عرض مشاركة واحدة
  #8  
قديم 11 جمادى الآخرة 1435هـ/11-04-2014م, 08:11 AM
محمد أبو زيد محمد أبو زيد غير متواجد حالياً
إدارة الجمهرة
 
تاريخ التسجيل: Nov 2008
المشاركات: 25,303
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {شَهِدَ اللَّهُ أَنَّهُ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ وَالْمَلَائِكَةُ وَأُولُو الْعِلْمِ قَائِمًا بِالْقِسْطِ لَا إِلَهَ إِلَّا هُوَ الْعَزِيزُ الْحَكِيمُ (18) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {شهد اللّه أنّه لا إله إلاّ هو والملائكة وأولوا العلم قائماً بالقسط لا إله إلاّ هو العزيز الحكيم (18)}.أصل شهد في كلام العرب حضر، ومنه قوله تعالى: {فمن شهد منكم الشّهر فليصمه} [البقرة 185] ثم صرفت الكلمة حتى قيل في أداء ما تقرر علمه في النفس بأي وجه تقرر من حضور أو غيره: شهد يشهد فمعنى شهد اللّه أعلم عباده بهذا الأمر الحق وبينه، وقال أبو عبيدة: «شهد اللّه معناه، قضى الله» وهذا مردود من جهات، وقرأ جميع القراء: أنّه لا إله بفتح الألف من أنّه وبكسرها من قوله: {إنّ الدّين} [آل عمران: 19] واستئناف الكلام، وقرأ الكسائي وحده «أن الدين» بفتح الألف، قال أبو علي: «أن بدل من أنّه الأولى، وإن شئت جعلته من بدل الشيء من الشيء وهو هو، لأن الإسلام هو التوحيد والعدل، وإن شئت جعلته من بدل الاشتمال لأن الإسلام يشتمل على التوحيد والعدل، وإن شئت جعلت «إن الدين» بدلا من القسط لأنه هو في المعنى»، ووجه الطبري هذه القراءة، بأن قدر في الكلام واو عطف ثم حذفت وهي مرادة كأنه قال: {وإنّ الدّين} [آل عمران: 19] وهذا ضعيف، وقرأ عبد الله بن العباس: «إنه لا إله إلا هو» بكسر الألف من «إنه»، وقرأ «أن الدين» بفتح الألف، فأعمل شهد في «أن الدين وجاء قوله: «إنه لا إله إلا هو» اعتراضا جميلا في نفس الكلام المتصل، وتأول السدي الآية على نحو قراءة ابن عباس فقال: «الله وملائكته والعلماء يشهدون: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام} [آل عمران: 19] وقرأ أبو المهلب عم محارب بن دثار، «شهداء الله» على وزن فعلاء، وبالإضافة إلى المكتوبة، قال أبو الفتح، هو نصب على الحال من الضمير في {المستغفرين} [آل عمران: 17] وهو جمع شهيد أو جمع شاهد كعالم وعلماء، وروي عن أبي المهلب هذا أنه قرأ «شهد الله» برفع الشهداء، وروي عنه أنه قرأ «شهد» الله» على وزن- فعل- بضم الفاء والعين ونصب شهداء على الحال، وحكى النقاش أنه قرئ «شهد الله» بضم الشين والهاء، والإضافة إلى المكتوبة قال: فمنهم من نصب الدال ومنهم من رفعها، وأصوب هذه القراءات قراءة الجمهور، وإبقاع الشهادة على التوحيد، والملائكة وأولوا العلم عطف على اسم الله تعالى، وعلى بعض ما ذكرناه من القراءات يجيء قوله: {والملائكة وأولوا العلم} ابتداء وخبره مقدر، كأنه قال: والملائكة وأولوا العلم يشهدون وقائماً نصب على الحال من اسمه تعالى في قوله: {شهد اللّه} أو من قوله إلّا هو وقرأ ابن مسعود «القائم بالقسط» والقسط العدل). [المحرر الوجيز: 2/ 178-179]

تفسير قوله تعالى: {إِنَّ الدِّينَ عِنْدَ اللَّهِ الْإِسْلَامُ وَمَا اخْتَلَفَ الَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ إِلَّا مِنْ بَعْدِ مَا جَاءَهُمُ الْعِلْمُ بَغْيًا بَيْنَهُمْ وَمَنْ يَكْفُرْ بِآَيَاتِ اللَّهِ فَإِنَّ اللَّهَ سَرِيعُ الْحِسَابِ (19) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {إنّ الدّين عند اللّه الإسلام وما اختلف الّذين أوتوا الكتاب إلاّ من بعد ما جاءهم العلم بغياً بينهم ومن يكفر بآيات اللّه فإنّ اللّه سريع الحساب (19)}
قد تقدم ذكر اختلاف القراء في كسر الألف من إنّ الدّين وفتحها، والدّين في هذه الآية الطاعة والملة، والمعنى، أن الدين المقبول أو النافع أو المقرر، والإسلام في هذه الآية هو الإيمان والطاعة، قاله أبو العالية وعليه جمهور المتكلمين، وعبر عنه قتادة ومحمد بن جعفر بن الزبير بالإيمان.
قال أبو محمد رحمه الله: «ومرادهما أنه مع الأعمال، والإسلام هو الذي سأل عنه جبريل النبي عليه السلام حين جاء يعلم الناس دينهم الحديث وجواب النبي له في الإيمان والإسلام يفسر ذلك، وكذلك تفسيره قوله عليه السلام: بني الإسلام على خمس، الحديث، وكل مؤمن بنبيه ملتزم لطاعات شرعه فهو داخل تحت هذه الصفة»، وفي قراءة ابن مسعود «إن الدين عند الله للإسلام» باللام ثم أخبر تعالى عن اختلاف أهل الكتاب، أنه كان على علم منهم بالحقائق، وأنه كان بغيا وطلبا للدنيا، قاله ابن عمر وغيره.
والّذين أوتوا الكتاب لفظ يعم اليهود والنصارى، لكن الربيع بن أنس قال: «المراد بهذه الآية اليهود، وذلك أن موسى عليه السلام، لما حضرته الوفاة، دعا سبعين حبرا من أحبار بني إسرائيل فاستودعهم التوراة، عند كل حبر جزء، واستخلف يوشع بن نون فلما مضت ثلاثة قرون، وقعت الفرقة بينهم»، وقال محمد بن جعفر بن الزبير: «المراد بهذه الآية النصارى، وهي توبيخ لنصارى نجران»، وبغياً نصب على المفعول من أجله أو على الحال من الّذين ثم توعد عز وجل الكفار، وسرعة الحساب يحتمل أن يراد بها سرعة مجيء القيامة والحساب إذ هي متيقنة الوقوع، فكل آت قريب ويحتمل أن يراد بسرعة الحساب أن الله تعالى بإحاطته بكل شيء علما لا يحتاج إلى عد ولا فكرة، قاله مجاهد). [المحرر الوجيز: 2/ 180-181]

تفسير قوله تعالى: {فَإِنْ حَاجُّوكَ فَقُلْ أَسْلَمْتُ وَجْهِيَ لِلَّهِ وَمَنِ اتَّبَعَنِ وَقُلْ لِلَّذِينَ أُوتُوا الْكِتَابَ وَالْأُمِّيِّينَ أَأَسْلَمْتُمْ فَإِنْ أَسْلَمُوا فَقَدِ اهْتَدَوْا وَإِنْ تَوَلَّوْا فَإِنَّمَا عَلَيْكَ الْبَلَاغُ وَاللَّهُ بَصِيرٌ بِالْعِبَادِ (20) }
قالَ عَبْدُ الحَقِّ بنُ غَالِبِ بنِ عَطِيَّةَ الأَنْدَلُسِيُّ (ت:546هـ) : (قوله تعالى: {فإن حاجّوك فقل أسلمت وجهي للّه ومن اتّبعن وقل للّذين أوتوا الكتاب والأمّيّين أأسلمتم فإن أسلموا فقد اهتدوا وإن تولّوا فإنّما عليك البلاغ واللّه بصيرٌ بالعباد (20)}
حاجّوك فاعلوك من الحجة والضمير في حاجّوك لليهود ولنصارى نجران والمعنى: إن جادلوك وتعنتوا بالأقاويل المزورة، والمغالطات فاسند إلى ما كلفت من الإيمان والتبليغ وعلى الله نصرك، وقوله وجهي يحتمل أن يراد به المقصد كما تقول خرج فلان في وجه كذا فيكون معنى الآية: جعلت مقصدي لله، ويحتمل أن يكون معنى الآية، أسلمت شخصي وذاتي وكليتي وجعلت ذلك لله، وعبر بالوجه إذ الوجه أشرف أعضاء الشخص وأجمعها للحواس، وقد قال حذاق المتكلمين في قوله تعالى: {ويبقى وجه ربّك} [الرحمن: 27] أنها عبارة عن الذات، وأسلمت في هذا الموضع بمعنى دفعت وأمضيت وليست بمعنى دخلت في السلم لأن تلك لا تتعدى، وقوله تعالى: {ومن اتّبعن} في موضع رفع عطف على الضمير في موضع خفض عطفا على اسم الله تعالى كأنه يقول: جعلت مقصدي لله بالإيمان به والطاعة له، ولمن اتبعن بالحفظ له والتحفي بتعليمه وصحبته لك في اتّبعن حذف الياء وإثباتها وحذفها أحسن اتباعا لخط المصحف، وهذه النون إنما هي لتسلم فتحة لام الفعل فهي مع الكسرة تغني عن الياء لا سيما إذا كانت رأس آية، فإنها تشبه قوافي الشعر كما قال الأعشى:
وهل يمنعنّ ارتياد البلا ....... د من حذر الموت أن يأتين
فمن ذلك قوله تعالى: {ربّي أكرمن} [الفجر: 15] فإذا لم تكن نون فإثبات الياء أحسن، لكنهم قد قالوا: هذا غلام قد جاء فاكتفوا بالكسرة دلالة على الياء، والذين أوتوا الكتاب في هذا الموضع يجمع اليهود والنصارى باتفاق، والأميون هم الذين لا يكتبون وهم العرب في هذه الآية، وهذه النسبة هي إلى الأم أو إلى الأمة أي كما هي الأم، أو على حال خروج الإنسان عن الأم أو على حال الأمة الساذجة قبل التعلم والتحذق، وقوله: {أأسلمتم} تقرير في ضمنه الأمر كذا قال الطبري وغيره:«وذلك بين»، وقال الزجاج: «أأسلمتم تهديد»، وهذا حسن، لأن المعنى أأسلمتم أم لا؟.
وقوله تعالى: {فقد اهتدوا} وجاءت العبارة بالماضي مبالغة في الإخبار بوقوع الهدى لهم وتحصله.
وقوله تعالى: {فإنّما عليك البلاغ} ذكر بعض الناس أنها آية موادعة وأنها مما نسخته آية السيف.
قال أبو محمد: «وهذا يحتاج أن يقترن به معرفة تاريخ نزولها، وأما على ظاهر نزول هذه الآية في وقت وفد نجران فإنما المعنى فإنّما عليك البلاغ بما فيه قتال وغيره»، والبلاغ مصدر بلغ بتخفيف عين الفعل، وفي قوله تعالى: {واللّه بصيرٌ بالعباد} وعد للمؤمنين ووعيد للكافرين). [المحرر الوجيز: 2/ 181-183]


رد مع اقتباس