عرض مشاركة واحدة
  #7  
قديم 25 محرم 1440هـ/5-10-2018م, 03:50 PM
جمهرة التفاسير جمهرة التفاسير غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 2,953
افتراضي

تفاسير القرن السادس الهجري

تفسير قوله تعالى: {وَلَمَّا بَلَغَ أَشُدَّهُ وَاسْتَوَى آَتَيْنَاهُ حُكْمًا وَعِلْمًا وَكَذَلِكَ نَجْزِي الْمُحْسِنِينَ (14) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (و"الأشد" جمع شدة، من السنين، فقالت فرقة: بلوغ الحلم، وهي مدة خمسة عشر عاما، وقالت فرقة: ثمانية عشر عاما، وقال السدي: عشرون، وقالت فرقة: خمسة وعشرون، وقالت فرقة: ثلاثون، وقال مجاهد وابن عباس: ثلاثة وثلاثون، وقالت فرقة عظيمة: ستة وثلاثون، وقال مجاهد وقتادة الاستواء: أربعون سنة، وقال مكي: وقيل هو سون سنة، وهذا ضعيف. والأشد: شدة البدن واستحكام أسره وقوته "واستوى" معناه: تكامل عقله وحزمه، وذلك -عند الجمهور- مع الأربعين. و"الحكم": الحكمة، و"العلم": المعرفة بشرع إبراهيم عليه السلام، وهي مقدمة لنبوته عليه السلام). [المحرر الوجيز: 6/ 577]

تفسير قوله تعالى: {وَدَخَلَ الْمَدِينَةَ عَلَى حِينِ غَفْلَةٍ مِنْ أَهْلِهَا فَوَجَدَ فِيهَا رَجُلَيْنِ يَقْتَتِلَانِ هَذَا مِنْ شِيعَتِهِ وَهَذَا مِنْ عَدُوِّهِ فَاسْتَغَاثَهُ الَّذِي مِنْ شِيعَتِهِ عَلَى الَّذِي مِنْ عَدُوِّهِ فَوَكَزَهُ مُوسَى فَقَضَى عَلَيْهِ قَالَ هَذَا مِنْ عَمَلِ الشَّيْطَانِ إِنَّهُ عَدُوٌّ مُضِلٌّ مُبِينٌ (15) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (واختلف المتألون في قوله تعالى: {ودخل المدينة على حين غفلة من أهلها}، فقال السدي: كان موسى في وقت هذه القصة على رسم التعلق بفرعون، وكان يركب مواكبه حتى أنه كان يدعى موسى بن فرعون، قالوا: فركب فرعون يوما وسار إلى مدينة من مدائن مصر يقال لها منف، ثم علم موسى عليه السلام بركوب فرعون فركب بعده ولحق بتلك المدينة في وقت القائلة، وهو حين الغفلة، قاله ابن عباس رضي الله عنهما، وقال أيضا: هو ما بين العشاء والعتمة، وقال ابن إسحاق: بل المدينة مصر نفسها، وكان موسى في هذا الوقت قد بدت منه مجاهدة لفرعون وقومه بما يكرهون، فكان مختفيا بنفسه مخوفا منهم، فدخل متنكرا حذرا مغتفلا للناس، وقال ابن زيد: بل كان فرعون قد نابذه وأخرجه من المدينة وغاب عنها سنين فنسي ففشا أمره، وجاء والناس على غفلة بنسيانهم لأمره وبعد عهدهم به، وقيل: كان يوم عيد. وقوله تعالى: {يقتتلان} في موضع الحال، أي: مقتتلين. و"شيعته": بنو إسرائيل، و"عدوه": القبط. وذكر الأخفش سعيد بن مسعدة أنها "فاستعانه" بالعين غير معجمة، وهي تصحيف لا قراءة. وذكر الثعلبي أن الذي من شيعته هو السامري، وأن الآخر طباخ فرعون.
وقوله تعالى: {هذا}، "وهذا" حكاية حال قد كانت حاضرة، ولذلك عبر بـ "هذا" عن غائب ماض. "والوكز": الضرب باليد مجموعا كعقد ثلاث وسبعين، وقرأ ابن مسعود: "فلكزه"، والمعنى واحد إلا أن اللكز في اللحى، و"الوكز" على القلب، وحكى الثعلبي أن في مصحف ابن مسعود: "فنكزه"، والمعنى واحد. و" قضى عليه "، معناه: قتله، وكان موسى عليه الصلاة والسلام لم يرد قتل القبطي لكن وافقت وكزته الأجل وكان عنها موته، فندم موسى عليه السلام، ورأى أن ذلك من نزغ الشيطان في يده، وأن الغضب الذي اقترنت به تلك الوكزة كان من الشيطان ومن همزه، ونص هو على ذلك، وبهذا الوجه جعله من عمله، وكان فضل قوته عليه السلام بما أفرط في وقت غضبه بأكثر مما يقصد).[المحرر الوجيز: 6/ 577-578]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ إِنِّي ظَلَمْتُ نَفْسِي فَاغْفِرْ لِي فَغَفَرَ لَهُ إِنَّهُ هُوَ الْغَفُورُ الرَّحِيمُ (16) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {قال رب إني ظلمت نفسي فاغفر لي فغفر له إنه هو الغفور الرحيم قال رب بما أنعمت علي فلن أكون ظهيرا للمجرمين فأصبح في المدينة خائفا يترقب فإذا الذي استنصره بالأمس يستصرخه قال له موسى إنك لغوي مبين}
ثم إن ندمة موسى عليه السلام حملته على الخضوع لربه تعالى، والاستغفار عن ذنبه، فغفر له خطأه ذلك، قال قتادة: عرف - والله- المخرج فاستغفر.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
ولم يزل عليه السلام يعيد ذلك على نفسه مع علمه بأنه قد غفر له، حتى أنه في القيامة يقول: " وقتلت نفسا لم أؤمر بقتله حسب ما صح في حديث الشفاعة).[المحرر الوجيز: 6/ 578-579]

تفسير قوله تعالى: {قَالَ رَبِّ بِمَا أَنْعَمْتَ عَلَيَّ فَلَنْ أَكُونَ ظَهِيرًا لِلْمُجْرِمِينَ (17) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (ثم قال عليه السلام معاهدا لربه عز وجل: "رب بنعمتك علي وبسبب إحسانك وغفرانك فأنا ملتزم ألا أكون معينا للمجرمين"، هذا أحسن ما تؤول، وقال الطبري: "إنه قسم، أقسم بنعمة الله تبارك وتعالى"، ويضعفه صورة جواب القسم; فإنه غير متمكن في قوله: {فلن أكون}؛ لأن القسم لا يتلقى بـ "لن"، والفاء تمنع أن تنزل "لن" منزلة "لا" أو "ما" فتأمله، واحتج الطبري بأن في قراءة عبد الله: "فلا تجعلني ظهيرا".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
واحتج أهل الفضل والعلم بهذه الآية في [منع] خدمة أهل الجور ومعونتهم في شيء من أمرهم، ورأوا أنها تتناول ذلك، نص عليه عطاء بن أبي رباح). [المحرر الوجيز: 6/ 579]

تفسير قوله تعالى: {فَأَصْبَحَ فِي الْمَدِينَةِ خَائِفًا يَتَرَقَّبُ فَإِذَا الَّذِي اسْتَنْصَرَهُ بِالْأَمْسِ يَسْتَصْرِخُهُ قَالَ لَهُ مُوسَى إِنَّكَ لَغَوِيٌّ مُبِينٌ (18) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (وقوله تعالى: {فأصبح في المدينة خائفا} عبارة عن كونه دائم الخوف في كل أوقاته، كما تقول: أصبح زيد عالما. و"يترقب" معناه: عليه رقيب من فعله في القتل فهو يتحسس، قال ابن عباس رضي الله عنهما: فمر وهو بحالة الترقب وإذا ذلك الإسرائيلي الذي قاتل القبطي بالأمس يقاتل آخر منالقبط، وكان قتل القبطي قد خفي عن الناس واكتتم، فلما رأى الإسرائيلي استصرخه الإسرائيلي، بمعنى صاح به مستغيثا، ومنه قول الشاعر:
كنا إذا ما أتانا صارخ فزع كان الصراخ له قرع الظنابيب
فلما رأى موسى عليه السلام قتاله لذلك الآخر، أعظم ذلك، وقال له معاتبا ومؤنبا: إنك لغوي مبين، وكانت إرادة موسى -مع ذلك- أن ينصر الإسرائيلي، فلما دنا منهما وجس الإسرائيلي وفزع منه، وظن أنه ربما ضربه، وفزع من قوته التي رأى بالأمس، وشهد أمر القتيل). [المحرر الوجيز: 6/ 579-580]

تفسير قوله تعالى: {فَلَمَّا أَنْ أَرَادَ أَنْ يَبْطِشَ بِالَّذِي هُوَ عَدُوٌّ لَهُمَا قَالَ يَا مُوسَى أَتُرِيدُ أَنْ تَقْتُلَنِي كَمَا قَتَلْتَ نَفْسًا بِالْأَمْسِ إِنْ تُرِيدُ إِلَّا أَنْ تَكُونَ جَبَّارًا فِي الْأَرْضِ وَمَا تُرِيدُ أَنْ تَكُونَ مِنَ الْمُصْلِحِينَ (19) وَجَاءَ رَجُلٌ مِنْ أَقْصَى الْمَدِينَةِ يَسْعَى قَالَ يَا مُوسَى إِنَّ الْمَلَأَ يَأْتَمِرُونَ بِكَ لِيَقْتُلُوكَ فَاخْرُجْ إِنِّي لَكَ مِنَ النَّاصِحِينَ (20) فَخَرَجَ مِنْهَا خَائِفًا يَتَرَقَّبُ قَالَ رَبِّ نَجِّنِي مِنَ الْقَوْمِ الظَّالِمِينَ (21) }
قال عبد الحق بن غالب بن عطية الأندلسي (ت:546هـ) : (قوله عز وجل: {فلما أن أراد أن يبطش بالذي هو عدو لهما قال يا موسى أتريد أن تقتلني كما قتلت نفسا بالأمس إن تريد إلا أن تكون جبارا في الأرض وما تريد أن تكون من المصلحين وجاء رجل من أقصى المدينة يسعى قال يا موسى إن الملأ يأتمرون بك ليقتلوك فاخرج إني لك من الناصحين فخرج منها خائفا يترقب قال رب نجني من القوم الظالمين}.
قرأ جمهور الناس: "يبطش" بكسر الطاء، وقرأ الحسن، وأبو جعفر: "يبطش" بضم التاء، وهما لغتان، فقال الإسرائيلي لموسى معنى الآية بلسانه وفر منه فشهر أمر القتيل. والجبابرة شأنهم قتل الناس بغير حق; فلذلك جعله الإسرائيلي كذلك ونفى عنه الإصلاح. قال الشعبي: من قتل رجلين فهو جبار، قال الشعبي: ولما اشتهر أن موسى قتل القتيل، وكان قول الإسرائيلي يغلب على النفوس تصديقه على موسى مع ما كان لموسى عليه السلام من المقدمات أنه المشار إليه بفساد المملكة، فأنفذ فرعون إليه من يطلبه من جنده ويأتي به للقتل، فخرج على الطريق الأعظم،
وأخذ رجل -يقال: إنه مؤمن آل فرعون، ويقال: إنه غيره- في بنيات الطريق قصدا إلى موضع موسى فبلغه وقال له: إن الملأ الآية.
و "يسعى" معناه: يسرع في مشيه، قاله الزجاج وغيره، وهو دون الجري، وقال ابن الزجاج: معناه: يعجل وليس بالشد.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وهذه نزعة مالك رحمه الله في سعي الجمعة، والأول عندي أظهر في هذه الآية.
و "يأتمرون" وزنه يفتعلون، ويفتعلون يأتي كثيرا بمعنى يتفاعلون، ومنه ازدوج بمعنى تزاوج، وذهب ابن قتيبة إلى أنه بمعنى: يأمر بعضهم بعضا، قال: لو كان ذلك لكان "يتآمرون".
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
وذهب عنه أن يفتعل بمعنى يتفاعل، وفي القرآن: وأتمروا بينكم بمعروف، وقد قال النمر بن تولب:
أرى الناس قد أحدثوا شيمة وفي كل حادثة يؤتمر
وأنشد الطبري:
ما تأتمر فينا فأمـ ... ـرك في يمينك أو شمالك
ومنه قول ربيعة بن جثم:
أحار ابن كعب كأني خمر ... ويعدو على المرء ما يأتمر
فخرج موسى عليه السلام وأفلت من القوم فلم يجدوه، وخرج بحكم فزعه إلى الطريق إلى مدين، وهي مدينة قوم شعيب عليه السلام، وكان موسى عليه السلام لا يعرف ذلك الطريق، ولم يصحب أحدا، فركب مجهلتها واثقا بالله تعالى ومتوكلا عليه. قال السدي ومقاتل: فروي أن الله تعالى بعث إليه جبريل عليه السلام -وقيل: ملكا غيره- فسدده إلى طريق وأعطاه عصا يقال هي كانت عصاه، وروي أن عصاه إنما أخذها لرعيه الغنم في مدين، وهو أصح وأكثر. وبين مدين ومصر ثمانية أيام، قاله ابن جبير والناس، وكان ملك مدين لغير فرعون، وحكى الطبري عن ابن جريج، أو ابن أبي نجيح -شك الطبري - أنه قال: إن الذي أراد أن يبطش هو الإسرائيلي، فنهاه موسى عن ذلك بعد أن قال له: إنك لغوي مبين، ففزع الإسرائيلي عند ذلك من موسى عليه السلام وخاطبه بالفصيح، وكان موسى من الندامة والتوبة في حين لا يتصور معه أن يريد البطش بهذا الفرعوني الآخر. وروى ابن جريج أن اسم الرجل الساعي من أقصى المدينة شمعون، وقال ابن إسحاق: سمعان.
قال القاضي أبو محمد رحمه الله:
والثبت في هذا ونحوه بعيد).[المحرر الوجيز: 6/ 580-582]

رد مع اقتباس