عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 5 صفر 1440هـ/15-10-2018م, 07:58 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمُ اللَّيْلُ نَسْلَخُ مِنْهُ النَّهَارَ فَإِذَا هُمْ مُظْلِمُونَ (37) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وآية لهم الليل نسلخ منه النهار فإذا هم مظلمون * والشمس تجري لمستقر لها ذلك تقدير العزيز العليم * والقمر قدرناه منازل حتى عاد كالعرجون القديم * لا الشمس ينبغي لها أن تدرك القمر ولا الليل سابق النهار وكل في فلك يسبحون}
هذه الآيات جعلها الله تعالى أدلة على القدرة ووجوب الألوهية له، و"نسلخ" معناه: نكشط ونقشر، فهي استعارة، و"مظلمون": داخلون في الظلام، واستدل قوم من هذه الآية على أن الليل أصل والنهار فرع طارئ عليه، وفي ذلك نظر). [المحرر الوجيز: 7/ 248-249]

تفسير قوله تعالى: {وَالشَّمْسُ تَجْرِي لِمُسْتَقَرٍّ لَهَا ذَلِكَ تَقْدِيرُ الْعَزِيزِ الْعَلِيمِ (38) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"مستقر الشمس" - على ما روي في الحديث عن النبي عليه الصلاة والسلام من طريق أبي ذر رضي الله عنه - بين يدي العرش، تسجد فيه كل ليلة بعد غروبها، وفي حديث آخر أنها تسجد في عين حمئة ولها ثم وجبة عظيمة. وقالت فرقة: مستقرها هو في يوم القيامة حين تكور، فهي تجري لذلك المستقر. وقالت فرقة: مستقرها كناية عن غيوبها; لأنها تجري كل وقت إلى حد محدود تغرب فيه. وقيل: مستقرها آخر مطالعها في المنقلبين لأنهما نهايتا مطالعها، فإذا استقر وصولها كرت راجعة، وإلا فهي لا تستقر عن حركتها طرفة عين، ونحا إلى هذا ابن قتيبة. وقالت فرقة: مستقرها وقوفها عند الزوال في كل يوم، ودليل استقرارها وقوف ظلال الأشياء حينئذ.
وقرأ ابن عباس، وابن مسعود، وعكرمة، وعطاء بن أبي رباح، وأبو جعفر محمد بن علي، وجعفر بن محمد عليهم السلام. "لا مستقر لها"). [المحرر الوجيز: 7/ 249]

تفسير قوله تعالى: {وَالْقَمَرَ قَدَّرْنَاهُ مَنَازِلَ حَتَّى عَادَ كَالْعُرْجُونِ الْقَدِيمِ (39) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقرأ نافع، وابن كثير، وأبو عمرو، والحسن، والأعرج: "والقمر" بالرفع عطفا على "الليل"، عطف جملة على جملة، ويصح وجه آخر، وهو أن يكون وآية لهم ابتداء وخبره محذوف، كأنه قال: في الوجود وفي المشاهدة، ثم فسر ذلك بجملتين من ابتداء وخبر وابتداء وخبر، الليل واحدة، والقمر ثانية. وقرأ الباقون "القمر" على إضمار فعل يفسره "قدرناه"، وهي قراءة أبي جعفر، وابن محيصن، والحسن - بخلاف عنه -. و"منازل" نصب على الظرف، وهذه المنازل المعروفة عند العرب، وهي ثمانية وعشرون منزلة، يقطع القمر منها كل ليلة أقل من واحدة فيما يزعمون، وعودته هي استهلاله رقيقا، وحينئذ يشبه العرجون، وهو الغصن من النخلة الذي فيه شماريخ الثمر، فإنه ينحني ويصفر إذا قدم، ويجيء أشبه شيء بالهلال، قاله الحسن بن أبي الحسن، والوجود يشهد به، وقرأ سليمان التيمي: "كالعرجون" بكسر العين. و"القديم" معناه: العتيق الذي قد مر عليه زمن طويل). [المحرر الوجيز: 7/ 249-250]

تفسير قوله تعالى: {لَا الشَّمْسُ يَنْبَغِي لَهَا أَنْ تُدْرِكَ الْقَمَرَ وَلَا اللَّيْلُ سَابِقُ النَّهَارِ وَكُلٌّ فِي فَلَكٍ يَسْبَحُونَ (40) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"ينبغي" هنا مستعملة فيما لا يمكن خلافه; لأنها لا قدرة لها على غير ذلك. وقرأ الجمهور: "سابق النهار" بالإضافة، وقرأ عبادة: "سابق النهار" دون تنوين في القاف وبنصب "النهار"، ذكره الزهراوي وقال: حذف التنوين تخفيفا. و"الفلك" - فيما روي عن ابن عباس رضي الله عنهما - متحرك مستدير كفلكة المغزل، فيه جميع الكواكب. و"يسبحون" معناه: يجرون ويعومون، قال مكي: لما أسند إليها فعل من يعقل جمعت بالواو والنون). [المحرر الوجيز: 7/ 250]

تفسير قوله تعالى: {وَآَيَةٌ لَهُمْ أَنَّا حَمَلْنَا ذُرِّيَّتَهُمْ فِي الْفُلْكِ الْمَشْحُونِ (41) وَخَلَقْنَا لَهُمْ مِنْ مِثْلِهِ مَا يَرْكَبُونَ (42) وَإِنْ نَشَأْ نُغْرِقْهُمْ فَلَا صَرِيخَ لَهُمْ وَلَا هُمْ يُنْقَذُونَ (43) إِلَّا رَحْمَةً مِنَّا وَمَتَاعًا إِلَى حِينٍ (44) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {وآية لهم أنا حملنا ذريتهم في الفلك المشحون * وخلقنا لهم من مثله ما يركبون * وإن نشأ نغرقهم فلا صريخ لهم ولا هم ينقذون * إلا رحمة منا ومتاعا إلى حين * وإذا قيل لهم اتقوا ما بين أيديكم وما خلفكم لعلكم ترحمون * وما تأتيهم من آية من آيات ربهم إلا كانوا عنها معرضين}
"وآية" معناه: علامة ودليل، ورفعها بالابتداء، وخبرها في قوله: "لهم"، و"أنا" بدل من "آية"، وفيه نظر، ويجوز أن تكون "أن" مفسرة لا موضع لها من الإعراب. و"الحمل": منع الشيء أن يذهب سفلا، وذكر الذرية لضعفهم عن السفر فالنعمة فيهم أمكن.
وقرأ نافع، وابن عامر، والأعمش: "ذرياتهم" بالجمع، وقرأ الباقون بالإفراد، وهي قراءة طلحة، وعيسى، والضمير المتصل بالذريات هو ضمير الجنس، كأنه قال: ذريات جنسهم أو نوعهم، هذا أصح ما يتجه في هذا، وخلط بعض الناس في هذا حتى قالوا. الذرية تقع على الآباء، وهذا لا يعرف لغة.
وأما معنى الآية; فيحتمل تأويلين: أحدهما قاله ابن عباس رضي الله عنهما وجماعة، وهو أن يريد بالذريات المحمولين أصحاب نوح عليه السلام في السفينة، ويريد بقوله: "من مثله" السفن الموجودة في جنس بني آدم إلى يوم القيامة، وإياها 0 أراد بقوله: {وإن نشأ نغرقهم}، والتأويل الثاني قاله مجاهد، والسدي، وروي عن ابن عباس أيضا، هو أن يريد بقوله: {أنا حملنا ذريتهم} الآية، السفن الموجودة في بني آدم إلى يوم القيامة، ويريد بقوله: {وخلقنا لهم} الآية، الإبل وسائر ما يركب، فتكون المماثلة في أنه مركوب مبلغ إلى الأقطار فقط، ويعود قوله: {وإن نشأ نغرقهم} على السفن الموجودة في الناس، وأما من خلط القولين فجعل الذرية في الفلك في قوم نوح عليه السلام في سفينته، وجعل "من مثله" في الإبل، فإن هذا نظر فاسد يقطع به قوله: {وإن نشأ نغرقهم}، فتأمله.
و"الفلك" جمع، والإفراد على وزنه، ولكن ليست حركات الجمع حركات الإفراد. و"المشحون": الموقر،
و"من" في قوله: "من مثله" يتجه على أحد التأويلين أن تكون للتبعيض، وعلى التأويل الآخر أن تكون لبيان الجنس، فانظره، ويقال: الإبل مراكب البر.
و"الصريخ" هنا بناء الفاعل، بمعنى: المصرخ، وذلك أنك تقول: صارخ بمعنى مستغيث، ومصرخ بمعنى مغيث، ويجيء صريخ مرة بمعنى هذا ومرة بمعنى هذا; لأن فعيلا من أبنية اسم الفاعل، فمرة: يجيء من صرخ إذا استغاث، ومرة: يجيء من أصرخ إذا أغاث.
وقوله: {إلا رحمة} قال الكسائي: نصب على الاستثناء، كأنه قال: إلا أن نرحمهم، وقال الزجاج: نصب رحمة على المفعول من أجله، كأنه قال: إلا لأجل رحمتنا إياهم. وقوله: "متاعا" عطف على قوله: "رحمة"، و"إلى حين" يريد إلى آجالهم المضروبة لهم.
والكلام تام في قوله: {وإن نشأ نغرقهم}، وقوله: {فلا صريخ لهم} استئناف إخبار عن السائرين في البحر، ناجين كانوا أو مغرقين، فهم بهذه لا نجاة لهم إلا برحمة الله وليس قوله: {فلا صريخ لهم} مربوطا بالمغرقين، وقد يصح ربطه به، والأول أحسن فتأمل). [المحرر الوجيز: 7/ 250-251]

رد مع اقتباس