عرض مشاركة واحدة
  #33  
قديم 7 صفر 1440هـ/17-10-2018م, 11:34 AM
جمهرة علوم القرآن جمهرة علوم القرآن غير متواجد حالياً
فريق الإشراف
 
تاريخ التسجيل: Oct 2017
المشاركات: 7,975
افتراضي

سورة المائدة
[ من الآية (94) إلى الآية (96) ]

{يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94) يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95) أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لَيَبْلُوَنَّكُمُ اللّهُ بِشَيْءٍ مِّنَ الصَّيْدِ تَنَالُهُ أَيْدِيكُمْ وَرِمَاحُكُمْ لِيَعْلَمَ اللّهُ مَن يَخَافُهُ بِالْغَيْبِ فَمَنِ اعْتَدَى بَعْدَ ذَلِكَ فَلَهُ عَذَابٌ أَلِيمٌ (94)}

قوله تعالى: {يَا أَيُّهَا الَّذِينَ آمَنُواْ لاَ تَقْتُلُواْ الصَّيْدَ وَأَنتُمْ حُرُمٌ وَمَن قَتَلَهُ مِنكُم مُّتَعَمِّدًا فَجَزَاء مِّثْلُ مَا قَتَلَ مِنَ النَّعَمِ يَحْكُمُ بِهِ ذَوَا عَدْلٍ مِّنكُمْ هَدْيًا بَالِغَ الْكَعْبَةِ أَوْ كَفَّارَةٌ طَعَامُ مَسَاكِينَ أَو عَدْلُ ذَلِكَ صِيَامًا لِّيَذُوقَ وَبَالَ أَمْرِهِ عَفَا اللّهُ عَمَّا سَلَف وَمَنْ عَادَ فَيَنتَقِمُ اللّهُ مِنْهُ وَاللّهُ عَزِيزٌ ذُو انْتِقَامٍ (95)}
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (فجزاءٌ مثل ما قتل من النّعم... (95)
قرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو (فجزاء مثل ما) مضافا، وقرأ الباقون (فجزاءٌ مثل ما) منونًا.
قال أبو منصور: أما من قرأ (فجزاء مثل) فعلى الإضافة والمضاف إليه مكسور، ومن قرأ (فجزاءٌ مثل ما) جعل (مثل) نعتًا للجزاء، والمعنى: فعليه جزاءٌ مثل ما قتل من النّعم). [معاني القراءات وعللها: 1/338]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو كفّارةٌ طعام مساكين... (95)
قرأ نافع وابن عامر (أو كفّارة طعام مساكين) بالإضافة.
وقرأ الباقون (أو كفّارةٌ طعام) بالتنوين ورفع الطعام.
قال أبو منصور: من لم ينون (كفارة) فلإضافتها إلى طعام، ومن نون (كفّارةٌ) وقرأ (طعام مساكين) فطعام ترجمة عن قوله (كفّارةٌ) وتأويله: أن المحرم إذا أصاب صيدا فإنه يسأل فقيهين عددين عن جراء ما أصاب، أي: قتل من الصيد، فإن كان كالإبل حكما عليه بها هديًا بالغ الكعبة، وإن كان كالشاء حكما عليه بمثل ذلك، وإن كانت القيمة لا تبلغ، نظرًا، فقدرا قيمة ذلك وأطعم بثمن ذلك المساكين لكل مسكين مدّان، أو صام بعدل ذلك على ما توجبه السّنة). [معاني القراءات وعللها: 1/339]
قال أبو منصور محمد بن أحمد الأزهري (ت: 370هـ): (وقوله جلّ وعزّ: (أو عدل ذلك صيامًا... (95).
قرأ ابن عامر فيما ذكر النقاش (أو عدل ذلك) بكسر العين، وقرأ الباقون (أو عدل ذلك).
قال الفراء: العدل بالفتح: ما عادل الشيء من غير جنسه، وأما العدل فهو المثل: يقال: عندي عدل غلامك، وعدل شاتك، إذا كانت شاة تعدل شاة، أو غلاما يعدل غلاما، فإذا أردت قيمته من غير جنسه نصبت العدل، وكذلك اتفق أكثر القراء على فتح العين.
[معاني القراءات وعللها: 1/340]
قال الزجاج: العدل والعدل واحد). [معاني القراءات وعللها: 1/341]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (14- وقوله تعالى: {فجزاء مثل ما قتل} [95].
قرأ أهل الكوفة {فجزاء} بالتنوين {مثل} بالرفع. وقرأ الباقون مضافًا. فمن نون جعله رفعًا بالابتداء، وجعل المثل خبره.
والكوفيون يقولون رفعًا بالصفة، والبصريون بالابتداء، ومن أضاف فمعناه: جزاء مثل المقتول). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
قال أبو عبد الله الحسين بن أحمد ابن خالويه الهمَذاني (ت: 370هـ): (15- وقوله: {أو كفرة طعام مسكين} [95].
قرأ نافع وابن عامر {كفرة طعام مساكين} مضافًا.
وقرأ الباقون منونًا، ورفعوا الطعام؛ لأن الطعام هي الكفارة). [إعراب القراءات السبع وعللها: 1/149]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين في قوله تعالى: فجزاء مثل ما قتل [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير ونافع وأبو عمرو وابن عامر: فجزاء مثل ما مضافة بخفض مثل.
وقرأ عاصم وحمزة والكسائي: فجزاء مثل جزاء منون، ومثل مرفوع.
حجّة من رفع المثل أنه صفة للجزاء، والمعنى: فعليه جزاء من النّعم مماثل المقتول، والتقدير: فعليه جزاء وفاء للّازم له، أو: فالواجب عليه جزاء من النعم مماثل ما قتل من الصيد، ف من النعم على هذه القراءة صفة للنّكرة، والتي هي جزاء وفيه
[الحجة للقراء السبعة: 3/254]
ذكره، ويكون مثل صفة للجزاء، لأنّ المعنى عليه جزاء مماثل للمقتول من الصيد من النعم. والمماثلة في القيمة أو الخلقة على حسب اختلاف الفقهاء في ذلك، ولا ينبغي إضافة جزاء إلى المثل، ألا ترى أنّه ليس عليه جزاء مثل ما قتل في الحقيقة. إنّما عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، ولا جزاء عليه لمثل المقتول الذي لم يقتله، فإذا كان ذلك كذلك، علمت أنّ الجزاء لا ينبغي أن يضاف إلى المثل، لأنّه يوجب جزاء المثل، والموجب جزاء المقتول من الصيد، لا جزاء مثله الذي ليس بمقتول. ولا يجوز أن يكون قوله: من النعم على هذه القراءة متعلّقا بالمصدر كما جاز أن يكون الجار متعلقا به في قوله: جزاء سيئة بمثلها [يونس/ 27]، لأنك قد وصفت الموصول، فإذا وصفته لم يجز أن تعلّق به بعد الوصف شيئا، كما أنّك إذا عطفت عليه أو أكّدته لم يجز أن تعلّق به شيئا بعد العطف عليه، والتأكيد له.
وأما قراءة من أضاف الجزاء إلى المثل، فإنّ قوله: من النعم يكون صفة للجزاء، كما كان في قول من نوّن ولم يضف صفة له. ويجوز فيه وجه آخر لا يجوز في قول من نوّن ووصف، وهو أن يقدره متعلّقا بالمصدر، ولا يجوز على هذا القول أن يكون
[الحجة للقراء السبعة: 3/255]
فيه ذكر كما تضمّن الذكر لمّا كان صفة، وإنّما جاز تعلّقه بالمصدر على قول من أضاف لأنّك لم تصف الموصول كما وصفته في قول من نوّن، فيمتنع تعلّقه به، والدليل على أن المثل منفصل مما أضيف إليه، وأن المضاف إليه لا يقع عليه المثل في المعنى قول دريد بن الصمّة:
وقاك الله يا ابنة آل عمرو... من الأزواج أمثالي ونفسي
وقالت إنّه شيخ كبير... وهل نبّأتها أنّي ابن أمس
ألا ترى أنّ نفسه لو دخلت في جملة قوله: أمثالي، لم يحتج أن يقول: نفسي.
وأما من أضاف الجزاء إلى مثل، فقال: فجزاء مثل ما قتل من النعم [المائدة/ 95] فإنّه وإن كان عليه جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنّهم قد يقولون: أنا أكرم مثلك، يريدون: أنا أكرمك، فكذلك إذا قال: فجزاء مثل ما قتل، فالمراد: جزاء ما قتل، كما أن المراد في: أنا أكرم مثلك: أنا أكرمك. فإذا كان كذلك كانت الإضافة في المعنى كغير الإضافة، لأنّ المعنى: فعليه جزاء ما قتل، ومما يؤكد أنّ المثل، وإن كان قد أضيف إليه الجزاء، فالمعنى: فعليه جزاء المقتول لا جزاء مثله الذي لم
[الحجة للقراء السبعة: 3/256]
يقتل: قوله تعالى: أومن كان ميتا فأحييناه وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كمن مثله في الظلمات [الأنعام/ 122] والتقدير:
أفمن جعلنا له نورا يمشي به كمن هو في الظلمات، والمثل والمثل، والشّبه والشّبه واحد، فإذا كان مثله في الظلمات فكأنّه هو أيضا فيها. وقوله: وجعلنا له نورا يمشي به في الناس كقوله:
يؤتكم كفلين من رحمته ويجعل لكم نورا تمشون به [الحديد/ 28] وقال: انظرونا نقتبس من نوركم قيل ارجعوا وراءكم فالتمسوا نورا [الحديد/ 13] وقال: نورهم يسعى بين أيديهم وبأيمانهم [التحريم/ 8] ولو قدّرت الجزاء تقدير المصدر، فأضفته إلى المثل، كما تضيف المصدر إلى المفعول به، لكان في قول من جرّ مثلا على الاتساع الذي وصفنا، ألا ترى أن المعنى: فجزاء مثل ما قتل أي يجازى مثل ما قتل، والواجب عليه في الحقيقة جزاء المقتول لا جزاء مثل المقتول). [الحجة للقراء السبعة: 3/257]
قال أبو علي الحسن بن أحمد بن عبد الغفار الفارسيّ (ت: 377هـ): (واختلفوا في الإضافة والتنوين من قوله [جلّ وعز]: أو كفارة طعام مساكين [المائدة/ 95].
فقرأ ابن كثير وعاصم وأبو عمرو وحمزة والكسائي: أو كفارة منونا طعام رفعا مساكين جماعة.
وقرأ نافع وابن عامر: أو كفارة رفعا غير منون، طعام
[الحجة للقراء السبعة: 3/257]
مساكين على الإضافة، ولم يختلفوا في مساكين أنه جمع.
وجه قول من رفع طعام مساكين أنّه جعله عطفا على الكفارة عطف بيان لأنّ الطعام هو الكفّارة، ولم يضف الكفّارة إلى الطعام لأنّ الكفّارة ليست للطعام، إنّما الكفّارة لقتل الصّيد، فلذلك لم يضيفوا الكفّارة إلى الطعام.
ومن أضاف الكفّارة إلى الطعام، فلأنّه لما خيّر المكفّر بين ثلاثة أشياء: الهدي، والطعام، والصيام، استجاز الإضافة لذلك، فكأنّه قال: كفّارة طعام لا كفّارة هدي، ولا كفّارة صيام، فاستقامت الإضافة عنده لكون الكفّارة من هذه الأشياء). [الحجة للقراء السبعة: 3/258]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة أبي عبد الرحمن: [فجزاءٌ] رفع منون، [مثلَ] بالنصب.
قال أبو الفتح: [مثلَ] منصوبة بنفس الجزاء؛ أي: فعليه أن يجزِي مِثْلَ ما قَتَلَ، [فمثلَ] إذن
[المحتسب: 1/218]
في صلة الجزاء، والجزاء مرفوع بالابتداء، وخبره محذوف؛ أي: فعليه جزاءٌ مثلَ ما قتل، أو فالواجب عليه جزاءٌ مثل ما قتل، فلما نوَّن المصدر أَعمله كقوله:
بضربٍ بالسيوف رءوسَ قوم ... أزَلْنَا هَامَهُنَّ عن الْمَقيل). [المحتسب: 1/219]
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة محمد بن علي وجعفر بن محمد: [يَحْكُمُ بِهِ ذُو عَدْلٍ مِنْكُمْ].
قال أبو الفتح: لم يوحِّد ذو؛ لأن الواحد يكفي في الحكم؛ لكنه أراد معنى مَنْ؛ أي: يحكم به مَنْ يعدل، ومن تكون للاثنين كما تكون للواحد، نحو قوله:
نَكُنْ مثلَ من يا ذئبُ يصطحبانِ). [المحتسب: 1/219]
قال أبو زرعة عبد الرحمن بن محمد ابن زنجلة (ت: 403هـ) : ({ومن قتله منكم متعمدا فجزاء مثل ما قتل من النعم يحكم به ذوا عدل منكم هديا بالغ الكعبة أو كفّارة طعام مساكين}
قرأ عاصم وحمزة والكسائيّ {فجزاء} منون {مثل} رفع وقرأ الباقون {فجزاء مثل} مضافا فمن رفعهما جميعًا فرفعه على معنى فعليه جزاء مثل الّذي قتل فيكون مثل من نعت الجزاء قال الزّجاج ويجوز أن يرتفع جزاء على الابتداء يكون مثل {ما قتل} خبر الابتداء فيكون المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل ومن خفض أراد فعليه جزاء مثل ذلك المقتول من النعم
وقال الآخرون إذا نون فكأنّه قال فجزاؤه عليه ثمّ فسر فأبدل مثل من الجزاء وإذا أضيف فكأنّه قال فجزاء مثل المقتول واجب عليه أي فداؤه
واختلف العلماء في تأويل هذه الآية فذهب الشّافعي أن الرجل
[حجة القراءات: 235]
إذا اصاب صيدا وهو محرم في الحرم يجب عليه مثل المقتول من الصّيد من النعم من طريق الخلقة لأن القيمة فيما له مثل ذلك أن الرجل إذا اصاب صيدا وهو محرم في الحرم يحكم عليه فقيهان مسلمان وهما اللّذان ذكرهما الله جلّ وعز {يحكم به ذوا عدل منكم} فيقولان له هل أصبت صيدا قبل هذا فإن قال نعم لم يحكما عليه وقالا الله ينتقم منه وإن قال لا حكما عليه بمثل ما أصاب إن أصاب حمار وحش فعليه بدنة وإن أصاب ظبيًا فعليه شاة والّذي يدل على مذهبه قوله {فجزاء مثل} المعنى فجزاء ذلك الفعل مثل ما قتل والمثل في ظاهره يقتضي المماثلة من طريق الصّورة لا من طريق القيمة
ودليل آخر قد قلنا إن قوله {فجزاء} رفع بالابتداء و{مثل} خبره أو بدل منه أو نعت وإذا كان بدلا منه أو مبتدأ يكونان شيئا واحدًا لأن خبر الابتداء هو الأول إذا قلت زيد منطلق فالخبر هو نفس الأول وكذلك البدل هو المبدل منه وكذلك النّعت هو المنعوت
ودليل آخر أنه قرنه بالنعم فقال {فجزاء مثل ما قتل من النعم} فدلّ على أن ذلك يعتبر فيه الخلقة لا القيمة
ومذهب أبي حنيفة أنه يقوم الصّيد المقتول قيمته من الدّراهم
[حجة القراءات: 236]
ثمّ يشتري القاتل بقيمته فداء من النعم ثمّ يهديه إلى الكعبة واستدلّ على هذا بقراءة من قرأ {فجزاء مثل} مضافا أي فعليه جزاء مثله او جزاء مثل المقتول واجب عليه ووجه الدّليل في هذا أنّك إذا أضفته يجب أن يكون المضاف غير المضاف إليه لأن الشّيء لا يضاف إلى نفسه قال فيجب أن يكون المثل غير الجزاء
قرأ نافع وابن عامر {أو كفّارة} غير منون {طعام} خفض
وقرأ الباقون {كفّارة} منون {طعام} رفع وحجتهم أن الطّعام هو الكفّارة فلا وجه لإضافتها إلى نفسها والشّيء لا يضاف إلى نفسه
وحجّة من أضاف قوله {إن هذا لهو حق اليقين} فأضاف الحق إلى اليقين وهما واحد والشّيء يضاف إلى نفسه وقال {ولدار الآخرة} ومذهب الفراء إنّما جاز أن تضاف الكفّارة إلى الطّعام لاختلاف اللّفظين). [حجة القراءات: 237]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (34- قوله: {فجزاءٌ مثل ما قتل} قرأه الكوفيون «فجزاءٌ» بالتنوين، ورفع «مثل» وقرأ الباقون بغير تنوين، وخفض مثل»
وحجة من نون أنه لما كان «مثل» في المعنى صفة لـ «جزاء» ترك إضافة المووف إلى صفته، وأجراه على بابه، فرفع «جزاء» بالابتداء والخبر محذوف تقديره: عليه جزاء، وجعل «مثلا» صفة لـ «جزاء» على تقدير: فجزاء مماثل للمقتول من الصيد في القيمة أو في الخلقة، وبعدت الإضافة في المعنى؛ لأنه في الحقيقة ليس على قاتل الصيد جزاء مثل ما قتل، إنما عليه جزاء المقتول بعينه، لا جزاء مثله؛ لأن مثل المقتول من الصيد لم يقتله، فيصير المعنى على الإضافة: عليه جزاء ما لم يقتل.
35- وحجة من أضاف أن العرب تستعمل في إرادة الشيء مثله يقولون: إني أكرم مثلك أي أكرمك، وقد قال الله جل ذكره: {فإن آمنوا بمثل ما آمنتم به} «البقرة 137» أي: بما آمنتم لا بمثله، لأنهم إذا آمنوا بمثله لم يؤمنوا، فالمراد بالمثل الشيء بعينه، وقال تعالى: {كمن مثله في الظلمات} «الأنعام 122» أي: كمن هو في الظلمات، والمثَل والمثْل واحد، ولو كان المعنى على مثل وبابه لكان الكافر ليس في الظلمات، إنما في الظلمات مثله لا هو فالتقدير على هذا في الإضافة: فجزاء المقتول من الصيد يحكم به ذوا عدل، فيصح معنى الإضافة، والقراءتان قويتان لكن التنوين أحب إليّ لأنه الأصل، ولأنه لا إشكال فيه). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/418]
قال مكي بن أبي طالب القَيْسِي (ت: 437هـ): (36- قوله: {كفارة طعام مساكين}، قرأ نافع وابن عامر بالإضافة، وقرأ الباقون بالتنوين، ورفع الطعام، وكلهم قرأ مساكين بالجمع.
والحجة في هذا كالحجة فيما ذكرنا في سورة البقرة، غير أن «الطعام»
[الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/418]
عطف بيان على «الكفارة» لأن الكفارة هي «الطعام»، وتبعد إضافة الكفارة إلى «الطعام» لأنها هي، ولأن الكفارة ليست للطعام، إنما الكفارة لقتل الصيد، لكن من أضاف حسن عنده ذلك، لأنه لما تقدم التخيير بين «الهدي» و«الطعام » و«الصيام» استجاز الإضافة إلى أحدهما، ليبين من أي جنس تكون «الكفارة» فكأنه في التقدير: فعليه كفارة طعام لا كفارة هدي ولا كفارة صيام، وإنما أجمعوا على القراءة في «مساكين» بالجمع؛ لأن قتل الصيد لا يجز فيه إطعام مسكين واحد كما كان في إفطار يوم إطعام مسكين واحد، وقرئ بالتوحيد في البقرة لهذا المعنى، ولا يجوز التوحيد في هذا الموضع، لأنه يصير حكمًا لمن قتل صيدًا أن يجزئه إطعام مسكين واحد، وذلك لا يجوز، والاختيار التنوين في «كفارة» لأن عليه المعنى، وهو الأصل، وعليه أكثر القراء، ولأن الكفارة هي الطعام بعينه والإضافة بعيدة). [الكشف عن وجوه القراءات السبع: 1/419]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (18- {فَجَزَاءٌ} منون {مِثْلُ} رفع، [آية/ 95]:-
قرأها الكوفيون ويعقوب.
وجه ذلك أن المعنى: فعليه جزاء من النعم، مماثل للمقتول من الصيد، فجزاء مبتدأ، وخبره محذوف، وهو عليه، و{مِثْلُ} صفة لجزاء، ومعناه مماثل، وتقديره: جزاء مماثل لما قتل على ما سبق.
[الموضح: 450]
وإنما لم يضيفوا {جَزَاءٌ} إلى {مِثْلُ} في هذه القراءة، كما في القراءة الأخرى؛ لأنه ليس عليه في الحقيقة جزاء مثل ما قتل، وإنما عليه جزاء ما قتل.
وقرأ الباقون {فَجَزَاءٌ مِثْلُ} بإضافة {جَزَاءٌ} وجر {مِثْلُ}.
والوجه أنه وإن كان الواجب جزاء المقتول لا جزاء مثله، فإنهم يقولون: أنا أكرم مثلك، ويريدون أنا أكرمك، فكذلك المراد في قوله تعالى {فَجَزَاءٌ مِثْلُ مَا قَتَلَ} جزاء ما قتل، والمثل في تقدير الزيادة). [الموضح: 451]
قال نصر بن علي بن أبي مريم (ت: بعد 565هـ) : (19- {أَوْ كَفَّارَةٌ} بلا تنوين {طَعَامُ} جر بالإضافة، [آية/ 95]:-
قرأها نافع وابن عامر.
ووجه ذلك أنه لما كان المكفر مخيرًا بين الهدي والطعام والصيام، كان كل واحد من الثلاثة كفارة، فجازت الإضافة، كأنه قال: فكفارة طعام لا كفارة هذي ولا كفارة صيام.
وقرأ الباقون {كَفَّارَةٌ} بالتنوين {طَعَامُ} بالرفع.
والوجه أن {طَعَامُ مَسَاكِينَ} معطوف على {كَفَّارَةٌ} عطف البيان، وهو تابع لها؛ لأن الطعام هو الكفارة، ولم يضيفوا الكفارة إلى الطعام؛ لأن المكفر لا يكفر الطعام، إنما يكفر قتل الصيد). [الموضح: 451]

قوله تعالى: {أُحِلَّ لَكُمْ صَيْدُ الْبَحْرِ وَطَعَامُهُ مَتَاعًا لَّكُمْ وَلِلسَّيَّارَةِ وَحُرِّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدُ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حُرُمًا وَاتَّقُواْ اللّهَ الَّذِيَ إِلَيْهِ تُحْشَرُونَ (96)}
قال أبو الفتح عثمان بن جني الموصلي (ت: 392هـ): (ومن ذلك قراءة ابن عباس: [وحَرَّمَ عَلَيْكُمْ صَيْدَ الْبَرِّ مَا دُمْتُمْ حَرَمًا].
قال أبو الفتح: معنى [حَرَمًا] راجع إلى معنى قراءة الجماعة [حُرُمًا]؛ وذلك أن الْحُرُم جمع حرام، والْحَرَم المحرَّم، فهو في المعنى مفعول، فجعلهم حَرَمًا؛ أي: هم في امتناعهم مما يمتنع منع الْمُحْرِم، وامتناع ذلك أيضًا منهم كالْحَرَم، فالمعنينان إذن واحد من حيث أَرينا). [المحتسب: 1/219]

روابط مهمة:
- أقوال المفسرين


رد مع اقتباس