عرض مشاركة واحدة
  #1  
قديم 9 ربيع الثاني 1441هـ/6-12-2019م, 06:29 PM
عبد العزيز بن داخل المطيري عبد العزيز بن داخل المطيري غير متواجد حالياً
المشرف العام
 
تاريخ التسجيل: Sep 2008
المشاركات: 2,179
افتراضي بصائر في الرقية وعلاج السحر والعين

بصائر في الرقية وعلاج السحر والعين

الحمد لله الذي لا إله إلا هو له الملك وله الحمد وهو على كل شيء قدير، على الله توكلنا وإليه أنبنا وإليه المصير، والصلاة والسلام على النبي المصطفى، والرسول المجتبى، والبشير النذير، نبينا محمد وعلى آله وصحبه أجمعين، ومن تبعهم بإحسان إلى يوم الدين، أما بعد:

فهذه بصائر أرجو أن تكون نافعة في الرقية وعلاج السحر والعين لخصتها في مباحث مختصرة دعاني لتسطيرها هنا كثرة ما يردني من الأسئلة المتعلقة بالسحر والعين وأسباب الشفاء منهما.

أعراض السحر والعين:
ثلاثة أعراض أجدها مشتركة لدى كثير من المسحورين والمعيونين، وتتفاوت درجة إصابتهم بها، وأشد الحالات سوءاً من اجتمعت فيه بدرجة عالية:
‏1: الخمول الشديد
2: والتشاؤم.
3: والتفكير السلبي.
هذا هو الثالوث المدمر للصحة النفسية، ومن استطاع علاجها والتخلص منها تحسنت حالته، وخفّ عنه أثر السحر والعين كثيراً؛ بإذن الله تعالى.
وهذه الأعراض لا تكفي للحكم على الشخص بأنه مسحور أو معيون، لكنها أعراض مشتركة ويتفاوت فيها المصابون، وهي مع ضميمة أعراض أخرى قد تدلّ على الإصابة بالعين أو السحر، والتعافي منها يخفف كثيراً من أثر السحر والعين.

أولا: الخمول الشديد:
تكمن خطورة الخمول في أمرين:
1: أنه سبب لانطواء الإنسان وانعزاله واستسلامه لوساوس الشيطان.
2: أنه يُقعِد الإنسان عن الإنجاز والعمل الذي يشعره بالبهجة والسرور، فيرتدّ عليه شعور بالخيبة والإحباط يزيد حاله سوءاً.

ويجب على المسحور والمعيون أن يتخلّصا من الخمول وأن لا يستسلما له، وليبحثا عن دواء له ، ومن غُلب فليشغل ذهنه بما يفيد وليستمع للقرآن وليحذر الوساوس والأفكار السلبية.

• وللخمول أسباب عضوية ونفسية:
- فأما الأسباب العضوية فيبحث عن تشخيصها وعلاجها لدى الأطباء، وقد تباحثت مع عدد من الأطباء فكان مما ذكروه أنّ للخمول أسباباً كثيرة من أشهرها نقص بعض الفيتامينات وضعف إفراز بعض الغدد، والمعادن الضارة.
وقد وازنت بين ما قاله لي الأطباء وما ورد من الأحاديث والآثار في علاج السحر والعين؛ فوجدت أنّ كثيراً من الأسباب والأدوية لها صلة بصحة جريان الدم في الجسم، وأنه كلما كان جريان الدم في جسم الإنسان صحيحاً كان جسدهُ أصحّ وكان أكثر نشاطاً وحيوية.
وقد ذكروا أغذية وأدوية تنشط الدورة الدموية، لكني لا أرغب في ذكرها لاعتبارات:
منها: أنني لست طبيباً.
ومنها: أن الأجسام تختلف، وقد يكون لدى بعض الناس علل أخرى لا تناسبهم معها بعض تلك الأغذية والأدوية.
فلذلك فإنَّ الأفضل أن يبادر المصاب بالخمول بزيارة الطبيب وعرض حالته عليه، لكنني أنبّه – فيما يخصّ حالات السحر والعين - إلى أنّ كثيراً من الأطباء لا يعير أمر الخمول اهتماماً كافياً لانصراف اهتمامهم بالآثار العضوية التي تسبب أمراضاً ظاهرة، وقد يغفلون عن أنّ أثر الخمول على المصابين بالسحر والعين شديدٌ جداً، ويزيد حالهم سوءاً، بل من الأطباء من لا يقرّ بالسحر والعين أصلاً.
فلذلك فإني أوصي من يخبره الطبيب بأنه سليم من الناحية العضوية، وهو يجد من نفسه خمولاً شديداً أن يطلب منه ما ينشّط دورته الدموية ويخفف عنه الخمول، وأن لا يهمل هذه القضية لأنها أصل مهم في علاج السحر والعين.

- وأما الأسباب النفسية للخمول فكثيرة، ومنها غلبة الهمّ والحزن، والانطواء والعزلة، و
الإحباط المتكرر، وغيرها.
ومن وجد من نفسه أو على من يسعى في علاجه من المسحورين والمعيونين شيئاً من ذلك فليجتهد في دفعه بما يستطيع من الأسباب، ومنها المؤانسة، والمشاركة الإيجابية، والإشغال بما يُشعره بالإنجاز والتقدم، وأن يعينه على تصحيح مساره في الحياة.

ثانياً: التشاؤم
التشاؤم سيء الأثر جداً على المسحور والمعيون، إذ يُغلق به الشيطان على الإنسان أبواب الأمل حتى يهزمه نفسياً، ويضعف تحمّله لما يجد حتى ربما وصل به الأمر إلى أن تؤذيه بعض الكلمات اليسيرة إيذاء بالغاً.
وعلاج التشاؤم: حسن الظن بالله والتوكل عليه والدعاء والاستكثار من الأعمال الصالحة وخصوصا كثرة الذكر والاستغفار.
ولا يحل لمؤمن أن يتشاءم، بل ينبغي للمؤمن أن يكون قوياً في إيمانه قوياً في توكله على الله، قوياً في مواجهة أذى أعدائه من شياطين الإنس والجن، ولذلك ينبغي لكل إنسانٍ أن يسعى في تقوية نفسه لتحمّل الأعباء والمسؤوليات والصدمات حتى تخفّ عليه ويجتازها بعون الله، فلا يكون لها تأثير على صحته النفسية وحياته.

ثالثاً: التفكير السلبي
التفكير السلبي هو كل تفكير يضرّك ولا ينفعك، ويجلب لك همّاً وغماً أو حزناً وضيقاً، أو حيرة واضطراباً.
وله صور من أشهرها:
1: إشغال الذهن بأمور سيئة ماضية يتأذى المرء بتذكرها ولا تنفعه.
2: الإغراق في خيالٍ لا يمكن أن يتحقق إلا بمعجزة أو معجزات، ويكثر في حالات السحر إغراق المسحور نفسه في الأفكار الخيالية هروباً من الواقع، فإذا عاد إلى واقعه صدم مرة أخرى وأصيب بإحباط تزداد به حالته سوءاً.
3: سوء الظنّ بالناس والتشكيك فيهم، وتحميل مواقفهم ما لا تحتمل، وإرهاق النفس بتحليل مواقفهم ودوافعهم.

وأنجع علاج للتفكير السلبي إشغال الذهن بما ينفع، ووضع تراتيب في اليوم والليلة لأعمال يشغل المرء بها نفسه وتعود عليه بالنفع؛ لأن نفسك إن لم تشغلها بما ينفعك شغلتك بأهوائها وما يضرك.
ومن العلاج النافع أيضاً أن يعامل الناس بحسن الظنّ مع الحذر ممن يرتاب منه، ولا يشغل ذهنه وتفكيره بالناس وما يصدر منهم من تصرفات، وليُعلم أن بعض الظن إثم، ومن ظن فلا يحقق.
والارتباط ببرنامج علمي أو عملي نافع يخفف كثيراً من حالات التفكير السلبي.
وأهم من هذا كلّه أن يدرك المسحور أن التفكير السلبي مضرٌّ به جداً.

وإذا تخلص المسحور والمعيون من الخمول والتشاؤم والتفكير السلبي تحسنت حاله كثيراً ولو لم يتعالج بالرقية؛ لأنَّ هذه الأعراض كالقاعدة التي توفر بيئة خصبة لتلك الآفات فيتعاظم خطرها، ويشتدّ أثرها.
والرقية الصحيحة نافعة جداً لمن أحسنها.

أثر القوّة المعنوية في دفع الأمراض الروحية:
قوة النفس لها أثر كبير بإذن الله تعالى في دفع كثيرٍ من الآفات النفسية والأمراض الروحية، وتخفيف ما يشتدّ منها، وهي معينة على نجاح خطة العلاج وسرعة تحقق الشفاء.
ومن كان ضعيفاً في نفسه كان سهل الانهزام أمام تلك الآفات؛ فتسهل سيطرة الشياطين عليه، وتسترسل في أذيته.

فلذلك فإنّ من الأمور المهمة في علاج السحر والعين أن يكون المرء قوياً في نفسه غير ضعيف؛ وأن لا يستسلم للخواطر الشيطانية، ولا للتخوفات الوهمية.

وليخلّص نفسه مما يوهنها ويضعفها من التفكير المغرق في الشهوات والتعلّق بها ولا سيّما المحرمة منها، فإنّ من تعلّق شيئاً دون الله عُذّب به، وليأخذ من الشهوات المباحة بقدر يكتفي به ولا يعلّق نفسه ويعذّبها به؛ فالتعلق مظنّة الابتلاء، وهو من أسباب ضعف النفس أمام ما تعلّقت به.

وليجتهد في تقوية نفسه بحسن الظنّ بالله، والتوكّل عليه، والثقة به، ثم ليقرأ في سير الأقوياء وأخبارهم ولا سيما أئمة المسلمين؛ فإنّ القراءة في سيرهم وأخبارهم ولا سيّما ما يتّصل بطرقهم في التعامل مع المخاوف والمؤذيات مما يكسب الإنسان قوة نفسية.

وقد رُوي عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه قال: (أيما رجل منكم تخيَّل له الشيطان حتى يراه، فلا يصدنَّ عنه وليمضِ قدماً فإنهم منكم أشد فرقاً منكم منهم، فإنه إن صدَّ عنه ركبه، وإن مضى هرب منه).
قال مجاهد: (أنا ابتُليتُ به حتى رأيته فذكرت قول ابن عباس رضي الله عنهما فمضيتُ قدماً فهرب مني). رواه أبو الشيخ الأصبهاني في العظمة وفي إسناده رجل مجهول العين.
وروى ابن عساكر عن مجاهد أنه قال: (بينا أنا أصلي ذات يوم إذ قام مثل الغلام ذات ليلة فشددتُ عليه لآخذه؛ فوثب فوقع خلف الحائط حتى سمعت وقعتَه؛ فما عاد إليَّ بعد ذلك.
قال مجاهد: (وإنهم يهابونكم كما تهابونهم من أجل ملك سليمان بن داود).

والقوة النفسية قائمة على أصلين مهمّين:
أحدهما: البصيرة بقدر العدوّ ومبلغ كيده، والبصيرة بما وهبك الله مما تدفع به كيد عدوك أو تخفف منه.
والآخر: العزيمة على فعل الأسباب المقوّية للنفس والمنجية من تسلط العدوّ.

والمقصود أنّ القوة النفسية لها أثر ظاهر في السلامة من كثير من الأمراض النفسية والروحية ومنها السحر والعين، والتخفيف من أثر الشديدة منها بإذن الله.
- قال ابن القيّم رحمه الله: (وعند السَّحَرَة: أنَّ سِحرَهم إنما يَتِمُّ تأثيره فى القلوب الضعيفة المنفعِلة، والنفوس الشهوانية التي هي معلَّقةٌ بالسُّفليات، ولهذا فإنَّ غالب ما يؤثِّر فى النساءِ، والصبيان، والجُهَّال، وأهل البوادي، ومَن ضَعُف حظُّه من الدين والتوكل والتوحيد، ومَن لا نصيبَ له من الأوراد الإلهية والدعوات والتعوُّذات النبوية).

تنوّع آثار السحر على المسحور:
السحر له أنواع كثيرة، ويختلف أثرها على المريض بحسب نوع السحر، ووصوله إلى البدن.
وقد تتداخل بعض الأنواع فتتداخل بعض أعراضها وتشكل على المعالج، لكن مما يمكن أن يتضح به شيء من الأمر للمسحور ومن يعنيه أمره الأمور التالية:
- يكثر في حالات السحر المأكول والمشروب الإصابة بأمراض القولون والجهاز الهضمي، والضغط النفسي الذي يجده المسحور يزيد الحالة سوءاً.
- ويكثر في حالات السحر المدفون الإصابة بفتور القدمين والساقين ولا سيما بين النوم واليقظة، وعند الاستيقاظ من النوم يجد ثقلا في قدميه.
- ويكثر في حالات السحر المشموم الإصابة بالتهابات الجيوب الأنفية وحساسية الأنف، مع وجود الأعراض العامة للسحر.

الاستغسال من العين:
العين حقّ، والاستغسال من العين مشروع، وقد صحّ الأمر به عن النبي صلى الله عليه وسلم، وصحّ إلزام من استُغسل أن يغتسل.
وقد ذهب الطحاوي رحمه الله في شرح مشكل الآثار إلى أنه الاستغسال منسوخ بنزول المعوذتين، وساق بعض الأدلة التي فيها الإرشاد إلى الرقية ومنها حديث أبي سعيد الخدري رضي الله عنه مرفوعاً: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم كان يتعوذ من الجان وعين الإنسان حتى نزلت عليه المعوذتان فلما نزلتا أخذ بهما وترك ما سواهما.
ففهم منه الطحاوي أن النبي صلى الله عليه وسلم ترك الأمر بالاغتسال لذلك، وهذا القول غير صحيح لأمرين:
الأمر الأول: أن قوله: (وترك ما سواهما) ظاهر من سياق الحديث أنه أراد التعويذات، ثم هو ليس بالترك التام؛ بدليل ما صحّ عن النبيّ صلى الله عليه وسلم من تعويذات أخرى غير المعوذتين؛ كالتعويذة التي كان يعوذ بها الحسن والحسين، وتعويذة جبريل عليه السلام التي أولها: (أعوذ بكلمات التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر...) ، وغيرها من التعويذات التي صحّت عن النبي صلى الله عليه وسلم.
والأمر الثاني: أن جماهير العلماء على عدم النسخ، بل نصّ جماعة منهم على أن العائن إذا استغسل وجبَ عليه أن يغسل، ولو أن يُجبر على ذلك؛ كما ذكره المازري والنووي وابن عبد البر وابن حجر وغيرهم.
وأثر الزهري المشهور في صفة الاغتسال للعين وتداول العلماء له في كتبهم ونص الفقهاء في المذاهب الأربعة على وجوب غسل العائن كل ذلك دليل يقيني على عدم النسخ، وأن ما فهمه الطحاوي رحمه الله غير ظاهر من دلالة الحديث، ولذلك لم يذهب إليه أحد من الأئمة المعروفين فيما أعلم.
ثم إنّ الاغتسال علاج قد جعل الله له أثراً معلوما، وهو مما يدرك أثره بالتجربة، ولم يزل الناس يعرفون أثر الاغتسال في أحوال كثيرة ويحفظ الناس من قصص الشفاء بسبب الاغتسال ما لا يكاد يُحصى كثرة، وهو في الأصل يكفي فيه الإذن مع ثبوت نفعه بالتجربة حتى لو لم يرد في السنة الأمر به؛ فكيف وقد صحّ فيه سنة نبوية مشهورة، وصحّ إلزام من استغسل بأن يغسل كما في صحيح مسلم وغيره من حديث ابن عباس رضي الله عنهما أن النبي صلى الله عليه وسلم قال: (العين حق، ولو كان شيء سابق القدر سبقته العين، وإذا استغسلتم فاغسلوا).
ولو كان الاغتسال غير نافع لنهى عنه النبي صلى الله عليه وسلم كما نهى عن كثير من الأمور التي لا تنفع مما كانت العرب تفعله في الجاهلية.

غير أنّي أنبّه في الاغتسال إلى أمور:
منها: أن الأكمل في الاغتسال ما وردت به السنّة؛ فإن لم يتيسر بذلك المصاب ما يستطيع من سبب يكون به أثر من العائن؛ فيرجى أن ينفعه.
ومنها: أن الغسل المأخوذ من العائن يختلف استعمال باختلاف موضع الإصابة؛ فإن كان المصاب ظاهر الجسد فالرقية مما يغتسل به، وإن كان المصاب داخل الجسد فيأخذ من أثر العائن وسؤره الطاهر ما يشربه ليصل الأثر إلى موضع الإصابة.
ومنها: أنه لا يسوغ أن يشرب المصاب ما يُستقذر شربه من أثر العائن كغسالة ملابس وما يمسح به موطئ قدمه من نعله ونحو ذلك.
ومنها: أن المرأة الحامل وخصوصاً في أوّل حملها لا تنصح بأخذ الأثر ولا الاغتسال به؛ لأنه قد وردت تجارب عدة أدت إلى إسقاط الحمل بعد أخذ الأثر.
ومنها: أن الطفل الرضيع الأولى أن يُرقى ويعوّذ؛ ولا يغتسل له، فإن احتيج إلى الاغتسال فلا يعمم جسده بالغسل، وإنما يعطى منه شيئاً يسيراً على حذر، فقد وردتني حالات لأمهات اجتهدن في أخذ الأثر لأطفالهن الرضّع وعمَّمْن أجسادهم بالمسح من أثر العائن؛ ثم ماتوا بعد أخذ الأثر.

الرقى والتعويذات الشرعية:
ينبغي للمؤمن أن يتعاهد نفسه بالرقى والتعويذات الشرعية؛ فهي حصن بإذن الله تعالى من كيد الشياطين ومن السحر والعين والحسد.
وكان النبي صلى الله عليه وسلم يرقي نفسه بالمعوذات كلّ ليلة، وأوصى بقراءة آية الكرسي كل صباح ومساء وعند النوم، وأقرّ الصحابة على الرقية بفاتحة الكتاب.
وفي صحيح البخاري من حديث عَائِشَةَ رضي الله عنها أن النبي صلى الله عليه وسلم كان إذا أوى إلى فراشه كلَّ ليلة جمع كفيه ثم نفث فيهما؛ فقرأ فيهما: {قل هو الله أحد}، و {قل أعوذ برب الفلق}، و {قل أعوذ برب الناس}؛ ثم يمسح بهما ما استطاع من جسده؛ يبدأ بهما على رأسه ووجهه، وما أقبل من جسده، يفعل ذلك ثلاث مرات.
وفي هذا اللفظ ما يفيد هذا الترتيب: يجمع كفيه، ثم ينفث فيهما، ثم يقرأ مباشرة، ثم يمسح جسده، فتكون الرقية على الكفين وما فيهما من الريق الذي نفثه.
وفي مسند الإمام أحمد عن عائشة رضي الله عنها قالت: (كان رسول الله صلى الله عليه وسلم إذا أراد النوم جمع يديه فينفث فيهما ثم يقرأ {قل هو الله أحد} و {قل أعوذ برب الفلق} و {قل أعوذ برب الناس}، ثم يمسح بهما وجهه ورأسه وسائر جسده).
قال عُقيل -راوي هذا الحديث عن ابن شهاب الزهري-: ورأيت ابن شهاب يفعل ذلك.
وفي صحيح البخاري عن معمر أنه سأل الزهري: كيف ينفث؟ قال: (كان ينفث على يديه ثم يمسح بهما وجهه).
وهذا كما تقدم لتبلغ الرقية الريق الذي في الكفين ثم يمسح جسده بما قد قرئ عليه من الريق وباطن الكفين.
وقد ورد عن الصحابة العمل بالأمرين: تقديم النفث على القراءة وهو الأكثر، وورد تقديم القراءة على النفث، وفي ذلك آثار عن الصحابة لا نطيل بذكرها.

ومن التعويذات النافعة تعويذة جبريل عليه السلام التي علمها للنبي صلى الله عليه وسلم ليلة الجنّ، كما في مسند الإمام أحمد ومصنف ابن أبي شيبة وغيرهما من حديث أبي التيَّاح قال: سأل رجل عبد الرحمن بن خنبش رضي الله عنه وكان شيخاً كبيراً قد أدرك النبيَّ صلى الله عليه وسلم: كيف صنع رسول الله صلى الله عليه و سلم حين كادته الشياطين؟
قال: (جاءت الشياطين إلى رسول الله صلى الله عليه وسلم من الأودية، وتحدَّرت عليه من الجبال، وفيهم شيطان معه شعلة من نار يريد أن يحرق بها رسول الله صلى الله عليه وسلم).
قال: (فرعب؛ جعل يتأخر).
قال: (وجاء جبريل عليه السلام؛ فقال: يا محمد قل).
قال: ((ما أقول؟)).
قال: (قل: ((أعوذ بكلمات الله التامات التي لا يجاوزهن بر ولا فاجر من شر ما خلق وذرأ وبرأ، ومن شر ما ينزل من السماء، ومن شر ما يعرج فيها، ومن شر ما ذرأ في الأرض، ومن شر ما يخرج منها، ومن شر فتن الليل والنهار، ومن شر كل طارق إلا طارقاً يطرق بخير يا رحمن))؛ فطفئت نار الشياطين وهزمهم الله عزَّ وجل).

الحجامة
والحجامة نافعة جداً للمسحور والمعيون، لكن بشرط أن يكون الحاجم عارفاً بمواضع الحجامة المناسبة للحالة التي أمامه، ونوع السحر، ومبلغ أثر العين.
والنبي صلى الله عليه وسلم احتجم في مواضع متفرقة من علل مختلفة، وكان من العرب من يعرف مواضع الحجامة لكل علة بما يناسبها.
قال ابن القيّم رحمه الله: (مادة السِّحر الذى أُصيب به صَلَّى اللَّهُ عَلَيْهِ وَسَلَّمَ انتهت إلى رأسه إلى إحدى قُواه التى فيه بحيث كان يُخيَّل إليه أنه يفعل الشىءَ ولم يفعله، وهذا تصرُّف من الساحر فى الطبيعة والمادة الدموية بحيث غلبت تلك المادة على البطن المقدم منه، فغيَّرت مِزاجه عن طبيعته الأصلية.
والسِّحر: هو مركَّب من تأثيرات الأرواح الخبيثة، وانفعال القُوَى الطبيعية عنها وهو سحر التمريحات وهو أشدَّ ما يكون من السِّحر، ولا سيَّما فى الموضع الذى انتهى السِّحرُ إليه، واستعمالُ الحجامةِ على ذلك المكان الذى تضررت أفعالُه بالسِّحر من أنفع المعالجة إذا استُعْمِلتْ على القانون الذى ينبغي).


التوقيع :

رد مع اقتباس