام الخطيب.
وذكر الإمام الحافظ أبو بكرٍ البيهقيّ نصّ الشّافعيّ كما قدّمته، ثمّ قال فالشّافعيّ يقبل مراسيل كبار التابعين إذا انضم إليها ما يؤكد ها فإن لم ينضمّ لم يقبلها سواءٌ كان مرسل ابن المسيّب أو غيره.
قال وقد ذكرنا مراسيل لا بن المسيّب لم يقبلها الشّافعيّ حين لم ينضمّ إليها ما يؤكدها.
ومراسيل لغيره
قال بها حيث انضمّ إليها ما يؤكّدها.
قال وزيادة ابن المسيّب في هذا على غيره أنّه أصحّ التّابعين إرسالًا فيما زعم الحفّاظ.
فهذا كلام البيهقيّ والخطيب وهما إمامان حافظان فقيهان شافعيّان مضطلعان من الحديث والفقه والأصول والخبرة التّامّة بنصوص الشّافعيّ ومعاني كلامه ومحلهما من التحقيق والاتقان والنهاية في الفرقان بالغاية القصوى والدّرجة العليا.
وأمّا قول الإمام أبي بكرٍ القفّال المروزيّ في أوّل كتابه شرح التّلخيص قال الشّافعيّ في الرّهن الصّغير مرسل ابن المسيّب عندنا حجّةٌ فهو محمولٌ على التّفصيل الّذي قدّمناه عن البيهقيّ والخطيب والمحقّقين واللّه أعلم (قلت) ولا يصحّ تعلّق من قال إنّ مرسل سعيدٍ حجّةٌ بقوله إرساله حسنٌ لأنّ الشّافعيّ رحمه اللّه لم يعتمد عليه وحده بل اعتمده لمّا انضمّ إليه قول أبي بكرٍ الصّدّيق ومن حضره وانتهى إليه قوله من الصّحابة رضي اللّه عنهم مع ما انضمّ إليه من قول أئمّة التّابعين الأربعة الّذين ذكرهم وهم أربعةٌ من فقهاء المدينة السّبعة وقد نقل صاحب الشّامل وغيره هذا الحكم عن تمام السّبعة وهو مذهب مالكٍ وغيره فهذا عاضدٌ ثانٍ للمرسل فلا يلزمه من هذا الاحتجاج بمرسل ابن المسيّب إذا لم يعتضد.
فإن قيل ذكرتم أنّ المرسل إذا أسند من جهةٍ أخرى احتجّ به وهذا القول فيه تساهلٌ لأنّه إذا أسند عملنا بالمسند فلا فائدة حينئذٍ في المرسل ولا عمل به فالجواب أنّ بالمسند يتبيّن صحّة المرسل وأنّه ممّا يحتجّ به فيكون في المسألة حديثان صحيحان حتّى لو عارضهما حديثٌ صحيحٌ من طريقٍ واحدٍ وتعذّر الجمع قدّمناهما عليه واللّه أعلم.
هذا كلّه في غير مرسل الصّحابيّ أمّا مرسل الصحابي كاخباره عن شيء فعله النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو نحوه ممّا نعلم أنّه لم يحضره لصغر سنّه أو لتأخّر إسلامه أو غير ذلك فالمذهب الصّحيح المشهور الّذي قطع به جمهور أصحابنا وجماهير أهل العلم أنّه حجّةٌ وأطبق المحدّثون المشترطون للصّحيح القائلون بأنّ المرسل
ليس بحجّةٍ على الاحتجاج به وإدخاله في الصّحيح.
وفي صحيح البخاريّ ومسلمٍ من هذا ما لا يحصى.
وقال الاستاذ أبو إسحاق الاسفراينى من أصحابنا لا يحتجّ به بل حكمه حكم مرسل غيره إلّا أن يبيّن أنّه لا يرسل إلّا ما سمعه من النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم أو صحابيٍّ.
قال لا نهم قد يروون عن غير صحابيٍّ.
وحكى الخطيب البغداديّ وآخرون هذا المذهب عن بعض العلماء ولم ينسبوه.
وعزاه الشّيخ أبو إسحاق المصنّف في التّبصرة إلى الأستاذ أبي إسحاق.
والصّواب الأوّل وأنّه يحتجّ به مطلقًا لأنّ روايتهم عن غير الصّحابيّ نادرةٌ وإذا رووها بيّنوها فإذا أطلقوا ذلك فالظّاهر أنّه عن الصّحابة والصّحابة كلّهم عدولٌ واللّه أعلم.
فهذه ألفاظٌ وجيزةٌ في المرسل وهي وإن كانت مختصرةً بالنّسبة إلى غيرها فهي مبسوطةٌ بالنّسبة إلى هذا الموضع فإنّ بسط هذا الفنّ ليس هذا موضعه ولكن حملني على هذا النّوع اليسير من البسط أنّ معرفة المرسل ممّا يعظم الانتفاع بها ويكثر الاحتياج إليها ولا سيّما في مذهبنا خصوصًا هذا الكتاب الّذي شرعت فيه أسأل اللّه الكريم إتمامه على
أحسن الوجوه وأكملها وأتمّها وأعجلها وأنفعها في الآخرة والدّنيا وأكثرها انتفاعًا به وأعمّها فائدةً لجميع المسلمين مع أنه قد شاع في ألسنة كثيرين من المشتغلين بمذهبا بل أكثر أهل زماننا أنّ الشّافعيّ رحمه اللّه لا يحتجّ بالمرسل مطلقًا إلّا مرسل ابن المسيب فانه يحتج به مطلقا وهذان غلطان فإنّه لا يردّه مطلقًا ولا يحتجّ بمرسل ابن المسيّب مطلقًا بل الصّواب ما قدّمناه واللّه أعلم وله الحمد والنّعمة والفضل والمنة.
(فرعٌ)
قد استعمل المصنّف في المهذّب أحاديث كثيرةً مرسلةً واحتجّ بها مع أنّه لا يجوز الاحتجاج بالمرسل وجوابه أنّ بعضها اعتضد بأحد الأمور المذكورة فصار حجّةً وبعضها ذكره للاستئناس ويكون اعتماده على غيره من قياسٍ وغيره.
واعلم أنّه قد ذكر في المهذّب أحاديث كثيرةً.

جعلها هو مرسلةً وليست مرسلةً بل هي مسندةٌ صحيحةٌ مشهورةٌ في الصّحيحين وكتب السّنن وسنبيّنها في مواضعها إن شاء اللّه تعالى كحديث ناقة البراء وحديث الإغارة على بني المصطلق وحديث إجابة الوليمة في اليوم الثالث ونظائرها والله أعلم.
فصلٌ قال العلماء المحقّقون من أهل الحديث وغيرهم إذا كان الحديث ضعيفًا لا يقال فيه قال رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم أو فعل أو أمر أو نهى أو حكم وما أشبه ذلك من صيغ الجزم.
وكذا لا يقال فيه روى أبو هريرة أو قال أو ذكر أو أخبر أو حدّث أو نقل أو أفتى وما أشبهه.
وكذا لا يقال ذلك في التّابعين ومن بعدهم فيما كان ضعيفًا فلا يقال في شيء من ذلك بصيغة الجزم.
وإنّما يقال في هذا كلّه روي عنه أو نقل عنه أو حكي عنه أو جاء عنه أو بلغنا عنه أو يقال أو يذكر أو يحكى أو يروى أو يرفع أو يعزى وما أشبه ذلك من صيغ التّمريض وليست من صيغ الجزم.
قالوا فصيغ الجزم موضوعةٌ للصّحيح أو الحسن وصيغ التّمريض لما سواهما.

وذلك أنّ صيغة الجزم تقتضي صحّته عن المضاف إليه فلا ينبغي أن يطلق إلّا فيما صحّ وإلّا فيكون الإنسان في معنى الكاذب عليه وهذا الأدب أخلّ به المصنّف وجماهير الفقهاء من أصحابنا وغيرهم بل جماهير أصحاب العلوم مطلقًا ما عدا حذّاق المحدّثين وذلك تساهلٌ قبيحٌ فإنّهم يقولون كثيرًا في الصّحيح روي عنه وفي الضّعيف قال وروى فلان وهذا حيد عن الصواب.
فصلٌ صحّ عن الشّافعيّ رحمه اللّه أنّه قال: « إذا وجدتم في كتابي خلاف سنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم فقولوا بسنّة رسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم ودعوا قولي ».
وروي عنه إذا صحّ الحديث خلاف قولي فاعملوا بالحديث واتركوا قولي أو قال فهو مذهبي وروي هذا المعنى بألفاظٍ مختلفةٍ.
وقد عمل بهذا أصحابنا في مسألة التّثويب واشتراط التّحلّل من الإحرام بعذر المرض وغيرهما ممّا هو معروفٌ في كتب المذهب وقد حكى المصنّف ذلك عن الأصحاب فيهما
.
وممّن حكى عنه أنّه أفتى بالحديث من أصحابنا أبو يعقوب البويطيّ وأبو القاسم الدراكي وممّن نصّ عليه أبو الحسن إلكيا الطّبريّ في كتابه في أصول الفقه وممّن استعمله من أصحابنا المحدّثين الإمام أبو بكرٍ البيهقيّ وآخرون.
وكان جماعةٌ من متقدّمي أصحابنا إذا رأوا مسألةً فيها حديثٌ ومذهب الشّافعيّ خلافه عملوا بالحديث وأفتوا به قائلين مذهب الشّافعيّ ما وافق الحديث ولم يتّفق ذلك إلّا نادرًا ومنه ما نقل عن الشّافعيّ فيه قولٌ على وفق الحديث.

وهذا الّذي قاله الشافعي ليس معناه ان كل أحد رأى حديثًا صحيحًا قال هذا مذهب الشّافعيّ وعمل بظاهره.
وإنّما هذا فيمن له رتبة الاجتهاد في المذهب على ما تقدّم من صفته أو قريبٍ منه.
وشرطه أن يغلب على ظنّه أنّ الشّافعيّ رحمه اللّه لم يقف على هذا الحديث أو لم يعلم صحّته.
وهذا إنّما يكون بعد مطالعة كتب الشّافعيّ كلّها ونحوها من كتب أصحابه الآخذين عنه وما أشبهها وهذا شرطٌ صعبٌ قلّ من ينصف به.
وإنّما اشترطوا ما ذكرنا لأنّ الشّافعيّ رحمه اللّه ترك العمل بظاهر أحاديث كثيرةٍ رآها وعلمها لكن قام الدّليل عنده على طعنٍ فيها أو نسخها أو تخصيصها أو تأويلها أو نحو ذلك.
قال الشّيخ أبو عمرٍو رحمه اللّه ليس العمل بظاهر ما قاله الشّافعيّ بالهيّن فليس كلّ فقيهٍ يسوغ له أن يستقلّ بالعمل بما يراه حجّةً من الحديث وفيمن سلك هذا المسلك من الشّافعيّين من عمل بحديثٍ تركه الشّافعيّ رحمه اللّه عمدًا مع علمه بصحّته لمانعٍ اطّلع عليه وخفي على غيره كأبي الوليد موسى بن أبي الجارود ممّن صحب الشّافعيّ قال صحّ حديث أفطر الحاجم والمحجوم فأقول قال الشافعي افطر الحاجم والمحجوم فردوا ذلك على أبي الوليد لأنّ الشّافعيّ تركه مع علمه بصحّته لكونه منسوخًا عنده وبيّن الشّافعيّ نسخه واستدلّ عليه وستراه في كتاب الصّيام إن شاء اللّه تعالى.
وقد قدّمنا عن ابن خزيمة أنّه قال:
« لا أعلم سنّةً لرسول اللّه صلّى اللّه عليه وسلّم في الحلال والحرام لم يودعها الشّافعيّ كتبه وجلالة ابن خزيمة وإمامته في الحديث والفقه ومعرفته بنصوص الشّافعيّ بالمحلّ المعروف ».
قال الشّيخ أبو عمرٍو:
« فمن وجد من الشّافعيّة حديثًا يخالف مذهبه نظران كملت آلات الاجتهاد فيه مطلقًا، أو في ذلك الباب أو المسألة كان له الاستقلال بالعمل به وان لم يكن وشقّ عليه مخالفة الحديث بعد أن بحث فلم يجد لمخالفته عنه جوابًا شافيًا فله العمل به إن كان عمل به إمامٌ مستقلٌّ غير الشّافعيّ ويكون هذا عذرًا له في ترك مذهب إمامه هنا وهذا الّذي قاله حسن متعين والله أعلم ».
فصلٌ اختلف المحدّثون وأصحاب الأصول في جواز اختصار الحديث في الرّواية على مذاهب أصحّها يجوز رواية بعضه إذا كان غير مرتبطٍ بما حذفه بحيث لا تختلف الدّلالة ولا يتغيّر الحكم بذلك ولم نر أحدًا منهم منع من ذلك في الاحتجاج في التّصانيف.
وقد أكثر من ذلك المصنّف في المهذّب وهكذا أطبق عليه الفقهاء من كلّ الطّوائف وأكثر منه أبو عبد اللّه البخاريّ في صحيحه وهو القدوة
.
فصلٌ قد أكثر المصنّف من الاحتجاج برواية عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه عن النّبيّ صلّى اللّه عليه وسلّم ونصّ هو في كتابه اللّمع وغيره من أصحابنا على أنّه لا يجوز الاحتجاج به هكذا.
وسببه أنّه عمرو بن شعيب بن محمّد بن عبد اللّه بن عمرو بن العاص فجدّه الأدنى محمّدٌ تابعيٌّ والأعلى عبد اللّه صحابيٌّ فإن أراد بجدّه الأدنى وهو محمّدٌ فهو مرسلٌ لا يحتجّ به وإن أراد عبد اللّه كان متّصلًا واحتجّ به فإذا أطلق ولم يبيّن احتمل الأمرين فلا يحتجّ به وعمرٌو وشعيبٌ ومحمّدٌ ثقاتٌ وثبت سماع شعيبٍ من محمّدٍ ومن عبد اللّه هذا هو الصّواب الّذي قاله المحقّقون والجماهير.
وذكر أبو حاتم بن حبّان بكسر الحاء أنّ شعيبا لم يلق عبد الله وأبطل الدارقطني وغيره ذلك وأثبتوا سماع شعيبٍ من عبد اللّه وبيّنوه

فإذا عرف هذا فقد اختلف العلماء في الاحتجاج بروايته هكذا فمنعه طائفةٌ من المحدّثين كما منعه المصنّف وغيره من أصحابنا.
وذهب أكثر المحدّثين إلى صحّة الاحتجاج به وهو الصّحيح المختار روى الحافظ عبد الغنيّ بن سعيد المصريّ بإسناده عن البخاريّ أنّه سئل أيحتجّ به فقال رأيت أحمد بن حنبلٍ وعليّ بن المدينيّ والحميديّ وإسحاق بن راهويه يحتجّون بعمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه ما تركه أحدٌ من المسلمين وذكر غير عبد الغنيّ هذه الحكاية
ثم قال: قال البخاري من الناس بعد هم، وحكى الحسن بن سفيان عن إسحاق بن راهويه قال عمرو بن شعيبٍ عن أبيه عن جدّه كأيّوب عن نافعٍ عن ابن عمر وهذا التّشبيه نهاية الجلالة من مثل إسحاق رحمه اللّه.
فاختار المصنّف في اللّمع طريقة أصحابنا في منع الاحتجاج به وترجّح عنده في حال تصنيف المهذّب جواز الاحتجاج به كما قاله المحقّقون من أهل الحديث والأكثرون وهم أهل هذا الفنّ وعنهم يؤخذ ويكفي فيه ما ذكرناه عن إمام المحدّثين البخاريّ ودليله أنّ ظاهره الجدّ الأشهر المعروف بالرّواية وهو عبد الله
.
فصلٌ في بيان القولين والوجهين والطّريقين
فالأقوال للشّافعيّ والأوجه لأصحابه المنتسبين إلى مذهبه يخرّجونها على أصوله ويستنيطونها من قواعده ويجتهدون في بعضها وإن لم يأخذوه من أصله وقد سبق بيان اختلافهم في ان المخرج هل ينسب إلى الشّافعيّ والأصحّ أنّه لا ينسب ثم قد يكون القولان قديمين وقد يكونان جديدين أو قديمًا وجديدًا وقد يقولهما في وقتٍ وقد يقولهما في وقتين قد يرجّح أحدهما وقد لا يرجّح.
وقد يكون الوجهان لشخصين ولشخصٍ والّذي لشخصٍ ينقسم كانقسام القولين.
وأمّا الطّرق فهي اختلاف الأصحاب في حكاية المذهب فيقول بعضهم مثلًا في المسألة قولان أو وجهان ويقول الآخر لا يجوز قولًا واحدًا أو وجهًا واحدًا أو يقول أحدهما في المسألة تفصيلٌ ويقول الآخر فيها خلافٌ مطلقٌ.
وقد يستعملون الوجهين في موضع الطّريقين وعكسه، وقد استعمل المصنّف في المهذّب النّوعين.
فمن الأوّل قوله في مسألة ولوغ الكلب وفي موضع لقولين وجهان.
ومنه قوله في باب كفّارة الظّهار إذا أفطرت المرضع ففيه وجهان: أحدهما: على قولين، والثّاني: ينقطع التّتابع قولًا واحدًا،
ومنه قوله في آخر
القسمة وإن استحقّ بعد القسمة جزءٌ مشاعٌ بطلت فيه وفي الباقي وجهان أحدهما على قولين والثّاني يبطل.
ومنه قوله في زكاة الدّين المؤجّل وجهان أحدهما على قولين والثّاني يجب.
ومنه ثلاثة مواضع متواليةٍ في أوّل باب عدد الشّهود أوّلها قوله وان كان المقرأ عجميا ففي التّرجمة وجهان أحدهما يثبت باثنين والثّاني على قولين كالإقرار.
ومن النّوع الثّاني قوله في قسم الصّدقات وإن وجد في البلد بعض الاناف فطريقان أحدهما يغلّب حكم المكان والثّاني الأصناف.
ومنه قوله في السلم في الجارية الحامل طريقان أحدهما لا يجوز والثّاني يجوز وإنّما استعملوا هذا لأنّ الطّرق والوجوه تشترك في كونها من كلام الأصحاب وستأتي في مواضعها زيادةٌ في شرحها إن شاء الله تعالى
.
فصل كلّ مسألةٍ فيها قولان للشّافعيّ رحمه اللّه قديمٌ وجديدٌ فالجديد هو الصّحيح وعليه العمل لأنّ القديم مرجوعٌ عنه واستثنى جماعةٌ من أصحابنا نحو عشرين مسألةً أو أكثر وقالوا يفتى فيها بالقديم وقد يختلفون في كثيرٍ منها.
قال إمام الحرمين في النّهاية في باب المياه وفي باب الأذان قال الأئمّة كلّ قولين قديمٌ وجديدٌ فالجديد أصحّ إلّا في ثلاث مسائل التّثويب في أذان الصّبح القديم استحبابه.
ومسألة التّباعد عن النّجاسة في الماء الكثير القديم أنّه لا يشترط ولم يذكر الثّالثة هنا.
وذكر في مختصر النّهاية أنّ الثّالثة تأتي في زكاة التّجارة.
وذكر في النّهاية عند ذكره قراءة السّورة في الرّكعتين الأخيرتين أنّ القديم أنّه لا يستحبّ قال وعليه العمل.
وذكر بعض المتأخّرين من أصحابنا أنّ المسائل الّتي يفتى بها على القديم أربع عشرة فذكر الثّلاث المذكورات.
ومسألة الاستنجاء بالحجر فيما جاوز المخرج والقديم جوازه.
ومسألة لمس المحارم والقديم لا ينقض.
ومسألة الماء الجاري القديم لا ينجس إلّا بالتّغيّر.
ومسألة تعجيل العشاء القديم أنّه أفضل.
ومسألة وقت المغرب والقديم امتداده إلى غروب الشّفق.
ومسألة المنفرد إذا نوى الاقتداء في أثناء الصّلاة القديم جوازه.
ومسألة أكل جلد الميتة المدبوغ القديم تحريمه.
ومسألة وطئ المحرم يملك اليمين القديم أنّه يوجب الحدّ.
ومسألة تقليم أظفار الميّت القديم
كراهته.
ومسألة شرط التّحلّل من الإحرام بمرضٍ ونحوه القديم جوازه.
ومسألة اعتبار النّصاب في
الزّكاة القديم لا يعتبر.
وهذه المسائل الّتي ذكرها هذا القائل ليست متّفقًا عليها بل خالف جماعاتٌ من الأصحاب في بعضها أو أكثرها ورجّحوا الجديد.
ونقل جماعاتٌ في كثيرٍ منها قولًا آخر في الجديد يوافق القديم فيكون العمل على هذا الجديد لا القديم.
وأمّا حصره المسائل الّتي يفتى فيها على القديم في هذه فضعيفٌ أيضًا فإنّ لنا مسائل أخر صحّح الأصحاب أو أكثرهم أو كثيرٌ منهم فيها القديم.
منها الجهر بالتّأمين للمأموم في صلاةٍ جهريّةٍ القديم استحبابه وهو الصّحيح عند الأصحاب وإن كان القاضي حسينٌ قد خالف الجمهور فقال في تعليقه القديم أنّه لا يجهر.
ومنها من مات وعليه صومٌ القديم يصوم عنه وليّه وهو الصّحيح عند المحقّقين للأحاديث الصّحيحة فيه.
ومنها استحباب الخطّ بين يدي المصلّي إذا لم يكن معه عصًا ونحوها القديم استحبابه وهو الصّحيح عند المصنّف وجماعاتٍ.
ومنها إذا امتنع أحد الشّريكين من عمارة الجدار أجبر على القديم وهو الصّحيح عند ابن الصّبّاغ وصاحبه الشّاشيّ وأفتى به الشّاشيّ. ومنها الصّداق في يد الزّوج مضمونٌ ضمان اليد على القديم وهو الأصحّ عند الشّيخ أبي حامدٍ وابن الصّبّاغ واللّه أعلم
.
ثمّ إنّ أصحابنا أفتوا بهذه المسائل من القديم مع أنّ الشّافعيّ رجع عنه فلم يبق مذهبًا له هذا هو الصّواب الّذي قاله المحقّقون وجزم به المتقنون من أصحابنا وغيرهم.
وقال بعض أصحابنا إذا نصّ المجتهد على خلاف قوله لا يكون رجوعًا عن الأوّل بل يكون له قولان.
قال الجمهور هذا غلطٌ لأنّهما كنصّين للشّارع تعارضا وتعذّر الجمع بينهما يعمل بالثّاني ويترك الأوّل.
قال إمام الحرمين في باب الآنية من النّهاية معتقدي أنّ الأقوال القديمة ليست من مذهب الشّافعيّ حيث كانت لأنّه جزم في الجديد بخلافها والمرجوع عنه ليس مذهبًا للرّاجع.
فإذا علمت حال القديم ووجدنا أصحابنا أفتوا بهذه المسائل على القديم حملنا ذلك على أنّه أدّاهم اجتهادهم إلى القديم لظهور دليله وهم مجتهدون فأفتوا به ولا يلزم من ذلك نسبته إلى الشّافعيّ ولم يقل أحدٌ من المتقدّمين في هذه المسائل أنّها مذهب الشّافعيّ أو أنّه استثناها.
قال أبو عمر وفيكون اختيار أحدهم للقديم فيها من قبيل اختياره مذهب غير الشّافعيّ إذا أدّاه اجتهاده إليه فانه إن كان إذا اجتهادٍ اتّبع اجتهاده وإن كان اجتهاده مقيّدًا مشوبًا بتقليدٍ نقل ذلك الشّوب من التّقليد عن ذلك الإمام وإذا أفتى بيّن ذلك في فتواه فيقول مذهب الشّافعيّ كذا ولكنّي أقول بمذهب
أبي حنيفة وهو كذا.
قال أبو عمرٍو ويلتحق بذلك ما إذا اختار أحدهم القول المخرّج على القول المنصوص أو اختار من قولين رجّح الشّافعيّ أحدهما غير ما رجّحه بل هذا أولى من القديم.
قال ثمّ حكم من لم يكن أهلًا للترجيح ان لا يتبعوا شيئا من اختيار انهم المذكورة لأنه مقلد للشافعي فدون غيره.
قال
وإذا لم يكن اختياره لغير مذهب إمامه بنى على اجتهادٍ فإن ترك مذهبه إلى اسهل منها فالصّحيح تحريمه وإن تركه إلى أحوط فالظّاهر جوازه عليه بيان ذلك في فتواه هذا كلام أبي عمرٍو
فالحاصل أنّ من ليس أهلًا للتّخريج يتعيّن عليه العمل والإفتاء بالجديد من غير استثناءٍ ومن هو أهلٌ للتّخريج والاجتهاد في المذهب يلزمه اتّباع ما اقتضاه الدّليل في العمل والفتيا مبيّنًا في فتواه أنّ هذا رأيه وأنّ مذهب الشّافعيّ كذا وهو ما نصّ عليه في الجديد هذا كلّه في قديمٍ لم يعضده حديثٌ صحيحٌ: أمّا قديمٌ عضده نصّ حديثٍ صحيحٍ لا معارض له فهو مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه ومنسوبٌ إليه إذا وجد الشّرط الّذي قدّمناه فيما إذا صحّ الحديث على خلاف نصّه واللّه أعلم
واعلم أنّ قولهم القديم ليس مذهبًا للشّافعيّ أو مرجوعا عنه أو لا فتوى عليه المراد به قديمٌ نصّ في الجديد على خلافه أمّا قديمٌ لم يخالفه في الجديد أو لم يتعرّض لتلك المسألة في الجديد فهو مذهب الشّافعيّ واعتقاده ويعمل به ويفتى عليه فإنّه قاله ولم يرجع عنه وهذا النّوع وقع منه مسائل كثيرةٌ ستأتي في مواضعها إن شاء اللّه وإنّما أطلقوا أنّ القديم مرجوعٌ عنه ولا عمل عليه لكون غالبه كذلك
(فرعٌ)
ليس للمفتي ولا للعامل المنتسب إلى مذهب الشّافعيّ رحمه اللّه في مسألة القولين أو الوجهين أن يعمل بما شاء منهما بغير نظرٍ بل عليه في القولين العمل بآخرهما إن علمه وإلّا فبالّذي رجّحه الشّافعيّ فإن قالهما في حالةٍ ولم يرجّح واحدًا منهما وسنذكر إن شاء اللّه تعالى أنّه لم يوجد هذا إلّا في ستّ عشرة أو سبع عشرة مسألةً أو نقل عنه قولان ولم يعلم أقالهما في وقتٍ أم في وقتين وجهلنا السّابق وجب البحث عن أرجحهما فيعمل به فإن كان أهلًا للتّخريج أو الترجيح استقلّ
به متعرّفًا ذلك من نصوص الشّافعيّ ومأخذه وقواعده فإن لم يكن أهلًا فلينقله عن أصحابنا الموصوفين بهذه الصّفة فإنّ كتبهم موضّحةٌ لذلك فإن لم يحصل له ترجيحٌ بطريقٍ توقّف حتّى يحصل
وأمّا الوجهان فيعرف الرّاجح منهما بما سبق إلّا أنّه لا اعتبار فيهما بالتّقدّم والتّأخّر إلّا إذا وقعا من شخصٍ واحدٍ وإذا كان أحدهما منصوصًا والآخر مخرّجًا، فالمنصوص هو الصّحيح الّذي عليه العمل غالبًا كما إذا رجّح الشّافعيّ أحدهما بل هذا أولى إلّا إذا كان المخرّج من مسألةٍ يتعذّر فيها الفرق فقيل لا يترجّح عليه المنصوص وفيه احتمالٌ وقلّ أن يتعذّر الفرق أمّا إذا وجد من ليس أهلًا للتّرجيح خلافًا بين الأصحاب في الرّاجح من قولين أو وجهين، فليعتمد ما صحّحه الأكثر والأعلم والأورع، فإن تعارض الأعلم والأورع قدّم الأعلم، فإن لم يجد ترجيحًا عن أحدٍ اعتبر صفات النّاقلين للقولين والقائلين للوجهين فما رواه البويطيّ والرّبيع المراديّ والمزنيّ عن الشّافعيّ مقدّمٌ عند أصحابنا على ما رواه الربيع الجيزى وحرملة كذا نقله أبو سليمان الخطّابيّ عن أصحابنا في أوّل معالم السّنن إلّا أنّه لم يذكر البويطيّ فألحقته أنا لكونه أجلّ من الرّبيع المراديّ والمزنيّ وكتابه مشهورٌ فيحتاج إلى ذكره.
قال الشّيخ أبو عمرٍو ويترجّح أيضًا ما وافق أكثر أئمّة المذاهب وهذا الّذي قاله فيه ظهورٌ واحتمالٌ وحكى القاضي حسينٌ فيما إذا كان للشّافعيّ قولان أحدهما يوافق أبا حنيفة وجهين لأصحابنا.
أحدهما

أنّ القول المخالف أولى وهذا قول الشّيخ أبي حامد الاسفراينى فان الشافعي انما خالفه لا طلاعه على موجب المخالفة
والثّاني القول الموافق أولى وهو قول القفّال وهو الأصحّ والمسألة المفروضة فيما إذا لم يجد مرجّحًا ممّا سبق وأمّا إذا رأينا المصنّفين المتأخّرين مختلفين فجزم أحدهما بخلاف ما جزم به الآخر فهما كالوجهين المتقدّمين على ما ذكرناه من الرّجوع إلى البحث على ما سبق ويرجّح أيضًا بالكثرة كما في الوجهين ويحتاج حينئذٍ إلى بيان مراتب الأصحاب ومعرفة طبقاتهم وأحوالهم وجلالتهم.
وقد بيّنت ذلك في تهذيب الأسماء واللّغات بيانًا حسنًا وهو كتابٌ جليلٌ لا يستغني طالب علمٍ من العلوم كلّها عن مثله.
وذكرت في كتاب طبقات الفقهاء من ذكرته منهم أكمل من ذلك وأوضح وأشبعت القول فيهم وأنا ساعٍ في إتمامه أسأل اللّه الكريم توفيقي له ولسائر وجوه الخير

واعلم أنّ نقل أصحابنا العراقيّين لنصوص الشّافعيّ وقواعد مذهبه ووجوه متقدّمي أصحابنا أتقن وأثبت من نقل الخراسانيّين غالبًا والخراسانيّون أحسن تصرّفًا وبحثًا وتفريعا وترتيبا غالبا.
ومما يتبغى أن يرجّح به أحد القولين، وقد أشار الأصحاب إلى التّرجيح به، أن يكون الشّافعيّ ذكره في بابه ومظنّته وذكر الآخر في غير بابه بأن جرى بحثٌ وكلامٌ جرّ إلى ذكره فالّذي ذكره في بابه أقوى لأنّه أتى به مقصودًا وقرّره في موضعه بعد فكرٍ طويلٍ بخلاف ما ذكره في غير بابه استطرادا فلا يعتنى به اعتناؤه بالأوّل، وقد صرّح أصحابنا بمثل هذا التّرجيح في مواضع لا تنحصر ستراها في هذا الكتاب في مواطناها إن شاء اللّه تعالى وباللّه التّوفيق
.
فصلٌحيث أطلق في المهذّب أبا العبّاس فهو ابن سريجٍ أحمد بن عمر بن سريجٍ وإذا أراد أبا العبّاس ابن القاصّ قيّده.
وحيث أطلق أبا إسحاق فهو المروزيّ.
وحيث أطلق أبا سعيدٍ من الفقهاء فهو الإصطخريّ ولم يذكر أبا سعيدٍ من الفقهاء غيره ولم يذكر في المهذّب أبا إسحاق الاسفراينى الأستاذ المشهور بالكلام والأصول وإن كان له وجوهٌ كثيرةٌ في كتب الأصحاب.
وأمّا أبو حامد ففى المهذب اثنان من أصحابنا أحدهما القاضي أبو حامدٍ المروروذيّ.
والثّاني الشّيخ أبو حامد الاسفرايني لكنّهما يأتيان مقيّدين بالقاضي والشّيخ فلا يلتبسان وليس فيه أبو حامد غيرهما لامن أصحابنا ولا من غيرهم.
وفيه أبو عليّ ابن خبران وابن أبي هريرة والطّبريّ ويأتون موصوفين.
ولا ذكر لابي عليٍّ السّنجيّ في المهذّب وإنّما يتكرّر في الوسيط والنّهاية وكتب متأخّري الخراسانيّين.
وفيه أبو القاسم جماعة أو لهم الأنماطيّ ثمّ الدّاركيّ ثمّ ابن كجٍّ والصّيمريّ وليس فيه أبو القاسم غير هؤلاء الأربعة.
وفيه أبو الطّيّب اثنان فقط من أصحابنا أوّلهما ابن سلمة والثّاني القاضي أبو الطّيّب شيخ المصنّف ويأتيان موصوفين.
وحيث أطلق في المهذّب عبد اللّه في الصّحابة فهو ابن مسعودٍ وحيث أطلق الرّبيع من أصحابنا فهو الرّبيع بن سليمان المراديّ صاحب الشّافعيّ وليس في المهذّب الرّبيع غيره لا من الفقهاء ولا من غير هم إلّا الرّبيع بن سليمان الجيزيّ في مسألة دباغ الجلد هل يطهّر الشّعر.
وفيه عبد اللّه بن زيدٍ من الصّحابة اثنان أحدهما الّذي
رأى الأذان وهو عبد اللّه بن زيد بن عبد ربّه الأوسيّ والآخر عبد اللّه بن زيد بن عاصمٍ المازنيّ وقد يلتبسان على من لا أنس له بالحديث وأسماء الرّجال فيتوهّمان واحدًا لكونهما يأتيان على صورةٍ واحدةٍ وذلك خطأٌ.
فأمّا ابن عبد ربّه فلا ذكر له في المهذّب إلّا في باب الأذان.
وأمّا ابن عاصمٍ فمتكرّرٌ ذكره في المهذّب في مواضع من صفة الوضؤء ثمّ في مواضع من صلاة الاستسقاء ثمّ في أوّل باب الشّكّ في الطّلاق وقد أو ضحتهما أكمل إيضاحٍ في تهذيب الأسماء واللّغات.
وحيث ذكر عطاءٌ في المهذّب فهو عطاء بن أبي رباحٍ ذكره في الحيض ثمّ في اول صلاة المسافر ثم في مسألة النقاء الصّفّين من كتاب السّير.
وفي التّابعين أيضًا جماعاتٌ يسمون عطاءً لكن لا ذكر لأحدٍ منهم في المهذّب غير ابن أبي رباحٍ.
وفيه من الصّحابة معاوية اثنان أحدهما معاوية بن الحكم ذكره في باب ما يفسد الصّلاة لا ذكر له في المهذّب في غيره.
والآخر معاوية بن أبي سفيان الخليفة أحد كتّاب الوحي تكرّر ويأتي مطلقًا غير منسوبٍ.
وفيه من الصّحابة معقلٌ اثنان أحدهما معقل بن يسارٍ بياءٍ قبل السّين مذكورٌ في أوّل الجنائز.
والآخر معقل بن سنانٍ بسينٍ ثمّ نونٍ في كتاب الصّداق في حديث بروع.
وفيه أبويحيي البلخيّ من أصحابنا ذكره في مواضع من المهذّب.
منها مواقيت
الصلاة وكتاب الحج وليس فيه أبويحيى غيره.
وفيه أبوتحيي بتاءٍ مثنّاةٍ فوق مكسورةٍ يروي عن عليّ بن أبي طالبٍ رضي اللّه عنه في آخر قتال أهل البغي ولا ذكر له في غير هذا الموضع من المهذّب.
وفيه القفّال ذكره في موضعٍ واحدٍ وهو في أوّل النّكاح في مسألة تزويج بنت ابنه بابن ابنه وهو القفّال الكبير الشّاشيّ ولا ذكر للقفّال في المهذّب إلّا في هذا الموضع وليس للقفّال المروزيّ الصّغير في المهذّب ذكرٌ وهذا المروزيّ هو المتكرّر في كتب متأخّري الخراسانيّين كالإبانة وتعليق القاضي حسينٍ وكتاب المسعوديّ وكتب الشّيخ أبي محمّدٍ الجوينيّ وكتب الصّيدلانيّ وكتب أبي عليٍّ السّنجيّ وهؤلاء تلامذته.
والنّهاية وكتب الغزاليّ والتّتمّة والتّهذيب والعدّة وأشباهها وقد أوضحت حال القفّالين في تهذيب الأسماء واللّغات.
وفي كتاب الطّبقات وسأوضح إن شاء اللّه تعالى حالهما هنا إن وصلت موضع ذكر القفّال وكذلك أوضح باقي المذكورين في مواضعهم كما شرطته في الخطبة

إن شاء اللّه تعالى وحيث أطلقت أنا في هذا الشّرح ذكر القفّال فمرادي به المروزيّ لأنّه أشهر في نقل المذهب بل مدار طريقة خراسان عليه: وأمّا الشّاشيّ فذكره قليلٌ بالنّسبة إلى المروزيّ في المذهب فإذا أردت الشّاشيّ قيّدته فوصفته بالشّاشيّ وقصدت ببيان هذه الأحرف تعجيل فائدةٍ لمطالع هذا الكتاب فربّما أدركتني الوفاة أو غيرها من القاطعات قبل وصولها ورأيتها مهمّةً لا يستغني مشتغلٌ بالمهذّب عن معرفتها وأسأل اللّه خاتمة الخير واللّطف وباللّه التوفيق.
فصلٌ المزنيّ وأبو ثورٍ وأبو بكر بن المنذر أئمّةٌ مجتهدون وهم منسوبون إلى الشّافعيّ:
فأمّا المزنيّ وأبو ثورٍ فصاحبان للشّافعيّ حقيقةً وابن المنذر متأخّرٌ عنهما.
وقد صرّح في المهذّب في مواضع كثيرةٍ بأنّ الثّلاثة من أصحابنا أصحاب الوجوه وجعل أقوالهم وجوهًا في المذهب وتارةً يشير إلى أنّها ليست وجوهًا ولكنّ الأوّل ظاهرٌ إيراده إيّاها فإنّ عادته في المهذّب أن لا يذكر أحدًا من الائمة أصحاب المذاهب غير أصحابنا إلا في نحو قوله يستحبّ كذا للخروج من خلاف مجاهدٍ أو عمر بن عبد العزيز أو الزّهريّ أو مالكٍ وأبي حنيفة وأحمد وشبه ذلك.
ويذكر قول أبي ثورٍ والمزنيّ وابن المنذر ذكر الوجوه ويستدلّ له ويجيب عنه.
وقد قال إمام الحرمين في باب ما ينقض الوضوء من النّهاية إذا انفرد المزنيّ برأيٍ فهو صاحب مذهبٍ وإذا خرّج للشّافعيّ قولًا فتخريجه أولى من تخريج غيره وهو ملتحقٌ بالمذهب لا محالة وهذا الّذي قاله الإمام حسنٌ لا شكّ أنّه متعيّنٌ

فرعٌ ان استغرب من لا انس له بالمهذب الموضع الّذي صرّح صاحب المهذّب فيه بأنّ أبا ثورٍ وابن المنذر من أصحابنا دلّلناه وقلنا ذكر في أوّل الغصب في مسألة من ردّ المغصوب ناقص القيمة دون العين أنّ أبا ثورٍ من أصحابنا وذكر نحوه في ابن المنذر في صفة الصّلاة في آخر فصلٍ ثمّ يسجد سجدةً أخرى
فرعٌ اعلم أنّ صاحب المهذّب أكثر من ذكر أبي ثورٍ لكنّه لا ينصفه فيقول قال أبو ثورٍ كذا وهو خطأٌ
والتزم هذه العبارة في أقواله وربّما كان قول أبي ثورٍ أقوى دليلًا من المذهب في كثيرٍ من المسائل.
وأفرط المصنّف في استعمال هذه العبارة حتّى في عبد اللّه بن مسعودٍ الصّحابيّ رضي الله عنه الذي محله من الفقه وأنواع العلم معروفٌ قلّ من يساويه فيه من الصّحابة فضلًا عن غيرهم لا سيّما الفرائض فحكى عنه في باب الجدّ والإخوة مذهبه في المسألة المعروفة بمربّعة ابن مسعودٍ ثمّ قال وهذا خطأٌ.
ولا يستعمل المصنّف هذه العبارة غالبًا في آحاد أصحابنا أصحاب الوجوه الّذين لا يقاربون أبا ثورٍ وربما كانت أوجههم ضعيفةً بل واهيةً وقد أجمع نقلة العلم على جلالة أبي ثورٍ وإمامته وبراعته في الحديث والفقه وحسن مصنّفاته فيهما مع الجلالة والإتقان.
وأحواله مبسوطةٌ في تهذيب الأسماء وفي الطّبقات رحمه اللّه

فهذا آخر ما تيسّر من المقدمات ولولا خوف إملال مطالعه لذكرت فيه مجلّداتٍ
من النفايس المهمّة والفوائد المستجادّات
لكنّها تأتي إن شاء اللّه تعالى مفرّقةً في مواطنها من الأبواب.
وأرجو اللّه النّفع بكلّ ما ذكرته وما سأذكره إن شاء الله لي ولوالدي ومشايخي وسائر أحبائي والمسلمين أجمعين إنّه الواسع الوهّاب وهذا حين أشرع في شرح أصل المصنّف رحمه اللّه). [المجموع شرح المهذب: 1/58-72]


رد مع اقتباس