عرض مشاركة واحدة
  #3  
قديم 3 صفر 1440هـ/13-10-2018م, 04:03 PM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة النساء
[ الآية (1) ]
بسم الله الرحمن الرحيم

{يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا النَّاسُ اتَّقُواْ رَبَّكُمُ الَّذِي خَلَقَكُم مِّن نَّفْسٍ وَاحِدَةٍ وَخَلَقَ مِنْهَا زَوْجَهَا وَبَثَّ مِنْهُمَا رِجَالاً كَثِيرًا وَنِسَاء وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِي تَسَاءلُونَ بِهِ وَالأَرْحَامَ إِنَّ اللّهَ كَانَ عَلَيْكُمْ رَقِيبًا (1)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (بسم اللّه الرّحمن الرّحيم
قول الله جلّ وعزّ: (واتّقوا اللّه الّذي تساءلون به والأرحام... (1).
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر ويعقوب: (تسّاءلون به).
وقرأ الكوفيون: (تساءلون) مخففة بفتح السين، وروى علي ابن نصر وهارون وعبيد وخارجة وعلي بن الفضل عن أبي عمرو: (تساءلون) خفيفة، وروى عباس وأبو زيد عنه: إن شئت شددت، وإن شئت خففت.
قال الأزهري: من قرأ (تسّاءلون) بتشديد السين فالأصل: تتساءلون، فأدغمت التاء الثانية في السين، وشددت،
[معاني القراءات وعللها: 1/289]
ومن قرأ (تساءلون) فالأصل أيضًا - تتساءلون، فحذفت إحدى التاءين استثقالاً للجمع بينهما، ومعناهما واحد: تطلبون به حقوقكم.
واتفق القراء على نصب (والأرحام) إلا حمزة فإنه خفض الميم نسقًا على الهاء في (به).
قال أبو منصور: القراءة الجيدة (والأرحام) بالنصب، المعنى: اتقوا الأرحام أن تقطعوها، وأمّا خفض الأرحام على قراءة حمزة فهي ضعيفة عند جميع النحويين، غير جائزة إلا في اضطرار الشعر، لأن العرب لا تعطف على المكنيّ إلا بإعادة الخافض، وقد أنشد الفراء بيتا في جوازه:
تعلّق في مثل السّواري سيوفنا... وما بينها والأرض غوطٌ نفانفٌ
[معاني القراءات وعللها: 1/290]
والكلام وجهه (وما بينها وبين الكعب)، فاضطره الشعر إلى جوازه.
وخفض (الأرحام) خطأ أيضًا وأمر الدين عظيم، لأن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (لا تحلفوا بآبائكم).
فلا يجوز أن تتساءلوا بالله وبالرحم على عادة كلام العرب، أي: نهى النبي عن الحلف بغير الله). [معاني القراءات وعللها: 1/291]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (1- قوله تعالى: {تسآءلون به والأرحام} [1].
قرأ حمزة والكسائي وعاصم (تساءلون به) مخففة، وكان أبو عمرو يخير في التشديد والتخفيف. وقرأ الباقون مشددًا، والأصل في القراءتين (تتساءلون) بتاءين، فمن خفف أسقط تاء، ومن شدد أدغم التاء في السين، فالتاء الأولى للاستقبال والثانية هي التي كانت مع الماضي، قال سيبويه رضي الله عنه: المحذوفة الثانية. وقال هشام: الأولى. وقال الفراء: لا تبالي أيهما حذفت.
وقرأ حمزة وحده {والأرحام} بالجر أراد: تساءلون به وبالأرحام فأضمر الخافض على قول العجاج أنه كان إذا سُئل كيف تجدك قال: خير عافاك الله، يريد: بخير.
وقرأ الباقون بالنصب، اتقوا الله واتقوا الأرحام أن تقطعوها. قالوا: ويبطُلُ الخفضُ من جهات.
إحداها: أن ظاهر المخفوض لا يعطف على مكنية، لا يقال: مررت بك وزيد؛ لأن المضاف والمضاف إليه كالشيء الواحد إلا ضرورة لشاعر كما قال:
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/127]
نعلق في مثل السواري سيوفنا = وما بينها والكعب غوط نفانف
وزعم البصريون جميعًا أنه لحن.
قال ابن خالويه رحمه الله: وليس لحنًا عندي؛ لأن ابن مجاهد حدثنا بإسناد يعزيه إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم أنه قرأ: {والأرحام} ومع ذلك فإن حمزة كان
[إعراب القراءات السبع وعللها: 1/128]
لا يقرأ حرفًا إلا بأثر. غير أن من أجاز الخفض في {الأرحام} أجمع مع من لم يجز أن النصب هو الاختيار). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/129]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (اختلفوا في تشديد السين وتخفيفها من قوله تعالى: تسائلون به [النساء/ 1].
فقرأ ابن كثير ونافع وابن عامر: تساءلون* مشدّدة.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائيّ: تساءلون مخفّفة.
[الحجة للقراء السبعة: 3/118]
واختلف عن أبي عمرو، فروى علي بن نصر وهارون بن موسى، وعبيد بن عقيل وعبد الوهاب بن عطاء عنه، والواقدي عن عدي بن الفضل، وخارجة بن مصعب، عنه: تساءلون مخففة. وروى اليزيديّ وعبد الوارث عنه: تساءلون* مشدّدة وروى أبو زيد عنه التخفيف والتشديد. وقال عباس عنه: إن شئت خفّفت، وإن شئت شدّدت قال: وقراءته التخفيف.
قال أبو علي: من ثقّل تساءلون* أراد: تتساءلون فأدغم التاء في السين، وإدغامها في السين حسن لاجتماعهما في أنّهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، واجتماعهما في الهمس. ومن خفّف فقال: تساءلون، حذف تاء تتفاعلون لاجتماع حروف متقاربة، فأعلّها بالحذف، كما أعلّ بالإدغام في قول من قال:
تسّاءلون، وإذا اجتمعت المتقاربة خفّفت بالحذف والإدغام
[الحجة للقراء السبعة: 3/119]
والإبدال. فالإبدال كقولهم: طست، أبدلت من السين الثانية التاء لتقاربهما واجتماعهما في الهمس، قال العجاج:
أأن رأيت هامتي كالطّست وأنشد أبو عثمان:
لو عرضت لأيبليّ قسّ... أشعث في هيكله مندسّ
حنّ إليها كحنين الطّسّ). [الحجة للقراء السبعة: 3/120]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في نصب الميم وكسرها من قوله [جلّ وعزّ]: والأرحام [النساء/ 1].
فقرأ حمزة وحدة: والأرحام بالخفض.
وقرأ الباقون: والأرحام نصبا.
قال أبو علي: من نصب الأرحام احتمل انتصابه وجهين:
أحدهما: أن يكون معطوفا على موضع الجار والمجرور، والآخر:
أن يكون معطوفا على قوله: واتقوا، التقدير: اتقوا الله الذي تساءلون به. واتقوا الأرحام أي اتقوا حقّ الأرحام فصلوها ولا تقطعوها.
وأمّا من جرّ الأرحام فإنّه عطفه على الضمير المجرور بالباء.
وهذا ضعيف في القياس، وقليل في الاستعمال. وما كان كذلك فترك الأخذ به أحسن. فأما ضعفه في القياس: فإن الضمير قد صار
[الحجة للقراء السبعة: 3/121]
عوضا مما كان متصلا باسم نحو غلامه وغلامك، وغلامي، من التنوين فقبح أن يعطف عليه كما لا تعطف الظاهر على التنوين.
ويدلك على أنّه قد جرى عندهم مجرى التنوين حذفهم الياء من المنادى المضاف إليه كحذفهم التنوين، وذلك قولهم: يا غلام، وهو الأكثر من غيره في الاستعمال وجهة الشبه بينهما أنّه على حرف، كما أنّ التنوين كذلك، واجتماعهما في السكون، وأنه لا يوقف على اسم منفصلا منه، كما أنّ التنوين كذلك، فلما اجتمعا في هذه المعاني جعل بمنزلته في الحذف.
فإن قال قائل: فهلا قبح أيضا عطف الظاهر المجرور على الظاهر المجرور، لأنّه أيضا عوض من التنوين وفي محله؟
فالقول في ذلك: أن المضمر أذهب في مشابهة التنوين من المظهر، ألا ترى أنه لا ينفصل من الاسم، كما أنّ التنوين لا ينفصل ولا يوقف عليه، كما لا يوقف على بعض أجزاء الكلم دون تمامها، وليس الظاهر كذلك، ألا ترى أنّه قد يفصل بين المضاف والمضاف إليه إذا كان المضاف إليه ظاهرا بالظروف وبغيرها نحو:
[الحجة للقراء السبعة: 3/122]
كأنّ أصوات- من إيغالهنّ بنا-* أواخر الميس إنقاض الفراريج ونحو:
... من قرع القسيّ الكنائن
[الحجة للقراء السبعة: 3/123]
فليس المضمر في هذا كالظاهر، فلما صار كذلك لم يستجيزوا عطف الظاهر عليه، لأن المعطوف ينبغي أن يكون مشاكلا للمعطوف عليه، ألا تراهم قالوا:
ولولا رجال من رزام أعزّة... وآل سبيع أو أسوءك علقما
لمّا كان أسوأ فعلا، وما قبله اسم، أضمر أن ليعطف شكلا
[الحجة للقراء السبعة: 3/124]
على شكله. وكذلك قوله تعالى: وكلا ضربنا له الأمثال [الفرقان/ 39] ويدخل من يشاء في رحمته والظالمين أعد لهم عذابا أليما [الإنسان/ 31] فكما روعي التشاكل في هذه المواضع في المعطوف، وفي غيرها، كذلك روعي في المضمر المجرور فلم يعطف عليه المظهر المجرور، لخروج المعطوف عليه من شبه الاسم إلى شبه الحرف.
ومما يبين ذلك أنهم لم يستحسنوا عطف الظاهر المرفوع على المضمر المرفوع حتى يؤكّد، فيقع العطف في اللفظ على المضمر المنفصل الذي يجري مجرى الأجنبي، وذلك نحو: أذهب وزيد وذهبت وزيد، ولا يستحسنون ذلك حتى يؤكّدوه فيقولوا: اذهب أنت وزيد، وذهبت أنا وزيد، لأنه لما اختلط الاسم بالفعل حتى صار كبعض أجزائه لوقوع إعرابه بعده في نحو: تفعلين، وتفعلان، وتفعلون. ولإسكانهم الآخر منه، إذا اتصل بالضمير مع تحريكهم نحو: علبط لم يستجيزوا العطف عليه في حال السّعة إلّا بالتأكيد، ليقع العطف عليه في اللفظ، فلا يكون كأنه عطف اسما على فعل كما يصير في المجرور كأنه عطف اسما على تنوين. وإذا اتصل علامة الضمير المجرور بالحرف كان كاتصاله بالاسم، ألا ترى أنه لا ينفصل من الحرف كما لا ينفصل من الاسم، ولا يفصل بينهما كما لا يفصل بينهما إذا اتصل بالاسم، فلا فصل بين اتصاله بالحرف
[الحجة للقراء السبعة: 3/125]
واتصاله بالاسم من حيث ذكرنا. فإن قال قائل: هلّا جاز أن يعطف الظاهر المجرور على المضمر المجرور، كما جاز أن يؤكد بالنفس وغيره من التأكيد. قيل: لم يجز العطف من حيث جاز التأكيد، لأن العطف تقدير حرفه أن يقوم مقام الذي يعطف عليه، فإن كان المعطوف فعلا كان في تقدير الفعل، وإن كان اسما كان في تقدير الاسم، وكذلك إن كان حرفا، وإذا كان كذلك وكان المضمر المجرور قد خرج عن شبه الاسم وصار بمنزلة الحرف بدلالة أنه لا ينفصل مما اتصل به، كما أن التنوين لا ينفصل، ويحذف في النداء في الاختيار، كما يحذف، وامتنع أن يفصل بينه وبينه في الشعر كما يفصل ذلك في المظهر، لم يجز العطف فيه، لأن حرف العطف لمّا خرج الاسم الذي يعطف عليه في حكم اللفظ عن حكم الأسماء، لم يصح العطف عليه، لأنّك إنما تعطف عليه لإقامتك إياه مقام الاسم، فإذا خرج عن شبه الاسم لم يقم حرف العطف مقام الاسم لخروج المعطوف عليه عن ذلك، وليس التأكيد كذلك، لأنك لو حملت التأكيد على نفس العامل في المجرور لم يمتنع، فليس ضعف المؤكّد بحرف التأكيد بأبعد من أن لا يكون في الكلام، فلذلك جاز التأكيد بالنفس وسائر حروف التأكيد، ولم يجز العطف.
ومما يتعلق بهذا الباب قوله تعالى: يسئلونك عن الشهر الحرام قتال فيه قل قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله وكفر به [البقرة/ 217] لا يخلو ارتفاع قوله: وصد عن سبيل الله من أن يكون بالعطف على الخبر الذي هو كبير كأنه:
[الحجة للقراء السبعة: 3/126]
قتال فيه كبير، وصد وكفر، أي: القتال قد جمع أنه كبير وأنه صد وكفر. أو يكون مرتفعا بالابتداء وخبره محذوف، لدلالة كبير المتقدم عليه، كأنه قال: والصدّ كبير، كقولك: زيد منطلق وعمرو أو يكون مرتفعا بالابتداء والخبر المظهر، فيكون الصدّ ابتداء، وما بعده من قوله: وكفر به وإخراج أهله يرتفع بالعطف على الابتداء، والخبر قوله: أكبر عند الله، فلا يجوز الوجهان الأولان، وهما جميعا قد أجازهما الفراء.
أما الوجه الأول فلأنّ المعنى يصير: قل: قتال فيه كبير وصد عن سبيل الله كبير، والقتال، وإن كان كبيرا ويمكن أن يكون صدا لأنه ينفّر الناس عنه، فلا يجوز أن يكون كفرا. ألا ترى أن أحدا من المسلمين لم يقل ذلك، ولم يذهب إليه؟ فلا يجوز أن يكون خبر المبتدأ شيئا لا يكون المبتدأ. ويمنع من ذلك أيضا قوله بعد: وإخراج أهله منه أكبر عند الله [البقرة/ 217] ومحال أن يكون إخراج أهله منه أكبر من الكفر، لأنه لا شيء أعظم منه.
ويمتنع الوجه الثاني أيضا، لأن التقدير فيه يكون: قتال فيه كبير وكبير الصد عن سبيل الله والكفر به. وكذلك مثّله الفراء وقدّره، وإذا صار كذلك، صار المعنى: وإخراج أهل المسجد الحرام أكبر عند الله من الكفر، فيكون بعض خلال الكفر أعظم منه كله، وإذا كان كذلك امتنع كما امتنع الأول، وإذا امتنع هذان ثبت الوجه الثالث: وهو: أن يكون قوله: وصدّ عن سبيل الله ابتداء، وكفر به،
[الحجة للقراء السبعة: 3/127]
وإخراج أهله منه، معطوفان عليه، وأكبر: خبر. فيكون المعنى: صدّ عن سبيل الله أي: منعهم لكم أيها المسلمون عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، وإخراجكم منه وأنتم ولاته، والذين هم أحقّ به منهم، وكفر بالله أكبر من قتال في الشهر الحرام. وهذا القتال في الشهر الحرام هو ما عابه المشركون على المسلمين من قتل عبد الله بن جحش وأصحابه من المهاجرين عمرو بن الحضرمي [وصاحبه لما]، فصلا من الطائف في عير في آخر جمادى وأول رجب وأخذهم العير، وهو أوّل من قتل من المشركين فيما روي، وأوّل فيء أصابه المسلمون فهذا هو التأويل لا الوجهان الأوّلان.
وأما قوله: والمسجد الحرام، فزعم الفراء أنّه محمول على قوله: يسألونك عن القتال وعن المسجد الحرام، هذا لفظه.
وهذا أيضا ممتنع، لأنه لم يكن السؤال عن المسجد الحرام، وإنّما السؤال عن قتال ابن جحش ابن الحضرمي وأصحابه الذين عابهم به المشركون وعيّروهم فقالوا: إنّكم استحللتم الشهر الحرام، وهو رجب، فقتلتم فيه. فعن هذا كان السؤال، لا عن المسجد الحرام. فإذا لم يجز هذا الوجه، لم يجز حمله أيضا فيمن جوز عطف
[الحجة للقراء السبعة: 3/128]
الظاهر على المضمر المجرور، فيكون محمولا على الضمير في به* لأن المعنى ليس على كفر بالله أو بالنبي. والمسجد ثبت أنه معطوف على عن* من قوله: وصد عن سبيل الله وعن المسجد الحرام، لأن المشركين صدّوا المسلمين عنه كما قال الله عزّ وجلّ: إن الذين كفروا ويصدون عن سبيل الله والمسجد الحرام [الحج/ 25] فكما أن المسجد الحرام في هذه الآية محمول على عن* المتصلة بالصدّ بلا إشكال، كذلك في مسألتنا في هذه الآية). [الحجة للقراء السبعة: 3/129]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (من ذلك قراءة أبي عبد الرحمن عبد الله بن يزيد: [الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ وَالْأَرْحَامُ] رفعًا، قراءة ثالثة.
قال أبو الفتح: ينبغي أن يكون رفعه على الابتداء وخبره محذوف؛ أي: والأرحام مما يجب أن تتقوه، وأن تحتاطوا لأنفسكم فيه، وحسن رفعه لأنه أوكد في معناه، ألا ترى أنك إذا قلت: ضربت زيدًا، فزيد فضلة على الجملة، وإنما ذكر فيه مرة واحدة، وإذا قلت: زيد ضربته، فزيد رب الجملة، فلا يمكن حذفه كما يحذف المفعول على أنه نيِّف وفضلة بعد استقلال الجملة؟ نعم، ولزيد فيها ذكران:
أحدهما: اسمه الظاهر، والآخر: ضميره وهو الهاء. ولما كانت الأرحام فيما يُعنى به ويُقَوَّى الأمر في مراعاته؛ جاءت بلفظ المبتدأ الذي هو أقوى من المفعول.
وإذا نُصبت الأرحام أو جُرت فهي فضلة، والفضلة متعرضة للحذف والبِذْلة.
فإن قلت: فقد حُذف خبر الأرحام أيضًا على قولك، وقيل: أجل؛ ولكنه لم يحذف إلا بعد العلم به، ولو قد حُذفت الأرحام منصوبة أو مجرورة فقلت: {وَاتَّقُوا اللَّهَ الَّذِي تَسَاءَلُونَ بِهِ} لم يكن في الكلام دليل على الأرحام أنها مرادة أو مقدرة، وكلما قويت الدلالة على
[المحتسب: 1/179]
المحذوف كان حذفه أسوغ، ونحو من رفع الأرحام هنا بعد النصب والجر قول الفرزدق:
يأيها المشتكي عُكْلًا وما جَرَمت ... إلى القبائل من قتل وإبآسُ
إنا كلك إذ كانت هَمرَّجةٌ ... نَسْبِي ونَقْتُل حتى يُسْلمَ الناس
أي: من قتل وإبآس أيضًا كذلك، فقوَّى لفظه بالرفع؛ لأنه أذهب في شكواه إياه، وعليه أيضًا قوله:
إلا مُسْحَتا أو مُجَلَّف
فيمن قال: أراد أو مجلَّف كذاك.
ومَن حمله على المعنى فرفعه وقال: إذا لم يَدَع إلا مسحتا فقد بقي المسحت وبقي أيضًا المجلَّف، سلك فيه غير الأول). [المحتسب: 1/180]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({... واتقوا الله الذي تساءلون به والأرحام} 1
قرأ عاصم وحمزة والكسائي: (تَسَاءلون به) بالتخفيف.
وقرأ الباقون بالتشديد (تسَّاءلون). والأصل (تتساءلون)، فأدغمت التاء في السين، لقرب مكان هذه من هذه. ومن قرأ: (تساءلون) بالتخفيف فالأصل أيضاً (تتساءلون) إلا أن التاء الثانية حذفت لاجتماع التاءين وذلك مستثقل في اللفظ فوقع الحذف استخفافا، لأن الكلام غير ملتبس. ومعنى (تساءلون به) تطلبون حقوقكم به.
قرأ حمزة: (والأرحامِ) خفضا. وقرأ الباقون (والأرحامَ) نصبا. والمعنى: اتقوا الأرحام أن تقطعوها، أي صلوها. ويجوز أن يكون معطوفاً على موضع الجار والمجرور.
قال أهل النحو: يبطل الخفض من وجهين: أحدهما ما روي عن النبي صلى الله عليه قال: ((لا تحلفوا بآبائكم))، فكيف يكون (تساءلون به وبالرحم) ينهى عن الشيء ويؤتى به؟ والوجه الثاني: ما ذكره الزجاج قال: (أما العربية فإجماع النحويين أنه يقبح أن
[حجة القراءات: 188]
ينسق باسم ظاهر على اسم مضمر في حال الخفض إلّا بإظهار الخافض يستقبح النحويون مررت به وزيد ومررت بك وزيد إلّا مع إظهار الخافض حتّى يقولوا بك وبزيد وقد فسر المازني هذا تفسيرا
[حجة القراءات: 189]
مقنعا فقال الثّاني في العطف شريك للأول فإن كان الأول يصلح أن يكون شريكا للثّاني وإلّا لم يصلح أن يكون الثّاني شريكا له قال فكما لا نقول مررت بزيد وك فكذلك لا نقول مررت بك وزيد
ومن قرأ {والأرحام} فالمعنى تساءلون به وبالأرحام وقال أهل التّفسير وهو قوله أسالك باللّه والرحم وقد أنكروا هذا وليس بمنكر لأن الأئمّة أسندوا قراءتهم إلى النّبي صلى الله عليه وأنكروا أيضا أن الظّاهر لا يعطف على المضمر المجرور إلّا بإظهار الخافض وليس بمنكر وإنّما المنكر أن يعطف الظّاهر على المضمر الّذي لم يجر له ذكر فتقول مررت به وزيد وليس هذا بحسن فأما أن يتقدّم للهاء ذكر فهو حسن وذلك عمرو مررت به وزيد فكذلك الهاء في قوله {تساءلون به} وتقدم ذكرها وهو قوله {واتّقوا الله} ومثله قول الشّاعر
فاليوم أصبحت تهجونا وتشتمنا ... فاذهب فما بك والأيّام من عجب). [حجة القراءات: 190]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (1- قوله: {تساءلون} قرأه الكوفيون مخففا، على حذف إحدى التاءين اللتين هما أصله، تخفيفًا؛ لأنه اجتمع مثلان، والسين قريبة منهما، فكان ثلاثة أمثال، فلو أعله بالإدغام لم ينقص عدد الأمثال، إذ يصير اللفظ بتاء وسينين، فلم يكن، عند إرادة التخفيف، بدّ من الحذف، وقد ذكرنا الاختلاف في المحذوف منهما عند قوله: {تظاهرون عليهم} وشدد الباقون على إدغام التاء الثانية في السين، وهو الأصل، وهو الاختيار، وقوي الإدغام، لأن التاء والسين من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، ولأ،هما مهوسان، ولأن التاء تنتقل إلى قوة مع الإدغام؛ لأنك تبدل منها حرفًا فيه صفير، وذلك قوة في الحرف، وهو مثل «تظاهرون» في الحجة والعلة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/375]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (2- قوله: {والأرحام} قرأه حمزة بالخفض على العطف على الهاء في «به»، وهو قبيح عند البصريين، قليل في الاستعمال، بعيد في القياس، لأن المضمر في «به» عوض من التنوين، ولأن المضمر المخفوض لا ينفصل عن الحرف، ولا يقع بعد حرف العطف، ولأن المعطوف والمعطوف عليه شريكان،
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/375]
يحسن في أحدهما ما يحسن في الآخر، ويقبح في أحدهما ما يقبح في الآخر، فكما لا يجوز: واتقوا الله الذي تساءلون بالأرحام، فكذلك لا يحسن: تساءلون به والأرحام، فإن أعدت الخافض حسن، وقرأ الباقون {والأرحام} بالنصب على العطف على اسم الله جل ذكره، على معنى: واتقوا الأرحام أن تقطعوها، ويجوز أن يكون معطوفًا على موضع الجار والمجرور، لأن ذلك في موضع نصب، كما تقول: مررت بزيد وعمرا، لأن معنى «مرت بزيد» لابست زيدًا، فهو في موضع نصب فحمل {والأرحام} على المعنى، فنصب، هو الاختيار، لأنه الأصل، وهو المستعمل، وعليه تقوم الحجة، وهو القياس، وعليه كل القراء). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/376]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (1- {تَسآءَلُونَ} [آية/ 1]:-
بفتح السين وتخفيفها وبألفٍ قبل الهمزة، قرأها الكوفيون.
والأصل: تتساءلون، فحذف إحدى التاءين وهي الثانية استثقالاً لاجتماع حروفٍ متقاربةٍ، أعلوها بالحذف، كما أعلها آخرون بالإدغام.
وقرأ الباقون {تَسَّاءَلُونَ} بتشديد السين.
والمراد تتساءلون، فأدغم التاء في السين لاجتماعهما في أنهما من حروف طرف اللسان وأصول الثنايا، وأنهما مهموسان). [الموضح: 401]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (2- {والأرْحَامِ} [آية/ 1]:-
بالخفض، قرأها حمزة وحده.
[الموضح: 401]
وهو ضعيف؛ لأنه عطفة على الضمير المجرور بالباء، وهذا يضعف من جهة القياس والاستعمال جميعًا.
أما من حيث القياس فلأن الضمير هو عوض عما كان متصلاً بالاسم من التنوين في نحو غلامه وغلامك وغلامي، بدلالة حذفهم الياء في المنادى نحو: يا غلام أقبل، كحذفهم التنوين، وهو أكثر من إثبات الياء في الاستعمال، فكما لا يعطف في الظاهر على التنوين، كذلك يقبح أن يعطف على الضمير، ثم إن الجار مع الضمير المجرور كالشيء الواحد لتلازمهما، فلو عطفت عليه لكنت عاطفًا على بعض الكلمة.
وأما من حيث الاستعمال فإن العرب لا تستعمل ذلك في حال الاختيار والسعة، وقد جاء في ضرورة الشعر، أنشد الفراء:-
تعلق في مثل السواري بيوتنا = وما بينها والكعب غوط نفانف
[الموضح: 402]
وقرأ الباقون {وَالأَرْحَامَ} بالنصب.
يجوز أن يكون نصبًا بالعطف على موضع الجار والمجرور، ويجوز أن يكون نصبه بالعطف على [مفعول] قوله {اتّقوا}، والتقدير: اتقوا الله واتقوا الأرحام أي حق الأرحام، فصلوها ولا تقطعوها). [الموضح: 403]


روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس